عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه اسماء بن خارجة وقيل حسان بن اسماء فقال ارسل غدر سائر اليوم أمرتنا ان نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت انفه ووجهه وسيلت ذمآءه على لحيته وزعمت انك تقتله فقال له عبيد الله وانك لههنا فامر به فضرب واجلس ناحية فقال انا لله وانا إليه راجعون إلى نفسي انعاك يا هاني فقال محمد بن الاشعث قد رضينا بما رأى الامير لنا كان ام علينا انما الامير مؤدب وفي رواية ان ابن زياد قال لهاني لما دخل عليه يا هاني اما تعلم ان ابي قدم هذا البلد فلم يترك احدا من هذه الشيعة الاقتله غير ابيك وغير حجر وكان من حجر ما قد علمت ثم لم يزل يحسن صحبتك ثم كتب إلى امير الكوفة ان حاجتي قبلك هاني قال نعم قال فكان جزائي ان خبأت في بيتك رجلا يقتلني قال ما فعلت فعند ذلك اخرج الذي كان عينا عليهم وبلغ عمرو بن الحجاج ان هانيا قد قتل فاقبل في مذحج حتى احاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم نادي وقال انا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم تفارق جماعة وقد بلغهم ان صاحبهم قد قتل فاعظموا ذلك فقيل لابن زياد هذه فرسان مذحج بالباب فقال لشريح القاضي ادخل على صاحبكم فانظر إليه ثم اخرج واعلمهم انه حي لم يقتل فدخل شريح فنظر إليه فقال هاني لما رأي شريحا يا لله يا للمسلمين اهلكت عشيرتي
لواعج الاشجان _ 52 _
ابن اهل المصر والدماء تسيل على لحيته إذ سمع الصيحة على باب القصر فقال اني لاظنها اصوات مذحج وشيعتي من المسلمين انه أن دخل علي عشرة نفر انفذوني فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم ان الامير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم امرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني ان القاكم واعرفكم انه حي وان الذي يلغكم من قتله باطل فقال له عمرو بن الحجاج واصحابه اما إذا لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا ولما ضرب عبيدالله هانئا وحبسه خاف ان يثب به الناس فخرج فصعد المنبر ومعه اشراف الناس وشرطه وحشمه فخطب خطبة موجزة وحذر الناس وهددهم فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون قد جاء ابن عقيل فدخل عبيدالله القصر مسرعا واغلق ابوابه قال عبد الله ابن حازم انا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لانظر ما فعل هاني فلما ضرب وحبس ركبت فرسي فكنت اول داخل الدار على مسلم ابن عقيل بالخبر فإذا نسوة من مراد مجتمعات ينادين يا عبر تاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم فاخبرته الخبر فأمرني ان انادي في اصحابه وقد ملابهم الدور حوله وكانوا فيها اربعة آلاف رجل فقال لمناديه ناد يا منصور امت وكان ذلك شعارهم فنادي فتنادى اهل الكوفة واجتمعوا عليه فاجتمع إليه اربعة آلاف فعقد لعبد الله بن عزيز
لواعج الاشجان _ 53 _
الكندي على ربع كنده وربيعة * وقال سر أمامي في الخيل وعقد لمسلم بن عوسجة الاسدي على ربع مذحج واسد وقال انزل في الرجال وعقد لابي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب واقبل نحو القصر وتداعي الناس واجتمعوا فما لبثنا الاقليلا حتى امتلا المسجد من الناس والسوق وما زالوا يتوثبون حتى المساء وبعث عبيد الله إلى وجوه اهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر واحاط مسلم بالقصر فضاق بعبيد الله امره وكان اكثر عمله ان يمسك باب القصر وليس معه الا ثلثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من اشراف الناس واهل بيته وخاصته واقبل من نأى عنه من اشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون على اصحاب مسلم فينظرون إليهم واصحاب مسلم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيدالله وعلى امه وابيه فدعا ابن زياد كثير بن شهاب واسره ان يخرج فيمن اطاعه من مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان وامر محمد بن الاشعث ان يخرج فيمن اطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية امان لمن جاء من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي
لواعج الاشجان _ 54 _
وحجار بن ابجر السلمي (العجلي خ ل) وشمر بن ذي الجوشن العامري (الضبابي خ ل) وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم وخرج محمد بن الاشعث حتى وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الاشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني فلما رأى ابن الاشعث كثرة من اتاء تأخر عن مكانه وجعل محمد بن الاشعث وكثير بن شهاب والقعقاع وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم للسلطان حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين فقال له كثير اصلح الله الامير معك في القصر ناس كثير فاخرج بنا إليهم فأبي عبيدالله وعقد شبث بن ربعي لواء فاخرجه وقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وامرهم شديد فأمر عبيد الله من عنده من الاشراف أن يشرفوا على الناس فيمنوا اهل الطاعة الزيادة والكرامة ويخوفا اهل المعصية الحرمان والعقوبة ويعلموهم وصول الجند من الشام إليهم وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس ان تغرب فقال ايها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعضوا النفسكم للقتل فأن هذه جنود امير المؤمنين يزيد قد اقبلت وقد اعطى الله الامير عهدا لئن اقمتم على حربه ولم
لواعج الاشجان _ 55 _
تنصرفوا من عشيتكم ان يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام وان يأخذ البرئ منكم بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من اهل المعصية الا اذاقها وبال ما جنت ايديها وتكلم الاشراف بنحو من ذلك فلما سمع الناس مقالتهم اخذوا يتفرقون وكان المرأة تأتي ابنها واخاها فتقول انصرف الناس يكفونك ويجئ الرجل إلى ابنه واخيه ويقول غدا يأتيك اهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى امسى اين عقيل في خمسمائة فلها اختلط الظلام جعلوا يتفرقون فصلى المغرب وما معه الا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى انه قد امسى وليس معه الا اولئك النفر خرج متوجها إلى ابواب كنده فلم يبلغ الابواب الا ومعه عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه انسان فالتفت فإذا هو لا يحس احدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضى على وجهه متحيرا في ازقة الكوفة لا يدري اين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة فمضى حتى اتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة ام ولد كانت للاشعث بن قيس فاعتقها وتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له فلالا وكان بلال قد خرج مع الناس وامه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ودخلت
لواعج الاشجان _ 56 _
ثم خرجت فقالت يا عبد الله الم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى اهلك فسكت ثم اعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت في الثالثة سبحان الله يا عبيدالله قم عافاك الله إلى اهلك فأنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا احله لك فقام وقال يا أمة الله مالي في هذا المصر اهل ولا عشيرة فهل لك في اجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم قالت يا عبد الله وما ذاك قال انا مسلم بن قيل كذبني هآولاء القوم وغروني واخرجوني قالت انت مسلم قال نعم قالت ادخل فدخل إلى بيت في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ولم يكن باسرع من ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال لها والله انه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ان لك لشأنا قالت له يا بني اله عن هذا قال والله لتخبريني قالت له اقبل على شأنك ولا تسألني عن شئ فالح عليها فقالت يا بني لا تخبرن احدا من الناس بشئ مما اخبرك به قال نعم فاخذت عليه الايمان فخلف لها فاخبرته فاضطجع وسكت ولما تفرق الناس عن مسلم طال الامر على ابن زياد وجعل لا يسمع لاصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع اولا فقال لاصحابه اشرفوا فانظروا هل ترون منهم احدا فاشرفوا فلم يجدوا احدا قال
لواعج الاشجان _ 57 _
فانظروا هم لعلهم تحت الظلال (1) قد كمنوا لكم فنزعوا الاخشاب من سقف المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في ايديهم وينظرون وكانت احيانا تضيئ لهم وتارة لا تضيئ كما يريدون فدلوا القناديل واطنان القصب تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلي حتى تنتهي إلى الارض ففعلوا ذلك في اقصى الظلال وادناها واوسطها فلا يرون احدا حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئا اعلموا ابن زياد بتفرق القوم ففتح باب السده (2) التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج اصحابه معه وامرهم فجلسوا قبيل العتمة (3) وامر عمر بن نافع فنادي الا برئت الذمة من رجل من الشرط (4) أو العرفاء (5) والمناكب (6) أو المقاتلة صلى العتمة الا في المسجد فلم
لواعج الاشجان _ 58 _
يكن الا ساعة حتى امتلاء المسجد من الناس ثم امر مناديه فاقام الصلوة واقام الحرس خلفه وامرهم بحراسته من ان يدخل إليه من يغتاله وصلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قدا تى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله دينه اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على انفسكم سبيلا يا حصين بن نمير وهو صاحب شرطته ثكلتك امك ان ضاع باب من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به وقد سلطتك على دور اهل الكوفة فابعث مراصد على اهل الكوفة ودورهم واصبح غدا واسبرأ الدور وحبس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ثم دخل القصر وقد عقد لعمر وبن حريث راية وامره على الناس فلما اصبح جلس مجلسه واذن للناس فدخلوا عليه واقبل محمد بن الاشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ثم اقعده إلى جنبه واصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث فاخبره بمكان مسلم ابن عقيل من امه فاقبل عبد الرحمن حتى اتى اباه وهو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد في جنبه بالقضيب قم فأتني به الساعه فقام وبعث معه قومه لانه علم ان كل قوم يكروهون ان
لواعج الاشجان _ 59 _
يصاب فيهم مثل مسلم فبعث معه عبيد الله (1) بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى اتوا الدار التي فيها مسلم فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل واصوات الرجال علم انه قداتي فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى اخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فأخرجهم مرارا وقتل منهم جماعة واختلف هو وبكر بن حمران الاحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا واسرع السيف في السفلى وفصلت لها ثنيتاه وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه باخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه فلما رأوا ذلك اشرفوا عليه من فوق البيت واخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا سيفه في السكة فقال محمد بن الاشعث لك الامان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن
اقـست لا اقـتل الاحـرا وان رأيت الموت شيئا نكرا اخـاف ان اكذب أو iiاغرا أو أخـلط البارد سخنا مرا
لواعج الاشجان _ 60 _
رد شعاع الشمس iiفاستقرا كل امرى يوما ملاقي شرا
اضربكم ولا اخاف iiضرا
فقال له محمد بن الاشعث انك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ان القوم بنو عملك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك وكان قد اثخن بالحجارة وعجر عن القتال فاسند ظهره إلى جنب تلك الدار فاعاد ابن الاشعث عليه القول لك الامان فقال آمن انا قال نعم فقال للقوم الذين معه إلى الامان قال القوم له نعم الا عبيد الله بن العباس السلمي فانه قال لا ناقة لي في هذا ولاجمل وتنحى فقال مسلم اما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في ايديكم وفي رواية انه لم سمع وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحاربهم حتى قتل منهم جماعة وفي رواية احد واربعين رجلا فنادي إليه ابن الاشعث لك الامان فقال واي امان للغدرة الفجرة واقبل يقاتلهم ويرتجز بالابيات المتقدمة فنادوا إليه انك لا تكذب ولا تغر فلم يلتفت إلى ذلك وتكاثروا عليه بعد ان اثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الارض فاخذ أسيرا قال الراوي فاتي ببغله فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه وكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا اول الغدر فقال له محمد بن الاشعث ارجو ان لا يكون عليك بأس قال وما هو الا الرجاء اين امانكم انا الله وانا إليه راجعون وبكي فقال
لواعج الاشجان _ 61 _
له عبيد الله بن العباس ان من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبك فقال والله ما لنفسي بكيت ولالها من القتل ارثي وان كنت لم احب لها طرفة عين تلفا ولكني ابكي لاهلي المقبلين إلى ابكي لحسين وآل حسين ثم اقبل على محمد بن الاشعث فقال يا عبد الله اني اراك والله ستعجز عن اماني فهل عندك خير تستطيع ان تبعث من عندك رجلا على لساني ان يبلغ حسينا فأني لا اراه الا وقد خرج اليوم أو هو خارج غدا واهل بيته ويقول له ان ابن عقيل بعثني اليك وهو اسير في ايدي القوم لا يرى انه يمسي حتى يقتل وهو يقول لك ارجع فداك ابي وامي باهل بيتك ولا يغررك اهل الكوفة فانهم اصحاب ابيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ان اهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي فقال ابن الاشعث والله لافعلن ولا علمن ابن زياد اني قد امنتك وأقبل ابن الاشعث بابن عقيل إلى باب القصر واستأذن ودخل على ابن زياد فاخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من امانه فقال له عبيدالله وما انت والامان كأنه ارسلناك لتؤمنه انما ارسلناك لتأتينا به فسكت وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن فيهم عمارة بن عقبة بن ابي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو
لواعج الاشجان _ 62 _
الباهلي (1) وكثير بن شهاب وإذا قلة (2) فيها ماء بارد موضوعة على الباب فقال مسلم اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو بن اتراها ما ابردها لا والله لاتذوق منها قطرة ابدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم فقال له مسلم ويلك من انت فقال انا الذي عرف الحق إذا أنكرته ونصح لامامه إذ غششته واطاعه إذ خالفته انا مسلم بن عمرو الباهلي فقال له ابن عقيل لامك الثكل ما الجفاك وافظك واقسى قلبك انت يا ابن باهلة اولى بالحميم والخلود في نار جهنم منى ثم جلس نتساند إلى الحائط وبعث عمرو بن حريث وقيل عمارة بن عقبة غلا ماله فاتاه بقلة عليها مهنديل قدح وفصب فيه ماء فقال له اشرب فاخذ كلما شرب امتلا القدح دما من فمه فلا يقدر ان يشرب ففعل ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال الحمد لله لو كان لى من الرزق المقسوم لشربته وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة يرثى بها مسلما رضى الله عنه
يـا مسلم بن عقيل لا اغلب iiثرى ضـريحك الـمن هـطالا iiوهتانا بـذلت نـفسك في مرضاة iiخالقها حـتى قضيت بسيف البغي iiظمآنا كـأنما نـفسك اختارت لها عطشا لما درت ان سيقضى السبط عطاشا فـلم تطق ان تسيغ الماء عن iiظلما مـن ضربة ساقها بكر بن iiحمرانا
------------------
(1) هو والد قتيبه بن مسلم امير خراسان المشهور ( منه ).
(2) اي جره ( منه ).
لواعج الاشجان _ 63 _
وخرج رسول ابن زياد فامر بادخاله إليه فلما دخل مسلم لم يسلم عليه بالامرة فقال له الحرسي الا تسلم على الامير فقال ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه وان كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن قال فدعني اوصي إلى بعض قومي قال افعل فنظر مسلم إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال يا عمر ان بيني وبينك قرابة ولي اليك حاجة وهي سرفامتنع عمران يسمع منه فقال له ابن زياد ولم تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس بحيث ينظر اليهما ابن زياد فقال له ان علي بالكوفة دينا سبعمائة درهم فبع سيفي ودرعي فاقضها عني وإذا قتلت فاستوهب چثتي من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين عليه السلام من يريده فأني قد كتبت إليه اعلمه ان الناس معه ولا اراه الا مقبلا فقال عمر لابن زياد اتدري ايها الامير ما قال لي انه ذكر كذا وكذا فقال ابن زياد لا يخونك الامين ولكن قد يؤتمن الخائن اما ماله فهو لو ولسنا نمنعك ان تصنع به ما احب واما جثته فأنا لن نشفعك فيها وفي رواية فانا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها واما حسين فأنه ان لم يردنا لم نرده وفي رواية انه حين دخل قال له الحرسي سلم على الامير فقال اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير ، فقال ابن زياد لا عليك سلمت ام لم تسلم فأنك مقتول ، فقال
لواعج الاشجان _ 64 _
له مسلم ان قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني .
فقال له ابن زياد قتلني الله ان لم اقتلك قتلة لم يقتلها احد في الاسلام .
فقال له مسلم اما انك احق من الحدث في الاسلام ما لم يكن وانك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولوءم الغلبة لاحد اولى بها منك .
فقال ابن زياد يا عاق يا شاق خرجت على امامك وشققت عصى المسلمين والقحت الفتنة .
فقال مسلم كذبت انما شق عصا المسلمين معوية وابنه يزيد واما الفتنة فانما القحتها انت وابوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وانا ارجو ان يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته .
فقال له ابن زياد منتك نفسك امرا حال الله دونه وجعله لاهله، فقال له مسلم ومن اهله يا ابن مرجانه إذا لم نكن نحن اهله، فقال ابن زياد اهله امير المؤمنين يزيد .
فقال مسلم الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم .
فقال له ابن زياد اتظن ان لك في الامر شيئا فقال له مسلم والله ما هو الظن ولكنه اليقين وقال له ابن زياد ايه ابن عقيل اتيت الناس وهم جميع وامرهم ملتئم فشتت امرهم بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض .
قال كلا لست لذلك اتيت ولكنكم اظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضي منهم وحملتموهم على غير ما امركم الله به وعملتم فيهم باعمال كسرى وقيصر فاتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف
لواعج الاشجان _ 65 _
وننهى عنى المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة وكنا اهل ذلك، فقال له ابن زياد وما انت وذاك يا فاسق لم لم تعمل بذلك إذ انت بالمدينة تشرب الخمر، قال مسلم انا اشرب الخمر اما والله ان الله ليعلم انك تعلم انك غير صادق وان احق بشرب الخمر مني واولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغضب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا ، فاقبل ابن زياد يشتمه ويشتم عليا والحسن والحسين وعقيلا واخذ مسلم لا يكلمه ( وفي رواية ) انه قال له انت وابوك احق بالشتيمة فاقض ما انت قاض يا عدو الله (ثم) قال ابن زياد اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده فقال مسلم والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني (1) فقال ابن زياد اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي بكر بن حمران فقال له اصعد فلتكن انت الذي تضرب عنقه فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويسبحه ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا فضرب عنقه واتبع رأسه جثته ونزل بكر الذي قتله مذعورا فقال له ابن زياد ما شأنك فقال ايها الامير رأيت ساعة قتله رجلا اسود شنيئ
------------------
(1) قيل انه يشير إلى انه كابيه دعيان وليسا من قريش ( منه ) .
لواعج الاشجان _ 66 _
الوجه حذائي عاضا على اصبعه أو قال على شفته ففزعت منه فزعا لم افزعه قط فقال ابن زياد لعلك دهشت (فقام) محمد بن الاشعث إلى عبيدالله ابن زياد فكلمه في هاني بن عروة فقال انك قد عرفت منزلة هاني في المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه اني وصاحبي سقناه اليك وانشدك الله لما وهبته لي فأني اكره عداوة المصر واهله فوعده ان يفعل ثم بداله وامر بهاني في الحال وقال اخرجوه إلى السوق فاضربوا عنته فاخرج هاني حتى اتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوب فجعل يقول وامذ حجاه ولا مذحج لي اليوم يا مذحجاه يا مذحجاه اين مذحج فلما رأي ان احدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال اما من عصى أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز بها رجل عن نفسه ووثبوا إليه فشدوه وثاقاثم قيل له امدد عنقك فقال ما انا بها سخي وما انا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال له هاني إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه اخرى فقتله وبصر عبد الرحمن بن الحصين المرادي بعد ذلك بقاتل هاني فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله واخذ بثار هاني " وفي " مسلم وهاني رحمهما الله تعالى يقول عبد الله بن الزبير (1) الاسدي ويقال انها للفرزدق
------------------
(1) بفتح الزاي وليس للعرب زبير بفتح الزاي غيره ( منه )
لواعج الاشجان _ 67 _
وقيل انها لسليمان
فأن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلـى هـانئ في السوق وابن iiعقيل إلـى بـطل قد هشيم السيف iiوجهه وآخـر يـهوي من طمار (1)iiقتيل اصـابهما فـرخ البغي (2)iiفأصبحا احـاديث مـن يـسري بـكل سبيل تـري جـسدا قـد غير الموت iiلونه ونـضح دم قـد سـال كـل iiمسيل فـتى كـان احـيى مـن فتاة iiحيية واقـطع مـن ذي شـفرتين iiصقيل ايركب اسماء (3) الهما ليج (4)iiآمنا وقــد طـلـبته مـذحج iiبـذحول تـطوف (5)حواليه (6)iiمرادوكلهم عـلى رقـبة (7) من سائل iiومسول فـأن انـتم لـم تثأروا (8)iiبأخيكم فـكونوا بـغايا (9) ارضيت iiبقليل
------------------
(1) الطمار بفتح الطاء وكسرها المكان المرتفع ( منه ) .
(2) هو ابن زياد لان امه مرجانه وجدته سميه كانتا كذلك وفي نسخة امر اللعين ( منه ).
(3) هو اسماء بن خارجة احد الثلاثة الذين ذهبوا بهاني الي ابن زياد ( منه ) .
(4) جمع هملاج وهو نوع من البر اذين ( منه ) .
(5) مضارع طاف وفي نسخة تطيف مضارع أطاف ( منه ) .
(6) اي حوالي هاني وهو اشارة إلى اجتماعهم حول القصر لتخليص هاني وفي نسخة حفافيه جمع حفاف وهو الجانب ( منه ) .
(7) الرقبة بالفتح الارتقاب والانتظار وبالكسر التحفظ اي كلهم مرتقب منتظر لتخليصه أو متحفظ مستعد للقتال وبعضهم يسأل بعظا عن حاله وشأنه ( منه ) .
(8) اي تطلبوا بثاره والخطاب لمذحج ( منه ) .
(9) اي زواني وفي نسخة ايامي ( منه ) .
لواعج الاشجان _ 68 _
( وقال آخر ) يخاطب محمد بن الاشعث
وتركت عمك لم تقاتل iiدونه فشلا ولو لا انت كان iiمنيعا وقتلت وافد حزب آل محمد وسـلبت اسيافا له iiودروعا
وكان ابن زياد لما حوصر في لاقصر اتي برجل يسمى عبد الاعلى الكلبي كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل فاخذه كير بن شهاب وبعث به إلى ابن زياد فقال لابن زياد انما اردتك فامر به فحبس واتي برجل آخر يقال له عمارة الازدي كان خرج ايضا لنصرة مسلم بن عقيل فحبسه ابن زياد ايضا فلما قتل مسلم وهانئ دعا ابن زياد بعبد الاعلى فقال له خرجت لانظر ما يصنع الناس فاخذني كثير بن شهاب فطلب منه ابن زياد ان يحلف على ذلك بالايمان المغلظة فلم يحلف فامر ابن زياد ان يذهبوا به إلى جبانة السبيع ويضربوا عنقه فانطلقوا به إليها وقتلوه وامر بعمارة الازدي ان يذهبوا به إلى قومه فضربت عنقه فيهم ( وكان ) خروج مسلم في الكوفة يوم الثلاثا لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية وقتله يوم الاربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه على رواية المفيد، وفي رواية ( ان قتله كان يوم التروية ( وامر ) ابن زياد بجثة مسلم وهاني فصلبتا بالكناسة وبعث برأسيهما إلى يزيد بن معوية مع الزبير بن الا روح التميمي وهاني بن ابي حية الوداعي واخبره بامرهما ( وكان ) رأس مسلم اول رأس حمل من روءوس بني هاشم وجثته
لواعج الاشجان _ 69 _
اول جثة صلبت ( فاعاد ) يزيد الجواب إليه يشكره على فعله وسطوته ويقول له قد بلغني ان حسينا قد سار إلى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين الازمان وبلدك من بين البلدان وابتليت به من بين العمال وعندها تعتق أو تعود عبدا فظع المناظر والمسالح واحبس على الظنة وخذ على التهمة واكتب الي في كل ما يحدث ( وكان ) يزيد بن معوية قد انفذ عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة إلى مكة في عسكر عظيم وولاه امر الموسم وامره على الحاج كلهم فحج بالناس واوصاه بقبض الحسين عليه السلم سرا وان لم يتمكن منه يقتله غيلة وامره ان يناجز الحسين عليه السلام القتال ان هو ناجزه فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف ( ثم ) ان يزيد دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني امية وامرهم بقتل الحسين عليه السلام على اي حال اتفق (1) فلما علم الحسين عليه السلام بذلك عزم على التوجه إلى العراق وكان قد احرم بالحج وقد وصله قبل ذلك كتاب مسلم بن عقيل ببيعة اهل الكوفة له فطاف
------------------
(1) نقل انفاذ عمرو بن سعيد ودس الثلاثين رجلا صاحب البحار وقال انه رآه في بعض الكتب المعتبرة ونقل انفاذ عمر وووصوله يوم التروية ابن طاوس في اللهوف عن معمر بن المثنى في مقتل الحسين عليه السلام وعمرو هذا كان اميرا على مكة ثم ولاه يزيد المدينة كما مر ثم انفذه من المدينة إلى مكة وامره على الحاج ( منه ).
لواعج الاشجان _ 70 _
بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقصر من شعره واحل من احرام الحج وجعلها عمرة مفردة لانه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان يقبض عليه فخرج من مكة يوم الثلاثا وقيل يوم الاربعاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة فكان الناس يخرجون إلى منى والحسين عليه السلام خارج إلى العراق وقيل خرج عليه السلام يوم الثلاثا لثلاث مضين من ذي الحجة ولم يكن علم بقتل مسلم بن عقيل لان مسلما قتل في ذلك اليوم الذي خرج فيه الحسين عليه السلام إلى العراق أو بعده بيوم أو بخمسة ايام اوستة ولما عزم الحسين عليه السلام على الخروج إلى العراق قام خطيبا ( فقال ) الحمد لله وما شآء الله ولا قوة الا بالله وصلى الله على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما اولهني إلى لسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النوا ويس وكربلا فيملان مني اكراشا جوفا وجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا اهل البيت نصير على بلائه ويوفينا اجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجزبهم وعده من كان باذلافينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فانني راحل مصبحا أن شاء الله تعالى ( وجاءه ) أبو بكر عمر بن عبد الرحمن بن
لواعج الاشجان _ 71 _
الحارث بن هشام المخزومي فنهاه عن الخروج إلى العراق فقال له الحسين (عليه السلام) جزاك الله خيرا يا ابن عم قد اجتهدت رأيك ومهما يقض الله يكن وجاءه عبد الله بن عباس فنهاه عن الخروج ايضا فقال استخير الله وانظر ما يكون ( ثم ) اتاه مرة ثانية فاعاد عليه النهي وقال ان ابيت الا الخروج إلى اليمن فقال الحسين عليه السلام يا ابن عم اني والله لاعلم انك ناصح مشفق وقد ازمعت واجمعت المسير ثم خرج ابن عباس فمر بابن الزبير وانشد
يـالك مـن قـبرة iiبـمعمر خلالك الجو فبيضي واصفري ونـقري ما شئت ان iiتنقري هـذا حـسين خارج iiفأبشري
( وجاءه ) عبد الله بن الزبير فاشار عليه بالعراق ثم خشي ان يتهمه فقال لو اقمت لما خالفنا عليك فلما خرج ابن الزبير قال الحسين عليه السلام ان هذا ليس شئ احب إليه من ان اخرج من الحجاز ( وجاءه ) عبد الله بن عباس وعبدا الله بن الزبير فاشارا عليه بالامساك عن المسير إلى الكوفة فقال لهما ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد امرني بأمر وانا ماض فيه فخرج ابن عباس وهو يقول واحسيناه ( ثم ) جاءه عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح اله الضلال وحذره من القتل والقتال فقال له يا ابا عبد الرحمن اما علمت ان من هو ان الدنيا على الله ان رأس يحي بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني اسرائيل اما
لواعج الاشجان _ 72 _
تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في اسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يجعل الله عليهم بل اخذهم بعد ذلك اخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا ابا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي وكان الحسين عليه لاسلام يقول وايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا ذلك سلط الله علهيم ومن يذلهم حتى يكونوا اذل من فرام (1).
المرأة ( وجاءه ) محمد بن الحنفية في الليلة التي اراد الحسين عليه السلام الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له يا اخي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم بابيك واخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضي فأن رأيت ان تقيم فأنك اعز من بالحرم وامنعه فقال يا اخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية فان خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فانك امنع الناس به ولا يقدر عليك احد فقال أنظر فيما قلت فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فاتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال يا اخي الم تعدني
------------------
(1) الفرام خرقة الحيض ( منه )...
لواعج الاشجان _ 73 _
النظر فيما سألتك قال بلى قال فما حداك على الخروج عاجلا قال اتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فأن الله قد شآء ان يراك قتيلا فقال محمد بن الحنفية انا لله وانا إليه راجعون فما معنى حملك هآوءلاء النسوة معك وانت تخرج على مثل هذا الحال فقال ان الله قد شآء ان يراهن سبايا فسلم عليه ومضى ( وفي ) رواية ان محمد بن الحنفية كان يومئذ بالمدينة فبلغه خبر الحسين عليه السلام وهو يتوضأ في طست فبكى حتى سمع وكف دموعه في الطست ( قال ) أبو محمد الواقدي وزرارة بن خلج (1) لقينا الحسين بن علي عليهما السلام قبل ان يخرج إلى العراق فاخبرناه ضعف الناس بالكوفة وان قلوبهم معه وسيوفهم عليه فأومى بيده نحو السماء ففتحت ابواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه الا الله عزوجل فقال لو لا تقارب الاشيآء وحبوط الاجر لقاتلتهم بهاء ولا ولكن اعلم علما ان من هناك مصعدي وهناك مصارع اصحابي لاينجو منهم الا ولدي علي ( وسمع ) عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فادركه في بعض المنازل فقال ابن تريد يا ابن رسول الله قال العراقي مهلا ارجع إلى حرم جدك فأبي
------------------
(1) ذكر ذلك في اللهوف عن ابي جعفر محمد بن جرير الطبري الامامي في دلائل الامامة عن ابي محمد سفيان بن وكيع عن ابيه وكيه عنهما ( منه ).
لواعج الاشجان _ 74 _
الحسين عليه السلام فلما رأى ابن عمر إبآءه قال يا ابا عبد الله الكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبله منك فكشف الحسين عليه السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى وقال استودعك الله يا ابا عبد الله فانك في وجهك هذا ( وفي رواية ) انه قبل ما بين عينيه وبكى وقال استودعك الله من قتيل ( ولما ) خرج الحسين عليه السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص امير الحجاز من قبل يزيد (1) عليهم اخوه يحيي بن سعيد ليردوه فابى عليهم وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسيطا ثم امتنع عليهم الحسين عليه السلام واصحابه امتناعا شديدا ومضى الحسين (عليه السلام).
على وجهه فبادروا وقالوا يا حسين الا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الامة فقال لي عملي ولكم عملكم انتم بريئون مما اعمل وانا برئ مما تعملون " وعن " علي بن الحسين عليهما السلام قال خرجنا مع الحسين (عليه السلام) فما نزل منزلا ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقتله وقال يوما ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني اسرائيل وعن الصادق عليه السلام قال لما سار أبو عبد الله الحسين بن علي صلوات عليهما من مكة ليدخل
------------------
(1) وذلك لانه كان بمكة عند سفر الحسين عليه السلام إلى العراق كما مر في الحواشى السابقة ( منه ) (*).
لواعج الاشجان _ 75 _
المدينة لقيته افواج من الملائكة المسومين والمردفين في ايديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا وقالوا بالحجة الله على خلقه بعد جده وابيه ان الله عزوجل امد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة وان الله امدك بنا فقال لهم الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلا فإذا وردتها فاتوني فقالوا يا حجة الله ان الله امرنا ان نسمع لك ونطيع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك فقال لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو اصل إلى بقعتي واتته الفواح من مؤمني الجن فقالواله يا مولانا نحن شيعتك وانصارك فمرنا بما تشاء فلو امرتنا بقتل كل عدو لك وانت بمكانك لكفيناك ذلك فجزاهم خيرا وقال لهم اما قرأتهم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وقوله قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم فإذا اقمت في مكاني فبماذا يمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يختبرون ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحي الارض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا تقبل بها اعمالهم وصلواتهم ويجاب دعاؤهم وتسكن إليها شيعتنا فتكون لهم امانا في الدنيا والاخرة ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشورا الذي في آخره اقتل ولا يبقي بعدي