فضل زيارته عليه السلام
روي عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنه قال : من زار علياً بعد وفاته فله الجنة
(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : إن أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لإمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
وقال ( عليه السلام ) : من ترك زيارة امير المؤمنين ( عليه السلام ) لم ينظر الله تعالى إليه ، ألا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون ( عليهم السلام ) ، إن امير المؤمنين ( عليه السلام ) أفضل من كل الائمة ، وله مثل ثواب أعمالهم ، وعلى قدر أعمالهم فضلوا
(2).
طرف من الاحتجاج للنص عليه ، ( عليه السلام )
مما يدل على ذلك أن الشيعة جماعة كثيرة لا يحصرهم العدد ، ولا يشتمل عليهم بلد ، وقد طبقوا البلدان ، وملؤا الاقطار ، وساروا شرقاً وغرباً وانتشروا براً وبحراً ، على اختلاف أوطانهم ، وتباعد ديارهم ، وتفاوت هممهم ، وأهوائهم ، وتباين أقاويلهم وآرائهم ، وانتفاء الاسباب الموجبة للشك ، والوقوف في خبرهم ، وفيهم مع ذلك عدد كثير ، وجم غفير ، من أهل بيت النبي ( عليه السلام ) ، وذريه وأصحابه ومواليه ، ينقلون نقلاً متصلاً متواتراً ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قد إستخلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، على امته بعد وفاته ، ونص عليه ، وفرض طاعته في أمر الدين كله ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فعل ذلك ظاهراً مكشوفاً ، فوجب قبول هذا الخبر علما ويقينا .
فإن قال قائل : إنهم إنما كثروا الآن ، وان اولهم كان قليلا ، وسلفهم كان يسيراً مغموراً ، قيل له : ما الفضل بينك وبين من احتج عليك بمثله من الملحدين ، وسائر المخالفين ؟ فقال : إن آيات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لا تصح لان عدد المسلمين الناقلين لها كان قليلاً في الاول ، وإنما كثر الآن فلا تجد بينهما فصلاً .
---------------------------
(1) كامل الزيارات / 38 .
(2) المصدر السابق بسنده عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن حمدان بن سليمان النيشابوري ، عن عبد الله بن محمد اليماني ، عن منيع بن الحجاج ، عن يونس عن أبي وهب البصري عن أبي عبد الله الصادق .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 23 _
فصل فيما روي من الاشعار في نص النبي (ص) على أمير المؤمنين (ع) والصلاة في يوم الغدير
فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار أن حسان بن ثابت الانصاري
(1)إستأذن النبي ( عليه السلام ) ، يوم الغدير بعد فراغه من المقام أن يقول شعراً في ذلك ، فأذن له فأنشأ يقول :
يـناديهم يـوم الـغدير نبيهم بـخم وأسمع بالرسول iiمناديا فـقال : فـمن مولاكم iiووليكم فقالوا : ولم يبدوا هناك التعاديا اِلـهك مـولانا ، وانت iiولينا ولـم تر منا في المقالة عاصيا فـقال لـه : قم يا علي iiفإنني رضيتك من بعدي إماماً iiوهاديا فـمن كـنت مولاه فهذا iiوليه فكونوا له أنصار صدق iiمواليا هـناك دعـا اللهم وال ولـيه وكـن للذي عادى علياً iiمعاديا |
فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك
(2).
وإتفق حملة الاخبار على نقل شعر قيس بن عبادة
(3) وهو ينشده بين يدي
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، بعد رجوعه من البصرة في
---------------------------
(1) ابو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر المتوفى 54 | 55 عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الاسلام .
(2) الغدير 2 / 39 ـ 34 .
(3) سيد الخزرج قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الانصاري مات في آخر خلافة معاوية وقيل سنة 59 / 60 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 24 _
قصيدته التي أولها :
قـلت لـما بـغى العدو iiعلينا حـسبنا ربـنا ونـعم iiالـوكيل حـسـبنا ربـنا الـذي iiفـتح البصرة بالامس والحديث طويل |
إلى أن بلغ فيها إلى قوله :
وعـلـي إمـامـاً iiوإمـام لـسوانا أتـى بـه iiالتنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه فـهذا مـولاه خـطب جليل إنـما قـاله النبي على الامة حـتم مـا فيه قال iiوقيل (1) |
هذان الشاعران
(2) صحابيان شهدا بالامامة لامير المؤمنين ( عليه السلام ) شهادة من حضر هذا المشهد ، وعرف المصدر والمورد .
ثم هذا الكميت بن زيد الاسدي
(3) وهو غير مشكوك في فصاحته ، ومعرفته بالعربية يقول :
ويوم الدوح دوح غدير iiخم أبـان لـه الولاية لو اطيعا ولـكن الـرجال iiتبايعوها فلم أر مثلها خطراً منيعا (4) |
---------------------------
(1) الغدير 2 / 67 .
(2) حسان بن ثابت ، وقيس بن سعد بن عبادة .
(3) ابو المستهل الكميت بن زيد بن خنيس الاسدي المقتول 126 من كبار شعراء العربية .
(4) ديوان الهاشميات / 18 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 25 _
قـالوا له لو شئت iiأعلمتنا لـى مـن الغاية iiوالمفزعُ فـقام فـي خم النبي iiالذي كـان بـما قيل له iiيصدع فـقال مـأموراً وفـي iiكفه كـفه عـلي لـهم iiتـلمع مـن كـنت مولاه فهذا iiله مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا |
وعلى ذكر هذه الابيات فإني مورد حديثاً طريفاً سمعته في معناه وهو متعلق بها . . . حكي أن زيد
(1)بن موسى بن جعفر بن محمد ( عليهم السلام ) ، رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام كأنه جالس مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، في موضع عال شبيه بالمسناة ، وعليها مراق ، فإذا منشد ينشد قصيدة السيد بن محمد الحميري هذه ، واولها :
لام عمرو باللوى مربع طامسة أعلامه بلقع (2) |
---------------------------
(1) هذه الحكاية عن زيد غير معروفة بين أهل الاثر ، والمعروف ما ذكره المجلسي في البحار باب مدائح الصادق ( عليه السلام ) المجلد 47 / 328 بما لفظه : وجدت في تأليفات بعض أصحابنا أنه روي بإسناده عن سهل بن ذبيان قال : دخلت على الامام علي بن موسى الرضا ( عليهم السلام ) في بعض الايام قبل أن يدخل أحد من الناس فقال لي : مرحباً بك يا ابن ذبيان ، الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا .
فقلت : لماذا يا ابن رسول الله ؟ فقال : لمنام رأيته البارحة وقد أزعجني وأقلقني ، فقلت : خيراً يكون إن شاء الله تعالى ، فقال يا ابن ذبيان : رأيت كأني نصب لي سلم فيه مائة مرقاة ، فصعدت إلى أعلاه : فقلت يا مولاي : اهنيك بطول العمر ، وربما تعيش مائة سنة لكل مرقاة سنة ، فقال ( عليه السلام ) : ما شاء الله كان .
ثم قال : فلما صعدت رأيت كأني دخلت في قبة خضراء ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، ورأيت جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جالساً فيها ، وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان ، يشرق النور من وجههما ، ورأيت إمراة بهية الخلقة ، وبين يديه شخصاً بهي الخلقة جالساً عنده ، ورأيت رجلاً واقفاً وهو يقرأ : لام عمرو باللوى مربع . . فلما رآني النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : مرحباً بك يا ولدي يا علي بن موسى الرضا ، سلم على أبيك وأمك فاطمة ، وعلى أبويك الحسن ، والحسين ( عليهم السلام ) ، فسلمت ، قال : وسلم على شاعرنا ومادحنا السيد إسماعيل الحميري ، فسلمت وجلست ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عد إلى ما كنا فيه ، فلما أنشده لام عمرو . . الخ بكى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولما قال : ووجهه كالشمس إذ تطلع . . . بكى النبي ومن معه ، ولما بلغ إلى قوله : قالوا له لو شئت أعلمتنا . . قال : وأشار بيده إلى علي وقال : آلهي أنت الشاهد اني قد أعلمتهم أن الغاية والمفزع علي بن أبي طالب .
ولما فرغ من القصيدة إلتفت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلي ، وقال : يا علي بن موسى إحفظ هذه القصيدة ، ومر شيعتنا بحفظها ، واعلمهم أن من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له على الله الجنة ، قال الرضا ( عليه السلام ) : ولم يزل يكررها حتى حفظتها منه ، والقصيدة هذه ثم ذكرها برمتها .
هذا المنام جاء بكامله في كتاب مجالس المؤمنين 2 / 502 .
منتهى المقال / 142 ، تنقيح المقال 1 / 142 ، أعيان الشيعة 13 / 170 ، الغدير 2 / 222 ، أخبار السيد الحميري / 35 .
(2) الغدير 2 / 219 /اخبار السيد الحميري / 31 ، الاغاني 7 / 240 ، وقد شرح هذه العينية جمع من اعلام الطائفة كما خمسها جمع من العلماء والادباء .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 26 _
حتى إنتهى إلى قوله :
قالوا له لو شئت أعلمتنا إلى من الغاية iiوالمفزع |
قال : فنظر رسول الله إلى أمير المؤمنين ( صلوات الله عليهما ) ، وتبسم ثم قال : أولم أعلمهم ؟ أولم أعلمهم ؟ أولم أعلمهم ؟ ثلاثاً ، ثم قال لزيد : إنك تعيش بعدد كل مرقاة رقيتها سنة واحدة ، قال : فعددت المراقي فكانت نيفاً وتسعين مرقاة ، فعاش زيد نيفاً وتسعين سنة .
وهو الملقب بزيد النار ، وانما سمي بذلك لانه لما غلب على البصرة أحرق نفراً من أهلها ، وأسواقاً كثيرة منها
(1) .
وما اشد إستحساني لجواب كان بعض المتقدمين من الشيعة يجيب به من سأله عن قعود أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وتركه طلب الامر ، ودعاء الناس إلى نفسه ، وهو أنه كان يقول : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان في هذا الامر فريضة ، من فرائض الله تعالى أداها نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى قومه ، مثل الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، وليس على الفرائض أن تدعوهم إلى أنفسها ، وتحثهم على طلبها ، وإنما عليهم أن يجيبوها ، ويسارعوا إليها ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذا الامر أعذر من هارون لان موسى ( عليه السلام ) لما ذهب إلى الميقات ، قال لهارون : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ )
(2) .
فجعله رقيباً عليهم وزعيما لهم ، وأن نبي الله تعالى ( صلى الله عليه وآله ) نصب علياً ( عليه السلام ) لهذه الامة علماً ، ودعاهم إليه وحضهم عليه ، فعلي ( عليه السلام ) في عذر من لزوم بيته ، وإرخاء ستره ، والناس في حرج حتى يخرجوه من مكمنه ، ويستثيروه من مربضه ، ويضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
ومن أعلامه ودلائله ( عليه السلام )
معجزته ( عليه السلام ) مع الخارجي:
على الاختصار منها ، والاقتصار على بعضها ، فلو أني نشرت ما طويت منها لرماني الناس بيد واحدة عن قوس واحدة ، وكذلك أنا في أخبار سائر الائمة ( عليهم السلام ) .
روي إن أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) كان جالساً في المسجد إذ دخل عليه رجلان فاختصما إليه ، وكان أحدهما من الخوارج ، فتوجه الحكم إلى الخارجي فحكم عليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال له الخارجي : والله ما حكمت بالسوية ولا عدلت في القضية ، وما قضيتك عند الله تعالى بمرضية ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأومأ إليه إخسأ عدو الله ، فاستحال كلباً أسود ، فقال من حضره : فوالله لقد رأينا ثيابه تطاير عنه في الهواء ، وجعل يبصبص لامير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ودمعت عيناه في وجهه ، ورأينِا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقد رق فلحظ السماء ، وحرك شفتيه بكلام ، لم نسمعه فوالله لقد رأيناه وقد عاد إلى حال الانسانية ، وتراجعت ثيابه من الهواء ، حتى سقطت على كتفيه ، فرأيناه وقد خرج من المسجد ، وان رجليه لتضطربان .
فبهتنا ننظر إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال لنا : ما لكم تنظرون وتعجبون ؟ فقلنا يا أمير المؤمنين : كيف لا نتعجب وقد صنعت ما صنعت .
فقال : أما تعلمون أن آصف بن برخيا ، وصي سليمان بن داود ( عليهما السلام ) قد صنع ما هو قريب من هذا الامر فقص الله جل أسمه قصته حيث
---------------------------
(1)تنقيح المقال 1 / 471 ، مقاتل الطالبيين ، 534 ، جمهرة انساب العرب / 64 ، الاعلام 3 / 102 .
(2) سورة الاعراف / 142 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 27 _
يقول : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ، قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ) إلى آخر الآية
(1).
فأيما أكرم على الله نبيكم أم سليمان ( عليهما السلام ) ؟ فقالوا : بل نبينا
( عليه السلام ) أكرم يا أمير المؤمنين قال : فوصي نبيكم أكرم من وصي سليمان وإنما كان عند وصي سليمان ( عليهما السلام ) من إسم الله الاعظم حرف واحد ، فسأل الله جل إسمه فخسف له الارض ما بينه وبين سرير بلقيس فتناوله في أقل من طرف العين ، وعندنا من إسم الله الاعظم إثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله تعالى إستأثر به دون خلقه .
فقالوا له يا أمير المؤمنين : فإذا كان هذا عندك فما حاجتك إلى الانصار في قتال معاوية وغيره ، واستنفارك الناس إلى حربه ثانية ؟ فقال : ( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ )
(2) إنما أدعو هؤلاء القوم إلى قتاله لثبوت الحجة ، وكمال المحنة ، ولو أذن لي في إهلاكه لما تأخر ، لكن الله تعالى يمتحن خلقه بما شاء ، قالوا فنهضنا من حوله ونحن نعظم ما أتى به ( عليه السلام )
(3) .
اجتيازه ( عليه السلام ) من كربلاء
الحميري عن أحمد بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) ، قال مر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ناس من أصحابه بكربلاء فلما مر بها إغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، وهاهنا تهراق دماؤهم ، طوبى لك من تربة عليها تهراق دماء الاحبة
(4) .
قصة صاحب المواشي مع عمر ، وكرامة أمير المؤمنين ( عليه السلام )
وباسناد عن الاصبغ بن نباته ، عن عبد الله بن عباس ، قال : كان رجل على عهد عمر بن الخطاب وله فلاء
(5)بناحية اذربيجان قد إستصعبت عليه فمنعت جانبها ، فشكى إليه ما قدنا له وانه كان معاشه منها ، فقال له : إذهب فاستغث بالله عزوجل ، فقال الرجل : ما زال أدعوا وأبتهل إليه وكلما قربت منها حملت علي ، قال : فكتب له رقعة فيها من عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجن والشياطين أن يذللوا هذه المواشي له ، قال : فأخذ الرجل الرقعة ومضى فاغتممت لذلك غماً شديداً ، فلقيت أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) فأخبرته بما كان ، فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ليعودن بالخيبة ، فهدأ ما بي ، وطالت علي سنتي ، وجعلت أرقب كل من جاء من أهل الجبال ، فإذا أنا بالرجل قد وافي وفي جبهته شجة
(6) تكاد اليد تدخل فيها ، فلما رأيته بادرت إليه فقلت له : ما وراءك ؟ فقال : اني صرت إلى الموضع ورميت بالرقعة فحمل علي عداد منها فهالني أمرها فلم تكن لي قوة بها ، فجلست فرمحتني احدها في وجهي فقلت : أللهم إكفنيها . . فكلها يشتد علي ، ويريد قتلي ، فانصرفت عني ، فسقطت فجاء أخ لي فحملني ، ولست أعقل ، فلم أزل أتعالج حتى صلحت ، وهذا الاثر في وجهي فجئت لاعلمه يعني عمر .
---------------------------
(1) سورة النمل / 39 .
(2) سورة الانبياء / 27 .
(3)البحار 35 / 429 ـ 436 ، باب في أنه ( عليه السلام ) عنده علم الكتاب ، سفينة البحار 1 / 23 ، تفسير الصافي 4 / 67 .
(4) وقعة صفين / 142 .
(5) الفلا : المهر ، والفرس ـ وفي بعض الروايات : وله مواش .
(6) الشجة : وهي الكسر في الرأس خاصة .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 28 _
فقلت له : صر إليه فاعلمه فلما صار إليه وعنده نفر فأخبره بما كان فزبره ، وقال له : كذبت لم تذهب بكتابي ، قال : فحلف الرجل بالله الذي لا إله الا هو ، وحق صاحب هذا القبر لقد فعل ما أمره به من حمل الكتاب .
وأعلمه أنه قد ناله منها ما يرى ، قال : فزبره وأخرجه عنه .
فمضيت معه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فتبسم ثم قال : ألم أقل لك ؟ ثم أقبل على الرجل فقال له : إذا انصرفت فصر إلى الموضع الذي هي فيه وقل : اللهم أني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ، وأهل بيته الذين إخترتهم على علم على العالمين ، أللهم فذلل لي
صعوبتها ، وحزانتها ، واكفني شرها ، فانك الكافي ، المعافي ، والغالب القاهر .
فانصرف الرجل راجعاً ، فلما كان من قابل قدم الرجل ومعه جملة قد حملها من أثمانها إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فصار إليه وأنا معه ، فقال : تخبرني أو أخبرك ؟ فقال الرجل بل : تخبرني يا أمير المؤمنين ، قال : كأنك صرت إليها ، فجاءتك ، ولاذت بك خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها واحداً بعد آخر فقال الرجل : صدقت يا أمير المؤمنين ، كأنك كنت معي ، فهذا كان ، فتفضل بقبول ما جئتك به .
فقال : امض راشداً بارك الله لك فيه .
وبلغ الخبر عمر فغمه ذلك حتى تبين الغم في وجهه ، وانصرف الرجل وكان يحج كل سنة وقد أنمى الله ماله .
حديث النوق التي خرجت من الصخرة
قال ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : كل من إستصعب عليه شيء من ماله أو أهله أو ولد أو أمر فرعون من الفراعنة ، فليبتهل بهذا الدعاء فإنه يكفى مما يخاف إن شاء الله تعالى ، وبه القوة
(1).
وروي بإسناد أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان جالساً في مجلسه والناس مجتمعون عليه بالمدينة ، بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى وافى رجل من العرب فسلم عليه ، وقال : أنا رجل لي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعد ، وقد سألت عن قاضي دينه ، ومنجز وعده ، بعد وفاته فأرشدت إليك .
فهل الامر كما قيل لي ؟ فقال أمير المؤمنين : نعم أنا منجز وعده ، وقاضي دينه من بعده ، فما الذي وعدك به ؟ قال : مائة ناقة حمراء ، وقال لي : إذا أنا قبضت فأت قاضي ديني ، وخليفتي من بعدي ، فانه يدفعها إليك وما كذب ( صلى الله عليه وآله ) .
فإن يكن ما ادعيته حقاً فعجل علي بها ـ ولم يكن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خلفها ولا بعضها ـ فأطرق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ملياً ، ثم قال يا حسن : قم ، فنهض إليه فقال له : إذهب فخذ قضيب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الفلاني ، وصر إلى البقيع فأقرع به الصخرة الفلانية ثلاث قرعات ، وانظر ما يخرج منها فإدفعه إلى هذا الرجل ، وقل له يكتم ما رأى .
فصار الحسن ( عليه السلام ) إلى الموضع ، والقضيب معه ، ففعل ما أمره ، فطلع من الصخرة رأس ناقة بزمامها ، فجذبه الحسن ( عليه السلام ) فظهرت الناقة ، ثم ما زال يتبعها ناقة ثم ناقة حتى إنقطع القطار على مائة ، ثم إنضمت الصخرة فدفع النوق إلى الرجل ، وأمره بالكتمان لما رأى .
---------------------------
(1) مهج الدعوات / 104 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 29 _
فقال الاعرابي : صدق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وصدق أبوك ( عليه السلام ) ، هو قاضي دينه ، ومنجز وعده ، والامام من بعده ، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد
(1).
قصيدة الحميري البائية
وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما أقبل من صفين ، مر في زهاء سبعين رجلاً بأرض ليس فيها ماء ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ليس هاهنا ماء ، ونحن نخاف العطش ، قالوا : فمررنا براهب في ذلك الموضع فسألناه هل بقربك ماء فقال : ما من ماء دون الفرات ، فقلنا يا أمير المؤمنين العطش وليس قربنا ماء ، فقال : إن الله تعالى سيسقيكم ، فقام يمشي حتى وقف في مكان ودعا بمساح ، وأمر بذلك المكان ، فكنس ، فأجلى عن صخرة ، فلما انجلى عنها ، قال : إقلبوها مرمناها بكل مرام فلم نستطعها فلما أعيتنا دنا منها فأخذ بجانبها فدحا
(2)بها فكأنها كرة ، فرمى بها ، فانجلت عن ماء لم ير أشد بياضا ، ولا أصفى ، ولا أعذب منه ، فتنادى الناس الماء ، فاغترفوا ، وسقوا ، وشربوا ، وجملوا ، ثم أخذ ( عليه السلام ) الصخرة فردها مكانها ، ثم تحمل الناس فسار غير بعيد ، فقال : أيكم يعرف مكان هذه العين ؟ فقالوا : كلنا يعرف مكانها ، قال : فانطلقوا حتى تنظروا .
فانطلق من شاء الله منا فدرنا حتى أعيينا فلم نقدر على شئ فأتينا الراهب فقلنا له ويحك ألست زعمت أنه ليس قبلك ماء ، ولقد إستثرنا هاهنا ماء ، فشربنا واحتملنا ، قال : فوالله ما استثارها إلا نبي أو وصي نبي ، قلنا : فإن فينا وصي نبينا ( عليه السلام ) ، قال : فانطلقوا إليه فقولوا له : ماذا قال له النبي حين حضره الموت ؟ قال : فأتيناه فقلنا له إن هذا الراهب قال : كذا ، وكذا ، قال : فقولوا له إن خبرناك لتنزلن ولتسلمن ، فقلنا له فقال : نعم فأتينا أمير المؤمنين فقلنا قد حلف ليسلمن ، قال : فانطلقوا فاخبروه أن آخر ما قال النبي ، الصلاة ، الصلاة ، إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان واضعاً رأسه في حجري فلم يزل يقول : الصلاة ، الصلاة ، حتى قبض .
قال فقلنا له ذلك فأسلم
(3).
---------------------------
(1) حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لإمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أنت قاضي ديني ، ومنجز عدتي .
مما أجمعت الائمة على صحته وتوثيقه وقد جاءت بأسانيد شتى صحيحة ، مسند أحمد بن حنبل 1 / 111 ، بسنده عن علي ( عليه السلام ) .
لرياض النضرة 2 / 168 ، حلية الاولياء 10 / 211 ، كنز العمال 6 / 403 / مجمع الزوائد 9 / 113 ، عن جابر بن عبد الله / فضائل الخمسة 3 / 57 .
مما أجمعت الائمة على صحته وتوثيقه وقد جاءت بأسانيد شتى صحيحة ، مسند أحمد بن حنبل 1 / 111 ، بسنده عن علي ( عليه السلام ) . الرياض النضرة 2 / 168 ، حلية الاولياء 10 / 211 ، كنز العمال 6 / 403 / مجمع الزوائد 9 / 113 ، عن جابر بن عبد الله / فضائل الخمسة 3 / 57 .
(2) دحا : دفع ، رمى .
(3) مجمع الزوائد 9 / 293 عن أبي رافع ، الارشاد / 176 ، أعلام الورى / 176 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 30 _
وفي ذلك يقول السيد بن محمد الحميري من قصيدته البائية المعروفة بالمذهبة :
ولـقد سـرى فـيما يـسير iiبليلة بعد العشاء مغامراً (1) في iiموكب في موكب حتى أتى متبتلاً في iiقائم ألـقى قـواعده بـقاع iiمجدب (2) فـدنا فـصاح بـه فأشرف iiماثلاً كالنسر فوق شظية من مرقب (3) هـل قرب قائمك الذي بوأته (4) مـاء يصاب فقال : ما من iiمشرب إلا بـغاية فـرسخين ومـن iiلـنا بـالماء بـين نقاوقي سبسب (5) فثنى الاعنة نحو وعث (6) فاجتلى بـيضاء تـبرق كاللجين iiالمذهب قـال : إقـلبوها إنـكم إن iiتفعلوا تـرووا ولا تـروون إن لم iiتقلب فإعصوصبوا في قلعها iiفتمنعت مـنهم تـمنع صعبة لم تركب (7) حـتى إذا أعـيتهم أهـوى iiلـها كـفو مـتى تـرد المغالب iiتغلب |
---------------------------
(1) في اكثر الروايات هكذا : ( بعد العشاء بكربلا في موكب ) .
(2) المتبتل : الراهب . القائم : الصومعة ، القاعدة : الاساس ، الجدار .
الجدب : ضد الخصب .
(3) الماثل : المنتصب ، وشبه الراهب بالنسر لطول عمره .
والشظية : قطعة من الجبل ، المرقب : المكان العالي .
(4) بوأ : أقام ، حل .
(5) النقى : قطعة من الرمل ، تنقاد محدوبة ، والقى : الصحراء الواسعة ، والسبسب القفرة .
(6) الوعث : الرمل الذي لا يسلك فيه .
(7) إعصوصب إجتمع ، وتعاضد .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 31 _
فـكأنها كـرة بكف حزور (1) عـبل الذراع دحابها في iiملعب فـسقاهم مـن تـحتها iiمتسلسلاً عـذباً يـزيد على الالذ iiالاعذب حـتى إذا شـربوا جميعاً iiردها ومـضى فخلت مكانها لم iiيقرب ذاك ابن فاطمة الوصي ومن يقل فـي فـضله وفـعاله لا iiيكذب |
يعني فاطمة بنت أسد امه ( رضي الله عنها ) .
وفي هذه القصيدة يذكر رد الشمس على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وسيرد ذكره فيما بعد بمشية الله ، وذلك قوله :
ردت عـليه الـشمس لما iiفاته وقت الصلاة وقد دنت iiللمغرب حـتى تـبلج نورها في iiوقتها للعصر ثم هوت هوي iiالكوكب وعـليه قـد حبست ببابل iiمرة اخرى وما حبست لخلق معرب إلا لإحـمد أولـه iiولـحبسها ولردها تأويل أمر معجب (2) |
إخباره بعدم موت خالد بن عرفطة
وحدث أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا محمد بن سليمان الاصبهاني ، قال : حدثني يونس ، عن أم حكيم بنت عمرو
(3)قالت :
خرجت ، وأنا أشتهي أن أسمع كلام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فدنوت منه وفي الناس رقة ، وهو يخطب على المنبر ، حتى سمعت كلامه ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين إستغفر لخالد بن عرفطة ، فإنه قد مات بإرض تيماء
(4)فلم يرد عليه ، فقال : الثانية فلم يرد عليه،
---------------------------
(1)الحزور : الغلام المترعرع .
(2) أعلام الورى / 177 ، والقصيدة 112 بيتاً شرحها السيد المرتضى علم الهدى وطبع بمصر عام 1313 وأول القصيدة قوله :
هلا وقفت على المكان المعشب بين الطويلع فاللوى من iiكبكب |
(3) ام حكيم بنت عمرو بن سفيان الخولية . . . كانت من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
جامع الرواة 2 / 455 ، تنقيح المقال 3 / 70 ، رجال الطوسي / 66 .
(4) تيماء : بليد في أطراف الشام ، بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 32 _
ثم قال : الثالثة ، فالتفت إليه فقال : أيها الناعي خالد بن عرفطة كذبت ، والله ما مات ، ولا يموت حتى يدخل من هذا الباب ، يحمل راية ضلالة ، قالت : فرأيت خالد بن عرفطة
(1) يحمل راية معاوية حتى نزل نخيلة وأدخلها من باب الفيل
(2) .
بيعة أويس القرني في صفين
وبإسناد عن الاصبغ بن نباتة ، قال : كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ثم قال : أين تمام المائة ؟ فقد عهد إلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنه يبايعني في هذا اليوم مائة رجل ، فقال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين ، فقال : هلم يدك ابايعك فقال : على ما تبايعني ؟ قال : على بذل مهجة نفسي دونك ، قال : ومن أنت ؟ قال : اويس القرني فبايعه ، فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل فوجد في الرجالة مقتولا
(3) .
خبر ميثم التمار ( رضي الله عنه)
وبإسناد مرفوع إلى إبن ميثم التمار ، قال : سمعت أبي يقول : دعاني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوماً فقال لي يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني امية عبيد الله بن زياد إلى البرائة مني ؟ قلت : إذاً والله أصبر ، وذاك في الله قليل ، قال : يا ميثم إذاً تكون معي في درجتي .
وكان ميثم يمر بعريف
(4) قومه فيقول : يا فلان كأني بك قد دعاك دعي بني امية وابن دعيها فيطلبني منك ، فتقول هو بمكة ، فيقول : لا أدري ما تقول ، ولا بدلك أن تأتي به .
فتخرج إلى القادسية فتقيم بها أياماً ، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث
(5) ، فإذا كان اليوم الثالث إبتدر من منخري دم عبيط .
قال : وكان ميثم يمر في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها ، ويقول : يا نخلة ما غذيت إلا لي ، وكان يقول لعمرو بن حريث : إذا جاورتك فأحسن جواري ، فكان عمرو يرى أنه يشتري عنده داراً أو ضيعة له بجنب ضيعته فكان عمرو يقول : سأفعل ، فأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد إلى غريف ميثم يطلبه منه فأخبره أنه بمكة فقال له : إن لم تأتني به لاقتلنك فأجله أجلاً وخرج العريف إلى القادسية ينتظر ميثما ، فلما قدم ميثم أخذ بيده فأتى به عبيد الله بن زياد ، فلما أدخله عليه ، قال له : ميثم ، قال : نعم ، قال : إبرأ من أبي تراب .
---------------------------
(1) خالد بن عرفطة بن أبرهة بن سنان الليثي توفي بالكوفة سنة 60 / 61 إستخلفه سعد بن أبي وقاص على الكوفة من قبل معاوية .
أسد الغابة 2 / 87 ، الاصابة 1 / 409 ، الاستيعاب 1 ، 413 .
(2) أعلام الورى / 175 وفيه : وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة .
(3) سفينة البحار 1 / 53 ، رجال الطوسي / 35 ، اعلام الورى / 170 ، تأسيس الشيعة / 357 / جامع الرواة 1 / 110 .
(4) العريف : العالم بالشّئ ، من يعرف أصحابه ، القيم بأمر القوم .
(5)أبو سعيد عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي القرشي مات بالكوفة سنة 85 .
ولي إمرة الكوفة لزياد ثم لابنه عبيد الله .
الاصابة ت 5810 ، اسد الغابة 4 / 97 ، الكامل في التاريخ 2 / 249 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 33 _
قال : لا أعرف أبا تراب قال : إبرأ من علي بن أبي طالب قال : فان لم أفعل ؟ قال : إذاً والله أقتلك .
قال : أما انه قد كان يقال لي إنك ستقتلني ، وتصلبني على باب عمرو بن حريث ، فإذا كان اليوم الثالث إبتدر من منخري دم عبيط .
قال : فأمر بصلبه على باب عمرو بن حريث ، فقال للناس : سلوني ، سلوني ـ وهو مصلوب ـ قبل أن أموت ، فوالله لاحدثنكم ببعض ما يكون من الفتنء فلما سأله الناس وحدثهم أتاه رسول من إبن زياد ( لعنه الله ) فألجمه بلجام من شريط ، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب ، ثم أنفذ إليه من وجأ جوفه حتى مات فكانت هذه من دلائل أمير المؤمنين ( عليه السلام )
(1) .
وبإسناد عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : أوصاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال يا علي : إذا أنا مت فاغسلني من بئري مرتين بسبع قرب فإذا فرغت من مهادي فضع سمعك على فمي ، ثم اعقل ما أقول لك ، قال : ففعلت ما أمرني به ( صلى الله عليه وآله ) فحدثني بما هو كائن إلى يوم القيامة
(2) .
علمه ( عليه السلام ) بالتنزيل
وبإسناد أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، كان يقول : ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وقد نزلت فيه آية أو إثنتان تقوده إلى الجنة ، أو تسوقه إلى نار ، وما من آية نزلت في برٍ أو بحرٍ أو في سهلٍ أو جبلٍ إلا وقد عرفت حين نزلت ، فيم انزلت ، ولو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الانجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم
(3).
خبر رد الشمس وإن كان من الاخبار المشهورة
روى محمد بن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن عبد الله ، عن الحسين ابن المختار ، عن أبي بصير عن عبد الواحد ابن المختار الانصاري ، عن أبي المقدام الثقفي ، قال لي جويرية بن مسهر
(4) : قطعنا مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جسر الصراة
(5) ، في وقت العصر ، فقال : إن هذه أرض معذبة لا ينبغي لنبي ولا وصي أن يصلي فيها ، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل ، قال : فتفرق الناس يصلون يمنة ويسرة ، وقلت أنا لاقلدن هذا الرجل ديني ، ولا اصلي حتى يصلي .
قال : فسرنا وجعلت الشمس تستقل ، قال : وجعل يدخلني من ذلك أمر عظيم ، حتى وجبت الشمس وقطعت الارض .
قال ، فقال يا جويرية : أذن فقلت تقول لي أذن وقد غابت الشمس ؟ قال : فأذنت ، ثم قال لي : أقم فأقمت ، فلما قلت : قد قامت الصلاة ، رأيت شفتيه تتحركان ، وسمعت كلاماً كأنه كلام العبرانية ، قال : فرجعت الشمس حتى صارت في مثل وقتها في العصر ، فصلى فلما انصرف هوت إلى مكانها واشتبكت النجوم
(6) .
---------------------------
(1) الارشاد / 171 ، أعلام الورى / 172 ، سفينة البحار 2 / 523 ، غزوات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) / 46 .
(2) البحار 22 / 514 ، بصائر الدرجات / 81 ، رسالة في تغسيل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بسبع قرب للشيخ عبد الله بن الحاج صالح بن جمعة اسماهيجي المتوفى 1135 هـ .
(3) من الاحاديث الثابتة أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أعلم الصحابة على الاطلاق .
كنز العمال 1 / 228 ، طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 101 ، تهذيب التهذيب 7 / 337 ، الغدير 3 / 95 ، كفاية الطالب / 207 حلية الاولياء 1 / 67 ، الاستيعاب 2 / 463 .
(4) جويرية بن مسهر العبدي الكوفي . . . من أصحاب علي ( عليه السلام ) ، وكان الامام يحبه حباً شديداً قال له يوما : يا جويرية ليقتلنك العتل الزنيم ، وليقطعن يدك ورجلك ثم إنه ليصلبنك ، ثم مضى دهر حتى ولي زياد بن أبيه في أيام معاوية فقطع يده ورجله ثم صلبه .
تنقيح المقال 1 / 238 ، رجال الطوسي / 37 ، رجال إبن داود / 67 ، أعيان الشيعة 17 / 195 .
(5) معجم البلدان 3 / 399 .
(6) تنقيح المقال 1 / 239 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 34 _
وفي حديث آخر :
عن جويرية بن مسهرا أنه قال : فلما إنقضت صلاتنا سمعت الشمس وهي تنحط ولها صرير كصرير رحى البزر ، حتى غابت وأنارت النجوم ، قال : فقلت : أنا أشهد أنك وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال يا جويرية : أما سمعت الله يقول : ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) ؟ فقلت بلى ، فقال : اني سألت ربي بإسمه العظيم ، فردها علي
(1) .
حدثني أبو محمد ، هارون بن موسى بن أحمد المعروف بالتلعكبري ، قال : حدثنا أبو الحسن ، محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثنا أبو موسى ، عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني أبو محمد ، الحسن بن علي ، عن أبيه علي بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن إبيه الحسين بن علي ، ( عليهم السلام والصلاة ) ، قال : حدثني قنبر مولى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على شاطئ الفرات ، فنزع قميصه ، ونزل إلى الماء فجاءت موجة ، فأخذت القميص .
فخرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلم يجد القميص فإغتم لذلك ، فإذا بهاتف يهتف ، يا أبا الحسن انظر عن يمينك وخذ ما ترى ، فإذا منديل عن يمينه ، وفيه قميص مطوي ، فأخذه ولبسه فسقط من جيبه رقعة فيها مكتوب :
حديث قميص هارون ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِم ، هدية من الله العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب ، هذا قميص هارون بن عمران ، كذلك وأورثناها قوما آخرين
(2) .
وبإسناد مرفوع إلى عمرو بن المنهال ، قال : بينا نحن ذات يوم جلوساً مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في رحبة القصر ، إذ زلزلت الارض فضربها أمير المؤمنين بيده وقال لها : ما لك فوالله لو كنت هي لانبأتني أخبارك ، وإني الذى تحدثه الارض بأخبارها أو رجل مني
(3) .
ردّه ( عليه السلام ) لطغيان الفرات
وبإسناد مرفوع إلى الاصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال يا أمير المؤمنين قد زاد الفرات ، والساعة نغرق ، قال : لن تغرقوا ، ثم جاءه آخر فقال يا أمير المؤمنين : قد فاض الفرات والساعة نغرق ، فقال : لن تغرقوا ، ثم دعا ببغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فركبها وأخذ بيده قضيباً ثم سار حتى إنتهى إلى شاطي الفرات ، فنزل فضرب الفرات ضربة فنقص خمسة اذرع ، وقال .
بعضهم : عشرة أشبار
(4).
فقال الاصبغ سمعت علياً ( عليه السلام ) يومئذ يقول : لو ضربت الفرات ضربة ومشيت ما بقي فيه قطرة .
---------------------------
(1)جامع الرواة 1 / 169 ، سفينة البحار 1 / 57 .
وحديث رد الشمس لامير المؤمنين ( عليه السلام ) من القضايا الثابتة أخرجه جمع من الحفاظ الاثبات بأسانيد جمة صحح جمع من مهرة الفن بعضها ، وحكم آخرون بحسن آخر ، وشدد جمع منهم النكير على من غمز فيه وضعفه ، وأفردها بالتأليف وجمعوا فيه طرقها وأسانيدها ، الغدير 3 / 141 ـ 126 .
(2) البحار 42 / 122 الطبعة الجديدة ، تنقيح المقال 2 / 29 ـ باب القاف ، جامع الرواة 2 / 24 .
(3) سفينة البحار 1 / 555 وفيه : أنها كانت على عهد أبي بكر .
(4) الإرشاد 1 / 348 ألباب الثالث فصل 77 وفيه : رواه نقلة الآثار واشتهر في أهل الكوفة لاستفاضته بينهم .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 35 _
حديثه ( عليه السلام ) مع إبن الكواء في مبيته على فراش رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم )
وبإسناد مرفوع قال ، قال إبن الكواء لإمير المؤمنين : أين كنت حيث ذكر الله تعالى نبيه وأبا بكر فقال : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا )
(1)؟ فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقد طرح علي ريطته .
(2)
فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها ، فلم يبصروا رسول الله حيث خرج ، فأقبلوا علي يضربونني بما في أيديهم حتى تنفط
(3)جسدي وصار مثل البيض ، ثم انطلقوا بي يريدون قتلي ، فقال بعضهم : لا تقتلوه الليلة ولكن أخروه واطلبوا محمداً ، قال : فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا مني ، ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً من جانب البيت يقول : يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده ، وذهب الورم الذي كان في جسدي ، ثم سمعت صوتاً آخر يقول : يا علي فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع ، ثم سمعت صوتاً آخر يقول : يا علي ، فإذا الباب قد تساقط ما عليه ، وفتح فقمت وخرجت ، وقد كانوا جاؤا بعجوز كمهاء
(4)لا تبصر ولا تنام تحرس الباب فخرجت عليها فإذا هي لا تعقل من النوم
(5) .
وبإسناد عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ، جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، قال : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، خاصم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعض الصحابة في حق له ذهب به ، وجرى بينهما فيه كلام فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : بمن ترضى ليكون بيني وبينك حكماً ؟ قال : إختر .
قال : أترضى برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيني وبينك ؟ قال : وأين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد دفناه ؟ قال : ألست تعرفه إن رأيته ؟ قال : نعم .
فإنطلق به إلى مسجد قباء فإذا هما برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإختصما إليه فقضى لإمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فرجع الرجل مصفراً لونه ، فلقى بعض أصحابه وقال : مالك ؟ فأخبره الخبر ، فقال : أما عرفت سحر بني هاشم
(6).
---------------------------
(1)سورة التوبة / 40 .
(2) الريطة : كل ثوب يشبه الملحفة .
(3) تنفط الجسم : قرح أو تجمع فيه بين الجلد واللحم ماء بسبب العمل .
(4) كمه : عمى أو صار أعشى ، وبصره إعترته ظلمة .
(5) البحار 36 / 43 .
الإرشاد ومبيت علي ( عليه السلام ) على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، من القضايا الثابتة المتسالم عليها لدى الفريقين .
اسد الغابة 4 / 25 ، نور الابصار / 77 ، كنوز الحقائق / 31 ، مستدرك الصحيحين 3 / 4 ، مسند أحمد 1 / 348 ، مجمع الزوائد 9 / 119 ، فضائل الخمسة 2 / 345 .
(6) سفينة البحار 1 / 605 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 36 _
ومن أعلامه ( عليه السلام ) عند قتال الخوارج بالنهروان
وبإسناد مرفوع إلى جندب بن عبد الله البجلي ، قال : دخلني يوم النهروان شك ، فاعتزلت ، وذلك أني رأيت القوم أصحاب البرانس ، وراياتهم المصاحف حتى هممت أن أتحول إليهم فبينا أنا مقيم متحير إذ أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، حتى جلس إلي ، فبينا نحن كذلك إذ جاء فارس يركض فقال يا أمير المؤمنين : ما يقعدك وقد عبر القوم ؟ قال : أنت رأيتهم ؟ قال : نعم . قال : والله ما عبروا ولا يعبرون أبداً فقلت في نفسي : ألله أكبر كفى بالمرء شاهداً على نفسه ، والله لئن كانوا عبروا لاقاتلنه قتالاً لا ألوى فيه جهداً ، ولئن لم يعبروا لاقاتلن أهل النهروان قتالاً يعلم الله به أني غضبت له .
ثم لم ألبث أن جاء فارس آخر يركض ويلمع بسوطه ، فلما إنتهى إليه قال : يا أمير المؤمنين ، ما جئت حتى عبروا كلهم ، وهذه نواصي خيلهم قد أقبلت .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : صدق الله ورسوله ، وكذبت ما عبروا ولن يعبروا ، ثم نادى في الخيل فركبوا وركب أصحابه وسار نحوهم .
وسرت ويدي على قائم سيفي ، وأنا أقول : أول ما أرى فارساً قد طلع منهم أعلو علياً بالسيف للذي دخلني من الغيظ عليه .
فلما انتهى إلى النهر إذا القوم كلهم وراء النهر لم يعبر منهم أحد ، فالتفت إلي ثم وضع يده على صدري ، ثم قال : يا جندب أشككت ؟ كيف رأيت ؟ قلت يا أمير المؤمنين : أعوذ بالله من الشك ، وأعوذ بالله من سخط الله ، وسخط رسوله ، و سخط أمير المؤمنين ، قال : يا جندب ما أعمل إلا بعلم الله وعلم رسوله ، فأصابت جندباً يومئذ إثنتا عشرة ضربة مما ضربه الخوارج
(1) .
وفي حديث آخر قال :
إخباره ( عليه السلام ) ، المخدع ذي الثدية
لما قاتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أهل النهروان قال لإصحابه : إطلبوا إلي رجلاً مخدج اليد ، وعلى جانب يده الصحيحة ثدي كثدي المرأة إذا مد إمتد ، وإذا ترك تقلص ، عليه شعرات صهب ، وهو صاحب رايتهم يوم القيامة ، يوردهم النار و بئس الورد المورود ، فطلبوه فلم يجدوه فقالوا : لم نجده .
فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ونصب الكعبة ، ما كذبت ولا كذبت ، وأني لعلى بينة من ربي ، قال : فلما لم يجدوه .
قام والعرق ينحدر عن جبهته ، حتى أتى وهدة من الارض فيها نحو من ثلاثين قتيلاً ، فقال : ارفعوا إلي هؤلاء فجعلنا نرفعهم حتى رأينا الرجل الذي هذه صفته تحتهم ، فإستخرجناه ، فوضع أمير المؤمنين رجله على ثديه الذي هو كثدي المرأة ثم عركه بالارض ثم أخذه بيده وأخذ بيده الاخرى يد الرجل الصحيحة ، ومدها حتى استويا ، ثم التفت إلى رجل جاء إليه وهو شاك فقال : وهذه لك آية .
ثم قال : إن الجانب الآخر الذي ليس فيه يد ليس فيه ثدي فشقوا عنه جانب قميصه ، فإذا له مكان اليد شئ مثل غلظ الابهام وإذا ليس في ذلك الجانب ثدي ، فقال للرجل الشاك : وهذه لك آية اخرى
(2).
---------------------------
(1) الارشاد / 318 ، بصورة مفصلة ، سفينة البحار 1 / 182 ، مجمع الزوائد 6 / 241 بسنده عن جندب وقال : رواه الطبراني .
(2) أعلام الورى / 171 ، كفاية الطالب / 177 ، خصائص النسائي / 138 ، تاريخ بغداد 1 / 159 ، مجمع الزوائد 6 / 234 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 37 _
خروج طلحة والزبير على أمير المؤمنين ( عليه السلام )
وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) ، قال : لما قدم عبد الله بن عامر بن كريز
(1) المدينة لقى طلحة والزبير ، فقال لهما بايعتما علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ فقال : أما والله لا يزال ينتظر بها الحبالى من بني هاشم ، ومتى تصير اليكما ، أما والله على ذلك ما جئت حتى ضربت على أيدي أربعة آلاف من أهل البصرة كلهم يطلبون بدم عثمان فدونكما فإستقيلا أمركما .
فأتيا علياً ( عليه السلام ) فقالا له إئذن لنا في العمرة ، فقال : والله إنكما تريدان العمرة وما تريدان نكثاً ولا فراقاً لامتكما وعليكما بذلك أشد ما أخذ الله على النبيين من ميثاق ؟ قالا : نعم . قال : انطلقا فقد أذنت لكما ، قال : فمشيا ساعة ، ثم قال : ردوهما فأخذ عليهما مثل ذلك ، ثم قال : إنطلقا فاني قد أذنت لكما ، فإنطلقا حتى أتيا الباب ، فقال : ردوهما الثالثة ، ثم قال : والله إنكما تريدان العمرة وما تريدان نكث بيعتكما ، ولا فراق امتكما ، وعليكما بذلك أشد ما أخذ الله على النبيين من ميثاق ، والله عليكما لذلك راعٍ كفيل ، قالا : اللهم نعم قال : أللهم اشهد ، إذهبا وإنطلقا ، والله لا أراكما إلا في فئة تقاتلني
(2).
حديث سلوني قبل أن تفقدوني
وعنه ( عليه السلام ) ، قال خطب أمير المومنين ( عليه السلام ) : فقال : سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألونني عن فتنة يضل فيها مائة ويهتدي فيها مائة إلا أخبرتكم بسائقها وناعقها إلى يوم القيامة حتى فرغ من خطبته
(3) .
قال : فوثب إليه بعض الحاضرين فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني كم شعرة في لحيتي ؟ فقال : أما أنه قد أعلمني خليلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنك تسألني عن هذا ، فوالله ما في رأسك شعرة إلا وتحتها ملك يلعنك ولا في جسدك شعرة إلا وفيها شيطان يهزك ، وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابن رسول الله ، قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : وعمر بن سعد ( لعنه الله ) يومئذ يحبو
(4).
---------------------------
(1) عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف . . أسلم يوم الفتح وكان من الموالين إلى بني أمية وبقى إلى خلافة عثمان .
(2) أعيان الشيعة 1 / 448 الطبعة الكبيرة ، غزوات أمير المؤمنين / 54 ، أعلام الورى / 169 .
(3) الغدير 6 / 193 و 194 وج 7 | 107 و 108 .
(4) الارشاد 1 / 331 بسنده عن زكريا بن يحيى القطان ، عن فضل بن الزبير عن أبي الحكم قال : سمعت مشيختنا وعلماءنا يقولون ـ الحديث ـ أعلام الورى / 186 ، البحار 44 / 256 ، شرح ابن أبي الحديد 1 / 253 نقلاً عن كتاب الغارات لابي هلال الثقفي ، كامل الزيارات / 74 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 38 _
ومن دلائله ( عليه السلام ) عند موته
وبإسناد مرفوع إلى الحسن بن أبي الحسن البصري قال : سهر علي ( عليه السلام ) في الليلة التي ضرب في صبيحتها ، فقال : أني مقتول لو قد أصبحت فجاء مؤذنه بالصلاة فمشى قليلاً فقالت إبنته زينب يا أمير المؤمنين مر جعدة
(1)يصلي بالناس فقال : لا مفر من الاجل ثم خرج
(2).
وفي حديث آخر قال :
جعل ( عليه السلام )يعاود مضجعه فلا ينام ، ثم يعاود النظر في السماء ، ويقول : والله ما كذبت ولا كذبت ، وإنها لليلة التي وعدت .
فلما طلع الفجر شد إزاره وهو يقول :
إشدد حيازيمك للموت فـإن الـموت iiلاقيكا ولا تجزع من iiالموت وإن حـل iiبـواديكا |
وخرج ( عليه السلام ) .
فلما ضربه ابن ملجم ( لعنه الله ) قال : فزت ورب الكعبة . . . وكان من أمره ما كان ( صلوات الله عليه )
(3).
وروى عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، انه لما غسل أمير المؤمنين ( عليه السلام
) ، نودوا من جانب البيت إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره ، وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه .
وأشار ( عليه السلام ) إلى أن الملائكة قالت ذلك
(4).
وأنا الآن مورد بمشية الله ، بعد ذكر الدلائل والاعلام ، خواص أخباره ( عليه السلام ) ، وفصولا من كلامه ، ومواعظه ، وحكمه ، ويسيراً من قضاياه العجيبة ، وأجوبته عن المسائل الغريبة على الشرط في الاختصار والاقتصار غير ذاكر شيئاً من خطبه الطوال ، وكتبه إلى ولاة الاعمال ، ولا شرح سيرته في خلافته ، وذكر الاحداث والحروب في أيامه ، وفضائله التي إشترك الناس في روايتها وهي أظهر من إن يشار إليها ، لان جميع ذلك قائم بذاته ، ومشهور في مواضعه .
---------------------------
(1) جعدة بن هبيرة إبن اخت أمير المؤمنين وامه ام هاني بنت أبي طالب وكان فقيهاً فارساً شجاعاً ذا لسان وعارضة قوية .
(2)سفينة البحار 1 / 157 وفيه : قالت ام كلثوم يا أمير المؤمنين مر جعدة يصلي بالناس قال : نعم مروا جعدة فليصل .
روضة الواعظين / 135 .
(3) الصواعق المحرقة / 80 ، روضة الواعظين / 136 ، نظم درر السمطين / 137 ، فضائل الخمسة 3 / 66 .
(4) روضة الواعظين / 136 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 39 _
حديث وفاة فاطمة بنت أسد
حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد بن يحيى ، عن الوليد بن أبان ، عن محمد بن عبد الله بن مسكان عن أبيه ، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) ، إن فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب ( عليه السلام ) تبشره بمولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال لها أبو طالب : إصبري سبتاً إنك بمثله إلا النبوة
(1)
فقال المسلمون يارسول الله إنا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم ، فقال : اليوم فقدت أبا طالب ، إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على
.
قال : والسبت ثلاثون سنة ، وكان بين مولد النبي ، وأمير المؤمنين ( عليهما السلام ) ثلاثون سنة .
حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد بن عبد الله ، عن السياري عن محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن فاطمة بنت أسد ( عليها السلام ) ام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كانت أول إمراة هاجرت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مكة إلى المدينة على قدميها ، وكانت من أبر الناس عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )يقول : ان الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا ، فقالت : واسوأتاه .
فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأني أسأل الله أن يبعثك كاسية .
وسمعته يذكر ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك .
وقالت لرسول الله ، ( صلى الله عليه وآله ) ، يوماً : إني أريد أن أعتق جاريتي هذه فقال لها : إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار ، فلما مرضت أوصت إلى رسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأعتقت الجارية المقدم ذكرها .
في تلقين النّبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة بنت أسد
واعتقل لسانها فجعلت تومى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إيماء فقبل ( صلى الله عليه وآله ) وصيتها .
فبينا هو ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم قاعداً إذ أتاه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يبكي فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما يبكيك ؟ قال إن امي فاطمة قد قضت فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمي والله .
وقام ( صلى الله عليه وآله ) مسرعاً ، حتى دخل فنظر إليها ، وبكى ، ثم أمر النساء أن يغسلنها .
---------------------------
(1) اصول الكافي 1 / 452 ، روضة الواعظين / 81 ، فاطمة بنت أسد ـ خ ـ ، البحار 35 / 6 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 40 _
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : إذا فرغتن فلا تحدثن شيئاً حتى تعلمنني ، فلما فرغن أعلمنه ذلك فأعطاهن أحد قميصيه ، وهو الذي يلى جسده وأمرهن أن يكفنها فيه ، وقال للمسلمين : إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فاسألوني لم فعلته ؟ فلما فرغن من تغسيلها ، وتكفينها دخل ( صلى الله عليه وآله ) فحمل جنازتها حتى أوردها قبرها ثم وضعها ، ودخل القبر فاضطجع فيه ، ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكب عليها طويلاً يناجيها ، ويقول لها إبنك إبنك .
ثم خرج وسوى عليها التراب ، ثم انكب على قبرها فسمعوه يقول : لا اله الا الله اللهم اني أستودعها إياك ، ثم إنصرف .
فقال المسلمون يارسول الله إنا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم ، فقال : اليوم فقدت أبا طالب ، إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها ، وولدها ، وإني ذكرت القيامة وأن الناس يحشرون عراة ، فقالت : واسوأتاه فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية ، وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك ، فكفنتها بقميصي ، واضطجعت في قبرها لذلك ، وانكببت عليها فلقنتها ما تسأل عنه ، فانها سئلت عن ربها فقالت : وسئلت عن رسولها فأجابت ، وسئلت عن وليها وإمامها فأرتج عليها فقلت لها : إبنك إبنك
(1).
وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أجمع على المضي إلى تبوك ناجى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأطال فقال أبو بكر لعمر : لقد أطال مناجاته لابن عمه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أنا ناجيته ، ولكن الله ناجاه ، وفي ذلك يقول حسان :
ويـوم الثنية عند iiالوداع وأجمع نحو تبوك المضيا تـنـحى يـودعه خـالياً وقد وقف المسلمون المطيا فـقالوا يناجيه دون iiالانام بـل الله أدنـاه منه iiنجيا عـلي فم أحمد يوحى iiإليه كلاماً بليغاً ووحياً iiخفيا(2) |
---------------------------
(1) تنقيح المقال 3 / 81 ، اصول الكافي 1 / 453 ، دعائم الاسلام 2 / 361 ، مسند الرسول 1 / 250 .
(2) حلية الاولياء 7 / 195 ، كفاية الطالب / 282 ، خصائص النسائي ، 81 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 41 _
في تسميته ( عليه السلام )بأمير المؤمنين في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وبإسناد مرفوع إلى جندب ، عن أمير المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه ) قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعنده أناس قبل أن تحتجب النساء فأشار بيده أن اجلس بيني ، وبين عائشة ، فقالت : تنح كذا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ماذا تريدين من أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام )
(1) .
وبإسناد مرفوع إلى بريدة الاسلمي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )أمر أصحابه أن يسلموا على علي ( عليه الصلاة والسلام ) بإمرة المؤمنين ، فقال عمر بن الخطاب : يارسول الله أمن الله أم من رسول الله ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : بل من الله ومن رسوله
(2) .
في ذكره أسماء آبائه ( عليه السلام ) التي لا يكاد يعرفها أكثر الناس
روي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، خطب الناس ، فقال : أيها الناس من عرف نسبي وإلا فأنا أعرفة نسبي ، فقام إليه إبن الكواء ، فقال : أنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، حتى بلغ إلى قصي بن كلاب قال : أو تعرف لي نسباً غير هذا ؟ فقال : لا ، فقال : إن أبي سماني زيداً بإسم قصي فأنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب ، وإسم أبي طالب عبد مناف وإسم عبد المطلب عامر ، قال الشاعر فيه :
قـامت تـبكيه على قبره من لي من بعدك يا iiعامر تركتني في الدار ذا غربة قد ذل من ليس له ناصر |
وإسم هاشم عمرو ، وفيه يقول الشاعر :
عـمرو العلى هشم الثريد iiلقومه ورجال مكة مسنتون عجاف (3) |
وإسم عبد مناف المغيرة ، قال الشاعر فيه وفي إخوانه :
إن المغيرات وأبناءهم من غير أحياءٍ وأموات |
يعني عبد مناف واخوته وسماهم كلهم المغيرات لان فيهم المغيرة ، ومثل هذا كثير في كلام العرب . وإسم قصى زيد قال الشاعر
(4):
---------------------------
(1) الغدير 1 / 270 ، سفينة البحار 1 / 29 ، البحار 37 / 302 .
(2) البحار 37 / 304 ، المناقب لابن شهراشوب 3 / 52 .
(3) البيت لعبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي شاعر قريش في الجاهلية مات نحو 15 هـ كان شديداً على المسلمين .، الطبقات الكبرى 1 / 76 ، الشعر والشعراء / 132 .
(4) البيت من شعر حذافة بن غانم العدوي . . . الطبقات الكبرى 1 / 71 .
خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 42 _
قـصي أبـوكم كـان يـدعى iiمجمعاً بـه جـمع الله الـقبائل مـن iiفـهر وأنـتـم بـنو زيـد وزيـد iiأبـوكم به زيدت البطحاء فخراً على فخر (1) |
قطعة من الاخبار المروية في إيجاب ولاء أمير المؤمنين ( عليه السلام والصلاة ) ، وشيء من أخبار زهده في الدنيا وما يجرى هذا المجرى من خواص أخباره ( عليه السلام )
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا :
ما يروى بإسناد عن سهل بن كهيل عن أبيه في قول الله عزوجل : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا )
(2)قال : أحد الوالدين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
(3) .
وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) ، قال أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) :
لتعطفن علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها ثم قرأ : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) الآية
(4).
وصف ضرار بن ضمرة :
ذكروا ان ضرار بن ضمرة الضبابي
(5) دخل على معاوية بن أبي سفيان وهو بالموسم ، فقال له : صف علياً قال : أو تعفني ؟
---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 2 / 6 ، الطبري 2 / 179 ، ثمار القلوب / 89 ، نهاية الارب 16 / 33 ، تاريخ اليعقوبي 1 / 201 .
(2) سورة الاحقاف / 15 .
(3) المناقب لابن شهراشوب 3 / 105 .
في السند سهل كهيل ، وأظنه تصحيف والصحيح سهل بن حنيف وهو من الذين أنكروا على أبي بكر غصبه الخلافة وكان أمير المؤمنين ( ع ) يحبه شديداً ، وحنيف بن ريال من الصحابة شهد احداً وما بعدها من المشاهد وقتل يوم مؤتة .
(4) سورة القصص / 5 .
شرح ابن أبي الحديد 19 / 29 ، شرح ابن ميثم 5 / 349 .
(5) ضرار بن ضمرة الضبابي . . . من خلص أصحاب علي ( عليه السلام ) فصيح المقال طلق اللسان .