.
وعنه عليه السلام قال : ( في ما أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام : يا موسى بن عمران ، ما خلقت خلقاً أحب إلي من عبدي المؤمن ، فإني إنما أبتليه لما هو خير له ، وأعافيه لما هو خير له ، وأزوي عنه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي وليرض بقضائي ، أكتبه في الصديقين عندي ، إذا عمل برضاي ، وأطاع أمري )
.
المؤمن بأنه مؤمن ؟ قال : ( بالتسليم لله ، والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط )
.
وروي في الإسرائيليات : أن عابداً عبد الله تعالى دهراً طويلاً ، فرأى في المنام : فلانة رفيقتك في الجنة ، فسأل عنها ، واستضافها ثلاثاً لينظر إلى عملها ، فكان يبيت قائماً ، وتبيت نائمة ، ويظل صائماً ، وتظلّ مفطرة ، فقال لها : أما لك عمل غير ما رايت ؟ فقالت : ما هو والله غير ما رأيت ، ولا أعرف غيره ، فلم يزل يقول : تذكري ، حتى قالت : خصيلة واحدة ، هي إن كنت في شدة لم أتمن أن أكون في رخاء ، وإن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة ، وإن كنت في شمس لم أتمنّ أن أكون في الظل ، فوضع العابد يديه على رأسه ، وقال : أهذه خصيلة ؟ هذه ـ والله ـ خصلة عظيمة يعجز عنها العباد .
فصل :
مرتبة الرضا عالية جداً على مرتبة الصبر ، بل نسبة الصبر إلى الرضا عند أهل الحقيقة ، نسبة المعصية إلى الطاعة ، فإن المحبة تقتضي اللّذة بالبلاء ، لأنّه يجد في البلاء نفسه على ذكر من محبوبه ، فيزيد قربه وأنسه .
الصبر يقتضي كراهة البلاء واستصعابه حتى يوجب الصبر عليه ، والكراهة تنافي الأنس ، فتبين بذلك أنّ الصبر والمحبة متنافيان .
وأيضاً ، فإنّ الصبر إظهار التجلّد ، وهو في مذهب المحبّة من أشد المنكرات نكراً ، وأظهر علامات العداوة طراً ، كما قيل :
ويحسن إظهار التجلّد للعدى ويقبح إلا العجز عند الأحبة |
ومن هنا قال أهل الحقيقة : الصبر من أصعب المنازل على العامّة ، وأوحشها في طريق المحبة ، وأنكرها في طريق التوحيد .
وإنّما كان أصعب عند العامة ، لأن العامي لم يتدرب بالرياضة ، ولم يتحنّك بالصبر على البلاء ، ولم يتعوّد بقمع النفس ، فلم يحتمل البلاء ، ولم يكن من أهل المحبة حتى يتلذّذ بالبلاء ، فإذا امتحنه الحق سبحانه بالبلاء ـ وهو في مقام النفس ـ لم يحتمل البلاء وغلبه الجزع ، وصعب عليه حبس النفس عن إظهاره لعدم طمأنينتها .
وإنّما كان أوحش المنازل في طريق المحبة ، لأنّ المحبة تقتضي الأنس بالمحبوب ، والإلتذاذ بالبلاء ، لشهود المتبلى فيه وإيثار مراد المحبوب ، والصبر يقتضي كراهة البلاء كما مرّ ، فيتنافيان .
وإنّما كان أنكر في مقام التوحيد ، لأنّ الصابر يدّعي قوة الثبات ، ودعوى الثبات والتجلّد من رعونات
(1) النفس ، والتوحيد يقتضي فناء النفس ، فيكون أنكر لأنّ إثبات النفس في طريق التوحيد من أقبح المنكرات ، بل الرضا مع عظم قدره وعلوّ أمره عند أهل التحقيق في التوحيد من أوائل مسالكه ، لأنّ سلوكهم في الفناء في التوحيد بذواتهم ، والرضا هو فناء الإرادة في إرادة الحق تعالى ، والوقوف الصادق مع مراد الله تعالى ، وفناء الصفة قبل فناء الذات .
وقد تبيّن لك بذلك ما بين الصبر والرضا من المراتب البعيدة والمسالك الشديدة .
-------------------------------
(1) في ( ح ) : مرغوبات .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 85 _
فصل :
للرضا ثلاث درجات ، مترتبة في القوّة ترتّبها في اللّفظ :
الدرجة الاولى : أن ينظر إلى موقع البلاء والفعل الذي يقتضي الرضا ، ويدرك موقعه ، ويحسّ بألمه ، ولكن يكون راضياً به ، بل راغباً فيه ، مريداً له بعقله ، وإن كان كارهاً له بطبعه ، طلباً لثواب الله تعالى عليه ، ومزيداً لزلفى لديه ، والفوز بالجنّة التي عرضها السموات والأرض ، وقد أعدت للمتقين .
وهذا القسم من الرضا هو رضا المتقين .
ومثاله مثال من يلتمس الفصد والحجامة من الطبيب العالم بتفاصيل أمراضه وما فيه اصلاحه ، فإنّه يدرك ألم ذلك الفعل ، إلاّ أنّه راض به ، وراغب فيه ، ومتقلّد من الفصّاد منةً عظيمة بفعله .
ومثله من يسافر في طلب الربح ، فإنّه يدرك مشقّة السفر ، ولكن حبّه لثمرة سفره طيّب عنده مشقّة السفر ، وجعله راضياً به ، ومهما أصابته بليّة من الله تعالى ـ وكان له يقين بأنّ ثوابه الذي ادخر له فوق مافاقه ـ رضي به ، ورغب فيه ، وأحبّه ، وشكرالله تعالى عليه .
الدرجة الثانية : أن يدرك الألم كذلك ، ولكنّه أحبّه لكونه مراد محبوبه ورضاه ، فإنّ من غلب عليه الحب كان جميع مراده وهواه ما فيه رضا محبوبه ، وذلك موجود في الشاهد بالنسبة إلى حبّ الخلق بعضهم بعضاً ، قد تواصفه المتواصفون في نظمهم ونثرهم ، ولا معنى له إلاّ ملاحظة حال الصورة الظاهرة بالبصر .
وما هذا الجمال إلاّ جلد على لحم ودم مشحون بالأقذار والأخباث ، بدايته من نطفة مذرة
(1) ، ونهايته جيفة قذرة ، وهو فيها بين ذلك يحمل العذرة .
والناظر لهذا الجمال الخسيس هو العين الخسيسة ، التي تغلط في ما ترى كثيراً ، فترى الصغير كبيراً ، والكبير صغيراً ، والبعيد قريباً ، والقبيح جميلاً .
فإذا تصوّر الإنسان استيلاء هذا الحبّ ، فمن أين يستحيل ذلك في حبّ الجمال الأزليّ الأبديّ ، الذي لاينتهي كماله المدرك بعين البصيرة ، التي لايعتريها الغلط ، ولا يزيلها الموت ، بل يبقى بعد الموت حيّاً عندالله ، فرحاً مسروراً برزق الله ، مستفيداً
-------------------------------
(1) مذرة : خبيثة ، من التمذّر ، وهو خبث النفس ( مجمع البحرين ـ مذر ـ 3 : 480 ) .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 86 _
بالموت مزيد تنبّه واستكشاف ، وهذا أمر واضح من حيث الإعتبار ، وتشهد له جملة من الآثار ، وردت من أحوال المحبيّن وأقوالهم ، يأتي بعضها إن شاءالله تعالى ، وهذه مرتبة المقرّبين .
الدرجة الثالثة : أن يبطل أحساسه بالألم ، حتى يجري عليه المؤلم ولايحس ، وتصيبه جراحة ولايدرك ألمه .
ومثاله الرجل المحارب ، فإنّه في حال غضبه أو حال خوفه قد تصيبه جراحة وهو لا يحسّ بها ، حتى إذا رأى الدم استدلّ به على الجراحة ، بل الذي يعدو في شغل مريب قد تصيبه شوكة في قدمه ، ولا يحسّ بألمه لشغل قلبه ، بل الذي يحجم ، أو يحلق رأسه بحديدة كالّة يتألم بها ، فإن كان قلبه مشغولاً بمهمّ من مهماته ، يفرغ الحجام أو الحالق ، وهو لا يشعربه .
وكلّ ذلك لأنّ القلب إذا صار مستغرقاً بأمر من الأمور لم يدرك ماعداه .
ونظائر ذلك في هموم أهل الدنيا ، واشتغالهم بها ، واكبابهم عليها ، حتى لا يتألمون ، ولا يحسّون بالجوع والعطش والتعب ـ لذلك ـ كثير مشاهد عياناً ، فكذلك العاشق المستغرق الهم بمشاهدة محبوبه ، قد يصيبه ما كان يتألّم به ، أو يغتمّ لولا عشقه ، ثمّ لا يدرك غمّه وألمه ، لفرط استيلاء الحب على قلبه ، هذا إذا أصابه من غير حبيبه ، فكيف إذا أصابه من حبيبه ؟ !
وشغل القلب بالحبّ والعشق من أعظم الشواغل ، وإذا تصوّر هذا في ألم يسير بسبب حبّ خفيف ، تصوّر في الألم العظيم بالحبّ العظيم ، فإنّ الحب أيضا يتصوّر تضاعفه في القوة ، كما يتصوّر تضاعف الألم ، وكما يقوى حب الصور الجميلة المدركة بحاسّة البصر ، فكذا يقوى حب الصور الجميلة الباطنة المدركة بنور البصيرة الربوبيّة ، وجلالها لا يقاس بها جلال ، فمن انكشف له شيء منه فقد يبهره ، بحيث يدهش ويغشى عليه ، فلا يحس بما يجري عليه .
كما روي عن امرأة أنها عثرت فانقطع ظفرها ، فضحكت ، فقيل لها : أما تجدين الوجع؟ فقالت : إن لذّة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه .
وكان بعضهم يعالج غيره من علّة فنزلت به ، فلم يعالج نفسه ، فقيل له في ذلك ، فقال : ضرب الحبيب لا يوجع .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 87 _
فصل :
في ذكر جماعة من السلف ، نقل العلماء رضاهم بالقضاء مضافاً إلى ما تقدّم .
إعلم أنّ أكثر ما أوردناه في باب الصبر عن جماعة الأكابر تضمّن الرضا بالقضاء ، بخصوص موت الولد ونحوه ، ولنذكر هنا اُموراً عامة :
لمّا اشتد البلاء على أيوب عليه السلام قالت امرأته : ألا تدعو ربّك ، فيكشف ما بك؟ فقال لها : ( يا امرأة إنّي عشت في الملك والرخاء سبعين سنة ، فأنا أريد أن أعيش مثلها في البلاء ، لعلّي كنت أدّيت شكرما أنعم الله عليّ ، وأولى بي الصبر على ما أبلى )
(1) .
وروي أن يونس عليه السلام قال لجبرئيل عليه السلام : ( دلّني على أعبد أهل الأرض ) ، فدلّه على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه ، وذهب ببصره وسمعه ، وهو يقول :
إلهي! متّعتني بهما ما شئت ، وسلبتني ماشئت ، وأبقيت لي فيك الأمل ، يابرٌّيا وصول
(2) .
وروي أنّ عيسى عليه السلام مرّ برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنبين بالفالج ، وقد تناثر لحمه من الجذام ، وهو يقول : الحمدلله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه .
فقال له عيسى عليه السلام : ( يا هذا ، وأي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟ ) .
فقال : يا روح الله ، أنا خير ممّن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته .
فقال له : ( صدقت ، هات يدك ) فناوله يده ، فإذا هو أحسن الناس وجهاً ، وأفضلهم هيئة ، قد أذهب الله عنه ما كان به ، فصحب عيسى عليه السلام ، وتعبد معه
(3) .
وقال بعضهم ، قصدت عبادان
(4) في بدايتي ، فإذا أنا برجل أعمى مجذوم مجنون
-------------------------------
(1) روي باختلاف في ألفاظ في تنبيه الخواطر 1 : 40 ، وارشاد القلوب : 127 .
(2 و 3) أخرجه المجلسي في البحار 82 : 153 .
(4) عبادان : بلد تحت البصرة. ( معجم البلدان 4 : 74 ) .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 88 _
قد صرع ، والنمل يأكل لحمه ، فرفعت رأسه ، ووضعته في حجري ، وأنا أردد الكلام ، فلمّا أفاق قال : من هذا الفضوليّ الذي يدخل بيني وبين ربي؟ فوحقّه لو قطّعني إرباً إرباً ، ما ازددت له إلاّ حبّاً .
وقطعت رجل بعضهم من ركبته من إكلة
(1) خرجت بها ، فقال : الحمدلله الذي أخذ منّي واحدة ، وترك ثلاثاً ، وعزّتك لئن كنت أخذت لقد أبقيت ، ولئن كنت ابتليت لقد عافيت ، ثمّ لم يدع ورده تلك اللّيلة .
وقال بعضهم ، نلت من كل مقام حالاً إلاّ الرضا بالقضاء ، فما لي منه إلاّ مشامّ الريح ، وعلى ذلك لو أدخل الخلائق كلّهم الجنة ، وأدخلني الناركنت بذلك راضياً ، وقيل لبعض العارفين : نلت غاية الرضا عنه ، فقال : أما الغاية فلا ، ولكن مقام من الرضا قد نلته ، لوجعلني الله جسراً على جهنم ، تعبر الخلائق عليّ إلى الجنة ، ثمّ ملأ بي جهنّم لأحببت ذلك من حكمه ، ورضيت به من قسمه .
وهذا كلام من علم أنّ الحبّ قد استغرق همّه ، حتى منعه الإحساس بألم النار ، واستيلاء هذه الحالة غير محال في نفسه ، لكنّه بعيد من الأحوال الضعيفة في هذا الزمان ، ولاينبغي أن يستنكر الضعيف المحروم حال الأقوياء ، ويظنّ أنّ ما هو عاجز عنه يعجز عنه غيره من الأولياء .
وكان عمران بن حصين
(2) ـ رضي الله عنه ـ استسقى بطنه ، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة لا يقوم ولا يقعد ، قد ثقب له في سريره موضع لقضاء الحاجة
(3) ، فدخل عليه أخوه العلاء فجعل يبكي لما يرى من حاله ، فقال : لم تبكي؟ قال : لأنّي أراك على هذه الحالة العظيمة ، قال : لا تبك ، فإن أحبّه لي الله تعالى أحبه ، ثمّ قال : أحدّثك شيئاً لعلّ الله
(4) ينفعك به ، واكتم عليّ حتى أموت ، إنّ الملائكة لتزورني
(5) فآنس بها ، وتسلّم عليّ فأسمع تسليمها ، فأعلم بذلك أنّ هذا البلاء ليس بعقوبة ، إذ هو سبب لهذه النعمة
-------------------------------
(1) الإكلة : الحكة ، ( الصحاح ـ أكل ـ 4 : 1624 ) .
(2) في ( ش ) و ( ح ) : عمر بن حصين ، والصواب ما أثبتناه وهو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي ، اسلم عام خيبر ، بعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة توفي سنه 52 أو 53 للهجرة ، راجع ( اسد الغابة 4 : 137 ، تهذيب التهذيب 8 : 125 ، الإصابة في تمييز الصحابة 3 : 26 ) .
(3) في ( ش ) : حاجته .
(4) في ( ش ) زيادة : أن .
(5) في ( ش ) : تزورني .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 89 _
الجسمية ، فمن شاهد هذا في بلائه ، كيف لا يكون راضياً به
(1) ؟
وقال بعضهم : دخلنا على سويد بن شعبة ، فرأينا ثوباً ملقى ، فما ظننّا أنّ تحته شيئاً حتى كشف ، فقالت امرأته : أهلك فداؤك ، أما نطعمك أما نسقيك؟ فقال : طالت الضجعة
(2) ، ودبرت الحراقيف
(3) ، وأصبحت نضواً
(4) ، لا اطعم طعاماً ، ولا أشرب شراباً منذ كذا ـ فذكر أياماً ـ وما يسرّني أنّي نقصت من هذا قلامة ظفر .
وروي عن بعضهم ، وكان قاسى المرض ستّين سنة ، فلمّا اشتدّ عليه حاله دخل عليه بنوه ، فقالوا : أتريد أن تموت ، حتى تستريح ممّا أنت فيه؟ قال : لا ، قالوا : فما تريد ؟ قال : ما لي إرادة ، إنّما أنا عبد ، وللسيّد الإرادة في عبده ، والحكم في أمره .
وقيل : اشتدّ المرض بفتح الموصلي ، وأصابه مع مرضه الفقر والجهد ، فقال : إلهي وسيدي ، ابتليتني بالمرض والفقر ، فهذا فعالك بالأنبياء والمرسلين ، فكيف لي أن اؤدي شكرما أنعمت به عليّ ؟
-------------------------------
(1) اسد الغابة 4 : 137 نحوه .
(2) الضجعة : هيئة الإضطجاع، ( لسان العرب 8 : 219 ) .
(3) الحرقفة : عظم الحجبة ، وهي رأس الورك ، والجمع ، الحراقف. ( لسان العرب 9 : 46 ) .
(4) النّضو : المهزول، ( لسان العرب 15 : 330 ) .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 90 _
فصل :
إعلم أنّ الدعاء يدفع البلاء ، وزوال المرض وحفظ الولد لاينافي الرضاء بالقضاء ، فقد تعبدنا الله سبحانه بالدعاء ، وندبنا إليه وحثّنا عليه ، وجعل تركه استكباراً وفعله عبادة ووعد بالإجابة ودعا الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأمروا به ، وما نقل عنهم خارج عن حدالحصر ، وقدأثنى الله تعالى على الداعين من عباده ، فقال : ( ويدعوننا رغباً ورهباً )
(1) .
ومن وظائف الداعي أن يكون في دعائه ممتثلاً لأمر ربّه تبارك وتعالى بالدعاء في طلب ما أمره
(2) بطلبه ، وأنّه لولا أمره به وإذنه له فيه لما اجترئ على التعرّض لمخالفة قضائه ، وفي الحقيقة هذا نوع من الرضاء لمن فهم مواضع
(3) الرضاء ، وأدّب نفسه ، وقام بوظائف الدعاء .
ومن علاماته أنّه إذا لم يجب إلى مطلوبه لا يتألّم من ذلك ، من حيث عدم إجابته ، لجواز أن يكون المدعو به مشتملأ على مفسدة لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، كما ورد أنّ العبد ليدعو الله تعالى بالشيء حتى ترحمه الملائكة وتقول : إلهي ارحم عبدك المؤمن ، وأجب دعوته ، فيقول الله تعالى : كيف أرحمه من شي به أرحمه ؟
نعم ، لو استوحش من حيث احتمال أن يكون السبب الذي أوجب ردّ دعائه بعده عن الله تعالى ، واستحقاقه للخيبة والإجباه
(4) والطرد والإبعاد ، فلاحرج ، فإن كمال المؤمن أن يكون ماقتاً لنفسه مزرياً عليها حتى لو اجيبت دعوته ، فلا يظنّن أنّ ذلك من كرامته على الله تعالى وقربه منه ، بل يجوز أن يكون ذلك من بغض الله تعالى وكراهته لصوته ، وتأذّي الملائكة برائحته ، فتسأل الله تعالى أن يعجّل بإجابته
(5) لتستريح منه .
-------------------------------
(1) الأنبياء 21 : 90 .
(2) في ( ش ) : ما أمر .
(3) في ( ش ) : مواقع .
(4) الإجباه : الإستقبال بالمكروه ،( لسان العرب ـ جبه ـ 13 : 483 ) .
(5) في ( ش ) : اجابته .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 91 _
وكذلك قد يكون سبب تأخير الإجابة ، من محبة الله تعالى وملائكته لصوته ، وتلذّذهم بمناجاته ، فتسأل الله تعالى تأخير اجابته
(1) ، كذلك كما ورد في الأخبار ، فالمؤمن أبداً بين رجاء وخوف ، فإنّ بهما قوام الأعمال ، والإنزجار عن المعاصي ، والرغبة في الطاعات .
-------------------------------
(1) في ( ح ) : حاجته .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 92 _
الباب الرابع : في البكاء :
إعلم أنّ البكاء بمجرّده غير مناف للصبر ولا للرضا بالقضاء ، وإنّما هو طبيعة بشرية ، وجبلة إنسانية ، ورحمة رحمية أو حبيبية فلا حرج في إبرازها ولا ضرر في إخراجها ، ما لم تشتمل على أحوال تؤذن بالسخط وتنبىء عن الجزع وتذهب بالأجر ، من شقّ الثوب ولطم الوجه وضرب الفخذ وغيرها .
وقد ورد البكاء في المصائب عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، ومن قبله من لدن آدم عليه السلام ، وبعده من آله وأصحابه مع رضاهم وصبرهم وثباتهم .
فأوّل من بكى آدم عليه السلام على ولده هابيل ، ورثاه بأبيات مشهورة ، وحزن عليه حزناً كثيراً ، وإن خفي شيء فلا يخفى حال يعقوب عليه السلام ، حيث بكى حتى ابيضّت عيناه من الحزن
(1) على يوسف عليه السلام .
ومن مشاهير الأخبار ما روي عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال : ( إنّ زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره ، قائماً ليله ، فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه ، فيضعه بين يديه ، ويقول : كل يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول الله جائعاً ، قتل ابن رسول الله عطشاناً ، فلا يزال يكرر ذلك ، ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزّ وجلّ )
(2) .
وروي عن بعض مواليه أنّه قال : برز يوماً إلى الصحراء فتبعته ، فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكائه ، فأحصيت عليه ألف مرة ، وهو يقول : ( لاإله إلا الله حقّاً حقاً ، لاإله إلاّ الله تعبّداً ورقاً ، لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقاً ) ثمّ رفع رأسه من سجوده وإنّ لحيته ووجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه ، فقلت : يا سيدي ، ما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقل ؟
فقال لي : ويحك ، إنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام كان نبياً ابن نبي ابن نبي ، له إثنا عشرابناً ، فغيّب الله واحداً منهم ، فشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حيّ في دارالدنيا ، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني ، ويقل
-------------------------------
(1) في ( ش ) زيادة : فهو كظيم .
(2) اللهوف في قتلى الطفوف : 87 .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 93 _
بكائي ؟ ! )
(1) .
وعن أنس بن مالك قال : دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله على أبي سيف القين ، وكان ظئراً
(2) لإبراهيم عليه السلام ، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقبله ، ويشمّه
(3) ، ثمّ دخل عليه بعد ذلك وإبراهيم عليه السلام يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله تذرفان ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله
(4)؟ فقال : ( يا ابن عوف ، إنّها رحمة ـ ثمّ أتبعها بأخرى ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ : العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنّا لفراقك ـ يا إبراهيم ـ لمحزونون )
(5) .
وعن أسماء ابنة زيد قالت : لمّا توفي ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ إبراهيم عليه السلام ـ بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله. فقال له المعزي : أنت أحقّ من عظّم الله عزّ وجلّ حقّه ، فقال رسول الله صلّىالله عليه وآله : ( تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ، لولا أنّه وعد حق وموعود جامع وأنّ الآخر تابع للأوّل ، لوجدنا عليك ـ يا إبراهيم ـ أفضل ممّا وجدناه ، وإنّا بك لمحزونون )
(6) .
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله بيد عبدالرحمن بن عوف فأتى إبراهيم وهو يجود بنفسه ، فوضعه في حجره ، فقال له : ( يا بني ، إنّي لا أملك لك من الله تعالى شيئاً ) وذرفت عيناه ، فقال له عبدالرحمن : يا رسول الله تبكي ، أولم تنه عن البكاء ؟ فقال صلّى الله عليه وآله : ( إنّما نهيت عن النوح ، عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لعب ولهو ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنّة شيطان ، إنّما هذه رحمة ، ومن لا يرحم لايرحم ، ولولا أنّه أمر حق ووعد صدق وسبيل نأتيه وأنّ آخرنا سيلحق أوّلنا ، لحزنّا عليك حزناً أشدّ من هذا ، وإنّا بك لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، ولانقول
-------------------------------
(1) اللهوف في قتلى الطفوف : 88 .
(2) الظئر : زوج المرضعة. ( لسان العرب 4 : 515 ) .
(3) في ( ح ) : ويضمه الى صدره .
(4) في ( ح ) زيادة : تبكي .
(5) صحيح البخاري 2 : 105 .
(6) سنن ابن ماجة 1 : 506/ 1589 ، ومنتخب كنز العمال 6 : 265 .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 94 _
ما يسخط الرب عزّ وجلّ )
(1) .
وعن أبي امامة قال : جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله حين توفي ابنه وعيناه تدمعان ، فقال : يا نبي الله ، تبكي على هذا السخل؟ والذي بعثك بالحق لقد دفنت اثني عشر ولداً في الجاهلية كلّهم أشب منه ، أدسّه في التراب ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ( فماذا ، إن كانت الرحمة ذهبت منك ، يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب وإنّا على إبراهيم لمحزونون ) .
وعن محمود بن لبيد قال : انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال الناس : انكسفت الشمس لموت إبراهيم ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله حين سمع ذلك فحمدالله ، وأثنى عليه ، ثمّ قال : ( أمّا بعد ـ أيّها الناس ـ أنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزّ وجلّ ، لا ينكسفان لموت أ حد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى المساجد ) ودمعت عيناه ، فقالوا : يا رسول الله تبكي ، وأنت رسول الله؟ فقال : ( إنّما أنا بشر ، تدمع العين ويفجع القلب ولا نقول مايسخط الرب ، والله ـ يا إبراهيم ـ إنّا بك لمحزونون )
(2) .
وعن خالد بن معدان ، قال لمّا مات إبراهيم بن النبي صلّى الله عليه وآله بكى ، فقيل : أتبكي يا رسول الله؟ فقال : ( ريحانة وهبها الله لي ، وكنت أشمّها ) .
وقال صلّى الله عليه وآله يوم مات إبراهيم : ( ما كان من حزن في القلب أو في العين فإنّما هو رحمة ، وما كان من حزن باللّسان وباليد فهو من الشيطان )
(3) .
وروى الزبير بن بكار : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله لمّا خرج بإبراهيم خرج يمشي ، ثمّ جلس على قبره ، ثم دلّي ، فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وآله قد وضع في القبر دمعت عيناه ، فلمّا رأى الصحابة ذلك بكوا حتى ارتفعت أصواتهم ، فأقبل عليه أبوبكر فقال : يا رسول الله ، تبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( تدمع العين ويوجع القلب ولا نقول ما يسخط الربّ عزّ وجلّ ) .
-------------------------------
(1) التعازي : 9/ 8 باختلاف يسير ، وروي باختلاف في ألفاظه في سنن الترمذي 2 : 237/ 1011 ، والجامع الكبير 1 : 290 ، وروي نحوه في منتخب كنز العمال 6 : 265 عن عبد بن حميد .
(2) روى نحوه الكليني في الكافي 3 : 208/ 7 عن علي بن عبدالله عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، ورواه باختلاف في ألفاظه عن المغيرة بن شعبة البخاري في صحيحه 2 : 42 و 48 ، ومسلم في صحيحه 2 : 628 و 630 .
(3) الجامع الكبير 1 : 709 باختلاف يسير .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 95 _
وعن السائب بن يزيد ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا مات ابنه الطاهر ذرفت عيناه ، فقيل : يا رسول الله ، بكيت؟ فقال صلّى الله عليه وآله : ( إنّ العين تذرف وإنّ الدمع يغلب ، وإنّ القلب يحزن ولا نعصي الله عزّوجلّ )
(1) .
وروى مسلم في صحيحه : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله زار قبر أمه ، فبكى وأبكى من حوله
(2) .
وروي : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا مات عثمان بن مظعون كشف الثوب عن وجهه ، ثمّ قبّل ما بين عينيه ، ثمّ بكى طويلأ ، فلمّا رفع السرير قال : ( طوباك ـ يا عثمان ـ لم تلبسك الدنيا ، ولم تلبسها )
(3) .
واشتكى سعد بن عبادة شكوى ، فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وآله يعوده ، فلمّا دخل عليه وجده في غشيته ، فقال : ( أو قد مات؟ ) فقالوا : لا يا رسول الله ، فبكى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلمّا رأى القوم بكاءه بكوا ، فقال : ( ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يعذّب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذّب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم )
(4) .
وروي : أنّ ابنة لرسول الله صلّى الله عليه وآله بعثت إليه : إنّ ابنتي مغلوبة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إنّ لله ما أخذ ، ولله ما أعطى ) وجاءها في ناس من أصحابه ، فأخرجت إليه الصبيّة ، ونفسها يتقعقع
(5) في صدرها ، فرقّ عليها ، وذرفت عيناه ، فنظر إليه أصحابه ، فقال : ( ما لكم تنظرون إليّ ؟ رحمة يضعها الله حيث يشاء ، إنّما يرحم الله من عباده الرحماء )
(6) .
وعن اسامة بن زيد قال : اتي النبي صلّى الله عليه وآله بامامة بنت زينب ، ونفسها يتقعقع في صدرها ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( لله ما أخذ ، ولله ما اعطى ، وكلّ إلى أجل مسمّى ) وبكى ، فقال له سعد بن عبادة : تبكي ، وقد نهيت عن
-------------------------------
(1) ورد الحديث في الجامع الكبير 1 : 207 .
(2) صحيح مسلم 2 : 671 ، سنن النسائي 4 : 90 ، سنن أبي داود 3 : 218/ 3234 .
(3) ورد الحديث في الجامع الكبير 1 : 568 .
(4) صحيح البخاري 2 : 106 ، صحيح مسلم 2 : 636/ 924 باختلاف يسير .
(5) تقعقع : اضطرب وتحرك. ( القاموس المحيط ـ قعقع ـ 3 : 72 ) .
(6) صحيح البخاري 2 : 100 و 7 : 151 و 8 : 166 و 9 : 141 و 164 ، صحيح مسلم 2 : 635/ 923 ، التعازي : 10 ، سنن ابن ماجة 1 : 506/ 1588 ، سنن أبي داود 3 : 193/ 3125 ، سنن النسائي 4 : 22 باختلاف في ألفاظه .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 96 _
البكاء! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إنّما هي رحمة يجعلها الله في قلوب عباده ، وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء )
(1) .
ولما اصيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله أسماء رضي الله عنها ، فقال لها : ( أخرجي إليّ ولد جعفر ، فخرجوا إليه : فضمّهم إليه وشمّهم ودمعت عيناه ، فقالت : يا رسول الله ، اصيب جعفر ؟ قال : نعم ، اُصيب اليوم )
(2) .
قال عبدالله بن جعفر : أحفظ حين دخل رسول الله على اُمي ، فنعى إليها أبي ، ونظرت إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي ، وعيناه تهراقان
(3) الدموع حتى تقطر لحيته ، ثم قال : ( اللّهم إنّ جعفراً قد قدم إلى أحسن الثواب ، فأخلفه في ذريته بأحسن ماخلفت أحداً من عبادك في ذريته ) ثمّ إنّه عليه السلام قال : ( يا أسماء ، ألا اُبشرك؟ ) قالت : بلى بأبي أنت وأمي ، فقال : ( إنّ الله عزّ وجلّ جعل لجعفر جناحين ، يطيربهما في الجنة ) .
وعن أبي عبدالله عليه السلام ، عن أبيه ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، أنّه لمّا جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن حارثة كان اذا دخل بيته بكى عليهما جدّاً ، وقال : ( كانا يحدّثاني ويؤنساني ، فجاء الموت فذهب بهما )
(4) .
وعن خالد بن سلمة قال : لمّا جاء نعي زيد بن حارثة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله منزل زيد ، فخرجت إليه بنية لزيد ، فلمّا رأت رسول الله صلّى الله عليه وآله خمشت في وجهها ، فبكى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال
(5) : هاه هاه
(6) ، فقيل : يا رسول الله ، ما هذا؟ قال : ( شوق الحبيب إلى حبيبه )
(7) .
ولمّا مات سعد بن معاذ رضي الله عنه بكى عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله
-------------------------------
(1) مسند أحمد 5 : 204 و 207 باختلاف يسير .
(2) المغازي للواقدي 2 : 766 باختلاف يسير .
(3) تهراقان : تجريان. ( لسان العرب 10 : 367 ) .
(4) الفقيه 1 : 113/ 527 باختلاف يسير .
(5) كذا ، ولعل المناسب : حتى قال .
(6) هاه هاه : حكاية صوت البكاء .
(7) مكارم الأخلاق : 22 .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 97 _
كثيراً .
وقال صلى الله عليه وآله لاُمّ سعد بن معاذ يوماً : ( ألا يرقأ
(1) دمعك ويذهب حزنك فإن ابنك اهتز له العرش ) .
قيل : وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله تذرف عيناه ، ويمسح وجهه ، ولا يسمع صوته
(2) .
وعن البراء بن عازب قال : بينما نحن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ بصر بجماعة ، فقال : ( على ما اجتمع هؤلاء؟ ) فقيل : على قبر يحفرونه ، قال : فبدر رسول الله صلّى الله عليه وآله بين يدي أصحابه مسرعاً حتى انتهى إلى القبر فجثا عليه ، قال : فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع ، فبكى حتى بلّ الثرى من دموعه ، ثمّ أقبل علينا فقال : ( إخواني ، لمثل هذا فأعدّوا )
(3) .
وعنه صلّى الله عليه وآله : ( العبرة لا يملكها أحد ، صبابة المرء على أخيه )
(4) .
ولما انصرف النبي صلّى الله عليه وآله من أٌحد راجعاً إلى المدينة لقيته حمنة بنت جحش ، فنعى لها الناس أخاها عبدالله بن جحش ، فاسترجعت واستغفرت له ، ثمّ نعي لها خالها حمزة ، فاسترجعت واستغفرت له ، ثمّ نعي لها زوجها مصعب بن عمير ، فصاحت وولولت ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إنّ لزوج المرأة منها لمكان ) لما رأى صبرها عن أخيها وخالها ، وصياحها على زوجها
(5) .
ثمّ مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على دار من دور الأنصار من بني عبدالأشهل فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عيناه وبكى ، ثم قال : ( لكن حمزة لا بواكي له ) فلمّا رجع سعد بن معاذ وأٌسيد بن حضير
(6) إلى دار بني عبدالأشهل ، أمرانساءهم أن يذهبن فيبكين على عمّ رسول الله صلّىالله عليه وآله ، فلمّا سمع
-------------------------------
(1) يرقأ الدمع : يجف وينقطع. ( لسان العرب 1 : 88 ) .
(2) مسند أحمد 6 : 456 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 206 ، الجامع الكبير 1 : 360 .
(3) مسند أحمد 4 : 294 ، وروي نحوه في سنن ابن ماجة 2 : 1403/ 4195 .
(4) الجامع الصغير 2 : 113/ 5135 ، وروي باختلاف يسير في الدرالمنثور 1 : 158 .
(5) السيرة النبوية لابن هشام 3 : 104 .
(6) في ( ح ) : أسيد بن حصين ، وفي ( ش ) : أسيد بن خضير ، والصواب ماأثبتناه ، وهو اُسيد بن حُضير ، أسلم قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير بالمدينة توفي سنة 20 للهجرة ودفن بالبقيع ، راجع ( اُسد الغابة : 1 : 92 ، تهذيب التهذيب 1 : 347 ) .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 98 _
رسول الله صلّى الله عليه وآله بكاءهن على حمزة خرج إليهن وهنّ على باب مسجده يبكين ، فقال لهن رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( ارجعن ـ يرحمكن الله ـ قد واسيتنّ بأنفسكن ) .
وروى الشيخ في (التهذيب) بإسناده إلى الصادق عليه السلام : ( إنّ إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته )
(1) .
-------------------------------
(1) التهذيب 1 : 465/ 1524 .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 99 _
فصل :
عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( ليس منّا من ضرب الخدود ، وشقّ الجيوب )
(1) .
وعن أبي اُمامة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ( لعن الله الخامشة وجهها ، والشاقة جيبها ، والداعية بالويل والثبور )
(2) .
وعنه صلّى الله عليه وآله ، أنه نهى أن تتبع جنازة معها رانّة
(3) .
وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كبر مقتاً عندالله الأكل من غير جوع ، والنوم من غير سهر ، والضحك من غير عجب ، والرنّة عند المصيبة ، والمزمار عند النعمة
(4) .
وعن يحيى بن خالد : أنّ رجلأ أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقال : مايحبط الأجر عند المصيبة؟ قال : ( تصفيق الرجل بيمينه على شماله ، والصبر عند الصدمة الأولى ، من رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط )
(5) .
وعن ام سلمة رضي الله عنها قالت : لمّا مات أبو سلمة رضي الله عنه قلت : غريب وفي أرض (غربة ، لأبكينّه)
(6) بكاءً يتحدّث عنه ، فكنت قد تهيّأت للبكاء ، إذ أقبلت امرأة تريد أن تسعدني ، فاستقبلها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال لها : ( أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه ) فكففت عن البكاء
(7) .
وعن الباقر عليه السلام : ( أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ، وجزّ الشعر ، ومن أقام النواح فقد ترك الصبر ، ومن صبر واسترجع وحمدالله ـ جلّ ذكره ـ فقد رضي بما صنع الله ، ووقع أجره على الله عزّ وجلّ ، ومن لم يفعل ذلك
-------------------------------
(1) مسند احمد 1 : 386 ، صحيح البخاري 2 : 104 ، صحيح مسلم 1 : 99/ 165 ، سنن ابن ماجة 1 : 504/ 1584 ، سنن النسائي 4 : 20 و 21 ، والبحار 82 : 93/ 45 .
(2) الجامع الصغير 2 : 405/ 7252 ، سنن ابن ماجة 1 : 505/ 1585 ، والبحار 83 : 93 .
(3) سنن ابن ماجة 1 : 504/ 1583 .
(4) الجامع الصغير 2 : 268/ 6216 .
(5) البحار 82 : 93 .
(6) في ( ح ) : غريبة لأبكين عليه .
(7) صحيح مسلم 2 : 635/ 922 .
مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الأحبة والأولاد
_ 100 _
جرى عليه القضاء وهو ذميم ، وأحبط الله عزوجل أجره
(1) .
وعن الصادق عليه السلام قال : ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ضرب الرجل يده على فخذه إحباط لأجره )
(2) .
-------------------------------
(1) الكافي 3 : 222/ 1 .
(2) الكافي 3 : 224/ 4 باختلاف يسير .