بحركات المصلي ، بل و إذا تحرك بها أيضاً على الأظهر .
الثالث : أن لا يكون من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة ، من دون فرق بين ما تتم الصلاة فيه و ما لا تتم فيه الصلاة على الأحوط وجوباً ، و الأظهر اختصاص الحكم بالميتة النجسة و إن كان الأحوط الاجتناب عن الميتة الطاهرة أيضا ، و قد تقدم في النجاسات حكم الجلد الذي يشك في كونه مذكى أو لا ، كما تقدم بيان ما لا تحله الحياة من الميتة فراجع ، و المشكوك في كونه من جلد الحيوان ، أو من غيره لا بأس بالصلاة فيه .
الرابع : أن لا يكون من أجزاء السباع بل مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على الأحوط ، و الأظهر اختصاص المنع بما تتم الصلاة فيه و إن كان الاجتناب عن غيره أيضا أحوط ، كما أن الأحوط الاجتناب حتى عن الشعرة الواحدة الواقعة منه على الثوب و إن كان الأظهر عدم وجوبه ، نعم لا يبعد المنع عن روثه و بوله و عرقه و لبنه إذا كان الثوب متلطخاً به ، و أما حمل بعض أجزائه ـ كما إذا جعل في قارورة و حملها معه في جيبه ـ فلا بأس به على الأقوى .
مسألة (523) : إذا صلى في غير المأكول جهلاً به صحت صلاته و كذا إذا كان نسياناً ، أو كان جاهلاً بالحكم ، أو ناسياً به ، نعم تجب الإعادة إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير على ما تقدم .
مسألة (524) : إذا شك في اللباس ، أو فيما على اللباس من الرطوبة أو الشعر ، أو غيرهما في أنه من المأكول ، أو من غيره ، أو من الحيوان ، أو من غيره ، صحت الصلاة فيه .
مسألة (525) : لا بأس بالشمع ، و العسل ، و الحرير الممزوج ، و مثل البق ، و البرغوث ، والزنبور و نحوها من الحيوانات التي لا لحم لها ، و كذا لا بأس بالصدف ، و لا بأس بفضلات الإنسان كشعره ، و ريقه ، و لبنه و نحوها
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 177 ـ
وإن كانت واقعة على المصلي من غيره ، و كذا الشعر الموصول بالشعر المسمى بـ ( الباروكة ) سواء أ كان مأخوذاً من الرجل ، أم من المرأة .
مسألة (526) : تجوز الصلاة في جلد الخز ، و السنجاب و وبرهما ، ما لم يمتزج بوبر غيرهما من السباع بل مطلق غير مأكول اللحم على الأحوط ، و في كون ما يسمى الآن خزاً ، هو الخز إشكال ، و إن كان الظاهر جواز الصلاة فيه ، و الاحتياط طريق النجاة ، و أما السمور ، و القماقم و الفنك فالأحوط الاجتناب عن الصلاة في أجزائها وإن كان الأظهر الجواز .
الخامس : أن لا يكون من الذهب ـ للرجال ـ و لو كان حلياً كالخاتم ، أما إذا كان مذهباً بالتمويه و الطلي على نحو يعد عند العرف لونا فلا بأس و يجوز ذلك كله للنساء ، كما يجوز أيضا حمله للرجال كالساعة ، و الدنانير .نعم الظاهر المنع عن كل ما يطلق على استعماله عنوان اللبس عرفا مثل الزناجير المعلقة والساعة اليدوية .
مسألة (527) : إذا صلى في الذهب جاهلاً ، أو ناسيا صحت صلاته .
مسألة (528) : لا يجوز للرجال لبس الذهب في غير الصلاة أيضاً و فاعل ذلك آثم ، و الأحوط ترك التزين به مطلقاً حتى فيما لا يصدق عليه اللبس ، كجعل أزرار اللباس من الذهب أو جعل مقدم الأسنان منه ، نعم لا بأس بشدها به أو جعل الأسنان الداخلية منه .
السادس : أن لا يكون من الحرير الخالص ـ للرجال ـ و لا يجوز لهم لبسه في غير الصلاة أيضاً كالذهب ، نعم لا بأس به في الحرب و الضرورة و الحرج كالبرد و المرض حتى في الصلاة ، كما لا بأس بحمله في حال الصلاة و غيرها و كذا افتراشه و التغطي و التدثر به على نحو لا يعد لبساً له عرفاً ، و لا بأس بكف الثوب به ، والأحوط استحباباً أن لا يزيد على أربع أصابع ، كما لا بأس بالأزرار منه و السفائف و القياطين و إن تعددت و كثرت ، و أما ما لا
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 178 ـ
تتم فيه الصلاة من اللباس، فالأحوط استحباباً تركه .
مسألة (529) : لا يجوز جعل البطانة من الحرير و إن كانت إلى النصف .
مسألة (530) : لا بأس بالحرير الممتزج بالقطن ، أو الصوف أو غيرهما مما يجوز لبسه في الصلاة ، لكن بشرط أن يكون الخلط بحيث يخرج اللباس به عن صدق الحرير الخالص ، فلا يكفي الخلط بالمقدار اليسير المستهلك عرفا .
مسألة (531) : إذا شك في كون اللباس حريراً ، أو غيره جاز لبسه و كذا إذا شك في أنه حرير خالص ، أو ممتزج .
مسألة (532) : يجوز للولي إلباس الصبي الحرير ، أو الذهب ، و تصح صلاته فيه على الأظهر .
الفصل الثالث
الأحوط في الساتر الصلاتي في حال الاختيار صدق عنوان ( اللباس ) عليه عرفاً ، و إن كان الأظهر كفاية مطلق ما يخرج المصلي عن كونه عارياً كالورق و الحشيش و القطن و الصوف غير المنسوجين ، بل الطين إذا كان من الكثرة بحيث لا يصدق معه كون المصلي عارياً ، و أما في حال الاضطرار فيجزي التلطخ بالطين و نحوه ، و إذا لم يتمكن المصلي من الساتر بوجه فإن تمكن من الصلاة قائماً مع الركوع و السجود بحيث لا تبدو سوأته للغير المميز ـ أما لعدم وجوده أو لظلمة أو نحوها ـ فالأقوى وجوب الإتيان بها كذلك و إن كان الأحوط الجمع بينها و بين الصلاة قائماً مومياً ، و لو اقتضى التحفظ على عدم بدو سوءته ترك القيام و الركوع و السجود الاختياريين صلى
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 179 ـ
جالساً مومياً ، و لو اقتضى ترك واحد من الثلاثة تركه و أتى ببدله فيومي بالرأس بدلاً عن الركوع و السجود و يجلس بدلاً عن القيام ، و لكن الأحوط في الفرض الأخير الجمع بينه و بين الصلاة قائما مومياً و الأحوط لزوماً للعاري ستر السوأتين ببعض أعضائه كاليد في حال القيام و الفخذين في حال الجلوس .
مسألة (533) : إذا انحصر الساتر بالمغصوب أو الذهب أو الحرير أو السباع أو غيرها مما لا يؤكل لحمه فإن لم يضطر إلى لبسه صلى عارياً إلا في الأخير فيجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عارياً على الأحوط ، و إن اضطر إلى لبسه صحت صلاته فيه في حال الاضطرار و إن لم يكن مستوعباً للوقت إلا في الأخيرين فإنه لا تصح الصلاة في حال لبسهما اضطراراً ما لم يكن الاضطرار مستوعباً لجميع الوقت ، نعم لو اطمأن بالاستيعاب فصلى كذلك ثم اتفق زواله في الوقت لم يجب إعادتها على الأظهر .
وإذا انحصر الساتر في النجس فالأحوط الجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عارياً و إن كان الأظهر الاجتزاء بالصلاة فيه كما سبق في أحكام النجاسات .
مسألة (534) : الأحوط لزوماً تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر و احتمل وجدانه قبل انقضائه ، نعم إذا يئس عن وجدانه في الوقت جاز له البدار إليها فإن استمر عذره إلى آخر الوقت فلا شيء عليه و كذا إن لم يستمر على الأصح .
مسألة (535) : إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالاً أن أحدهما مغصوب أو حرير ، والآخر مما تصح الصلاة فيه ، لا تجوز الصلاة في واحد منهما بل يصلي عاريا ، وإن علم أن أحدهما نجس ، و الآخر طاهر ، صلى صلاتين في كل منهما صلاة ، وكذا إذا علم أن أحدهما مما يؤكل لحمه و الآخر من السباع أو من غيرهما مما لا يؤكل لحمه على ما تقدم .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 180 ـ المقصد الرابع :
مكان المصلي
مسألة (536) : لا تصح الصلاة فريضة ، أو نافلة في المكان المغصوب على الأحوط و إن كان الركوع و السجود بالإيماء ، و لا فرق في ذلك بين ما يكون مغصوباً عيناً أو منفعة أو لتعلق حق ينافيه مطلق التصرف في متعلقه حتى مثل الصلاة فيه ، و الظاهر اختصاص الحكم بالعالم العامد فلو كان جاهلاً بالغصب أو كان ناسياً له ، و لم يكن هو الغاصب صحت صلاته و كذلك تصح صلاة من كان مضطراً لا بسوء الاختيار ، أو كان مكرها على التصرف في المغصوب كالمحبوس بغير حق ، و الأظهر صحة الصلاة في المكان الذي يحرم المكث فيه لضرر على النفس ، أو البدن لحر ، أو برد أو نحو ذلك ، و كذلك المكان الذي فيه لعب قمار ، أو نحوه ، كما أن الأظهر صحة الصلاة فيما إذا وقعت تحت سقف مغصوب ، أو خيمة مغصوبة .
مسألة (537) : إذا اعتقد غصب المكان ، فصلى فيه بطلت صلاته و إن انكشف الخلاف إلا إذا تمشى منه قصد القربة .
مسألة (538) : لا يجوز لأحد الشركاء الصلاة في الأرض المشتركة إلا بإذن بقية الشركاء ، كما لا تجوز الصلاة في الأرض المجهولة المالك إلا بإذن الحاكم الشرعي مطلقا على الأحوط .
مسألة (539) : إذا سبق واحد إلى مكان في المسجد للصلاة أو لغيرها من الأغراض الراجحة كالدعاء و قراءة القرآن و التدريس لم يجز لغيره إزاحته عن ذلك المكان أو إزاحة رحله عنه و منعه من الانتفاع به سواء توافق السابق
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 181 ـ
مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه نعم يحتمل عند التزاحم تقدم الطواف على غيره في المطاف و الصلاة على غيرها في سائر المساجد فلا يترك الاحتياط للسابق بتخلية المكان للمسبوق في مثل ذلك ، و على كل حال إذا أزاح الشخص من ثبت له حق السبق في مكان من المسجد أو أزاح رحله عنه ثم قام بالصلاة فيه أو بسائر التصرفات فالأظهر صحة صلاته و جواز تصرفاته و إن كان آثما في الإزاحة .
مسألة (540) : إنما تبطل الصلاة في المغصوب مع عدم الإذن من المالك في الصلاة ، و لو لخصوص زيد المصلي ، و إلا فالصلاة صحيحة .
مسألة (541) : إنما يعتبر الإذن من المالك في جواز الصلاة و غيرها من التصرفات بما أنه كاشف عن رضاه و طيب نفسه بها ، و إلا فلا يعتبر الإذن ـ أي إنشاء الإباحة و التحليل ـ بعنوانه ، كما لا يعتبر في الرضا أن يكون ملتفتاً إليه فعلا فيكفي و لو لم يكن كذلك لنوم أو غفلة أو نحوهما ، فيجوز الصلاة و غيرها من التصرفات في ملك الغير مع غفلته إذا علم من حاله أنه لو التفت إليها لأذن .
مسألة (542) : يستكشف الرضا بالصلاة ، إما بالقول كأن يقول : صل في بيتي ، أو بالفعل كأن يفرش له سجادة إلى القبلة ، أو بشاهد الحال كما في المضائف المفتوحة الأبواب و نحوها ، و في غير ذلك لا تجوز الصلاة و لا غيرها من التصرفات ، إلا مع العلم بالرضا و لو لم يكن ملتفتاً إليه فعلاً ، و لذا يشكل في بعض المجالس المعدة لقراءة التعزية الدخول في المرحاض والوضوء بلا إذن ، ولا سيما إذا توقف ذلك على تغير بعض أوضاع المجلس من رفع ستر ، أو طي بعض فراش المجلس ، أو نحو ذلك مما يثقل على صاحب المجلس ، ومثله في الإشكال البصاق على المواضع النزهة ، والجلوس في بعض مواضع المجلس المعدة لغير مثل الجالس لما فيها من
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 182 ـ
مظاهر الكرامة المعدة لأهل الشرف في الدين مثلاً ، أو لعدم كونها معدة للجلوس فيها ، مثل الغطاء الذي يكون على الحوض المعمول في وسط الدار ، أو على درج السطح ، أو فتح بعض الغرف و الدخول فيها ، و الحاصل أنه لابد من إحراز رضا صاحب المجلس في كيفية التصرف و كمه ، و موضع الجلوس ، و مقداره ، و مجرد فتح باب المجلس لا يدل على الرضا بكل تصرف يشاءه الداخل .
مسألة (543) : الحمامات المفتوحة ، و الخانات لا يجوز الدخول فيها لغير الوجه المقصود منها ، إلا بالإذن ، فلا يصح الوضوء من مائها و الصلاة فيها ، إلا بإذن المالك أو وكيله ، و مجرد فتح أبوابها لا يدل على الرضا بذلك و ليست هي كالمضائف المسبلة للانتفاع بها .
مسألة (544) : تجوز الصلاة في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً و الوضوء من مائها و إن لم يعلم رضا المالك ، بل و إن علم كراهته أو كان صغيراً أو مجنوناً ، و أما غيرها من الأراضي غير المحجبة ، كالبساتين التي لا سور لها و لا حجاب ، فيجوز أيضا الدخول إليها و الصلاة فيها و إن لم يعلم رضا المالك ، و لكن إذا ظن كراهته أو كان قاصراً فالأحوط لزوماً الاجتناب عنها .
مسألة (545) : لا تصح ـ على الأحوط ـ صلاة كل من الرجل و المرأة إذا كانا متحاذيين حال الصلاة ، أو كانت المرأة متقدمة على الرجل ، بل يلزم تأخرها عنه بحيث يكون مسجد جبهتها محاذياً لموضع ركبتيه ـ و الأحوط استحباباً أن تتأخر عنه بحيث يكون مسجدها وراء موقفه ـ أو يكون بينهما حائل أو مسافة أكثر من عشرة أذرع بذراع اليد ، و لا فرق في ذلك بين المحارم و غيرهم ، و الزوج والزوجة وغيرهما ، نعم الأظهر اختصاص المنع بالبالغين وإن كان التعميم أحوط ، كما يختص المنع بصورة وحدة المكان بحيث
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 183 ـ
يصدق التقدم و المحاذاة ، فإذا كان أحدهما في موضع عال ، دون الآخر على وجه لا يصدق التقدم و المحاذاة فلا بأس ، و كذا يختص المنع بحال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا منع و كذا عند الزحام بمكة المكرمة على الأظهر .
مسألة (546) : لا يجوز استدبار قبر المعصوم في حال الصلاة و غيرها إذا كان مستلزما للهتك و إساءة الأدب ، ولا بأس به مع البعد المفرط ، أو الحاجب المانع الرافع لسوء الأدب ، و لا يكفي فيه الضرائح المقدسة و لا ما يحيط بها من غطاء و نحوه .
مسألة (547) : تجوز الصلاة في بيت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها بلا إذن مع عدم العلم أو الاطمئنان بالكراهة ، و هم : الأب ، والأم ، والأخ ، و الأخت ، والعم ، والخال ، والعمة ، والخالة. و من ملك الشخص مفتاح بيته و الصديق ، وأما مع العلم أو الاطمئنان بالكراهة فلا يجوز .
مسألة (548) : إذا دخل المكان المغصوب جهلاً أو نسيانا ثم التفت إلى ذلك وجبت عليه المبادرة إلى الخروج سالكا أقرب الطرق الممكنة ، فإن كان مشتغلاً بالصلاة و التفت في السجود الأخير أو بعده جاز له إتمام صلاته في حال الخروج و لا يضره فوات الجلوس و الاستقرار مع عدم الإخلال بالاستقبال ، و أما إن التفت قبل ذلك أو قبل الاشتغال بالصلاة ففي ضيق الوقت يلزمه الإتيان بها حال الخروج مراعياً للاستقبال بقدر الإمكان و يومي للسجود و يركع إلا أن يستلزم ركوعه تصرفا زائداً فيومئ له أيضا و تصح صلاته و لا يجب عليه القضاء ، و المراد بضيق الوقت أن لا يتمكن من إدراك ركعة من الصلاة في الوقت على تقدير تأخيرها إلى ما بعد الخروج ، وأما في سعة الوقت فلا تصح منه الصلاة في حال الخروج على النحو المذكور بل يلزمه تأخيرها إلى ما بعد الخروج ، و لو صلى قبل أن يخرج حكم ببطلانها على الأحوط كما مر .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 184 ـ
مسألة (549) : يعتبر في مسجد الجبهة ـ مضافا إلى ما تقدم من الطهارة ـ أن يكون من الأرض ، أو نباتها ، و الأفضل أن يكون من التربة الشريفة الحسينية ـ على مشرفها أفضل الصلاة و التحية ـ فقد روي فيها فضل عظيم ، و لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن ـ كالذهب ، و الفضة و غيرهما ـ دون ما لم يخرج عن اسمها كالأحجار الكريمة من العقيق و الفيروزج و الياقوت و نحوها فإنه يجوز السجود عليها على الأظهر ، كما يجوز السجود على الخزف ، و الآجر ، و على الجص و النورة بعد طبخهما على الأقوى ، و لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم النبات كالرماد و لا على ما ينبت على وجه الماء ، و في جواز السجود على الفحم و القير و الزفت إشكال و لا يبعد الجواز في الأول و تقدم الأخير على غيرهما عند الاضطرار .
مسألة (550) : يعتبر في جواز السجود على النبات ، أن لا يكون مأكولاً كالحنطة ، و الشعير ، و البقول ، و الفواكه و نحوها من المأكول ، و لو قبل وصولها إلى زمان الأكل على الأحوط ، أو احتيج في أكلها إلى عمل من طبخ و نحوه ، نعم يجوز السجود على قشورها بعد الانفصال إذا كانت مما لا يؤكل و إلا فلا يجوز السجود عليها مطلقا كقشر الخيار و التفاح بل جواز السجود على نخالة الحنطة و الشعير بل مطلقاً القشر الأسفل للحبوب لا يخلو عن إشكال ، و أما نواة التمر و سائر النوى فيجوز السجود عليها و كذا على التبن و القصيل و الجت و نحوها ، و فيما لم يتعارف أكله مع صلاحيته لذلك لما فيه من حسن الطعم المستوجب لإقبال النفس على أكله إشكال ، و مثله عقاقير الأدوية إلا ما لا يؤكل بنفسه بل يشرب الماء الذي ينقع أو يطبخ فيه كورد لسان الثور و عنب الثعلب فإنه يجوز السجود عليه على الأظهر ، و كذا يجوز السجود على ما يؤكل عند الضرورة و المخمصة أو عند بعض الناس نادراً .
مسألة (551) : يعتبر أيضاً في جواز السجود على النبات ، أن لا يكون
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 185 ـ
ملبوسا كالقطن ، و الكتان ، و القنب ، و لو قبل الغزل ، أو النسج و لا بأس بالسجود على خشبها و ورقها ، و كذا الخوص ، و الليف ، و نحوهما مما لا صلاحية فيه لذلك ، و إن لبس لضرورة أو شبهها ، أو عند بعض الناس نادراً .
مسألة (552) : يجوز السجود على القرطاس الطبيعي و هو بردي مصر ، و كذا القرطاس الصناعي المتخذ من الخشب و نحوه ، دون المتخذ من الحرير و الصوف و نحوهما مما لا يصح السجود عليه ، نعم لا بأس بالمتخذ من القطن و الكتان على الأقرب .
مسألة (553) : لا بأس بالسجود على القرطاس المكتوب إذا كانت الكتابة معدودة صبغاً ، لا جرماً ، نعم إذا كان متخذاً مما يصح السجود عليه ، أو كان المقدار الخالي من الكتابة بالقدر المعتبر في السجود ـ و لو متفرقا ـ جاز السجود عليه .
مسألة (554) : إذا لم يتمكن من السجود على ما يصح السجود عليه لتقية ، جاز له السجود على كل ما تقتضيه التقية ولا يجب التخلص منها بالذهاب إلى مكان آخر كما لا يجب تأخير الصلاة إلى زوال موجب التقية ، و أما إذا لم يتمكن لفقد ما يصح السجود عليه ، أو لمانع من حر ، أو برد فقد مر تقدم القير و الزفت على غيرهما عندئذ ، و مع عدم إمكان السجود عليها أيضا ، فالأظهر عدم ثبوت بدل خاص حينئذ و إن كان الأحوط أن يسجد على ثوبه فإن لم يتمكن منه أيضا سجد على غيره مما لا يصح السجود عليه اختياراً كالذهب و الفضة و نحوهما أو سجد على ظهر كفه .
مسألة (555) : لا يجوز السجود على الوحل ، أو التراب اللذين لا يحصل تمكن الجبهة في السجود عليهما ، و إن حصل التمكن جاز ، و إن لصق بجبهته شيء منهما أزاله للسجدة الثانية إذا كان مانعاً عن مباشرة الجبهة
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 186 ـ
للمسجد و إن لم يجد إلا الطين الذي لا يحصل التمكن في السجود عليه سجد عليه من غير تمكن .
مسألة (556) : إذا كانت الأرض ذات طين بحيث يتلطخ بدنه أو ثيابه ، إذا صلى فيها صلاة المختار و كان ذلك حرجيا ، صلى مؤمياً للسجود ، و لا يجب عليه الجلوس للسجود و لا للتشهد .
مسألة (557) : إذا اشتغل بالصلاة ، و في أثنائها فقد ما يصح السجود عليه ، جاز له السجود على غيره و تصح صلاته و لو كان ذلك في سعة الوقت على الأظهر .
مسألة (558) : إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه سهواً أو باعتقاده أنه مما يصح السجود عليه فإن التفت بعد رفع الرأس مضى و لا شيء عليه ، و كذا إذا التفت في الأثناء بعد الإتيان بالذكر الواجب ، و أما لو التفت قبله فإن تمكن من جر جبهته إلى ما يصح السجود عليه فعل ذلك ، و مع عدم الإمكان يتم سجدته وتصح صلاته .
مسألة (559) : يعتبر في مكان صلاة الفريضة أن يكون بحيث يستقر فيه المصلي و لا يضطرب على نحو لا يتمكن من القيام أو الركوع أو السجود ، بل الأحوط لزوما اعتبار أن لا يكون على نحو تفوت به الطمأنينة ـ بمضي سكون البدن ـ فلا تجوز الصلاة على الدابة السائرة و الأرجوحة و نحوهما ، و تجوز على الدابة و السفينة الواقفتين مع حصول الاستقرار على النحو المتقدم ، و كذا إذا كانتا سائرتين إن حصل ذلك أيضاً، و نحوهما العربة و القطار و أمثالهما فإنه تصح الصلاة فيها إذا حصل الاستقرار على النحو المذكور و كذا الاستقبال و لا تصح إذا فات شيء منها إلا مع الضرورة و حينئذ ينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة أو نحوها ، و مع عدم التمكن من استقبال عين الكعبة يجب مراعاة أن تكون بين المشرق و المغرب ، و إن لم يتمكن من الاستقبال إلا في
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 187 ـ
تكبيرة الإحرام اقتصر عليه ، و إن لم يتمكن منه أصلاً سقط ، وكذا الحال في الماشي وغيره من المعذورين والأقوى جواز ركوب السفينة و السيارة و نحوهما اختياراً قبل دخول الوقت و إن علم أنه يضطر إلى أداء الصلاة فيها فاقداً لشرطي الاستقبال و الاستقرار .
مسألة (560) : الأحوط وجوبا عدم إيقاع الفريضة في جوف الكعبة الشريفة اختياراً وأما اضطراراً فلا إشكال في جوازها ، و كذا النافلة و لو اختياراً .
مسألة (561) : تستحب الصلاة في المساجد من غير فرق بين مساجد فرق المسلمين و طوائفهم ، نعم يخرج عنها حكماً بل موضوعاً المسجد المبني ضراراً أو تفريقاً بين المسلمين فإنه لا تجوز الصلاة فيه ، و أفضل المساجد المساجد الأربعة، وهي المسجد الحرام و مسجد النبي صلى الله عليه و آله و المسجد الأقصى و مسجد الكوفة ، و أفضلها الأول ثم الثاني ، و قد روي في فضل الجميع روايات كثيرة ، و كذا في فضل بعض المساجد الأخرى كمسجد خيف والغدير وقبا والسهلة ، و لا فرق في استحباب الصلاة في المساجد بين الرجال و النساء و إن كان الأفضل للمرأة اختيار المكان الأستر حتى في بيتها .
مسألة (562) : تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السلام ، بل قيل أنها أفضل من المساجد ، و قد روي أن الصلاة عند علي عليه السلام بمائتي ألف .
مسألة (563) : يكره تعطيل المسجد ، ففي الخبر : ثلاثة يشكون إلى الله تعالى : مسجد خراب لا يصلي فيه أحد ، وعالم بين جهال ، ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه .
مسألة (564) : يستحب التردد إلى المساجد ، ففي الخبر : من مشى إلى
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 188 ـ
مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشرة حسنات ، و محي عنه عشرة سيئات ، و رفع له عشر درجات ، و يكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علة كالمطر ، و في الخبر : لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده .
مسألة (565) : يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه حائلاً إذا كان في معرض مرور أحد قدامه ، و يكفي في الحائل عود أو حبل أو كومة تراب .
مسألة (566) : قد ذكروا أنه تكره الصلاة في الحمام ، و المزبلة و المجزرة ، والموضع المعد للتخلي ، و بيت المسكر ، و معاطن الإبل ، و مرابط الخيل ، و البغال ، و الحمير ، و الغنم ، بل في كل مكان قذر ، وفي الطريق و إذا أضرت بالمارة حرمت ، و في مجاري المياه ، و الأرض السبخة ، و بيت النار كالمطبخ ، وأن يكون أمامه نار مضرمة ، و لو سراجاً ، أو تمثال ذي روح ، أو مصحف مفتوح ، أو كتاب كذلك ، و الصلاة على القبر و في المقبرة ، أو أمامه قبر إلا قبر معصوم، وبين قبرين و إذا كان في الأخيرين حائل ، أو بعد عشرة أذرع ، فلا كراهة ، وأن يكون قدامه إنسان مواجه له ، و هناك موارد أخرى للكراهة مذكورة في محلها .
الفصل الأول
يستحب الأذان والإقامة في الفرائض اليومية أداءاً وقضاءاً ، حضراً ، وسفراً ، في الصحة والمرض ، للجامع والمنفرد ، رجلا كان أو امرأة ، ويتأكدان في الأدائية منها ، وخصوص المغرب والغداة كما يتأكدان للرجال وأشدهما تأكيداً لهم الإقامة بل الأحوط ـ استحباباً ـ لهم الإتيان بها ولا يتأكدان بالنسبة إلى النساء ، ولا يشرع الأذان ولا الإقامة في النوافل ، ولا في الفرائض غير اليومية .
مسألة (567) : يسقط الأذان للصلاة الثانية من المشتركتين في الوقت إذا جمع بينهما عند استحباب الجمع ـ كما في الظهرين يوم عرفة في الوقت الأول والعشاءين ليلة العيد بمزدلفة في الوقت الثاني ـ بل في مطلق موارد
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 190 ـ
الجمع وإن لم يكن مستحباً على الأظهر ، فمتى جمع بين الفريضتين أداءً سقط أذان الثانية وكذا إذا جمع بين قضاء الفوائت في مجلس واحد فإنه يسقط الأذان مما عدا الأولى ولا يترك الاحتياط في الجميع بترك الأذان بداعي المشروعية بل لا ينبغي الإتيان به في الموردين الأولين مطلقا ولو رجاءً .
مسألة (568) : يسقط الأذان والإقامة جميعاً في موارد :
الأول : الداخل في الجماعة التي أذنوا لها وأقاموا ـ وإن لم يسمع ـ من غير فرق في ذلك بين أن تكون الجماعة منعقدة فعلاً أو في شرف الانعقاد ، كما لا فرق في الصورة الثانية بين أن يكون الداخل هو الإمام أو المأموم .
الثاني : الداخل إلى المسجد قبل تفرق الجماعة فإنه إذا أراد الصلاة منفرداً لم يتأكد له الأذان والإقامة ـ بل الأحوط الأولى أن لا يأتي بالأذان إلا سراً ـ وأما إذا أراد الصلاة جماعة فيسقطان عنه على وجه العزيمة ويشترط في السقوط وحدة المكان عرفاً، فمع كون إحداهما في أرض المسجد ، والأخرى على سطحه يشكل السقوط ، ويشترط أيضاً أن تكون الجماعة السابقة بأذان وإقامة ، فلو كانوا تاركين لهما لاجتزائهم بأذان جماعة سابقة عليها وإقامتها ، فلا سقوط ، وإن تكون صلاتهم صحيحة فلو كان الإمام فاسقاً مع علم المأمومين به فلا سقوط ، وفي اعتبار كون الصلاتين أدائيتين واشتراكهما في الوقت ، إشكال والأظهر الاعتبار ، نعم لا يبعد سقوط الأذان عن المنفرد ولو كانت صلاته قضاءً وإن كان الأحوط له الإتيان برجاء المطلوبية ، والظاهر جواز الإتيان بهما في جميع الصور برجاء المطلوبية وكذا إذا كان المكان غير مسجد .
الثالث : إذا سمع شخصا آخر يؤذن ويقيم للصلاة ، بشرط أن لا يقع
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 191 ـ
بين صلاته وبين ما سمعه فصل كثير ، وأن يستمع تمام الفصول ، ومع فرض النقصان يجوز له أن يتم ما نقصه القائل ، ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون الآتي بهما إماما أو مأموماً أو منفرداً ، وكذا الحال في السامع إلا أن في كفاية سماع الإمام وحده أو المأمومين وحدهم في الصلاة جماعة إشكالاً .
الفصل الثاني:
فصول الأذان ثمانية عشر الله أكبر أربع مرات ، ثم أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم حي على الصلاة ، ثم حي على الفلاح ، ثم حي على خير العمل ، ثم الله أكبر ، ثم لا إله إلا الله ، كل فصل مرتان ، وكذلك الإقامة ، إلا أن فصولها أجمع مثنى مثنى ، إلا التهليل في آخرها فمرة ، ويزاد فيها بعد الحيعلات قبل التكبير ، قد قامت الصلاة مرتين ، فتكون فصولها سبعة عشر ، والشهادة لعلي ( عليه السلام ) بالولاية وإمرة المؤمنين مكملة للشهادة بالرسالة ومستحبة في نفسها وإن لم تكن جزءً من الأذان ولا الإقامة ، وكذا الصلاة على محمد وآل محمد عند ذكر اسمه الشريف .
الفصل الثالث
يشترط فيهما أمور:
الأول : النية ابتداء واستدامة ، ويعتبر فيها القربة والتعيين مع الاشتراك .
الثاني والثالث : العقل والإيمان ، والأظهر الاجتزاء بأذان المميز ولكن في الاجتزاء بإقامته إشكال .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 192 ـ
الرابع : الذكورة للذكور فلا يعتد بأذان النساء وإقامتهن لغيرهن حتى المحارم على الأحوط وجوباً، نعم يجتزئ بهما لهن ، فإذا أمت المرأة النساء فأذنت وأقامت كفى .
الخامس : الترتيب بتقديم الأذان على الإقامة ، وكذا بين فصول كل منهما ، فإذا قدم الإقامة أعادها بعد الأذان ، وإذا خالف بين الفصول أعاد على نحو يحصل الترتيب ، إلا أن تفوت الموالاة فيعيد من الأول .
السادس : الموالاة بين فصول كل منهما ، فلا يفصل بينها على وجه تنمحي صورتهما ، وكذا تعتبر الموالاة العرفية بين الإقامة والصلاة ، وأما الموالاة بين الأذان والإقامة فالأمر فيهما أوسع إذ يستحب الفصل بينهما بصلاة ركعتين أو بسجدة أو بغير ذلك مما ذكر في المفصلات .
السابع : العربية وترك اللحن .
الثامن : دخول الوقت فلا يصحان قبله ـ إلا فيما يحكم فيه بصحة الصلاة إذا دخل الوقت على المصلي في الأثناء ـ نعم يجوز تقديم الأذان قبل القجر للإعلام ، ولكن الأحوط أن لا يؤتى به حينئذ بداعي الورود بل لبعض العقلائية كإيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين ، ولا يجزي عن أذان الفجر على الأظهر .
الفصل الرابع
يستحب في الأذان الطهارة من الحدث ، والقيام ، والاستقبال ، ويكره الكلام في أثناءه وكذلك الإقامة ، بل الظاهر اشتراطها بالطهارة والقيام وتشتد كراهة الكلام بعد قول المقيم : (( قد قامت الصلاة )) ، إلا فيما يتعلق بالصلاة ، ويستحب فيهما التسكين في أواخر فصولهما مع التأني في الأذان
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 193 ـ
والحدر في الإقامة ، والإفصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة ووضع الأصبعين في الأذنين في الأذان ، ومد الصوت فيه ورفعه إذا كان المؤذن ذكراً ، ويستحب رفع الصوت أيضا في الإقامة ، إلا أنه دون الأذان ، وغير ذلك مما هو مذكور في المفصلات .
الفصل الخامس
من ترك الأذان والإقامة ، أو إحداهما عمداً ، حتى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها واستئنافها على الأحوط لزوماً ، وإذا تركهما أو ترك الإقامة فقط عن نسيان فالأقرب استحباب الاستئناف له مطلقا ، ولكن يختلف مراتبه حسب اختلاف زمان التذكر وكونه قبل الدخول في القراءة أو بعده ، قبل الدخول في الركوع أو بعده ما لم يفرغ من الصلاة فالاستئناف في كل سابق أفضل من لاحقه .
إيقاظ وتذكير : قال الله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) وروي عن النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام كما في أخبار كثيرة أنه لا يحسب للعبد من صلاته إلا ما يقبل عليه منها وأنه لا يقدمن أحدكم على الصلاة متكاسلاً ، ولا ناعساً ، ولا يفكرن في نفسه ، ويقبل بقلبه على ربه. ولا يشغله بأمر الدنيا ، وأن الصلاة وفادة على الله تعالى ، وأن العبد قائم فيها بين يدي الله تعالى ، فينبغي أن يكون قائماً مقام العبد الذليل ، الراغب الراهب ، الخائف الراجي المسكين ، المتضرع ، وأن يصلي صلاة مودع يرى أن لا يعود إليها أبداً، وكان علي بن الحسين ( عليه السلام ) إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة ، لا يتحرك منه إلا ما حركت الريح منه ، وكان أبو جعفر ، وأبو عبد الله عليهما السلام إذا قاما إلى الصلاة تغيرت ألوانهما ،
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 194 ـ
مرة حمرة ، ومرة صفرة ، وكأنهما يناجيان شيئا يريانه ، وينبغي أن يكون صادقاً في قوله : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فلا يكون عابداً لهواه ، ولا مستعيناً بغير مولاه . وينبغي إذا أراد الصلاة ، أو غيرها من الطاعات أن يستغفر الله تعالى ، ويندم على ما فرط في جنب الله ليكون معدوداً في عداد المتقين الذين قال الله تعالى في حقهم ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 195 ـ المبحث الثاني :
فيما يجب في الصلاة
وهو أحد عشر :
النية ، وتكبيرة الإحرام ، والقيام ، والقراءة ، والذكر ، والركوع ، والسجود ، والتشهد ، والتسليم ، والترتيب ، والموالاة ، والأركان ـ وهي التي تبطل الصلاة بنقيصتها عمداً وسهواً ـ خمسة : النية ، والتكبير ، والقيام ، والركوع ، والسجود ، والبقية أجزاء غير ركنيه لا تبطل الصلاة بنقصها سهواً، وفي بطلانها بالزيادة تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى ، هذا في صلاة الفريضة ـ في حال الاختيار ـ وسيأتي سقوط بعض المذكورات إلى البدل أو لا إلى البدل في حال الاضطرار ، كما سيأتي حكم الصلاة النافلة في مطاوي الفصول الآتية ، وهي :
الفصل الأول
في النية ، وقد تقدم في الوضوء أنها : القصد إلى الفعل متعبداً به بإضافته إلى الله تعالى إضافة تذلليه فيكفي أن يكون الباعث إليه أمر الله تعالى ، ولا يعتبر التلفظ بها ، ولا إخطار صورة العمل تفصيلاً عند القصد إليه ، ولا نية الوجوب ولا الندب ، ولا تمييز الواجبات من الأجزاء عن مستحباتها ، ولا غير ذلك من الصفات والغايات بل يكفي الإرادة الإجمالية
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 196 ـ
المنبعثة عن أمر الله تعالى ، المؤثرة في وجود الفعل كسائر الأفعال الاختيارية الصادرة عن المختار ، المقابل للساهي والغافل .
مسألة (569) : يعتبر فيها الإخلاص فإذا انضم الرياء إلى الداعي الإلهي بطلت الصلاة وكذا غيرها من العبادات الواجبة والمستحبة سواء أ كان الرياء في الابتداء أم في الأثناء ، ولو راءى في جزء ـ واجب أو مستحب ـ فإن سرى إلى الكل بأن كان الرياء في العمل المشتمل عليه ، أو لزم من تداركه زيادة مبطلة بطلت صلاته ، وإلا لم يوجب بطلانها ـ كالرياء في جلسة الاستراحة إذا تداركها ـ وكذا الحال لو راءى في بعض أوصاف العبادة فلا تبطل إلا مع سرايته إلى الموصوف مثل أن يرائي في صلاته جماعة ، أو في المسجد أو في الصف الأول ، أو خلف الإمام الفلاني ، أو أول الوقت ، أو نحو ذلك ، وأما مع عدم السراية ـ كما إذا راءى في نفس الكون في المسجد ولكن صلى من غير رياء ـ فالظاهر صحة صلاته ، كما أن الظاهر عدم بطلانها بما هو خارج عنها مثل إزالة الخبث قبل الصلاة ، والتصدق في أثنائها ، وليس من الرياء المبطل ما لو أتى بالعمل خالصا لله ، ولكنه كان يعجبه أن يراه الناس كما أن الخطور القلبي لا يبطل الصلاة ، خصوصاً إذا كان يتأذى بهذا الخطور ، ولو كان المقصود من العبادة أمام الناس رفع الذم عن نفسه ، أو ضرر آخر غير ذلك ، لم يكن رياءاً ولا مفسداً على ما سيأتي في المسألة التالية ، والرياء المتأخر عن العبادة لا يبطلها ، كما لو كان قاصداً الإخلاص ثم بعد إتمام العمل بدا له أن يذكر عمله رغبة في الأغراض الدنيوية ، والعجب المتأخر لا يبطل العبادة وأما المقارن فإن كان منافياً لقصد القربة كما لو وصل إلى حد الإدلال على الرب تعالى بالعمل والامتنان به عليه أبطل العبادة وإلا فلا يبطلها .
مسألة (570) : الضمائم الأخر غير الرياء إن كانت راجحة أو مباحة
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 197 ـ
وكان الداعي إليها القربة كما إذا أتى بالصلاة قاصداً تعليم الغير أيضاً قربة إلى الله تعالى لم تضر بالصحة مطلقاً على الأقوى ، وأما إذا لم يكن الداعي إلى الضميمة هي القربة فالظاهر بطلان العمل مطلقاً وإن كان الداعي الإلهي صالحاً للاستقلال على الأحوط .
مسألة (571) : يعتبر تعيين نوع الصلاة التي يريد الإتيان بها ولو مع وحدة ما في الذمة ، سواء أ كان متميزاً عن غيره خارجاً أم كان متميزاً عنه بمجرد القصد كالظهر والعصر وصلاة القضاء والصلاة نيابة عن الغير ، وكذلك يعتبر التعيين فيما إذا اشتغلت الذمة بفردين أو أزيد مع اختلافهما في الآثار كما إذا كان أحدهما موقتاً دون الآخر، وأما مع عدم الاختلاف في الآثار فلا يلزم التعيين كما لو نذر صلاة ركعتين مكرراً فانه لا يجب التعيين في مثله ، ويكفي في التعيين في المقامين القصد الإجمالي ، ولا يعتبر إحراز العنوان تفصيلاً ، فيكفي في صلاة الظهر مثلاً قصد ما يؤتى به أولاً من الفريضتين بعد الزوال وكذا يكفي فيما إذا اشتغلت الذمة بظهر أدائية وأخرى قضائية مثلاً أن يقصد عنوان ما اشتغلت به ذمته أولاً وهكذا في سائر الموارد .
مسألة (572) : لا تجب نية الوجوب ولا الندب ولا الأداء ولا غير ذلك من صفات الأمر والمأمور به ، نعم يعتبر قصد القضاء ويتحقق بقصد بدلية المأتي به عما فات ، ويكفي قصده الإجمالي أيضاً ، فإذا علم أنه مشغول الذمة بصلاة الظهر ، ولا يعلم أنها قضاء أو أداء صحت إذا قصد الإتيان بما اشتغلت به الذمة فعلاً ، وإذا اعتقد أنها أداء فنواها أداءاً صحت أيضاً ، إذا قصد امتثال الأمر المتوجه إليه وإن كانت في الواقع قضاءاً ، وكذا الحكم في سائر الموارد .
مسألة (573) : لا يجب الجزم بالنية في صحة العبادة ، فلو صلى في ثوب مشتبه بالنجس لاحتمال طهارته ، وبعد الفراغ تبينت طهارته صحت
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 198 ـ
الصلاة ، وإن كان عنده ثوب معلوم الطهارة ، وكذا إذا صلى في موضع الزحام لاحتمال التمكن من الإتمام فاتفق تمكنه صحت صلاته ، وإن كان يمكنه الصلاة في غير موضع الزحام .
مسألة (574) : قد عرفت أنه لا يجب ـ حين العمل ـ الالتفات إليه تفصيلاً وتعلق القصد به كذلك ، بل يكفي الالتفات إليه وتعلق القصد به قبل الشروع فيه وبقاء ذلك القصد إجمالاً على نحو يستوجب وقوع الفعل من أوله إلى آخره عن داع قربي ، بحيث لو التفت إلى نفسه لرأى أنه يفعل عن قصد قربي ، وإذا سئل أجاب بذلك ، ولا فرق بين أول الفعل وآخره ، وهذا المعنى هو المراد من الاستدامة الحكمية بلحاظ النية التفصيلية حال حدوثها ، أما بلحاظ نفس النية فهي استدامة حقيقية .
مسألة (575) : إذا تردد المصلي في إتمام صلاته ، أو عزم على قطعها ولو بعد ذلك ، أو نوى الإتيان بالقاطع مع الالتفات إلى كونه مبطلاً فإن لم يأت بشيء من أجزائها في الحال ولم يأت بمبطل آخر جاز له الرجوع إلى نيته الأولى وإتمام صلاته ، وأما إذا أتى ببعض الأجزاء ثم عاد إلى النية الأولى فإن قصد به جزئية الواجب وكان فاقداً للنية المعتبرة كما إذا أتى به بداعوية الأمر التشريعي بطلت صلاته ، وإن لم يقصد به الجزئية فالبطلان موقوف على كونه فعلاً كثيراً ماحياً لصورة الصلاة أو مما تكون زيادته ولو بغير قصد الجزئية مبطلة وسيأتي ضابطه في أحكام الخلل .
مسألة (576) : إذا شك في النية وهو في الصلاة ، فإن علم بنيته فعلاً وكان شكه في الأجزاء السابقة مضى في صلاته ، كمن شك في نية صلاة الفجر حال الركوع مع العلم بأن الركوع قد أتى به بعنوان صلاة الفجر ، وأما إذا لم يعلم بنيته حتى فعلاً فلا بد له من إعادة الصلاة ، هذا في غير المترتبتين الحاضرتين كالظهر والعصر واما فيهما فلو لم يكن آتياً بالأولى أو شك في
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 199 ـ
إتيانه بها وكان في وقت تجب عليه جعل ما بيده الأولى وأتمها ثم أتى بالثانية .
مسألة (577) : إذا دخل في فريضة ، فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة ، صحت فريضة ، وفي العكس تصح نافلة .
مسألة (578) : إذا قام لصلاة ثم دخل في الصلاة ، وشك في أنه نوى ما قام إليها ، أو غيرها ، ففي موارد العدول يعدل بلا إعادة وفي غيرها يستأنف الصلاة .
مسألة (579) : لا يجوز العدول عن صلاة إلى أخرى ، إلا في موارد :
منها : ما إذا كانت الصلاتان أدائيتين مترتبتين ـ كالظهرين والعشائين ـ وقد دخل في الثانية قبل الأولى ، فإنه يجب أن يعدل إلى الأولى إذا تذكر في الأثناء إلا إذا لم تكن وظيفته الإتيان بالأولى لضيق الوقت .
ومنها : إذا كانت الصلاتان قضائيتين ، فدخل في اللاحقة ، ثم تذكر أن عليه سابقة ، فإنه يعدل إلى السابقة ، على المشهور ولكنه محل إشكال .
ومنها : ما إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه فائتة ، فإنه يجوز العدول إلى الفائتة مع عدم تضيق وقت الحاضرة بأن كان متمكناً من أدائها بتمامها في الوقت بعد إتمام الفائتة .
وإنما يجوز العدول في الموارد المذكورة ، إذا ذكر قبل أن يتجاوز محله .
أما إذا ذكر في ركوع رابعة العشاء أنه لم يصل المغرب فلا محل للعدول فيتم ما بيده عشاءً ويأتي بالمغرب بعدها على الأظهر .
ومنها : ما إذا نسي فقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة تامة غير سورة الجمعة ، فإنه يستحب له العدول إلى النافلة ثم يستأنف الفريضة ويقرأ سورتها .
ومنها : ما إذا دخل في فريضة منفرداً ثم أقيمت الجماعة للصلاة التي دخل فيها ، فإنه يستحب له العدول بها إلى النافلة مع بقاء محله ثم
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 200 ـ
يتمها ويدخل في الجماعة .
ومنها : ما إذا دخل المسافر في القصر ثم نوى الإقامة قبل التسليم فإنه يعدل بها إلى التمام ، وإذا دخل المقيم في التمام فعدل عن الإقامة عدل بها إلى القصر ـ إلا إذا كان عدوله بعد ركوع الثالثة فإنه تبطل صلاته حينئذ ـ ولكن هذا ليس من موارد العدول من صلاة إلى صلاة لأن القصر والتمام ليسا نوعين من الصلاة بل فردين لنوع واحد يختلفان في الكيفية .
مسألة (580) : إذا عدل في غير محل العدول ، فإن كان ساهياً ، ثم التفت أتم الأولى إن لم يزد ركوعا ، أو سجدتين وإلا بطلت صلاته على الأحوط ، وإن كان عامداً جرى عليه ما تقدم في المسألة 575 .
مسألة (581) : الأظهر جواز ترامي العدول ، فإذا كان في لاحقة أدائية فذكر أنه لم يأت بسابقتها فعدل إليها ثم تذكر أن عليه فائتة فعدل إليها أيضا صح .
الفصل الثاني :
في تكبيرة الإحرام
وتسمى تكبيرة الافتتاح ، وصورتها : ( الله أكبر ) ولا يجزئ مرادفها بالعربية ، ولا ترجمتها بغير العربية ، وإذا تمت حرم ما لا يجوز فعله من منافيات الصلاة ، وهي ركن تبطل الصلاة بنقصها عمداً وسهواً ، وتبطل بزيادتها عمداً ، فإذا جاء بها ثانية بطلت الصلاة فيحتاج إلى ثالثة ، فإن جاء بالرابعة بطلت أيضاً واحتاج إلى الخامسة ، وهكذا تبطل بالشفع ، وتصح بالوتر ، والظاهر عدم بطلان الصلاة بزيادته سهواً ، ويجب الإتيان بها على النهج العربي مادة وهيئة ـ والجاهل يلقنه غيره أو يتعلم ، فإن لم يمكن ولو لضيق الوقت اجتزأ بما أمكنه منها وإن كان غلطاً ما لم يكن مغيراً للمعنى ،