له ، و أما إذا لم يكن ما بأيدي الورثة من التركة يبلغ ضعف الموصى به و احتمل ـ احتمالاً معتداً به ـ عدم وصول هذا المقدار إليهم توقف التصرف في تمام الموصى به على إجازتهم أو وصول ضعفه إليهم ، فمع انتفاء الأمرين يشاركون الموصى له أو الميت في المال المعين بالنسبة ، فلو كان ما عدى الموصى به بتمامه خارجاً عن أيديهم كان ثلث الموصى به للموصى له أو الميت و ثلثاه للورثة .
مسألة (1389) : الواجبات المالية تخرج من الأصل و إن لم يوص بها الموصي ، و هي الأموال التي اشتغلت بها ذمته مثل المال الذي اقترضه و المبيع الذي باعه سلفاً و ثمن ما اشتراه نسيئة و عوض المضمونات و أروش الجنايات و نحوها و منها الخمس و الزكاة و المظالم ، و أما الكفارات و النذور و نحوها فالظاهر أنها لا تخرج من الأصل .
مسألة (1390) : إذا تلف من التركة شيء بعد موت الموصي وجب إخراج الواجبات المالية من الباقي و إن استوعبه ، و كذا إذا غصب بعض التركة .
مسألة (1391) : إذا تمرد بعض الورثة عن وفاء الدين لم يجب على غيره إلا وفاء ما يخص حصته بالنسبة لا وفاء الجميع .
مسألة (1392) : الحج الواجب بالاستطاعة من قبيل الدين يخرج من الأصل و أما الحج النذري فيخرج من الثلث على الأظهر .
مسألة (1393) : إذا أوصى بوصايا متعددة متضادة كان العمل على الثانية و تكون ناسخة للأولى ، فإذا أوصى بعين شخصية لزيد ثم أوصى بها لعمرو أعطيت لعمرو ، و كذا إذا أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى به لعمرو .
مسألة (1394) : إذا أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى بنصف ثلثه لعمرو كان الثلث بينهما على السوية .
مسألة (1395) : إذا أوصى بعين شخصية لزيد ثم أوصى بنصفها لعمرو
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 427 ـ
كانت الثانية ناسخة للأولى بمقدارها .
مسألة (1396) : إذا أوصى بوصايا متعددة غير متضادة و كانت كلها مما يخرج من الأصل وجب إخراجها من الأصل و إن زادت على الثلث .
مسألة (1397) : إذا كانت الوصايا كلها واجبات لا تخرج من الأصل كالواجبات البدنية و الكفارات و النذور أخرجت من الثلث فإن زادت على الثلث و أجاز الورثة أخرجت جميعها و إن لم يجز الورثة ورد النقص على الجميع بالنسبة ما لم تكن قرينة حالية أو مقالية على تقديم بعضها على البعض عند التزاحم ، سواء أ كانت مرتبة بأن ذكرت في كلام الموصي واحدة بعد أخرى كما إذا قال : ( أعطوا عني صوم عشرين شهراً و صلاة عشرين سنة ) أم كانت غير مرتبة بأن ذكرت جملة واحدة كما إذا قال : ( اقضوا عني عباداتي مدة عمري صلاتي و صومي ) .
فإذا كانت تساوي قيمتها نصف التركة فإن أجاز الورثة نفذت في الجميع و إن لم يجز الورثة ينقص من وصية الصلاة الثلث و من وصية الصوم الثلث .
و كذا الحكم إذا كانت كلها تبرعية غير واجبة فإنها إن زادت على الثلث و أجاز الورثة وجب إخراج الجميع و إن لم يجز الورثة ورد النقص على الجميع بالنسبة .
مسألة (1398) : إذا كانت الوصايا مختلفة بعضها واجب يخرج من الأصل و بعضها واجب لا يخرج من الأصل ، كما إذا قال : ( أعطوا عني ستين ديناراً : عشرين ديناراً زكاة و عشرين ديناراً صلاة و عشرين ديناراً صوماً ) فإن لم يذكر المخرج يبدأ بما يخرج من الأصل فيخرج منه فإن بقي شيء يصرف ثلثه في الاستئجار للصلاة و الصوم إذا وفى الثلث بذلك و إلا فإن أجازت الورثة الوصية في المقدار الزائد وجب العمل بها و إن لم تجزها ورد النقص عليهما
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 428 ـ
على ما مر ، و إن ذكر المخرج بأن أوصى بأن تخرج من الثلث فإن وسعها الثلث أخرج الجميع و كذلك إن لم يسعها و أجاز الورثة و أما إذا لم يسعها و لم يجز الورثة بدأ بما يخرج من الأصل فيخرج من الثلث أولاً فإن بقي منه شيء يصرف في الاستئجار للصلاة و الصوم و إن لم يفِ الثلث إلا بما يخرج من الأصل بطلت الوصية في غيره .
مسألة (1399) : إذا تعددت الوصايا و كان بعضها واجباً لا يخرج من الأصل و بعضها تبرعية و لم يف الثلث بالجميع و لم يجز الورثة ما زاد على الثلث ففي تقديم الواجب على غيره إشكال و الأظهر هو التقديم .
مسألة (1400) : المراد من الوصية التبرعية الوصية بما لا يكون واجبا عليه في حياته سواء أ كانت تمليكية كما إذا قال : ( فرسي لزيد بعد وفاتي ) أم عهدية كما إذا قال : ( تصدقوا بفرسي بعد وفاتي ) .
مسألة (1401) : إذا أوصى بثلثه لزيد من دون تعيينه في عين شخصية يكون الموصى له شريكاً مع الورثة فله الثلث و لهم الثلثان ، فإن تلف من التركة شيء كان التلف على الجميع و إن حصل لتركته نماء كان النماء مشتركاً بين الجميع .
مسألة (1402) : إذا أوصى بصرف ثلثه في مصلحته من طاعات و قربات يكون الثلث باقياً على ملكه فإن تلف من التركة شيء كان التلف موزعاً عليه و على بقية الورثة و إن حصل النماء كان له منه الثلث .
مسألة (1403) : إذا عين ثلثه في عين معينة تعين كما عرفت ، فإذا حصل لها نماء كان النماء له وحده و إن تلف بعضها أو تمامها اختص التلف به و لم يشاركه فيه بقية الورثة .
مسألة (1404) : إذا أوصى بثلثه مشاعاً ثم أوصى بشيء آخر معيناً كما إذا قال : ( أنفقوا علي ثلثي و أعطوا فرسي لزيد ) وجب إخراج ثلثه من غير الفرس
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 429 ـ
في نفقته و تصح وصيته بثلث الفرس لزيد ، و أما وصيته بالثلثين الآخرين من الفرس لزيد فصحتها موقوفة على إجازة الورثة فإن لم يجيزوا بطلت كما تقدم .
وإذا كان الشيء الآخر غير معين كما إذا قال : ( أنفقوا علي ثلثي و أعطوا زيداً مائة دينار ) توقفت الوصية بالمائة على إجازة الورثة فإن أجازوها في الكل صحت في تمامها ، و إن أجازوها في البعض صحت في بعضها و إن لم يجيزوا منها شيئاً بطلت في جميعها ، و نحوه إذا قال : ( اعطوا ثلثي لزيد و اعطوا ثلثاً آخر من مالي لعمرو ) فإنه تصح وصيته لزيد و لا تصح وصيته لعمرو إلا بإجازة الورثة .
أما إذا قال : ( اعطوا ثلثي لزيد ) ثم قال : ( اعطوا ثلثي لعمرو ) كانت الثانية ناسخة للأولى كما عرفت ، و المدار على ما يفهم من الكلام .
مسألة (1405) : إذا أوصى بحرمان بعض الورثة من الميراث فلم يجز ذلك البعض لم يصح .
نعم إذا لم يكن قد أوصى بالثلث و أوصى بذلك وجب العمل بالوصية بالنسبة إلى الثلث بصرف سهم ذلك البعض من الثلث إلى غيره من الورثة ، فإذا كان له ولدان و كانت التركة ستة فأوصى بحرمان ولده زيد من الميراث أعطي زيد اثنين و أعطي الآخر أربعة .
وإذا أوصى بسدس ماله لأخيه و أوصى بحرمان ولده زيد من الميراث أعطى أخوه السدس و أعطي زيد الثلث و أعطي ولده الآخر النصف .
مسألة (1406) : إذا أوصى بشيء من مال زيد بعد وفاة نفسه لكن في حياة زيد لم يصح و إن أجازها زيد ، و إذا أوصى بشيء في مال زيد بعد وفاة زيد فأجازها زيد صح .
مسألة (1407) : قد عرفت أنه إذا أوصى بعين من تركته لزيد ثم أوصى بها لعمرو كانت الثانية ناسخة و وجب دفع العين لعمرو ، فإذا اشتبه المتقدم
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 430 ـ
والمتأخر فإن تصالحا فهو و إلا تعين الرجوع إلى القرعة في تعيين الموصى له .
مسألة (1408) : إذا دفع إنسان إلى آخر مالاً و قال له إذا مت فأنفقه عني و لم يعلم أنه أكثر من الثلث أو أقل أو مساوٍ له أو علم أنه أكثر و احتمل أنه مأذون من الورثة في هذه الوصية ، أو علم أنه غير مأذون من الورثة لكن احتمل أنه كان له ملزم شرعي يقتضي إخراجه من الأصل فهل يجب على الوصي العمل بالوصية حتى تثبت زيادته على الثلث و بطلانها في الزائد عليه ؟ فيه إشكال و لا سيما في الفرضين الأخيرين .
مسألة (1409) : إذا أوصى بشيء لزيد و تردد بين الأقل و الأكثر اقتصر على الأقل و إذا تردد بين المتباينين و لم يتصالحا عين بالقرعة .
مسألة (1410) : إذا أوصى من لا وارث له إلا الإمام بجميع ماله للمسلمين و المساكين و ابن السبيل ففي نفوذ وصيته في جميع المال كما ذهب إليه بعض أو عدم نفوذها في الزائد على الثلث كما هو المشهور إشكال ، و لا يبعد الثاني كما هو الحال فيما لو أوصى بجميع ماله في غير الأمور المذكورة .
مسألة (1411) : لا يعتبر في الوصية العهدية وجود الموصى له حال الوصية أو عند موت الموصي ، فتصح الوصية للمعدوم إذا كان متوقع الوجود في المستقبل ، فلو أوصى بإعطاء شيء من ماله لأولاد ولده الذين لم يولدوا حال الوصية و لا حين موت الموصي فإن وجدوا في ظرف الإعطاء أعطي لهم و إلا كان ميراثاً لورثة الموصي إن لم تكن هناك قرينة على كونها من باب تعدد المطلوب و إلا صرف فيما هو الأقرب إلى نظر الموصي من وجوه البر .
مسألة (1412) : لا تصح الوصية التمليكية للمعدوم إلى زمان موت الموصي ، كما لو أوصى للميت أو لما تحمله المرأة في المستقبل أو لمن يوجد من أولاد فلان ، و تصح للحمل بشرط وجوده حين الوصية و إن لم تلجه الروح فإن تولد حياً ملك الموصى به بقبول وليه و إلا بطلت الوصية و رجع المال إلى ورثة الموصي .
مسألة (1413) : تصح الوصية للكافر الذمي و للمرتد حتى عن فطرة و للحربي .
مسألة (1414) : إذا أوصى لجماعة ذكوراً أو أناثاً أو ذكوراً و أناثاً بمال اشتركوا فيه على السوية إلا أن تكون قرينة على التفضيل .
مسألة (1415) : إذا أوصى لأبنائه و بناته أو لأعمامه و عماته أو أخواله و خالاته أو أعمامه و أخواله أو نحو ذلك كان الحكم في الجميع التسوية إلا أن تقوم القرينة على التفضيل فيكون العمل على القرينة .
مسألة (1416) : يجوز للموصي أن يعين شخصاً لتنفيذ وصاياه ، و يقال له : ( الوصي ) كما مر ، و يشترط فيه أمور :
الأول : البلوغ على المشهور ، فلا تصح الوصاية إلى الصبي منفرداً إذا أراد منه التصرف في حال صباه مستقلاً ، و لكنه لا يخلو عن إشكال ، فلو أوصى إليه كذلك فالأحوط أن يكون تصرفه بإذن الحاكم الشرعي .
أما لو أراد أن يكون تصرفه بعد البلوغ أو مع إذن الولي ، فالأظهر صحة الوصية ، و تجوز الوصاية إليه منضماً إلى الكامل سواء أراد أن لا يتصرف الكامل إلا بعد بلوغ الصبي أم أراد أن يتصرف منفرداً قبل بلوغ الصبي ، لكن في الصورة الأولى إذا كان عليه تصرفات فورية كوفاء دين عليه و نحوه يتولى ذلك الحاكم الشرعي ، و في الصورة الثانية إذا بلغ الصبي شارك الكامل من حينه و ليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً إلا ما كان على خلاف ما أوصى به الميت فيرده إليه .
الثاني : العقل فلا تصح الوصية إلى المجنون في حال جنونه سواء أ كان مطبقاً أم أدوارياً ، و إذا أوصى إليه في حال العقل ثم جن فإن كان مطبقاً بطلت الوصاية إليه ، و إن كان أدوارياً لم تبطل على الأظهر ، فتنفذ تصرفاته حال إفاقته .
الثالث : الإسلام ، إذا كان الموصي مسلماً على الأحوط .
مسألة (1417) : الظاهر عدم اعتبار العدالة في الوصي بل يكفي الوثوق و الاطمئنان بتنفيذه للوصية .
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 433 ـ
هذا في أداء الحقوق الواجبة على الموصي و ما يتعلق بالتصرف في مال الأيتام و نحو ذلك .
أما في غيره كما إذا أوصى إليه في أن يصرف ثلثه في الخيرات و القربات ففي اعتبار الوثوق به إشكال .
مسألة (1418) : إذا ارتد الوصي بطلت وصايته بناء على اعتبار الإسلام في الوصي و لا تعود إليه إذا أسلم إلا إذا نص الموصي على عودها .
مسألة (1419) : إذا أوصى إلى عادل ففسق فإن ظهر من القرينة التقييد بالعدالة بطلت الوصية و لا تعود بعود العدالة إلا إذا فهم من كلام الموصي ذلك ، و إن لم يظهر من القرينة التقييد بالعدالة لم تبطل ، و كذا الحكم إذا أوصى إلى الثقة .
مسألة (1420) : تجوز الوصاية إلى المرأة و الأعمى و الوارث .
مسألة (1421) : إذا أوصى إلى صبي و بالغ فمات الصبي قبل بلوغه أو بلغ مجنوناً ففي جواز انفراد البالغ بالوصية قولان أحوطهما الرجوع إلى الحاكم الشرعي فيضم إليه آخر ، إلا إذا كانت هناك قرينة على إرادة الموصي انفراد البالغ بالوصاية في هذه الصورتين .
مسألة (1422) : يجوز جعل الوصاية إلى اثنين أو أكثر على نحو الانضمام و على نحو الاستقلال .
فإن نص على الأول فليس لأحدهما الاستقلال بالتصرف لا في جميع ما أوصى به و لا في بعضه .
وإذا عرض لأحدهما ما يوجب سقوطه عن الوصاية من موت و نحوه فإن كان هناك قرينة على إرادة الموصي انفراد الآخر بالوصاية عندئذٍ فهو و إلا ضم الحاكم آخر إليه ، و إن عرض ذلك عليهما أقام الحاكم شخصين مكانهما و يكفي إقامة شخص واحد أيضاً إذا كان كافياً للقيام بشؤون الوصية ، و إن نص
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 434 ـ
على الثاني جاز لكل منهما الاستقلال فأيهما سبق نفذ تصرفه ، و إن اقترنا في التصرف مع تنافي التصرفين بأن باع أحدهما على زيد و الآخر على عمرو في زمان واحد بطلا معاً و لهما أن يقتسما الثلث بالسوية و بغير السوية .
وإذا سقط أحدهما عن الوصاية انفرد الآخر و لم يضم إليه الحاكم آخر.
وإذا أطلق الوصاية إليهما و لم ينص على الانضمام و الاستقلال جرى عليه حكم الانضمام إلا إذا كانت قرينة على الاستقلال كما إذا قال : ( وصيي فلان و فلان فإذا ماتا كان الوصي فلاناً ) فإنه إذا مات أحدهما استقل الآخر و لم يحتج إلى أن يضم إليه الحاكم آخر ، و كذا الحكم في ولاية الوقف .
مسألة (1423) : إذا قال : ( زيد وصيي فإن مات فعمرو وصيي ) صح و يكونان وصيين مترتبين ، و كذا يصح إذا قال : ( وصيي زيد فإن بلغ ولدي فهو الوصي ) .
مسألة (1424) : يجوز أن يوصي إلى وصيين أو أكثر و يجعل الوصاية إلى كل واحد في أمر بعينه و لا يشاركه فيه الآخر .
مسألة (1425) : إذا أوصى إلى اثنين بشرط الانضمام فتشاحا و لم يجتمعا بحيث كان يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل بالوصية فإن لم يكن السبب فيه وجود مانع شرعي لدى كل منهما عن اتباع نظر غيره أجبرهما الحاكم على الاجتماع ، و إن تعذر ذلك أو كان السبب فيه وجود المانع عنه لدى كليهما فالأظهر أن الحاكم يضم إلى أحدهما شخصاً آخر حسب ما يراه من المصلحة و ينفذ تصرفهما .
مسألة (1426) : إذا قال أوصيت بكذا و كذا و جعلت الوصي فلاناً إن استمر على طلب العلم مثلاً ، صح و كان فلان وصياً إذا استمر على طلب العلم فإن انصرف عنه بطلت وصايته و تولى تنفيذ وصيته الحاكم الشرعي .
مسألة (1427) : إذا عجز الوصي عن تنفيذ الوصية لكبر و نحوه ـ و لو
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 435 ـ
على جهة التوكيل أو الاستئجار ـ ضم إليه الحاكم من يساعده ، و إذا ظهرت منه الخيانة فإن كانت الوصية مقيدة بأمانته انعزل و نصب الحاكم آخر مكانه و إلا ضم إليه أميناً يمنعه عن الخيانة فإن لم يمكن ذلك عزله و نصب غيره .
مسألة (1428) : إذا مات الوصي قبل تنجيز تمام ما أوصي إليه به نصب الحاكم الشرعي وصياً لتنفيذه .
و كذا إذا مات في حياة الموصي و لم يعلم هو بذلك أو علم و لم ينصب غيره و لم يكن ما يدل على عدوله عن أصل الوصية .
مسألة (1429) : ليس للوصي أن يوصي إلى أحد في تنفيذ ما أوصي إليه به إلا أن يكون مأذوناً من الموصي في الإيصاء إلى غيره .
مسألة (1430) : الوصي أمين لا يضمن ما في يده إلا بالتعدي أو التفريط ، و يكفي في الضمان حصول الخيانة في مورد بالإضافة إلى ضمان موردها ، أما الضمان بالنسبة إلى الموارد الأخر مما لم يتحقق فيها الخيانة ففيه إشكال بل الأظهر العدم .
مسألة (1431) : إذا خرج الوصي عن الوصاية لخيانة أو فسق أو نحوهما ضمن ما في يده من مال الوصاية إلا أن يدفعه إلى من يعود إليه أمر تنفيذها من شريكه في الوصية أو الحاكم الشرعي .
مسألة (1432) : إذا عين الموصي للوصي عملاً خاصاً أو قدراً خاصاً أو كيفية خاصة وجب الاقتصار على ما عين و لم يجز له التعدي فإن تعدى كان خائناً ، و إذا أطلق له التصرف بأن قال له : ( أخرج ثلثي و أنفقه ) عمل بنظر نفسه و لابد له من ملاحظة مصلحة الميت فلا يجوز أن يتصرف كيف يشاء و إن لم يكن صلاحاً للميت أو كان غيره أصلح مع تيسر فعله على النحو المتعارف ، و يختلف ذلك باختلاف الأموات ، فربما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطية عنه، و ربما يكون الأصلح أداء الحقوق المالية الاحتياطية ، و ربما
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 436 ـ
يكون الأصلح أداء حق بعينه احتياطي دون غيره أو أداء الصلاة عنه دون الصوم ، و ربما يكون الأصلح فعل القربات و الصدقات و كسوة العراة و مداواة المرضى و نحو ذلك .
هذا إذا لم يكن تعارف يكون قرينة على تعيين مصرف بعينه و إلا كان عليه العمل .
مسألة (1433) : إذا قال أنت وصيي و لم يعين شيئاً و تردد بين أمور كثيرة كتجهيزه و صرف ثلثه و شؤون أخرى كان لغواً إلا إذا كان تعارف يكون قرينة على تعيين المراد كما يتعارف في كثير من بلدان العراق من أنهم يريدون به أنه وصي في إخراج الثلث و صرفه في مصلحة الموصي و أداء الحقوق التي عليه و أخذ الحقوق التي له و رد الأمانات و البضائع إلى أهلها و أخذها .
نعم في شموله للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال ، و الأحوط أن لا يتصدى لأمورهم إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي و عدم نصب الحاكم الشرعي غيره إلا بإذن منه .
مسألة (1434) : لا يجب على الوصي قبول الوصاية و له أن يردها في حياة الموصي بشرط أن يبلغه الرد ، بل الأحوط اعتبار تمكنه من الإيصاء إلى شخص آخر أيضاً ، فلو كان الرد بعد موت الموصي أو قبل موته و لكن الرد لم يبلغه حتى مات ، أو بلغه و لم يتمكن من الإيصاء إلى غيره لشدة المرض مثلاً لم يكن للرد أثر ، و كانت الوصاية لازمة ، نعم إذا كان العمل بالوصية حرجياً على الوصي جاز له ردها .
مسألة (1435) : الرد السابق على الوصية لا أثر له ، فلو قال زيد لعمرو : ( لا أقبل أن توصي إليّ ) فأوصى عمرو إليه لزمته الوصية إلا أن يردها بعد ذلك، على ما تقدم .
مسألة (1436) : لو أوصى إلى أحد فرد الوصية فأوصى إليه ثانيا و لم
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 437 ـ
يردها ثانياً لجهله بها ففي لزومها عليه إشكال بل الأظهر خلافه .
مسألة (1437) : يجوز للوصي أن يوكل أمر تنفيذ الوصية ـ كلاً أو بعضاً ـ إلى غيره ممن يوثق به ما لم يكن غرض الموصي مباشرته له بشخصه ، كأن يوكل أمر العبادات التي أوصى بها إلى من له خبرة في الاستنابة في العبادات و يوكل أمر العمارات التي أوصى بها إلى من له خبرة فيها و يوكل أمر الكفارات التي أوصى بها إلى من له خبرة بالفقراء و كيفية القسمة عليهم و هكذا .
وربما يوكل الأمر في جميع ذلك إلى شخص واحد إذا كانت له خبرة في جميعها .
وقد لا يكون الموصي قد أوصى بأمور معينة بل أوصى بصرف ثلثه في مصالحه و أوكل تعيين المصرف كماً و كيفاً إلى نظر الوصي فيرى الوصي من هو أعرف منه في تعيين جهات الصرف و كيفيتها فيوكل الأمر إليه فدفع الثلث إليه بتمامه و يفوض إليه تعيين الجهات كماً و كيفاً كما يتعارف ذلك عند كثير من الأوصياء حيث يدفعون الثلث الموصى به إلى المجتهد الموثوق به عندهم ، فالوصاية إلى شخص ولاية في التصرف و لو بواسطة الإيكال إلى الغير .
فلا بأس أن يوكل الوصي أمر الوصية إلى غيره إلا أن تقوم القرينة على إرادة الموصي منه المباشرة ، فلا يجوز له حينئذٍ ذلك .
مسألة (1438) : لا يجوز للوصي تفويض الوصاية إلى غيره بمعنى عزل نفسه عن الوصاية و جعلها له فيكون غيره وصياً عن الميت بجعل منه .
مسألة (1439) : إذا بطلت وصاية الوصي لفوات شرطها نصب الحاكم الشرعي وصياً مكانه أو تولى تنفيذ الوصية بنفسه ، و كذا إذا أوصى و لم يعين وصياً أصلاً كما تقدم .
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 438 ـ
مسألة (1440) : إذا اشتبه مصرف المال الموصى به لنسيان أو غيره فإن كانت الشبهة غير محصورة فالأظهر جواز صرفه في وجه من وجوه البر و لكن الأحوط لزوماً أن لا يكون المصرف خارجاً عن أطراف الشبهة بل و لا يكون احتمال كونه مصرفاً أضعف من غيره ، و أما إذا كانت الشبهة محصورة فإن كانت أطرافها عناوين متصادقة في الجملة تعين صرف المال في المجمع ، و أما مع التباين الكلي بينها أو كون الموصى له مردداً بين أفراد فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ، و يراعى في عدد السهام درجة الاحتمال ـ قوة و ضعفاً ـ في جميع الأطراف ، نعم إذا كانت الوصية تمليكية مرددة بين أفراد فلابد من إعلامهم بالحال فإن رفض الجميع قبولها رجع ميراثاً و لا يبعد أن يكون الحال كذلك فيما إذا قبلها بعض دون بعض ، و أما إذا قبلها الجميع صار المال مردداً بينهم فإن تراضوا بصلح أو غيره فهو و إلا رجعوا إلى الحاكم الشرعي لفصل النزاع بينهم .
مسألة (1441) : يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصي و مشرفاً على عمله ، و وظيفته تابعة لجعل الموصي ، و هو على قسمين :
الأول : ـ و لعله الغالب ـ أن يجعل الناظر رقيبا على الوصي من جهة الاستيثاق على عمله بالوصية مطابقا لما أوصى به حتى أنه لو رأى منه خلاف ما قرره الموصي لاعترض عليه ، و مثل هذا الناظر لا يجب على الوصي استئذانه في تصرفاته و متابعة رأيه و نظره فيها ، بل إنما يجب أن تكون أعماله باطلاعه و إشرافه فلو أوصى باستنابة من يصلي عنه فاستناب الوصي لها شخصاً واجداً للشرائط و أعلم الناظر بذلك فقد عمل بوظيفته و ليس للناظر الاعتراض عليه و مطالبته باختيار غيره ما دام لا يقدح في صلاحية الأول للاستنابة ، و أما لو استناب الموصي شخصاً و لم يعلم الناظر به كان ذلك خيانة منه للوصية و تصرفاً غير مأذون فيه .
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 439 ـ
الثاني : أن يجعل الناظر مشاوراً للوصي بحيث لا يعمل إلا بإذن منه و موافقته ، فالوصي و إن كان ولياً مستقلاً في التصرف و التنفيذ لكنه غير مستقل في الرأي و النظر فلا يمضى من أعماله إلا ما وافق نظر الناظر و كان بإذنه ، فلو استبد بالعمل على نظره من دون موافقة الناظر لم ينفذ تصرفه ، ففي المثال المتقدم لو لم يوافق الناظر على من اختاره الوصي للنيابة عن الموصي في الصلاة لم تصح استنابته بل يتعين استنابة من يتوافقان عليه .
وفي كلا القسمين إذا خان الوصي لم يجب على الناظر ـ بما هو ناظر ـ مدافعته فلو لم يدافع لم يكن ضامناً .
مسالة (1442) : إذا مات الناظر لزم الوصي الرجوع إلى الحاكم الشرعي ليقيم شخصاً مكانه .
مسألة (1443) : الوصية جائزة من طرف الموصي ، فله ما دام فيه الروح ـ مع الشرائط المتقدمة من العقل و الاختيار و غيرهما ـ ان يرجع أن يرجع عن وصيته و تبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها و كيفياتها و متعلقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاً أو بعضاً و تغير الوصي و الموصى له و غير ذلك ، و لو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحالها ، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة و جعل الوصاية لزيد ثم بعد ذلك عدل عن وصاية زيد و جعل الوصاية لعمرو تبقى أصل الوصية بحالها ، و كذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معينة على يد زيد ثم بعد ذلك عدل عن تلك المصارف و عين مصارف أخر و هكذا ، و كما له الرجوع في الوصية المتعلقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصية بالولاية على القاصرين .
مسألة (1444) : إذا أوصى إلى شخص ثم أوصى إلى آخر و لم يخبر الوصي الأول بالعدول عنه إلى غيره فمات فعمل الوصي الأول بالوصية ثم علم كانت الغرامة على الميت فتخرج من أصل التركة ثم يخرج الثلث
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 440 ـ
للوصي الثاني .
هذا إذا لم يكن العدول عن الأول لسبب ظاهر لا يخفى على مثله عادة أما إذا كان لسبب كذلك كما إذا هاجر الوصي الأول إلى بلاد بعيدة أو حدثت بينه و بين الموصي عداوة و مقاطعة فعدل عنه كان ما صرفه الوصي الأول من مال نفسه .
مسألة (1445) : يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول مثل أن يقول : ( رجعت عن وصيتي إلى زيد ) و بالفعل مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثم يوصي بوقفه و مثل أن يوصي بوقف عين أو بصرفها ثم يبيعها أو يهبها مثلاً و كذا إذا أوكل غيره في بيعها مثلاً مع التفاته إلى وصيته .
مسألة (1446) : لا يعتبر في وجوب العمل بالوصية عدم مرور مدة طويلة عليها فإذا أوصى ثم مات و لو بعد مرور سنين وجب العمل بوصيته ، نعم يعتبر عدم الرجوع عنها ، و إذا شك في الرجوع بنى على عدمه ، هذا فيما إذا كانت الوصية مطلقة بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصية و العمل بها بعد موته في أي زمان توفاه الله ، فلو كانت مقيدة بموته في سفر كذا أو عن مرض كذا مثلاً و لم يتفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض بطلت تلك الوصية و احتاج إلى وصية جديدة .
مسألة (1447) : إذا كان الداعي له على إنشاء الوصية خوف الموت في السفر الذي عزم عليه وجب العمل بوصيته و إن لم يمت في ذلك السفر ، و لأجل ذلك يجب العمل بوصايا الحجاج عند العزم على الحج و مثلهم زوار الإمام الرضا عليه السلام و المسافرون أسفاراً بعيدة ، فإن الظاهر أن هؤلاء و أمثالهم لم يقيدوا الوصية بالموت في ذلك السفر و إنما كان الداعي على الوصية خوف الموت في ذلك السفر فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقق الرجوع عنها .
مسألة (1448) : يجوز للوصي أن يأخذ أجرة مثل عمله إذا كانت له
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 441 ـ
أجرة إلا إذا كان أوصى إليه بأن يعمل مجاناً كما لو صرح الموصي بذلك أو كانت قرينة عليه فلا يجوز له أخذ الأجرة حينئذٍ و يجب عليه العمل بالوصية إن كان قد قبل ، أما إذا لم يقبل ففي الوجوب إشكال و الأقرب العدم .
هذا بالنسبة إلى العمل الذي أوصى إليه به كالبيع و الشراء و أداء الديون و نحو ذلك من الأعمال التي هي موضوع ولايته .
أما لو أوصى إليه بأعمال أخرى مثل أن يحج عنه أو يصلي عنه أو نحو ذلك لم يجب عليه القبول حتى لو لم يعلم بذلك في حياة الموصي ، و إن كان أوصى إليه بالعمل مجاناً كالحج مثلاً فقبل في حياته لم يبعد جواز الرد بعد وفاته .
مسألة (1449) : إذا أوصى إلى زيد أن يحج عنه و جعل له أجرة معينة بأن قال له : ( حج عني بمأة دينار ) كان إجارة فإن قبل في حياته وجب العمل بها و يستحق الأجرة ، و إلا لم يجب .
ولو كان بأجرة غير معينة عندهما بأن قال له : ( حج عني بأجرة المثل ) و لم تكن الأجرة معلومة عندهما فقبل في حياته لم يبعد أيضاً عدم وجوب العمل و جريان حكم الإجارة الفاسدة .
و لو كان بطريق الجعالة لم يجب العمل ، لكنه يستحق الأجرة على تقدير العمل لصدق الوصية حينئذٍ .
مسألة (1450) : تثبت الوصية التمليكية بشهادة مسلمين عادلين و بشهادة مسلم عادل مع يمين الموصى له و بشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين كغيرها من الدعاوي المالية .
مسألة (1451) : تختص الوصية التمليكية بأنها تثبت بشهادة النساء منفردات فيثبت ربعها بشهادة مسلمة عادلة و نصفها بشهادة مسلمتين عادلتين و ثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات و تمامها بشهادة أربع مسلمات
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 442 ـ
عادلات بلا حاجة إلى اليمين في شهادتهن .
مسألة (1452) : الوصية العهدية ـ و هي الوصاية بالولاية ـ تثبت بشهادة عدلين من الرجال و لا تقبل فيها شهادة النساء منفردات و لا منضمات إلى الرجال .
مسألة (1453) : تثبت الوصية التمليكية و كذا العهدية على الأقرب بشهادة ذميين عدلين في دينهما عند عدم عدول المسلمين و لا تثبت بشهادة غيرهما من الكفار .
مسألة (1454) : تثبت الوصية التمليكية بإقرار الورثة جميعهم إذا كانوا عقلاء بالغين و إن لم يكونوا عدولاً .
و إذا أقر بعضهم دون بعض تثبت بالنسبة إلى حصة المقر دون المنكر ، نعم إذا أقر منهم اثنان و كانا عدلين تثبت الوصية بتمامها ، و إذا كان عدلاً واحداً تثبت أيضاً مع يمين الموصى له .
مسألة (1455) : تثبت الوصية العهدية بإقرار الورثة جميعهم ، و إذا أقر بعضهم ثبت بعض الموصى به على نسبة حصة المقر و ينقص من حقه ، نعم إذا أقر اثنان عدلان منهم ثبتت الوصية بتمامها .
مسألة (1456) : إذا أقر الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي ، فليس له إنكار وصاية من يدعي الوصاية ، و لا يسمع منه هذا الإنكار كغيره ، نعم لو كانت الوصية متعلقة بالقصر أو العناوين العامة كالفقراء أو وجوه القرب كالمساجد و المشاهد أو الميت نفسه كاستئجار العبادات و الزيارات له و نحو ذلك كان لكل من يعلم بكذب من يدعي الوصاية خصوصاً إذا رأى منه الخيانة الإنكار عليه و الترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة ، لكن الوارث و الأجنبي في ذلك سيان ، نعم فيما إذا تعلقت بأمور الميت لا يبعد أولوية الوارث من غيره و اختصاص حق الدعوى به مقدماً على غيره .
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 443 ـ
مسألة (1457) : إذا تصرف الإنسان في مرض موته ، فإن كان معلقاً على موته ـ كما إذا قال : أعطوا فلاناً بعد موتي كذا ، أو هذا المال المعين أو ثلث مالي أو ربعه أو نصفه مثلا لفلان بعد موتي و نحو ذلك ـ فهو وصية و قد تقدم أنها نافذة مع اجتماع الشرائط مالم تزد على الثلث ، و في الزائد موقوف على إجازة الورثة كالواقعة في مرض آخر غير مرض الموت أو في حالة الصحة ، و إن كان منجزاً ـ بمعنى كونه غير معلق على الموت و إن كان معلقاً على أمر آخر ـ فإن لم يكن مشتملاً على المجانية و المحاباة كبيع شيء بثمن المثل و إجارة عين بأجرة المثل فهو نافذ بلا إشكال ، و إن كان مشتملاً على المحاباة بأن لم يصل ما يساوي ماله إليه سواء كان مجاناً محضاً كالوقف و العتق و الإبراء و الهبة غير المعوضة أم لا كالبيع بأقل من ثمن المثل و الإجارة بأقل من أجرة المثل و الهبة المعوضة بما دون القيمة و غير ذلك ـ ففي نفوذه مطلقاً أو كونه مثل الوصية في توقف ما زاد على الثلث على إمضاء الورثة ؟ قولان أقواهما الثاني كما تقدم في كتاب الحجر .
مسألة (1458) : إذا وهب المالك في مرض موته بعض أمواله و أوصى ببعض آخر ثم مات نفذا جميعاً إذا وفى الثلث بهما و كذا إذا لم يف بهما و لكن أمضاهما الورثة ، و إن لم يمضوهما أخرجا معاً من الثلث ـ كما مر ـ و يبدأ أولاً بالمنجزة فإن بقي شيء صرف فيما أوصى به .
مسألة (1459) : إذا قال : ( هذا وقف بعد وفاتي ) أو نحو ذلك مما يتضمن تعليق الإيقاع على الوفاة فهو باطل لا يصح و إن أجاز الورثة ، فالإنشاء المعلق على الوفاة إنما يصح في مقامين : أحدهما : إنشاء الملك ـ و هي الوصية التمليكية ـ و إنشاء الولاية كما في موارد الوصية العهدية ، ثانيهما : إنشاء العتق و هو التدبير ، و لا يصح في غيرهما من أنواع الإنشاء ، فإذا قال بعت أو آجرت أو صالحت أو وقفت بعد وفاتي بطل ، و لا يجري عليه حكم الوصية
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 444 ـ
بالبيع أو الوقف مثلاً، بحيث يجب على الورثة ان يبيعوا أو يوقفوا بعد وفاته الا اذا فهم من كلامه أنه يريد الوصية بالبيع او الوقف فحينئذٍ كانت وصيته صحيحة ووجب العمل بها مع تحقق شرائطها .
مسألة (1460) : اذا قال للمدين: (أبرأت ذمتك بعد وفاتي) واجازه الوارث بعد موته برئت ذمة المدين، فان اجازة الابراء بنفسها تنازل من قبل الورثة عن حقهم وابراء لذمة المدين.
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 447 ـ
وهو تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة .
مسألة (1461) : الوقف على قسمين فإنه أما يتقوم بأمرين هما الواقف و العين الموقوفة ، و أما يتقوم بثلاثة أمور ثالثها الموقوف عليه ، و يختص الأول بوقف المساجد و يكون الثاني في غيرها من الأوقاف ، و حقيقة الوقف في القسم الأول هو التحرير و فك الملك ، و أما في القسم الثاني فحقيقته ـ على الأظهر ـ تمليك العين الموقوفة للموقوف عليه ملكاً غير طلق .
مسألة (1462) : إذا وقف مكاناً على المسلمين لينتفعوا منه ببعض ما ينتفعون به في المساجد أو بجميعها من الصلاة و الذكر و الدعاء و التدريس و غير ذلك لم يصر مسجداً و لم تجر عليه أحكام المساجد من حرمة التنجيس و نحوها ، و إنما يصير وقفاً على الصلاة و غيرها مما لاحظه الواقف من المنافع و يكون من القسم الثاني المتقدم الذي مر أنه يتقوم بأمر ثالث غير الواقف و العين الموقوفة و هو الموقوف عليه .
مسألة (1463) : ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه إلى أقسام :
الأول : ما يكون وقفاً على عين أو أعيان خاصة ، سواء أ كانت إنساناً أم غيره كوقف الدار أو البستان على الكعبة المشرفة أو على مسجد أو مشهد معين أو على زيد و ذريته و نحو ذلك .
الثاني : ما يكون وقفاً على عنوان عام قابل للانطباق على عين أو أعيان خاصة سواء لم يكن له إلا مصاديق طولية كأوقاف الشيعة على الأئمة عليهم السلام في زمان الحضور أو على المرجع الأعلى في زمن الغيبة ، أو كان له مصاديق طولية و عرضية كالوقف على الفقراء أو علماء البلد أو الطلبة أو الأيتام
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 448 ـ
ونحو ذلك .
الثالث : ما يكون وقفاً على عنوان غير منطبق على الأعيان و يعبر عنه بالجهة ، سواء أكانت جهة خاصة أو عامة كوقف البستان ليصرف وارده على عزاء الحسين عليه السلام في الدار الفلانية أو على إطعام ذرية فلان أو على معالجة المرضى أو تعليم القرآن أو تبليغ المذهب أو تعبيد الطرق أو على سبل الخير عامة أو نحو ذلك .
مسألة (1464) : كما أن العين الموقوفة في القسم الأول المتقدم تكون ملكاً للموقوف عليه كذلك منافعها تكون ملكاً له ، فالبستان الموقوف على المسجد أو المشهد المعين أو زيد و ذريته يكون بنفسه و نماآته ملكاً للموقوف عليه ، نعم قد يشترط الواقف مباشرة الموقوف عليه في الانتفاع بالعين الموقوفة ، كما لو وقف الدار على زيد و أولاده ليسكنوا فيها بأنفسهم ، أو وقف البستان عليهم ليأكلوا من ثماره ، و يصطلح على هذا بوقف الانتفاع ، و حينئذ فلا يكون للموقوف عليه إيجار الدار و الانتفاع بأجرتها ، و لا بيع ثمار البستان و الاستفادة من ثمنه و إن جاز لهم إجارة البستان للتنزه فيه و نحوه .
نعم إذا لم يمكنهم السكنى في الدار الموقوفة أو الأكل من ثمار البستان لهجرتهم عن المكان أو للضرر أو الحرج أو لغير ذلك فإن كان قيد المباشرة ملحوظاً على نحو تعدد المطلوب كما هو الغالب جاز لهم الاستفادة من منافعها بوجه آخر و إلا بطل الوقف و رجع إلى الواقف أو إلى ورثته .
مسألة (1465) : إذا كان الموقوف عليه عنواناً عاماً كما في القسم الثاني المتقدم فالعين الموقوفة تكون ملكاً للموقوف عليه ، و أما منافعها فتكون لها إحدى الحالات الثلاث التالية :
أ ـ إن تكون ملكاً للعنوان و لا تدخل في ملك الأفراد أصلاً كما في
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 449 ـ
وقف المدارس على الطلاب و وقف الخانات على المسافرين و الغرباء و وقف كتب العلم و الزيارة على أهل العلم و الزوار .
ب ـ أن تكون ملكاً للعنوان و تدخل في ملك الأفراد بتمليكها لهم من قبل المتولي و قبضهم إياها كما في وقف البستان على الفقراء .
ج ـ أن تكون ملكاً للأفراد الموجودين في كل زمان على سبيل الإشاعة من دون أن تتوقف ملكيتهم لها على أعمال الولاية من قبل المتولي كما في وقف البستان على علماء البلد على إن يكون نماؤه ملكاً للموجودين منهم من أول ظهوره .
مسألة (1466) : إذا كان الموقوف عليه من الجهات العامة أو الخاصة ـ كما في القسم الثالث المتقدم ـ تكون العين و المنافع ملكاً للجهة ، و لو اشترط الواقف صرف المنافع بأعيانها على الجهة الموقوف عليها لم يجز تبديلها و المعاوضة عليها .
مسألة (1467) : الظاهر أن غصب الوقف بجميع أقسامه ـ عدا ما يكون من قبيل التحرير ـ يستتبع الضمان عيناً و منفعة ، فلو غصب مدرسة أو رباطاً أو داراً موقوفة على الفقراء أو بناية موقوفة ليصرف واردها في علاج المرضى أو نحو ذلك فتلفت تحت يده كان ضامناً لعينها ، و لو استولى عليها مدة ثم ردها كان عليه أجرة مثلها كما هو الحال في غصب الأعيان غير الموقوفة .
مسألة (1468) : إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالغنم و البقر و الإبل لم تجب الزكاة فيها و إن اجتمعت فيها شرائط ثبوتها ، و أما إذا كان نماؤها زكوياً كما إذا وقف بستاناً مشتملاً على أشجار النخيل و العنب فإن صار النماء ملكاً شخصياً للمكلف قبل وقت تعلق الزكاة بحيث تعلقت في ملكه وجبت عليه الزكاة إذا كان بالغاً حد النصاب و إلا لم تجب ، و قد تقدم توضيح ذلك في المسألة (1086) من كتاب الزكاة .
منهاج الصالحين الجزء الثاني المعاملات ـ 450 ـ
مسألة (1469) : لا يتحقق الوقف بمجرد النية ، بل لابد من إنشائه بلفظ كـ ( وقفت ) و ( حبست ) و نحوهما من الألفاظ الدالة عليه و لو بمعونة القرائن ، أو فعل سواء أ كان معاطاة مثل أن يعطي آلات الإسراج أو الفرش إلى قيم المسجد أو المشهد ، أو لم يكن كذلك مثل أن يعمر الجدار أو الاسطوانة الخربة من المسجد أو يبني بناءً على طراز ما تبنى به المساجد بقصد كونه مسجداً و نحو ذلك فإنه يكون وقفاً بذلك .
مسألة (1470) : الظاهر عدم اعتبار القبول في الوقف بجميع أنواعه و إن كان الاعتبار أحوط و لا سيما في الوقف الخاص كالوقف على الذرية فيقبله الموقوف عليهم و إن كانوا صغاراً قام به وليهم ، و يكفي قبول الموجودين و لا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده .
مسألة (1471) : الأظهر عدم اعتبار القربة في صحة الوقف و لا سيما في الوقف الخاص مثل الوقف على الذرية .
مسألة (1472) : يعتبر في صحة الوقف الخاص قبض الموقوف عليه أو قبض وكيله أو قبض وليه فإذا مات قبل القبض بطل و كان ميراثاً ، نعم يكفي قبض الطبقة الموجودة عن الطبقات اللاحقة بل يكفي قبض الموجود من الطبقة الأولى عمن يوجد منها بعد ذلك ، و لو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض و بطل بالنسبة إلى من لم يقبض .
مسألة (1473) : المشهور إنه يشترط أن يكون القبض بإذن الواقف ، فلو قبض الموقوف عليه بدون الإذن لم يكف و لكنه لا يخلو عن إشكال .
مسألة (1474) : إذا وقف على أولاده الصغار و أولاد أولاده و كانت العين في يده كفى ذلك في تحقق القبض و لم يحتج إلى قبض آخر ، و إذا كانت العين في يد غيره فلابد من أخذها منه ليتحقق قبض وليهم .
مسألة (1475) : إذا كانت العين بيد الموقوف عليه كفى ذلك في قبضها