والتخصيص : أولى من الاشتراك ، لانه خير من المجاز (1).
والمجاز : أولى من النقل ، لافتقار النقل إلى الاتفاق عليه بين أهل اللغة (2).
والاضمار : أولى منه ، لما تقدم (3).
والتخصيص : أولى من النقل ، لانه (4) خير من المجاز (5).
والمجاز : أولى من الاضمار لكثرته (6).
« واسأل القرية ... » ، فإنه لو لا أن يعلم كل واحد ، أن المضمر هو « أهل القرية » ، لم يجز الاضمار.
كما لم يجز في قولك : « ضربت زيدا » وأنت تريد « غلام زيد » ، « غاية البادي : ص 42 بتصرف »
(1) لان التخصيص خير من المجاز كما سيأتي ، والمجاز خير من الاشتراك كما تقدم .
فالخير ، من الخير من الشيء ، خير من ذلك الشيء لا محالة ،
« غاية البادي : ص 42 »
(2) وذلك متعذر أو متعسر ، والمجاز يحتاج إلى قرينة وذلك متيسر ،
« غاية البادي : ص 42 »
(3) إذا وقع التعارض بين النقل والاضمار ، فالاضمار أولى لعين ما تقدم ، من أن المجاز خير من النقل، « غاية البادي : ص 4(2) 43 »
(4) مرجع الضمير : التخصيص « كما في هامش المصورة : ص 6 »
(5) على ما يأتي ، والمجاز خير من النقل على ما تقدم ،
« غاية البادي : ص 4(2) 43 »
(6) والكثرة امارة الرجحان « المصدر السابق نفسه »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 77 ـ
والتخصيص : أولى من المجاز لاستعمال اللفظ مع التخصيص في بعض موارده (1) ، ومن الاضمار لانه أدون من المجاز (2).
(1) لان اللفظ العام إذا تجرد عن قرينة التخصيص ، يحمل على ما وضع له ، فيحصل مراد المتكلم وزيادة ، بخلاف المجاز فإنه إذا تجرد عن القرينة ، يحمل على الحقيقة ، فيحصل غير مراده ،
« غاية البادي : ص 43 »
(2) لان التخصيص خير من المجاز ، والمجاز إما خير من الاضمار أو مساويه ، وعلى التقديرين يلزم أن يكون التخصيص خيرا من الاضمار ،
« غاية البادي : ص 4(3) 44 »
(3) لانها حين تدخل على الجمل ، تغير معانيها ، وتحدث فيها فوائد لم تكن فيها قبل ذلك ،
« عدة الأصول : 1 / 13 بتصرف »
(4) أي : أن الواو العاطفة معناها مطلق الجمع ،
فتعطف الشيء على مصاحبه ، نحو « فأنجيناه وأصحاب السفينة » وعلى سابقه نحو « ولقد أرسلنا نوحا وابراهيم » ، وعلى لاحقه نحو « كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك ».
فعلى هذا !! إذا قيل : قام زيد وعمرو ، احتمل ثلاثة معان .
وقول بعضهم : إن معناها الجمع المطلق غير سديد ، لتقييد الجمع
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 78 ـ
لعدم التناقض (1) !! في مثل : رأيت زيدا وعمرا قبله ، وللتكرار (2) لو قيل : بعده .
ولسؤال الصحابة (3) ؟! عن البداءة بالصفا والمروة (4).
بقيد الاطلاق ، وإنما هي للجمع لا بقيد .
« مغني اللبيب : 2 / 354 بتصرف واختصار »
(1) اعلم !! أن الواو العاطفة للجمع المطلق ولم تفد الترتيب ، قال أبو علي الفارسي : أجمع نحاة الكوفة والبصرة عليه ، وكفى إجماعهم دليلا على المدعى.
ولكن !! لو أردنا الاستظهار بالدليل نقول : إنها لو كانت للترتيب للزم التكرار في قول القايل : رأيت زيدا وعمرا بعده ، والتناقض في قوله قبله ، في حين أن صدق الملازمة وبطلان التالي معلومان ،
« غاية البادي : ص 44 بتصرف »
(2) أي : لعدم التكرار ،
« هامش المصورة : ص 6 »
(3) لما أرادوا السعي بين الصفا والمروة ، قالوا : بم نبدأ يا رسول الله ؟! قال : « إبدأوا بما بدأ الله به ».
فلو كانت الواو مفيدة للترتيب ، لما اشتبه على أهل اللسان ، ولما احتاجوا إلى السؤال ، لانه حينئذ معلوم من قوله تعالى : «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ » ،
« غاية البادي : ص 44 بتصرف »
(4) وهما جبلان ، بين بطحاء مكة والمسجد.
أما الصفا : فمكان مرتفع من جبل أبى قبيس ، ومن وقف على
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 79 ـ
ولان أهل اللغة قالوا : إنها كواو الجمع (1).
وقيل : للترتيب (2) ، للحاجة إلى التعبير عنه (3) ، وهو معارض بمطلق الجمع (4) ، مع أولوية ما قلناه .
الصفا ، كان بحذاء الحجر الاسود ،
« معجم البلدان للحموي : 3 / 411 باختصار »
(1) إن أهل اللغة أجمعوا على : أن الواو العاطفة في المختلفات ، بمنزلة واو الجمع في المتفقات.
ومعنى ذلك : أن العرب ، إذا أرادوا جمع الاسماء في حكم ، فإن كانت متفقة ، كمسلم ومسلم ومسلم مثلا ، أتوا بواو الجمع ، فقالوا : جاء المسلمون.
وإن كانت مختلفة : كزيد وعمرو وبكر ، أتوا بالواو العاطقة ، فقالوا : جاء زيد وعمرو وبكر.
فكما أن واو الجمع لم تفد الترتيب ، فكذا واو العطف ،
« غاية البادي : ص 45 »
(2) والقائل به : قطرب ، والربعي ، والفراء ، وثعلب ، وأبو عمرو الزاهد ، وهشام ، والشافعي ، « مغني اللبيب : 2 / 354 بتصرف »
(3) مرجع الضمير : الترتيب الذي تفيده واو العطف.
(4) أي : أن الجمع المطلق أيضا معنى معقول ، فيحتاج إلى التعبير عنه ، وليس شيء يصلح لذلك إلا الواو ، « غاية البادي ص 46 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 80 ـ
والفاء : للتعقيب ، على حسب ما يمكن (1).
وفي : للظرفية (2) ، تحقيقا أو تقديرا (3).
ومن : لابتداء الغاية (4) ، وللتبعيض (5) ، والتبين (6) ،
(1) ترد الفاء على ثلاثة أوجه : العاطفة منها تفيد ثلاثة أمور ، أحدها التعقيب.
وهو في كل شيء بحسبه ، ومنه ـ على قول قوي ـ قوله تعالى « ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضعة عظاما ، فكسونا العظام لحما ».
« مغني اللبيب : 1 / 16(1) 162 بتصرف »
(2) وهي : إما مكانية أو زمانية ، وقد اجتمعتا في قوله تعالى « ألم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ».
« مغني البيب : 1 / 168 »
(3) التحقيق : كما مر أعلاه.
والتقدير : أي المجاز ، نحو قوله تعالى : « ولكم في القصاص حياة ».
« مغني اللبيب : 1 / 168 بتصرف »
(4) تقع لهذا المعنى في غير الزمان ، نحو « من المسجد الحرام » ، « إنه من سليمان » ، وفي الزمان أيضا ، بدليل « من أول يوم » ، وفي الحديث « فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة » ،
« مغني البيب : 1 / 318 ـ 319 »
(5) نحو : « منهم من كلم الله » ، وعلامتها إمكان سد « بعض » مسدها ،
« مغني اللبيب : 1 / 319 »
(6) أي : بيان الجنس ، نحو قوله تعالى « فاجتنبوا الرجس من الاوثان »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 81 ـ
وصلة (1).
والباء : قيل للتبعيض (2) ، فيما يتعدى بنفسه (3).
معناه : اجتنبوا الرجس هو الاوثان.
« جمعا بين المغني : 1 / 319 ، والعدة : 1 / 14 بتصرف واختصار »
(1) أي : الزيادة ، كقولك : ما جاءني من أحد.
وشرط زيادتها : تنكير مجرورها ، وكونه فاعلا أو مفعولا به أو مبتدأ ، وتقدم نفي أو نهي أو استفهام بهل .
نحو : « وما تسقط من ورقة إلا يعلمها » ، « ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت » ، « فارجع البصر هل ترى من فطور ؟ ».
« جمعا بين غاية البادي : ص 47 ـ 48 ، والمغني : 1 / 323 »
(2) أثبت ذلك : الاصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك ، قيل : والكوفيين ...
« المغني : 1 / 105 »
(3) أي : مع الفعل الذي يتعدى بنفسه ، كما في قوله تعالى « وامسحوا برؤوسكم » ، أي بعض رؤوسكم ، كما في المغني : 1 / 105.
والذي يؤكد كون الفعل « مسح » مما يتعدى بنفسه ، هو ما نص عليه الراغب الاصفهاني ـ بالمثال ـ في مفرداته : ص 467.
كما والذي يؤيد كون الباء تبعيضية ، الرواية المنقولة عن زرارة عن الصادق « ع » : « لما قال له : من أين علمت أن المسح ببعض الرأس ؟ قال « ع » : لمكان الباء » ، وهي مذكورة بالتفصيل في الوسائل : 1 / 291.
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 82 ـ
وإنما : للحصر بالنقل (1).
(1) نقل عن أهل اللغة أن إنما موضوعة للحصر ، أي لاثبات المذكور ونفي ما عداه ، وهذا مما يؤكده قول الفرزدق : أنا الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
وذلك !! أولا : إذ لو لم تكن للحصر ، لوجب إجراء الكلام على ظاهره ، وهو غلط ، إذ لا يقال : يدافع أنا ، بل يقال : أدافع ، وأما إذا كان للحصر ، فيستقيم الكلام ، لان التقدير حينئذ ، ما يدافع إلا أنا ، وبطلان اللازم ظاهر لكونه من فحول الفصحاء.
ثانيا : إن مقصود الشاعر من هذا البيت الافتخار والافتخار لا يحصل إلا على تقدير ، أن تحصل المدافعة منه ومن مثله لا من غيرهما ، وهو معنى الحصر
« غاية البادي : ص 48 ـ 49 بتصرف واختصار »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 84 ـ الاول في : الفعل
الفعل : إما أن يكون على صفة ، لاجلها يستحق فاعله الذم ، وهو القبيح ... أو !! لا : وهو الحسن.
والقبيح : حرام ، ويقال : محضور (1).
والحسن : إما أن يذم تاركه شرعا ، وهو الواجب ، ويسمى أيضا الفرض ... أو لا يذم .
فإن كان فعله راجحا في الشرع : فهو المستحب ، والمندوب والنفل ، والتطوع ، والسنة .
وإن كان مرجوحا : فهو مكروه .
وإن تساويا : فمباح ، وحلال ، وطلق.
فالاحكام : هذه الخمسة لا غير (2).
(1) هكذا في المصورة : ص 7 ، والظاهر أنه اشتباه ، والصحيح : محظور ، بالظاء اخت الطاء.
(2) أقول : هذه هي الاحكام الشرعية ، وهي خمسة ، بدليل الحصر العقلي ، الذي ذكره المصنف ، « غاية البادي : ص 49 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 85 ـ الثاني
في : الحكم
الحكم : قد يكون صحيحا ، وهو في العبادات : ما وافق الشريعة وفي المعاملات : ما يترتب عليه أثره.
وقد يكون فاسدا : وهو ما يقابلها.
ويطلق عليه الباطل (1).
(1) أقول : أما في العبادات ، فأريد بالصحيح ما وافق الشرع ، وبالفاسد خلافه ، هذا عند المتكلمين.
وأما الفقهاء : فإنهم يريدون بالصحيح ما أسقط القضاء وبالفاسد ما لم يسقطه .
وفائدة الخلاف : تظهر في صورة صلاة ضان الطهارة ، فإنها صحيحة عند المتكلمين ، وفاسدة عند الفقهاء ، لانها لم تسقط القضاء.
وفي المعاملات : أريد بالصحيح ما يترتب عليه أثره ، وبالفاسد خلافه .
ولا فرق بين الفاسد والباطل ، خلافا للحنفية ، فإنهم جعلوا الفاسد واسطة بين الصحيح والباطل ، وقالوا : إنه الذي يكون منعقدا بأصله لكن لا يكون مشروعا بسبب وصفه ، كعقد الربا مثلا ، فإنه مشروع من حيث أنه بيع ، وممنوع من حيث أنه مشتمل على الزيادة ،
« غاية البادي ، ص 5(1) 52 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 86 ـ الثالث
في : العبادات
الاجزاء في العبادات : ما أسقط الامر.
والاداء : ما فعل في وقته (1).
والاعادة : ما فعل ثانيا ، لوقوع خلل في الاول.
والقضاء : هو فعل الفائت في غير وقته المحدود.
الرابع
في : الحسن والقبح
الحكم بالحسن والقبح : قد يكون ضروريا ، كحسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضار.
ونظريا : كحسن الصدق الضار ، وقبح الكذب النافع ، وسمعيا ، : كحسن صوم رمضان ، وقبح صوم العيد.
لانا نعلم بالضرورة : حسن الصدق وقبح الكذب ، مع تساويهما في المنافع.
وللفرق بين الصادق والكاذب في مدعي النبوه.
وللوثوق بوعده تعالى ووعيده.
(1) سواء كان مضيقا أو موسعا ، « غاية البادي : ص 52 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 87 ـ
ومن جعل ذلك شرعيا ، أبطل هذه الاحكام ، ولزم بطلان الشريعة.
الخامس
في : شكر المنعم
شكر المنعم واجب عقلا (1) ، والضرورة قاضية به .
السادس
في : الاشياء
الاشياء قبل ورود الشرع على الاباحة ، لانها نافعة خالية عن أمارة المفسدة ، ولا ضرر على المالك في تناولها (2) فكانت مباحة .
(1) لامن العقاب ، أو زوال النعمة بتركه وهو الفائدة ، أو استحقاق المدح ، أو الزيادة ، أو هو لنفسه ،
« زبدة الاصول : ص 4(2) 43 »
(2) فلان المالك هو الله تعالى ، وهو لا يتضرر بشئ ،
« غاية البادي : ص 58 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 90 ـ الاول
في : الامر
الامر : هو اللفظ الدال على طلب الفعل ، على جهة الاستعلاء (1).
وهو : حقيقة في القول ، مجاز في الفعل ، وإلا لزم الاشتراك.
والطلب : هو إرادة المأمور به .
والامر : إسم للصيغة الدالة على الترجيح ، لا لنفس الترجيح لانهم قالوا : الامر من الضرب إضرب.
ودلالة الصيغة على الطلب ، لا يتوقف على الارادة ، لانها
(1) قوله : « اللفظ » ، بمنزلة الجنس البعيد للامر ، لكونه شاملا لجميع الالفاظ حتى المهملات.
وقوله : « الدال على طلب الفعل » ، كالفصل ، لانه يخرج عن التعريف جميع المهملات ، وجميع ما دل على غير الطلب من الاخبارات والانشاءات والكلمات.
وقوله : « على جهة الاستعلاء » ، كفصل ثان ، لانه يخرج اللفظ الدال على الطلب ، على سبيل التضرع ، كقولنا : « اللهم إغفر لنا » أو لا على سبيل التضرع ، كقول القائل لنظيره : إعطني الشيء الفلاني ، فان الاول دعاء والثاني إلتماس ، « غاية البادي : ص 59 بتصرف »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 91 ـ
موضوعة له ، كغيرها من الالفاظ ، خلافا للجبائيين (1).
ذهب الاكثر : إلى أن صيغة إفعل للوجوب (2).
لقوله تعالى : « مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ... ». [ 7 / 13 ] (3) ، ولولا أنه للوجوب لما ذمه.
(1) وهما البصريان : أبو علي محمد ، وابنه أبو هاشم عبد السلام.
وقد ذهبا : إلى أن دلالة الصيغة على الطلب ، تتوقف على الارادة « جمعا بين هوامش المسلماوي : ص 11 والملل والنحل : 1 / 103 بتصرف »
(2) وهو مذهب : أكثر الفقهاء والمتكلمين وأبو الحسين والشافعية.
ويتحقق الامر !! بكل تعبير يعطي معناه .
أمثال : فعل الامر نحو اقرأ صل ... والفعل المضارع المقترن بلام الامر نحو لتقرأ لتصم ... واسم فعل الامر ، نحو صه عليك مكانك ... والفعل المضارع المقصود به الانشاء ، نحو يقرأ يعيد صلاته ، إطلب منك أن تكتب ... والجملة الاسمية المقصود بها الانشاء ، نحو الصلاة مطلوبة منك زكاة الفطرة عليك ... والمصدر النائب عن فعل الامر ، نحو إعادة للفعل صياما ، « جمعا بين غاية البادي : ص 66 ، ومبادئ أصول الفقه : ص 41 ـ 42 بتصرف »
(3) هكذا في القرآن العزيز.
وفي المصورة ص 10 ، « ما منعك أن تسجد » باحلال « أن » محل « ألا ».
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 92 ـ
وكذا قوله تعالى : « وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ » [ 77 / 49 ] (1).
ولقوله عليه السلام : « لولا أن أشق على امتي لامرتهم بالسواك » (2) ، مع ثبوت الندبية.
ولان تارك المأمور به عاص (3) والعاصي يستحق العقاب لقوله تعالى : « وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ ... » ، [ 72 / 24 ].
وقال آخرون : إنه للقدر المشترك ، بين الوجوب والندب (4)
وهو اشتباه ، الظاهر أن سببه إما النسخ وإما ملاحظة المعنى المطلوب حيث المعنى هو « ما منعك أن تسجد » ، كما في مجمع البيان : 3 / 401.
(1) فإنه سبحانه ذمهم على مخالفتهم الامر ، ولو لا أنه للوجوب لم يتوجه الذم ، « معالم الدين : ص 43 ».
(2) مسند أحمد بن حنبل : 1 / 80 ، ومصادر أخر مذكورة في مفتاح كنوز السنة : ص 247.
(3) لقوله تعالى : « لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ » ،
« هامش المصورة : ص 10 »
(4) احتج القائلون : بأن صيغة إفعل ، في القدر المشترك ، وهو رجحان الفعل على الترك ، بأن الصيغة لما استعملت في الوجوب والندب لورودها في الندب تارة وفي الوجوب أخرى ، نحو « أَقِيمُوا الصَّلَاةَ » و « كَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ».
فلو كانت حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك ، أو أحدهما فقط لزم المجاز وهما على خلاف الاصل ، فلا يكون حقيقة في كل منهما ولا في أحدهما فيكون حقيقة في القدر المشترك ، وهو المطلوب فبطل القول الاول الذاهب
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 93 ـ
لانه قد استعمل فيهما (1) ، والمجاز والاشتراك على خلاف الاصل ، وهو جيد .
إذا عرفت هذا !! فالامر الوارد بعد الحظر ، كالامر المبتدأ عند المحققين (2).
إلى الوجوب « هوامش المسلماوي : ص 13 ».
(1) فاما أن يكون حقيقة فيهما ، أو في أحدهما ، أو لا في هذا ولا في ذاك.
والاول : يستلزم الاشتراك ، والثاني : المجاز ، وهما منفيان بالاصل.
فبقي الثالث : وهو أن يكون حقيقة للقدر المشترك بينهما ، وهو مطلق الترجيح.
لان ذلك القدر معلوم ، وأما قيد جواز الترك وعدم جوازه ، فلا إشعار للصيغة بهما البتة ،
« غاية البادي : ص 69 ـ 70 »
(2) والدليل عليه : أن المقتضي للوجوب ، السالم عن المعارض باق وكلما كان كذلك يكون الوجوب باقيا.
أما أن المقتضي باق فظاهر ، لان المقتضي هو الامر ، وهو باق.
وأما أنه سالم عن المعارض ، فلان المعارض ليس إلا كونه عقيب الحظر ، وذلك لا يمنع من الوجوب.
لانه كما جاز الانتقال من الحظر إلى الاباحة ، كذلك جاز الانتقال من الحظر إلى الوجوب ضرورة .
وذلك !! من قبيل القول للحائض والنفساء ، بعد أن تطهر ، صلي وصومي ، وقول الرجل لابنه ، بعد أن أوجب عليه الحبس ، اخرج إلى المكتب.
الحق !! أن الامر المطلق ، لا يقتضي الوحدة ولا التكرار (1) خلافا لقوم فيهما (2).
لان الصيغة وردت فيهما ، والمجاز والاشتراك على خلاف
فان هذه الاوامر واردة عقيب الحظر ، مع أنها مفيدة للوجوب .
« غاية البادي ص 70 ـ 71 بتصرف واختصار »
(1) لان المتبادر من الامر ، طلب إيجاد حقيقة الفعل ، والمرة والتكرار خارجان عن حقيقته ، كالزمان والمكان ونحوهما.
فكما أن قول القائل : « اضرب » ، غير متناول لمكان ولا زمان ولا آلة يقع بها الضرب ، كذلك غير متناول في كثرة ولا قلة .
« معالم الدين : ص 49 »
(2) إختلف الاصوليون في الامر العري عن القراين ، المفيدة للتكرار والوحدة.
فذهب أبو إسحاق وجماعة من الفقهاء والمتكلمين ، إلى أنه للتكرار مدة العمر مع الامكان.
وقال آخرون : أنه للمرة الواحدة ، ويحتمل التكرار ، ومنهم من نفى احتمال التكرار ، وهو إختيار أبي الحسين البصري وإمام الحرمين ، ومنهم من توقف ، إما لكونه مشتركا أو لعدم الحكم.
« غاية البادي : ص 7(1) 72 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 95 ـ
الاصل ، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك (1) ، وهو مطلق طلب الماهية (2).
ولقبوله التقييد بكل واحد منهما (3).
(1) احتج المصنف على ما اختاره بوجوه : أحدها : أن الامر استعمل في كل واحد من القسمين ، الواحدة والتكرار شرعا وعرفا ، ومتى كان كذلك ، كان حقيقة في القدر المشترك بينهما ...
أما الشرع : فلان الحج والعمرة للوحدة ، والامر بالصلاة والزكاة للتكرار .
وأما عرفا : فلان السيد إذا أمر عبده بدخول السوق أو شري اللحم ، فكرر ذلك مرارا عدة ، لامه العقلاء وذمه على ذلك.
ولو أمر السيد عبده بحفظ الدابة مثلا ، فحفظها لحظة ثم ترك حفظها ، ذمه العقلاء ، لانه في الاول يفهم الوحدة ، وفي الثاني يفهم التكرار.
« هوامش المسلماوي : ص 13 »
(2) الماهية : حقيقة الشيء ، التي تقع جوابا ، عن السؤال عنه ، بما هو ؟ أو ما هي ؟ قيل : منسوب إلى ما ، والاصل المائية ، قلبت الهمزة هاء ، لئلا يشتبه بالمصدر ، المأخوذ من لفظ ماء ، والاظهر أنه نسبه إلى ما هو ؟ جعلت الكلمتان ككلمة واحدة منحوتة ، إذ تقع جوابا عن هذا السؤال.
« جمعا بين : مجلة النجف ، العدد 7 ، السنة 2 ، ص 12 ، محاظرات في الفلسفة للشيخ المظفر ، والتعريفات للجرجاني : ص 171 »
(3) إن الامر : يصح تقييده بالواحد تارة ، لانه يصح أن يقول السيد لعبده ، إفعل الفعل الفلاني مرة .
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 96 ـ
ولانه لو دل على التكرار : فإما دائما فهو باطل بالاجماع ، أو بحسب وقت معين (1) ، وهو باطل لانتفاء دلالة اللفظ عليه أو غير معين وهو تكليف ما لا يطاق.
الحق !! أن الامر المطلق ، لا يقتضي الفور ولا التراخي (2)
وبالتكرار اخرى ، لانه يصح أن يقول له افعله دائما.
وليس في أحد هذين النوعين تكرار ولا نقص. فلو كان موضوعا لاحدهما ، لزم إما النقص أو التكرار ، « هامش المسلماوي : ص 13 »
(1) لان التكرار يقتضي استيعاب الاوقات ، فانه لا أولوية لبعضها بالفعل دون باقيها ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، فتخصيصه بوقت دون وقت ، يكون ترجيحا من غير مرجح ، وانه محال.
« هوامش المسلماوي : ص 13 »
(2) والدليل عليه : أن صيغة إفعل ، إنما تدل على النسبة الطلبية كما أن المادة لم توضع إلا لنفس الحدث ، غير الملحوظة معه شيء من خصوصياته الوجودية.
وعليه !! فلا دلالة لها ـ لا بهيئتها ولا بمادتها ـ على الفور أو التراخي بل لابد من دال آخر على شيء منهما ، فإن تجردت عن الدال الآخر ، فان ذلك يقتضي جواز الاتيان بالمأمور به ، على الفور أو التراخي.
« أصول الفقه للمظفر : 1 / 78 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 97 ـ
خلافا لقوم فيهما (1).
لان الامر ورد بالمعنيين ، فيكون حقيقة في القدر المشترك (2) دفعا للمجاز والاشتراك.
ولانه قابل للتقييد بهما ، إحتجوا بقوله تعالى : « وما منعك ألا (3) تسجد إذ أمرتك » (4).
ولان التأخير : إن كان دائما ، انتفى الوجوب.
وإن كان إلى وقت معين وجب وجود ما يدل عليه في اللفظ.
(1) فقد ذهب كثير منهم : إلى أن الامر المطلق يقتضي الفور والتعجيل ، فلو أخر المكلف عصى ، وهو المحكي عن الشيخ وأبي الحسن الكرخي.
وذهب آخرون : إلى أنه على التراخي ، وهو المحكي عن أبي علي وأبي هاشم.
وذهب قوم منهم السيد المرتضى : إلى أنه مشترك بين الفور والتراخي فيتوقف في تعيين المراد منه ، على دلالة تدل على ذلك.
« جمعا بين العدة : 1 / 8(5) 86 ، ومعالم الدين : ص 5(2) 53 »
(2) بنفس التقرير الذي سبق ذكره ، في بحث المرة والتكرار تعليقة « 1 » من صفحة « 95 ».
(3) هكذا في القرآن الكريم ، وفي المصورة : ص 11 ، « أن لا تسجد » بفك الادغام ، وهو إشتباه ، الظاهر سببه النسخ.
(4) ولو لم يكن الامر للفور ، لم يتوجه عليه الذم ، ولكان له أن يقول : إنك لم تأمرني بالبدار ، وسوف أسجد « معالم الدين ص 53 ».
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 98 ـ
وإن كان إلى غير معين ، لزم تكليف ما لا يطاق .
والجواب عن الاول : أنه حكاية حال ، فلعل أمره كان مقرونا بما يدل على الفور ، ولان ابليس ترك السجود لا بعزم الفعل ، فاستحق الذم ، لا من حيث التأخير.
وعن الثاني : أنه منقوض (1) ، بقوله : أوجبت عليك الفعل ، في أي وقت شئت.
ثم التحقيق : أن التأخير ، يجوز إلى وقت معين ، وهو حصول ظن الموت بعد وقت الفعل بلا فصل .
(1) مما لو صرح بجواز التأخير ، إذ لا نزاع في إمكانه ، مع أن الدليل على عدم شرع التأخير جار فيه بعينه ، وهذا نقض إجمالي.
« معالم الدين : ص 53 جمعا بين المتن والهامش »
(2) أي : « أن يكون متوقفا وجوبه على ذلك الشيء ، وهو ـ أي الشيء ـ مأخوذ في وجوب الواجب على نحو الشرطية ، لوجوب الحج بالقياس إلى الاستطاعة.
وهذا !! هو المسمى ( بالواجب المشروط ) ، لاشتراط وجوبه بحصول ذلك الشيء الخارج.
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 99 ـ
فلو لا التلازم عدما ، لكان كل شيء شرطا لغيره (1) ، ولانه مفهوم منه .
ولهذا سأل يعلى بن أمية (2) ، عن سبب القصر مع الامن (3)
ولا يلزم تكرر الامر المعلق عليه ، ولا على الصفة
ولذا !! لا يجب الحج عند حصول الاستطاعة.
« أصول الفقه للمظفر : 1 / 87 »
(1) يعني : أنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط قطعا ، فان لم يلزم من عدم الشرط عدم المشروط ، كان كل شيء شرطا لكل شيء ، والتالي باطل فالمقدم مثله ، والشرطية ظاهرة ،
« هوامش المسلماوي : ص 15 »
(2) ابن همام التميمي الحنظلي : أول من أرخ الكتب ، وهو صحابي كان حليفا لقريش ، وأسلم بعد الفتح ، وشهد الطائف وحنينا وتبوك مع النبي « ص » ، واستعمله أبو بكر على « حلوان » في الردة ، ثم استعمله عمر على « نجران » ، واستعمله عثمان على اليمن ، ولما قتل عثمان ، انضم يعلى إلى الزبير وعايشة ، ثم صار من أصحاب علي ، وقتل في « صفين ».
« الاعلام : 9 / 269 باختصار »
(3) روي أن يعلى ابن امية ، سأل عمر بن الخطاب ، قال : ما بالنا نقصر من الصلاة وقد أمنا ؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله ، فقال : تلك صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته ، ولولا كون المشروط ـ وهو هنا قصر الصلاة ـ عدم عند عدم الشرط ـ وهو هنا الامن ـ لما أقره النبي « ع » على ذلك.
« جمعا بين هوامش المسلماوي : ص 15 ، وغاية البادي : ص 79 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 100 ـ
بتكريرهما (1).
لعدم التكرر في قول السيد لعبده : إن دخلت السوق فاشتر اللحم (2) ، ولان مطلق التعليق اعم منه مع قيد التكرار ولا دلالة للعام على الخاص.
لانه : لو دل تقييد الحكم بالوصف على نفيه عما عداه ،
(1) يريد أن الامر إذا كان معلقا على الشرط ، كقوله « إذا زالت الشمس فصلوا » ، « وإن كان زانيا فارجمه » ، أو على صفة كقوله تعالى : « السارق والسارقه فاقطعوا أيديهما » لا يتكرر الشرط والصفة .
هذا !! وقد اختلف الناس في الامر المعلق على شرط أو صفة هل يتكرر بتكررهما أم لا ؟ فمنع منه السيد المرتضى وجماعة من الفقهاء
وقال آخرون : انه يتكرر بتكرر الشرط والصفة ، والحق الاول.
« جمعا بين هوامش المسلماوي : ص 15 ، وغاية البادي : ص 80 ـ 81 »
(2) للزوم الذم
« هوامش المسلماوي : ص 15 »
(3) اختلف الاصوليون في أن تقييد الحكم بالصفة ، كقوله « ص » : « في سائمة الغنم زكاة » ، هل يدل على عدم الحكم عند عدم الصفة أم لا ؟
فقال الشافعي واحمد والاشعري وامام الحرمين : يدل.
وقال أبو حنيفة والقاضي أبو بكر والمعتزلة والغزالي : لا يدل ، وهو اختيار المصنف،
« غاية البادي : ص 82 »