تأليف
السيد الشريف الرضي ( رضوان الله تعالى عليه )
أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي
تحقيق وتعليق

الدكتور محمد هادي الأميني



   إلهي . . . بقدرتك علي تب علي . . . وبحلمك عني اعف عني . . . وبعلمك بي ارفق بي . . . إلهي . . . لا تجعلني لغير جودك متعرضا . . . ولا تصيرني للفتن غرضا . . . وكن لي على الاعداء ناصرا . . . وعلى المخازي والعيوب ساترا . . . وعن المعاصي عاصما . . . إلهي . . . إعطني بصيرة في دينك . . . وفهما في حكمك . . . وفقها في علمك . . . وكفلين من رحمتك . . . إلهي . . . تقبل مني وأعل ذكري ، وارفع درجتي ، وحط وزري . . . ولا تذكرني بخطيئتي . . . واجعل ثواب مجلسي ، وثواب منطقي ، وثواب دعائي ، رضاك والجنة . . .
  قوبلت وصححت على نسخة السيد الفقيه الامام ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي الكاشاني المتوفى 570 هـ .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 2 _

المقدمة
   لا مشاحة في أن كتاب ( خصائص الائمة ) كان الباعث والحافز للسيد رضي الدين ذي الحسبين . . ( رضي الله عنه ) ، في جمع وتأليف كتابه المقدس ( نهج البلاغة ) وإن لم يكمل كتابه الاول ، ولم يخرج منه غير مؤسسة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ـ المكتبة العامة ـ مكتبة التاريخ والسيرة الإسلامية ـ خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، إلا أن التوفيق بكامله كان حليفه في تأليف كتابه الثاني ( نهج البلاغة ) والواقع ان كتاب ( الخصائص ) يعتبر بابا لتأليفه الآخر كما صرح في مقدمة ( النهج ) فقال : ـ كنت في عنفوان السن وغضاضة الغصن ، إبتدأت بتأليف كتاب في ( خصائص الائمة ) يشتمل على محاسن أخبارهم ، وجواهر كلامهم ، حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب ، وجعلته امام الكتاب ، وفرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الايام ، ومماطلات الزمان وكنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا ، وفصلته فصولا ، فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه ( عليه السلام ) ، من الكلام القصير في المواعظ ، والحكم ، والامثال ، والآداب ، دون الخطب الطويلة ، والكتب المبسوطة ، فاستحسن جماعة من الاصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره ، معجبين ببدائعه ومتعجبين من نواصعه ـ .
  انّ هذا الكلام من الشريف الاعلم . . إن دل على شئ فإنما يدل على انه كان يعرض ويقرأ كتاباته على تلاميذه ، والذين يحضرون مدرسته ( دار العلم ) في بغداد للاخذ من موارد علمه الخصب والتي يتطلع إليها كل لبيب ، وذي عقل ، وطالب علم وأدب في اللحظات كافة . . فلما ألقى عليهم الفصل المتضمن لمحاسن ما نقل عنه ( عليه السلام ) ، تقدموا إليه بطلب كريم مما جعله ينصرف عن إتمام كتابه ( الخصائص ) ويتحول إلى وضع خطط وأسس تأليفه القيم ( نهج البلاغة ) فقال بعد كلامه السالف بهذا الصدد :
  ( وسألوني عند ذلك أن ابتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في جميع فنونه ، ومتشعبات غصونه ، من خطب وكتب ، ومواعظ وآداب ، علما ان ذلك يتضمن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ، مما لا يوجد مجتمعا في كلام ، ولا مجموع الاطراف في كتاب ) ومن هنا نجد الرضي العليم يتحول بكامل حيويته الادبية وشخصيته العلمية الفذة ، إلى جمع كلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويضع كتابه ( الخصائص ) جانباً ويندفع إلى التنقيب عن كلام الامام ( عليه السلام ) ، وجمعه من بطون المراجع والمصادر النادرة ، ومن ثم تصنيفه وتقسيمه إلى ثلاثة أبواب :
  الخطب والاوامر . . الكتب والرسائل . . الحكم والمواعظ . . واجمع بتوفيق الله تعالى على الابتداء بإختيار محاسن الخطب ، ثم محاسن الكتب ، ثم محاسن الحكم والادب ، مفرداً لكل صنف من ذلك باباً ومفصلاً فيه أوراقاً .
  وهكذا يتحول السيد الرضي . . . من كتاب ( خصائص الائمة ) إلى تأليف كتاب ( نهج البلاغة ) الذي بلغ من السمو والرفعة والخلود ، ما لم يبلغه كتاب غير القرآن الكريم .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 3 _

كتاب خصائص الأئمة
  لقد سبق القول أن لم يخرج من هذا الكتاب غير الفصل الخاص بالامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . . . وهو كبقية تصانيفه ( رضي الله عنه ) . . ضم بين دفتيه العلم الكثير ، والادب الجم ، والحيوية الفكرية ، وتداوله العلماء والمؤلفون على إمتداد التاريخ ، ونقلوه واستنسخوه واكثروا من نسخه ، وحافظوا عليه إلى يومنا هذا .
  امّا الدافع إلى تأليف كتاب ( الخصائص ) فقد ذكر ذلك في مقدمة الكتاب فقال : ـ كنت حفظ الله عليك دينك ، وقوى في ولاء العترة الطاهرة يقينك ، سألتني أن أصنف لك كتابا يشتمل على خصائص أخبار الائمة الاثنى عشر ( صلوات الله عليهم ) ، وبركاته ، وحنانه ، وتحياته ، على ترتيب أيامهم ، وتدريج طبقاتهم ذاكرا اوقات مواليدهم ، ومدد أعمارهم . . .
  ثمّ يقول بعد كلام طويل : ( فعاقني عن إجابتك الى ملتمسك ما لا يزال يعوق من نوائب الزمان ، ومعارضات الايام إلى أن أنهضني ذلك اتفاق إتفق لي ، فاستثار حميتي ، وقوى نيتي ، واستخرج نشاطي ، وقدح زنادي ، وذلك ان بعض الرؤساء ممن غرضه القدح في صفاتي ، والغمز لقناتي ، والتغطية على مناقبي والدلالة على مثلبة إن كانت لي . . . لقيني وأنا متوجه عشية عرفة من سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة ( 383 ) هجرية إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي جعفر محمد بن علي بن موسى ( عليهما السلام ) للتعريف هناك ، فسألني عن متوجهي فذكرت له إلى أين قصدي ؟ فقال لي : متى كان ذلك يعني ان جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف ، والبرائة ممن قال بالقطع ، وهو عارف بان الامامة مذهبي ، وعليها عقدي ومعتقدي ، وإنما أراد التنكيت لي والطعن على ديني ، فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه ، واستدعاه خطابه ، وعدت وقد قوي عزمي ، على عمل هذا الكتاب إعلانا لمذهبي ، وكشفا عن مغيبي ، وردا على العدو الذي يتطلب عيبي ، ويروم ذمي ، وقصبى ، وأنا بعون الله مبتدى بما ذكرت على الترتيب الذي شرطت ، والله المنقذ من الضلال ، والهادي إلى سبيل الرشاد ـ ) .
  فشرع بتأليف كتاب ( الخصائص ) عام 383 هجري ، وبعد الفراغ من مؤسسة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ـ المكتبة العامة ـ مكتبة التاريخ والسيرة الإسلامية ـ خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، شرع في تأليف كتاب ( نهج البلاغة ) ومن ثم لم يمهله الاجل المحتوم ، ولم يسمح له بالعودة إلى كتابه ( الخصائص ) والرجوع إليه وإتمامه ، فتوفي سنة 406 هجرية .
  نقل العلماء عن هذا الكتاب واستفادوا منه ، واستشهدوا بنصوصه ، وكانت منه عدة نسخ خطية في مكتبات ايران والعراق والهند . . وطبع في النجف الاشرف سنة 1368 هجرية في 100 ص ، واعيد طبعه مرات عديدة غير أن الكتاب جاء مشحونا بالاغلاط والتصحيف والتحريف ، ولم ينل من المؤسف كله الحظ من التصحيح والتحقيق والتعليق ، والمقابلة ومراجعة نصوصه ، وتعيين مصادره وأسانيده فقد طبع كما وجد ، والمطبوع نسخة المرحوم العلامة الجليل السيد عبد الرزاق بن السيد محمد الموسوي المقرم المتوفى 1391 وقد كتبها عام 1349 هجري من نسخة مكتبة الفقيه الشيخ هادي بن الشيخ عباس آل كاشف الغطاء المتوفى 1360 ، وتاريخ كتابتها سنة 1300 هجرية .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 4 _

  والغريب أن دور النشر أعادت طبع الكتاب على ما هو عليه من التصحيف والتحريف والاغلاط ، ولم تصحح منه حتى الاغلاط الاملائية والكتابية .
  لقد شاءت الايام أن أجعل الكتاب في قائمة الكتب التي نويت تحقيقها ، وتصحيحها ، وإخراجها بصورة صحيحة بحول الله وقوته . . . منذ أمد بعيد حسبما يقتضيه ، ويتطلبه الوقت والتوفيق . . . بيد ان الذكرى الالفية على وفاة الشريف الرضي ( كرم الله وجهه ) . . دفعتني إلى تحقيقه وجعله في الرعيل الاول من تلكم الكتب ، فتقدمت إلى تحقيقه ، وإخراجه مع تزاحم أعمالي الفكرية ، وتراكم شؤوني في حقلي البحث والتأليف .

عملي في تحقيق الكتاب :
  امّا منهجي في تحقيق الكتاب ، فقد فتشت عن نسخ الكتاب وقلبت فهارس خزائن الكتب ، إلى أن وقفت على أقدم نسخة مخطوطة منه كتبت في القرن السادس الهجري ، وهي من مخطوطات إحدى مكتبات الهند وتوجد مصورتها بالميكرو فيلم في مكتبة العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي في مدينة ـ قم ـ فتفضل بها علي مشكورا ، وتقع في 40 ورقة كتبت على عمودين 21 × 30 في كل صفحة 25 سطر طوله 8 سنتيم وعليها خطوط وتملكات عتيقة مؤرخة ، وهي مصححة من قبل الامام الفقيه السيد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي الكاشاني المتوفى 570 هجري .
   بالاضافة إلى الزيادات الحاصلة فيها ، وقد جعلتها في الاخير وألحقتها بآخر الكتاب .
  ففي الصفحة الاولى من النسخة جاء ما لفظه :
  ـ قرأ الخصائص علي . . . وجيه الدين فخر العلماء أبو علي عبد الله بن الحسين بن أبي القاسم دامت نعمتهما ، ورويتها له عن شيخي أبي الفتح إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن الاخشيد السراج ، عن أبي المظفر عبد الله بن شبيب عن أبي الفضل الخزاعي ، عن الرضي ( رضي الله عنه) ، وكتبه فضل الله بن علي الحسني إبن الرضا الراوندي في ذي القعدة من سنة خمس وخمسين وخمسمائة ( 555 ) حامدا لله تعالى مصليا على ـ .
  وجاء في آخرها : ـ تمّت كتابة كتاب خصائص الائمة ( عليهم السلام ) ، وفرغ من كتبه العبد المذنب الراجي إلى غفران الله وعفوه عبد الجبار بن الحسين بن أبي العم الحاج الفراهاني ، الساكن لقرية خومجان عمرها الله يوم الاربعاء الرابع من شوال سنة ثلاث وخمسين وخمسمائه .
  مئة غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، إنه الغفور الرحيم ـ .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 5 _

الصفحة الاولى من نسخة الفقيه الراوندي

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 6 _

أول الكتاب من نسخة الامام الراوندي

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 7 _

آخر النسخة المذكورة

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 8 _

  وجاء في موضع آخر من الكتاب : ـ إنتهت الزيادة . . . ( بحمد الله ومنه وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين ) .
  وفرغ من كتبه العبد المذنب عبد الجبار بن الحسين بن أبي العم الحاجي الفراهاني يوم الاربعاء التاسع عشر من جمادى الاولى من سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ( 553 ) في خدمة مولانا الامير الاجل السيد ضياء الدين تاج الاسلام أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني أدام الله ظله ، وقد آوى إلى قرية جوسقان راوند متفرجا حامدا لله ومصلياً على النبي وآله اجمعين والسلام .
  وجاء في هامش الصفحة الاخيرة :
  ـ وقع الفراغ من سماع هذا الكتاب بقراءة من قرأه على السيد الاجل الامام ضياء الدين تاج الاسلام حرس الله . . وقت الزوال في يوم الخميس من شهر جمادي . . سنة أربع وخمسين وخمسمائة حامدا لله ومصلياً على نبيه محمد وآله اجمعين ـ .
  لقد حققت النسخة وأعلمت مصادر الموضاعات ، والاحاديث الواردة فيها ، بصورة كاملة إلى جانب ذكر أسانيد الاخبار والروايات ، بالاضافة إلى مقابلة نصوص النسخة مع سائر المراجع والمصادر التي وردت فيها تلكم النصوص .
  وختاماً شكرى المتواصل لاعضاء ـ مجمع البحوث الاسلامية ـ متمنيا لهم التوفيق والنجاح في إخراجهم الكتاب بهذا الشكل الانيق . . كما أرجوا الله تعالى بعملي هذا بعد أن حققت أصل الكتاب وضبطت نصوصه ويسرته للانتفاع به . . أن يجعله مقرونا بالقبول ، وأن ينفع به انه نعم النصير . . وأكرم مسؤول . . .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 9 _

الشريف الرضي(1)
  أبو الحسن محمد بن ابي أحمد الطاهر ( ذي المنقبتين ) الحسين بن موسى الابرش بن محمد الاعرج بن موسى ( المعروف بأبي سبحة ) بن ابراهيم ( الاصغر ) بن الامام موسى بن جعفر ( عليهم السلام ) .
  وأمه فاطمة بنت أبي محمد الحسين الناصر الصغير بن أبي الحسين أحمد (2)ابن محمد الناصر الكبير الاطروش(3) بن علي بن الحسن بن علي الاصغر ابن عمر الاشرف بن الامام زين العابدين ( عليهم السلام ) .
  كانت أسرة الشريف من طرف الابوين بهاليل مساعير ، فيهم من دوخ الملوك ، ونابغ في العلم والادب ، وشاعر مجيد ، ولابيه الطاهر ذي المنقبتين احمد المقام الرفيع في الدولة مع اباء وشهامة(4) وقد قلد النقابة خمس مرات(5) ، وتولى النظر في المظالم ، والحج بالناس مراراً (6) ، وان جلالة قدره أهلته للسفارة بين معز الدولة ، والاتراك ، وبين بهاء الدولة ، وصمصام الدولة ، كما توسط للصلح بين بهاء الدولة ، ومهذب الدولة (7) .
  وكان رسولاً من معز الدولة إلى عضد الدولة في رد غلام أسره عنده(8) ووسيطاً في الصلح بين معز الدولة ، وبين أبي تغلب بن حمدان (9) إلى أمثال هذه القضايا التي لم يعهد بها إلا لذي كرامة سامية بين الجماهير ، واحترام ذاتي غير مستعار .

---------------------------
(1) هذه الترجمة كانت بقلم المرحوم السيد عبد الرزاق المقرم . . وقد اجريت عليها زيادات هامة .
(2) سماه ابن الاثير ج 8 ص 26 حوادث سنة 301 الحسن .
(3) عند ابن الاثير السبب في صممه ضربة بالسيف على رأسه في حرب محمد بن زيد .
(4) يشهد لذلك ما في معجم الادباء ج 2 ص 110 ط 2 ان أحمد بن ابراهيم الضبي الوزير توفى سنة 399 في بروجرد وأوصى ان يدفن بمشهد الحسين ( عليه السلام ) ، وكتب إبنه إلى أبي بكر الخوارزمي شيخ الحنفية في بغداد ان يبتاع له تربة في المشهد الحسيني فذكر أبو بكر للشريف الطاهر أبي أحمد ( والد الرضي والمرتضى ) فقال : هذا رجل قد التجأ إلى جوار جدي ولا اخذ على تربته ثمنا ، ثم اخرج تابوته الى ( براثا ) وخرج معه الشريف أبو أحمد والاشراف والفقهاء ، وصلى عليه الشريف أبو أحمد ، واصحب معه خمسين رجلاً من خاصته حتى أوصلوه الى كربلاء ودفن هناك .
(5) شرح النهج الحديدي ج 1 ص 10 .
(6) وفيات الاعيان ج 2 ص 107 ط ايران .
(7) ذيل تجارب الامم ص 268 حوادث سنة 835 .
(8) المنتظم لابن الجوزي ج 7 ص 83 حوادث سنة 366 .
(9) ابن الاثير ج 8 ص 208 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 10 _

   وأما عم الشريف الرضي ، وهو أبو عبد الله أحمد بن موسى الابرش ، فلم يكن خامل الذكر وضيع الشأن ، يعرفنا خروجه إلى واسط لاستقبال بهاء الدولة ، وكان من الطالبيين الذين أسهموا بالفخار والكرامة ، فإنه لا يستقبل الملوك إلا من يعرفه الملوك ، ويقدرون موقفه ومنزلته .
  ومن أسرة والدته : أبو علي الشاعر المجيد الذي أشخصه الرشيد من الحجاز ، وحبسه في بغداد وافلت من حبسه واختفى فيها (1).
  ومحمد بن القاسم الصوفي الزاهد الفقيه الذي ظهر ايام المعتصم في ( الطالقان ) وقبض عليه ابن طاهر وانفذه الى بغداد فسجن ثم فر فاخذ وقتل صبراً (2) .
  والناصر الاطروش صاحب الديلم (3) .
  والناصر الصغير الحسن بن أحمد بن الناصر الكبير أبي محمد الحسن بن علي الحسيني المقتول بآمل سنة 304 والنقيب ببغداد صاحب الناصريات في الفقه المطبوع مع عدة كتب في مجموع عرف ( بجامع الفقه ) (4) .
  وكانت والدة الشريف الرضي فاطمة من النساء البرزة الرزان ، أرضعته مع درها اماني النقابة والخلافة ، وقصت عليه مآثر ابائها المصاليت البهاليل ، وانفحته بالمال الذي احتوت عليه من آبائها ، وفي رثائها يقول الشريف ولدها :

آبـاؤك  الـغر الذين iiتفجرت      بـهم  يـنابيع مـن الـنعماء
مـن  ناصر للحق أو داع إلى      سبل  الهدى أو كاشف iiالظلماء
    نزلوا بعرعرة السنام من العلى      وعلوا  على الاثباج iiوالامطاء(5)
  كانت فاطمة والدة الشريف الرضي ، ابنة أخت زوجة معز الدولة أميرة البلاط ، وابنة خالة بختيار بن عز الدولة ، وهذه المصاهرة عقدت على حساب وتدبير ، ومن أسبابها تجليل مقام الناصر الكبير الاطروش الجد الاعلى لوالدة الشريف الرضي ، وربما كان أبو أحمد والد الشريف زوجها يعمل السعاة الذين يسرون بانباء العاصمة الى والي الاهواز معز الدولة ويعرفونه ضعف الخلافة ،

---------------------------
(1) شاعر مغمور لم اجد له ترجمة في المعاجم .
(2) أبو جعفر محمد بن علي بن عمر الحسيني العلوي الطالبي المقتول بعد 219 وكان يلقب بالصوفي لادمانه لبس ثياب من الصوف الابيض ، وهو فقيه عالم زاهد قال المسعودي : وقد انقاد الى امامته خلق كثير .
مقاتل الطالبيين / 577 . البداية والنهاية 10 / 282 . الاعلام 7 / 225 .
(3) الحسن بن علي بن الحسن بن علي العلوي الاطروش . . اعيان الشيعة 21 / 170 .
تاريخ الطبري 10 / 149 .
(4) الذريعة 20 / 370 .
(5) ديوان الشريف الرضي 1 / 20 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 11 _

ويستثيرون همته لإمتلاكها ولجلالة والدة سيدنا الشريف وكبر شأنها الف شيخنا المفيد (1) كتاب احكام النساء (2) لها فانه قال في أوله : فاني عرفت من آثار السيدة الجليلة الفاضلة ادام الله عزها جميع الاحكام التي تعم المكلفين من النساء ، وتخص النساء منهن على التمييز لهن ، ليكون ملخصا في كتاب يعتمد للدين ، ويرجع إليه فيما يثمر به العلم واليقين ، واخبرتني برغبتها ادام الله توفيقها في ذلك الخ (3).
  وعلى كل فالشريف الرضي كان بحاشيتي نسبه قابضاً على عضادتي الامامة فهو ابن الامامين زين العابدين علي بن الحسين ، وابي ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم ( عليهم السلام ) ، ومن ناحية الاعمام ولاخوال يكرع بكؤوس الفخار ويتزمل مطارف العلا وقد أثر هذا النسب الوضاح في شعره وتمشى في أدبه فيقول :
ما عذر من ضربت به أعراقه      حـتى بـلغن إلى النبي محمد
   أن  لا يـمد إلى المكارم iiباعه      ويـنال  منقطع العلا iiوالسؤدد(4)
  ومن يقرأ شعر الشريف الرضي بتأمل يعرف نفسيته وطموحه الى الخلافة واولويته بها وتباهيهه بخيمه ، وتمجده بآبائه الاكارم ، وشعره ميادين حروب ، وغمرات اجال ، وشعور ملتهب ، ونفس جائشة تتلمض للوثبة والانطلاق والتحرر كل ذلك للاغلال التى ارهق بها رهطه الانجاد والسجون التي اوصدت عليهم ، والدماء السواجم التي اراقتها سيوف الظلم والعدوان والتمادي وهذا هو الذي أودع فيه روحا متحمسة وثابة ماثلة بين عيني المتصفح لديوانه .
  ولا غرابة في ذلك بعد ان انحدر السيد الشريف من أصلاب الشرف العلوي ، ودرت عليه اخلاف المجد الهاشمي ، وبزغ في ظلال اسرة الزعامة والعظمة ، ودرج في احضان الامامة فكان لهذا أثر بليغ في ترفعه وشممه ومحاولاته وعواطفه وميوله ، حتى اوجب لنفسه الكفاية في تسنم اريكة الخلافة ، فيقول مخاطباً الخليفة العباسي القادر بالله :
عـطفاً أمير المؤمنين iiفإننا      عن دوحة العلياء لا iiنتفرق
ما  بيننا يوم الفخار iiتفاوت      أبداً كلانا في المعالي معرق

---------------------------
(1) الشيخ الاكبر أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن نعمان البغدادي المتوفى 413 ه‍ .
(2) الكتاب مرتب على ابواب أوله : الحمد لله الذي هدى العباد الى معرفته ويسر لهم سبيل . . كانت منه نسخة عتيقة في مكتبة المرحوم الشيخ عبد الحسين بن القاسم بن صالح بن القاسم الحلى المتوفى 1377 .
وكان من شيوخ الادب ومشاهير الفقهاء وله تأليف .
الذريعة 1 / 302 ، معجم رجال الفكر والادب / 137 .
(3) مستدرك الوسائل 3 / 516 .
(4) ديوان الشريف الرضي 1 / 273 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 12 _

إلا  الـخلافة ميزتك iiفإنني      انا عاطل منها وانت مطوق(1)
  فلم ينكر عليه الخليفة ولا استظهر بطيب مغرسه ، نعم رد عليه بقوله : ( على الرغم أنف الشريف ) (2) ان نفس الشريف أبية صعبة المراس ذات اتجهات واسعة في السياسة ، وكان الامراء ورجال الدولة يقدمونه على اخيه ( علم الهدى ) لما يجدون فيه من الاباء والعزة والترفع ، وعدم قبول الصلات .
  ولكنه بالرغم من ذلك كان خاضعاً لحكم عضد الدولة الشائن مع عمه وأبيه المعتقل لهما في القلعة من فارس (3) .
  وكان اعتقاله حين دخول عضد الدولة إلى بغداد سنة 367 فبقي معتقلا فيها إلى سنة 376 أي بعد وفاة عضد الدولة بأربع سنين فانه توفى سنة 372 عندما دخلها شرف الدولة ، وللشريف الرضي المولود سنة 359 يوم اعتقال أبيه ثمان سنين ، واطلق سراحه وهو ابن ست عشرة سنة (4) .
  ولما دخل شرف الدولة بغداد فاتحا سنة 375 ، انعقدت صلاته مع الطاهر ابي أحمد ، والد الشريف الرضي وأقره على النقابة وادنا قربه ، وهنا نرى الشريف الرضي في هذا الدور قلق الفكر لعدم توثق صلاته بالقادر بالله العباسي ولم يحصل على محاولاته وربما عضته نكبة في حياته السياسية ، فيثور ملتهبا وينبه اولياء الامور باهتضامه ويتوعدهم بالالتجاء إلى من يرعى حقه ويحفظ حرمته فيقول من مقطوعة له :
ألبس الذل في ديار الاعادي      وبـمصر الـخليفة iiالعلوي
  وعليها استشاط القادر ، وصرفه عن النقابة .
وظائفه في الدولة
  في سنة 388 قلده بهاء الدولة خلافته في بغداد وخلع عليه خلعاً فاخرة ، وفيها ولاه نقابة العلويين ، واما ولاية المظالم فكانت وظيفة تخص الملوك والخلفاء فانهم يجلسون يوماً خاصاً في السنة ، يؤذن فيه لارباب المظالم برفع ظلاماتهم مباشرة سواء نظر فيها القضاة أم لا ، وقد يقوم مقامهم نائب خاص ينظر في المظالم ويشترط فيه كونه من بيت شرف ومنعة وطهارة وعفاف وفقه واسع بجميع الاحكام الشرعية ، ففي سنة 388 قام الشريف الرضي بهذه الوظيفة بالنيابة عن بهاء الدولة .
  وفي سنة 397 بعث بهاء الملك من البصرة إلى بغداد مرسوماً ، بتولية الشريف امارة الحج ، وكان الشريف ممارساً لها منذ صباه تولاها في أغلب أعوام عمره نائباً عن أبيه ومستقلاً(5) .

---------------------------
(1) ديوان الشريف الرضي 2 / 544 .
(2) شرح النهج لابن ابي الحديد 1 / 11 .
(3) تجارب الامم 2 / 399 حوادث سنة 369 هـ .
(4) الشريف الرضي / 156 و 157 .
(5) الغدير 4 / 204 ، البداية والنهاية 11 / 335 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 13 _

القـابـه
  ان من العادات القديمة المنتشرة بين جميع الامم والشعوب أياً كان شكل حكومتها منح الالقاب لزعماء الدولة ، وظالماً تزلف بها رجال الحكم لرعاياهم ليصطنعوهم بها ، وقد استكان ذووا الالقاب لاولئك الذين منحوهم بها ما يخول لهم حق الرفعة على من كان عاطلاً منها .
  وعلى هذا جرت الحكومات الاسلامية في تقدير عظمائها باسداء ألقاب إليهم ، وكان الشريف الرضي ممن يحمل أسمى الالقاب التي يرمز بها إلى مقامه الفخم ، فقد لقبه بهاء الدولة في سنة 388 ( بالشريف الجليل ) في واسط ، وسيره إلى بغداد في موكب ملوكي وفي سنة 498 صدر مرسوم من واسط بتلقيبه ( بذي المنقبتين ) وفيها لقبه بهاء الدولة ( بالرضي ذي الحسبين ) وفي سنة 401 أمر الملك قوام الدين ان تكون المكاتبة مع الشريف بعنوان ( الشريف الاجل ) مضافاً إلى مخاطبته بالكنية(1).
عـلمه
  لقد كان الشريف مجيداً في العلم إلى الغاية كاجادته في الشعر غير انه لم يكثر منه كاكثاره في الشعر ، فلذلك لم يشتهر به ، وإن كتابه ( حقايق التأويل ) اكبر آية على اتقانه للفنون العلمية الدينية ومبادئها ووقوفه على اسرارها ، ولعل السبب الوحيد في قلة تأليف الشريف اشتغاله بشطر كبير من عمره بامارة الحج ، والنظر في المظالم ، ومقتضيات النقابة ، وهذه الاحوال لا تتفق مع التأليف والبحث ، اضف إلى ذلك شغل الوقت بالنظم في الاعياد والمواسم السنوية وما يتفق في العام الواحد من مراث وتهان ومعاتبات .
  ومع هذا فانا نعرف من شهادة ابن جني ، والسيرافي ، بأنه متوقد الذكاء جيد الحفظ سريع الانتقال ولما تتم له العشرون سنة حضر عند ابن السيرافي النحوي ، وله دون العشرة فقال له يوماً : إذا قلنا رأيت عمر فما علامة النصب في عمر ؟ فقال الشريف على البديهة : علامة النصب بغض علي ، فتعجب ابن السيرافي ومن حضر من سرعة انتقاله وهو بهذا السن (2) .
  ومحاوراته مع أخيه المرتضى تشهد بفقاهة الشريف ومعرفته بطرق الاستدلال والاجتهاد ، قال الشهيد الاول(3) في ( الذكرى ) (4) ، والشهيد الثاني(5)

---------------------------
(1) الغدير 4 / 204 .
(2) وفيات الاعيان 1 / 107 ط حجر ايران .
(3) شمس الملة والدين الامام الشيخ محمد بن جمال الدين مكي بن محمد بن حامد بن أحمد العاملي النبطي الجزيني المستشهد سنة 786 وهو اول من اشتهر بهذا اللقب .
شهداء الفضيلة / 97 ـ 80 .
(4) ذكرى الشيعة في احكام الشريعة .
في الفقه خرج منه كتاب الطهارة والصلاة بعد مقدمة فيها سبع اشارات في المباحث الاصولية .
وللفقهاء عليه حواش وشروح وقد طبع الكتاب في ايران عام 1271 حجر .
الذريعة 6 / 86 و 10 / 40 .
(5) الشيخ الامام شرف الاسلام زين الدين بن الامام نور الدين علي بن احمد بن محمد بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح الجبعي العاملي المستشهد 965 والمعروف لدى فقهاء الامامية بالشهيد الثاني .
له تصانيف كثيرة وديوان شعر ، شهداء الفضيلة / 132 ـ 164 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 14 _

في ( روض الجنان )(1) سأل الرضي ، أخاه المرتضى ، فقال : ان الاجماع واقع على ان من صلى صلاة لا يعلم احكامها فهي غير مجزية فأجاب المرتضى : بجواز تغيير الحكم الشرعي بسبب الجهل .
  فهذه المناظرة تدل بأن له قوة في الاستدلال وملكة راسخة في الاستنتاج .
دارالعـلم
  اتخذ الشريف الرضي لتلامذته مدرسة سماها ( دار العلم ) وارصد لها مخزنا فيه ما يحتاجه الطلاب ، وذكر شاهدا له ان الوزير المهلبي لما بلغه ولادة ولد للشريف ارسل إليه الف دينار فردها ، فبعث إليه الوزير ان هذا للقابلة فارجعها ثانيا يعلمه : أنا أهل بيت لم تكن قوابلنا غريبة ، وانما هي من عجائزنا ولا يأخذن اجرة ولا يقبلن صلة ، فاعلمه الوزير برغبته في تفريقه على ملازميه من طلاب العلم ، فقال الشريف : لمن رجع المال انهم حضور يسمعون كلامك ، فقام أحدهم وأخذ دينارا وقطع منه قطعة ورد الباقي ، وأخبر الشريف بانه احتاج ليلة إلى دهن السراج ولم يكن الخازن حاضرا وقد اقترض هذا المقدار فأمر السيد أعلى الله مقامه ، أن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد التلاميذ ولا ينتظر الخازن (2) .
  وفي هذه الدار كان الشريف يلقي على التلاميذ افاداته ودروسه يوميا متتابعة لا يشغله عن ذلك وظائف الدولة من النقابة وغيرها ، ولم يتعلل بزيارة زائر أو مدح خليفة أو قصيدة في حميم فان هذا كله نقض لهمم الطلاب وفت في عزيمتهم .
  على ان دار العلم لم تكن مدرسة فقط بل هي مكتبة ايضا فيها من امهات الكتب ما يحتاج إليه القاطن في المدرسة وغيره ، فهي كبيت الحكمة المؤسس للرشيد ، والمكتبة الحديثة التي انشأها وزير شرف الدولة البويهي ابو نصر سابور بن ازدشير سنة 381 وكان أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري خازن ( دار العلم ) ولعبد السلام هذا مجمع علمي خاص ببغداد ينعقد يوم الجمعة من كل اسبوع .
اساتـذته
  قرأ الشريف على جماعة كثيرة منهم :
1 ـ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي قرأ عليه ( مختصر الطحاوي ) في الفقه(3).
2 ـ أبو الحسن علي بن عيسى الربعي البغدادي النحوي المتوفى 420 قرأ عليه النحو(4).
3 ـ أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي مات 392 قرأ عليه ( مختصر الجرمي ) ، وقطعة من ( ايضاح ) ابي علي الفارسي ، و ( العروض ) لابي اسحاق الزجاج ، و ( القوافي ) للاخفش(5).
4 ـ ابن السيرافي النحوي ابو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان المتوفى 368 قرأ عليه النحو قبل ان تتم له العشرة (6) .
5 ـ ابن نباتة ابو يحيى عبد الرحيم بن محمد المتوفى 394 صاحب ( الخطب )(7).

---------------------------
(1)روض الجنان في شرح ارشاد الاذهان . . كتاب في الفقه خرج منه موضوع الطهارة والصلاة اوله : الحمد لله المتفضل بشرح معالم شريعته لارشاد الانام المتطول بارسال الرسل . . طبع في ايران سنة 1307 .
الذريعة 11 / 275 .
(2) روضات الجنات 6 / 194 ، عمدة الطالب / 199 .
(3) المجازات النبوية / 92 ، فصلنا القول عن شيوخه في كتابنا ( الشريف الرضي ) .
(4) المجازات النبوية / 250 .
(5) حقائق التأويل / 85 و 86 ، الغدير 4 / 184 .
(6) الغدير 4 / 183 .
(7) المجازات النبوية / 233 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 15 _

6 ـ قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد الشافعي المعتزلي ، قرأ عليه كتابه ( شرح الاصول الخمس ) ، وكتابه ( العمدة ) في اصول الفقه (1).
7 ـ أبو حفص عمر بن ابراهيم الكناني ، صاحب ابن مجاهد قرأ عليه ( القراءات ) بروايات كثيرة (2) .
8 ـ أبو إسحاق ابراهيم بن احمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي قرأ عليه ( القرآن المجيد ) وهو شاب (3) .
9 ـ شيخ الامة وفقيه الطائفة ومتكلمهم الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي المتوفى 413 .
   وكان السبب في ملازمته مع أخيه علم الهدى له ما يحدث عنه المؤرخون وهو :
  عن فخار بن معد الموسوي ، قال : رأى الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الفقيه الامامي في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين ( عليهما السلام ) صغيرين ، وقالت له : علمهما الفقه فانتبه متعجباً من ذلك ، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا ، دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها ، وبين يديها ابناها محمد الرضي ، وعلي المرتضى صغيرين فقام إليها وسلم عليها ، فقالت : أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه ، فبكى أبو عبد الله وقص عليها المنام وتولى تعليمهما ، وأنعم الله عليهما ، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا ، وهو باق ما بقي الدهر (4) .
  ولا غرابة في ذلك بعد ان كانت والدتهما من أشراف النساء ، وسليلة آبائها علماء ادباء وملوك ، ولاجلها صنف الشيخ المفيد رسالة في احكام النساء ، وكان مجيؤها إلى المفيد بولديها أيام إعتقال أبيهما ، وعمهما بالقلعة من فارس ، وهما صغيران حينئذ ، وللرضي ثمان سنين .
10 ـ وكان ممن يروي عنهم أبو محمد هاون بن موسى التلعكبري المتوفى 385 وذكر في ( مؤسسة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ـ المكتبة العامة ـ مكتبة التاريخ والسيرة الإسلامية ـ خصائص أمير المؤمنين( عليه السلام ) ) عنه حديث امير المؤمنين مع كميل بن زياد وهو طويل (5) .

---------------------------
(1)الغدير 4 / 184 ، المجازات النبوية / 233 .
(2) المجازات النبوية / 155 ، الغدير 4 / 185 .
(3) الغدير 4 / 185 ، المنتظم 7 / 223 .
(4) الدرجات الرفيعة / 466 .
شرح ابن ابي الحديد 1 / 13 ، الغدير 4 / 184 ، دار السلام 1 / 417 .
(5) وذكر شيخنا الحجة العلامة الاميني كرم الله وجهه شيوخاً آخرين للسيد الرضي غير من ذكرناهم وهم : ابو علي الحسن بن احمد الفارسي النحوي المتوفى 377 وله منه اجازة يروي عنه في كتابه المجازات النبوية .
أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني الخراساني المتوفى 384 / 378 .
ابو القاسم عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجراح . . . شيخه في الحديث كما في المجازات النبوية / 153 ، ابو محمد عبد الله بن محمد الاسدي الاكفاني .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 16 _

  ولسنا في حاجة إلى تعداد تلاميذه بعد أن عرفنا مدرسته ( دار العلم ) تحتوي على عدد كثير ممن يقطن هذه الدار للافادة منه والاستضاءة بانوار علومه وتحقيقاته نعم : هنا شيء لابد من التنبيه عليه ، وهو ان صاحب ( روضات الجنات )(1) ذكر رواية الشيخ الطوسي عن الشريف الرضي ، وقد عرفنا الميرزا النوري ان السيد الرضي توفى سنة 406 وقدوم الشيخ الطوسي إلى العراق سنة 408 فيكون ورود الشيخ الطوسي إلى العراق بعد وفاة السيد الرضي بأربع سنين فلم يدركه حتى يروي عنه ، واحتمال مسافرة الشريف إلى طوس واجتماعه بالشيخ الطوسي هنا بعيد ، إذ لم يذكره أحد من أرباب التراجم ولا نبه عليه المؤرخون مع ان الشريف في اكثر ايام سنيه كان مشغولاً بإمر النقابة وولاية المظالم وإمارة الحج (2) .

آثـاره
  للشريف الرضي مؤلفات كثيرة مفعمة بالتحقيق والبحث مع قصر المدة التي تمكن فيها من ذلك الانتاج ، فان عمره كله 47 سنة قضى اكثره في مزاولة وظائف الدولة والقاء دروسه ومحاضراته في مدرسته ( دار العلم ) وقرضه الشعر ، ومحاولاته السياسية ومجاملاته مع الخلفاء والملوك ، فما بقى إلا النزر من ايامه خصوصاً بعد إخراج سني الطفولة من تلك القائمة فهاهنا تعرف ان انتاج الشريف لتلك المؤلفات القيمة إٍعجاز ، وهذا ما وصل إلينا من مؤلفاته :
1 ـ ( نهج البلاغة ) جمع فيه ما إختاره من خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وحكمه ، ورسائله ، وأشار إليه في المجازات النبوية ص 40 طبعة مصر (3) .
2 ـ ( تلخيص البيان عن مجاز القرآن ) قال ابن خلكان فيه : إنه نادر في بابه ، وأشار إليه الشريف في المجازات النبوية ص 20 ط مصر وطبع في بغداد سنة 1328 .
3 ـ ( المجازات النبوية ) من انفس المؤلفات في هذا الشأن طبع أولا سنة 1428 ببغداد وثانياً سنة 1356 في مصر .
4 ـ ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل ) : وهو تفسيره ذكره في كتابه ـ المجازات النبوية ـ وعبر عنه تارة بحقائق التأويل ، واخرى بالكتاب الكبير في متشابه القرآن .
  وعبر عنه النجاشي بحقائق التنزيل ، وصاحب عمدة الطالب بكتاب المتشابه في القرآن .
5 ـ ( الزيادات في شعر ابي تمام ) .
6 ـ ( اخبار قضاة بغداد ) .
7 ـ ( تعليق خلاف الفقهاء ) .
8 ـ ( تعليق على الإيضاح ) لإبي علي الفارسي .

---------------------------
(1) روضات الجنات 6 / 190 .
(2) مستدرك الوسائل 3 / 510 .
(3) لقد توالت عليه الشروح منذ عهد قريب من عصر المترجم له بما يربو على السبعين شرحاً تجده في الغدير 4 / 186 ـ 193 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 17 _

9 ـ ما دار بينه وبين الصابي من الرسائل والشعر .
10 ـ ( المختار من شعر أبي إسحاق الصابي ) .
11 ـ ( المختار من شعر ابن الحجاج ) سماه : ( الحسن من شعر الحسين ) .
12 ـ رسائله ثلاث مجلدات ذكر في ( الدرجات الرفيعة ) بعضها ونشرت مجلة العرفان بعضها .
13 ـ ( سيرة والده الطاهر أبي احمد ) ألفه سنة 379 .
14 ـ ( معاني القرآن ) ، وهو كتابه الثالث في القرآن .
15 ـ ( الزيادات ) في شعر إبن الحجاج المذكور .
16 ـ ( انشراح الصدر ) في مختارات من الشعر .
17 ـ ( طيف الخيال ) .
18 ـ ديوان شعر يقع في مجلدين طبع في مصر ولبنان .
19 ـ ( خصائص الائمة ) ـ مؤسسة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ـ المكتبة العامة ـ مكتبة التاريخ والسيرة الإسلامية ـ خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهو الكتاب الذي بين يديك .
  وقد ذكرت هذه الكتب في ( رجال النجاشي ) / 283 و( روضات الجنات ) 6 / 194 ، و ( الغدير ) 4 / 198 ، و ( كشف الظنون ) 1 / 523 ومصادر ترجمة الشريف الرضي .

وفاة الشريف
  توفي الشريف الرضي بكرة يوم الاحد سادس المحرم سنة 406 ببغداد ، وعمره 47 سنة وولادته كانت سنة 359 ببغداد ، ودفن في دار بالكرخ بخط مسجد الانباريين(1)وحضره الوزير فخر الملك أبو غالب ، وجميع الاشراف والقضاة ، والشهود ، والاعيان ، وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة أمهم أبو عبد الله بن المهلوس العلوي ، ثم دخل الناس أفواجا فصلوا عليه ، وركب فخر الملك في آخر النهار فعزى المرتضى والزمه إلى داره ففعل لانه من جزعه عليه لم يستطع النظر إلى تابوته ومضى إلى مشهد موسى بن جعفر ( عليه السلام )(2) .

---------------------------
(1) ينسب إليهم لكثرة من سكنه منهم .
(2) الغدير 4 / 210 ، المنتظم 7 / 283 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 18 _

   واستغرب العلامة النوري عدم صلاة الشيخ المفيد عليه ، وهو شيخ الطائفة وعلم الامة ، قال : إلا ان يكون ذاهباً إلى زيارة الحسين ( عليه السلام ) لانها أيام عاشوراء ، ثم نقل الشريف إلى كربلاء ودفن عند أبيه الطاهر ابي احمد ، نص عليه السيد الداودي في ( عمدة الطالب ) ص ( 200 ) ، والسيد علي خان في الدرجات الرفيعة بترجمة الرضي ، والشيخ الجليل الشيخ يوسف البحراني في ( لؤلؤة البحرين ص 197 ، والسيد بحر العلوم في ( رجاله ) بترجمة السيد المرتضى قال : الظاهر أن قبر السيد علم الهدى ، وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب الذي هو جد المرتضى ، وابن الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، وذكر العلامة الحجة المتتبع السيد حسن الصدر الكاظمي في رسالته ( نزهة أهل الحرمين ) حاكياً عن مشجرة النسابة العبيد جمال الدين أحمد بن المهنا ، أن قبر إبراهيم المجاب ، خلف قبر الحسين ( عليه السلام ) بستة اذرع .
  ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر الحسيني المقدس وهذا قريب إلى الاعتبار لان بنى ابراهيم المجاب قطنوا كربلاء وجاوروا الامام السبط ( عليه السلام ) فاتخذ بنوه تربته مدفناً لهم وكان من قطن منهم بغداد والبصرة ونقلوا إلى كربلاء بعد موتهم ، وكانت تولية تلك التربة المقدسة بيدهم وما كان يدفن فيها أي أحد إلا باجازة منهم (1).

أبو الرضا الراوندي
  ضياء الدين السيد فضل الله بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن محمد بن الحسن بن جعفر بن ابراهيم بن جعفر بن الحسن المثنى إبن الامام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .
  كان علامة زمانه ، وعميد أقرانه جمع إلى علو النسب كمال الفضل والحسب ، وكان استاذ أئمة عصره ، ورئيس علماء دهره ، وهو من أساتيذ ابن شهر اشوب ، والشيخ محمد بن الحسن الطوسي والد الخواجه نصير الدين الطوسي ، ومن تلاميذ الشيخ أبي علي ابن شيخ الطائفة الطوسي .
  روى عن الشيخ العلامة أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، وأبي علي الحداد ، والشيخ أبي جعفر النيسابوري ، وأبي الفتح بن أبي الفضل الاخشيدي ، وخلق آخرين من الشيعة والسنة كما روى عنه أكثر أهل عصره ، وله تصانيف ووشروح في مختلف المواضيع والبحوث .
  قال أبو سعيد السمعاني الشافعي في كتابه ( الانساب ) : اني لما وصلت إلى كاشان قصدت زيارة السيد أبي الرضا ضياء الدين فلما انتهيت إلى داره ، وقفت على الباب هنيهة أنتظر خروجه فرأيت مكتوباً على طراز الباب هذه الآية المشعرة بطهارته وتقواه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فلما إجتمعت به رأيت منه فوق ما كنت أسمعه عنه ، وسمعت منه جملة من الاحاديث ، وكتبت عنه مقاطيع من شعره ،

---------------------------
(1) مصادر ترجمة الشريف الرضي .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 19 _

  ومن جملة أشعاره التي كتبها لي بخطه الشريف هذه الابيات :
هل لك يا مغرور من زاجر      أو  حاجز عن جهلك الغامر
امـس تقضى وغد لم iiيجئ      واليوم يمضي لمحة الباصر
فـذلك الـعمر كذا iiينقضي      مـا  أشبه الماضي iiبالغابر
  ترجم له في :
  أعيان الشيعة 42 / 296 .
  أمل الآمل 2 / 217 .
  الانساب / ورقة 181 .
  تنقيح المقال 2 / 13 .   الدرجات الرفيعة / 506 .
  روضات الجنات 5 / 365 .
  تأسيس الشيعة / 181 .
  ريحانة الادب 4 / 9 .
  فوائد الرضوية / 354 .
  الكنى والالقاب 2 / 435 .
  مجالس المؤمنين 1 / 526 .
  مستدرك الوسائل 3 / 493 .
  منتهى المقال / 242 .
  هدية الاحباب / 190 .
  جامع الرواة 2 / 9 .
  راهنماي دانشوران 1 / 373 هدية العارفين 1 / 821 .
  الغدير 4 / 186 .
  الثقات العيون / 217 .
  الذريعة 9 ق 2 / 352 .
  رياض العلماء 4 / 364 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 20 _

بسم الله الرحمن الرحيم

  كنت ـ حفظ الله عليك دينك ، وقوى في عليي ولاء العترة الطاهرة يقينك ـ سألتني أن أصنف لك كتابا يشتمل على خصائص أخبار الائمة ( الاثنى عشر صلوات الله عليهم ، وبركاته ، وحنانه ، وتحياته ) على ترتيب ايامهم وتدريج طبقاتهم ، ذاكراً أوقات مواليدهم ، ومدد أعمارهم ، وتواريخ وفاتهم ، ومواضع قبورهم ، وأسامي أمهاتهم ، ومختصراً من فضل زياراتهم ، ثم مورداً طرفاً من جوابات المسائل التي سئلوا عنها ، واستخرجت أقاويلهم فيها ، ولمعا من أسرار أحاديثهم ، وظواهر وبواطن أعلامهم ، ونبذاً من الاحتجاج في النص عليهم ، وحقيقة البرهان في الاشارة إليهم ، موضحاً من ذلك ما يزيد به الولي المخلص إخلاصا في موالاتهم ، وصفاء عقد في محبتهم ، ويصدع عن عين عدوهم العمى ، ويكشف عن قلبه الغمى ، حتى يستشف أنوارهم فيسعوا إليها ، ويستوضح أعلامهم فيتتبعها ، ويقتفيها سالكاً في جميع ذلك طريق الاختصار ، ومائلاً عن جانب الاكثار ، لان مناقب موالينا الطاهرين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، لا تحصى بالعدد ، ولا تقف عند حد ، ولا يجري بها إلى أمد ، فإني أعتقد أن جميع أعداد هؤلاء الغرر الذين هم قواعد الاسلام ، ومصابيح الظلام ، والذين خفض الله الخلق عن منازلهم ، وقصر الالسن والايدي عن تناولهم ، وميز بين العالم وبينهم ، وأماط(1) العيب والعار عنهم ، بين مغموس القلب في الجهالة ، ومطروف العين بالضلالة ، لا يفيق من سكرة الهوى ، فيتبين الطريقة المثلى ، وبين عالم بفضلهم ، خابر بطيب فرعهم ، وأصلهم ، يكتم معرفته معاندة ، ويغالط نفسه مكايدة ، ترجيبا (2)لغرس قد غرسه ، وتوطيدا لبناء قد أسسه ، وتنفيقا قد قامت له ، وائتجارا (3) لجماعة قد إلتفت عليه .
  وكل ذلك طلبا لحطام هذه الدنيا ، الوبيل مرتعها ، الممر مشربها ، المنغص نعيمها ، وسرورها ، المظلم ضياؤها ونورها ، الصائرة بأهلها إلى أخشن المصارع ، بعد ألين المضاجع ، والناقلة لهم إلى أفزع المنازل ، بعد أمن المعاقل ، على قرب من المعاد ، وعدم من الزاد ، ثم تتقلب بهم إلى حيث ( تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًاً ) (4).

---------------------------
(1) أماط : أذهب ، أزال .
(2) الترجيب : يدل على دعم شيء بشيء وتقويته .
المقاييس 2 / 495 .
(3) في الاصل : اتجراراً .
وفي المطبوعة : استجراراً ، والصواب ما اثبتناه .
(4) سورة آل عمران / 3 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 21 _

  فعاقني عن إجابتك ـ إلى ملتمسك ـ مالا يزال يعوق من نوائب الزمان ، ومعارضات الايام إلى ان أنهضني إلى ذلك اتفا اتفق لي فاستثار حميتي ، وقوى نيتي ، واستخرج نشاطي وقدح زنادي ، وذلك أن بعض الرؤساء ـ ممن غرضه القدح في صفاتي ، والغمز لقناتي ، والتغطية على مناقبي ، والدلالة على مثلبة ـ إن كانت لي ـ لقيني ، وأنا متوجه عشية عرفة من سنة ثلاث وثمانين هجرية ، إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي جعفر محمد بن علي بن موسى ( عليهما السلام ) ، للتعريف هناك ، فسألني عن متوجهي فذكرت له إلى أين مقصدي ، فقال لي : متى كان ذلك ؟ يعني ان جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف ، والبرائة ممن قال بالقطع ، وهو عارف بان الامامة مذهبي ، وعليها عقدي ومعتقدي ، وإنما أراد التنكيت لي ، والطعن على ديني ، فأجبته في الحال بما إقتضاه كلامه ، واستدعاه خطابه ، وعدت وقد قوى عزمي ، على عمل هذا الكتاب إعلانا لمذهبي ، وكشفاً عن مغيبي ، ورداً على العدو الذي يتطلب عيبي ، ويروم ذمي وقصبي ، وأنا بعون الله مبتدئ بما ذكرته على الترتيب الذي شرطته ، والله المنقذ من الضلال ، والهادي إلى سبيل الرشاد .
  وهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير .

خصائص مولانا أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
  ولد ( عليه السلام ) بمكة في البيت الحرام لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو اول هاشمي في الاسلام ، ولده هاشمي مرتين ولا نعلم مولود ولد في الكعبة غيره(1).
  وقبض ( عليه السلام ) قتيلاً بالكوفة ، ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان ، سنة أربعين من الهجرة ، وله يومئذ ثلاث وستون سنة على الرواية الصحيحة ، وكان بقاؤه مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثاً وثلاثين سنة ، وكونه بعده حجة الله في أرضه ثلاثين سنة ، ونقش خاتمه ـ وهو عقيق أحمر ـ الله الملك وعلي عبده ، ويقال : الملك لله(2) .
  واختلف الناس في موضع قبره ، فقال قوم في رحبة القضاء ، وقال قوم : في دار الامارة ، وقال قوم : حمل إلى المدينة ، والصحيح الذي لا شك فيه ، ولا لبس عليه انه ( عليه السلام ) بالغري (3) من نجف الكوفة ، ومما يدل على ذلك أن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، زاره في هذا الموضع لما أشخصه المنصور إليه .

---------------------------
(1) الغدير 6 / 22 ـ ولادة علي ( عليه السلام ) في الكعبة ـ .
(2) مناقب ابن شهر اشوب 3 / 301 .
(3) أعلام الورى / 202 .
الارشاد / 19 .
فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في النجف .