من عنصر التقية الإيجابية البناءة ، وإيثار الله عند مداحض الباطل في مكان التقية بحسن الروية ، على حد تعبير الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام
وهو يؤبن أخاه الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه .
ـ إنهم عليهم السلام يستفيدون من عنصر التقية في كل القضايا ، باستثناء قضية الإمامة ، وشؤونها ... لأنهم أدركوا : أن التقية من شأنها أن تحفظ كل تلك القضايا ... إلا قضية الإمامة ، وأحقيتهم بالأمر ، فإنها يمكن أن تضيعها ...
وإذن ... ومن أجل درء الخطر الذي يتهدد كيان الإسلام ووجوده من الأساس ... فقد كان لا بد من بذل المهج ، وخوض اللجج ، من أجل أن ( يحق الله الحق بكلماته ، ولو كره المجرمون )
...
ومن الأمثلة على ذلك قول الإمام الكاظم عليه السلام : السلام عليك يا أبة ، وذلك حينما جاء الرشيد إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : السلام عليك يا ابن عم ، في محاولة منه لإظهار : أن خلافته تتسم بالشرعية ، لاتصاله نسباً به صلى الله عليه وآله وسلم ، لكونه ابن عمه ـ وقد نشأ عن هذا الموقف اعتقال الإمام موسى الكاظم عليه الصلاة والسلام وإيداعه السجن ، حيث قضى عليه السلام مسموماً ، شهيداً ، صابراً ، محتسباً ـ .
لطاعة الله في مداحض الباطل ، في مكان التقية ، فإنَّه يحسن الرَّوية ، ويهتم في أن لا يقدم تنزلاً في قضية الإمامة ـ وإن توهم ذلك ابن قتيبة ـ ولا في قضية الخلافة ـ وإن توهم ذلك آخر ـ وإنما تنازل عن الأمر
(1) ... وإنما يقصد معاوية من الأمر : الأمرة والملك ، فإنه لم يقاتلهم ليصموا ولا ليصلوا ، ( وإنما ليتأمر عليهم ) أو ( ليلي رقابهم ) !! كما قال
(2) .
ويقول معاوية بعد صلحه مع الإمام الحسن عيله السلام : ( رضينا بها ملكاً )
(3) .
وقد عبَّر عن ذلك هو وغيره في عدة مناسبات
(4) .
وكان معاوية يقول عن نفسه : ( أنا أول الملوك )
(5) .
كما أن سعد بن أبي وقاص يقول لمعاوية : ( السلام عليك أيها الملك )
(6) .
والإمام الحسن عليه السلام يقول مشيراً إلى ذلك : ( ليس الخليفة من سار بالجور ، ذاك ملك ملكاً يتمتع به قليلاً ، ثم تنقطع لذته ، وتبقى تبعته ... )
(7) .
هذا ... وقد اشترط عليه : السلام على معاوية أن لا يقيم عنده شهادة !! وأن لا يسميه ( أمير المؤمنين )
(8) ، الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على ما ذكرناه ...
وليس موقف الإمام الحسن عليه السلام هنا ، وتعبيره بكلمة : ( الأمر ) ،
---------------------------
(1) الإمام الحسن لآل يس ص 108 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 22 وعن الإمامة والسياسة ج 1 ص 150 و 156 وعن الصواعق المحرقة ص 81 .
(2) راجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 15 و 46 ومقاتل الطالبيين .
(3) البداية والنهاية ج 6 ص 200 .
(4) الإمام الحسن بن علي لآل يس ص 110 ـ 114 عن المصادر التالية : تاريخ الطبري ج 5 ص 534 و 536 | 537 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 205 والبداية والنهاية ج 6 ص 221 و 220 وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 183 ومروج الذهب ج 2 ص 340 .
(5) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 232 .
(6) المصنف ج 1 ص 291 .
(7) تقدمت المصادر لذلك .
(8) البحار ج 44 ص 2 وليراجع كلام الصدوق رضوان الله تعالى عليه في البحار ج 44 ص 2 ـ 19 وفي علل الشرايع ج 1 ص 212 فما بعدها ...
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 110 _
واشتراطه ماذكر ... إلا كتعبير النبي صلى عليه وآله عن حاكم الروم بـ ( عظيم الروم ) ، وعن حاكم القبط والفرس بـ ( عظيم القبط )
(1) و ( عظيم فارس )
(2) ، ولم يقل : ملك الروم ، ولا ملك القبط وفارس ، لئلا يكون ذلك تقريراً لملكهما .
وما يدل على ذلك في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام وغيره من الأئمة ، كثير ، لا مجال لتتبعه ...
فالإمام الحسن عليه السلام لم يستعمل التقية في أمر الأمامة ، وإنما سلَّم إلى معاوية الأمر النيوي الذي أُشيرَ إليه بقوله تعالى : ( وشاورهم في الأمر ) ، وهو حكم الدنيا وسلطانها ، والملك المحض ، ولم يعترف له بالإمامة الدينية والبيعة ، والخلافة الشرعية
(3) .
هذا ... وقد صرح الإمام الحسن عليه السلام في كتبه وخطبه ، بأنه لم يكن يرى معاوية للخلافة أهلاً ، وإنما صالحه من أجل حقن دماء المسلمين ، وحفاظاً على شيعة أمير المؤمنين ... بل لقد قال له فور تسليمه الأمر إليه :
( إن معاوية بن صخر زعم إني رأيته للخلافة أهلاً ، ولم أرَ نفسي لها أهلاً ، فكذب معاوية ، وأيم الله ، لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله ، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله ، غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين ، مضطهدين ، منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا الخ )
(4) .
وقد كتب له أيضاً فور البيعة له عليه السلام : ( فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله )
(5) .
---------------------------
(1) راجع التراتيب الإدارية ج 1 ص 142 .
(2) كنز العمال ج 4 ص 274 .
(3) راجع : الإمام الحسن بن علي ، لآل يس ص 110 و 114 وعن شرح نهج البلاغة ...
(4) أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 172 والاحتجاج ج 2 ص 8 والبحار ج 44 ص 22 و 63 و ج 10 ص 142 وبهج الصباغة ج 3 ص 448 .
(5) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 34 وستأتي بقية المصادر حين الكلام تحت =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 111 _
وسيأتي قوله عليه السلام : ( نحن أولى الناس بالناس ، في كتاب الله ، وعلى لسان نبيه ) ، ومثل ذلك كثير عنه .
هذا ... وقد تمدَّحه أخوه الإمام الحسين عليه السلام على استعماله التقية ، وعلى حسن رويّته فيها ، كما تقدم ...
كما أنه حينما ذُكر له عدم استجابة الإمام الحسن عليه السلام لمن دعاه للثورة على معاوية بعد الصلح ، قال عليه السلام : ( صدق أبو محمد ، فليكن كل رجل منكم من أحلاس بيته ، ما دام هذا الإنسان حياً )
(1) .
كما أنه بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، يدافع عن موقف أخيه في قضية الصلح ، في رسالة منه لأهل الكوفة ، ويأمرهم بالسكون إلى أن يموت معاوية
(2) .
بل إن الإمام الحسن عليه السلام نفسه يعتبر صلحه مع معاوية خيراً من ألف شهر ، فقد سئل مرة عن أسباب صلحه مع معاوية ، فأجاب : ليلة القدر خير من ألف شهر
(3) ...
وما ذلك إلا لأن صلحه هذا قد فضح الأمويين ، وفضح معاوية بالذات ، وجعله يعلن عن أهدافه الشريرة ، وفوت عليهم الفرصة لهدم الإسلام ، والقضاء على أهل البيت وشيعتهم
(4) ، ومهد الطريق لثورة الإمام الحسين ، ثم إلى زوال الحكم الأموي البغيض ، وإلى الأبد ...
مواقف هامة :
وبعد ... فإننا نرى : أن مما يدخل في مجال العمل على إفشال تلك الخطة
---------------------------
= عنوان : هل كان الإمام الحسن عليه السلام عثمانياً حين ذكر الشواهد على أنه كان مدافعاً قوياً عن حق أبيه في النموذج رقم 4 .
(1) الأخبار الطوال ص 221 وراجع ص 220 .
(2) الأخبار الطوال ص 222 .
(3) الإمام الحسن بن علي ، لآل يس ص 149 .
(4) الأخبار الطوال ص 220 و 221 والبحار ج 44 ص 2 وغير ذلك كثير .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 112 _
أيضاً ، وإبقاء حق أهل البيت عليهم السلام ، وقضيتهم حية في ضمير الأمة ووجدانها ، بالإضافة إلى ما تقدم من تأكيدات الإمام الحسن عليه السلام على بنوته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى أنه من أهل البيت ، الذين افترض الله طاعتهم إلى آخر ما تقدم .
ـ إن مما يدخل في هذا المجال : وصيته عليه السلام بأن يدفن عند جده صلى الله عليه وآله ، مع علمه بعدم رضا عائشة والأمويين بذلك ، حسبما أشار إليه هو نفسه عليه السلام في وصيته تلك ، وصدقته الوقايع التالية
(1) وكان ذلك هو السبب في ضرب الجدار على القبر الشريف
(2) ، فإن تلك الوصية لم تكن إلا
---------------------------
(1) راجع : البحار ج 44 ص 151 و 152 و 156 و 143 و 141 و 142 و 154 عن عيون المعجزات ، والمعتزلي ، والكافي ، وعلل الشرايع ، وأمالي المفيد ، والخرايج والجرايح ، وغير ذلك ، والفتوح لابن أعثم ج 4 ص 207 | 208 عن الترجمة الفارسية ، والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 44 ، وأمالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 161 وعلل الشرايع ج 1 ص 225والخرايج والجرايح ص 223 وتذكرة الخواص ص 213 ومقاتل الطالبيين ص 74 و 75 والأخبار الطول 221 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 14 و 15 و 50 | 51 وتاريخ اليعقوبي ج 2 225 وكتاب الفتن لنعيم بي حماد ( مخطوط ) الورقة 40 ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 229 | 230 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص 32 ووفاء الوفاء ج 2 ص 548 وصلح الحسن لآل يس ص 32 ومجمع الزوائد ج 9 ص 178 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 139 وكشف الغمة للاربلي ج 2 ص 211 و 212 والإرشاد للمفيد ص 212 و 213 وحليم أهل البيت الإمام الحسن بن علي ص 252 و ذخائر العقبى ص 142 وإثبات الوصية ص 160 والاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 377 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 3 ص 62 و 60 و 61 و 64 و 65 غن تاريخ ابن عساكر ج 12 ص 63 و ج 64 ص 99 وغيرها ، ونقل عن إثبات الهداة ج 5 ص 170 وعن الكافي ج 1 ص 304 وعن الخرايج وعن نظم درر السمطين ص 203 والغدير ج 11 ص 14 .
(2) وفاء الوفاء ج 2 ص 548 عن الكازروني شارح المصابيح .
وقال : إنه سأل جمعاً من العلماء فذكر له بعضهم ذلك .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 113 _
لإظهار صلته بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، التي يجهد الأمويون وأعوانهم لقطعها وطمسها ، كما أن هذه الوصية تهدف إلى التأكيد على أنهم عليهم السلام مظلومون مقهورون ، مغتصبة حقوقهم ، منتهب براثهم ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أرى تراثي نهباً )
(1) .
بالأضافة إلى تعريف الناس على ما يكنه أولئك الحكام وأعوانهم من حقد وكره لأهل بيت النبوة ، الذين أمر الله ورسوله مراراً وتكراراً ليس فقط بمحبتهم ، وإنما ( بمودتهم أيضاً )
(2) .
انزل عن منبر أبي :
ومما يدخل في هذا المجال أيضاً موقف آخر ، هام جداً للإمام الحسن عليه السلام في مقابل أبي بكر ، حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب على المنبر ، فقال له :
انزل عن منبر أبي .
فأجابه أبو بكر : صدقت ، والله ، إنه لمنبر أبيك ، لا منبر أبي ، فبعث علي إلى أبي بكر : إنَّه غلام حدث ، وإنا لم نأمره ، فقال أبو بكر : إنا لم نتهمك
(3) .
---------------------------
(1) الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة .
(2) راجع بحث : الحب في التشريع الاسلامي في كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج 2 للمؤلف .
(3) راجع : تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 80 و 143 وتاريخ بغداد ج 1 ص 141 عن أبي نعيم ، وغيره ، وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 26 |27 بسند صحيح عندهم والصواعق المحرقة ص 175 عن الدار قطني ، والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 40 عن فضائل السمعاني ، وأبي السعادات ، وتارسخ الخطيب ، وسير الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 529 ، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 123 عن الدارقطني ، وشرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 42 | 43 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 93 وينابيع المودة ص 306 وحياة الصحابة ج 2 ص 494 عن الكنز وأبي سعد وأبي نعيم والجابري في جزئه والغدير ج 7 ص 126 عن السيوطي ، وعن الرياض النضرة ج 1 =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 114 _
وليتأمل قوله عليه السلام : إنا لم نأمره ، فإنه لا يتضمن إنكاراً على الإمام الحسن عليه السلام ، ولا إدانة لموقفه .
ولقد صدق أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يكن الإمام الحسن عليه السلام يحتاج إلى أمر ، فلقد أدرك خطة الخصوم بما آتاه الله من فضله ، وبإحساسه المرهف ، وفكره الثاقب ، وهو الذي عايش الأحداث عن كثب ، بل كان في صميمها .
وإذن ... فمن الطبيعي أن يدرك : أن عليه فيه مسؤولية العمل على إفشال تلك الخطة ، وإبقاء حق أهل البيت وقضيتهم على حيويتها في ضمير ووجدان الأمة ، وكان علي وصي النبي صلى الله عليه وآله يحتاط للأمر ، حتى لا تحدث تشنجات حادة ، ليس من مصلحة القضية ، ولا من مصلحة الإسلام المساهمة في حدوثها في تلك الظروف .
والإمام الحسين أيضاً :
ولا عجب إذا رأينا للإمام السبط الشهيد الحسين عليه السلام موقفاً مماثلاً تماماً مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ... ونجد أن عمر قد أخذه إلى بيته ، وحاول تقريره : إن كان أبوه أمره بهذا ، أو لا ، فأجابه عن ذلك بالنفي .
وبعض الروايات تقول : إنه سأله عن ذلك في نفس ذلك الموقف أيضاً ، فنفى ذلك ، فقال عمر : منبر أبيك والله ، وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم
(1)
---------------------------
=
ص 139 ، وعن كنز العمال ج 3 ص 132 ، وحياة الحسن للقرشي ج 1 ص 84 عن بعض من تقدم ، والاتحاف بحب الأشراف ص 23 .
(1) راجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 145 ، والإصابة ج 1 ص 333 وقال سنده صحيح وأمالي الطوسي ج 2 ص 313 |314 وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 123 وحياة الصحابة ج 2 ص 495 عن كنز العمال ج 7 ص 105 عن ابن كثير =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 115 _
فأبو بكر لم يكن يرى : أن اتهام أمير المؤمنين في قضية الإمام الحسن من صالحه ... أما عمر ... الذي رأى أنه قد أصبح قوياً في الحكم ، وقد تكرس الموقف لصالح غير أهل البيت على الصعيد السياسي ... عمر هذا ـ يهتم بالتعرف على مصدر هذه الأرهاصات ، ليعمل على القضاء عليها قبل فوات الأوان ، مادام يملك القدرة على ذلك بنظره .
لقد كانت مواقف الحسنين هذه تعتبر تحدياً عميقاً للسلطة ، في أدقِّ وأخطر قضية عملت من أجل حسم الأمور فيها لصالحها ، ورأت أنها قد وفقت في مقاصدها تلك إلى حدٍ بعيد ... فجاءت هذه المواقف لتهز من الأعماق ما كاد يعتبر ، أو قد اعتبر بالفعل من الثوابت الراسخة .
والحسنان هما ذانك الفرعان من دوحة الإمامة ، وغرس الرسالة ، اللذان يفهمان الظروف التي تحيط بهما ، ويقيمانها التقييم الصحيح والسليم ، ليتخذا مواقفهما على أساس أنها وظيفة شرعية ، ومسؤولية إلهية .
أما التكليف الشرعي ، والموقف الذي لأبيهما ، فهو وإن كان في ظاهره
---------------------------
=
وابن عساكر وابن سعد وابن راهويه والخطيب والصواعق المحرقة ص 175 عن ابن سعد ، وغيره ، والاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 13 ، والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 40 ، وتاريخ بغداد ج 1 ص 141 ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 42 ، وحياة الحسن للقرشي ج 1 ص 84 ، والإمام الحسن للعلايلي ص 305 عن الإصابة ، وصححه ، وينابيع المودة ص 168 ، وتذكرة الخواص 235 ، وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني ج 2 ص 15 وكفاية الطالب ص 224 عن مسند احمد ، وابن سعد وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 324 وتهذيب التهذيب ج 2 ص 346 وصححه ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 369 وهامش أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 3 ص 27 عن تاريخ دمشق لابن عساكر ج 13 ص 15 ، أو 110 بعدة أسانيد ، وترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ص 141 و 142 وفي هامشه عن ابن سعد ج 8 في ترجمة الإمام الحسين وعن كنز العمال ج 7 ص 105 عن ابن راهويه وغيره والغدير ج 7 ص 126 عن ابن عساكر .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 116 _
مختلفاً هنا ، إلا أنه ولا شك يخدم نفس الهدف ، ويسير في نفس الإتجاه ، حسبما ألمحنا إليه .
الحسنان ... وأذان بلال :
ولعلنا لا نبعد كثيراً إذا قلنا : إن قضية أذان بلال كانت كذلك تخدم نفس الهدف ، وتسير في نفس الاتجاه الذي توخياه صلوات الله وسلامه عليهما من موقفيهما من أبي بكر وعمر ، حسبما تقدمت الإشارة إليه ...
ومجمل تلك القضية هو : أن بلالاً كان في الشام ، فقدم إلى المدينة لزيارة قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، لرؤيا رآها .
وفيما هو يناجيه ، وإذا بالحسن والحسين قد أقبلا لزيارة جدهما وأمهما ، فلما رآهما تجددت أحزانه ، وأقبل إليهما يضمهما إلى صدره ، ويقول : كأني بكما رسول الله .
والتفتا إليه ، وقالا : إذا رأيناك ذكرنا صوتك ، وأنت تؤذن لرسول الله ، ونشتهي أن نسمعه الآن بعد غيابك الطويل .
وانطلق بلال من ساعته إلى سطح المسجد ، تلبية لرغبة السبطين ، فأجهش بالبكاء ، وانطلق صوته من ناحية المسجد إلى كل بيت في المدينة : الله أكبر ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فهز المشاعر ، وارتجت المدينة من أصوات الباكين .
ومضى الذهبي يقول : فلما قال بلال : أشهدُ أنَّ محمداً رسول الله ، خرجت العواتق من خدورهن ، وظن الناس أنَّ رسول الله قد بعث من قبره ، وما رؤي يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله من ذلك اليوم
(1) .
---------------------------
(1) تهذيب تاريخ دمشق ج 2 ص 259 وسير أعلام النبلاء ج 1 ص 258 وسيرة الأئمة =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 117 _
وهذه القضية هي غير قضية أذان بلال ، بطلب من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وذلك لأن الأذان الذي كان بطلب من الحسنين عليهما السلام إنَّما كان بعد وفاتها ، كما نصت عليه الرواية آنفاً
(1) .
ومهما يكن من أمر ، فإن السياسة قد كانت تتجه إلى تناسي ذكر النبي صلى الله عليه وآله ، والمنع من حديثه ومن العمل بسنته
(2) وجعل ذكره مجرد أمر روتيني لا أكثر ، فجاءت هذه الهزة لتعيد الربط العاطفي والشعوري بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ليكون ذلك بمثابة إدانة للتوجه العام تجاه الرسول وكل ما يرتبط به .
الإمام الحسن عليه السلام وأسئلة الأعرابي :
وإذا كانت الإمامة تقوم على ركنين رئيسين ، أحدهما : النص ، والآخر : العلم ، فإننا نجد الأئمة عليهم السلام يهتمون بإظهار هذا النص ، والتركيز عليه باستمرار ، وقد رأينا الإمام الحسن عليه السلام يهتم بهذه الناحية ، في كثير من أقواله ومواقفه ، فلقد ذكر في خطبه : أنهم هم الذين افترض الله طاعتهم ، وأنهم أحد الثقلين ، واستدل بحديث الغدير ، وبالأعلمية
(3) وغير ذلك .
وكان هذا دأب الأئمة عليهم السلام وشيعتهم الأبرار بصورة عامة ، حتى لقد رأينا الإمام علياً عليه السلام يستشهد الناس على حديث الغدير في رحبة
---------------------------
=
الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني ج 1 ص 531 | 532 وراجع : أُسد الغابة ج 1 ص 208 ، وقاموس الرجال ج 2 ص 239 .
(1) راجع قاموس الرجال ج 2 ص 239 | 240 .
(2) راجع : كتاب الصحيح من سيرة النبي ج 1 ، الطبعة الثانية .
(3) راجع : الغدير ج 1 ص 198 عن ابن عقدة ومروج الذهب ج 2 ص 431 و 432 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 وينابيع المودة ص 482 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 118 _
الكوفة وغيرها
(1) .
والإمام الحسين عليه السلام يستشهد الناس على حديث الغدير في منى
(2) ... إلى غير ذلك من مواقف لا مجال لتتبعها هنا .
وكذلك الحال بالنسبة إلى العلم ، فإنهم عليهم السلام ما فتئوا يؤكدون على أنهم هم ورثة علم رسول الله صلى عليه وآله ، وعندهم الجفر ، والجامعة ، وغير ذلك
(3) ...
وقد رأينا : أن الإمام علياً عليه السلام يهتم في إثبات صفة علم الإمامة للإمام الحسن عليه السلام منذ طفولته ... حتى ليصبح إطلاعه على تلك العلوم ، التي لم ينل الآخرون منها شيئاً دليلاً على إمامته عليه آلاف التحية والسلام ...
ويلاحظ : أن أمير المومنين عليه السلام يهتم في إظهار ذلك لخصوص أولئك الذين استأثروا بالأمر ، وأقصوا أصحاب الحق الحقيقيين عن حقهم الذي جعله الله تعالى لهم ، وما ذلك إلا ليؤكد لهم ، ولكل أحد على أنهم ليسوا أهلاً لما تصدّوا له ، فضلاً عن أن يكون لهم أدنى حق فيه ...
وقد اتبع عليه السلام في صياغة الحدث أسلوباً من شأنه أن يتناقله الناس ، ويتندروا به في مجالسهم ... إذ أن إجابة طفل لم يبلغ عمره العشر سنوات على أسئلة عويصة وغامضة ، لأمر يثير عجبهم ، ويستأثر باهتمامهم .
---------------------------
(1) راجع : الغدير ج 1 ودلائل الصدق ج 3 وغير ذلك كثير ...
(2) راجع : الغدير ج 1 ودلائل الصدق ج 3 وغير ذلك كثير ...
(3) راجع مكاتيب الرسول ج 1 ص 59 حتى ص 89 فقد أسهب القول حول هذه الكتب واستشهادات الأئمة بها ، وغير ذلك .
ومن الطريف في الأمر : أننا وجدنا العباسيين يحاولون أن يدَّعوا : أن عندهم صحيفة الدولة ، ولكنها تنتهي إلى محمد بن الحنفية ، ثم إلى علي عليه السلام . وقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام ...
بل لقد حاول الأمويون أن يدَّعوا مثل ذلك أيضاً راجع : محاضرات الراغب ج 2 ص 343 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 119 _
فقد ذكر القاضي النعمان في شرح الأخبار ، بإسناده عن عبادة بن الصامت ، ورواه جماعة عن غيره : أن أعرابياً سأل أبا بكر ، فقال : إني أصبت بيض نعام ، فشويته ، وأكلته وأنا مُحرم ، فما يجب عليّ ؟
فقال له : يا أعرابي ، أشكلت عليّ في قضيتك . فدلهّ على عمر ، ودلَّه عمر على عبد الرحمن بن عوف ، فلما عجزوا قالوا : عليك بالأصلع .
فقال أمير المؤمنين : سل أي الغلامين شئت . ( وأشار إلى الحسن والحسين عليهما السلام ) .
فقال الحسن : يا أعرابي ، ألك إبل ؟
قال : نعم .
قال : فاعمد إلي عدد ما أكلت من البيض نوقاً ، فاضربهن بالفحول ، فما فصل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حجبت إليه .
فقال أمير المؤمنين : إن من النوق السلوب ، ومنها ما يزلق
(1) .
فقال : إن يكن من النوق السلوب وما يزلق ، فإن من البيض ما يمرق
(2) .
قال : فسمع صوت : أيها الناس ، إن الذي فهًّم هذا الغلام هو الذي فهًّمها سليمان بن داود
(3) .
---------------------------
(1) الناقة السلوب : التي مات ولدها ، أو القته لغير تمام ، وأزلقت الفرس : أجهضت ، أي ألقت ولدها قبل تمامه ...
(2) مرقت البيضة : فسدت .
(3) المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 354 | 355 و 335 عنه وعن العدد ، وحياة الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 86 | 87 .
وقد ذكر القضية لكن بدون إحالة السؤال على الإمام الحسن كل من : ذخائر العقبى ص 82 وإحقاق الحق ج 8 ص 207 وفرائد السمطين ج 1 ص 342 | 343 والغدير ج 6 ص 43 عن بعض من تقدم ، وعن كفاية الشنقيطي ص 57 والرياض النضرة ج 2 ص 50 و 194 وفي هامش ترجمة أمير المؤمنين لابن عساكر ج 49 ص 83 ، أو 498 ترجمة محمد بن الزبير .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 120 _
وثمة قضية أخرى ، وهي قضية ذلك الذي أقرّ على نفسه بالقتل ، حينما رأى : أن بريئاً سيقتل ، فحكم عليه أمير المؤمنين عليه السّلام بعدم وجوب القَود ، فإنه إن كان قتل فعلاً ، فقد أحيا نفساً ، و من أحيا نفساً ، فلا قَوَد عليه .
قال ابن شهر آشوب : ( وفي الكافي والتهذيب : أبو جعفر : إن أمير المؤمنين عليه السّلام سأل فتوى ذلك الحسن ، فقال : يطلق كلاهما ، والدية من بيت المال . قال : ولم ؟ قال : لقوله : ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )
(1) .
وهناك أيضاً أسئلة الإمام عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام عن السداد ، والشرف ، والمروّة ، وغير ذلك من صفات ... فأجاب عنها ، فلتراجع
(2) .
وأيضاً ... فهناك أسئلة ذلك الرجل عن الناس ، أشباه الناس ، وعن النسناس ، فأحاله الإمام على ولده الإمام الحسن عليه السلام : فأجابه عنها
(3) .
وسأل أمير المؤمنين عليه السلام ولده الإمام الحسن عليه السلام : كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربع أصابع . قال : كيف ذلك ؟ قال : الإيمان كل ما سمعته أذناك الخ
(4) ...
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فسأله عن الرجل ، إذا نام أين تذهب روحه ؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرجل كيف يشبه الأعمام
---------------------------
(1) المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 ، والآية في سورة المائدة آية 34 .
(2) راجع : نور الأبصار ص 121 وتهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 220 | 221 وحلية الأولياء ج 2 ص 36 والبداية والنهاية ج 8 ص 39 وحياة الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 138 ـ 140 وكشف الغمة ج 2 ص 194 | 195 ، والفصول المهمة للمالكي 144 ومعاني الأخبار ص 243 و 245 وتحف العقول ص 158 | 159 وعن شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 250 وعن البحار ج 17 وعن إرشاد القلوب للديلمي ج 1 ص 116 وعن مطالب السؤل .
(3) تفسير فرات ص 8 وعن البحار ج 7 ص 150 ط عبد الرحيم .
(4) العقد الفريد ج 6 ص 268 وليراجع البحار ج 43 ص 357 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
ـ 121 ـ
والأخوال ... واعتبر السائل أن إجابته على ذلك تعني : أن الذين غصبوا حقه ليسوا بمؤمنين ، وإن لم يُجب فهو وإياهم شَرَع سواء .
وكان هو ، والحسن عليهما السلام ، وسلمان رحمه الله في المسجد الحرام ، فأحاله على الإمام الحسن ، فأجابه بما أقنعه ، ثم أخبر أمير المؤمنين عليه السلام : أنه الخضر
(1) .
وأرسل معاوية إلى أمير المؤمنين يسأله : كم بين الحق والباطل ؟ و عن قوس قزح ، وما المؤنث ؟ وعن عشرة أشياء بعضها أشد من بعض ، فأحال ذلك أمير المؤمنين عليه السلام على الإمام الحسن عليه السلام ، فأجابه عنها
(2) .
وأرسل قيصر يسأل معاوية عن بعض المسائل ، فلم يعلم جوابها ، فأحالها إلى الإمام الحسن عليه السلام
(3) .
بل إننا نجد النبي صلى الله عليه وآله نفسه يرجع السؤال إلى الإمام الحسن عليه السلام ، ليجيب عليه ... كما ورد في بعض النصوص
(4) .
ويطلب الإمام علي عليه السلام منه : أن يكتب لعبد الله بن جندب ، فكتب إليه :
( إن محمداً كان أمين الله في أرضه ، فلما أن قبض محمداً كنا أهل بيته ، فنحن أمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا ، وأنساب العرب ، ومولد الإسلام ، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان ، وبحقيقة النفاق ) .
ثم يذكر عليه السلام ما لأهل البيت من الفضل العظيم ... ويقول : ( نحن أفراط الأنبياء ، ونحن أبناء الأوصياء ( ونحن خلفاء الأرض
---------------------------
(1) إثبات الوصية ص 157 ، 158 ، والأحمدي عن البحار ج 14 ط كمباني ص 396 والاحتجاج مرسلاً مثله ، وعن المحاسن ، وعلي بن إبراهيم .
(2) البحار ج 43 ص 325 وعيون أخبار الرضا ج 1 ص 66 وتحف العقول ص 160 ـ 162 . ونقل عن المعتزلي ج 10 ص 129 ـ 131 ، والظاهر أن ثمة اشتباهاً في الأرقام .
(3) راجع : ربيع الأبرار ج 1 ص 722 .
(4) البحار ج 43 ص 335 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 122 _
خ ل ) ) ، ثم يذكر منزلتهم ، ولزوم ولاية أمير المؤمنين ... وهي رسالة هامة لا بأس براجعتها في مصادرها
(1) .
وأخيراً ... فقد روي عن عبد الله بن عباس ، قال : مرت بالحسن بن علي عليه السلام بقرة ، فقال : هذه حبلى بعجلة أنثى لها غُرَّة في جبهتها ، ورأس ذنبها أبيض ، فانطلقنا مع القصاب حتى ذبحها ، فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها ... فقلنا له : أو ليس الله عز وجل ويعلم ما في الأرحام ، فكيف علمت ، قال : إنا نعلم المخزون المكتوم ، الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، غير محمد وذريته
(2) .
وليراجع قوله عليه السلام حول ما هو مكتوب على جناح الجرادة ، واعتبار ابن عباس ذلك من مكنون العلم
(3) .
وتفصيلات ذلك وسواه موجودة في المصادر التي في الهوامش .
فرض العطاء :
لقد اتبع عمر بن الخطاب سياسة خاصة في العطاء ، تركت آثاراً سيئة في نفوس الكثيرين ، وعلى المجتمع الإسلامي بصورة عامة ... سياسة تقوم على التعصبات الجاهلية ، وتظهر فيها الامتيازات المادية والعرقية
(4) ، التي جهد
---------------------------
(1) الأحمدي عن البحار ط عبد الرحيم ج 7 ص 96 و 99 عن فرات وعن كنز الفوائد ومعادن الحكمة ج 2 ص 173 عن الكافي وبصائر الدرجات .
(2) البحار ج 43 ص 328 و 337 .
(3) البحار ج 48 ص 337 والخرايج والجرائح ص 221 .
وثمة روايات أخرى تدخل في هذا المجال ، فليراجع على سبيل المثال : البحار ج 44 ص 100 و 101 عن الاحتجاج عن سليم بن قيس .
(4) حول سياسة عمر في العطاء ، راجع ما تقدم من مصادر حين الكلام على التمييز العنصري .
وراجع : تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 153 | 154 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 321 =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 123 _
الإسلام ، ونبي الإسلام في القضاء عليها ، واستئصالها من الأساس ، سياسة لم يكن يرضاها أهل البيت ، وعلى رأسهم أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، بل لقد رفضها عليه السلام بشدة وحزم ، ورضي بأن يحقد عليه القرشيون ، ويجيشوا الجيوش ، ويثيروا الحروب ، لأنه حرمهم من الامتيازات التي منحهم إياها عمر بن الخطاب ، ومن أهمها امتيازات العطاء هذه
(1) .
ولكن هذه السياسة الخاطئة ، فقد ألفتت إلى ناحية ، وكرست أمراً ، لم يكن الخلفاء وأعوانهم قد التفتوا إليه ، ولا كان يروق لهم تكريسه ، أو أنهم قد التفتوا إليه ، ولكنهم لم يمكنهم تحاشيه ، والتخلص منه ... وهو أمر واقعي ، كان لا بد من الاحتفاظ به ، والإلتفات إليه بنحو ، أو بآخر ... ألا وهو الاعتراف الضمني بل الصريح من الهيئة الحاكمة ، وعلى رأسها عمر بن الخطاب ، الشخصية القوية جداً ، وذات النفوذ العظيم ـ نعم الاعتراف ـ بفضائل ومزايا الحسنين الزكيين عليهما الصلاة والسلام ، حيث ألحقهم عمر بن الخطاب بأهل بدر ، تنبيهاً على المكانة الممتازة التي كانا يتحليان بها ، ولم يكن بالإمكان التغاضي عنها ، أو تجاهلها .
بل إننا لنجده ( قسم يوماً ، فأعطاهما عشرين ألف درهم ، وأعطى ولده عبد الله ألف درهم ، فعاتبه ولده ، فقال : قد علمت سبقي إلى الاسلام ، وهجرتي ، وأنت تفضل علي هذين الغلامين ؟ ( وهذا يعني : أن ذلك قد كان في أوائل خلافة عمر ) ، فقال : ويحك يا عبد الله ، إئتني بجدٍ مثل جدهما ، وأنا أعطيك مثل عطائهما )
(2) .
---------------------------
=
وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 533 والإمام الحسين للعلايلي ص 309 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 111 وفتوح البلدان للبلاذري ، القسم الثالث ص 548 ـ 566 وغير ذلك .
(1) راجع : ما تقدم حين الكلام حول سياسة التمييز العنصري .
(2) الإمام الحسين للعلايلي هامش ص 309 عن تذكرة الخواص ، ويرى المحقق العلامة الأحمدي حفظه الله : أن تعليل عمر هذا لفعله ذاك ، لعله كان يرمي إلى الإشارة إلى أن ما فعله لم يكن إلا لأجل انتسابهما لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لا لأجل ما يتحليان به من خصائص ومزايا ، ولعله يتعمد صرف الأنظار عن ذلك . =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 124 _
الإمام الحسن عليه السلام في الشورى :
وحينما طعن عمر بن الخطاب ، ورتب قضية الشورى على النحو المعروف ، قال للمرشحين : ( واحضروا معكم من شيوخ الأنصار ، وليس لهم من أمركم شيء ، وأحضروا معكم الحسن بن علي ، وعبد الله ين عباس ، فإن لهما قرابة ، وأرجو لكم البركة في حضورهما ، وليس لهما من أمركم شيء ، ويحضر ابني عبد الله مستشاراً ، وليس له من الأمر شيء ... ) فحضر هؤلاء
(1) .
ويبدو : أن هذه أول مشاركة سياسية فعلية معترف بها ، بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، أي بعد بيعة الرضوان ، وبعد استشهاد الزهراء صلوات الله وسلامه عليها بهما في قضية فدك ، على النحو الذي تقدم .
ويلاحظ هنا : أنه قد اكتفى بذكر الإمام الحسن عليه السلام ، ولم يذكر الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام ، ولعل ما كان قد جرى بينهما ، وقول الحسين له : انزل عن منبر أبي ، لم يغرب عن ذهن الخليفة بعد .
ولكنه قد ذكر عبد الله بن عباس ، الذي كان عمر يقربه ، ويهتم بشأنه ، ولعل ذلك كان مكافأة لأبيه العباس ، الذي لم يتعرض لحكمهم وسلطانهم ، إن لم نقل : إنه قد ساهم في تخفيف حدة التوتر في أحيان كثيرة فيما بينهم وبين علي عليه السلام ، كما جرى في قصة البيعة لأبي بكر ، ثم في قصة زواج عمر نفسه بأم كلثوم بنت أمير المؤمنين ... كما أنه لم يساهم في قتل القرشيين في بدر ولا في غيرها .
بالإضافة إلى أن عمر يريد أن يوجد قرناء للإمام الحسن عليه السلام ،
---------------------------
=
وأقول لكننا مع ذلك ، نفهم أنه لم يكن بإمكانه تجاهلهما ، وإن كان يمكن أن يكون هدفه من تعليله ذاك هو ما ذكر .
(1) الإمامة والسياسة ج 1 ص 24 و 25 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 125 _
ويوحي بأنه كما له هو عليه السلام امتياز من نوع ما ، كذلك فإن غيره لا يفقد هذه الامتيازات بالكلية ، بل له منها أيضاً نصيب ، كما للإمام الحسن عليه الصلاة والسلام .
ثم ... هناك الدور الذي رصده لولده عبد الله الذي كان يرى في والده المثل الأعلى الذي لا بد أن يحتذى ، وتنفذ أوامره ، وينتهي إلى رغباته وآرائه ، ولا يجوز تجاوزها ...
وكان عمر يدرك طبعاً مدى تأثير شخصيته وهيمنته على ولده ، ويثق بأن ولده سيجهد في تنفيذ المهمة التي يوكلها إليه ... ولكن لا بد من التخفيف من التساؤلات التي ربما تطرح حول سر اختصاص ولده بهذا الدور دون سواه ، فكانت هذه التغطية التي لا تضر ، والتي يؤمن معها غائلة طغيان الشكوك والتفسيرات ، التي لايرغب في أن ينتهي الناس إليها في ظروف كهذه ...
ومن الجهة الثالثة ... فإن بأشراك الحسن عليه السلام وابن عباس ، على النحو الذي ذكره من رجائه البركة في حضورهما ... يكون قد أضفى صفة الورع والتقوى على خطته تلك ، وتمكن من إبعاد أو التخفيف من شكوك المشككين ، واتهاماتهم ...
هذا باختصار ... ما يمكن لنا أن نستوحيه ونستجليه من الحادثة المتقدمة في عجالة كهذه ...
ولكن موقف أمير المؤمنين عليه السلام في الشورى ، ومناشداته بمواقفه وبفضائله ، وبأقوال النبي صلى عليه وآله فيه ، قد أفسدت كل تدبير ، وأكدت تلك الشكوك ، وأذكتها ...
وأما بالنسبة لقبول الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام للحضور في الشورى ، فهو كحضور علي عليه السلام فيها ... فكما أن أمير المؤمنين قد أشترك فيها من أجل أن يضع علامة استفهام على رأي عمر الذي كان قد أظهره ـ وهو الذي كان رأيه كالشرع المتبع ـ في أن النبوة والخلافة لا تجتمعان في بيت واحد أبداً ، بالإضافة إلى أنه من أجل أن لا ينسى الناس قضيتهم ...
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 126 _
كذلك فإن حضور الإمام الحسن عليه السلام في هذه المناسبة إنما يعني انتزاع اعتراف من عمر بأنه ممن يحق لهم المشاركة السياسية ، حتى في أعظم وأخطر قضية تواجهها الأمة ... كما أن نفس أن يرى الناس مشاركته هذه ، وأن يتمكن في المستقبل من إظهار رأيه في القضايا المصيرية ، ولو لم يُقبل منه ... وأن يرى الناس أن من الممكن قول كلمة ( لا ) ... وأن يسمع الطواغيت هذه الكلمة ، ولا يمكنهم ردها ، بحجة : أنها صدرت من هاشمي ، وقد قبل عمر ـ وهو الذي لا يمكنهم إلا قبول كل ما يصدر عنه ـ مشاركة الهاشميين في القضايا السياسية والمصيرية الكبرى ، وحتى في هذه القضية بالذات ...
نعم إن كل ذلك ، يكفي مبرراً ودليلاً لرجحان ، بل ولحتمية مشاركة الإمام الحسن في قضية الشورى واستجابته لرغبة عمر في هذا المجال ...
كما أنه يكون قد انتزع اعترافاً من عمر بن الخطاب ، بأنه ذلك الرجل الذي لا بد أن ينظر إليه الناس نظرة تقديس ، وأن يتعاملوا معه على هذا المستوى ... ولم يكن ذلك إلا نتيجة لما سمعه عمر ورآه ، هو وغيره من الصحابة ، من أقوال ومواقف النبي الأكرم بالنسبة إليه ، ولأخيه الحسين السبط عليهما الصلاة والسلام .
وعليه ... فكل من يعاملهما على غير هذا الاساس ، حتى ولو كان قد نصبه عمر وأعطاه ثقته ، ومنحه حبه وتكريمه ، فإنه يكون متعدياً وظالماً ... وحتى مخالفاً لخط ورأي ، نظرة ذلك الذي يصول على الناس ويجول بعلاقته وارتباطه به .
نعم ... وقد رأينا الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام يذكر : ان الذي دعاه للدخول في ولاية العهد ، هو نفس الذي دعا أمير المؤمنين للدخول في الشورى
(1) .
---------------------------
(1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 364 ومعادن الحكمة ص 192 وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 140 والبحار ج 49 ص 140 و 141 ، والحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام ص 306 . عنهم .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 127 _
وقد أوضحنا ذلك في كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام فليراجعه من أراد .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 131 _
الإمام الحسن عليه السلام في وداع أبي ذر :
( يا عماه ، لولا أنه لا ينبغي للمودع أن يسكت ، وللمشيع أن ينصرف ، لقصر الكلام ، وإن طال الأسف . وقد أتى من القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه وآله ، وهو عنك راض )
(1) .
تلك هي كلمات الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه ، وهو يودع مع أبيه ، وأخيه ، وعمه عقيل ، وابن عمه عبد الله بن جعفر ، وابن عباس ـ أبا ذر ، ذلك الصحابي الجليل ، الذي جاهد وناضل القوم في سبيل الدين والحق . ولاقى منهم ما لاقى من اضطهاد وإهانة وبلاء ، حتى قضى غريباً ، وحيداً فريداً في ( الربذة ) : منفاه .
هي كلمات ناطقة بموقفه القائم على أساس العقيدة والحق ، تجاه تصرفات وأعمال الهيئة الحاكمة : ( القوم ) .
وهو بكلماته هذه يساهم في تحقيق ما كان يرمي إليه أبو ذر من أهداف ، حيث كان لا بد من إطلاق الصرخة ، لإيقاظ الأمة من سباتها ، وتوعيتها على حقيقة ما يجري وما يحدث ، وإفهامها : ان الحاكم لا يمكن أن يكون أبداً في
---------------------------
(1) شرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 253 والغدير ج 8 ص 301 عنه ، وأشار إلى ذلك اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 172 وعن : الوافي ج 3 ص 107 والبحار ج 22 ص 412 و 436
، وراجع أيضاً روضة الكافي ج 8 ص 207 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 132 _
منأى عن المؤاخذة ، ولا هو فوق القانون ، وإنما هو ذلك الحامي له ، والمدافع عنه ، فإذا ما سوّلت له نفسه أن يرتكب أية مخالفة ، أو أن يستغل مركزه في خدمة أهوائه ومصالحه الشخصية ، فإن بإمكان كل أحد أن يقف في وجهه ، ويعلن كلمة الحق ، ويعمل على رفع أي ظلم أو حيف يصدر منه .
ومن جهة أخرى ... فإنه إذا كانت الظروف لا تسمح لأمير المؤمنين وسبطيه عليهم السلام ، وآخرين ممن هم على خطهم لأن يقفوا موقف أبي ذر ، فإن عليهم ـ على الأقل ـ أن يعلنوا عن رأيهم ـ الذي هو رأي الإسلام ـ فيه ، وفي مواقفه ، فإن ذلك من شأنه : أن يعطي موقفه العظيم ذاك بعداً إعلامياً ، وعمقاً فكرياً وسياسياً ، يحمي تلك المعطيات والنتائج التي ستنشأ عنه ... فكانت مبادرتهم ـ إلى جانب مبادرات أخرى لأمير المؤمنين عليه السلام خاصة ، لامجال لذكرها هنا ـ لتوديعه ، رغم منع السلطة ، ثم جرى بينهم وبين مروان ، ثم بينهم وبين عثمان ما جرى ، حسبما ذكره ، أو أشار إليه غير واحد من المؤرخين
(1) .
وإذا تأملنا في كلمات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه لأبي ذر في ذلك الموقف ، فإننا نجدها تتضمن : تأسفه العميق لما فعله القوم بأبي ذر ، ثم هو يشجعه على الاستمرار على موقفه ، ويعتبر أن فيه رضى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن ثم رضى الله سبحانه وتعالى ...
كما أنه يحاول التخفيف عن أبي ذر ، وإعطائه الرؤية الصحيحة ، التي من شأنها أن تخفف من وقع المحنة عليه ، وتسهل عليه مواجهة البلايا التي تنتظره ، وذلك حينما يأمره عليه السلام بأن : يضع عنه الدنيا ، بتذكر فراغها ، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها .
فإن هذه الكلمات بالذات قد تكفلت ببيان السر الحقيقي ، الذي يجعل شخصية الإنسان المسلم أقوى من كل ما في الدنيا من أسلحة وقدرات تملكها
---------------------------
(1) راجع : مروج الذهب ج 2 ص 339 ـ 342 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 252 ـ 255 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 172 | 173 والفتوح لابن أعثم ج 2 ص 159 و 160 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 133 _
قوى البغي والشر ، وتجعله على استعداد لأن يضحي بكل شيء حتى بنفسه ، بكل رضا وثقة واطمئنان ، بل وباندفاع يحمل معه شعوراً غامراً بالسرور والهناء ، بل وبالفرحة والسعادة .
اشتراك الإمام الحسن عليه السلام في الفتوح :
1 ـ ويقولون : إنه في سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص طبرستان ، وكان أهلها في خلافة عمر قد صالحوا سويد بن مقرن على مال بذلوه ، ثم نقضوا ، فغزاهم سعيد بن العاص ، ومعه الحسن ، والحسين ، وابن عباس
(1) .
قال أبو نعيم بالنسبة إلى الإمام الحسن عليه السلام : ( دخل أصبهان غازياً ، مجتازاً إلى غزاة جرجان )
(2) .
وعده السهمي هو وأخاه الحسين عليه السلام ممن دخل جرجان
(3) .
2 ـ وفي مناسبة فتح افريقية يقولون : إن عثمان جهز العساكر من المدينة ، وفيهم جماعة من الصحابة ، منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وابن عمرو بن العاص ، وابن جعفر ، والحسن والحسين ، وابن الزبير ، وساروا مع عبد الله بن أبي سرح سنة ست وعشرين
(4) .
---------------------------
(1) الفتوحات الإسلامية ج 1 ص 175 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 109 وتاريخ الطبري ج 3 ص 323 ، وفتوح البلدان للبلاذري بتحقيق المنجد ، قسم 2 ص 411 ، وتاريخ ابن خلدون ج 2 قسم 2 ص 135 والبداية والنهاية ج 7 ص 154 ، وحياة الإمام الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 96 ، وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 536 وج 2 ص 17 عن ابن خلدون والطبري .
(2) ذكر أخبار أصفهان ج 1 ص 44 وراجع ص 43 و 47 .
(3) تاريخ جرجان ص 7 .
(4) العبر ( تاريخ ابن خلدون ) ج 2 قسم 1 ص 128 وحياة الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 95 وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 2 ص 16 ـ 18 و ج 1 ص 535 عن ابن خلدون وعن الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى للناصري السلاوي ج 1 ص 39 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 134 _
التفسير والتوجيه :
وقد حاول البعض توجيه ذلك على أساس : أنه عليه السلام يريد أن يرى اتساع نفوذ الإسلام ، حيث إن في هذه الفتوحات خدمة للدين ، ونشراً للإسلام ، فدخل عليه السلام ميدان الجهاد ( والجهاد باب من أبواب الجنة ) وألقى الستار على ما يكنه في نفسه من الاستياء على ضياع حق أبيه ... وذلك لأن أهل البيت عليهم السلام ما كان همهم إلا الإسلام والتضحية في سبيله
(1) .
وعلى حد تعبير الحسني : ( وليس بغريب على علي بن أبي طالب وبنيه أن يجندوا كل إمكانياتهم وطاقاتهم في سبيل نشر الإسلام ، وإعلاء كلمته ، وأذا كانوا يطالبون بحقهم في الخلافة فذاك لأجل الإسلام ونشر تعاليمه ، فإذا اتجه الإسلام في طريقه ، فليس لديهم ما يمنع من أن يكونوا جنوداً في سبيله ، حتى ولو مسهم الجور والأذى وقد قال أمير المؤمنين أكثر من مرة : والله لأ سالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلا عليَّ خاصة )
(2) .
ويعلل رحمه الله تعالى عدم اشتراك الحسنين في المعارك الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ، بالرغم من أنها قد بلغت ذروتها في مختلف المناطق ، والانتصارات يتلو بعضها بعضاً ، والأموال والغنائم تتدفق على المدينة من هنا وهناك ... وبالرغم من أن الإمام الحسن عليه السلام كان في السنين الأخيرة من خلافة عمر قد أشرف على العشرين من عمره ، وهو سن مناسب للاشتراك في الحروب ، التي كان يتهافت المسلمون كهولاً وشباباً وشيوخاً على الاشتراك بها
---------------------------
(1) راجع : حياة الحسن عليه السلام للقرشي ج 1 ص 95 و 96 وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 وج 2 ص 16 ـ 18 .
وكلمة علي عليه السلام الأخيرة في نهج البلاغة ج 1 ص 120 | 121 الخطبة رقم 71 ط عبده .
(2) سيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 536 وراجع ص 317 .