والنهب ...
وما نراه الان في الغرب لدى المجتمعات المادية من مؤسسات خيرية واجتماعية ، انما هو نتيجة لشعورهم وادراكهم بردود فعل الفئات الضعيفة والمحتاجة على مستوى العالم والتي تؤثر على مصالحهم واستقرارهم ، وان كانت اشكالات وملاحظات كثيرة على تلك المؤسسات ، ولكن ما نستشهد به هنا هو ان دافعهم اليها ليس دينياً واخروياً وانما لدرء الاخطار الدنيوية.
ان من يحمل وعياً اجتماعياً ، ويدرك تفاعل الاوضاع داخل المجتمع ، والتأثير المتبادل بين الفرد ومجتمعه لايكون انانياً ، اما تحصيل هذا الوعي فيأتي عبر توجيهات الاسلام ، والثقافة والمعرفة ، وبالتأمل في تجارب الحياة ...
ومسؤولية المفكرين والموجهين الواعين ان ينشروا الوعي الاجتماعي ويوضحوا للناس ارتباطهم وتفاعلهم مع مجتمعهم ومحيطهم.
ليست كل شؤون الحياة وقضاياها تخضع للمعادلات المادية الواضحة امامنا فقط. فهناك معادلات وتأثيرات غيبية لا يمكن لنا رصدها باجهزة الكمبيوتر كما نرصد اسعاد اسعاد الذهب وتأثيرات انخفاض او زيادة انتاج النفظ ...
ولكن ما نراه بالتجربة وما تؤكده لنا النصوص الدينية هو ان اهتمام الانسان بالاخرين وعطاءه لهم يجلب له الخير ويبعد عنه الكثير من الاخطار بينما تجاهله للاخرين واعراضه عن مساعدة المحتاجين ، يجعله عرضة للشرور والاخطار ... عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
( الرزق الى مطعم الطعام اسرع من السكين الى ذروة البعير ، وان الله تعالى
ليباهي بمطعم الطعام الملائكة )
(1) .
وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
( ان لله عباداً يخصهم بالنعم لمنافع العباد فمن بخل بتلك المنافع على العباد نقلها الله عنه وحولها الى غيره )
(2) .
وعن ابن عباس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( الجود من جود الله تعالى فجودوا يجد الله تعالى لكم )
(3) .
وهناك قصة جميلة تبين نتائج العطاء على المعطي وبشكل لا يتوقعه :
خرج عبد الله بن جعفر الى ضيعة له فنزل على نخيل قوم وفيها غلام اسود يعمل فيها ، اذ اتى الغلام بقوته ، ودخل الحائط كلب ودنا من الغلام فرمى اليه الغلام بقرص فاكله ، ثم رمى اليه بالثاني والثالث فأكله ، وعبد الله بن جعفر ينظر فقال : يا غلام كم قوتك كل يوم ؟
قال : ما رأيت.
قال : فلم آثرت به هذا الكلب ؟
قال : ماهي بأرض كلاب انه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت رده.
قال : فما انت صانع اليوم ؟
قال : اطوي يومي هذا.
فقال عبد الله بن جعفر : الام على السخاء ان هذا الغلام لاسخى مني فاشترى
---------------------------
(1) نهج المحجة : ج 6 ص 60.
(2) نفس المصدر : ص 61.
(3) نفس المصدر : ص 72.
معرفة النفس
_175 _
الحائط والغلام ومافيه من الالآت واعتق الغلام ووهبه له
(1) .
ومن اوضح مصاديق تأثيرات الغيب في هذا المجال صلة الرحم فقد تواترت الاحاديث وتكررت التجارب حول نتائج صلة الرحم ومضاعفات قطع الرحم فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر )
(2) .
ونظر الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) الى رجل معمر يقال له : ميسر فقال له : ياميسر لقد زيد في عمرك فأي شيء تعمل ؟
قال : ( كنت اجيراً وانا غلام بخمسة دراهم فكنت اجريها على خالي )
(3) .
ومظهر آخر للمعادلات الغيبية : تأثير الصدقة على الفقراء والمحتاجين فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( الصدقة تسد سبعين باباً من الشر ).
( الصدقة تدفع الاعراض والامراض ، وهي زيادة في اعماركم وحسناتكم )
(4) .
والتفت الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) يوماً لابنه محمد قائلاً : يابني كم فضل من تلك النفقة ؟
قال : اربعون ديناراً.
قال : اخرج فتصدق بها.
---------------------------
(1) المصدر السابق : ص 80.
(2) ميزان الحكمة : ج 8 ص 84.
(3) المصدر السابق : ص 85.
(4) المصدر السابق : ص 321.