اليها ، عقولهم ضخمة ، ان الانسان ليشعر بالضعة والحقارة امام تلك العقول الجبارة التي تصمم هذه الآلات والتي تبتكر هذه الوسائل والاليات الالكترونية الحديثة ، انظروا الى ما ينتجه الغرب من آلات ووسائل ومن تقدم علمي ، هذه عمل عقلي ضخم جداً ولكن الى جانب ذلك تترعرع الامراض والسلبيات والاخطاء في تلك النفوس فتجعل تلك العقول وتلك الاجساد حطباً للشقاء في الدنيا وفي الاخرة حطباً لجهنم.
في بعض الاوقات يخطيء الانسان فيتصور ان الوقت الذي يصرفه على سلامة نفسه وقت ضائع مثلاً : انك حينما تذهب الى المقبرة تصرف وقتاً في الذهاب والرجوع والبقاء في المقبرة ، هذا الوقت قد تتصور انك لو صرفته في سبيل نشاط عقلي تطالع كتاباً ، او تفكر في موضوع تفيد به عقلك لكان افضل ولكن هل المطلوب مني فقط افادة عقلي ؟ هل المطلوب مني فقط توفير المعلومات والخدمات للعقل ؟ ونفسي اين هي وكيف صحتها ووضعها ؟
يجب ان اصرف وقتاً من اجل تزكية نفسي وهذا هو سر العبادات الاسلامية وسر التوجيه اليها انك تصرف وقتاً على الصلاة والدعاء وعلى زيارة القبور ولمحاسبة النفس تطبيقاً للرواية الشريفة عن الامام الكاظم ( عليه السلام ) : ( ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فن عمل خيراً استزاد الله منه وحمد الله عليه وان عمل شراً استغفر الله منه وتاب اليه )
.
اذا لم يكن هناك توازن بين تقدم علم الانسان وتوسع محيط ادراكه وعقله مع سلامة نفسه فهناك خطر كبير على مستقبل الانسان فيجب ان نهتم بسلامة
انفسنا وليكن من برامجنا فترة للعناية بأنفسنا.
أنت تنام لمصحلة جسدك قدراً معيناً من الساعات ، وانت تدرس وتتعلم وتقرأ لصالح عقلك كذا ساعة ، فكم من الوقت تصرف من اجل نفسك ؟ من اجل التفتيش والتنقيب عن الرواسب والاوساخ التي تترامى في زوايا نفسك من هنا وهناك ؟ ومن اجل معالجتها وحمايتها ووقايتها كم تصرف من الوقت من اجل ذلك ؟
علينا ان نصرف جزءاً كبيرا من الوقت على هذا الجانب لان مالم نصرف وقتاً في هذا الجانب فان اوقاتنا الاخرى ستضيع هباءاً لان عقولنا مهما صارت ضخمة فهي فريسة وضحية لانفسنا الامارة بالسوء.
كما قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
( اكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع ).
انتبهوا الى هذا التعبير الرائع ( مصارع العقول ) ومصرع تعني مقتل ، اي ان عقلك يقتل ولكن الى اين ؟
لا يقتل العقل بالسيف ولا بالعنف وانما بالرغبات والشهوات التي تنتاب نفوسنا كالخوف والكسل والانانية والراحة وما اشبه من هذه الامراض التي علينا ان نصون انفسنا منها.
رسالتنا اصلاح النفوس :
نحن نحمل رسالة اصلاح المجتمع وانقاذ الامة ولكن الى اية منطقة وجانب في الناس نتوجه ؟
بعض المصلحين يتوجهون الى عقول الناس فيقدمون الفكر والثقافة والعلم للناس وهذا جيد ولكنه وحده لا يكفي ، لان مشكلة الناس لا تنبع فقط من قلة علمهم وانما هناك مشاكل نفسية ، الناس مصابون بالخوف
معرفة النفس
_ 24 _
والهلع والجبن فيجب انتزاع ذلك من نفوسهم والا فلن ينتفعوا بالعلم ولا الثقافة وهنا اذكر الاخوة بشخصية حسان بن ثابت ذلك الصحابي الاديب الذي اعترف له الشعراء بالفضل والتفوق حتى قال ابو عبيدة : ان العرب قد اجتمعت على ان حسان اشعر اهل المدن.
ولكن مع قوة ادبه وسعة فقه اسمعوا عن الوجه الاخر لشخصيته : ( ذلك ان قتيبة في المعارف انه لم يشهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشهداً قط. قالت صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كان معنا حسان في حصن فارغ يوم الخندق مع النساء والصبيان فمر بنا في الحصن رجل يهودي فجعل يطوف بالحصن فقلت : يا حسان انا والله لا آمن ان يدل علينا هذا اليهودي اصحابه ، ورسول الله قد شغل عنا فانزل اليه واقتله.
قال : يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب ما انا بصاحب شجاعة!
قالت : قلما قال لي ذلك ، ولم ار عنده شيئاً اعتجرت ـ لست المعجر ـ ثم اخذت عموداً ونزلت اليه فضربته بالعمود حتى قلته ، ثم رجعت الى الحصن وقلت : يا حسان انزل اليه واسلبه فانه لم يمنعني من سلبه الا انه رجل.
فقال : مالي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب !!
وكان حسان قد اقتدى في فعله هذا بقول الشاعر :
بـاتت تـشجعني هـند وما علمت ان الـشجاعة مـقرون بها iiالعطب لا والـذي مـنع الابـصار iiرؤيته ما يشتهي الموت عندي من له ارب |
معرفة النفس
_ 25 _
لـلحرب قوم أضل الله iiسعيهم اذا دعـتهم الـى نيرانها iiوثبوا ولـست منهم ولا ابغي iiفعالهم لا القتل يعجني منهم ولا السلب(1) |
فهل يسرنا ان يكون ابناء مجتمعنا في مثل علم وادب حسان مع نفسيته الجبنانة الضعيفة ؟!
اننا اذا اردنا اصلاح شعوبنا ومجتمعاتنا فمن الخطأ جدا ان نركز فقط على اعطاء الفكر والثقافة للناس ، لان ذلك وحده لا يكفي بل يجب اصلاح نفوس الناس في البداية اليس الله سبحانه وتعالى يقول : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم )
(2) .
ونبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكل الانبياء ركزوا على هذا الجانب وهو اصلح نفوس الناس فحينما نريد ان نكتب للناس حينما نريد ان نقدم لها الحلول والعلاج وهذه افضل خدمة نقدمها لجماهيرنا.
أساليب المعالجة النفسية :
في بعض الاوقات يكون الجانب العملي اكثر تأثيراً من الجانب النظري في اصلاح النفوس ومنا هنا تبرز قيمة الانتفاضات والاعمال الثورية في المجتمعات والشعوب ، بعض الناس يقولون : اننا يجب ان نثقف الناس فنعطيهم الفكر والمعرفة والثقافة الى مرحلة تستغرق سنين عديدة ، اما الاعمال الثورية والاصطدام مع السلطة واعمال اخرى من هذا القبيل فهذه
---------------------------
(1) الشيخ عبد الحسين الاميني : الغدير : ج 1.
(2) سورة الرعد : ـ 11.