العلامة الحلي
أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف
648 ـ 726 هـ
اخراج وتعليق وتحقيق
عبدالحسين محمد علي البقال
بكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الاسلامية
دار الأضواء



   هذا السفر الثمين الذي وضعه العلامة الحلي قدس الله روحه هو المنهل الذي يروي طلاب العلوم الدينية ، وخاصة بعدما حققه وعلَّق عليه الأستاذ الجليل الشيخ عبدالحسين محمد علي البقال ، فإن نسخه تكاد تكون نادرة. لذلك فضَّلنا إعادة طبعه لتعم فائدة .
   وهذه النسخة قد صوَّرناها عن نسخة مطبوعة في مطبعة الادب في النجف الاشرف سنة 1390 هجرية و 1970 ميلادية ، ونحن نشير إلى كلمة الحجة الشيخ مرتضى آل يس قدس الله روحه الطاهرة بحق هذا الكتاب النفيس ، سائلين الله تعالى أن يسدَّد خطانا ويوفقنا لنشر تراثنا الإسلاميِّ المبنيِّ على تراث أهل البيت النبوَّة صلوات الله وسلامه عليه.
   الناشر
   10 جمادي الأول 1406 هـ
   20 كانون الثاني 1968 م

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 5 ـ
   مبادئ الوصول
  (1) في : أولياته
  (2) في : علم الأصول
  (3) في : فهارسه العامة اخراج

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 6 ـ
   القسم الاول
   أوليات الكتاب
   كلمة حول الكتاب
   بين يدى الكتاب
   الإهداء
   رجال على الطريق
   المترجم له في سطور المبادئ لدى الظهور

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 7 ـ

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 8 ـ

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 9 ـ
   بين يدى الكتاب
   الانسانية بحاجة إلى خبز !! سمعتهم يهتفون : فهتفت : بل هي بحاجة ألى حب .
   قالوا : هي بحاجة إلى تشريع !! قلت : بل إلى الجميع وغيره إلى العقيدة والتربية والعلوم والاداب.
   قالوا هيا إلى النضال إذن !! قلت ، أتريت
   قال احدهم : إنما تتعب نفسك !! قلت : ألا تسائلني السبب ؟!!
   قالوا : لم ؟ وعلام ؟
   قلت : درنكم الحياة أناشدكم أحداثها ؟ قالوا : هي في تجدد وتنوع وتكثر !! قلت ما السبيل إلى حلها ؟؟
   قالوا : إليك السؤال نحيله
   قلت لابد من رصيد ، تتمثل فيه الكليات المستنطقة ، من خطوط النظام العريضة ، كى تكون ، العدة ، لمستقبلنا ، و « المعارج » « لمعالم » مصيرنا ...
   قالوا : نراك تسير بنا إلى معرفة « أصول الاستنباط »
   قلت : بدراسة علم الاصول.
   قالوا : نمضى معك !! قلت : إنى معكم ...
   قالوا : بم نبدأ قلت : لدي
   مبادئ الوصول ...
   المخرج

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 10 ـ
   إلى الذين يشمرون عن سواعد الجد لخدمة أمتهم وجيلهم واجيالهم القادمة.
   إلى الذين عقدوا العزم لرفع كاهل البؤس الروحي والشقاء الفكري عن واقع انسانيتنا المعذبة.
   إليهم في كل زمان ومكان ، نقدم هذه الدراسة الموجزة عن شخصية فذة ، لعبت دورا مهما في تأريخ المعرفة يومها ولا تزال .
   ونيسر هذا النتاج الفكري لعقل مبدع لا زالت بحوثه تحتل الصدارة ، في ميادين العلم وسماء العلماء .
   سائلا من القدير ، أن يوفقنا لان تسهم الذكرى ، لهذه الشخصية ونتاجها ، في توضيح بعض معالم الطريق ، كي يكون لنا فيها عظة وعبرة.
   وكى نتأكد : بأن عاقبة المخلصين ، ليست في حياتهمم الاولى وإنما كما قالوا قديما :
   الذكرى للانسان حياة ثانية .
   المعلق

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 11 ـ
  لا يسعنى
   لا يسعنى !! وانا اقدم هذا التراث إلى القراء الكرام ، الا وان انوه بمساعي السادة الافاضل التالية جهودهم :
  (1) مولانا الحجة ، الشيخ مرتضى آل ياسين ، لملاحظته الكتاب ، وتفضله بقول كلمته فيه .
  (2) مولانا الفاضل الشيخ كاظم شمشاد ، استاذ اصول الفقه في كلية الفقه ، لمراجعته الكتاب.
  (3) الاخ الفاضل الشيخ عبد الهادي الفضلي ، استاذ اللغة العربية في كلية الفقه ، لمراجعته الكتاب ونقده.
  (4) الاخ الفاضل السيد احمد محمد علي الموسوي ، لمراجعته الكتاب ونقده ، في التحقيق والتعليق والاخراج.
  (5) أسرة : مكتبة السيد الحكيم العامة ، ومكتبة أمير المؤمنين ـ ع ـ العامة ، ومكتبة الحسينية الشوشترية ، لتيسيرهم الاستفادة من النسخ الخطية والمصورة ، الواردة في متن وهوامش الكتاب.
  (6) وأخيرا إلى ذلك الذي كان الكتاب كتابه ، والمجهود مجهوده ، في تبنيه ورعايته ونشره ، أخي الشيخ عباس محمد علي البقال.
   فإليهم جميعا شكرى وتقديري

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 12 ـ
   يحق لمثل هؤلاء الابطال : الذين نذروا أنفسهم لخدمة اخطر جانب حياتي ، هو ميدانها الثقافى ، والتشريعي منه على وجه الخصوص يحق لمثل هؤلاء !! ومنهم عيلمنا هذا ، أن تدون حياتهم وتترجم شخصيتهم ، ترجمة تليق بمكانتهم متسعة جميع ابعادها ، شاملة مختلف مجالاتها.
   ونحن أزاء هذا الحق ، وإنطلاقا من تلك المكانة ، نجد لزاما علينا ، أن نسطر خطوطها على الوجه التالى :
   المحقق

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 13 ـ
   تسميته ونسبته
   هو : « جمال الدين ، أبو منصور ، الحسن بن سديد الدين يوسف ، ابن زين الدين علي ، بن المطهر الحلي ... » (1)

   ولادته
   قال سديد الدين : « ولد ولدي المبارك ، أبو منصور ، الحسن بن يوسف بن المطهر ، ليلة الجمعة ، في الثلث الاخير من الليل ، 27 رمضان من سنة 648 ه‍ » (2).

   عصره
   المناسب !! أن يكنى العصر الذي ولد فيه المترجم له ، بعصر ما بعد الزحف المغولي ، الذي أخذت فيه الحياة الطبيعة ، تعود إلى مجاريها من حياة الامة من جديد ، بعد الشقاء الذي عانت منه الامرين.
   نعم ، عقب إنحسار المد التتري ، الذي اجتاح العالم الانساني القائم آنذاك ، والعالم الاسلامي منه على وجه الخصوص.


(1) مستدرك الوسائل : 3 / 45(9) 460.
(2) رياض العلماء : ق 2 ص 90 « بتصرف ».

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 14 ـ
   ذلك المد !! الذي كان لوالده سديد الدين ورفاقه في المسؤولية ، الدور الكبير في إيقافه عند حده ، بفضل الحنكة الرعائية والزعامة الاجتماعية والمكانة الاسرية التي كان يتمتع بها .
   الامر الذي كانت نتيجة حفظ القطر العراقي عامة ، والعاصمة بغداد بصورة خاصة ، وعلى الاخص مدينته الحلة الفيحاء ، من الهتك والسلب والنهب ، والدماء والدمار (1).

   وفق الحسن بن المطهر ، لان يحضى بشرف الدراسة ، على عهدة ثلة من الاساتذة المعروفين بتقاهم ، المبرزين في علومهم ، المرموقين بأدبهم الذين هم على سبيل المثال :
  (1) والده الشيخ سديد الدين يوسف ، الذي كانت عليه عماد تربيته ، وأساسيات دراساته في العلوم العربية والشرعية.
  (2) خاله المحقق الحلي ، الذي طال اختلافه عليه في تحصيل المعارف والمعالى ، وتردده لديه في تعلم أفانين الشرع والادب.
   وكان تلمذه عليه في الظاهر ، اكثر منه على غيره من الاساتيد الكبراء الماجدين.
  (3) الشيخ نجيب الدين يحيى ، ابن عم والدته ، صاحب الجامع.
  (4) السيدان الجليلان ، جمال الدين احمد ورضي الدين علي ، ابنا طاووس .

(1) لزيادة الاطلاع : يراجع المستدرك : 3 / 43(9) 461 ، وكشف اليقين : ص 18 ، وعمدة الطالب : ص 190 ، وغيرها من المصادر ، التي تصدت للحديث عن تلك الفترة ، ودونت مختلف أحداثها.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 15 ـ
  (5) الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني.
  (6) الشيخ الخواجه نصير الملة والدين الطوسي.
  (7) الشيخ النبيل المولى نجم الدين ، علي بن عمر الكاتبي القزويني ، الشافعي.
  (8) الشيخ برهان الدين النسفي ، المصنف في الجدل.
  (9) الشيخ جمال الدين الحسين بن أبان النحوي ، المصنف في الادب.
  (10) الشيخ المفسر عز الدين احمد بن عبد الله الفاروقي الواسطي.
  (11) الشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي الصباغ الحنفي.
  (12) الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن احمد الكشي ، المتكلم الفقيه (1).

   فاز العلامة مما فاز به ، بنخبة من المشتغلين على يديه ، كانوا في قابل سنيهم وعلى مر الزمن ، الذخيرة الحية التي خلفها لخدمة امته وشعبه ، والذين منهم على سبيل الاختصار :
  (1) ولده فخر المحققين ، الذي ألف لاجله الكثير من الكتب ، كما وله من والده وصية خاصة ، ختم بها كتاب قواعده ، تشتمل على محاسن الاخلاق ومعالى الامور.
   يروي عن أبيه ويروي عنه جمع ، أظهرهم الشيخ الشهيد الاول ، والشيخ ابن المتوج البحراني ، والشيخ ظهير الدين النيلي والشيخ نظام الدين النيلي ، والسيد بهاء الدين النيلي ، ومجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس ، وغيرهم ...

(1) ذكرت هذه الاسماء ، كمشايخ للعلامة ، بعضا أو كلا ، في مجموعة من المصادر ، منها : أمل الآمل 2 / 350 ، وروضات الجنات 2 / 175 والبحار 1 / 211 و 25 / 22.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 16 ـ
  (2) الشيخ تقي الدين ، ابراهيم بن محمد بن محمد البصري ، وهو الذي التمس استاذه العلامة ، فكتب له مبادئ الوصول إلى علم الاصول .
  (3) الشيخ علي بن الحسن الامامي ، الذي شرح من مصنفات استاذه ، مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ، وسماه خلاصة الاصول ، وفرغ من الشرح في سنة 706 ه‍ ، وتوجد منه نسخة بخط الشيخ حيدر ابن ابراهيم الطبري ، تاريخ نسخها سنة 732 ه‍ في الخزانة الرضوية.
  (4) الشيخ محمد بن علي بن محمد الجرجاني الغروي ، الذي شرح من مصنفات استاذه ، مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ، وسماه غاية البادي في شرح المبادي (1).

   قالوا : « شيخ الطائفة ، وعلامة وقته ، صاحب التحقيق والتدقيق كثير التصانيف ، إنتهت رياسة الامامية إليه في المعقول والمنقول » (2).
   « وكفاه فخرا على من سبقه ولحقه ، مقامه المحمود في اليوم المشهود الذي ناظر فيه علماء المخالفين فأفحمهم ، وصار سببا لتشيع السلطان محمد ، الملقب شاه خدابنده » (3).

(1) ذكر هذه الاسماء مستفاد باختصار ، من موضوع « مدرسته العلمية وثمارها الجنية » ، الوارد في مقدمة كتاب « الالفين » ص 2(4) 34 طبع ونشر المطعبة الحيدرية ، بقلم العلامة السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان.
(2) رجال ابن داود : عمود 11(9) 120.
(3) الكنى والالقاب : 2 / 422 ، والمناظرة مذكورة كاملة في مستدرك الوسائل : 3 / 440 ـ 462.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 17 ـ
   وقال الافندي : « له حقوق عظيمة على زمرة الامامية ، لسانا وبيانا ، وتدريسا وتأليفا ، وقد كان جامعا لانواع العلوم ، مصنفا في أقسامها ، حكيما متكلما ففقيها محدثا أصوليا ، أديبا شاعرا ماهرا ، وأفاد وأجاد ، على كثير من فضلاء دهره ، من الخاصة بل من العامة أيضا ، كما يظهر من إجازات علماء الفريقين.
   كان من أزهد الناس وأتقاهم ، ومن زهده ما حكاه السيد حسين المجتهد ، في رسالة النفحات القدسية عنه ، أنه قدس سره أوصى بجميع صلاته وصيامه مدة عمره ، وبالحج عنه مع أنه كان قد حج » (1).
   كما وروي : « أنه لما حج ، اجتمع بابن تيمية في المسجد الحرام فتذاكرا ، فاعجب ابن تيمية بكلامه ، فقال له : من تكون يا هذا ؟ قال الذي تسميه ابن المنجس ، يريد بذلك التعريض بابن تيمية ، حيث سماه في منهاج السنة بابن المنجس ، فحصل بينهما انس ومباسطة » (2).
   وقال الصفدي : « كان ريض الاخلاق حليما ، قايما بالعلوم حكيما طار ذكره في الاقطار ، واقتحم الناس إليه المخاوف والاخطار ، وتخرج به أقوام ، وتقدم في آخر أيام خدابندا تقدما زاد حده ، وفاض على الفرات مده » (3).
   كما وقال أبو محمد الحسن الصدر : « لم يتفق في الدنيا مثله ، لافي المتقدمين ولا في المتأخرين ، وخرج من عالي مجلس تدريسه خمسماية مجتهد » (4).


(1) رياض العلماء : م 2 ص 90 « باختصار ».
(2) الدرر الكامنة : 2 / 72 ، وورود في الهامش : هكذا وجد بخط السخاوي عن شيخه.
(3) أعيان العصر : الفيلم 1809.
(4) تأسيس الشيعة : ص 270.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 18 ـ
   نعم ، كانت نهاية مطاف حياته رحمه الله ، أن انتقل إلى جوار ربه ليلة السبت ، حادى عشر المحرم ، سنة ست وعشرين وسبعمائة هجرية .
   ودفن : بالمشهد المقدس الغروي ، على ساكنه من الصلوات أفضلها ومن التحيات أكملها » (1) .


(1) نقد الرجال : ص 9(9) 100.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 19 ـ

   الشخصية : درجة من النضوج ، تكسب صاحبها بفعل الخبرة الطويلة صلاحية النطق بإسمها أو اكثر الجهات من جوانبها ، حين تغدو خاصة لازمة له تشده إلى مقوماتها وشرائطها .

   ثم هي بعد ذلك : مفهوم سلوكي له ميادينه المتشعبة الاطراف ، كما وهي تتسع لمصاديق تتكثر تكثر المذاهب والمعارف والفنون ، التي تتوزع دنيا الناس.
   فمثلا : هذه شخصية سياسية ، وتلك عسكرية ، وثالثة ثقافية ، ورابعة تربوية ، وخامسة اقتصادية ، وهكذا ...

   إلا أن من مصاديقها أيضا نوعا آخر ، قد عرفته الحياة الاسلامية تلك هي « المرجعية ».
   وهي فيما يبدو محصلة نشاطات ثلاثة .
   الاولى : المقومات التقوية في مقامي الرعاية والسلوك.
   الثانية : المقومات الاجتهادية في مقامي الاصول والفقه.
   الثالثة : المقومات القيادية في مقامي الادارة والتوجية.


مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 20 ـ
   هذا اللون من الشخصية ، هو الذي يعد بحق أهم مكسب مصيري ينشده المتدينون في حياتهم المستقبلية ، من بين جوانب شخصيتهم .
   هذا !! إذا لم نقل إنها تمثل الركيزة الام ، التي تندك عندها جميع الجوانب ، وتنتظم في خدمتها مختلف الطاقات والقابليات ، وتتضاءل عند وجودها جميع المكاسب والامتيازات .
   وهو الوحيد الذي يصلح لان يكون المقياس الصحيح ، الذي تقوم على أساس منه شخصية العاملين في الحقل الاسلامي ، وبالخصوص مراجعهم ومنهم العلامة ، على طول المسيرة الحياتية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
   وما ذاك !! إلا لان المرجعية هي البديل الافضل ، بل الوحيد لحفظ مفهوم « النيابة العامة عن الامام ».
   لذا !! فليس من الغريب ، إذا وجدنا فقهاءنا يؤكدون بما لديهم من أدلة ، على وجوب وجودها ، في شخصية المجتهد العادل ، سواء أكان ذلك الوجوب يتحقق كفائيا أم عينيا.

   نعم ، هي هدف أساسي.
   ذلك لان !! الاماميين بواقعهم ، يعون المشكلة الاساسية التي تلازم الانسانية في مسيرتها ، منذ مولدها وحتى آخر لحظة من عمرها ، تلك المشكلة التي تتجسد في حاجة البشرية إلى النظام الاصلح ، وإلى من يصلح لقيادتها .
   صحيح أن الاداب ، من قصص وخطب ومقالات وقصائد وملاحم هي أوليات لا يمكن التفريط بها .

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 21 ـ
   ولا شك أن العلوم الطبيعة ، من كيمياء وفيزياء وهندسة ونبات وحيوان ، هي ضروريات لا يمكن الاستغناء عنها.
   كما لا نقاش في أن العلوم الانسانية ، من نفس وتربية وصحة ، هي لابديات لا يحق لنا التقليل من شأنها .
   لكن الذي نتوخى التنبيه عليه هنا ، هو تحديد العنصر الاهم من بين مهم عناصر حياتها ، عل أن تؤخذ تلك جميعا بنظر إعتبارها.
   وما العنصر الاهم من بين تلك جميعا ، إلا النظام الاصلح من جهة (1) والا العلوم الشرعية ذات الصلة ، لغة وفقها واصولا وتفسيرا وغيرها من جهة اخرى.
   فإذا النظام في دنيا البشرية هو هدفها ، والحاجة الاساسية لها ، كان ولا يزال. وإن المسلمين كانوا ولا زالوا يرون في الشرعية الاسلامية ، النموذج الواقعي الفريد ، الذي يتوافر على ذلك النوع الاصلح منه .
   إذا كان الامر كذلك ، ففي هذا الحالة تكمن الاهمية ، في دراسة مقومات النخبة المؤمنة المحنكة ، التي تتولى مهمة الاشراف على ذلك النظام من فهم ووعي وتنفيذ.
   وبالتعبير الحوزوي الدقيق : الركائز الاساسية للشخصية المرجعية ، المفتية والمنفذة ، من ورع واجتهاد وحنكة وأعلمية ...


(1) للتوسع !! يراجع « الانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية » للحجة السيد محمد باقر الصدر.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 22 ـ
   هي تلك التي تعيش هموم الامة كل الامة ، متجاوية مع مشكالها ، متبنية لقضاياها ، منافحة عن حقوقها ، عاملة على تحقيق عزتها وكرامتها ، جاهدة في توحيد صفوفها .
   هي : التي تستلهم الحنكة والوعي وبعد النظر ومراعاة العواطف ، مستفيدة من التأريخ الحضاري المدروس ، والانفتاح الحذر الموجه ، عدة لمواقفها ، وقاعدة لكل ما يمر بها من أحداث ، محلية ودولية وعالمية ، إسلامية ولا إسلامية ، ثقافية وتربوية ، اقتصادية وسياسية وغيرها ، على المدى القريب أو البعيد ، فتتخذ المواقف المناسبة لها ، بعد التأكيد من شرعيتها وصلاحيتها ، وبعد الاحاطة التامة بمتطلبات تلك المواقف من حيث تهيئة مقدماتها ، وبالتالي كيفية تسيير دفتها ، إلى شاطئ أمنها وأمانها.
   هذا هو الخط العريض لتقويم الشخصية وبيان مرتكزاتها ، ولكن ...!!
   ولكن !! وبالنسبة للحلي ، ترى ما المناسبة التي كانت سببا في وضعه على خط هذه المرجعية ، فسهلت له اسباب تسلم زعامتها.

   تلك نقطة مهمة في البحث : أن يبرز الرجالي مفتاح المرجعية وسر بزوغها ، لدى المرجع الذي يقوم على دراسة حياته ، إن في مجاله الخاص أو العام.
   ومعنى ذلك : التعرف على الحادثة أو المناسبة ، التي جعلت من أبي منصور ، شخصية مرجعية ، تظهر وتفرض وجودها في عالم المرجعيات.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 23 ـ
   وبالنسبة لابن المطهر : إنما يتحقق ذلك ، إذا وقفنا على سر تسميته بالعلامة ، حتى عاد هذا اللقب اسما له ، يعززه من بين الاعلام التأريخية المعاصرة أو اللاحقة له ، الامر الذي إذا ذكر ، تبادر الذهن إليه دون سواه .
   نعم ، تلك نقطة مهمة ...
   ولكن للاسف !! وبحدود اطلاعي ، لم أعثر على مصدر يقودني ، للوقوف على وجه هذه التسمية.
   إنما كل الذي وجدته ، هو أنه اشتهر بهذا اللقب ، كما نص على ذلك الافندي في رياضه (1).
   هذا !! ويبدو لي ، أنه حصل عليه ، عقب مناظرته ـ وما اكثر مناظراته !! ـ الفريدة في مجلس خدابنده ، التي كشفت عن سعة ودقة علمه ، والذي منح له على سبيل الارتجال في بداية الامر ، ثم لازمه بدافع الشهرة في نهاية المطاف.

   هذه هي المرجعية في خلاصتها ، وما علينا إلى المباشرة في تفاصيلها .
   هذه هي الصورة الاكمل من الشخصية ، التي يجدر بنا دراسة علامتنا على ضوئها .
   ولكن !! وحيث إن دراسة المترجم له هنا ، تعتبر شيئا ثانويا ، إذا ما قيست بالنسبة لكتابه المحقق.
   فعلى هذا !! سنقتصر الحديث في هذه الحالة ـ مرجئين الجوانب الاخرى ومتعلقاتها ـ على الجانب الاجتهادي من الوجهة العلمية لابن المطهر كمؤلف ، والجهة الفكرية له كأصولي ...
   وهي كما يلي :


(1) رياض العلماء : ق 2 ص 90.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 24 ـ
   فكرة عن مؤلفاته
   لان كان النقل يكشف عن بعض الصورة ...
   وأن المباشرة بالسؤال تتعرض لجوانب مهمة فيها ...
   فان النتاج الثقافي بالاخير ، هو خير ما يتعرف به ، على الصورة الكاملة لعلمية المرجع وحدود أعلمية.
   على هذا !! فإن المتتبع لكتب العلامة ، يجدها من الكثرة درجة ، الامر الاذي جعله حيالها في مصاف القلة من المؤلفين ، الذين جادت بهم إنسانيتنا في تأريخها الطويل.
   بل !! ومن ناحية ثانية : فإنها تتصف بالتنوع ، بإعتبار تعدد العلوم التي تطرقت إلى بيان مضامينها.
   هذا !! إذا لم نقل من ناحية ثالثة : إنها على كثرتها وتنوعها ، تمتاز بالدقة العلمية الرصينة ، وتختص بالمنهجة الهيكلية المنظمة ، كما تتسم بالرشاقة الاسلوبية الممتازة ، وتنفرد بتعدد المستويات التدريجية المتعددة.
   لذا !! فمن الطبيعي إذا وجدنا صاحب الكني يصرح : « درجاته في العلوم ، ومؤلفاته فيها ، قد ملات الصحف ، وضاق عنها الدفتر ، وكلما أتعب نفسي .
   فحالي كناقل التمر إلى هجر ... » (1)


(1) الكني والالقاب : 2 / 242.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 25 ـ
   وجودها الفعلي
   بعد مراجعة معظم المصادر التي تصدت لعرض مختلف مؤلفاته من جهة ، وملاحظة ما هو موجود منها فعلا من جهة ثانية ، نراها تنقسم إلى :
   أولا : كتب لا زالت مخطوطة ، كرسالته في « آداب البحث » ، وموسوعته « استقصاء الاعتبار » وغيرهما.
   ثانيا : كتب خرجت إلى حيز الطبع ، وهي كثيرة ، ومنها كتابنا هذا.
   ثالثا : كتب مفقودة ، لم يحفظ منها سوى الاسم ، من قبيل كتابه « نهج العرفان في علم الميزان ».
   رابعا : كتب مشكوكة النسبة ، له ولغيره ، ككتاب « الكشكول فيما جرى على آل الرسول » (1).

   مجمل تقويمها
   إن المقومين لمؤلفات من نترجم له ، بعض قوم الكم والكيف مرة واحدة ، وبعض ثان تطرق إلى الكيف دون الكم ، وبعض ثالث اتجه في تثمينه إلى الكم دون الكيف.
   علما !! بأن المقومين لها كيفا ، سلكوا سبلا ثلاثة : فمنهم من تناول المجموع ، ومنهم من تعرض لكل جانب من مؤلفاته على حدة ، وآخرون ـ وهو منهم ـ اختص تقويمه بكل كتاب بمفرده .
   في حين أن المقومين لها كما ، نهجوا طريقين اثنين : ففريق كان


(1) أعيان الشيعة : 24 / 327.