لاستنادهم إلى الحس (1).
   وشرط قوم العدد واختلفوا !!.
   فقال قوم : اثنا عشر (2).
   وقال أبو الهذيل : عشرون (3).
   وقيل : أربعون (4) ..
   وقيل : سبعون (5) ..
   وقيل : ثلثمائة وبضعة عشر (6).

(1) بأن يكون المخبر عنه محسوسا بالبصر ، أو غيره من الحواس الخمس.
   فلو كان مستنده العقل ، كحدوث العالم وصدق الانبياء ، لم يحصل لنا العلم.
   « شرح البداية : ص 14 »
(2) عدد النقباء ، كما في « شرح البداية » : ص 13 ، لقوله تعالى : في سورة المائدة ، الآية 12 ، « وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ».
(3) لقوله تعالى : في سورة الانفال ، الآية 66 ، « إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ».
(4) لقوله تعالى : في سورة الانفال ، الآية 66 ، « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » ، وكان عددهم عند نزول الآية ، قد بلغ أربعين رجلا بإسلام عمر ، كما في « علوم الحديث ومصطلحه » : ص 147.
(5) لاختيار موسى لهم ، ليحصل العلم بخبرهم إذا رجعوا ، كما في « شرح البداية » : ص 13 ، لقوله تعالى : في سورة الاعراف ، الآية 156 ، « وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا ».
(6) عدد أهل بدر ، كما في « شرح البداية » : ص 13.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 202 ـ
   والكل ضعيف ، بل المرجع فيه إلى حصول اليقين وعدمه ، فإن حصل فهو متواتر ، وإلا فلا .

   خبر الله تعالى صدق ، وهو ظاهر على قولنا .
   لانه غني عن الكذب ، حكيم في أفعاله ، عالم بكل معلوم ، فاستحال وقوع الكذب منه .
   ولان الرسول « عليه السلام » أخبر بصدقه ، ولا دور هنا (1).
   وخبر النبي « عليه السلام » صدق ، لدلالة المعجزة عليه .
   وخبر الامام صدق ، لانه معصوم .

(1) هذا جواب عما يمكن أن يقال : إن ثبوت صدق خبر الله بإخبار النبي « ص » ، مدعاة للزوم الدور ، لان صدق خبر النبي « ص » ، متوقف هو الآخر على إخبار الله ، والمفروض أن صدق خبره متوقف على إخباره « ص ».
   نعم ، هذا جواب !! ولتوضيحه نقول : سلمنا توقف صدق خبر الله على إخبار النبي « ص » ، ولكن لا يتوقف صدق خبر النبي « ص » على إخباره سبحانه ، بل هو متوقف على المعجزة.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 203 ـ
   وخبر كل الامة صدق ، لما بينا أن الاجماع حجة.

   خبر الواحد : هو ما يفيد الظن ، وإن تعدد المخبر.
   وهو حجة في الشرع (1) ، خلافا للسيد المرتضى ولجماعة (2)

(1) بالادلة الاربعة : الكتاب والسنة والعقل والاجماع.
   أما الكتاب !! فقد ذكره بقوله : « فلولا نفر ... » وهكذا ما بعده.
   وقد أورد على دلالة هاتين الآيتين إيرادات ، تجدها مفصلة في « فرائد الاصول : ص 66 » ، للشيخ الانصاري.
   وأما العقل !! فقد ذكره بقوله : « فإنه يتضمن دفع ضرر ... »
   وأما الاجماع !! فقد ذكره بقوله : « ولان جماعة من الصحابة ... »
   وأما السنة !! فهو لم يذكرها ، لكن الاصوليين قد ذكروا روايات واستدلوا بها على حجية خبر الواحد ، لقول الحجة « ع » لاسحاق بن يعقوب : « وأما الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ، فانهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم ».
   وللتوسع !! يراجع « فرائد الاصول : ص 6(6) 90 ».
(2) هم : القاضي ، وابن زهرة ، والطبرسي ، وابن ادريس ، وغيرهم.
   وقال ابن سريج والقفال والبصري : دل العقل أيضا.
   وأنكره قوم : لعدم الدليل ، أو للدليل على عدمه ، شرعا وعقلا.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 204 ـ
   لنا !! قوله تعالى : « فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » [ 9 / 123 ] ، أوجب الحذر بإخبار عدد لا يفيد قولهم العلم.
   وأورد أبو الحسين اعتراضا لازما ، وهو دلالته على قول الفتوى لا الخبر (1).
   وأيضا قوله تعالى : « إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا .... » [ 49 / 7 ] ، أوجب التثبت عند إخبار الفاسق ، فإذا أخبر العدل لم يخل : إما أن يجب القبول وهو المطلوب ، أو الرد فيكون أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل ، أو يتوقف فينتفي فائدة الوصف بالكلية .
   وأيضا : فإن خبر الواحد مقبول في الفتوى والشهادات ، مع إنتفاء العلم (2).

   وأحاله آخرون ، واتفقوا على الوجوب في الفتوى والشهادة والامور الدنيوية.
   « جمعا بين فرائد الاصول : ص 67 ، ومنهاج الوصول : ص 46 بتصرف واختصار »
(1) اعتراضه : ان الانذار عقب التفقه ، إنما ينصرف إلى الفتوى لا إلى الخبر ، ونحن لا نمنع من الفتوى.
   « هامش المصورة : ص 40 »
   وللتوسع !! يرجع إلى الاشكال الثالث على دلالة هذه الآية في « فرائد الاصول : 80 ـ 81 ».
(2) مستند هذا الدليل الاجماع ، وقد يسمى بسيرة المسلمين.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 205 ـ
   وأيضا : فإنه يتضمن دفع ضرر مظنون ، فيكون واجبا (1).
   ولان جماعة من الصحابة عملوا بأخبار الآحاد ، ولم ينكر عليهم أحد ، فكان إجماعا (2).

   وللتوسع !! يرجع إلى الوجه الثالث من الاجماع في « فرائد الاصول : ص 99 ـ 100 ».
(1) هذا دليل عقلي يتركب من :
   صغرى وهي : إن هذا يتضمن ضررا مظنونا .
   وكبرى وهي : أن كل مظنون الضرر يجب دفعه ...
   نعم ، فهذا الدليل ـ كما يرى ـ عام ، يدل على حجية مطلق الظن سواء كان من الخبر أم لا ...
   وللتوسع !! يرجع إلى « فرائد الاصول : 10(6) 110 ».
(2) اجمعت الصحابة على العمل بخبر الواحد ، وإجماع الصحابة حجة.
   أما أنهم أجمعوا ، فلانهم رجعوا إلى أزواج النبي « ص » في الغسل من التقاء الختانين.
   ورجع أبو بكر في توريث الجدة سدس الميراث إلى خبر المغيرة.
   ورجع عمر إلى رواية عبد الرحمان في سيرة المجوس ، بقوله سيروا بهم سنة أهل الكتاب ، ومنع من توريث المرأة من دية زوجها ، ورجع عن ذلك بخبر الضحاك بن قيس .
   وعن علي : كنت إذا سمعت من رسول الله حديثا ، نفعني الله بما شاء أن ينفعني ، فإذا حدثني به غيره استحلفته ، فإذا حلف صدقته ، وعمل علي بخبر المقداد في المذي.
   « المعارج : ص 8(4) 85 بتصرف »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 206 ـ
   يشترط كون الراوي : بالغا ، عاقلا ، مسلما ، عدلا ، ضابطا .
   فلا تقبل رواية الصبي : لانه إن لم يكن مميزا ، لم يحصل الظن بقوله ، وإن كان مميزا علم نفي الحرج عنه مع الكذب فلا يمتنع منه (1).
   وتقبل روايته : لو كان صبيا وقت التحمل ، بالغا وقت الاداء (2).
   والكافر : لا تقبل روايته ، سواء كان مذهبه جواز الكذب أو لا ، لانه فاسق والفاسق مردود الرواية ، ولا تقبل رواية الفاسق للآية (3).
   ولا تقبل رواية المجهول حاله ، خلافا لابي حنيفة ، لان عدم الفسق شرط في الرواية ، وهو مجهول ، والجهل بالشرط

(1) أي : أن الصبي المميز ، يعلم أنه لا يعاقب إذا كذب في الاخبار ، فلا يكون متحرزا .
(2) المراد من وقت التحمل : زمان سماعه الخبر.
   ومن وقت الاداء : زمان نقله الخبر إلى الغير.
(3) وهي قوله تعالى : « إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ... ».

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 207 ـ
   يستلزم الجهل بالمشروط (1).

   الصحيح : أن الواحد إذا كان عدلا قبلت روايته.
   سواء عضده ظاهر ، أو عمل بعض الصحابة ، أو إجتهاد ، أو رواية عدل آخر ، خلافا للجبائي .
   لان الصحابة رجعوا إلى أخبار العدل ، وإن كان واحدا ولان الادلة تتناوله .
   ولا يشترط كون الراوي فقيها ، خلافا لابي حنيفة (2) ، فيما خالف القياس ، لما تقدم من الادلة العامة.
   ولقوله « عليه السلام » : نضر الله إمرءا سمع مقالتي

(1) الاكثرون على أن مجهول الحال لا يقبل ، ولابد من معرفة عدالته أو تزكيته .
   وقال أبو حنيفة تكفي سلامته من الفسق ظاهرا .
   لنا : أن الفسق مانع بإتفاق ، فوجب تحقق عدمه ، كالصبي والكفر ، وأيضا فلا دليل عليه ، فلا يثبت .
  « منتهى الوصول : ص 56 »
(2) شرط أبو حنيفة « رضي الله عنه » ، فقه الراوي ان خالف القياس.
   ورد : بأن العدالة تغلب ظن الصدق ، فيكفي .
   « منهاج الوصول : ص 48 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 208 ـ
   فوعاها ، فأداها كما سمعها ، فرب حامل فقه ليس بفقيه » (1) ولا يشترط عدم مخالفة الراوي له (2) ، لاحتمال صيرورة الراوي إلى ما توهمه دليلا ، وليس كذلك .
   والاقرب : عدم اشتراط نقل اللفظ ، مع الاتيان بالمعنى كملا ، لان الصحابة لم ينقلوا الالفاظ كما هي ، لانهم لم يكتبوها ، ولا كرروا عليها مع تطاول الازمنة (3).

(1) كشف الخفاء : 2 / 319.
(2) مرجع الضمير : الخبر ، كما في هامش المصورة : ص 41.
(3) يجوز نقل الحديث بالمعنى ، بشرط أن يكون الناقل عارفا بمواقع الالفاظ ، وعدم قصور الترجمة عن الاصل ، وافادة المعنى ومساواتهما في الجلد والخفاء.
   وعن ابن سيرين والرازي الحنفي وجماعة ، وجوب نقل صورته .
   وحجتنا على الجواز وجوه منها : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لابي عبد الله « ع » : أسمع الحديث منك ، فأزيد وانقص ، قال : ان كنت تريد معاينة فلا بأس .
   ومنها : ما روي عن ابن مسعود وغيره ، قال رسول الله « ص » : كذا ونحوه.
   ومنها : ان الله سبحانه قص القصة الواحدة بألفاظ مختلفة ، ومن المعلوم أن تلك القصة وقعت اما بغير العربية أو بعبارة واحدة منها ، وذلك دليل على جواز نسبة المعنى إلى القائل وان تغاير اللفظ.
   « جمعا بين منتهى الوصول : ص 60 ـ 71 ، ومعالم الدين : 21(3) 214 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 209 ـ
   خبر الواحد إذا اقتضى علما ، ولم يوجد في الادلة القاطعة ما يدل عليه ، وجب رده ، لانه اقتضى التكليف بالعلم ولا يفيده فيلزم تكليف ما لا يطاق .
   وإن اقتضى العمل ، وجب قبوله وإن عمت به البلوى ، خلافا للحنفية ، لعموم الادلة ، ولان الصحابة رجعوا في أحكام الرعاف والقي والقهقهة في الصلاة ، إلى الآحاد مع عموم البلوى فيها (1).
   والمرسل لا يقبل (2) ، خلافا لابي حنيفة ومالك وجمهور

(1) للتوسع !! يراجع « اصول الفقه » للخضري ، ص : 259 ، ومنتهى الوصول » ، لابن الحاجب ، ص : 62.
(2) المرسل : وهو ما لم يشتمل سنده على جميع اسماء رواته ، ويقسم إلى مايلي : أ ـ مرسل الثقة : وهو ما ينسبه إلى المعصوم راو ، يطمئن علماء الرجال ، إلى أنه لا يروي إلا عن ثقة .
   وهو حجة في رأي كثير من علماء اصول الفقه.
ب ـ مرسل غير الثقة : وهو ما ينسبه إلى المعصوم راو ، مجهول الحال في كيفية روايته.
   وهو ليس بحجة في رأي علماء اصول الفقه ،

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 210 ـ
   المعتزلة (1) ، لان عدالة الاصل مجهولة ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط.
   وإذا جزم راوي الاصل : بكذب رواية الفرع عنه ، لم تقبل رواية الفرع.
   وإن توقف : قبل قول الفرع ، لعدم المنافي (2).

   العدد (3) : شرط في الجرح والتعديل ، في الشهادة دون

   إلا إذا عمل بمضمونه الفقهاء ، فيعد حجة في رأي بعض علماء اصول الفقه.
   « مبادئ اصول الفقه : ص 29 ، 31 باختصار »
(1) لنا : أن عدالة الاصل لم تعلم فلم تقبل .
   قيل : الرواية تعديل ، قلنا : قد يروى عن غير العدل.
   قيل : إسناده إلى الرسول يقتضي الصدق ، قلنا : بل السماع.
   قيل : الصحابة أرسلوا وقبلت ، قلنا : الظن السماع.
   « منهاج الوصول : 48 ـ 49 »
(2) إذا انكر الاصل رواية الفرع : فإن كان تكذيبا ، فالاتفاق على أنه لا يعمل به ، لان أحدهما كاذب فيه غير معين ، ولا يقدح في عدالتهما.
   وإن لم تكن تكذيبا ، فالاكثر على العمل به ، خلافا للكرخي وبعض الحنفية ، ولاحمد روايتان.
   « منتهى الوصول : ص 61 »
(3) أي : شهادة عدلين.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 211 ـ
   الرواية ، لان الفرع لا يزيد على الاصل.
   ولابد من ذكر سبب الجرح دون التعديل (1).
   ومع التعارض يقدم الجارح (2) ، إلا إذا نفى المعدل ما أثبته الجارح قطعا ، فيتعارضان .
   وإذا حكم بشهادته ، أو عمل بروايته ، أو قال : هو عدل لاني عرفت منه كذا ، أو أطلق مع عرفانه ، فهو تزكية .
   ولو روى عنه ، لم يكن تزكية ، إلا أن تكون عادته عدم

(1) قال قوم : لابد من بيان سبب الجرح ، وقيل : يقبل بدون بيان ، واشتراط البيان هو المختار.
   لانا رأينا كثيرا من العلماء ، قدحوا في رواة بأشياء ظنوها قوادح وليست قوادح .
   كما جرح شعبة راويا بأنه كان يركض بغلته ، وجرح بعضهم سماك ابن حرب بأنه كان يبول قائما ، وجرح بعضهم راويا بأنه كان يستكثر من مسائل الفقه.
   أما التعديل : فقال بعضهم أيضا : باشتراط البيان فيه كالجرح ، وقال الاكثرون : لا يشترط .
   لان مفهوم العدالة معلوم اتفاقا ، فسكوته عنها كبيان ، بخلاف الجرح ، فإن أسبابه كثيرة كما قلنا ، بعضها يوجه ، وبعضها لا .
  « اصول الفقه : ص 245 »
(2) إذا جرح بعض وعدل آخرون ، قدم العمل بالجرح ، لانه شهادة بزيادة ، لم يطلع عليها المعدل ، ولان العدالة قد يشهد بها على الظاهر ، وليس كذلك الجرح.
   « المعارج : ص 92 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 212 ـ
   الرواية عن غير العدل (1).
   وليس ترك الحكم بالشهادة جرحا .

(1) كما في « منهاج الوصول : ص 47 ».

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 213 ـ
   وفيه : مباحث

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 214 ـ
   الاول« في : تعريفه »
   القياس : عبارة عن حمل الشيء على غيره ، في إثبات مثل حكمه له ، لاشتراكهما في علة الحكم.
   وأركانه أربعة : الاصل ، وهو المقيس عليه ... والفرع : هو المقيس ... والعلة : هي المعنى المشترك ... والحكم : وهو المطلوب اثباته في الفرع.
   اختلف الناس في ذلك ، والذي نذهب إليه أنه ليس بحجة ، لوجوه :
   أحدها : قوله تعالى : « لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ » [ 49 / 2 ] ... « وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ » [ 7 / 34 ] ... « إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا » [ 53 / 29 ] ... « وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ » [ 5 / 50 ]
   الثاني : قوله عليه السلام : « وتعمل هذه الامة برهة بالكتاب ، وبرهة بالسنة ، وبرهة بالقياس .
   فإذا فعلوا ذلك فقد


مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 215 ـ
   ضلوا وأضلوا » (1) ...
   وقوله عليه السلام : « ستفترق امتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمهم فتنة قوم يقيسون الامور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام » (2).
   الثالث : اجماع الصحابة عليه.
   روي عن علي عليه السلام أنه قال : « من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم ، فليقل في الجد برأيه » (3) ، وقال : « لو كان الدين بالرأي ، لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره » (4).
   وقال أبو بكر : « أي سماء يظلني ، وأي أرض تقلني ، إذا قلت في كتاب الله برأيي » (5).

(1) انظر ملخص ابطال القياس : ص 56.
(2) انظر ملخص ابطال القياس : ص 69 ، وكنز الفوائد للكرجكي : ص 397.
   وجامع أحاديث الشيعة : 1 / 68.
(3) انظر أعلام الموقعين : 1 / 380 ، وتأويل مختلف الحديث : ص 20 ، والسنن الكبرى للبيهقي : 6 / 245 ، والغدير : 6 / 107.
(4) انظر ملخص ابطال القياس : ص 60 ـ 61 ومستدرك الوسائل : 3 / 177 ـ 178 ، وجامع أحاديث الشيعة : 1 / 69.
(5) قال أبو بكر الصديق : « أي أرض تقلني ، وأي سماء تظلني ، ان قلت في آية برأيي ، أو بما لا أعلم ».
   « ملخص ابطال القياس : ص 58 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 216 ـ
   وقال عمر : « إياكم وأصحاب الرأي ، فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الاحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا » (1).
   ولم يزل أهل البيت عليهم السلام ، ينكرون العمل بالقياس ، ويذمون العامل به (2) ، وإجماع العترة حجة.
   الرابع : إن العمل بالقياس ، يستلزم الاختلاف ، لاستناده إلى الامارات المختلفة ، والاختلاف منهي عنه (3).
   الخامس : مبنى شرعنا ، على تساوي المختلفات في الاحكام ، واختلاف المتماثلات فيها ، وذلك يمنع من القياس قطعا (4).

(1) ملخص ابطال القياس : ص 58.
(2) كما في حلية الاولياء : 3 / 197.
(3) قالت الشيعة والتعليمية : ان الاختلاف ليس من دين الله ، ودين الله واحد ليس بمختلف ، وفي رد الخلق إلى الظنون ما يوجب الاختلاف ضرورة ، والرأي منبع الخلاف ، والظنيات لا دليل فيها ، بل ترجع إلى ميل النفوس ، والميل مختلف ، والدليل على ذم الاختلاف قوله تعالى :
   « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا » ، وقال : « أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه »
   « اصول الفقه للخضري : ص 383 »
(4) طريقة النظام ومن تابعه في ابطال القياس : أن الشرعيات

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 217 ـ
   إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق ، قد يكون جليا كتحريم الضرب المستفاد من تحريم التأفيف (1) ، وذلك ليس من باب القياس.

   وقعت على وجوده لا يمكن معها دخول القياس.
   فالذي يعولون عليه أن يقولوا : وجدنا الشرع واردا بإختلاف المتفقين واتفاق المختلفين.
   كإيجاب القضاء على الحائض في الصوم ، واسقاطه عنها في الصلاة وهي أوكد من الصوم.
   وايجابه على المسافر القضاء فيما قصر في الصوم ، واسقاطه عنه فيما قصر من الصلاة.
   وكإيجاب الغسل بخروج الولد والمني ، وهما أنظف من البول والغايط اللذين يوجبان الطهارة.
   وإباحة النظر إلى الامة الحسناء وإلى محاسنها ، وحظر ذلك من الحرة وإن كانت شوهاء.
   قالوا : كيف يسوغ القياس فيما هذه حاله ؟ ومن حقه أن يدخل فيما يتفق فيه أحكام المتفقات وتختلف أحكام المختلفات ؟!
   « العدة 2 / 88 »
(1) الواردة في الآية 24 ، من سورة الاسراء ، من قوله تعالى : « فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 218 ـ
   لان شرط هذا ، كون المعنى المسكوت عنه ، أولى بالحكم من المنصوص عليه ، بخلاف القياس ، بل هو من باب المفهوم.

   الاقرب عندي : أن الحكم المنصوص على علته ، متعد إلى كل ما علم ثبوت تلك العلة فيه ، بالنص لا بالقياس .
   لان قوله : حرمت الخمر لكونه مسكرا ، ينزل منزلة قوله : حرمت كل مسكر .
   لان مجرد الاسكار : إن كان هو العلة ، لزم وجود المعلول معه أينما تحقق ، وإلا !! لم يكن علة.
   وإن كانت العلة ، إنما هي الاسكار المقيد بالخمرية ، لم يكن ما فرضنا علة بل جزء العلة ، [ و ] هذا خلف .
   والنص على العلة : قد يكون صريح ، كقوله : لعلة كذا أو لاجل كذا (1) ، أو لسبب كذا ... وقد يكون ظاهرا ،

(1) كقوله عليه السلام : « إنما جعل الاستئذان لاجل البصر » ، وقوله : « إنما نهيتكم عن لحوم الاضاحي لاجل الدافة ».
   « منهاج الوصول : ص 57 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 219 ـ
   كقوله : لكذا (1) ، أو بكذا ، أو يأتي بحرف أن ، كقوله « إنها من الطوافين عليكم » (2) ، أو بالباء كقوله تعالى : « فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ » [ 4 / 161 ].
   اعلم !! أنا لما جوزنا تعدية الحكم بالعلة المنصوصة ، وجب علينا البحث عن العلة المستنبطة ، وبيان امتناع تعدية الحكم بها كما يقوله أصحاب القياس.
   واعلم !! أن الطرق التي يثبت القائسون للتعليل بها ستة ونحن نبين في كل واحد منها ، أنه لا يصلح الاستدلال به ، على علية الوصف.
   الاول : المناسبة
   وعرفوا المناسبة : بأنه الملايم لافعال العقلاء في العادات.
   وهو غير دال على العلية :

(1) والظاهر اللام ، كقوله تعالى : « لدلوك الشمس » ، فإن أئمة اللغة قالوا : اللام للتعليل .
   « منهاج الوصول : ص 57 »
(2) سنن أبي داود : ك 1 ب 38 ص 18.
   « مفتاح كنوز السنة : ص 515 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 220 ـ
   إما أولا : فلما بينا ، أن شرعنا مبني على الجمع بين المختلفات ، والتفرقة بين المتماثلات ، فلا ضابط في الحكم سوى النص.
   وأما ثانيا : فلان الوصف المناسب ، قد يقترن مع الحكم وضده (1).
   وأما ثالثا : فلان الحكم لا يجوز استناده إلى الحكمة لكونها مضطربة غير مضبوطة ، ومثل ذلك لا يجوز من الحكيم رد الاحكام إليه ولا إلى الوصف ، لانه إن لم يشتمل على الحكمة لم يصلح للتعليل ، وإن اشتمل كانت الحكمة علة العلة وقد بينا بطلانه (2).
   الثاني : المؤثر
   وعرفوه : بأنه الوصف المؤثر في جنس الحكم في الاصول

(1) كالسفر الذي هو وصف مناسب لعلية حكم التقصير ، وربما يقترن بعدم التقصير.
   « غاية البادي : 214 »
(2) الحكم إن أسند إلى الحكمة ، كالمشقة في السفر ، فهي مضطربة ، لان المشقة قد توجد في السفر وقد لا توجد ، وربما توجد في الحظر اكثر مما توجد في السفر مع عدم الترخص.
   وإن اسند إلى الوصف : فإن لم يشتمل ذلك الوصف على الحكمة لم يصلح للعلية ، وإن اشتمل فتكون الحكمة علة علية الوصف ، كالمشقة التي هي علة لعلية السفر ، وقد ثبت عدم صلاحية الحكمة للعلية لاضطرابها .
   « غاية البادي : 214 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 221 ـ
   دون وصف آخر ، فيكون أولى بالتعليل من الوصف الآخر.
   مثال ذلك : البلوغ المؤثر في رفع الحجر عن المال ، فيؤثر في رفع الحجر عن النكاح دون الثيبوبة، لانها لا تؤثر في جنس هذا الحكم. وهو رفع الحجر.
   وكقولهم : الاخ من الابوين ، مقدم على الاخ من الاب في الميراث ، فيكون مقدما في ولاية النكاح (1).

(1) الوصف المناسب الذي يؤثر على أربعة أقسام :
   أولا : تأثير النوع في النوع ، ومثاله تأثير سكر النبيذ في تحريمه ، كتأثير سكر الخمر في تحريمها ، لان حقيقة السكرين والتحريمين فيهما واحدة ، وانما يختلفان بالمحل ، واختلاف المحلين لا يقتضي اختلاف الحالين ظاهرا .
   ثانيا : تأثير النوع في الجنس ، ومثاله تأثير البلوغ في رفع الحجر عن النكاح دون صفة اخرى ، من الثيبوية وغيرها ، لان البلوغ اثر في جنس هذا الحكم ، وهو رفع الحجر عن المال دون صفة اخرى.
   ثالثا : تأثير الجنس في النوع ، ومثاله تعليل إسقاط قضاء الصلاة عن الحائض بالمشقة ، لان المشقة تؤثر في نوع هذه الصلاة ، وهو الركعتان الساقطتان في السفر.
   رابعا : تأثير الجنس في الجنس ، ومثاله إقامة الشرب مقام القذف في الحد ، لقول علي عليه السلام : إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وإذا افترى فحدوه حد المفتري » ، إقامة لمظنة الشيء مقامه ، قياسا على إقامة الخلوة في الميراث مقام الوطي.
   « غاية البادي : ص 21(5) 216 بتصرف واختصار »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 222 ـ
   ويعللون تقديمه في النكاح ، بسبب تقديمه في الارث بالمناسبة .
   وهو راجع في الحقيقة إلى الوصف المناسب ، وإبطاله يقتضي إبطال هذا (1).
   الثالث : الشبه
   وهو الوصف المستلزم للمناسب ، وليس فيه مناسبة (2).

(1) هذا هو كلام العلامة ، ساقه ردا للتعليل المذكور قبله .
(2) أراد باستلزام المناسب ، التفات الشارع إليه ، فإن التفاته يوهم المناسبة ، وذلك أن الوصف إما أن يظهر مناسبة أو لا ، والاول الوصف المناسب وقد تقدم ، والثاني إما ان يعلم التفات الشارع إليه في بعض الاحكام أو لا.
   والاول : الوصف الشبهي ، كقول الشافعي في إزالة النجاسة ، طهارة تراد للصلاة ، فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث ، فإن الجامع هو الطهارة ، ومناسبتها لتعيين الماء فيها بعد البحث غير ظاهرة ، لكن اعتبار الشارع إياها في بعض الاحكام كمس المصحف والصلاة والطواف ، يوهم اشتمالها على المناسبة.
   والثاني : الوصف الطردي ، كالطول والقصر والسواد والبياض ، فانه ألف من الشارع عدم الالتفات إليها ، فالوصف الشبهي يشابه المناسبة من حيث أنه غير متطوع بنفي المناسبة عنه ، وتشابه الطردي من حيث أنه غير مقطوع بظهور المناسبة فيه ، فهو دون المناسب الطردي ، فكان تسميته بالشبه نظرا إلى هذا المعنى.
   « غاية البادي : ص 217 ـ 218 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 223 ـ
   وهو غير دال على العلية أيضا ، لان المناسبة أقوى منه (1) وقد أبطلناه ، ولان الصحابة لم يعملوا بالوصف الشبهي ، فيكون مردودا .
   الرابع : الدوران (2) [ وهو ] (*) غير دال على العلية ، سواء كان ذلك في صورة واحدة أو صورتين ، لتحققه فيما ليس بعلة .
   فإن المعلول دائر مع العلة وبالعكس ، وليس المعلول علة وجزء العلة المساوي دائر مع المعلول وليس بعلة (3).

(1) وقد ثبت أنها لا تصلح للعلية ، فالشبهي أولى أن لا يكون علة .
   « غاية البادي : ص 218 »
(2) معنى الدوران : أن يثبت الحكم عند ثبوت وصفه ، وينتفي عند انتفائه ، سواء كان في صورة واحدة كالعصير ، فإنه لما لم يكن في أول الامر مسكرا لم يكن حراما ، ثم لما صار مسكرا صار حراما ، ثم لما صار خلا صار حلالا .
   أو في الصورتين كالماء ، فإنه لما لم يكن مسكرا لم يكن حراما ، والخمر لما كان مسكرا كان حراما ، واختلفوا فيه : فقال قوم من المعتزلة إنه يفيد العلية قطعا ، وقيل : ظنا ، وقيل : لا يفيد لا قطعا ولا ظنا .
   « غاية البادي : ص 218 ـ 219 »
(*) وضعت هذه الزيادة لدواعي توزيع النص وبداية الرد.
(3) مثاله : الحساس ، فإنه جزء للحيوان ، مساو له ، فيدور مع معلول الحيوان ، الذي هو التحرك ، وليس بعلة له .
   « غاية البادي : ص 220 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 224 ـ
   وكذا الشرط المساوي واحد المعلولين (1) ، دائر مع صاحبه ، ولا علية بينهما (2).
   والجوهر والعرض متلازمان .
   وكذا المضافان (3) والحركة والزمان ، مع انتفاء العلية في ذلك كله ، إلى غير ذلك من الامثلة التي لا تحصى كثرة .

   الخامس : طريقة السبر والتقسيم
   بأن يقال : لابد للحكم من علة ، والوصف الفلاني لا يصلح لذلك ، وكذلك الوصف الفلاني ، فبقي الثالث (4).

(1) مثاله : تأثير النار في الجسم القابل للاحتراق ، مشروط بوضع خاص ، فذلك الوضع الخاص دائر مع الاحتراق ، وليس بعلة له .
   « غاية البادي : ص 220 »
(2) كالاحراق والاشراق ، يدور كل واحد منهما مع صاحبه ، ولا علية بينهما .
   « غاية البادي : ص 220 »
(3) كالابوة والبنوة « غاية البادي : ص 220 »
(4) طريقة السبر والتقسيم تقع على وجهين :
أ ـ أن يستدل على أن الحكم معلل ، ثم يستدل على حصر الاوصاف ونفي ما عدا الوصف المفروض ، كما يقال حرمة الربا في البر معللة بالاجماع فعلته إما المال أو القوت أو الكيل أو الطعم بالاجماع أيضا ، وبطل التعليل بالثلاثة الاول فتعين الرابع.
   وكما يقال : ولاية الاجبار معللة إما بالصغر أو بالبكارة ، والاول باطل والا لثبتت الولاية في الثيت الصغيرة ، لكنها لا تثبت لقوله « ع »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 225 ـ
   وهو غير دال على العلية أيضا :
   أما أولا : فللمنع من تعليل كل حكم (1).
   وأما ثانيا : فللمنع من حصر الاوصاف ، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
   وأما ثالثا : فللمنع من بطلان التعليل بأحد الاوصاف المذكورة.
   وأما رابعا : فلجواز التعليل ، بمجموع وصفين من هذه أو ثلاثة .
   وأما خامسا : فلجواز إنقسام أحد هذه الاقسام إلى قسمين أحدهما صالح للعلية دون الثاني (2).

   « الثيب احق بنفسها من وليها » ، فتعين التعليل بالبكارة ، وهذا الوجه حينئذ لا كلام فيه .
   ب ـ أن نقول : علة الحكم إما وصف كذا ، أو وصف كذا ، من غير استدلال ، على أن الحكم معلل وعلى حصر الاقسام ، بل يكتفي بأني بحثت فلم أجد ، ثم يبطل وصفا وصفا حتى يعين واحدا ، وهذا الوجه غير مفيد للعلية .
   « غاية البادي : ص 22(1) 222 »
(1) فإن علية العلية غير معللة ، وإلا تسلسل ، وحينئذ يجوز أن يكون الحكم المفروض ، من قبيل الاحكام الغير المعللة.
  « غاية البادي : ص 222 »
(2) كالقوت مثلا ، في تحريم الربا في البر إلى قسمين ، أحدهما صالح للعلية دون الثاني.