[ 223/16 ] أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أيّوب بن الحر (1) أخي اُديم ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : ( إنّ مولى عثمان كان سبّابة (2) لعليّ صلوات الله عليه ، فحدّثتني مولاة لهم ـ كانت تأتينا وتألفنا ـ : إنّه حين حضره الموت ، قال : مالي ولهم ، فقلت : جعلت فداك ما آمن هذا (3) ؟ فقال : أما تسمع قول الله عزّ وجلّ ( فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ) (4) الآية ، ثمّ قال : هيهات هيهات حتّى يكون الثبات (5) في القلب وإن صام وصلّى ) (6).
  [ 224/17 ] وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبدالله بن مسكان ، عن ضريس ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : ( قد أفلح المسلّمون ، إنّ المسلّمين هم النجباء ) (7).

---------------------------
(1) أيوب بن الحرّ : هو الجعفي الكوفي ، مولى ، ثقة ، روى عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، ذكره أصحابنا في الرجال ، يعرف بأخي أديم ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم ( عليهما السلام ) ، واقتصر البرقي على الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقط .
انظر رجال النجاشي : 103 / 256 ، رجال البرقي : 29 ، رجال الشيخ : 150 / 161 و 343 / 14 .
(2) في البصائر : إنّ رجلاً من موالي عثمان كان شتّاماً .
(3) في نسخة ( ض وس ) : ما اُمروا بهذا .
(4) النساء 4 : 65 .
(5) في البصائر : الشك .
(6) بصائر الدرجات : 523 / 18 ، وعنه في البحار 2 : 201 / 72 ، باختلاف يسير .
(7) بصائر الدرجات : 523 / 19 ، وعنه في البحار 2 : 202 / 73 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 227 _

  [ 225/18 ] وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبدالله بن مسكان ، عن سدير (1) ، قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إنّي تركت مواليك مختلفين يبرأ بعضهم من بعض ، فقال : ( وما أنت وذاك ، إنّما كلّف الله الناس ثلاث : معرفة الأئمّة ( عليهم السلام ) ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه ) (2).
  [ 226/19 ] وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، قال : أخبرني محمّد بن حمّاد السمندي (3) ، عن عبدالرحمن بن سالم الأشل ، عن أبيه قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( يا سالم إنّ الإمام هاد مهدي ، لايُدخله الله في عمىً ، ولايجهله عن سُنّة ، ليس للناس النظر في أمره ، ولا التجبّر عليه ، وإنّما اُمروا بالتسليم له ) (4).
  [ 227/20 ] وعنه عن أيّوب بن نوح (5) ، عن صفوان بن يحيى ، عن موسى بن

---------------------------
(1) سدير : هو ابن حكيم بن صهيب الصيرفي ، يكنى أبا الفضل ، كوفي ، مولى ، عدّه الشيخ من أصحاب الأئمّة الطاهرين السجّاد والباقر والصادق ( عليهم السلام ) ، وعدّه البرقي من أصحاب الإمامين الباقرين ( عليهما السلام ) .
انظر رجال الشيخ : 91 / 4 و 125 / 15 و 217 / 232 ، رجال البرقي : 15 و 18 .
(2) بصائر الدرجات : 523 / 20 ، وعنه في البحار 2 : 202 / 74 .
(3) في نسخة ( ض وس ) : السندي ، وفي البصائر : السمندلي .
(4) بصائر الدرجات : 523 / 21 ، وعنه في البحار 2 : 202 / 75 .
(5) أيّوب بن نوح : هو ابن درّاج النخعي أبو الحسين ، كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمّد ( عليهما السلام ) ، عظيم المنزلة عندهما ، مأموناً ، وكان شديد الورع ، كثير العبادة ، ثقة في رواياته ، كان من الصالحين ، وكان حين مات لم يخلّف إلاّ مقدار مائة وخمسين ديناراً ، وكان عند الناس أنّ عنده مالاً لأنّه كان وكيلاً لهم ( عليهم السلام ) ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي ( عليهم السلام ) ، انظر رجال النجاشي : 102 / 254 ، رجال الكشي : 572 / 1083 ، رجال البرقي : 54 و 57 ، رجال الطوسي : 368 / 20 و 398 / 11 و 410 / 13 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 228 _

  بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبيدة الحذّاء قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( من سمع من رجل أمراً لم يُحط به علماً فكذّب به ، ومن أمرِه الرضا بنا والتسليم لنا ، فإنّ ذلك لا يكفّره ) (1).
  [ 228/21 ] أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن منصور (2) الصيقل ، قال : دخلت أنا والحارث بن المغيرة وغيره على أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، فقال له الحارث : إنّه ـ يعني منصور الصيقل ـ يسمع حديثنا فو الله ما يدري ما يقبل وما يردّ ، فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( هذا رجل من المسلّمة ، إنّ المسلّمين هم النجباء ).
  ثمّ قال : ( فما يقول ؟ ) قال : يقول : قولي في هذا قول جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) ، فقال : ( بهذا نزل جبرئيل ( عليه السلام ) ) (3).
  [ 229/22 ] وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن سلمة بن حنّان ، عن أبي الصباح الكناني (4) ، قال : كنت عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، فقال :

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 524 / 23 ، وعنه في البحار 2 : 202 / 77 ، المراد من قوله ( عليه السلام ) ( لا يكفّره ) أي إذا كان جاهلاً بأمر الرضا والتسليم لما ورد عنهم ( عليهم السلام ) .
(2) في البصائر : صفوان ، وعنه في البحار كما في المختصر .
(3) بصائر الدرجات : 524 / 24 ، وعنه في البحار 2 : 202 / 78 ، إلى قوله : هم النجباء ، وباختلاف يسير في ألفاظه .
(4) أبو الصباح الكناني : هوابراهيم بن نعيم العبدي ، كان أبو عبدالله ( عليه السلام ) يسمّيه الميزان ، لثقته ، كان كوفياً ومنزله في كنانة فعرف به ، وكان عبدياً ، رأى أبا جعفر ( عليه السلام ) ، وروى عن أبي ابراهيم موسى ( عليه السلام ) ، عدّه البرقي من أصحاب الإمامين الصادقين ( عليهما السلام ) ، واقتصر الشيخ على الإمام الصادق ( عليه السلام ).
انظر رجال النجاشي : 19 / 24 ، خلاصة الأقوال : 47 / 1 ، رجال البرقي : 11 و 18 ، رجال الطوسي : 144 / 33.

مُختَصَرُ البَصائِر _ 229 _

  ( يا أبا الصباح ( قد أفلح المؤمنون ) (1) ـ قالها ثلاثاً وقلتها ثلاثاً ـ فقال : ( إنّ المسلّمين هم المنتجبون يوم القيامة ، وهم أصحاب النجائب ) (2).
  [ 230/23 ] محمّد بن عيسى بن عبيد ، قال : أقرأني (3) داود بن فرقد كتابه إلى أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) أعرفه بخطّه ، يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك ( عليهم السلام ) وأحاديث (4) قد اختلفوا علينا فيها ، فكيف العمل بها على اختلافها ؟ والردّ إليك وقد اختلفوا فيه ؟ فكتب إليه ـ وقرأته ـ : ( ما علمتم أنـّه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموا به فردّوه إلينا ) (5).
  [ 231/24 ] محمّد بن عبدالجبّار ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابراهيم بن الفضل (6) ، عن عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : يختلف أصحابنا في الشيء

---------------------------
(1) المؤمنون 23 : 1 ، وبعدها في البصائر زيادة : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : قد أفلح المسلّمون .
(2) بصائر الدرجات : 524 / 25 ، وعنه في البحار 2 : 203 / 79 باختلاف يسير ، ونقله البحراني في تفسير البرهان 4 : 11 / 3 ، عن سعد بن عبدالله .
(3) في نسخة ( س ) : أراني .
(4) في البصائر والسرائر : وأجدادك .
(5) بصائر الدرجات : 524 / 26 ، وعنه في البحار 2 : 241 / 33 ، باختلاف ، وأورده ابن ادريس في مستطرفات السرائر : 69 / 17 ، وعنه في الوسائل 27 : 119 / 36 ، وفيهما أنّ محمّد بن علي بن عيسى كتب إلى الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، بدل : داود بن فرقد .
(6) في البصائر : ابراهيم بن الفضيل .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 230 _

  فأقول : قولي في هذا قول جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) ، فقال : ( بهذا نزل جبرئيل ( عليه السلام ) ) (1).
  [ 232/25 ] أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي اُسامة زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : إنّ عندنا رجلاً يسمّى كليباً (2) لا يخرج عنكم حديث ولا شيء إلاّ قال : أنا اُسلّم ، فسمّيناه : كليب يسلم (3).
  قال : فترحّم عليه وقال : ( أتدرون ما التسليم ؟ ) فسكتنا ، فقال : ( هو والله الإخبات (4) ، قول الله عزّ وجلّ ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربّهم ) (5) ) (6).
  [ 233/26 ] وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن منصور بن

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 525 / 27 ، وعنه في البحار 2 : 241 / 34 .
(2) كليب : هو كليب بن معاوية بن جَبَلَةَ الصيداوي الأسدي ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله ( عليهما السلام ) ، وعدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمامين الصادقين ( عليهما السلام ) ، وذكره الشيخ أيضاً في من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) .
انظر رجال النجاشي : 318 / 871 ، رجال البرقي : 15 و 18 ، رجال الطوسي : 133 / 2 و 8 و278 / 15 و 491 / 1 .
(3) في البصائر : التسليم ، وفي نسخة ( س ) : تسليم .
(4) الإخبات : الإطمئنان والخشوع ، الصحاح 1 : 247 ـ خبت .
(5) هود 11 : 23 .
(6) بصائر الدرجات : 525 / 28 ، وعنه في البحار 2 : 203 / 80 ، وأورده العيّاشي في تفسيره 2 : 143 / 15 ، والكليني في الكافي 1 : 390 / 3 ، والطوسي في اختيار معرفة الرجال : 339 / 627 ، وكلّها باختصار ما عدا البصائر ، ونقله البحراني في تفسير البرهان 3 : 98 / 3 ، عن سعد بن عبدالله .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 231 _

  يونس ، عن بشير الدهّان ، قال : سمعت كامل التـمّـار يقول (1) : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) ( قد أفلح المؤمنون ) (2) أتدري من هم ؟ ) قلت : أنت أعلم بهم ، قال : ( قد أفلح المسلّمون ، إنّ المسلّمين هم النجباء ) (3).
  [ 234/27 ] وعنه ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر بن محمّد الحضرمي ، عن أبي الصباح الكناني الخيبري قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إنّا نتحدّث عنك بحديث فيقول بعضنا : قولنا قولهم (4) ، قال : ( فما تريد ، أتريد أن تكون إماماً يقتدى بك ؟ من ردّ القول إلينا فقد سلّم ) (5).
  [ 235/28 ] وعنه ، عن عمر بن عبدالعزيز ، عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ( إنّ من قرّة العين التسليم إلينا ، وأن تقولوا بكلّ ما اختلف عنّا أو تردّوه إلينا ) (6).
  [ 236/29 ] وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبدالله بن الجارود ، عن الفضيل بن يسار ، قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنا ومحمّد بن مسلم (7) فقلنا : ما لنا وللناس ، بكم والله نأتمّ ، وعنكم نأخذ ، ولكم وال
له
---------------------------
(1) في البصائر : سمعت كليباً يقول ، وعنه في البحار كما في المختصر .
(2) المؤمنون 23 : 1 .
(3) بصائر الدرجات : 525 / 29 ، وعنه في البحار 2 : 203 / 81 .
(4) في نسخة ( ض وس ) : قولكم .
(5) بصائر الدرجات : 525 / 30 ، وفيه عن أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) .
(6) بصائر الدرجات : 525 / 31 ، وعنه في البحار 2 : 204 / 82 .
(7) محمّد بن مسلم : هو ابن رباح أبو جعفر الأوقص الطحّان ، مولى ثقيف ، وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ، ورع ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله ( عليهما السلام ) ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمامين الصادقَين ( عليهما السلام ) ، وكان من أوثق الناس ، قال في حقّه الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً أربعة : منهم محمّد بن مسلم ) مات ( رحمه الله ) سنة خمسين ومائة .
اُنظر رجال النجاشي : 323 / 882 ، رجال البرقي : 9 و17 ، رجال الطوسي : 135 / 1 و300/ 316 ، رجال الكشي : 135 / 215 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 232 _

  نسلّم ، ومن ولّيتم والله تولّينا ، ومن برئتم منه برئنا منه ، ومن كففتم عنه كففنا عنه .
  فرفع أبو عبدالله ( عليه السلام ) يده إلى السماء فقال : ( والله هذا هو الحقّ المبين ) (1).
  [ 237/30 ] وعنه ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن منصور الصيقل (2) ، قال : قال بعض أصحابنا لأبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ وأنا قاعد عنده ـ : ما ندري ما يقبل من هذا حديثنا ممّا يردّ ، فقال : ( وما ذاك ؟ ) قال : ليس بشيء يسمعه منّا إلاّ قال : القول قولهم .
  فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( هذا من المسلّمين ، إنّ المسلّمين هم النجباء ، إنّما عليه إذا جاءه شيء لا يدري ما هو أن يردّه إلينا ) (3).
  [ 238/31 ] وعنهما والهيثم بن أبي مسروق (4) ، عن اسماعيل بن مهران ، عمّن

---------------------------
(1) لم أعثر له على مصدر .
(2) منصور الصيقل : كوفي ، عدّه البرقي من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ). رجال البرقي : 39 .
(3) لم أعثر له على مصدر .
(4) الهيثم بن أبي مسروق : هو النهدي ، كوفي ، قريب الأمر ، واسم أبيه عبدالله. عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر ( عليه السلام ). وفي من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) ونقل الكشي عن حمدويه ، قال : لأبي مسروق ابن يقال له الهيثم ، سمعت أصحابي يذكرونهما بخير ، كلاهما فاضلان .
انظر النجاشي : 437 / 1175 ، رجال الشيخ : 140 / 6 و 516 / 2 ، رجال الكشي : 372 / 696 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 233 _

  حدّثه من (1) أصحابنا ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال : ( ما على أحدكم إذا بلغه عنّا حديث لم يُعط معرفته أن يقول : القول قولهم ، فيكون قد آمن بسرّنا وعلانيّتنا ) (2).
  [ 239/32 ] حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقي ، عن عبدالله بن جندب ، عن سفيان بن السمط (3) ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : جعلت فداك يأتينا الرجل من قبلكم يُعرف بالكذب فيحدّث بالحديث فنستبشعه .
  فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( يقول لك : إنّي قلت الليل إنّه نهار ، والنهار إنّه ليل ؟ ) قلت : لا ، قال : ( فإن قال لك هذا إنّي قلته فلا تكذّب به ، فإنّك إنّما تكذّبني ) (4).
  [ 240/33 ] وحدّثني علي بن اسماعيل بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن عمرو بن سعيد الزيّات (5) ، عن عبدالله بن جندب ، عن سفيان بن السمط ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : إنّ الرجل

---------------------------
(1) في نسخة ( ض ) : عن .
(2) لم أعثر له على مصدر .
(3) سفيان بن السمط : هو البجلي ، بزّاز ، كوفي ، عربي ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، انظر رجال البرقي : 41 ، رجال الطوسي : 213 / 164 .
(4) نقله المجلسي عن بصائر الأشعري في البحار 2 : 211 / 110 .
(5) في نسخة ( س ) والمختصر المطبوع ص 77 : محمّد بن عمرو ، عن سعد الزيات ، وما في المتن ظاهراً هو الصحيح ، وهو الزيّات المدائني ، ثقة عين ، روى عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، عدّه الشيخ في رجاله في من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) .
انظر رجال النجاشي : 369 / 1001 ، رجال الطوسي : 510 / 105 ، خلاصة الأقوال : 264 / 936 ، معجم رجال الحديث 18 : 81 ، مستدركات النمازي 7 : 256 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 234 _

  يأتينا من قبلكم فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر ، فتضيق لذلك صدورنا حتّى نكذّبه .
  فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( أليس عنّي يحدّثكم ؟ ) قلت : بلى ، قال : ( فيقول للّيل إنّه نهار ، وللنهار إنّه ليل ) فقلت : لا ، قال : ( فردّوه إلينا ، فإنّك إذا كذّبته فإنّما تكذّبنا ) (1).
  [ 241/34 ] أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، عن عمّه حمزة بن بزيع ، عن علي بن سويد السائي (2) ، عن أبي الحسن الأول ( عليه السلام ) أنّه كتب إليه في رسالته : ( ولا تقل لما يبلغك عنّا اُو يُنسب إلينا هذا باطل ، وإن كنت تعرف خلافه ، فإنّك لا تدري لِمَ قلناه ، وعلى أيّ وجه وضعناه (3) ) (4).
  [ 242/35 ] وعنهما ، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، عن جعفر بن بشير البجلي ،

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 537 / 3 ، وعنه في البحار 2 : 187 / 14 .
(2) في المختصر المطبوع ص 77 : السائبي ، وفي نسخة ( س وض ) : التهامي ، وفي البصائر : السناني ، وما في المتن هو الصواب ، ولقّب بالسائي نسبة إلى قرية قريبة من المدينة يقال لها : الساية ، وهو ثقة روى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) والراوي رسالته إليه ، عدّه الشيخ والعلاّمة من أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وقد وثّقاه .
اُنظر رجال النجاشي : 276 / 724 ، رجال الشيخ : 380 / 6 ، خلاصة الأقوال : 175 / 516 .
(3) في نسختي ( س وض ) : وصفناه ، وفي ( س ) زيادة بعد وصفناه : آمن بما أخبرتك ولا تفش ما استكتمتك .
(4) بصائر الدرجات : 538 / 4 ، وعنه في البحار 2 : 186 / 11 ، وأورد الكليني الرسالة كاملة في الكافي 8 : 125 ـ 126 / 95 بثلاثة أسانيد ، وعنه في معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة ( عليهم السلام ) للفيض الكاشاني 2 : 137 / 130 ، وذكرها باختصار الشيخ الطوسي في اختيار معرفة الرجال : 454 / 859 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 235 _

  ( قال محمّد بن الحسين : وقد حدّثني به جعفر بن بشير ) (1) ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، أو عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : ( لا تكذّبوا الحديث أتاكم به مرجيءٌ (2) ولا قدريّ ولا خارجيّ نسبه إلينا ، فإنّكم لا تدرون لعلّه من الحقّ ، فتكذّبون الله عزّ وجلّ فوق عرشه ) (3).
  [ 243/36 ] أحمد بن محمّد بن عيسى (4) ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن

---------------------------
(1) ما بين القوسين لم يرد في نسخة ( س ).
(2) الإرجاء على معنيين : الأول : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى في سورة الأعراف آية : 111 ( قالوا أرجِهِ وأخاه ) أي أمهله وأخّره ، والثاني : إعطاء الرجاء ، وإطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول ، لأنّهم كانوا يؤخّرون العمل على النيّة والعقد ، وأمّا بالمعنى الثاني فظاهر لأنّهم يقولون : لاتضرّ مع الإيمان معصية ، كما لاتنفع مع الكفر طاعة .
والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومرجئة الجبرية ، والمرجئة الخالصة ، انظر الملل والنحل للشهرستاني 1 : 139 .
(3) بصائر الدرجات : 538 / 5 ، باختصار ، وعنه في البحار 2 : 186 / 10 ، وأورده البرقي في المحاسن 1 : 360 / 177 ، وفيه : حروريّ بدل خارجي ، والصدوق في علل الشرائع : 395 / 13 ، وفيه أبي حصين بدل : أو غيره ، ونقله المجلسي عن بصائر الدرجات للأشعري في البحار 2 : 212 / 111 .
(4) أحمد بن محمّد بن عيسى : الأشعري ، أبو جعفر شيخ قم ووجهها وفقيهها ، ثقة ، أول من سكن قم من آبائه سعد بن مالك بن الأحوص ، لقى أبا الحسن الرضا وأبا جعفر الثاني وأبا الحسن العسكري ( عليهم السلام ) ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي ( عليهم السلام ) ، واقتصر البرقي على الإمام الهادي ( عليه السلام ) فقط .
اُنظر رجال النجاشي : 81 / 198 ، رجال البرقي : 59 ، رجال الطوسي : 366 / 3 و397/6 و409/ 3 ، رجال العلاّمة : 61 / 67 ، رجال ابن داود : 44 / 131 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 236 _

  يحيى ، عن اسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير أو عمّن سمع أبا بصير يحدّث عن أحدهما ( عليهما السلام ) في قول الله عزّ وجلّ ( الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ) (1) قال : ( هم المسلّمون لآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم ، إذا سمعوا الحديث جاؤوا به كما سمعوه ، ولم يزيدوا فيه ، ولم ينقصوا منه ) (2) .

---------------------------
(1) الزمر 39 : 18 .
(2) أورده الكليني في الكافي 1 : 391 / 8 ، بتقديم وتأخير وبسند آخر عن أبي بصير ، والمفيد في الاختصاص : 5 ، باختلاف يسير وبنفس السند ، ونقله البحراني في تفسير البرهان 4 : 703 / 6 ، عن سعد بن عبدالله القمّي .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 237 _

باب : في نوادر مختلفة
وكتاب أبي عبدالله ( عليه السلام ) إلى المفضّل بن عمر ( رضي الله عنه )
(1)
  [ 244/1 ] حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن حفص المؤذّن ، قال : كتب أبو عبدالله ( عليه السلام ) إلى أبي الخطّاب : ( بلغني أنّك تزعم أنّ الخمر رجل ، وأنّ الزنا رجل ، وأنّ الصلاة رجل ، وأنّ الصوم رجل ، وليس كما تقول ، نحن أصل الخير ، وفروعه (1) طاعة الله ، وعدوّنا أصل الشرّ ، وفروعه (2) معصية الله ـ ثمّ كتب ـ كيف يطاع من لا يُعرف ، وكيف يُعرف من لا يطاع ) (3).
  [ 245/2 ] وعنه ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( لا تقولوا لكلّ آية : هذا رجل وهذا رجل ، من القرآن حلال ، ومنه حرام ، ومنه نبأ ما قبلكم ، وحكم ما بينكم ، وخبر ما بعدكم

---------------------------
(1 و 2) في نسخة ( س ) : فرعه .
(3) بصائر الدرجات : 536 / 2 ، وعنه في البحار 24 : 301 / 8 ، وأورده الطوسي في اختيار معرفة الرجال : 291 / 512 ، عن حمدويه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن بشير الدهّان ، عنه ( عليه السلام ) .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 238 _

  فهكذا هو ) (1).
  [ 246/3 ] وعنه ، عن آدم بن اسحاق الأشعري ، عن هشيم (2) بن بشير ، عن الهيثم بن عروة التميمي (3) ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( يا هيثم التميمي إنّ قوماً آمنوا بالظاهر وكفروا (4) بالباطن ، فلم ينفعهم ( شيء ، وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفعهم ) (5) ذلك شيئاً ، ولا إيمان ظاهر إلاّ بباطن ، ولا باطن إلاّ بظاهر ) (6).
  [ 247/4 ] القاسم بن ربيع الورّاق ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن صباح المدائني ، عن المفضّل بن عمر أنّه كتب إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) كتاباً فجاءه هذا الجواب من أبي عبدالله ( عليه السلام ).
  ( أمّا بعد فإنّي اُوصيك ونفسي بتقوى الله وطاعته ، فإنّ من التقوى الطاعة ، والورع ، والتواضع لله والطمأنينة ، والإجتهاد له ، والأخذ بأمره ، والنصيحة لرسله ، والمسارعة في مرضاته ، واجتناب ما نهى عنه ، فإنّه من يتّق الله فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله ، وأصاب الخير كلّه في الدنيا والآخرة ، ومن أمر بالتقوى فقد أبلغ في

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 536 / 3 ، وعنه في البحار 24 : 301 / 9 .
(2) في البصائر : هشام .
(3) الهيثم بن عروة التميمي : كوفي ، ثقة ، روى عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
انظر رجال النجاشي : 437 / 1174 ، رجال البرقي : 40 ، رجال الطوسي : 331 / 36 .
(4) في نسختي ( س وض ) : وكذّبوا .
(5) ما بين القوسين لم يرد في نسختي ( س وض ) .
(6) بصائر الدرجات : 536 / 5 ، وعنه في البحار 24 : 302 / 110 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 239 _

  الموعظة ، جعلنا الله وإيّاكم من المتّقين برحمته .
  جاءني كتابك فقرأته وفهمت الذي فيه ، فحمدت الله على سلامتك وعافية الله إيّاك ، ألبسنا الله وإيّاك عافية في الدنيا والآخرة .
  كتبت تذكر أنّ قوماً أنا أعرفهم كان أعجبك نحوهم وشأنهم وأنّك اُبلغت عنهم اُموراً تروى عنهم (1) كرهتها لهم ، ولم تر منهم إلاّ هدياً حسناً ، وورعاً وتخشّعاً .
  وبلغك أنّهم يزعمون أنّ الدين إنّما هو معرفة الرجال ، ثمّ من بعد ذلك إذا عرفتهم فاعمل (2) ما شئت .
  وذكرت أنّك قد عرفت أنّ أصل الدين معرفة الرجال ، وفّقك الله.
  وذكرت أنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الصلاة ، والزكاة ، وصوم شهر رمضان ، والحج ، والعمرة ، والمسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والمشعر الحرام ، والشهر الحرام هم رجال ، وأنّ الطهر والاغتسال من الجنابة هو رجل ، وكلّ فريضة افترضها الله عزّ وجلّ على عباده فهي رجال .
  وأنّهم ذكروا ذلك بزعمهم أنّ من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل ، وقد صلّى وآتى الزكاة ، وصام ، وحج ، واعتمر ، واغتسل من الجنابة وتطهّر ، وعظّم حرمات الله ، والشهر الحرام ، والمسجد الحرام ، والبيت الحرام .
  وأنّهم ذكروا أنّ من عرف هذا بعينه وبحدّه وثبت في قلبه جاز له أن يتهاون بالعمل ، وليس عليه أن يجتهد في العمل ، وزعموا أنّهم إذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها ، وإن هم لم يعملوا بها .

---------------------------
(1) في نسخة ( س وض ) : يروونها عليهم ، بدل : تروى عنهم .
(2) في نسخة ( س وض ) : فافعل .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 240 _

  وأنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الفواحش التي نهى الله عنها من الخمر ، والميسر ، والميتة ، والدم ، ولحم الخنزير هم رجال .
  وذكروا أنّ ما حرّم الله عزّ وجلّ من نكاح الاُمّهات والبنات ، والأخوات ، والعمّات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الاُخت ، وما حرّم الله على المؤمنين من النساء إنّما عنى بذلك نكاح نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما سوى ذلك فمباح كلّه .
  وذكرت أنّه بلغك أنّهم يترادفون المرأة الواحدة ، ويتشاهدون بعضهم لبعض بالزور ، ويزعمون أنّ لهذا ظهراً وبطناً يعرفونه ، فالظاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم ، والباطن هو الذي يطلبون وبه اُمروا بزعمهم .
  وكتبت تذكر الذي عظم عليك من ذلك حين بلغك ، فكتبت تسألني ( عن قولهم في ذلك أحلال هو أم حرام ، وكتبت تسألني ) (1) عن تفسير ذلك وأنا اُبيّنه لك حتّى لا تكون من ذلك في عمىً ولا شبهة تدخل عليك .
  وقد كتبتُ إليك في كتابي هذا تفسير ما سألت عنه فاحفظه الحفاظ كلّه وعِهِ ، كما قال الله تعالى ( وتعيها اُذن واعية ) (2) وأنا أصفه لك بحلّه ، وأنفي عنك حرامه إن شاء الله تعالى كما وصفت لك ، واُعرّفكه حتّى تعرفه إن شاء الله تعالى فلا تنكره ، ولا قوة إلاّ بالله ، والقوّة والعزّة لله جميعاً .
  اُخبرك أنّه من كان يؤمن ويدين بهذه الصفة التي سألتني عنها فهو مشرك بالله ، بيّن الشرك لا يسع لأحد الشكّ فيه .
  واُخبرك أنّ هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله ، ولم يعطوا

---------------------------
(1) ما بين القوسين لم يرد في نسختي ( س وض ) .
(2) الحاقّة 69 : 12 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 241 _

  فَهْمَ ذلك ولم يعرفوا حدود ما سمعوا ، فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم ومنتهى عقولهم ، ولم يضعوها على حدود ما اُمروا كذباً وافتراءً على الله تعالى وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وجرأة على المعاصي ، فكفى بهذا لهم جهلاً ، ولو أنّهم وضعوها على حدودها التي حُدّت لهم وقبلوها ، لم يكن به بأس ولكن حرّفوها وتعدّوا الحق ، وكذّبوا فيها ، وتهاونوا بأمر الله وطاعته.
  ولكن اُخبرك أنّ الله عزّ وجلّ حدّها بحدودها لئلاّ يتعدّى حدود الله أحد ، ولو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهل ما لم يعرفوا حدّ ما حدّ لهم فيه ، ولكان المقصّر والمتعدّي حدود الله معذوراً إذا لم يعرفوها ، ولكن جعلها الله عزّ وجلّ حدوداً محدودة (1) لايتعدّاها إلاّ مشرك كافر ، قال الله عزّ وجلّ ( تلك حدودُ الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فاُولئك هم الظالمون ) (2).
  واُخبرك حقّاً يقيناً أنّ الله تبارك وتعالى اختار الإسلام لنفسه ديناً ورضيه لخلقه ، فلم يقبل من أحد عملاً إلاّ به ( وبه بعث أنبياءه ورسله ، ثم قال ( وبالحقّ أنزلناه وبالحق نزل ) (3) فعليه وبه بعث أنبياءه ورسله ونبيّه محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ) (4) ، فأصل الدين معرفة الرسل وولايتهم ، وإنّ الله عزّ وجلّ أحلّ حلالاً ، وحرّم حراماً فجعل حلاله حلالاً إلى يوم القيامة ، وجعل حرامه حراماً إلى يوم القيامة.
  فمعرفة الرسل وولايتهم وطاعتهم هي الحلال ، فالمحلّل ما حلّلوا ، والمحرّم

---------------------------
(1) في نسخة ( س وض ) : لحدوده .
(2) البقرة 2 : 229 .
(3) الاسراء 17 : 105 .
(4) في نسخة ( س وض ) : وقد بعث أنبياءه وبعث محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بدل ما بين القوسين .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 242 _

  ما حرّموا ، وهم أصله ، ومنهم الفروع الحلال ، فمن فروعهم أمرهم شيعتهم وأهل ولايتهم بالحلال ، من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، والعمرة ، وتعظيم حرمات الله عزّ وجلّ وشعائره ومشاعره ، وتعظيم البيت الحرام ، والمسجد الحرام ، والشهر الحرام ، والطهر ، والاغتسال من الجنابة ، ومكارم الأخلاق ومحاسنها ، وجميع البرّ ، وذكر الله ذلك في كتابه فقال ( إنّ الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون ) (1).
  فعدوّهم هم الحرام المحرّم ، وأولياءهم هم الداخلون في أمرهم إلى يوم القيامة ، وهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والخمر ، والميسر ، والربا ، والزنا ، والميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، فهم الحرام المحرّم ، وأصل كلّ حرام ، ( وهم الشرّ وأصل كلّ شر ) (2) ، ومنهم فروع الشرّ كلّه .
  ومن تلك الفروع استحلالهم الحرام وإتيانهم إيّاها ، ومن فروعهم تكذيب الأنبياء ( عليهم السلام ) وجحود الأوصياء ( عليهم السلام ) ، وركوب الفواحش من الزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر والمسكر ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والخديعة ، والخيانة ، وركوب المحارم كلّها ، وانتهاك المعاصي.
  وإنّما أمر الله تعالى بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى (3) ـ يعني مودّة ذوي

---------------------------
(1) النحل 16 : 90 .
(2) في نسخة ( س وض ) : وهم الشرّ وأصل الشرّ وكلّ الشرّ .
(3) في معادن الحكمة عن البصائر زيادة : فالأنبياء وأوصياؤهم هم العدل والإحسان ، وايتاء ذي القربى. ولم ترد العبارة في البصائر المطبوع .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 243 _

  القربى ـ وابتغاء (1) طاعتهم ، ( وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) (2) وهم أعداء الأنبياء ( عليهم السلام ) وأوصياء الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وهم المنهيّ عنهم وعن مودّتهم وطاعتهم ( يعظكم ـ بهذا ـ لعلّكم تذكّرون ) (3).
  واُخبرك أنّي لو قلت لك : إنّ الفاحشة ، والخمر ، والزنا ، والميتة ، والدم ، ولحم الخنزير هو رجل ، وأنا أعلم إنّ الله عزّ وجلّ قد حرّم هذا الأصل وحرّم فروعه ونهى عنه ، وجعل ولايته كمن عبد من دون الله وثناً وشركاء ، ومن دعا إلى عبادة نفسه كفرعون إذ قال : ( أنا ربّكم الأعلى ) (4) فهذا كلّه على وجه إن شئت قلت : هو رجل وهو إلى جهنّم ، وكلّ من شايعهم على ذلك فإنّهم (5) مثل قول الله عزّ وجلّ ( إنّما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) (6) لصدقت ، ثمّ إنّي لو قلت : إنّه فلان وهو ذلك كلّه لصدقت ، إنّ فلاناً هو المعبود من دون الله والمتعدّي لحدود الله التي نهى عنها أن تُتعدّى .
  ثمّ اُخبرك أنّ أصل الدين هو رجل وذلك الرجل هو اليقين ، وهو الإيمان ، وهو إمام أهل زمانه ، فمن عرفه عرف الله ودينه ( ومن أنكره أنكر الله ودينه ، ومن جهله جهل الله ودينه ) (7) ، ولا يُعرف الله ودينه وشرائعه بغير ذلك الإمام ، كذلك جرى بأنّ معرفة الرجال دين الله عزّ وجلّ.

---------------------------
(1) في نسخة ( س وض ) : واتّباع .
(2 و 3) النحل 16 : 90 .
(4) النازعات 79 : 24 .
(5) في نسخة ( ض ) والبصائر : فافهم .
(6) البقرة 2 : 173 والنحل 16 : 115 .
(7) ما بين القوسين لم يرد في نسخة ( س ) .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 244 _

  والمعرفة على وجهين : معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله (1) ، فهذه المعرفة الباطنة الثابتة بعينها ، الموجب حقّها ، المستوجب عليها الشكر لله ، الذي منّ عليكم بها منّاً من الله ، يمنّ به على من يشاء من عباده مع المعرفة الظاهرة.
  ومعرفة في الظاهر ، فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحق على غير علم به ، ( لا يستحقّ أهلها ما يستحقّ أهل المعرفة بالباطن (2) على بصيرتهم ، ولا يصلوا بتلك المعرفة المقصّرة إلى حق معرفة الله ، كما قال في كتابه ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلاّ من شهد بالحق وهم يعلمون ) (3) فمن شهد شهادة الحقّ لايعقد عليه قلبه ، ( ولايبصر ما يتكلّم به ، لم يثبه الله عليه ثواب من عقد عليه قلبه على بصيرة فيه ) (4).
  وكذلك من تكلّم بجور لايعقد عليه قلبه ، لا يعاقب عليه عقوبة من عقد قلبه وثبت عليه على بصيرة ، وقد عرفت كيف كان حال أهل المعرفة في الظاهر ، والإقرار بالحق على غير علم في قديم الدهر وحديثه ، إلى أن انتهى (5) الأمر إلى نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعده إلى من صاروا (6) ، وإلى ما انتهت به معرفتهم ، وإنّما عرفوا بمعرفة أعمالهم ، ودينهم الذي دانوا به الله عزّ وجلّ ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وقد يقال :

---------------------------
(1) في البصائر زيادة : ويوصل بها إلى معرفة الله.
(2) في المختصر المطبوع والبصائر : لا يلحق بأهل المعرفة في الباطن ، بدل ما بين القوسين .
(3) الزخرف 43 : 86 .
(4) في نسخة ( ض وس ) : ولا يتبصّر بها لم يثبه الله عليها ثواب من عقد عليها قلبه وأبصرها ، بدل ما بين القوسين .
(5) في نسخة ( ض ) : انتهاء ، بدل : أن انتهى .
(6) في معادن الحكمة عن البصائر زيادة : أوصياءه ، ولم ترد في البصائر .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 245 _

  إنّه من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة ، خرج منه كما دخل فيه ، رزقنا الله وإيّاك معرفة ثابتة على بصيرة .
  واُخبرك أنّي لو قلت : إنّ الصلاة ، والزكاة ، وصوم شهر رمضان ، والحجّ ، والعمرة ، والمسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والمشعر الحرام ، والطهر ، والاغتسال من الجنابة ، وكلّ فريضة كان ذلك هو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي جاء به من عند ربّه ، ( لصدقت لأنّ ذلك كلّه إنّما يعرف ) (1) بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولولا معرفة ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والإقرار به ، والتسليم له ، ما عرفت ذلك ، فذلك من الله عزّ وجلّ على من يمنّ به عليه ، ولولا ذلك لم أعرف شيئاً من هذا .
  فهذا كلّـه ذلـك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصلـه ، وهو فرعه ، وهو دعاني إليه ، ودلّني عليه ، وعرّفنيه ، وأمرني به ، وأوجب له عليّ الطاعة ، فيما أمرني به لايسعني جهله ، وكيـف يسعني جهـل من هـو فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ ، وكيف يستقيم لي ـ لولا أنّي أصـف أنّ ديني هـو الـذي أتـاني بـه ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ أن أصف أنّ الدين غيره .
  وكيف لا يكون هو معرفة الرجل ، وإنّما هو الرجل الذي جاء به عن الله عزّ وجلّ ، وإنّما أنكر دين الله عزّ وجلّ من أنكره ، بأن قال : ( أبعث الله بشراً رّسولاً ) (2) ثمّ قال : ( أبشر يهدوننا فكفروا ) (3) بذلك الرجل وكذّبوا به ( وتولّوا

---------------------------
(1) في نسخة ( س وض ) : لأنّك إنّما عرفت ذلك كلّه ، بدل ما بين القوسين .
(2) الاسراء 17 : 94 .
(3) التغابن 64 : 6 .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 246 _

  ـ عنه ـ وهم معرضون ) (1) ، ( وقالوا لولا اُنزل عليه ملك ) (2) فقال لهم الله تبارك وتعالى ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس ) (3) ثمّ قال في آية اُخرى ( ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثمّ لاينظرون * ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً ) (4) والله تبارك وتعالى إنما أحبّ أن يعرف بالرجال ، وأن يطاع بطاعتهم فجعلهم سبيله ، ووجه الذي يؤتى منه ، لا يقبل من العباد غير ذلك ( لايُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون ) (5).
  وقال فيما أوجب من محبّته لذلك ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ) (6) فمن قال لك : إنّ هذه الفريضة كلّها هي رجل ، وهو لا يعرف حدّ ما يتكلّم به فقد صدق ، ومن قال على الصفة التي ذكرت بغير الطاعة لا يغني التمسّك بالأصل بترك الفرع شيئاً ، كما لا تغني شهادة أن لا إله إلاّ الله بترك شهادة أنّ محمّداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  ولم يبعث الله نبيّاً قط إلاّ بالبرّ (7) والعدل ، والمكارم ، ومحاسن الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فالباطن منها ولاية

---------------------------
(1) التوبة 9 : 76 .
(2) الأنعام 6 : 8 .
(3) الأنعام 6 : 91 .
(4) الأنعام 6 : 8 ـ 9 .
(5) الأنبياء 21 : 23 .
(6) النساء 4 : 80 .
(7) في نسختي ( س وض ) : باللين .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 247 _

  أهل الباطل ، والظاهر منها فروعهم .
  ولم يبعث الله نبيّاً قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر أو نهي ، وإنّما يتقبّل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها على حدودها ، مع معرفة من جاءهم بها من عنده ودعاهم إليه ، فأوّل ذلك معرفة من دعا إليه ، ثمّ طاعته فيما افترض فيما يقرّ به (1) ممّن لا طاعة له ، وإنّه من عرف أطاع ، ومن أطاع حرّم الحرام ، ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظاهر ، إنّما حرّم الظاهر بالباطن ، والباطن بالظاهر معاً جميعاً ، ولا يكون الأصل والفرع ، وباطن الحرام حرام وظاهره حلال ، ولايحرّم الباطن ويستحلّ الظاهر.
  وكذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن ولايعرف صلاة الظاهر ، ولا الزكاة ، ولا الصوم ، ولا الحجّ ، ولا العمرة ، ولا المسجد الحرام ، ولا جميع حرمات الله ( ولا شعائر الله ) (2) ، وأن تترك بمعرفة الباطن لأنّ باطنه ظهره ، ولا يستقيم واحد منهما إلاّ بصاحبه إذا كان الباطن حراماً خبيثاً ، فالظاهر منه حرام خبيث ، إنّما يشبّه الباطن بالظاهر .
  من زعم أنّ ذلك أنّها (3) المعرفة ، وأنّه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأشرك ، وذلك لم يعرف ولم يطع ، وإنّما قيل : إعرف واعمل ما شئت من الخير فإنّه يقبل ذلك منه ، ولايقبل ذلك منك بغير معرفة ، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة والخير قلّ أو كثر ، ( بعد أن لاتترك شيئاً من الفرائض والسنن

---------------------------
(1) في نسخة ( س وض ) : فيما اُمر به ، بدل : فيما يقرّ به .
(2) في نسخة ( ض ) : وشعائره .
(3) في البصائر : إنّما هي .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 248 _

  الواجبة ) (1) ، فإنّه مقبول منك مع جميع أعمالك.
  واُخبرك أنّه من عرف أطاع ، فإذا عرف صلّى وصام وزكّى وحجّ واعتمر وعظّم حرمات الله كلّها ، ولم يدع منها شيئاً وعمل بالبرّ كلّه ، ومكارم الأخلاق كلّها ، واجتنب ( سيّئها ، ومبتدأ كلّ ذلك ) (2) هو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصله ، وهو أصل هذا كلّه ، لأنّه هو جاء به ودلّ عليه وأمر به ، ولايقبل الله عزّ وجلّ من أحد شيئاً إلاّ به ، فمن عرفه اجتنب الكبائر ، وحرّم الفواحش كلّها ما ظهر منها وما بطن ، وحرّم المحارم كلّها ، لأنّه بمعرفة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وطاعته دخل فيما دخل فيه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وخرج ممّا خرج منه (3).
  ومن زعم أنّه يحلّل الحلال ويحرّم الحرام بغير معرفة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يحلّل لله حلالاً ، ولم يحرّم له حراماً ، وإنّه من صلّى وزكّى وحجّ واعتمر ، وفعل البرّ كلّه بغير معرفة من افترض الله طاعته ، فإنّه لم يقبل منه شيئاً من ذلك ، ولم يصلّ ، ولم يصم ، ولم يزكّ ، ولم يحجّ ، ولم يعتمر ، ولم يغتسل من الجنابة ، ولم يتطهّر ، ولم يحرّم لله حراماً ، ولم يحلّل لله حلالاً ، وليس له صلاة وإن ركع وسجد ، ولا له زكاة وإن أخرج من كلّ أربعين درهماً درهماً ، ولا له حجّ ولا عمرة ، وإنّما يقبل ذلك كلّه بمعرفة رجل وهو من أمر الله خلقه بطاعته والأخذ عنه ، فمن عرفه وأخذ عنه فقد أطاع الله عزّ وجلّ .
  وأمّا ما ذكرت أنّهم يستحلّون نكاح ذوات الأرحام التي حرّم الله عزّ وجلّ في كتابه ، فإنّهم زعموا أنّه إنّما حرّم وعنى بذلك النكاح نكاح نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،

---------------------------
(1) ما بين القوسين لم يرد في البصائر .
(2) في نسخة ( ض ) : مبتدئاً ، وكلّ ذلك ، بدل مابين القوسين .
(3) في البصائر زيادة : النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 249 _

  فإنّ أحقّ ما يُبدأ به تعظيم حقّ الله وكرامته ، وكرامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتعظيم شأنه ، وما حرّم الله على تابعيه ونكاح نسائه من بعده بقوله تعالى ( ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً ) (1) وقال تبارك وتعالى ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امّهاتهم ) (2) وهو أبٌ لهم ، ثمّ قال ( و لاتنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلاّ ما قد سلف إنّه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً ) (3) فمن حرّم نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لتحريم الله ذلك ، فقد حرّم ما حرّم الله في كتابه من الاُمّهات والبنات والأخوات والعمّات والخالات وبنات الأخ وبنات الاُخت ، وما حرّم الله من الرضاع (4) لأنّ تحريم ذلك كتحريم نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فمن استحلّ ما حرمّ الله عزّ وجلّ من نكاح ما حرّم الله فقد أشرك بالله إذا اتخذ ذلك ديناً .
  وأمّا ما ذكرت أنـّهم (5) يترادفون المرأة الواحدة فأعوذ بالله أن يكون ذلك من دين الله عزّ وجلّ ودين رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إنّما دينه أن يحلّ ما أحلّ الله ، ويحرم ما حرّم الله ، وإنّ ممّا أحلّ الله المتعة من النساء في كتابه ، والمتعة من الحج أحلّهما ثمّ لم يحرّمهما .

---------------------------
(1) الأحزاب 33 : 53 .
(2) الأحزاب 33 : 6 .
(3) النساء 4 : 22 .
(4) اقتباس من قوله تعالى في سورة النساء آية 23 ( حرّمت عليكم اُمّهتُكم وبناتُكم وأخواتُكم وعمّتُكم وخلتُكم وبنات الأخ وبناتُ الاُخت واُمّهتُكم الّتي أرضعنكم وأخواتُكم من الرّضعةَ ) .
(5) في البصائر : أنّ الشيعة .

مُختَصَرُ البَصائِر _ 250 _

  فإذا أراد الرجل المسلم أن يتمتّع من المرأة ( فعل ما شاء وعلى كتاب الله وسنّة نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ) (1) ، نكاحاً غير سفاح ، تراضيا على ما أحبّا من الاُجرة والأجل (2) ، كما قال الله عزّ وجلّ ( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ اجورهنّ فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) (3) إن هما أحبّا مدّا في الأجل على ذلك الأجر ، أو ما أحبّا في آخر يوم من أجلها ، قبل أن ينقضي الأجل قبل غروب الشمس مدّا فيه وزادا في الأجل ما أحبّا ، فإن مضى آخر يوم منه لم يصلح إلاّ بأمر مستقبل ، وليس بينهما عدّة إلاّ لرجل سواه ، فإن أرادت سواه اعتدّت خمسة وأربعين يوماً ، وليس بينهما ميراث .
  ثمّ إن شاءت تمتّعت من آخر فهذا حلال لها إلى يوم القيامة ، إن شاءت تمتّعت منه أبداً ، وإن شاءت من عشرين بعد أن تعتدّ من كلّ واحد فارقته خمسة وأربعين يوماً ، فلها ذلك ما بقيت الدنيا ، كلّ هذا حلال لها على حدود الله التي بيّنها على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه ) (4).
  وإذا أردت المتعة في الحج فاحرم من العقيق واجعلها متعة ، فمتى ما قدمت مكة طفت بالبيت واستلمت الحجر الأسود ، وفتحت به وختمت سبعة أشواط ، ثمّ تصلّي ركعتين عند مقام ابراهيم ( عليه السلام ) ، ثمّ اخرج من المسجد فاسعَ بين الصفا والمروة (5) سبعة أشواط ، تفتح بالصفا وتختم بالمروة. فإذا فعلت ذلك قصّرت حتّى

---------------------------
(1) في البصائر : فعلى كتاب الله وسنّته ، بدل ما بين القوسين .
(2) والأجل ، لم يرد في نسختي ( س وض ) .
(3) النساء 4 : 24 .
(4) الطلاق 65 : 1 .
(5) الصفا والمروة : وهما جبلان بين بطحاء مكّة والمسجد ، أمّا الصفا فمكان مرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق ، ومن وقف على الصفا كان بحذاء الحجر الأسود ، والمشعر الحرام بين الصفا والمروة .
وأمّا علّة تسميتهما بهذين الأسمين ، فقد قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( سمّي الصفا صفا لأنّ المصطفى آدم هبط عليه ، فقطع للجبل اسم من اسم آدم ( عليه السلام ) ، يقول الله تعالى ( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ) وهبطت حواء على المروة لأن المرأة هبطت عليها ، فقطع للجبل إسم من اسم المرأة ). معجم البلدان 3 : 411 ، علل الشرائع : 431 / 1 ـ باب 165. والآية في سورة آل عمران 3 آية 33 .