قال : لابد أن تصفه لي ، قال : كان والله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طويل المدى ، شديد القوى ، كثير الفكرة ، غزير العبرة ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطلق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه ، ونحن والله مع قربه لا نكلمه لهيبته ، ولاندنو منه تعظيماً له ، فإن تبسم فعن غير أشر ولا إختيال ، وإن نطق فعن الحكمة وفصل الخطاب ، يعظم أهل الدين ويحب المساكين ، ولا يطمع الغني في باطله ، ولا يوئس الضعيف من حقه ، فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته ، يتململ تملل السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول :
  يادنيا ، يادنيا ، إليك عني أبي تعرضت ؟ أم لي تشوقت ؟ لا حان حينك ، هيهات ، غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلة الزاد وطول المجاز ، وبعد السفر وعظيم المورد .
  قال : فوكفت دموع معاوية ما يملكها ، وهو يقول : هكذا كان علي ( عليه السلام ) ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقأ دمعتها ولا تسكن حرارتها(1).
  وبإسناد مرفوع إلى عبد الله بن العباس ( رحمه الله )قال : نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا )(2) قال : محبة في قلوب المؤمنين(3).

في وصية النّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لأمير المؤمنين ( عليه السلام )
  حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي ، قال : حدثني عيسى الضرير عن أبي الحسن عن أبيه ، قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حين دفع الوصية إلى علي ، يا علي أعد لهذا جواباً غداً بين يدي ذي العرش ، فإني محاجك يوم القيامة بكتاب الله ، حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه على ما أنزل الله ، وعلى تبليغه من أمرتك بتبليغه ، وعلى فرائض الله كما أنزلت وعلى أحكامه كلها من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتحاض عليه وإحيائه مع إقامة حدود الله كلها ، وطاعته في الامور بأسرها ، وإقام الصلاة لاوقاتها ، وإيتاء الزكاة أهلها ، والحج إلى بيت الله ، والجهاد في سبيله ، فما أنت صانع يا علي ؟ قال : فقلت بأبي وأمي إني أرجو بكرامة الله تعالى ، ومنزلتك عنده ونعمته عليك ، أن يعينني ربي عزوجل ، ويثبتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصراً ولا متوانياً ولا مفرطاً ًًًًًولا أمعر ، وجهك وقاؤه وجهي ووجوه آبائي وأمهاتي .
ًًًً   بل تجدني بأبي وامي مشمراً لوصيتك إن شاء الله ، وعلى طريقك ما دمت حياً حتى أقدم عليك ، ثم الاول فالاول من ولدي غير مقصرين ولا مفرطين ، ثم أغمي ( عليه صلوات الله عليه وآله ) ، قال :
  فإنكببت على صدره ووجهه ، وأنا أقول واوحشتاه بعدك بأبي أنت وأمي ووحشة إبنتك وإبنيك ، واطول غماه بعدك يا حبيبي ، إنقطعت عن منزلي أخبار السماء ، وفقدت بعدك جبرئيل فلا أحس به ، ثم أفاق ( صلى الله عليه وآله ) .

---------------------------
(1) مناقب ابن شهراشوب 2 / 103 ، حلية الاولياء 1 / 84 ، الاستيعاب 2 / 463 ، الرياض النضرة 2 / 212 .
(2) سورة مريم / 96 .
(3) الغدير 2 / 55 ، الرياض النضرة 2 / 207 ، الصواعق المحرقة / 102 ، نور الابصار / 101 ، فضائل الخمسة 1 ، 323 ، مجمع الزوائد 9 / 125 وقال : رواه الطبراني في الاوسط .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 44 _

  حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمار ، قال : حدثني أبو موسى الضرير البجلي ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، قال : سألت أبي فقلت له ما كان بعد إفاقته ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : دخل عليه النساء يبكين ، وارتفعت الاصوات وضج الناس بالباب المهاجرون والانصار .
  قال علي ( عليه السلام ) : فبينا أنا كذلك إذ نودي أين علي ؟ فأقبلت حتى دخلت إليه ، فانكببت عليه ، فقال لي : يا أخي فهمك الله وسددك ، ووفقك وارشدك ، واعانك وغفر ذنبك ، ورفع ذكرك ، ثم قال : يا أخي إن القوم سيشغلهم عني ما يريدون من عرض الدنيا ، وهم عليه قادرون ، فلا يشغلك عني ما شغلهم ، فإنما مثلك في الامة مثل الكعبة نصبها الله علماً ، وإنما تؤتى من كل فج عميق ، وناد سحيق ، وإنما أنت العلم علم الهدى ، ونور الدين ، وهو نور الله ، يا أخي والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد ، ولقد اخبرت رجلاً رجلاً بما إفترض الله عليهم من حقك ، وألزمهم من طاعتك فكل أجاب إليك وسلم الامر إليك ، وإني لأعرف خلاف قولهم .

عائشة تأمر عمر بالصلاة في الناس
  فإذا قبضت ، وفرغت من جميع ما وصيتك به ، وغيبتني في قبري فإلزم بيتك ، واجمع القرآن على تأليفه ، والفرائض والاحكام على تنزيله ، ثم إمض ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به ، وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم علي .
  قال عيسى : فسألته وقلت : جعلت فداك قد أكثر الناس قولهم في أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أمر أبا بكر بالصلاة ثم أمر عمر ، فأطرق عني طويلاً ، ثم قال : ليس كما ذكر الناس ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الامور لا ترضى إلا بكشفها ، فقلت : بأبي أنت وامي ، من أسأل عما أنتفع به في ديني ، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضل غيرك ؟ وهل أجد أحداً يكشف لي المشكلات مثلك ؟ فقال : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما ثقل في مرضه دعا علياً ( عليه السلام ) ، فوضع رأسه في حجره واغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأذن بها فخرجت عائشة فقالت : يا عمر اخرج فصل بالناس ، فقال لها : أبوك أولى بها مني ، فقالت : صدقت ، ولكنه رجل لين ، وأكره أن يواثبه القوم ، فصل أنت ، فقال لها : بل يصلي هو ، وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرك متحرك ، مع أن رسول الله مغمى عليه ، ولا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به ، لا يقدر أن يفارقه ـ يعني علياً ( عليه السلام ) ـ فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق فإنه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته له منذ الليلة ، وفي آخر كلامه يقول لعلي ( عليه السلام ) : الصلاة ، الصلاة .

خروج النّبيّ ( ص ) للصلاة
  قال : فخرج أبو بكر يصلي بالناس ، فظنوا أنه بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يكبر حتى أفاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : أدعو لي عمي ـ يعني العباس ، ( رضي الله عنه ) ـ فدعى له فحمله وعلي ( عليه السلام ) ، حتى أخرجاه فصلى بالناس وإنه لقاعد ، ثم حمل فوضع على المنبر بعد ذلك فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار حتى برزت العواتق من خدورها ، فبين باك وصائح ، ومسترجع ، وواجم ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال :

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 45 _

خطبته ( صلى الله عليه وآله ) بعد الصلاة وفيها الوصيّة لعليّ ( عليه السلام )
  يا معشر المهاجرين والانصار ، ومن حضر في يومي هذا ، وفي ساعتي هذه من الإنس والجن ليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا إني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى ، والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء حجة الله عليكم وحجتي وحجة وليي .
  وخلفت فيكم العلم الاكبر ، علم الدين ، ونور الهدى ، وضياءه وهو علي بن أبي طالب ، ألا وهو حبل الله ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )(1) .
  أيها الناس هذا علي من أحبه وتولاه اليوم ، وبعد اليوم ، فقد أوفى بما عاهد عليه الله ، ومن عاداه وأبغضه اليوم ، وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى ، لا حجة له عند الله .
  أيها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً ، ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم ، إياكم واتباع الضلالة والشورى للجهالة ، ألا وإن هذا الامر له أصحاب قد سماهم الله عزوجل لي وعرفنيهم وأبلغتكم ما أرسلت به إليكم ولكني أراكم قوماً تجهلون (2) .   لا ترجعوا بعدي كفاراً مرتدين تتاولون الكتاب على غير معرفة ، وتبتدعون السنة بالاهواء ، وكل سنة وحديث وكلام خالف القرآن فهو زور وباطل .
  القرآن إمام هاد ، وله قائد يهدى به ، ويدعو إليه ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهو علي بن أبي طالب ، وهو ولي الامر بعدي ، ووارث علمي ، وحكمتي ، و سري ، وعلانيتي ، وما ورثه النبيون قبلي ، وأنا وارث ومورث فلا تكذبنكم أنفسكم .
  أيها الناس الله الله في أهل بيتي ، وأنهم أركان الدين ، ومصابيح الظلام ، ومعادن العلم .
  علي أخي ، ووزيري ، وأميني والقائم من بعدي بأمر الله ، والموفي بذمتي ، ومحيي سنتي ، وهو أول الناس إيماناً بي ، وآخرهم بي عهداً عند الموت ، وأولهم لقاء إلي يوم القيامة ، فليبلغ شاهدكم غائبكم .
  أيها الناس من كانت له تبعة فها أناذا ، ومن كانت له عدة أو دين فليأت علي بن أبي طالب ، فأنه ضامن له كله حتى لا يبقى لاحدٍ قبلي تبعة(3) .

إبن عباس يصف عليّاً ( عليه السلام )
  وحكي أن معاوية بن أبي سفيان سأل عبد الله بن العباس ( رحمة الله عليه ) ، عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فقال إبن عباس : هيهات ، عقم النساء أن يأتين بمثله ، والله ما رأيت رئيساً مجرباً يوزن به ، ولقد رأيته في بعض أيام صفين ، وعلى رأسه عمامة بيضاء تبرق وقد أرخى طرفيها على صدره وظهره ، وكأنّما عيناه سراجاً كسليط ، وهو يقف على كتيبة كتيبة حتى انتهى إلي وأنا في كنف من القوم وهو يقول : معاشر المسلمين إستشعروا الخشية ، وتجلببوا بالسكينة ، وعضوا على النواجذ(4)فإنه أنبى للسيوف عن الهام(5)واكملوا اللامة(6)وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها ،

---------------------------
(1) سورة آل عمران / 103 .
(2) سورة الاحقاف / 23 .
(3)البحار 22 / 482 ـ 284 ، الطرف / 29 ـ 34 .
(4) النواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الاضراس .
(5) ألهام : جمع هامة وهي الرأس .
(6) أللامة : الدرع .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 46 _

  والحضوا لخزر(1)واطعنوا لشزر (2) ونافحوا بالظبا (3)وصلوا السيوف بالخطى ، واعلموا أنكم بعين الله ، ومع إبن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فعاودوا الكرة ، واستحيوا من الفر ، فإنه عار من الاعقاب ، ونار يوم الحساب ، وطيبوا عن أنفسكم نفساً ، وامشوا إلى الموت مشياً سجحاً (4) ، وعليكم بهذا السواد الاعظم ، والرواق المطنب ، فإضربوا ثبجه(5) فان الشيطان كامن في كسره ، قد قدم للوثبة يداً ، وأخر للنكوص رجلاً ، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الحق ، وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم (6)وأنشأ يقول :
إذا  الـمشكلات تصدين iiلي      كـشفت غـوامضها iiبالنظر
وإن برقت في مخيل الظنون      عـمياء لا تـجتليها iiالـفكر
مـقـنعة  بـغيب iiالامـور      وضـعت عليها حسام iiالعبر
معي اصمع كظبى المرهفات      افـري  به عن بنات iiالستر
لـسان كـشقشقة الارحـبي      أو كـالحسام الـيماني الذكر
ولـكنني مـدره iiالاصغرين      أقـيس بما قد مضى ما iiغبر
ولست بامعة في الرجال iiاسا      ئـل هـذا وذا مـا iiالـخبر
  ( الاصغران القلب واللسان ) ثم غاب عني ( عليه السلام ) ، ثم رأيته قد أقبل وسيفه ينطف دماً وهو يقرأ : ( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) (7) .

---------------------------
(1) الخزر : النظر وهو علامة الغضب .
(2) الشزر : الجوانب يميناً وشمالاً .
(3) نافحوا : كافحوا وضاربوا ، الظبا : السيف .
(4) السجح : السهل .
(5) الثبج : الوسط .
(6) سورة محمد / 35 .
(7) سورة التوبة / 12 .
الغدير 6 / 194 ، شرح إبن أبي الحديد 5 / 168 ، مجمع الامثال 2 / 358 ، شرح إبن ميثم 2 / 178 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 47 _

عليّ ( عليه السلام ) أحق بالخلافة
  وباسناد مرفوع إلى الاعمش عن عطية قال : لما خرج عمر بن الخطاب إلى الشام وكان العباس بن عبد المطلب معه يسايره ، فكان من يستقبله ينزل فيبدأ بالعباس فيسلم عليه يقدر الناس إنه هو الخليفة لجماله وبهائه ، وهيبته ، فقال عمر : لعلك تقدر إنك أحق بهذا الامر مني ؟ فقال له العباس بن عبد المطلب : أحق به مني ومنك من خلفناه بالمدينة ، فقال عمر : ومن ذاك ؟ قال : من ضربنا بسيفه حتى قادنا إلى الاسلام ( يعني أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ))(1) .
  حدثني أبو محمد هارون بن موسى ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر ( عليهم السلام )، قال : حدثني أبي علي قال : حدثني أبي محمد قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي موسى ، قال : حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي محمد ، قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ، والصلاة ، قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي مثلكم في الناس مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، فمن أحبكم يا علي نجا ، ومن أبغضكم ورفض محبتكم هوى في النار .
  ومثلكم يا علي مثل بيت الله الحرام ، من دخله كان آمناً فمن أحبكم و والاكم كان آمناً من عذاب النار ، ومن أبغضكم ألقي في النار يا علي ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(2) ومن كان له عذر فله عذره ، ومن كان فقيراً فله عذره ، ومن كان مريضاً فله عذره ، وان الله لا يعذر غنياً ، ولا فقيراً ، ولا مريضاً ، ولا صحيحاً ، ولا أعمى ، ولا بصيراً في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم (3) .

تسليم النّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في حياته درعه ، وسيفه ، وبغلته لعليّ ( عليه السلام )
  وبهذا الاسناد عن أبي محمد مرفوعاً إلى الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ، قال : حدثني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال : دعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ودعا الناس في مرضه ، فقال :
  من يقضي عني ديني وعداتي ويخلفني في أهلي وامتي من بعدي ؟ فكف الناس عنه ، وانتدبت له ، فضمنت ذلك ، فدعا لي بناقته العضباء ، وبفرسه المرتجز ، وببغلته ، وحماره ، وسيفه ، وذي الفقار ، وبدرعه ذات الفضول ، وجميع ما كان يحتاج إليه في الحرب ، ففقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب ، فأمرهم أن يطلبوها ودفع ذلك إلي ثم قال : يا علي اقبضه في حياتي لئلا ينازعك فيه أحد بعدي ، ثم أمرني فحولته إلى منزلي (4) .

---------------------------
(1) فضائل الخمسة 2 / 83 و 87 .
(2) سورة آل عمران / 97 .
(3)مستدرك الصحيحين 2 / 343 ، ذخائر العقبى / 20 ، وقد تواترت أحاديث بهذا الشأن بألفاظ شتى ، وتعابير مختلفة ، وأسانيد كثيرة تجدها في كتاب فضائل الخمسة 2 / 83 و 87 و 64 و 66 .
(4) بحار الانوار 22 / 456 بصورة مفصلة .
علل الشرائع / 1 / 168 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 48 _

خطبة الإمام الحسن عند إستشهاد والده ( عليهما السلام )
  وذكر ان بعض عمال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنفذ إليه في عرض ما أنفذ من حياته مال الفيء قطفاً غلاظاً ، وكان ( عليه السلام ) يفرق كل شيء يحمل إليه من مال الفيء لوقته ولا يؤخره ، وكانت هذه القطف قد جائته مساء ، فأمر بعدها و وضعها في الرحبة ليفرقها من الغد ، فلما أصبح عدها فنقصت واحدة فسأل عنها فقيل له : أن الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ، إستعارها في ليلته على أن يردها اليوم ، فهرول ( عليه السلام ) مغضباً إلى منزل الحسن بن علي ( عليهما السلام )وهو يهمهم وكان من عادته أن يستأذن على منزله إذا جاء .
  فهجم بغير إذن فوجد القطيفة في منزله فأخذ بطرفها يجرها وهو يقول : النار يا أبا محمد ، النار النار يا أبا محمد ، النار حتى خرج بها (1) .
  وذكروا أن بعض العمال أيضاً حمل إليه في جملة الجباية ، حبات من اللؤلؤ فسلمها إلى بلال وهو خازنه على بيت المال ، إلى أن ينضاف إليها غيرها ، ويفرقها فدخل يوما إلى منزله فوجد في أذن إحدى بناته الاصاغر حبة من تلك الحبات ، فلما رآها إتهمها بالسرقة فقبض على يدها ، وقال : والله لئن وجب عليك حدٍ لاقيمن فيك ، فقالت يا أمير المؤمنين .
  إن بلالاً أعارنيها ليفرحني بها إلى أن تفرق مع أخواتها ، فجذبها إلى بلال جذباً عنيفاً وهو مغضب ، فسأله عن صدق قولها فقال : هو كما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فقال : والله لا وليت لي عمار أبداً وخلى يد الجارية .
  والصحيح ، أن صاحب هذه القصة ، كان إبن أبي رافع وهو الذي كان على بيت ماله (2).
  وقال ( عليه السلام ) يوماً على منبر الكوفة : من يشتري مني سيفي هذا ، ولو ان لي قوت ليلة ما بعته ، وغلة صدقته تشتمل حينئذ على أربعين ألف دينار في كل سنة (3).
وأعطته عليه السلام الخادم في بعض الليالي قطيفة فانكر دفأها ، فقال : ما هذه ؟ فقال الخادم : هذه من قطف الصدقة فألقاها ، قال عليه السلام : اصردتمونا بقية ليلتنا(4).

---------------------------
(1) هذا الحديث والذي يليه غير صحيح ، وأنه من الموضوعات ومن دسائس المنحرفين عن أهل البيت ( عليهم السلام ) لان الامامية تعتقد أن الائمة ( صلوات الله عليهم ) فوق مستوى البشر ، وأنهم منزهون عن كل ما يزري بذلك المقام الطافح بالعظمة القدسية ، وعلى هذا الاساس فما نقرأه في الحديثين ينافي تلك العظمة الآلهية ويصادم ما تقتضيه حقائقهم المقدسة ، والغريب أن الشريف الرضي سجل الخبرين من دون تعقيب .
(2) كيف يتفق هذا الخبر الموضوع مع ثناء أهل البيت ( عليهم السلام ) على بلال بن رباح ، وانه يشفع لمؤمني الحبشة وقد إتفق علماؤنا الاعلام على إطرائه وتوثيقه ورسوخ قوة الايمان فيه .
(3) مناقب ابن شهر اشوب 2 / 72 ، نقلا عن البلاذري ، وفضائل أحمد .
(4) انساب الاشراف 2 / 117 ومناقب ابن شهر آشوب 2 / 108 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 49 _

  وقال ( عليه السلام ) في يوم وهو يخطب :
  معاشر الناس إني تقلدت أمركم هذا ، فوالله ما حليت منه بقليل ولا كثير ، إلا قارورة من دهن طيب أهداها إلي دهقان من بعض النواحي (1).
  قال : ودهقان بالضم فاستفيدت منه ( عليه السلام ) .
  ولما قبض ( عليه السلام ) خطب الناس الحسن بن علي( عليهما السلام ) فقال :
  لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الاولون ، ولا يدركه الآخرون في حلم ولا علم ، وما ترك من صفراء ولا بيضاء ، ولا ديناراً ، ولا درهماً ، ولا عبداً ، ولا أمةً ، الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لاهله ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعطيه الراية فلا يرجع حتى يفتح الله عليه (2) .
  وروي عن مولى لبني الاشتر النخعي قال : رأيت أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) ، وأنا غلام وقد أتى السوق بالكوفة فقال : لبعض باعة الثياب أتعرفني ؟ قال : نعم أنت أمير المؤمنين ، فتجاوزه وسأل آخر فأجاب بمثل ذلك إلى أن سأل واحدا فقال : ما أعرفك فاشترى منه قميصاً فلبسه ثم قال :
   ( الحمد لله الذي كسا علي بن أبي طالب ) ، وإنما ابتاع ( عليه السلام ) ممن لا يعرفه خوفاً من المحاباة في إرخاص ما ابتاعه (3) .

المنتخب من قضاياه ( عليه السلام ) وجوابات المسائل التي سئل عنها
  بإسناد مرفوع إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) ، أن ثوراً قتل حماراً ، على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرفع ذلك إليه وهو في اناس من أصحابه فيهم أبو بكر ، وعمر ، فقال يا أبا بكر ، إقض بينهم .
   فقال : يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ، ما عليها شئ .
  فقال : يا عمر ، إقض بينهم .
  فقال : مثل قول أبي بكر .
  فقال : يا علي إقض بينهم .
  فقال : نعم يارسول الله ، إن كان لثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم(4) .
  قال : فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يده إلى السماء وقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيينى(5).

---------------------------
(1) حلية الاولياء 1 / 81 بسنده عن ابي عمرو بن العلاء ، وج 9 / 53 ، كنز العمال 6 ، 401 .
(2) جمهرة خطب العرب 2 / 7 ، الامامة والسياسة 1 / 127 ، العقد الفريد 2 / 6 ، تاريخ الطبري 6 / 91 .
(3) مناقب ابن شهر اشوب 2 / 169 .
(4) مناقب إبن شهرآشوب 2 / 169 .
(5)مناقب إبن شهراشوب 2 / 354 بسنده إلى مصعب بن سلام بلفظ آخر ، نور الابصار / 71 ، الصواعق المحرقة / 73 ، فضائل الخمسة 2 / 303 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 50 _

حديث شارب الخمر مع أبي بكر
  وعنه ( عليه السلام ) قال : قضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقضية ما قضى بها أحد كان قبله ، وكانت أول قضية قضى بها بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك أنه لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأفضى الامر إلى أبي بكر ، أتى برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبو بكر : أشربت الخمر ؟ قال : نعم قال ولم شربتها ؟ وهي محرمة ، قال : اني أسلمت ، ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها ، ولم أعلم أنها حرام ، فأجتنبها .
  قال : فإلتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل ؟ فقال : معضلة وأبو حسن لها .
  فقال أبو بكر : يا غلام إدع علياً ، فقال عمر : بل يؤتى الحكم في بيته ، فأتوه وعنده سلمان ، فأخبروه بقصة الرجل واقتص عليه الرجل قصته ، فقال علي ( عليه السلام ) : لابي بكر : ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والانصار ، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، وإن لم يكن أحد تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه .

عمر بن الخطاب والأنصاري
  قال : ففعل أبو بكر بالرجل ما قاله ( عليه السلام ) ، فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله ، فقال سلمان لعلي ( عليه السلام ) : لقد أرشدتهم ، فقال ( عليه السلام ) : إنما أردت أن أجدد تأكيد هذه الآية في وفيهم : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(1).
  أبو أيوب المدني ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي المعلى ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : أتى عمر بإمراة قد تعلقت برجل من الانصار ، وكانت تهواه ولم تقدر له على حيلة ، فذهبت فأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها ، ثم جاءت إلى عمر فقالت يا أمير المؤمنين : إن هذا الرجل أخذني في موضع كذا ففضحني ، قال : فهم عمر أن يعاقب الانصاري ، وعلي ( عليه السلام ) جالس ، فجعل الانصاري يحلف ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري .
  فلما أكثر من هذا القول ، قال عمر : يا أبا الحسن ما ترى فنظر علي ( عليه السلام ) إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتهمها أن تكون إحتالت لذلك .
  فقال : آتوني بماء حار قد اغلي غلياً شديداً ، ففعلوا فلما أتي بالماء أمرهم فصبوه على موضع البياض فاشتوى ذلك البياض فأخذه ( عليه السلام ) ، فألقاه إلى فيه فلما عرف الطعم ألقاه من فيه ، ثم أقبل على المرأة فسألها حتى أقرت بذلك ، ودفع الله عن الانصاري عقوبة عمر بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )(2).

---------------------------
(1) سورة يونس / 35 ، إبن شهراشوب 2 / 356 ، الارشاد 1 / 190 .
(2) الغدير 6 / 126 ، ابن شهراشوب 2 / 367 ، الارشاد 1 / 210 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 51 _

الغلام الذي نفته امّه
  وبإسناد مرفوع إلى عاصم بن ضمرة السلولي ، قال : سمعت غلاماً بالمدينة على عهد عمر بن الخطاب ، وهو يقول : يا أحكم الحاكمين أحكم بيني ، وبين امي ، فقال له عمر : يا غلام لم تدعو على أمك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إنها حملتني في بطنها تسعاً ، وأرضعتني حولين فلما ترعرعت ، وعرفت الخير من الشر ويميني من شمالي طردتني وانتفت مني وزعمت أنها لا تعرفني .
  فقال عمر أين تكون المرأة ؟ قال : في سقيفة بني فلان .
  فقال عمر علي بأم الغلام ، قال : فأتوا بها مع أربعة إخوة لها في قسامة يشهدون لها انها لا تعرف الصبي ، وان هذا الغلام غلام مدع ظلوم غشوم ، يريد أن يفضحها في عشيرتها وأن هذه الجارية من قريش ، لم تتزوج قط ، وأنها بخاتم ربها ، فقال عمر : يا غلام ما تقول ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه والله امي ، حملتني تسعاً ، وأرضعتني حولين ، فلما ترعرعت ، وعرفت الخير والشر ويميني من شمالي ، طردتني وانتفت مني و زعمت أنها لا تعرفني.
  فقال عمر : يا هذه ما يقول الغلام ؟ قالت يا أمير المؤمنين والذي احتجب بالنور ولا عين تراه وحق محمد وما ولد ، ما أعرفه ولا أدري اي الناس هو ، وإنه غلام مدع يريد أن يفضحني في عشيرتي ، وأنا جارية من قريش لم أتزوج قط ، واني بخاتم ربي .
  فقال عمر : ألك شهود ؟ فقالت : نعم هؤلاء ، فتقدم القسامة فشهدوا أن هذا الغلام مدع يريد أن يفضحها في عشيرتها ، وأن هذه جارية من قريش لم تتزوج قط ، وأنها بخاتم ربها ، فقال عمر : خذوا بيد الغلام فانطلقوا به إلى السجن حتى نسأل عن الشهود ، فإن عدلت شهادتهم جلدته حد المفتري ، فأخذ بيد الغلام لينطلق به الي السجن ، فتلقاهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، في بعض الطريق ، فنادى الغلام : يا ابن عم رسول الله اني غلام مظلوم ، وأعاد عليه الكلام الذي كلم به عمر ، ثم قال : وهذا عمر قد أمر بي إلى الحبس .

حديث لولا عليّ لهلك عمر
  فقال علي ( عليه السلام ) : ردوه فلما ردوه قال لهم عمر : أمرت به إلى السجن فرددتموه إلي ، فقالوا يا أمير المؤمنين : أمرنا علي بن أبي طالب برده إليك ، و سمعناك تقول لا تعصوا لعلي أمراً ، فبيناهم كذلك إذ أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال : علي بام الغلام فأتوا بها ، فقال ( عليه السلام ) : يا غلام ما تقول ؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال ( عليه السلام )لعمر : أتأذن لي في أن اقضي بينهما ؟ فقال عمر : يا سبحان الله وكيف لا ، وقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسلم يقول : أعلمكم علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (1) .
  فقال عليه السلام للمرأة : يا هذه ألك شهود ؟ قالت : نعم فتقدم القسامة فشهدوا بالشهادة الاولى ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : والله لاقضين بينكم اليوم بقضية هي مرضاة الرب من فوق عرشه ، علمنيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال لها : ألك ولي ؟ فقالت : نعم هؤلاء إخوتي ، فقال لاخوتها : أمري فيكم وفيها جائز ؟ قالوا : نعم يا ابن عم رسول الله ، أمركم فينا وفى اختنا جائز ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : اشهد الله واشهد أمير المؤمنين ( يعني عمر ) وأشهد من حضر من المسلمين أني قد زوجت هذه المرأة من هذا الغلام على أربع مائة درهم ، والمهر من مالي .

---------------------------
(1) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب .
الغدير 3 / 96 ، كنز العمال 6 / 153 ، مناقب الخوارزمي / 49 ، مقتل الخوارزمي 1 / 43 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 52 _

  يا قنبر علي بالدارهم ، فأتاه قنبر بها ، فصبها في يد الغلام ، ثم قال : خذها فصبها في حجر إمرأتك ، ولا تأتنا الا وبك أثر العرس ( يعنى الغسل ) ، فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة ثم تلببها فقال لها : قومي فنادت المرأة ، النار النار ، يا ابن عم رسول الله ، تريد أن تزوجني من ولدي هذا ، والله ولدي زوجني إخوتي هجيناً فولدت منه هذا الغلام ، فلما ترعرع وشب أمروني أن أنتفي منه ، وأطرده وهذا والله إبني ، وفؤادي يتحرق أسفاً على ولدي ، قال : ثم أخذت بيد الغلام وانطلقت ونادى عمر : واعمراه لولا علي لهلك عمر(1) .

حديث الرجلين المطلقين ثلاثاً
  وبإسناد مرفوع قال : بينا رجلان جالسان في دهر عمر بن الخطاب إذ مر بهما رجل مقيد ، وكان عبداً ، فقال أحدهما : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثاً ، فقال الآخر إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثاً ، قال : فذهبا إلى مولى العبد فقالا : إنا قد حلفنا على كذا وكذا فحل قيد غلامك حتى نزنه ، فقال مولى الغلام : إمرأته طالق إن حللت قيد غلامي ، قال فارتفعوا إلى عمر فقصوا عليه القصة ، فقال مولاه أحق به إذهبوا فاعتزلوا نساءكم ، فقالوا إذهبوا بنا إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، لعله أن يكون عنده في هذا شئ فأتوه ( عليه السلام ) فقصوا عليه القصة ، فقال ما أهون هذا ثم دعا بجفنة وأمر بقيد الغلام فشد فيه خيط وأدخل رجليه والقيد في الجفنة ، ثم صب الماء عليه حتى إمتلات ثم قال : ارفعوا القيد فرفع القيد حتى أخرج من الماء ثم دعا بزبر الحديد فأرسلها في الماء حتى تراجع الماء إلى موضعه حين كان القيد فيه ثم قال : زنوا هذا الحديد فإنه وزنه (2) .

طريقة عليّ ( عليه السلام ) في قطع يد السارق
  وروي ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، كان إذا قطع اليد قطع أربع أصابع و ترك الكف ، والراحة ، والابهام ، وإذا أراد قطع الرجل قطعها من الكعب وترك العقب ، فقيل له : لم هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : اني لاكره أن تدركه التوبة فيحتج علي عند الله إني لم أدع له من كرائم بدنه ما يركع به ويسجد (3).

حديث المملوكين
  وروي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : ادعى على عهد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رجلان كل واحد على صاحبه أنه مملوكه ، ولم يكن لهما بينة ، فبنى لهما بيتاً وجعل كوتين قريبة إحداهما من الاخرى ، وأدخلهما البيت وأخرج رأسيهما من الكوتين ، وقال لقنبر : قم عليهما بالسيف فإذا قلت لك إضرب عنق المملوك فافزعهما ولا تضربن أحداً منهما ، ثم قال له : إضرب عنق المملوك فهز قنبر السيف فأدخل أحدهما رأسه وبقى رأس الآخر خارجاً من الكوة فدفع الذي أدخل رأسه إلى صاحبه ، وقال له : إذهب فانه مملوكك (4) .

---------------------------
(1) هذا الحديث واضرابه من القضايا التي اجمعت العامة والخاصة على صحته ، وجاء في كتب الفريقين مما يثبت جهل عمر وقصوره في العلم إلى جانب اعترافه وتصريحه بفضل سيدنا امير المؤمنين ( عليه السلام ) .
الغدير 6 / 104 ، مناقب ابن شهراشوب 2 / 361 ، البحار 9 / 487 الطبعة القديمة .
(2) الغدير 6 / 38 ـ 323 ، قضاوتهاى امير المؤمنين ( عليه السلام ) / 59 .
(3) المصدر السابق .
(4) المصدر السابق .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 53 _

حديث من رمى فأصاب رباعية إنسان
  وعنه ( عليه السلام ) قال : كان صبيان في زمن علي ( عليه السلام ) يلعبون بأحجار لهم ، فرمى أحدهم بحجره فأصاب رباعية صاحبه ، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأقام الرامي البينة أنه قال : حذار حذار ، فدرأ عنه القصاص ثم قال ( عليه السلام ) : قد أعذر من حذر (1) .

قوله ( عليه السلام ) : إحتجوا بالشجرة واضاعوا الثمرة :
  وفي خبر مرفوع قال ، لما رفع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يده من غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أتته أنباء السقيفة ، فقال : ما قالت الانصار ؟ قالوا قالت : منا أمير ومنكم أمير ، قال ( عليه السلام ) : فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وصى بأن يحسن إلى محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، قالوا : وما في هذا من حجة عليهم ؟ فقال ( عليه السلام ) : لو كانت الامارة فيهم لم تكن الوصية بهم ، ثم قال ( عليه السلام ) : فماذا قالت قريش ؟ قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال ( عليه السلام ) : إحتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة(2).
  من جوابات المسائل التي سئل ( عليه السلام ) عنها بإسناد مرفوع إلى الاصبغ بن نباته قال : أتى إبن الكواء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان معنتا في المسائل فقال له : يا أمير المؤمنين خبرني عن الله عزوجل ، هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم ، وردوا عليه الجواب ، قال : فثقل ذلك على إبن الكواء ولم يعرفه فقال : وكيف كان ذلك ؟ فقال : أوما تقرأ كتاب الله تعالى إذ يقول لنبيه ( عليه السلام ) : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى )(3) فقد أسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله يا ابن الكواء ، قالوا بلى ، وقال لهم : ( إني أنا الله لا إله الا أنا وأنا الرحمن الرحيم ) فأقروا له بالطاعة والربوبية ، وميز الرسل والانبياء والاوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق و أشهدهم على أنفسهم ، وأشهد الملائكة عليهم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذه غافلين (4) .
قال السيد الرضي أبو الحسن : ولهذه الآية تأويل ليس هذا الموضع كشف جليته وبيان حقيقته .
وسأله عليه السلام رجل من اليهود ، فقال : أين كان الله تعالى من قبل أن يخلق السماوات والارض ؟ فقال عليه السلام : أين سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان .
فقطعه في أوجز كلمة (5) .

---------------------------
(1) شرح محمد عبده 3 / 164 .
(2) شرح ابن ميثم البحراني 2 / 184 ، شرح ابن ابي الحديد 6 / 3 .
(3) سورة الاعراف / 172 .
(4) مجمع البيان 1 / 497 ، تفسير الدر المنثور 3 / 142 ، تفسير الطبري 9 / 114 .
(5) شرح محمد عبده 1 / 160 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 54 _

ومن مسائل سأله عنها إبن الكواء
فقال : كم بين المشرق والمغرب ؟ قال ( عليه السلام ) : مسيرة يوم مطرد للشمس ، وهذا أخصر كلام يكون وأبلغه .

مسائل كعب الأحبار
  وبإسناد مرفوع قال : إجتمع نفر من الصحابة على باب عثمان بن عفان فقال كعب الاحبار : والله لوددت أن أعلم أصحاب محمد عندي الساعة فأسأله عن أشياء ما أعلم أحد على وجه الارض يعرفها ما خلا رجلا أو رجلين إن كانا ، قال : فبينا نحن كذلك إذ طلع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : فتبسم القوم .
  قال : فكأن علياً ( عليه السلام ) دخله من ذلك بعض الغضاضة ، فقال لهم : لشئ ما تبسمتم ؟ فقالوا : لغير ريبة ولا بأس يا أبا الحسن إلا أن كعباً تمنى امنية فعجبنا من سرعة إجابة الله له في أمنيته ، فقال ( عليه السلام ) لهم : وما ذاك ؟ قالوا : تمنى أن يكون عنده أعلم أصحاب محمد ( عليه السلام ) ليسأله عن أشياء زعم أنه لا يعرف أحداً على وجه الارض يعرفها ، قال فجلس ( عليه السلام ) ، ثم قال : هات يا كعب مسائلك .
  فقال : يا أبا الحسن أخبرني عن أول شجرة اهتزت على وجه الارض ؟ فقال ( عليه السلام ) : في قولنا أو في قولكم ؟ فقال : بل أخبرنا عن قولنا وقولكم ، فقال ( عليه السلام ) : تزعم يا كعب أنت وأصحابك إنها الشجرة التي شق منها السفينة قال كعب : كذلك نقول فقال ( عليه السلام ) : كذبتم يا كعب ولكنها النخلة التي أهبطها الله تعالى مع آدم ( عليه السلام ) من الجنة ، فاستظل بظلها وأكل من ثمرها .
  هات يا كعب : فقال يا أبا الحسن أخبرني عن أول عين جرت على وجه الارض ، فقال ( عليه السلام ) : في قولنا أو في قولكم ؟ فقال كعب : أخبرني عن الامرين جميعاً ، فقال ( عليه السلام ) : تزعم أنت وأصحابك أنها العين التي عليه صخرة بيت المقدس ، قال كعب : كذلك نقول ، قال : كذبتم يا كعب ولكنها عين الحيوان وهي التي شرب منها الخضر فبقى في الدنيا .
  قال ( عليه السلام ) هات يا كعب : قال أخبرني يا أبا الحسن عن شئ من الجنة في الارض فقال ( عليه السلام ) : في قولنا أو في قولكم ، فقال : عن الامرين جميعاً ، فقال ( عليه السلام ) : تزعم أنت وأصحابك انه حجر أنزله الله من الجنة أبيض فاسود من ذنوب العباد ، قال كذلك نقول ، قال : كذبتم يا كعب ولكن الله أهبط البيت من لؤلؤة بيضاء ، جوفاء من السماء إلى الارض فلما كان الطوفان رفع الله البيت وبقى أساسه .
  هات يا كعب ، قال : أخبرني يا أبا الحسن عمن لا أب له ، وعمن لا عشيرة له ، وعمن لا قبلة له ، قال : اما من لا أب له فعيسى ( عليه السلام ) ، وأما لا عشيرة له فآدم ( عليه السلام ) ، واما من لا قبلة له فهو البيت الحرام ، هو قبلة ولا قبلة لها .
  هات يا كعب فقال : أخبرني يا أبا الحسن عن ثلاثة أشياء لم ترتكض في رحم ولم تخرج من بدن ، فقال ( عليه السلام ) له : هي عصا موسى ( عليه السلام ) ، وناقة ثمود وكبش إبراهيم .
  ثم قال هات يا كعب ، فقال : يا أبا الحسن بقيت خصلة فإن أنت أخبرتني بها فأنت أنت ، قال هلمها يا كعب قال : قبر سار بصاحبه ، قال : ذلك يونس بن متى إذ سجنه الله في بطن الحوت(1).

---------------------------
(1) سفينة البحار 2 / 482 نقلا عن تفسير علي بن ابراهيم القمي ، فضاوتهاى أمير المؤمنين / 250 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 55 _

مسائل أسقف نجران من عمر وإجابته ( عليه السلام ) له
  وبإسناد مرفوع إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام )، قال : قدم أسقف نجران على عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين : إن أرضنا باردة سديدة المؤونة لا تحمل الجيش ، وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله إليك في كل عام كملا ، فكان يقدم هو بالمال بنفسه ، ومعه أعوان له حتى يوفيه بيت المال ، ويكتب له عمر البرائة . قال : فقدم الاسقف ذات عام ، وكان شيخاً جميلاً فدعاه عمر إلى الله ، وإلى دين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنشأ يذكر فضل الاسلام وما يصير إليه المسلمون من النعيم والكرامة ، فقال له الاسقف : يا عمر أنتم تقرؤن في كتابكم أن لله جنة عرضها كعرض السماء والارض ، فأين تكون النار ؟ قال : فسكت عمر ، ونكس رأسه ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان حاضراً : أجب هذا النصراني .
  فقال له عمر : بل أجبه أنت ، فقال ( عليه السلام ) ، له : يا أسقف نجران أنا أجيبك أرأيت إذا جاء النهار أين يكون الليل ، وإذا جاء الليل أين يكون النهار ؟ فقال الاسقف : ما كنت أرى أن أحداً يجيبني عن هذه المسألة .
  ثم قال : من هذا الفتى يا عمر ؟ قال عمر : هذا علي بن أبي طالب ختن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإبن عمه ، وأول مؤمن معه ، هذا أبو الحسن والحسين ( عليهما السلام ).
  قال الاسقف : أخبرني يا عمر عن بقعة في الارض طلعت فيها الشمس ساعة ، ولم تطلع فيها قبلها ولا بعدها ؟ قال له عمر : سل الفتى فقال أمير المؤمنين : أنا اجيبك ، هو البحر حيث انفلق لبني اسرائيل فوقعت الشمس فيه ولم تقع فيه قبله ولا بعده ، قال الاسقف : صدقت يافتى .
  ثم قال الاسقف : يا عمر أخبرني عن شئ في أيدي أهل الدنيا شبيه بثمار أهل الجنة ؟ فقال : سل الفتى .
  فقال ( عليه السلام ) أنا أجيبك : هو القرآن يجتمع أهل الدنيا عليه فيأخذون منه حاجتهم ، ولا ينتقص منه شئ وكذلك ثمار الجنة .
قال الاسقف : صدقت يافتى .
  ثم قال الاسقف يا عمر : أخبرني هل للسماوات من أبواب ؟ فقال له عمر : سل الفتى .
  فقال ( عليه السلام ) : نعم يا أسقف ، لها أبواب فقال : يافتى ، هل لتلك الابواب من أقفال ؟ فقال ( عليه السلام ) : نعم يا أسقف ، أقفالها الشرك بالله قال الاسقف : صدقت يافتى .
  فما مفتاح تلك الاقفال ؟ فقال ( عليه السلام ) : شهادة ان لا إله إلا الله ، لا يحجبها شيء دون العرش فقال : صدقت يافتى .
  ثم قال الاسقف يا عمر : أخبرني عن أول دم وقع على وجه الارض اي دم كان ؟ فقال : سل الفتى : فقال ( عليه السلام ) : أنا أجيبك ، يا أسقف نجران ، أما نحن فلا نقول كما تقولون أنه دم ابن آدم الذى قتله اخوه ليس هو كما قلتم ، ولكن أول دم وقع على وجه الارض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم ، قال الاسقف صدقت يافتى .

---------------------------
(1) سفينة البحار 2 / 482 نقلاً عن تفسير علي بن ابراهيم القمي ، فضاوتهاى أمير المؤمنين / 250 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 56 _

  ثم قال الاسقف : بقيت مسألة واحدة أخبرني أنت يا عمر أين الله تعالى ؟ قال : فغضب عمر ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أنا اجيبك وسل عما شئت ، كنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم ، أتاه ملك فسلم فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أين ارسلت ؟ قال : من سبع سموات من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله : من أين ارسلت ؟ فقال : من سبع أرضين من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله : من أين ارسلت ؟ قال : من مشرق الشمس من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فقال له رسول الله : من أين ارسلت ؟ فقال : من مغرب الشمس من عند ربي ، فالله هاهنا ، و هاهنا ، وهاهنا ، في السماء إله ، وفي الارض إله ، وهو الحكيم العليم .
  قال أبو جعفر : معناه من ملكوت ربي في كل مكان ، ولا يعزب عن علمه شيء تبارك وتعالى (1).

ومن جملة كلامه عليه السلام للشامي :
  لما سأله أكان مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره ، بعد كلام طويل هذا مختاره :
  إن الله سبحانه أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، فكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً ، ولم يرسل الانبياء لعباً ، ولم ينزل الكتاب للعباد عبًثا ، ولا خلق السموات والارض وما بينهما باطلاً ( ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ )(2) .

ومن كلامه ( عليه السلام )القصير في فنون البلاغة والمواعظ والزهد ، والامثال
  ولو لم يكن في هذا الكتاب سوى ما أوردناه من هذا الفصل لكفى به فائدة .
  قال ( عليه السلام ) : خذ الحكمه أنى أتتك فإن الحكمة تكون في صدر المنافق ، فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن (3) .
  وقال ( عليه السلام ) : الهيبة خيبة ، والفرصة تمر مر السحاب ، والحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق (4) .
  وقال ( عليه السلام ) : اوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الابل كانت لذلك أهلاً ، لا يرجون أحد منكم الا ربه .
  ولا يخافن إلا ذنبه .
  ولا يستحيين أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم .
  ولا يستحيين أحد إذا لم يعلم الشئ أن يتعلمه .
  وعليكم بالصبر فإن الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه (5).
  وقال الاصمعي : أتى رجل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأفرط في الثناء عليه ، فقال ( عليه السلام ) وكان له متهماً : أنا دون ما تقول ، وفوق ما في نفسك .

---------------------------
(1) الغدير 6 / 242 ، زين الفتى في شرح سورة هل أتى ( خ ) ، قضاوتهاى امير المؤمنين ( عليه السلام ) / 282 .
(2) الارشاد / 120 ، شرح إبن ميثم البحراني 5 / 278 .
(3)شرح إبن ميثم 5 / 281 ، ابن أبي الحديد 18 / 229 .
(4) المصدر السابق .
(5) الارشاد / 157 ، شرح ، إبن ميثم 5 / 282 ، إبن أبي الحديد 18 / 232 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 57 _

  وقال ( عليه السلام ) : قيمة كل امرئ ما يحسنه .
  قال السيد الرضي أبو الحسن ( رضي الله عنه ) : وهذه الكلمة لا قيمة لها ولا كلام يوزن بها (1).
  وقال ( عليه السلام ) : السيف أبقى عدداً وأكثر ولداً (2) .   وقال ( عليه السلام ) : من ترك قول ( لا أدري ) اصيبت مقالته (3) .
  وقال ( عليه السلام ) : رأي الشيخ أحب إلي من جلد الغلام ، ويروى من مشهد الغلام (4).
  وقال ( عليه السلام ) : وقد سمع رجلاً من الحرورية يتهجد بصوت حزين ، نوم على يقين خير من صلاة في شك (5) .
  وقال ( عليه السلام ) : إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية ، لا عقل رواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل (6) وقال ( عليه السلام )، وقد سمع رجلاً يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون : يا هذا إن قولنا : إنا لله إقرار منا بالملك ، وقولنا إليه راجعون إقرار منا بالهلك (7).
  وكان ابن عباس ( رضي الله عنه ) يقول : ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كإنتفاعي بكلام كتبه إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو :
  اما بعد ، فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها وما نلت من دنياك ، فلا تكثر به فرحاً ، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً ، وليكن همك فيما بعد الموت(8).
  وكان ( عليه السلام )يقول إذا اطري في وجهه : أللهم اجعلنا خيراً مما يظنون ، واغفر لنا ما لا يعلمون (9).
  وقال ( عليه السلام ) : لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث ، بإستصغارها لتعظم ،   وباستكتامها لتنسى ، وبتعجيلها لتهنأ (10).
  وقال ( عليه السلام ) : يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل ، ولا يظرف فيه إلا الفاجر ، ولا يضعف فيه إلا المنصف ، يعدون الصدقة غرماً ، وصلة الرحم منا ، والعبادة إستطالة على الناس ، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة الاماء ، وإمارة الصبيان (11).

---------------------------
(1) نفس المصدر .
(2) شرح إبن أبي الحديد 18 / 235 ، إبن ميثم البحراني 5 / 283 .
(3) المصدر السابق .
(4) إبن ابي الحديد 18 / 237 ، إبن ميثم البحراني 5 / 284 .
(5) اشرح إبن ميثم 5 / 289 ، مجمع الامثال 2 / 455 .
(6) إبن ميثم البحراني 5 / 290 .
(7) نفس المصدر .
(8) شرح إبن ميثم 5 / 215 ، دستور معالم الحكم / 96 .
(9) المصدر السابق 5 / 290 .
(10) نفس المصدر .
(11) إبن ميثم البحراني 5 / 291 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 58_

  وقال ( عليه السلام ) ، وقد شوهد عليه ازار مرقوع فقيل له في ذلك فقال : يخشع له القلب ، وتذل به النفس ، ويقتدي به المؤمنون (1) .
  وكان ( عليه السلام ) يقول : إنما أخشى عليكم من بعدي إتباع الهوى ، وطول الامل ، فان طول الامل ينسي الآخرة ، واتباع الهوى يصد عن الحق ، ألا وان الدنيا قد إرتحلت مدبرة ، والآخرة قد جاءت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل ، واليوم المضمار ، وغداً السباق ، والسبقة الجنة ، والغاية النار (2) .
  وقال ( عليه السلام ) : ان الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما كلما قرب من واحد بعد عن الآخر ، وهما بعد ضرتان (3) .
  وعن نوف البكالى ، قال : رأيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر إلى النجوم ، ثم قال : يا نوف ، أراقد أنت أم رامق ؟ قلت : بل رامق يا أمير المؤمنين ، قال يا نوف : طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، اولئك قوم إتخذوا الارض بساطاً ، وترابها فراشاً ، وماءها طيباً ، والقرآن شعاراً ، والدعاء دثاراً ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح ( عليه السلام ) .
  يا نوف إن داود ( عليه السلام ) ، قام في مثل هذه الساعة من الليل ، فقال إنها ساعة لا يدعو فيها عبد الا استجيب له إلا ان يكون عشاراً ، أو عريفاً ، أو شرطياً ، أو صاحب عرطبة ( وهى الطنبور ) أو صاحب كوبة ( وهي الطبل )(4).
  وقال ( عليه السلام ) : إن الله فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن أشياء و لم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها ، رحمة من ربكم رحمكم بها فاقبلوها (5) .
  وقال ( عليه السلام ) : لا يترك الناس شيئاً من دينهم ، لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو اضر منه (6) .
  وقال عليه السلام : رب عالم قد قتله جهله ، ومعه علمه لا ينفعه (7) .

---------------------------
(1) إبن مثيم 5 / 292 .
(2) شرح إبن ميثم 2 / 40 ، إبن أبي الحديد 2 / 91 .
(3) إبن ميثم البحراني 5 / 292 .
(4) شرح إبن ميثم 5 / 293 ، إبن أبي الحديد 18 / 265 .
(5) إبن ميثم البحراني 5 / 294 ، إبن أبي الحديد 18 / 267 . .
(6) المصدر السابق 5 / 295 .
(7) نفس المصدر ، إبن أبي الحديد 18 / 269 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 59_

  وقال ( عليه السلام ) : أعجب ما في هذا الانسان قلبه ، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب إشتد به الغيظ
  وإن أسعده الرضا نسي التحفظ ، وإن غاله الخوف شغله الحذر ، وإن إتسع له ، الامر استلبته الغرة ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى ، وإن عضته الفاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة ، فكل تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد (1) .
  وقال ( عليه السلام ) : نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي ، وإليها يرجع الغالي (2) .
  ومن كلام له ( عليه السلام ) : تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل ، واقلوا العرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد ، فإن أمامكم عقبة كؤدا ، ومنازل هائلة مخوفة ، لا بد من الممر عليها ، والوقوف عندها ، فإما برحمة من الله نجوتم من فظاظتها (3) وشدة مختبرها ، وكراهة منظرها ، وإما بهلكة ليس بعدها نجاة ، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة .
  وكان ( عليه السلام ) يقول : الوفاء توأم الصدق ، ولا نعلم نجاة ولا جنة أوقى منه ، وما يغدر من يعلم كيف المرجع في الذهاب عنه ، ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الشر كيساً ، ونسبهم أهل الجهل إلى حس الحيلة ، ما لهم ( قاتلهم الله ) قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه ، فيدعها من بعد قدرة وينتهز فرصتها من لا جريحة في الدين (4) .
  وقال ( عليه السلام ) : الناس في الدنيا عاملان ، عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلف الفقر ، ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره ، وآخر عمل في الدنيا لما بعدها ، فجاءه ، الذى له من الدنيا بغير عمل ، فأصبح ملكاً عند الله لا يسأل شيئا يمنعه (5) .
  وقال ( عليه السلام ) : شتان بين عملين ، عمل تذهب لذته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره (6) .
  وتحدث ( عليه السلام ) يوماً بحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، فقال ( عليه السلام ) : ما زلت مذ قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مظلوماً ، وقد بلغني مع ذلك أنكم تقولون إني أكذب عليه ، ويلكم أتروني اكذب ؟ فعلى من أكذب ؟ أعلى الله ؟ فأنا أول من آمن به ، أم على رسول الله ؟ وأنا أول من صدقه .
  ولكن لهجة غبتم عنها ، ولم تكونوا من أهلها ، وعلم عجزتم عن حمله ولم تكونوا من أهله ، إذ كيل بغير ثمن لو كان له وعاء ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )(7) .

---------------------------
(1) شرح إبن ميثم 5 / 295 ، الارشاد / 159 ، دستور معالم الحكم / 129 .
(2) شرح إبن أبي الحديد 18 / 273 ، إبن ميثم 5 / 297 .
(3) في اكثر الشروح هكذا : وطئتها.
(4) شرح إبن ميثم البحراني 2 / 104.
(5) المصدر السابق 5 / 380 .
(6) شرح إبن ميثم 5 / 306 .
(7) سورة ص / 88 ، شرح إبن ميثم 2 / 192 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 60 _

  أراد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كان يخيله ويسر إليه .
  وشيع علي ( عليه السلام ) جنازة ، فسمع رجلاً يضحك ، فقال ( عليه السلام ) : كأن الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نرى من الاموات سفر ، عما قليل إلينا راجعون ، نبؤهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم قد نسينا كل واعظة ، ورمينا بكل جائحةٍ (1) .
  وقال ( عليه السلام ) : طوبى لمن ذل في نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من لسانه ، وعزل عن الناس شره ، ووسعته السنة ، ولم ينسب إلى بدعة .
  قال السيد الرضي أبو الحسن ( رضي الله عنه ) ، وهذا الكلام من الناس من يرويه عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك الذي قبله (2) .
  وقال ( عليه السلام ) : من أراد عزاً بلا عشيرة ، وهيبة من غير سلطان ، وغنى من غير مالٍ ، وطاعةٍ من غير بذلٍ ، فليتحول من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله فإنه يجد ذلك كله(3) .
  وقال ( عليه السلام ) : وقد فرغ من حرب الجمل : معاشر الناس إن النساء نواقص الايمان ، نواقص العقول ، نواقص الحظوظ ، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن .
  وأما نقصان عقولهن فلا شهادة لهن إلا في الدين ، وشهادة إمرأتين برجل .
  وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال (4) .
  وقال ( عليه السلام) : إتقو شرار النساء ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر (5) .
  وقال ( عليه السلام) : غيرة المرأة كفر ، وغيرة الرجل إيمان(6).
  وقال ( عليه السلام) : لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي ، الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الاقرار ، والاقرار هو الاداء ، والاداء هو العمل (7) .
  وقال ( عليه السلام) : قد يكون الرجل مسلماً ولا يكون مؤمناً ، ولا يكون مؤمناً حتى يكون مسلماً ، والايمان إقرار باللسان ، وعقد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، ولا يتم المعروف إلا بثلاث ، تعجيله ، وتصغيره ، وتستيره ، فإذا عجلته هنأته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته تممته (8) .
  وقال ( عليه السلام) : عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب ، وفاته الغنى الذي إياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب الاغنياء .

---------------------------
(1) إبن ميثم البحراني 5 / 306 ، إبن أبي الحديد 18 / 311 .
(2) المصدر السابق .
(3) شرح إبن ميثم 5 / 304 .
(4) إبن ميثم البحراني 2 / 223 .
(5) المصدر السابق .
(6) شرح إبن ميثم 5 / 308 .
(7) نفس المجلد والصفحة .
(8) شرح إبن أبي الحديد 19 / 51 ، شرح محمد عبده 3 / 203 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 61 _

  وعجبت للمتكبر الذي كان بالامس نطفة وهو غداً جيفة .
  وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله .
  وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت .
  وعجبت لمن أنكر النشأة الاخرى وهو يرى النشأة الاولى .
  وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء(1) .
  وقال ( عليه السلام ) : من قصر في العمل ابتلى بالهم ، ولا حاجة لله فيمن ليس لله في نفسه وماله نصيب(2) .
  وقال ( عليه السلام ) : لسلمان الفارسي ( رحمة الله عليه ) ، إن مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها ، فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها ، فإن المرء العاقل كلما صار فيها إلى سرور أشخصته منها إلى مكروه ، ودع عنك همومها إن أيقنت بفراقها (3) .
  وقال ( عليه السلام ) : توقوا البرد في أوله ، وتلقوه في آخره ، فانه يفعل بالابدان كفعله في الاشجار أوله يحرق وآخره يورق(4) .
  وقال ( عليه السلام ) : عظم الخالق عندك ، يصغر المخلوق في عينك(5) .
  وقال ( عليه السلام ) : ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله ، البغي ، والنكث ، والمكر ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ) (6) وقال تعالى : ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) (7) وقال تعالى : ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )(8) .

---------------------------
(1) شرح إبن ميثم 5 / 309 .
(2) إبن ميثم البحراني 5 / 310 .
(3) دستور معالم الحكم / 37 ، شرح إبن ميثم 5 / 218.
(4) شرح إبن ميثم 5 / 311 .
(5) نفس المصدر .
(6) سورة يونس / 23 .
(7) سورة الفتح / 10.
(8) سورة فاطر / 43.

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 62 _

كلامه مع أهل القبور
  وقال ( عليه السلام ) ، وقد رجع من صفين ، فأشرف على القبور بظاهر الكوفة فقال :
  يا أهل القبور يا أهل التربة ، يا أهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة ، أما الدور فقد سكنت ، وأما الازواج فقد نكحت ، وأما الاموال فقد قسمت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لاخبروكم : أن خير الزاد التقوى (1).
  وقال ( عليه السلام ) : إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن إتعظ بها ، مسجد أحباء الله ، و مصلى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ، إكتسوا فيها الرحمة ، وربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت لهم ببلائها ، وشوقتهم بسرورها إلى السرور ، وراحت بعافية ، وإبتكرت بفجيعة ، ترغيباً وترهيباً وتخويفاً وتحذيراً ، فذمها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكرتهم الدنيا فذكروا وحذرتهم فصدقوا ، ووعظتهم فإتعظوا .
  فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها ، بم تذمها ؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ متى استهوتك ؟ أم متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بكفيك ؟ وكم مرضت بيديك ؟ تبغى لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الاطباء ، لم ينفع أحدهم إشفاقك ، ولم تسعف فيه بطلبتك ، قد مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك (2) .
  وقال ( عليه السلام ) : المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما لإقوام(3).
  وقال ( عليه السلام ) : من لهج قلبه بحب الدنيا إلتاط منها بثلاث ، هم لا يغبه ، وأمل لا يدركه ، ورجاء لا يناله (4) .
  وقال ( عليه السلام ) : إن لله ملكاً ينادي في كل يوم ، لدوا للموت ، واجمعوا للفناء ، وابنوا للخراب(5).
  وقال ( عليه السلام ) : الدنيا دار ممر إلى دار مقر ، والناس فيها رجلان ، رجل باع نفسه فأوبقها ، ورجل إبتاع نفسه فأعتقها (6).
  وقال ( عليه السلام ) : لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث ، في نكبته ، وغيبته ، ووفاته (7).
ً   وقال ( عليه السلام ) : من أعطى أربعاً لم يحرم أربعاً ، من أعطي الدعاء لم يحرم الاجابة .
  ومن اعطي التوبة لم يحرم القبول .
  ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة .
  ومن اعطي الشكر لم يحرم الزيادة .
  وتصديق ذلك في القرآن قال الله تعالى في الدعاء : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(8).

---------------------------
(1) ابن ميثم الكبير 5 / 312 ، ابن ابي الحديد 18 / 322.
(2) إبن أبي الحديد 18 / 235 ، ابن ميثم 5 / 313 .
(3) شرح ابن ميثم 2 / 3 ، شرح ابن ابي الحديد 1 / 312 .
(4) شرح ابن ابى الحديد 19 / 52 ، ابن ميثم 5 / 356 .
(5) شرح ابن مثيم 5 / 316 ، شرح محمد عبده 3 / 183 .
(6) ابن ابي الحديد 18 / 329 ، ابن ميثم البحراني 5 / 316 .
(7) شرح ابن ميثم 5 / 316 ، ابن ابي الحديد 18 / 330.
(8) سورة غافر / 60 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 63 _

  وقال ـ تعالى ـ في الاستغفار : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا )(1)وقال تعالى في الشكر : ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ )(2)وقال تعالى في التوبة : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ )(3) .
  وقال ( عليه السلام ) : الصلاة قربان كل تقي ، والحج جهاد كل ضعيف ، ولكل شئ زكاة ، وزكاة البدن الصيام ، وجهاد المرأة حسن التبعل(4).
  وقال ( عليه السلام ) : إستنزلوا الرزق بالصدقة .
  ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية(5).
  وقال ( عليه السلام ) : تنزل المعونة على قدر المؤونة(6) .
  وقال ( عليه السلام ) : التقدير نصف العيش ، وما عال إمرء اقتصد(7) .
  وقال ( عليه السلام ) : قلة العيال أحد اليسارين(8).
  وقال ( عليه السلام ) : التودد نصف العقل(9).
  وقال ( عليه السلام ) : الهم نصف الهرم(10) .
  وقال ( عليه السلام ) : ينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن ضرب على فخذه عند المصيبة حبط أجره(11).
  وقال ( عليه السلام ) : كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء ، حبذا نوم الاكياس وإفطارهم ، عيبوا الحمقى بصيامهم وقيامهم ، والله لنوم على يقين أفضل من عبادة أهل الارض من المغترين(12) .
  وقال ( عليه السلام ) : لا تأكلوا الربا في معاملاتكم فوالذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة للربا أخفى في هذه الامة من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء (13).

---------------------------
(1) سورة النساء / 110.
(2) سورة ابراهيم / 7 .
(3) سورة النساء / 17 .
(4) شرح ابن ابي الحديد 18 / 332 / ابن ميثم البحراني 5 / 317.
(5) شرح ابن ميثم البحراني 5 / 318 ، شرح محمد عبده 3 / 185 .
(6) إبن أبي الحديد 18 / 337 ، ابن ميثم 5 / 3186 .
(7) شرح ابن ميثم البحراني 5 / 319 ، ابن ابي الحديد 18 / 338 .
(8) شرح ابن أبي الحديد 18 / 339 ، ابن ميثم 5 / 319 .
(9) شرح ابن ميثم 5 / 319 ، ابن أبي الحديد 18 / 340 .
(10) ابن أبي الحديد 18 / 341 ، شرح عبده 3 / 185 .
(11) ابن ميثم البحراني 5 / 319 ، إبن أبي الحديد 18 / 342 .
(12) ابن أبي الحديد 18 / 344 ، ابن ميثم البحراني 5 / 320 .
(13) المصدر السابق 3 / 368 .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 64 _

  قال السيد الرضي ( رضي الله عنه ) ، وهذا الكلام يروى أيضاً للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا عجب أن يتداخل الكلامان ، ويتشابه الطريقان ، إذ كانا ( عليهما السلام) يمضيان في إسلوب ويغرفان من قليب .
  وقال ( عليه السلام ) : سوسوا إيمانكم بالصدقة ، وحصنوا أموالكم بالزكاة ، وإدفعوا البلاء بالدعاء .

وصيته لكميل بن زياد الأسدي
  ومن كلامه ( عليه السلام ) ، لكميل بن زياد النخعي على التمام :
  حدثني هارون بن موسى ، قال حدثني أبو علي محمد بن همام الاسكافي ، قال : حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثني محمد بن علي ابن خلف ، قال : حدثني عيسى بن الحسين بن عيسى بن زيد العلوي عن إسحاق ابن إبراهيم الكوفي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح عن كميل بن زياد النخعي ، قال : أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فأخرجني إلى الجبان ، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال :
  يا كميل بن زياد ، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق .
  يا كميل بن زياد ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الانفاق .
  يا كميل بن زياد ، معرفة العلم دين يدان به ، يكسب الانسان الطاعة في حياته ، وجميل الاحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه .
  يا كميل بن زياد ، هلك خزان الاموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، اعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها إن ها هنا لعلماً جماً ( وأشار إلى صدره ) لو أصبت له حملة .
  بلى أصيب لقنا غير مأمون عليه مستعملاً آلة الدين للدنيا ومستظهراً بنعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقاداً لحملة الحق ، لا بصيرة له في إغيائه ، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة ألا لاذا ولا ذاك ، أو منهوماً باللذة سلس القياد للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والادخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شبها بهما الانعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه .
  اللهم بلى ، لا تخلو الارض من قائم لله بحجةٍ إما ظاهراً مشهوداً أو خافياً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، وكم ذا ، وأين أولئك ، أولئك والله الاقلون عدداً ، والاعظمون قدراً بهم يحفظ الله حججه ، وبيناته حتى يودعوها نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعر المترفون ، وأنسوا ما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه .

خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ 65 _

  آه آه شوقاً إلى رؤيتهم ، إنصرف إذا شئت (1).
  وقال ( عليه السلام ) : المرء مخبوء تحت لسانه(2).
  وقال ( عليه السلام ) : هلك إمرؤ لم يعرف قدره(3).
  وقال ( عليه السلام ) : لكل إمرئ عاقبة حلوة أو مرة(4).
  وقال( عليه السلام ) : لكل مقبل إدبار ، وما أدبر كأن لم يكن (5) .
  وقال ( عليه السلام ) : أكثر العطايا فتنة وما كلها محموداً في العاقب(6).
  وقال ( عليه السلام ) : الصبر لاعطاء الحق مر ، وما كل له بمطيق(7).
  وقال ( عليه السلام ) : لا يعدم الصبور الظفر ، وإن طال به الزمان(8).
  وقال ( عليه السلام ) : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم (9) .
  وقال ( عليه السلام ) : على كل داخل في باطل إثمان ، إثم العمل به ، وإثم الرضا به (10) .
  وقال ( عليه السلام ) : ما إختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة (11) .
  وقال ( عليه السلام ) : ما شككت في الحق منذ أريته (12).
  وقال ( عليه السلام ) : ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي (13).
  وقال ( عليه السلام ) : للظالم البادي غداً بكفه عضة(14).

---------------------------
(1) شرح ابن ميثم البحراني 5 / 321 ، محمد عبده 3 / 186 ، شرح ابن أبي الحديد 18 / 346 .
(2) ابن ميثم 5 / 327 ، إبن أبي الحديد 18 / 353 .
(3) إبن أبي الحديد المعتزلي 18 / 355 ، شرح ابن ميثم البحراني 5 / 327 .
(4) شرح ابن ميثم 5 / 332 ، شرح ابن أبي الحديد 18 / 361 .
(5) ابن أبي الحديد 18 / 363 ، إبن ميثم البحراني 5 / 332 .
(6) دستور معالم الحكم / 119 .
(7) ابن ميثم 5 / 225 .
(8) شرح ابن ابي الحديد 18 / 366 ، شرح ابن ميثم ( الكبير ) 5 / 332 .
(9) إبن ميثم البحراني 5 / 332 ، إبن أبي الحديد 18 362 .
(10) إبن أبي الحديد 18 / 362 ، شرح ابن ميثم 5 / 332 .
(11) شرح ابن مثيم البحراني 5 / 340 ، ابن أبي الحديد 18 / 367 .
(12) إبن أبي الحديد 18 / 374 ، ابن ميثم الحبراني 5 / 340 .
(13) شرح ابن ميثم 5 / 340 ، شرح ابن أبي الحديد 18 / 368 .
(14) ابن ميثم البحراني 5 / 341 ، ابن أبي الحديد 18 / 369 .