7 ـ وعنه عليه السلام : نحن أولى الناس بالناس ، في كتاب الله ، وعلى لسان نبيه
.
8 ـ وقال عليه السلام في خطبة له : ( إن علياً باب من دخله كان مؤمناً ، ومن خرج عنه كان كافراً )
.
9 ـ وفي موقف له من حبيب بن مسلمة ، قال له : ( رُب مسير لك في غير طاعة الله ، فقال له حبيب : أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك ، قال : بلى والله ، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة ، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك ، ولو كنت إذ فعلت شراً ، قلت خيراً الخ ... )
.
10 ـ ولتراجع خطبة الإمام الحسن عليه السلام ، التي يُكَّذِب فيها : أن يكون يرى معاوية أهلاً للخلافة ، وقد تقدمت إشارة إلى ذلك مع مصادره ، حين الكلام تحت عنوان : ( الأئمة في مواجهة الخطة ) فلا نعيد .
وحسبنا ما ذكرناه هنا ، فإننا لم لم نقصد إلا إلى ذكر نماذج من ذلك ، ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة كتب الحديث والتاريخ .
ثالثاً : إن تطهير الله سبحانه وتعالى للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه ، وكلمات النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في حقه ، ثم ما عرف عنه عليه السلام من أخلاق فاضلة ، وسجايا كريمة ... ليكذب كل ما ينسب إليه صلوات الله وسلامه عليه من أمور وكلمات ، مثل قوله : أمرتك ، ونحو ذلك تتنافى مع أبسط قواعد الأدب الإسلامي الرفيع ، والخلق الإنساني الفاضل ، ولا سيما مع أبيه الذي يعرف هو قبل كل أحد قول النبي صلى الله عليه وآله فيه : أنه مع الحق ، والحق معه ، يدور معه حيث
دار
(1) .
فكيف إذا كان ذلك الذي ينسب إليه مما يأباه حتى الرعاع من الناس ، فضلاً عن خامس أصحاب الكساء ، وأشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقاً وخُلُقاً وهدياً ، وسلوكاً ، ومنطقاً .
رابعا : وبعد ... فهل يعقل أن يكون الإمام الحسن عليه السلام ، الذي عاش في كنفي جده النبي صلى الله عليه وآله ، وأبيه علي ... الإمام الحسن ، الذي كان بحراً من العلم لا ينزف ، وقد أجاب منذ طفولته على الأسئلة التي أحالها إليه جده ، ثم أبوه بعد ذلك ، كما تقدم ، هل يعقل : أنه لم يكن يحسن الوضوء
(2) ؟ !
خامساً : إنه إذا كان عليه السلام عثمانياً بالمعنى الدقيق للكلمة ـ كما يزعمه طه حسين فإنَّ معنى ذلك : هو أنه يبارك جميع تصرفات عثمان ، وأعماله التي تخالف كتاب الله وسنة نبيه
(3) .
وهذا مما لا يحتمل في حقه عليه السلام ... وهو الذي يذكر في تعريفه للسياسة : أن من جملة مراعاة حقوق الأحياء : أن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه ، إذا حاد عن الطريق السوي ... فإن من الواضح : إن عثمان وعماله ، قد كانوا من أجلى مصاديق كلمته هذه ، كما قرره طه حسين نفسه .
سادساً : وبالنسبة للرواية الأخرى نقول :
1 ـ إن ما ذكرته ، من أنه أشار على أبيه بترك المدينة ... لم يكن بالرأي السديد إطلاقاً ... فإن طلحة والزبير ، وغيرهما من الطامعين والمستأثرين ، قد كانوا ينتظرون فرصة كهذه ... قال المعتزلي ن وهو يفند الرأي القائل بأنه كان على أمير المؤمنين أن يعتزل الناس ، وينفرد بنفسه ، أو يخرج عن المدينة إلى
---------------------------
(1) راجع إن شئت : كشف الغمة للأربلي ج 1 ص 143 ـ 148 فقد ذكر روايات كثيرة جداً .
(2) سيرة الأئمة الأثني عشر ج 1 ص 544 .
(3) سيرة الأئمة الأثني عشر ج 1 ص 545 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 182 _
بعض أمواله ، ولا يدخل في الشورى ، فإنهم سيطلبونه ، وسيضربون إليه آباط الإبل ـ قال المعتزلي : ( ليس هذا الرأي عندي بمستحسن ، لأنه لو فعل ذلك لولّوا عثمان ، أو واحداً منهم غيره ، ولم يكن عندهم من الرغبة فيه عليه السلام ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم ، وواقعاً بإيثارهم ، فإن قريشاً كلها كانت تبغضه أشد البغض ... ) .
إلى أن قال : ( ولست ألوم العرب ، ولا سيما قريشاً في بغضها له ، وانحرافها عنه ، فإنه وَتَرَها ، وسَفَك دماءها ) .
ثم ذكر ... أن الأحقاد باقية ، حتى ولو كان إسلامهم صحيحاً ثم قال : ( لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو لعداوة قوم آخرين ، من أضداد الإسلام وأعدائه )
(1) .
وبعد ... فإن الناس في تلك الظروف الحرجة ، لم يكونوا ليتركوا علياً عليه السلام يترك المدينة ، وهم الذين بقوا يلاحقونه أياماً من مكان لمكان حتى بايعو ...
وأمَّا بالنسبة لانتظاره عليه السلام حتى تضرب إليه العرب آباط الإبل فإن الإمام الحسن عليه السلام نفسه لم ينتظر ذلك ، حينما بايعوه بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ...
كما أنه هو نفسه يقول ، وهو يتكلم عن قضية التحكيم ، فيما يرتبط بابن عمر :
( ... وثالثة : أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار ، الذين يعقدون الإمارة ، ويحكمون بها على الناس )
(2) .
وبعد ... فهل أن تغيُّب أمير المؤمنين عليه السلام عن المدينة سيمنع
---------------------------
(1) شرح النهج للمعتزلي ج 13 ص 399 | 300 .
(2) قد تقدمت المصادر لهذه القضية عن قريب ، وإن لم نذكر نصها كاملاً .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 183 _
الأمويين ، وغيرهم من الذين في قلوبهم مرض ، من اتهامه بالتحريض على عثمان ، وتأليب الناس عليه ؟! .
وها هو تغيب إلى ينبع حسبما تقدم ... فلم يمنعهم ذلك من الافتراء عليه ، عليه السلام ...
3 ـ وأما بالنسبة إلى أنه عليه السلام لم يكن راضياً بقتال أبيه لطلحة والزبير كما يقول طه حسين ، فلا يصح أيضاً ، لأنه هو نفسه قد ذهب إلى الكوفة وعزل أبا موسى الأشعري ، وحرض الناس واستنهضهم للالتحاق بأمير المؤمنين عليه السلام ، ليحارب بهم عائشة وطلحة والزبير ، كما أنه هو نفسه قد شارك في هذه الحرب شخصياً .
ولعل المقصود من الروايتين وأشباههما هو اتهام الإمام علي عليه السلام بالاعتداء على عثمان ، والاشتراك في قتله ، أولا أقل من تحريضه على ذلك ... ثم الطعن في خلافته بعدم اجتماع كلمة المسلمين عليه ، ثم تبرير موقف المتخاذلين عن نصرته
(1) .
هذا ... ويلاحظ هنا :
ألف : إن الظاهر هو : أن نهي أمير المؤمنين عن البقاء في المدينة ، قد كان من قبل أسامة بن زيد ، ثم نُسِبَ إلى الإمام الحسن عليه السلام ، مع بعض التحوير والتطوير ، فقد روي : أن أسامة قال لعلي عليه السلام : ( يا أبا الحسن ، والله إنك لأعز علي من سمعي ، وبصري ، وإني أعلمك : أن هذا الرجل ليقتل ، فاخرج من المدينة ، وصر إلى أرضك ينبع ، فإنه إن قتل وأنت بالمدينة شاهد ، رماك الناس بقتله ، وإن قتل وأنت غائب لم يعذل بك أحد من الناس بعد ...
فقال له علي : ويحك ، والله إنك لتعلم : أني ما كنت في هذا الأمر إلا كالآخذ بذنب الأسد ، وما كان لي فيه ، من أمرٍ ولا
---------------------------
(1) راجع بعض ما تقدم في كتاب صلح الإمام الحسن للعلامة السيد محمد جواد فضل الله رحمه الله ص 211 ـ 219 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 184 _
نهي )
(1) .
باء : وأما رواية الوضوء ، فإننا نجد : أنها تنسب إلى الحسن البصري ، الذي ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر
(2) ، مع وجود بعض الاختلاف بين الروايتين ، قال المعتزلي :
( ... ومما قيل عنه : أنه يبغض علياً عليه السلام ويذمه : الحسن بن أبي الحسن البصري ، أبو سعيد ... إلى أن قال : وروي عنه ، أن علياً عليه السلام رآه وهو يتوضأ للصلاة ـ وكان ذا وسوسة ـ فصب على أعضائه ماء كثيراً ، فقال له : أرقت ماء كثيراً يا حسن ! فقال : ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر ، قال : أوَساءك ذلك ؟ قال : نعم ، قال : فلا زلت مسوءاً .
قالوا : فما زال الحسن عابساً قاطباً مهموماً إلى أن مات ... )
(3) .
وفي نص آخر عنه نفسه ، قال : ( لما قدم علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام البصرة مرّ بي ، وأنا أتوضأ ، فقال : ياغلام ، أحسن وضوءك يحسن الله إليك ، ثم جازني ، فأقبلت أقفو أثره ، فحانت منه التفاتة ، فنظر إلي ، فقال : يا غلام ، ألك حاجة ؟ قلت : نعم ، علمني كلاماً ينفعني الخ ... )
(4) .
فيلاحظ : أنه يذكر كلام علي عليه الصلاة والسلام له ، ولا يذكر جوابه هو اياه ... لكنه يحاول أن يذكر لنفسه فضيلة تبعد عنه شبهة انحرافه عن علي عليه السلام ... مع ان رواية المعتزلي الشافعي تصرح بانحرافه عنه عليه السلام .
ولعل مما يشير إلى ذلك : ما رواه البعض ، من أن امير المؤمنين عليه السلام قد أخرجه من المسجد ، ونهاه عن التكلم
(5) .
---------------------------
(1) الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 227 وأنساب الأشراف ج 5 ص 77 .
(2) وفيات الأعيان ط سنة 1310 هـ ، ج 1 ص 129 .
(3) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 95 وقاموس الرجال ج 3 ص 135 .
(4) أمالي المفيد ص 119 والبحار ج 77 ص 424 و ج 80 ص 310 وتيسير المطالب ص 177 | 178 .
(5) راجع : التراتيب الإدارية ج 2 ص 272 .