الناحية الأولى : بعث اليأس في نفوس خصوم الحكم ، وبالأخص في نفس شخص أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي يعتبرونه أقوى منافس ، بل المنافس الوحيد لهم ، وبالتالي في نفوس الهاشميين جميعاً ، والقضاء على كل أثر من آثار الطموح والتطلع إلى هذا الأمر لديهم ... حيث إنهم كانوا يرون ـ حسب فهمهم وتقديراتهم الخاطئة : أن المسألة لا تعدو عن أن تكون مسألة شخصية ، ترتبط بشخص علي عليه السلام ، ورغبة نفسية جامحة لديه ، أذكاها النبي الأكرم ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، تصريحاته ومواقفه المتكررة ، التي كانت تهدف لتكريس الأمر لصالح أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ...
صحيح ... أنه قد كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ذرو من قول ـ على حد تعبير عمر ـ وتصريحات كثيرة ، ولكن ما الذي يمنع من مخالفته ، ما دام أنه لم يكن أكثر من زميل لهم وقرين ، على حد تعبيرهم
...
كما أن شريحاً النميري الذي كان عامل رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعامل أبي بكر ، قد جاء إلى عمر بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخذه عمر ، ووضعه تحت قدمه ، وقال : لا ، ما هو إلا ملك انصرف
.
نعم ... وإن تلك الرغبة يمكن سلوها ، وصرف النظر عنها ، ثم اليأس منها مع مرور الأيام ، ومع رؤية تمكن الآخرين ، وإحكام أمرهم ، قوة سلطانهم ...
ومما يشهد لما ذكرناه : سؤال عمر لابن عباس : كيف خلفت ابن عمك ؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر .
قلت : خلفته يلعب مع أترابه .
قال : لم أعن ذلك ، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت .
قلت : خلفته يمتح بالغرب
(1) ، على نخيلات فلان ، وهو يقرأ القرآن .
قال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها : هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة ؟
قلت : نعم .
قال : أيزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نص عليه ؟
قلت : نعم ... وأزيدك : سألت أبي عما يدعيه ، فقال : صدق .
فقال عمر : لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمره ذرو من قول
(2) ، لا يثبت حجة ، ولا يقطع عذراً ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما . ولقد أراد في مرضه : أن يصرِّح باسمه ، فمنعت من ذلك ، إشفاقاً ، وحيطة على الإسلام . لا ، ورب هذه البنية ، لا تجتمع عليه قريش أبداً الخ ... )
(3) .
وفي هذه القضية مواضع هامة ، ينبغي التوقف عندها ملياً ، ومحاكمتها محاكمة موضوعية وعميقة ، ولا سيما قول عمر أخيراً : ( لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمره ذرو من قول ، لا يثبت حجة الخ ... ) فإن النبي صلى الله عليه وآله قد استعمل مختلف الأساليب البيانية لتأكيد هذا الأمر وتثبيته : من التصريح ، والتلميح ، والكناية ، والمجاز ، والحقيقة ، والقول والفعل ، وحتى لقد أخذ البيعة له منهم في مناسبة ( الغدير ) ... ولو أردنا جمع ما وصل إلينا من
---------------------------
(1) الغرب : الدلو .
(2) ذرو : أي طرف .
(3) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 12 ص 20 | 21 عن كتاب أحمد بن أبي طاهر في كتابه تاريخ بغداد ، مسنداً . وراجع ج 12 ص 79 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 49 ، وقاموس الرجال ج 6 ص 398 و ج 7 ص 188 وبهج الصباغة ج 6 ص 244 وج 4 381 ، والبحار ط كمباني ج 6 ص 213 و 266 و 292 ، وناسخ التواريخ ، المجلد المتعلق بالخلفاء ص 72 | 80 ومكاتيب الرسول ج 2 ص 620 . وقد ذكر المحقق العلامة الأحمدي مساجلات عمر مع ابن عباس في كتابه القيم : مواقف الشيعة مع خصومهم ... فلتراجع ثمة مع مصادرها .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 66 _
كلماته صلى الله عليه وآله ومواقفه في هذا السبيل لا حتجنا إلى مجلدات كثيرة وكبيرة ، ولتعذر استيعابه في مدة طويلة ... ولكنه صلى الله عليه وآله أراد في مرضه الأخير : أن يسجل ذلك في كتاب لا يمكن المراء فيه ، وليقطع دابر الخلاف من بعده ...
ولكن اتهامه بالهجر والهذيان ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالذات ، قد جعل ذلك بلا جدوى ، ولا فائدة ، بل جعله سبباً في المزيد من الاختلاف والتشاجر ، والتمزق والتدابر ، فكان لا بد من تركه ، والانصراف عنه
(1) ...
وقد صرح عمر نفسه لابن عباس : بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يصرِّح باسم علي عليه السلام في ذلك الكتاب ، وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله تعالى ، ولم ينفذ مراد رسوله . أو كل ما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
(2) ؟!
وقد ادعى عمر : أنه إنما منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة الكتاب حيطة على الإسلام
(3) ...
وذلك عجيب حقاً ؟! وأي عجيب !! ... فهل صحيح : إنه قد فعل ذلك من أجل ذلك ؟ أم أنه قد كان وراء الأكمة ما وراءها ؟!
وكيف يمكن أن نوفق بين دعواه هذه ، وبين نسبته ذلك آنفاً لإرادة الله سبحانه ، وقوله : ( أو كلما أراد رسول الله صلى عليه وآله وسلم كان ) ؟!.
وهل يمكن أن نصدق : أن غيرته على الإسلام أكثر من غيرة نبيِّ الإسلام نفسه عليه ؟!
---------------------------
(1) راجع بعض مصادر ذلك في مكاتيب الرسول ج 2 ص 618 ـ 626 وكتاب دلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 63 ـ 70 والنص والإجتهاد ص 155 ـ 165 والمراجعات ص 241 ـ 245 .
(2) شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 78 | 79 .
(3) نفس المصدر ج 12 ص 79 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 67 _
أم أنه قد أدرك بنظره الثاقب ، وفكره الوقاد ما لم يستطع إدراكه سيد ولد آدم ، وإمام الكل ، وعقل الكل ، ومدبر الكل ؟! .
وهل غيرته على الإسلام تبرر له اتهام النبي الأكرم صلى عليه وآله وسلم بالهجر والهذيان ؟ ! إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا مجال لها هنا ...
ومما يدل على على أن السياسة كانت تتجه نحو إبعاد علي عليه السلام عن الساحة ، بحيث كان الناس يعرفون ذلك ، ويدركونه وكانوا مطمئنين إلى استبعاده من هذا الأمر وكانوا لا يرون حتى دخوله في جملة المرشحين له ... ما رواه عبد الرزاق ، من أن عمر قال لأحد الأنصار : ( من ترى الناس يقولون يكون الخليفة بعدي ؟ قال : فعدد رجالاً من المهاجرين ، ولم يسمِّ علياً ، فقال عمر : فما لهم من أبي الحسن ؟ فوالله ، إنه لأحراهم إن كان عليهم أن يقيمهم على طريقة من الحق )
(1) .
وبعد ذلك كله ... فإنه يحتج لعمله ذاك ـ أعني تنظيم قضية الشورى ـ بأنه لا تجتمع عليه ـ أي على علي عليه السلام ـ قريش ، أو أن قومه أبوه ، أو غير ذلك
(2) .
لكن ... لماذا لا تجتمع قريش وقومه عليه ؟ . ولماذا وكيف اجتمعوا على النبي صلى الله عليه وآله نفسه ، مع أنه هو السبب الأول والأخير في كل ما أتاه إليه ؟!.
وإذا كانوا مؤمنين ومسلمين ، فلماذا لا يقبلون بحكم الإسلام ، ولا ينقادون إليه ؟! .
وإذا لم يكونوا كذلك ، فما الذي يضر لو خالفوا ؟ وما المانع من جهادهم والوقوف في وجههم جينئذٍ ، كما جاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل ، وجاهدهم أمير المؤمنين عليه السلام نفسه بعد ذلك ؟!...
---------------------------
(1) المصنف لعبد الرزاق ج 5 ص 446 .
(2) راجع شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 80 و 82 و 84 و 85 و 86 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 68 _
أما الذي نريد الاستشهاد به ، والإلفات إليه هنا ، فهو سؤال عمر لابن عباس : إن كان قد بقي شيء من أمر الخلافة في نفس علي عليه السلام ... فإن ذلك يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً ، من أن الهيئة الحاكمة كانت تهتم في أن ينسى وييأس عليَّ عليه السلام من أمر الخلافة نهائياً ...
ولكنهم غفلوا عن أن تصدي علي والأئمة من ولده عليهم السلام لهذا الأمر ، لم يكن إلا من أجل أنه مسؤولية شرعية ، وتكليف إلهي ، لا يمكن التسامح فيه ، ولا التخلي عنه ... وليس لهم اي خيار فيه ... تماماً كسائر التكاليف الشرعية الأخرى ، وإن كان هو يزيد عليها من حيث خطورته ، وأهميته القصوى ...
الناحية الثانية : تهيئة الأجواء لتمكين الحكم وتكريسه في غير أهل البيت عليهم السلام ، وخلق العوامل والظروف التي لا تسمح بوصول أمير المؤمنين ، ولا أي من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام إلى الخلافة في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء ، وتكريس الحكم فيمن يرغبون بتكريسه فيهم ... وقد تمثل ذلك في تدبيرات سياسية عدة ، من شأنها أن تجعلهم يطمئنون إلى نجاحهم فيما يرمون إليه ...
ونذكر من ذلك على سبيل المثال :
أ: على صعيد العمل السياسي
نجد أنهم :
عدا عن أنهم قد أبعدوا كل من له هوى في علي عليه السلام عن مراكز النفوذ
(1) كما جرى لخالد بن سعيد بن العاص ... وكحرمانهم الأنصار ، الذين كان لهم هوى في أمير المؤمنين ، وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من المراكز الحساسة ، بل وحرمانهم من أبسط أنواع الرعاية
(2) .
---------------------------
(1) تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 51 ، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 133 والمصنف لعبد الرزاق ج 5 ص 454 وحياة الصحابة ج 2 ص 20 | 21 وطبقات ابن سعد ج 4 ص 70 .
(2) راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ج 3 ص 150 حتى =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 69 _
وعدا عن أنهم قد استخدموا المال في محاولة منهم لإسكات المعترضين ، كما هو الحال في قضيتهم مع أبي سفيان الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أرسله ساعياً ، فقدم بعد وفاته صلى الله عليه وآله ، فأجلب عليهم ، فقال عمر لأبي بكر : ( إن أبا سفيان قد قدم ، وإنا لا نأمن شره ، فدع له ما في يده ، فتركه ، فرضي )
(1) .
كما أنه ... حينما كان أبو سفيان في أوج غضبه وثورته عليهم ، أخبروه : بأن أبا بكر قد ولى ابنه ، فانقلب في الحال رأساً على عقب ، وقال : ( وصلته رحم )
(2) .
و ( لما اجتمع الناس على أبي بكر ، قسم بين الناس قسماً ، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا ؟ قال : قسم قسمه أبو بكر للنساء ، قالت : أتراشوني عن ديني ؟ قالوا : ( لا ) ! ثم تذكر الرواية رفضها لذلك المال
(3) .
ثم حاول عثمان بعد ذلك أن يرشو ابن أبي حذيفة بالمال ، كما ذكره المؤرخون
(4) .
وعن علي عليه السلام في إشارة صريحة منه إلى ذلك : ( خذوا العطاء ما كان طعمة ، فإذا كان عن دينكم ، فارفضوه أشد الرفض )
(5) .
وليراجع كتابنا دراسات وبحوث ج 1 في بحث ( أبو ذر ... اشتراكي ، أم شيوعي ، أم مسلم ) للإطلاع على المحاولات العديدة لرشوته من قبل الهيئة الحاكمة .
---------------------------
= ص 155 و 217 | 218 . وراجع أيضاً : تاريخ الأمم والملوك ط أورباج 1 |6 |3026 .
(1) شرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 44 ودلائل الصدق ج 2 ص 39 وقاموس الرجال ج 5 ص 117 والغدير ج 9 ص 254 عن العقد الفريد ج 2 ص 249 .
(2) تاريخ الطبري ط الاستقامة ج 2 ص 449 ودلائل الصدق ج 2 ص 39 .
(3) حياة الصحابة ج 1 ص 420 عن كنز العمال ج 3 ص 130 .
(4) أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 388 .
(5) كنز العمال ج 4 ص 382 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
ـ 70 ـ
نعم ـ إنه عدا عن ذلك كله ـ فإننا نجدهم يُحْكمون أمورهم بعد حوادث السقيفة ، ولا يفسحون المجال لأية مناورة أو مبادرة ، من أي كان ، ومن أي نوع كانت ...
فنجد أبا بكر يوصي بالأمر إلى عمر بن الخطاب بعده ، ثم هو يبدأ خطة التمهيد للأمويين ، حيث إنه وهو في مرض الموت ، وقد جاء بعثمان ليكتب له وصيته ـ فأغمى على أبي بكر ، فكتب عثمان اسم عمر في حال غشية وغيبوبة أبي بكر
(1) ، فلما أفاق وعلم بذلك قال : ( لو تركته ما عدوتك ) أو ما هو بمعناه
(2) ، أو قال له : ( والله ، إن كنت لها لأهلاً ) وبتعبير مصعب الزبيري : ( أصبت يرحمك الله ، ولو كتبت اسمك لكنت لها أهلاً ... )
(3) .
ولم نجد أحداً يعترض على صحة خلافة عمر بأن اسمه قد كتب حال إغماء ابي بكر ، في مرض موته ، ولم يصر على ذلك سبباً للفتنة ، مع أنهم يقولون : إن نسبة الهجر للنبي صلى الله عليه وآله في مرض موته ، لمنعه عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده كانت في محلها ، لأن ذلك كان سوف يثير فتنة !! فسبحان الله ، كيف صارت باؤهم تجر ، وباء الله ورسوله لاتجر .
ونستطيع أن نلمح في هذه الحادثة قدراً من التفاهم فيما بين أبي بكر وعثمان ... وإن كنا نجد هذا التفاهم أكثر وضوحاً وعمقاً فيما بين أبي بكر وعمر ، والشواهد على ذلك كثيرة جداً ، بل لقد صرح أبو بكر نفسه بذلك لعبد الرحمن بن عوف حينما شاوره في استخلاف عمر ، فذكر له غلظته ، فقال أبو بكر : ( ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو قد أفضى الأمر إليه ترك كثيراً مما هو عليه ، وقد رمقته إذا ما غضبت على رجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له
---------------------------
(1) راجع : المراجعات ودلائل الصدق ، والنص والاجتهاد ، وغير ذلك .
(2) راجع : تاريخ الطبري ج 2 ص 618 والكامل لابن الأثير ج 2 ص 425 وشرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 164 ، وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 356 وحياة الصحابة ج 2 ص 25 عن طبقات ابن سعد ، وعن كنز العمال ج 3 ص 145 .
(3) راجع : نسب قريش ص 104 وكنز العمال ج 5 ص 398 و 399 عن اللالكائي ، وابن سعد ، والحسن بن سفيان في جزئه ، وابن كثير ، وصححه .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 71 _
أراني الشدة عليه )
(1) .
وحينما تولى عمر بن الخطاب الأمر نجده يسير على نفس هذا الخط أيضاً ، ويعتمد نفس ذلك النهج ، وهو التمهيد المدروس لبني أمية ...
ونذكر على سبيل المثال ... ذلك التدبير الذكي والدقيق لقصة الشورى ، وذلك بحيث يطمئن وفقاً لمحاسبات دقيقة إلى أن الذي سيفوز بالأمرهو عثمان ، وعثمان فقط ... ولو فرض جدلاً إخفاقه في ذلك ، فإن علياً عليه السلام لن يكون هو الفائز قطعاً ... وقد كان أمير المؤمنين يعلم بذلك بلا ريب ، كما صرح به هو نفسه لابن عباس ، فور خروجه من الجلسة
(2) .
ومما يدل على أن عمر كان يهتم في تكريس الأمر في بني أمية : أنه كان يُفرَش لعمر فراش في بيته في وقت خلافته ، فلا يجلس عليه أحد ، إلا العباس بن عبد المطلب
(3) ، وأبو سفيان بن حرب ... وزاد المبرد قوله : ( ويقول : هذا عم رسول الله ، وهذا شيخ قريش )
(4) .
وأعطى عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص أرضاً في المدينة ، فاستزاده ، فقال له عمر : ( حسبك ، واختبىء عندك : أن سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك ، ويقضي حاجتك .
قال : فمكث خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان ، وأخذها عن شورى ورضى ، فوصلني ، وأحسن ، وقضى حاجتي )
(5) .
وحينما أعتق عمر سبي العرب اشترط عليهم خدمة الخليفة
---------------------------
(1) شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 164 وتاريخ الطبري ج 2 ص 613 .
(2) البحار ط قديم ج 8 ص 330 . وليراجع كلام المعتزلي في شرح النهج ج 1 .
(3) لعله يريد أن يخلق شخصيات أخرى من بني هاشم لا خطر منهم على الحكم ـ وذلك في مقابل علي عليه السلام .
(4) راجع العقد الفريد ج 2 ص 289 . والكامل للمبرد ج 1 ص 319 .
(5) طبقات ابن سعد ج 5 ص 31 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 389 | 390 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 72 _
بعده ثلاث سنين
(1) .
وعن أبي ظبيان الأزدي قال : قال لي عمر بن الخطاب : ما مالك يا أبا الظبيان ؟ قال : قلت : أنا في ألفين : قال فاتخذ سائماً ، فإنه يوشك أن يجيء اغيلمة من قريش يمنعون هذا العطاء )
(2) .
وحتى بالنسبة لعمرو بن العاص ، نجد عمر بن الخطاب يقول : ( ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلا أميراً )
(3) .
وبعد ذلك كله ... فقد قال معاوية لابن حصين : ( إنه لم يشتت بين المسلمين ، ولا فرق أهواءهم ، ولا خالف بينهم إلا الشورى ، التي جعلها عمر إلى ستة نفر ... إلى أن قال : فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه . وتطلعت إلى ذلك نفسه )
(4) .
وأخيراً ... فإننا نجد عمر يستشير كعب الأحبار فيمن يوليه الأمر بعده (!!) حسبما يجدونه في كتبهم (!!) فينفي كعب أن يصل إليها عل ووُلْدُه ، ويؤكد على انتقالها بعد الشيخين إلى بني أمية ، فيصدق عمر ذلك ، ويستشهد له بما ورد عن النبي في شأن بني أمية
(5) .
ب : التمهيد لبعض الناس :
لقد كان ثمة تركيز خاص من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على
---------------------------
(1) المصنف لعبد الرزاق ج 8 ص 380 و 381 و ج 9 ص 168 وراجع المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص 115 .
(2) جامع بيان العلم ج 2 ص 18 .
(3) فتوح مصر وأخبارها ص 180 والإصابة ج 3 ص 2 وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 70 وفي هامشه عن ابن عساكر ج 13 ص 257 : ب .
(4) العقد الفريد ج 2 ص 281 .
(5) راجع شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 81 ، فإنها قضية هامة ، وليراجع أيضاً الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 87 و 88 فإنها قضية هامة أيضاً .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 73 _
معاوية بن أبي سفيان ، واهتمام كبير بتأهيله للخلافة ، وتهيئة الأجواء له ، رغم أنه كان من الطلقاء ... ويكفي أن نذكر هنا :
أنه أبقاه على ولاية الشام لسنوات عدة ، من دون أن يعرضه في كل عام لتلك الحسابات الدقيقة ، التي كان يتعرض لها عماله في سائر الأقطار
(1) ، والتي كانت ربما تصل في كثير الأحيان إلى حد الإهانة ، والمس بالكرامة ، مع أنه كان لا يولي أحداً أكثر من عامين
(2) .
وحينما يطلب منه معاوية : أن يصدر له أوامره لينتهي إليها ، يقول له : لا آمرك ولا أنهاك
(3) .
هذا بالإضافة إلى أمور أخرى يراها ويعرفها عنه ، ويغضي عنها ، كتعامل معاوية بالربا ، وغير ذلك .
وحول تظاهر معاوية بالقبائح راجع : دلائل الصدق
(4) للمظفر رحمه الله تعالى ...
وقد ذُمَّ معاوية مرة عند عمر ، فقال : دعونا من ذم فتى قريش ، من يضحك في الغضب الخ
(5) ...
وكان يجري عليه في كل شهر ألف دينار ، وفي رواية أخرى : في السنة عشرة آلاف دينار ، ومع ذلك يزعمون : أن عمر حج سنة عشر من خلافته ، فكانت نفقته ستة عشر ديناراً ، فقال : أسرفنا في هذا
---------------------------
(1) دلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 209 و 211 . وراجع النص والاجتهاد ص 271 .
(2) التراتيب الإدارية ج 1 ص 269 .
(3) دلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 212 عن الطبري ج 6 ص 184 وعن الاستيعاب وراجع : العقد الفريد ج 1 ص 14 .
(4) دلائل الصدق للمظفر ج 3 قسم 1 ص 212 و 213 عن مسند أحمد ج 5 ص 347 وعن المعتزلي ج 4 ص 60 .
(5) الاستيعاب بهامش الأصابة ج 3 ص 397 ، ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 211 وفي العقد الفريد ج 1 ص 25 نسبة هذه الكلمات إلى عمرو بن العاص في معاوية .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 74 _
المال
(1) ...
وقال فيه عمر : ( إحذروا آدم قريش ، وابن كريمها ، من لا ينام إلا على الرضا ، ويضحك في الغضب ، ويأخذ ما فوقه من تحته )
(2) .
وكان عمر إذا نظر إلى معاوية يقول : هذا كسرى العرب
(3) .
وقال مرة لجلسائه : تذكرون كسرى وقيصر ، ودهاءهما ، وعندكم معاوية
(4) ؟ ! .
وفي محاولة لفتح وإذكاء شهية معاوية للخلافة ، نجده يقول : إياكم والفرقة بعدي ، فإن فعلتم ، فاعلموا : أن معاوية بالشام ، فإذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها منكم ) أو ( وستعلمون إذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها دونكم )
(5) .
ويقول لأهل الشورى : ( إن تحاسدتم ، وتقاعدتم ، وتدابرتم ، وتباغضتم ، غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان ... وكان معاوية يومئذ أمير الشام من قبل عمر )
(6) .
وفي نص آخر : أنه قال لأهل الشورى : ( إن اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام ، وبعده عبد الله بن أبي ربيعة من اليمن ، فلا يريان لكم فضلاً إلا بسابقتكم )
(7) .
---------------------------
(1) دلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 212 عن تاريخ الخلفاء ، والصواعق المحرقة في سيرة عمر .
(2) عيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 ص 9 .
(3) الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 369 | 397 وفيه أنه كان إذا دخل الشام ، ونظر إليه ، قال ذلك ، والإصابة ج 3 ص 434 وأسد الغابة ج 4 ص 386 ، والغدير ج 10 ص 226 عنهم ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 212 وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 134 والبداية والنهاية ج 8 ص 125 .
(4) الفخري في الآداب السلكانية ص 105 .
(5) الإصابة ج 3 ص 434 والبداية والنهاية .
(6) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 187 ، والنص والاجتهاد هامش ص 281 عنه .
(7) كنز العمال ج 5 ص 436 عن ابن سعد .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 75 _
هذا ... وقد احتج عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام حينما طلب منه أن يعزل معاوية : بأن عمر هو الذي استعمله
(1) ... كما واحتج معاوية نفسه على صعصعة ، وعلى صلحاء الكوفة بتولية عمر له أيضاً
(2) ... الأمر الذي يعني : أن قول عمر كان قد أصبح كالشرع المتبع ، كما أوضحناه في بحثنا حول الخوارج .
وبعد ... فإننا نرى : أن كعب الأحبار يلوح بالخلافة لمعاوية في عهد عثمان
(3) ... كما أن معاوية نفسه يصرح : بأنه قد دبر الأمر من زمن عمر
(4) .
ج : التمييز العنصري :
وإن سياسة التمييز العنصري ، التي انتهجها الحكام آنئذٍ ... فرووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفضيل قريش على غيرها ، وأن الخلافة في قريش ... واستثنوا بني هاشم
(5) حيث لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد ، وإن كان عمر قد ناقض نفسه في ذلك ، بإشراك علي عليه السلام في الشورى .
ثم كان التمييز بالعطاء ، وتفضيل العرب على غيرهم في ذلك .
ثم كان التمييز العنصري في الإرث ، وفي الزواج ، وفي العتق ، وفي
---------------------------
(1) أنساب الإشراف ج 5 ص 60 وتاريخ ابن خلدون ج 2 قسم 2 ص 143 والغدير ج 9 ص 160 عنهما وعن تاريخ الطبري ج 5 ص 97 وعن الكامل لابن الأثير ج 3 ص 63 ، وعن تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 168 . والنصائح الكافية ص 174 عن الطبري .
(2) الغدير ج 9 ص 35 عن المصادر التالية : تاريخ الطبري ج 5 ص 88 ـ 90 والكامل لابن الاثير ج 3 ص 57 ـ 60 وشرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 158 ـ 160 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 387 ـ 389 وأبو الفداء ج 1 ص 168 .
(3) البداية والنهاية ج 8 ص 127 .
(4) الأذكياء لابن الجوزي ص 28 .
(5) مع أن القضية كانت على عكس ذلك تماماً .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 76 _
الصلاة ، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه
(1) .
---------------------------
(1) راجع حول كل ما يرتبط بتفضيل قريش ، والعرب ، والتمييز العنصري البغيض ، المصادر التالية :
لطف التدبير ص 199 والمسترشد في الإمامة ص 115 والفائق للزمخشري ج 2 ص 353 ، وتلخيص الشافي ج 4 ص 14 والمعرفة والتاريخ ج 2 ص 483 ومحاضرات الراغب ج 1 ص 351 و ج 3 ص 208 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 ص 330 و 268 | 269 والمحاسن والمساوي ج 2 ص 278 وتاريخ جرجان ص 486 والإلمام ج 1 ص 186 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 20 و 21 و 313 و ج 1 ص 205 و 207 و 208 و 225 و 331 و 444 والعقد الفريد ج 3 ص 412 ـ 418 و ج 2 ص 233 وربيع الأبرار ج 1 ص 796 و 810 و 402 والأوائل ج 2 ص 61 والموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج 2 ص 60 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 153 و 154 والهدى إلى دين المصطفى ج 2 ص 316 ـ 317 ولسان الميزان ج 1 ص 406 و 354 وكتاب بغداد لطيفور ص 38 وكشف الأستار ج 1 ص 51 و ج 2 ص 161 و 227 و 292 حتى 295 ومجمع الزوائد ج 4 ص 275 و 192 و ج 6 ص 3 و ج 1 ص 89 و ج 10 ص 32 ومسند أحمد ج 4 ص 475 والمجروحون ج 1 ص 129 والخراج لأبي يوسف ص 45 ـ 50 والغدير ج 6 ص 187 وحياة الصحابة ج 2 ص 82 و 230 حتى233 و 413 و 415 و 447 و 753 و 754 و 801 و ج 3 ص 488 عن الطبري ج 5 ص 19 و 23 وعن كنز العمال ج 3 ص 148 و ج 2 ص 215 و 219 وعن البيهقي ج 6 ص 349 و 350 وعن ابن سعد ج 3 ص 122 و 212 و 216 وعن مصادر أخرى ، وميزان الاعتدال ج1 ص230 والإيضاح لابن شاذان ص 187 والمنار المنيف ص 101 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 141، وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 109 وبهج الصباغة ج 12 ص 204 وتاريخ الطبري ج 3 ص 273 و ج 2 ص 549 ط الاستقامة والمصنف لعبد الرزاق ج 5 ص 441 و 496 و 497 و 474 و 476 و ج 11 ص 55 و 56 ق و 58 و 325 و 86 و 439 و ج 10 ص 103 و 104 و 302 و 300 و 301 و ج 1 ص 411 و ج 7 ص 278 و 279 و ج 6 ص 47 و ج 4 ص 485 و ج 8 ص 380 وفي هوامشه عن مصادر كثيرة وكنز العمال ص 206 وطبقات ابن سعد ج 4 قسم 1 ص 117 و ج 3 قسم 1 ص 219 ط ليدن و ط صادر ج 2 ص 388 و ج 3 ص 349 و 338 و 345 و 293 و 337 وقضاء أمير المؤمنين للتستري ص 263 و 264 و 265 ، وثمة كتب أخرى قد تعرضت لبحث هذا الموضوع ولبحث موضوع القومية والقوميات ، لا بأس بمراجعتها ...
وقد ذكرنا طائفة من النصوص مع مصادرها في كتابنا : سلمان الفارسي في مواجهة التحدي ، فراجع .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 77 _
ولعل سياسة عمر في العطاء هي التي جعلته يمتدح عدله ـ أي عدل نفسه ـ حتى لقد قال : ( إني تعلمت العدل من كسرى ، وذكر خشيته وسيرته )
(1) .
وإن صح هذا ، فيرد سؤال : إنه لماذا تعلم ذلك من كسرى ؟ وَلِمَ لَمْ يتعلمه من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؟ !! ، وأية خشية كانت لدى كسرى ؟! وأية سيرة له أعجبته ، فقاس عليها عمل نفسه ؟!.
أما سياسة أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد كانت على العكس من ذلك تماماً .
ولم يكن يفضل أحداً على أحد ، حيث لم يكن يرى لبني إسماعيل فضلاً على بني إسحاق
(2) ... ولم يكن يميز أحداً على أحد ، لا في العطاء ولا في غيره . وقد أشير عليه بأن يفعل ذلك ، فرفض ، حيث إنه لم يكن ليطلب النصر بالجور
(3) ...
وفي مناسبة أخرى ، في مقام التدليل على أنه عليه السلام يسير فيهم بسيرة الإسلام قال عليه السلام : ( أرأيتم لو أني غبت عن الناس منكان يسير فيهم بهذه السيرة )
(4) ...
وقد كتب ابن عباس للإمام الحسن عليه السلام : ( وقد علمت أن أباك علياً إنما رغب الناس عنه ، وصاروا إلى معاوية ، لأنه واسى بينهم في الفيء ، وسوى
---------------------------
(1) أحسن التقاسيم ج 18 .
(2) الغارات ج 1 ص 74 ـ 77 وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 141 ، وسنن البيهقي ج 6 ص 349 ، وحياة الصحابة ج 2 ص 112 عنه والغدير ج 8 ص 240 وبهج الصباغة ج 12 ص 197 ـ 207 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 183 والكافي ( الروضة ) ص 69 .
(3) الأمالي للمفيد ص 175 | 176 ، والأمالي للطوسي ج 1 ص 197 | 198 والغارات ج 1 ص 75 وبهج الصباغة ج 12 ص 196 ، ونهج البلاغة بشرح عبده ج 2 ص 10 وشرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 197 والإمامة والسياسة ج 1 ص 153 وتحف العقول ص 126 والكافي ج 4 ص 31 وعن البحار ج 8 باب النوادر والوسائل ج 11 ص 81 | 82 .
(4) المصنف ج 10 ص 124 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 78 _
بينهم في العطاء ، فثقل ذلك عليهم )
(1) .
وقال رجل لأبي عبد الرحمن السلمي : ( أنشدك الله ، متى أبغضت علياً عليه السلام ، أليس حينما قسم قسماً في الكوفة ، فلم يعطك ولا أهل بيتك ؟ قال أما إذا نشدتني ، فنعم )
(2) .
وعل كل حال ... فإن سياسة أمير المؤمنين في العطاء ، قد كانت من أهم أسباب خلاف الناس عليه عليه السلام ، والنصوص في ذلك كثيرة
(3) .
ولكن هذه السياسة العادلة قد أثرت على المدى البعيد آثاراً إيجابية كبيرة ، حتى إننا لنجد السودان يثورون على ابن الزبير ، انتصاراً لابن الحنفية والهاشميين .
قال عيسى بن يزيد الكناني : ( سمعت المشايخ يتحدثون : أنه لما كان من أمر ابن الحنفية ما كان تجمع بالمدينة قوم من السودان غضباً له ، ومراغمة لابن الزبير ، فرأى ابن عمر غلاماً له فيهم ، وهو شاهر سيفه ، فقال له : رباح ؟
قال : رباح ، والله ، إنا خرجنا لنردكم عن باطلكم إلى حقنا ، فبكى ابن عمر ، وقال : ( اللهم إن هذا لذنوبنا )
(4) .
وكان الموالي أيضاً هم أنصار المختار ، وكان ذلك هو السبب في تخاذل العرب عن نصرته ، كما هو معلوم
(5) .
وليراجع كتابنا : سلمان الفارسي في مواجهة التحدي للوقوف على كثير من النصوص ومصادرها ، مما يدخل في نطاق التمييز العنصري ، وآثاره ومناشئه ...
---------------------------
(1) الفتوح لابن اعثم ج 4 ص 149 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 23 وحياة الحسن بن علي للقرشي ج 2 ص 26 وعن جمهرة رسائل العرب ج 2 ص 1 .
(2) بهج الصباغة ج 12 ص 197 .
(3) راجع بعض النصوص المهمة في بهج الصباغة ج 12 ص 197 ـ 207 ، وشرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 37 ـ 40 .
(4) أنساب الأشراف ج 3 ص 295 بتحقيق المحمودي ...
(5) راجع : الخوارج والشيعة ص 228 و 227 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 79 _
د : استبدال أهل البيت عليهم السلام بغيرهم :
كما أن مما زاد في تأكيد رفعة شأن قوم ، وخمول ذكر آخرين : أن العرب قد استفادوا كثيراً من تلك الفتوح التي جرت في عهد الخلفاء الثلاثة : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ... على صعيد التوسعة ، والرفاهية المادية ، وإرضاء المشاعر القومية .
وقد كان ثمة سياسة تهتم بترسيخ الاعتقاد بأن الولاة والأمراء كانوا هم السبب في ذلك كله ... الأمر الذي ساعد ـ بالإضافة إلى سياسة التمييز العنصري المشار إليها آنفاً ـ على المزيد من التعلق بأولئك الحكام والأمراء ، وحب استمرار حكمهم وسلطانهم ، وعدم الرغبة في التغيير حتى وإن كان ذلك التغيير لصالح القيم والمثل العليا ...
أضف إلى ذلك : أن الخليفتين الأولين كانا يظهران الزهد في الدنيا ، والانصراف عنها ...
وقد نتج عن ذلك كله ... أن علا شأن قوم ، وتألق نجمهم ، وخمل ذكر آخرين ، وخبت نارهم ... قال أمير المؤمنين عليه الصلاة السلام : مشيراً إلى ذلك : ( إن أول ما انتُقِضنا بعده ، إبطال حقنا في الخمس ، فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا )
(1) .
وقال عليه السلام : ( إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله ، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه ... حتى قذفت زوجته ، ونقرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته .
---------------------------
(1) أمالي الشيخ المفيد ص 224 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 80 _
ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلماً إلى العز والإ مرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولا ارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكراً
(1) .
ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقه ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت : لو لا أنه حق لما كان كذا ...
ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف )
(2) .
هذا كله ... بالإضافة إلى السياسة التي كانت تهدف إلى القضاء على أهل البيت ، وإخماد ذكرهم ، وإبطال أمرهم ، ففي صفين ، في قضية ترتبط بإقدام الحسنين ، وابن جعفر على الحرب ، نجد أمير المؤمنين عليه السلام يشير إلى أن الأمويين لو استطاعوا لم يتركوا من بني هاشم نافخ نار ـ كما سيأتي ـ .
وقال عمرو بن عثمان بن عفان للإمام الحسن عليه السلام : ( ما سمعت كاليوم ، إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان ... إلى أن قال : فياذلاه ، أن يكون حسن وسائر الناس بني عبد المطلب قتلة عثمان ، أحياء يمشون على مناكب الأرض ) .
ثم تذكر الرواية اتهام عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة أمير المؤمنين عليه السلام ، بأنه أراد قتل النبي صلى الله عليه وآله ، وأنه سم أبا بكر ، وشارك في قتل عمر ، ثم قتل عثمان
(3) .
---------------------------
(1) البازل : الذي فطر نابه .
(2) شرح النهج للمعتزلي ج 20 ص 298 | 299 .
(3) الاحتجاج ج 1 ص 403 والبحار ج 44 ص 71 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 81 _
ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير المؤمنين عليه السلام على معاوية ، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي ، قال عدي : كله ، وإذا ذكر ازداد .
قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق ذكره .
فقال عدي : ( قلوبنا ليست بيدك يامعاوية )
(1) .
واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : ( إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم ... ثم طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ ... )
(2) ، والشواهد على ذلك كثيرة ...
وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعلي عليه السلام .
هـ : عقائد جاهلية وغريبة :
ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم ، هذه العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول ...
---------------------------
(1) الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 134 .
(2) شرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 285 والاحتجاج ج 1 ص 402 والبحار ج 44 ص 70 والغدير ج 2 ص 133 عن المعتزلي وعن المفاخرات للزبير بن بكار ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 12 ، ونقل عن شرح النهج للآملي ج 18 ص 288 وعن أعيان الشيعة ج 4 ص 67 .