وينبغي إفراد كل قسم من أفراد الواجب التخييري بالبحث ، فان لكل واحد من الأقسام الثلاثة خصوصية لم تكن في الآخر ، بحيث لو أمكن القول بجريان البراءة في بعضها لا يمكن القول بجريانها في البعض الآخر ، كما سنوضحه ( إن شاء الله تعالى ) .
  فنقول : إذا كان الشك في التعيين والتخيير على الوجه الثاني من الوجوه المتقدمة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ـ وهو ما إذا علم بتعلق التكليف بأحد الشيئين بخصوصه وشك في كون الشيء الآخر عدلا له وأحد فردي الواجب التخييري وكان الواجب التخييري الذي هو طرف الشك من الواجبات التخييرية الابتدائية في عالم الجعل والتشريع الذي كان هو القسم الأول من أقسام الواجب التخييري ـ فقد قيل : إنه تجرى البراءة عن التعيينية ، لأن صفة التعيينية كلفة زائدة توجب الضيق على المكلف ، بداهة أنه لو لم يكن الواجب تعيينيا لكان المكلف بالخيار بين الإتيان به أو بعدله ، فيشملها قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ ( رفع ما لا يعلمون ) وقوله ـ عليه السلام ـ ( الناس في سعة ما لا يعلمون ) وغير ذلك من أدلة البراءة ، ويلزمه جواز الاكتفاء بفعل ما يحتمل كونه عدلا لما علم تعلق التكليف به .
  وقيل : بعدم جريان البراءة ، ويلزمه عدم جواز الاكتفاء بما يحتمل كونه عدلا للواجب ، وهو الأقوى ، فان صفة التعيينية وإن كانت كلفة زائدة توجب الضيق على المكلف ، إلا أن مجرد ذلك لا يكفي في جريان البراءة ، بل لابد مع ذلك من أن يكون المشكوك فيه أمرا مجعولا شرعيا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ولو بتبع خطاب آخر ، كما تقدم (1) وإلا كان اللازم جريان البراءة


(1) أقول : بعد تسليم أن التعيينية كلفة زائدة توجب ضيقا من ناحية العقوبة على المكلف ، ففي جريان البراءة العقلية ـ لولا شبهة أخرى ـ لا يحتاج إلى كون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ، وإنما يحتاج إلى ذلك في مثل ( حديث الرفع ) وأمثاله ، وإلا ففي مثل البراءة العقلية يكفي كون المشكوك بخصوصه موجبا للعقوبة على تركه ، وصفة التعيينية لا أقل من كونه من هذا القبيل ، هذا ، مع أنه قد تقدم من أن مرجع التعيينية إلى تعلق الطلب

فوائد الأصول ـ 427 ـ
  في جميع موارد الشك في الامتثال والسقوط ، فان عدم حصول الامتثال وعدم السقوط ضيق وكلفة على المكلف ، كما أن حصول الامتثال والسقوط توسعة ، فلو اكتفينا في جريان البراءة بمجرد كون المشكوك فيه مما يوجب الضيق والكلفة ، كان اللازم جريان البراءة عند الشك في سقوط الأمر الصلاتي مثلا بالصيام ، وهو كما ترى ! وليس ذلك إلا من جهة أنه يعتبر في أصالة البراءة ـ مضافا إلى كونها موجبة للتوسعة ورفع الكلفة ـ أن يكون المشكوك فيه أمرا وجوديا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ولو كان من توابع نفس التكليف وخصوصياته أو من توابع متعلقه وقيوده ، ولذلك كان الأقوى عندنا جريان البراءة عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين ، سواء كان المشكوك فيه جزءا أو قيدا ، كما أوضحناه في محله .
  وحاصل الكلام : أن الكلفة والضيق الذي يراد رفعه بالبرائة إنما هو الضيق الجائي من قبل جعل التكليف وتشريعه ، بحيث يكون الجعل متضمنا لكيفية توجب الضيق وتوقع المكلف في الكلفة ، ولابد أن تكون تلك الكيفية وجودية ليمكن رفعها عند الشك فيها وأن يكون في رفعها منة وتوسعة على العباد ، وهذا هو الضابط الكلي الذي لابد من رعايته في جميع الموارد التي تجرى فيها البراءة .
  ومنه : يظهر أنه لا مجال لتوهم جريان البراءة عند الشك في التعيين والتخيير ، لأن صفة التعيينية المشكوكة ليست من الأمور الوجودية المجعولة لجميع حدود الوجود الملازم لحرمة جميع أنحاء تروكه ، قبال التخييرية المتعلق ببعض حدود وجوده المستلزم لجواز بعض تروكه ، ومن المعلوم : أن التعيينية بهذا المعنى منتزع عن كيفية الجعل وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ، فلا قصور في جريان مثل ( حديث الرفع ) أيضا في المقام ، كما لا يخفى ، وحينئذ العمدة في منع جريان البراءة الابتلاء بعلم إجمالي آخر بين المتباينين ، وهو مختص بصورة العلم بوجوب شيء والشك في وجوب شيء آخر عدلا له ، ولا يجرى في صورة العلم بوجوب شيئين والشك بأنها تعييني أو تخييري ، كما لا يخفى .
  ولقد أوضحنا المرام في الحاشية السابقة ، فراجع إليه وتدبر فيه بعين الدقة .

فوائد الأصول ـ 428 ـ
  شرعا ولو بالتبع ، بل إنما هي عبارة عن عدم جعل العدل والبدل ، بداهة أن نحو تعلق الخطاب لا يختلف تعيينيا كان أو تخييريا ، فالتكليف المتعلق بالعتق مثلا لا يتغير ولا يزيد ولا ينقص ولا يتكيف بكيفية وجودية إذا كان التكليف المتعلق به تعيينيا ، وإنما الاختلاف ينشأ عن قبل وجوب العدل ، فان تعلق التكليف بشيء آخر يكون عدلا له فالتكليف المتعلق بالعتق كان تخييريا ، وإلا كان تعيينيا ، فالتعيينية ليست صفة وجودية للخطاب حتى تجرى فيها البراءة .
  وبالجملة : كما أنه في مقام الإثبات ظاهر الخطاب يقتضي التعيينية لأنها لا تحتاج إلى بيان زائد بل التخييرية تحتاج إلى مؤنة زائدة من العطف ب‍ ( أو ) ونحوه ، كذلك في مقام الثبوت التعيينية عبارة عن تعلق الإرادة المولوية بشيء ، وليس لها فصل وجودي ، بل حدها عدم تعلق الإرادة بشيء آخر يكون عدلا لما تعلقت الإرادة به ، ففي الحقيقة الشك في التعيينية والتخييرية يرجع إلى الشك في وجوب العدل وعدمه ، فالذي يمكن أن يعمه ( حديث الرفع ) لولا كونه خلاف المنة ـ هو وجوب العدل المشكوك ، فينتج التعيينية وهي ضد المقصود .
  فظهر : أن المرجع عند الشك في التعيين والتخيير قاعدة الاشتغال ، لرجوع الشك فيهما إلى الشك في سقوط ما علم تعلق التكليف به بفعل ما يحتمل كونه عدلا له ، من غير فرق بين أن يكون الشك فيهما على الوجه الثاني من الوجوه المتقدمة ( وهو ما إذا لم يعلم تعلق الطلب بما يحتمل كونه عدلا للواجب ) أو على الوجه الثالث ( وهو ما إذا علم بتعلق الطلب به أيضا وكان الشك في مجرد كونه عدلا للآخر ) (1) فان الشك في كل من الوجهين يرجع إلى


(1) أقول : لو تأملت فيما ذكرنا ترى الفرق بينهما كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار ، وأن الأصل في الأول هو التعيين ، وفي الثاني هو التخيير ، فتدبر تعرف .

فوائد الأصول ـ 429 ـ
  الشك في الامتثال والسقوط ، غايته أنه في الوجه الثاني الشك إنما يكون في مسقطية خصوص مشكوك الوجوب عن مقطوعه ، وفي الوجه الثالث يكون الشك في مسقطية كل منهما عن الآخر .
  وكذا لا فرق بين القول بان الواجب التخييري عبارة عن تقييد الإطلاق واشتراط التكليف في كل واحد من الفردين بما إذا لم يأت بالآخر ، والقول بأنه بنفسه سنخ آخر من الطلب يقابل الواجب التعييني ، بل رجوع الشك إلى الشك في الامتثال والسقوط لو كان من باب تقييد الإطلاق أوضح ، فان الشك يرجع إلى الشك في السقوط على كل حال ولو كانت صفة العينية وجودية ، فإنه لو قلنا بأن الواجب التخييري من باب تقييد الإطلاق ، فالتقييد إنما يكون باعتبار البقاء ومرحلة السقوط لا باعتبار الثبوت ومرحلة الحدوث ، وقد عرفت : أن الأصل عند الشك في الإطلاق والاشتراط الراجع إلى مرحلة السقوط يقتضي الاشتغال وعدم السقوط ، فتأمل جيدا .
  بقى الكلام في الوجه الثالث من وجوه الشك في التعيين والتخيير ، وهو ما إذا علم بتعلق التكليف بأحد الشيئين وعلم أيضا بأن الشيء الآخر مسقط التكليف به ، ولكن يشك في أن إسقاطه للتكليف لكونه عدلا له وأحد فردي الواجب المخير ، أو مجرد كونه مسقطا له ومفوتا لموضوعه ، سواء كان إسقاطه من حيث كون عدمه شرطا لملاك الواجب بحيث يكون وجوده معدما للملاك والمصلحة ، أو كان إسقاطه من حيث كونه مانعا عن استيفاء الملاك مع بقائه على ما هو عليه ، وعلى كلا التقديرين : يكون عدمه شرطا لوجوب الواجب ، ولا يمكن أن يكون أحد فردي الواجب المخير ، لأنه ليس فيه مصلحة الوجوب ولا حاويا لملاكه ، وإلا لم يكن إسقاطه للواجب بأحد الوجهين ، بل كان إسقاطه له من باب استيفاء الملاك ، فإنه يعتبر في الواجب التخييري أن يكون بين الأفراد جامع ملاكي .
  وعلى كل حال : فان علم أن الشيء الفلاني ـ كالصيام مثلا ـ ليس

فوائد الأصول ـ 430 ـ
  من أفراد الواجب التخييري وليس فيه ملاك الوجوب وإنما هو مباح أو مستحب مسقط للوجوب عن العتق فهو ، وإن شك في ذلك وتردد أمره بين أن يكون من أفراد الواجب التخييري أو مجرد كونه مسقطا ، فمع التمكن من الإتيان بما علم تعلق التكليف به ـ من العتق مثلا ـ لا يترتب على الوجهين أثر حتى يبحث عن الوظيفة في حال الشك إلا من حيث العصيان وعدمه ، فإنه عند ترك المكلف العتق مع العلم بتعلق التكليف به والاكتفاء بالصيام ـ مع أنه يمكن أن يكون في الواقع مما لم يتعلق به التكليف وكان مسقطيته للتكليف عن العتق لمكان كونه مفوتا لملاكه ومانعا عن استيفائه من دون أن يكون عدمه شرط للملاك ـ يستحق العقوبة .
  وأما مع عدم التمكن من الإتيان بما علم تعلق التكليف به وتعذر على المكلف عتق الرقبة ، فيظهر بين الوجهين أثر عملي ، فإنه لو كان الصيام من أفراد الواجب التخييري يتعين الإتيان به ، لأنه إذا تعذر أحد فردي الواجب المخير يتعين الآخر ، وإن لم يكن الصيام من أفراد الواجب التخييري بل كان مجرد كونه مسقطا للوجوب عن العتق ، فلا يجب الإتيان به مع تعذر العتق ، لأنه بالتعذر قد سقط التكليف عنه ، والمفروض أن الصيام لم يتعلق التكليف به ، فلا ملزم لفعله بل لا أثر له ، والوظيفة عند الشك هي البراءة عن التكليف بالصيام ، للشك في تعلق التكليف به ، وذلك واضح .
  وقد قيل : إن من هذا القبيل الشك في وجوب الجماعة عند تعذر القراءة على المكلف .
  بيان ذلك : هو أنه تارة : نقول : إن الصلاة جماعة إحدى فردي الواجب التخييري الشرعي ، فان التخيير العقلي لا يحتمل لسقوط فيها وثبوتها في الصلاة فرادى ، فلا يمكن أن يجمعهما خطاب واحد (1) مع أنه يعتبر في التخيير العقلي أن


(1) أقول : كيف لا يتصور جامع بين الصلاة جماعة وفرادى مع أن الصلاة ولو عند الصحيحي موضوع .

فوائد الأصول ـ 431 ـ
  يكون بين الأفراد جامع خطابي حتى تكون الأفراد متساوية الأقدام ، فالتخيير الذي يحتمل أن يكون بين الصلاة فرادى والجماعة هو التخيير الشرعي ، وعليه : فان تعذرت الصلاة فرادى ـ ولو لمكان تعذر جزئها وهي القراءة ـ تتعين الصلاة جماعة ، فإنه عند تعذر أحد فردي الواجب المخير يتعين الآخر .
  وأخرى : نقول باستحباب الجماعة وأنها ليست إحدى فردي الواجب التخييري ولكنها مسقطة للوجوب عن الصلاة فرادى ، فلا تجب الجماعة عند تعذر القراءة ، بل للمكلف الصلاة فرادى بدون القراءة أو بما يحسن منها ، ولو شك في أحد الوجهين فالأصل يقتضي البراءة عن وجوب الجماعة عند تعذر القراءة ، للشك في تعلق التكليف بها ، كما تقدم ، هذا .
  ولكن في الصلاة جماعة احتمال آخر لا يبعد استظهاره من الأخبار (1) وهو أن يكون الاكتفاء بالصلاة جماعة وإسقاطها للتكليف عن الصلاة فرادى ليس من حيث كونها مفوتة لملاك الصلاة فرادى ولا من حيث كونها إحدى فردي الواجب التخييري ، بل من حيث تنزيل قرائة الإمام منزلة قرائة المأموم ، فيكون المأموم واجدا للقرائة لكن لا بنفسه بل بإمامه ، إلا أن تنزيل قرائة الإمام منزلة قرائة المأموم لا يقتضي أن تكون الصلاة جماعة في عرض الصلاة فرادى حتى يلزم تعين الجماعة عند تعذر القراءة في الصلاة فرادى ، بدعوى : أنه يمكن تحصيل القراءة التنزيلية ، كما هو الشأن في باب الطرق والأمارات ، حيث .
  لمفهوم واحد ، غاية الأمر كانت من الحقائق التشكيكية القابلة للانطباق على الأقل والأكثر ، ومجرد اختصاص كل طائفة بمصداق مخصوص لا ينافي وحدة الحقيقة ، وتمام الكلام في محله ، وعلى كلام ( المقرر ) يلزم أن يكون الصلاة مشتركا لفظيا بين الجماعة والفرادى ، وهو كما ترى !


(1) أقول : وهنا احتمال آخر لعله أمتن ، وهو كون الجماعة طرف التخيير بالنسبة إلى الفرادى لجميع مراتبه النازلة ، نظرا إلى أن للصلاة عرض عريض صادق على الزائد والناقص والمكلف في كل حال مكلف بمرتبة من الصلاة وفي كل حال مخير بين الفرادى والجماعة ، ولازمه كون الجماعة طرف التخيير للفرادى الاختيارية أو الإضطرارية من دون احتياج حينئذ إلى تنزيل قرائة الإمام خصوصا في طرف اختيار الجماعة كي يقال : إن أخبار تحمل الإمام قرائة المأموم آبي عن هذا التقيد ، فتدبر .

فوائد الأصول ـ 432 ـ
  إنه يجب الأخذ بمؤدياتها عند تعذر الوصول إلى الواقع ، لتنزيل مؤدياتها منزلة الواقع ـ بالبيان المتقدم في باب جعل الطرق والأمارات ـ فان التنزيل في باب الجماعة إنما يكون على تقدير اختيار الصلاة جماعة ، فتكون قرائة الإمام قرائة المأموم على هذا التقدير ، فلا يقتضي ذلك تعين الجماعة عند تعذر القراءة ، فتأمل جيدا .
  ولو فرض الشك في كل ذلك فالمرجع البراءة عن وجوب الجماعة ، فعلى جميع التقادير : لو وصلت النوبة إلى الشك فلا محالة ينتهى إلى الشك في التكليف ، كما لا يخفى .
  هذا كله إذا كان الشك بين التعيين والتخيير في القسم الأول من أقسام الواجب التخييري ( وهو ما كان التخيير فيه بجعل ابتدائي ) .
  وإذا كان الشك بين التعيين والتخيير في القسم الثاني من أقسام الواجب التخييري ( وهو ما كان التخيير فيه لأجل التزاحم ) فعدم جريان البراءة عن التعيينية أوضح على كلا المسلكين ، سواء قلنا : إن التخيير في باب التزاحم لأجل تقييد الإطلاق أو لأجل سقوط الخطابين المتزاحمين واستكشاف العقل حكما تخييريا ، فان رجوع الشك فيه إلى الشك في المسقط في غاية الوضوح ، سواء قلنا : إن صفة التعيينية وجودية أو عدمية .
  فلو وقع التزاحم في إنقاذ الغريقين مثلا لعدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في الإنقاذ وكان متمكنا من أحدهما فقط ، فان علم بتساوي الغريقين من حيث الملاك والمصلحة التي اقتضت ايجاب الإنقاذ ، فلا إشكال في التخيير في اختيار إنقاذ أحدهما .
  أما على المختار : فلأن نتيجة تقييد إطلاق كل من الخطابين بصورة عدم الإتيان بمتعلق الآخر هو التخيير في إنقاذ أحدهما .
  وأما على المسلك الآخر : فلأن العقل بعد سقوط الخطابين المتزاحمين يستكشف حكما تخييريا .

فوائد الأصول ـ 433 ـ
  وإن علم بأقوائية الملاك في أحدهما المعين وأهميته في نظر الشارع فلا إشكال أيضا في تعينه على كلا المسلكين ، أما على المسلك المختار ، فلبقاء الإطلاق في جانب الأهم والتقييد يختص في طرف المهم ، ومنه ينشأ الخطاب الترتبي ، وأما على المسلك الآخر : فلأن أقوائية ملاكه يمنع عن استكشاف العقل الحكم التخييري ، لأن التخيير فرع أن تكون الأفراد متساوية الأقدام في الملاك .
  وإن شك في أهمية أحدهما المعين واحتمل أقوائية ملاكه ، كما إذا احتمل أن يكون أحدهما المعين هاشميا مع العلم بأهمية إنقاذ الهاشمي ، أو احتمل أهمية الهاشمي مع العلم بهاشمية أحدهما المعين ، فبناء على المختار : يرجع الشك إلى الشك في تقييد إطلاق محتمل الأهمية في مرحلة البقاء والامتثال مع العلم بتقييد الإطلاق في الأطراف الاخر (1) ولا إشكال في أن الأصل عند الشك في تقييد الإطلاق في مرحلة البقاء يقتضي الاشتغال لا البراءة ، للشك في سقوط التكليف عن محتمل الأهمية بعد العلم بتعلق التكليف به .
  وأما بناء على المسك الآخر : فالشك فيه يرجع إلى الشك في سقوط أصل الخطاب مع العلم بالملاك التام ، فعلى كلا المسلكين : يرجع الشك إلى الشك في المسقط ، والمرجع أصالة الاشتغال لأن العلم باشتغال الذمة يستدعى العلم بالفراغ ، وذلك كله واضح .
  بقى الكلام في القسم الثالث من أقسام الواجب التخييري ( وهو


(1) أقول : في كلية المتزاحمين إنما نقول بالتخيير من جهة التساوي في الاهتمام الموجب لعدم الترجيح عند العقل من جهة عدم القدرة على تحصيلهما ، فمع احتمال الأهمية في أحدهما المعين يكتفى العقل بذلك المقدار مرجحا ، فلا يبقى مجال لحكمه بالتخيير ، بل الفراغ اليقيني حينئذ يقتضي الإتيان بمحتمل الأهمية ، وهذه الجهة أيضا غير مرتبط بالشك في المسقط بمبناه ، كيف ! وفي المقام ليس التقييد في مرتبة البقاء ، بل من الأول يحتمل تقيد إطلاقه عقلا ، لعجزه عن امتثالهما من أول الأمر ، فتدبر .

فوائد الأصول ـ 434 ـ
  ما إذا كان التخيير فيه لأجل تعارض الحجتين والطريقين ) وقد عرفت : أنه في باب الطرق والأمارات إن قلنا بالسببية فالتخيير فيه يكون من صغريات التخيير في باب التزاحم ، فان لم يكن لأحد الطرفين مزية فالمكلف بالخيار بين الأخذ بأحدهما ، وإن كان لأحدهما مزية يتعين الأخذ بذى المزية (1) .
  وإن احتمل أن يكون لأحدهما المعين مزية ، كما إذا احتمل أعلمية أحد المجتهدين بعد العلم بوجوب الأخذ بقول الأعلم ، أو احتمل وجوب الأخذ بقول الأعلم بعد العلم بأعملية أحدهما المعين ، أو احتمل أن يكون لإحدى الأمارتين مزية يجب الأخذ بها ـ سواء كانت الشبهة موضوعية أو حكمية ـ فالكلام فيه الكلام في الفريقين عند احتمال أهمية أحدهما المعين ، ويأتي فيه المسلكان المتقدمان .
  هذا إذا قلنا في باب الطرق والأمارات بالسببية ، وإن قلنا بالطريقية المحضة وأن المجعول في باب الطرق والأمارات مجرد الحجية والوسطية في الإثبات ـ كما هو المختار وعليه قاطبة المتأخرين ـ فوجوب الأخذ بمحتمل المزية في غاية الوضوح ولا يمكن الخدشة فيه ، فإنه يقطع أن سلوكه يوجب الأمن عن العقاب على تقدير مخالفته للواقع ، بخلاف سلوك الطريق الذي لا يحتمل فيه المزية فإنه يشك في حجيته ، وقد تقدم ( في مبحث الظن ) أن الأصل عند الشك في الحجية عدمها بالأدلة الأربعة ، فلا يكون المكلف معذورا على تقدير مخالفة مشكوك الحجية للواقع ويستحق العقوبة عقلا ، لأنه لم يعتمد في عمله على ما يكون مؤمنا .
  فظهر : أن اقتضاء الأصل التعيين عند دوران الأمر بينه وبين التخيير


(1) أقول : ذلك كله إذا لم يكن المزية مورد أصالة التسوية في المصلحة ، كما لو كانا متساويين قبل حصول المزية : من الأعلمية أو الأعدلية ونحو ذلك ، فإنه حينئذ الأصل يقتضي التساوي بينهما وعدم حصول الأهمية بهذه المزية ، فيستصحب التخيير بينهما ، فتدبر .

فوائد الأصول ـ 435 ـ
  في باب الطرق والأمارات أوضح من اقتضائه التعيين في باب التزاحم ، كما أن اقتضائه التعيين في باب التزاحم أوضح من اقتضائه التعيين في باب التكاليف الابتدائية ، فتأمل في أطراف ما ذكرناه جيدا ، هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير .
  وينبغي تتميم البحث بالتنبيه على أمرين :
  الأمر الأول :
  إن محل الكلام إلى الآن كان في ما يقتضيه الأصل العملي بالنسبة إلى ما يشك في كونه واجبا عينيا .
  وأما الطرف الآخر الذي يحتمل أن يكون عدلا لما تعلق الوجوب به ، فالبحث عما يقتضيه الأصل بالنسبة إليه بعد البناء على أصالة التعيينية ساقط (1) إذ لا أثر للبحث عن جريان أصالة البراءة أو أصالة عدم وجوبه ، فإنه بمقتضى أصالة الاشتغال يتعين على المكلف الإتيان بما علم تعلق الطلب به ، والمفروض أنه لا يجب على المكلف إلا عمل واحد ، وذلك العمل يتعين بما يحتمل عينيته ، فأي أثر يترتب على البحث عن جريان أصالة البراءة أو أصالة عدم الوجوب بالنسبة إلى ما يحتمل كونه أحد فردي الواجب التخييري ؟ .
  وبالجملة : التكلم عما يقتضيه الأصل بالنسبة إلى ما علم تعلق الطلب به وشك في عينيته يغنى عن التكلم فيما يقتضيه الأصل بالنسبة إلى الطرف الآخر ، فلا أثر للبحث عن أن أصالة البراءة هل تختص بالشك في الواجبات


(1) أقول : لا يخفى أن أصالة الاشتغال ملزم بإتيان محتمل التعيينية ولا ينفى وجوب بديله ، وفي ظرف الإتيان يقطع بعدم وجوب بديله ، وفي هذا الظرف لا معنى لجريان البراءة فيه كي تدور مدار أثرها ، وإنما الكلام في ظرف عدم الإتيان به ، ففي هذا الظرف ولو كان أصالة الاشتغال ملزما بالإتيان بمورده ، وأما في ظرف عدم الإتيان فلأصالة البراءة عن وجوب الطرف كمال الأثر ، حيث إن أصالة الاشتغال لا ينفى وجوب بديله ، فمع عدم الإتيان به يشك في وجوب الآخر ، فأصالة البراءة ينفيه ، فتدبر .

فوائد الأصول ـ 436 ـ
  التعيينية أو تعم الشك في الواجبات التخييرية ؟ وعلى تقدير الاختصاص : فهل تجرى أصالة عدم الوجوب أو لا تجري ؟ فالبحث عن كل هذا ساقط بعد البناء على أصالة التعيين ، بل لا أثر للبحث عن جريان أصالة البراءة أو عدم الوجوب بالنسبة إلى ما يحتمل تعلق الطلب التخييري به مطلقا ولو بنينا على أصالة البراءة عن التعيينية عند الشك في التعيين والتخيير ، فان معنى أصالة البراءة عن التعيينية جواز الاكتفاء بفعل ما يحتمل كونه عدلا للواجب ، فلا فائدة في جريان أصالة البراءة أو عدم الوجوب فيه ، فالبحث عما أفاده الشيخ ( قدس سره ) في التنبيه الثالث من قوله : ( إن الظاهر اختصاص البراءة بصورة الشك في الوجوب التعييني ) مستغن عنه ، فتأمل جيدا .
  الأمر الثاني :
  لو شك في الوجوب العيني والكفائي ، فهل الأصل يقتضي العيني ـ كالشك في التعييني والتخييري ـ فلا يسقط الواجب بفعل الغير ؟ أو أن الأصل لا يقتضي العيني ؟ .
  ربما توهم : أن الأصل لا يقتضي العينية ، لأن مرجع الشك في العينية والكفائية إلى الشك في التكليف عند فعل الغير ما هو الواجب ، والأصل عدمه ، هذا .
  ولكن رجوع الشك إلى الشك في الامتثال والسقوط في الواجب العيني والكفائي أوضح من رجوعه إلى ذلك في الواجب التعييني والتخييري ، وتوضيح ذلك : هو أن في تصوير الواجب الكفائي وكيفية تشريعه ـ مع أن المطلوب إشغال أحد المكلفين صفحة الوجود بالفعل الذي لا يقبل التكرر أو إذا كان قابلا للتكرر لا يكون وجوده الثاني متعلق الطلب ـ وجهان : (1) .


(1) أقول : وهنا شق ثالث : من كون الوجوب ناقصا متعلقا بفعل كل منهما بنحو يقتضي المنع عن بعض .

فوائد الأصول ـ 437 ـ
  أحدهما : أن يكون المخاطب به آحاد المكلفين لكن لا على وجه الإطلاق ، بل بتقييد الخطاب المتوجه على كل أحد بصورة عدم سبق الغير بالفعل المخاطب به ، فينحل الخطاب إلى خطابات متعددة حسب تعدد أفراد المكلفين ، كل خطاب مقيد بعدم سبق الغير بفعل متعلق الخطاب .
  ثانيهما : أن يكون المخاطب النوع ، ولمكان انطباق النوع على الآحاد يكون كل فرد من أفراد المكلفين مخاطبا بذلك الخطاب الواحد ، فلو أشغل أحد المكلفين صفحة الوجود بالفعل سقط الخطاب عن الباقي ، لأن الخطاب الواحد ليس له إلا امتثال واحد وقد امتثله من خوطب به من جهة انطباق النوع عليه ، فتأمل .
  وعلى كلا الوجهين : يرجع الشك في العيني والكفائي إلى الشك في سقوط الواجب بفعل الغير ، أما على الوجه الأول : فواضح ، لأن الشك في ذلك يرجع إلى الشك في تقييد الإطلاق في مرحلة البقاء والامتثال وهو يقتضي الاشتغال لا البراءة .
  وأما على الوجه الثاني : فكذلك أيضا ، فان المكلف قبل فعل الغير يعلم بكونه مكلفا بالفعل ، إما لكون التكليف عينيا ، وإما لانطباق النوع عليه ، وبعد فعل الغير يشك في سقوط التكليف عنه ، والأصل يقتضي عدم السقوط .
  فالأقوى : أن الشك في العيني والكفائي كالشك في التعييني والتخييري لا تجري فيه البراءة ، بل مقتضى أصالة الاشتغال هو البناء على كون الواجب عينيا في الأول وتعيينيا في الثاني .
  هذا تمام الكلام في الشبهة الوجوبية الحكمية إذا كان منشأ الشبهة أنحاء تروكه ، وهو تركه في حال ترك الغير ، لا في حال ايجاد الغير ، وهذه الجهة ـ كما أشرنا في التخيير ـ غير مقام التقييد ، كما توهم .
  وربما يوجب مثل هذه التقريبات بأجمعها الكفائية لولا إطلاق الطلب المقتضى لعينية وعدم جريان المناط من أصالة الاشتغال في المسألة السابقة في المقام .
  نعم : هنا مجال استصحاب بقاء الوجوب وعدم السقوط بفعل الغير ، وذلك غير قاعدة الاشتغال ، فتدبر .

فوائد الأصول ـ 438 ـ
  فقدان النص .
  وفي حكمها ما إذا كان منشأ الشبهة إجمال النص أو تعارض النصين ، فان الأدلة الدالة على البراءة لا تختص بصورة فقدان النص ، بل تعم صورة إجمال النص وتعارضه .
  وقد نسب الخلاف في ذلك إلى ( صاحب الحدائق ) فقال : بوجوب الاحتياط في صورة إجمال النص وتعارضه ، وليس له وجه .
  هذا إذا كانت الشبهة حكمية ، وإن كانت الشبهة موضوعية ـ كما إذا علم بوجوب إكرام العالم على وجه يكون الحكم انحلاليا ، وشك في بعض مصاديقه ـ فقد تقدم البحث عنها في الشبهة التحريمية ، وعرفت : أن العلم بالكبريات الكلية ما لم يعلم انطباقها على الموارد الجزئية غير منجز للتكليف لا يستتبع استحقاق العقوبة ، والظاهر إطباق الأصوليين والإخباريين على ذلك .
  نعم : نسب إلى المشهور وجوب الاحتياط عند تردد الفرائض الفائتة بين الأقل والأكثر (1) ويشكل الفرق بينه وبين تردد الدين بين الأقل والأكثر ، مع أن الظاهر اتفاقهم على عدم وجوب الاحتياط في الدين المردد بين الأقل والأكثر وجواز الاكتفاء بأداء القدر المتيقن وجريان البراءة عن الأكثر .
  والظاهر : أن يكون نظر المشهور في مسألة قضاء الفوائت إلى القاعدة وأنها تقتضي الاحتياط ، لا لأجل التعبد وقيام دليل خاص على ذلك ، فيتوجه حينئذ سؤال الفرق بينها وبين مسألة الدين المردد بين الأقل والأكثر ؟


(1) أقول : لا يخفى أن الشك في قضاء الفوائت تارة ناش عن عدد السنين التي مضى من عمره الذي فات فيها الصلاة أو الصوم ، وأخرى ناش عن تساهله في الإتيان في الوقت أو نومه وسكره مع الجزم بمقدار سنة عمره ، ثم في هذه الصورة تارة يحتمل التفاته إلى الفوت في الوقت ، وأخرى يقطع بأن التفاته حدث بعد الوقت ، فعلى الأخير : لا شبهة في جريان قاعدة ( الوقت حائل ) فيؤخذ بالمتيقن من الفوائت ، كما أنه على الأول أيضا يرجع الشك فيه ـ مثل الدين ـ إلى الأقل والأكثر ، وأما في الصورة الثانية : فلا محيص من الأخذ بالأكثر من جهة الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال في وجه ، ويمكن حمل كلام المشهور في قضاء الفوائت على هذه الصورة ، لأن الغالب التفاتهم بعمرهم ـ ولو تقريبا ـ واحتمال الالتفات إلى الفوت قبل مضى الوقت غالبا ، فتدبر ، وعلى فرض الإطلاق في كلماتهم فلا محيص من ايجاب احتياط في المورد ، فتدبر .

فوائد الأصول ـ 439 ـ
  وقد نقل عن بعض المحققين : أنه حاول تطبيق فتوى المشهور على القاعدة ، وحاصل ما أفاده في وجه ذلك ـ بتحرير منا ـ هو أنه يعتبر في جريان البراءة أن لا يكون الشك الذي اخذ موضوعا فيها مسبوقا بالعلم ولو آنا ما ، فان الأصول العملية كلها مغياة بعدم العلم ومنها البراءة ، فالشك الطارئ بعد العلم لنسيان ونحوه ليس موردا للبرائة ، بل موردهما الشك الابتدائي ، ومع احتمال سبق العلم لا تجري البراءة أيضا ، لاحتمال حصول الغاية ، فيرجع التمسك بقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ ( رفع ما لا يعلمون ) مع احتمال سبق العلم ـ إلى التمسك بالعام في الشبهات المصداقية (1) وقد حرر في محله عدم جوازه .
  وبعبارة أوضح : لا يجوز الاقتحام في الشبهة إلا مع القطع بالمؤمن إما عقلا وإما شرعا ، ومع احتمال سبق العلم بحكم الشبهة وتنجز التكليف لا قطع بالمؤمن ، فلا يجوز الاقتحام في الشبهة ، بل لابد من الاحتياط ليحصل القطع بأداء الواقع والخروج عن عهدته .
  وعلى هذا تكون فتوى المشهور في محلها ، فإنه عند فوات كل فريضة لا محالة يتعلق العلم بها ، إلا إذا فرض أنه استدام نوم المكلف أو سكره أياما متعددة فانتبه أو أفاق ولم يعلم أيام نومه وسكره ، وهذا فرض نادر ، والغالب حصول العلم بالفائتة وقت فوتها ، فإذا تردد الفائت بين الأقل والأكثر فبالنسبة إلى الأكثر المشكوك كما أنه يحتمل فوته كذلك يحتمل تعلق العلم بفوته على .


(1) أقول : كيف يبقى مجال لهذا الكلام مع جزم العقل بأن العلم في كل آن منجز في حين وجوده ولا يكون منجزا حتى بعد زواله ، كيف ! ولو انقلب بالعلم بالخلاف يلزم تزاحم المنجزين ، وأي عاقل يصدق ذلك ! وحينئذ فبعد طرو الشك يبقى ( قبح العقاب بلا بيان ) بلا مانع ـ كحديث الرفع وغيره ـ كما لا يخفى ولقد أجاد فيما أفاد في طي كلامه ، ويا ليت ! يلتزم بقاعدة القبح حتى مع جزمه بسبق العلم بعد زواله ولم يتشبث باعتبار وصول البيان في فرض الشك بحصول العلم قبل زمانه ، إذ مثل هذه التشبثات خارجة عن السداد ككثير من الموارد في صحة المدعى وبطلان دليله على مدعاه فتتبع من أول الكتاب إلى آخره ترى كثيرا ما من هذا القبيل ، وتدبر فيها .

فوائد الأصول ـ 440 ـ
  تقدير فوته واقعا ، ومع احتمال سبق العلم به لا تحرى البراءة .
ومسألة الدين المردد بين الأقل والأكثر لو كان من هذا القبيل كان كذلك لا تجري البراءة بالنسبة إلى الزائد المشكوك .
  والحاصل : أنه في كل شك احتمل سبق العلم به لا تجري الأصول العملية مطلقا ، سواء في ذلك أصالة البراءة وغيرها .
  ومنه يعلم : أنه لا يجوز التمسك في مسألة الفوائت ب‍ ( قاعدة الشك بعد الوقت ) فأنها أيضا من الأصول العملية المضروبة في حال الشك فيعتبر فيها ما يعتبر في البراءة ، ومع احتمال سبق العلم بالفائتة المشكوكة لا تجري ( قاعدة الشك بعد الوقت ) وليس في البين أصل موضوعي ينقح حال الشك وأنه مما سبقه العلم أو لم يسبقه .
  فلا يتوهم : جريان أصالة عدم سبق العلم ، لأنه قبل الفوات لا موضوع للعلم وبعد الفوات يشك في تعلق العلم به حال الفوت ، فليس للعلم حالة سابقة يمكن استصحابها وجودا وعدما .
  فظهر : أنه لو قلنا : إن العلم بحال الشبهة ولو آنا ما يكفي في التنجز ولا يعتبر استدامته ، ففي كل شبهة احتمل سبق العلم بها لا تجري الأصول العملية مطلقا شرعية كانت أو عقلية .
  أما الشرعية : فلاحتمال حصول الغاية ، فيكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية .
  وأما العقلية : فلأنه مع سبق العلم لا يكون العقاب بلا بيان ، ومع احتمال سبق العلم لا مؤمن ، فلا يستقل العقل بقبح العقاب .
  هذا غاية ما يمكن أن يوجه به فتوى المشهور ، وعليه بنى ( شيخنا الأستاذ مد ظله ) في الدورة السابقة ، وقد عدل عن ذلك في الدورة الأخيرة والتزم بجريان البراءة العقلية والشرعية .
  أما البراءة العقلية : فلأنه لا يعتبر في جريانها إلا عدم وصول التكليف الذي يدور التنجز واستحقاق العقاب مداره ، إذ المراد بالبيان في ( قاعدة قبح

فوائد الأصول ـ 441 ـ
  العقاب بلا بيان ) على ما تقدم سابقا ـ هو البيان الواصل إلى المكلف ، فما لم يصل البيان ولم يكن له وجود علمي لا يكاد يتنجز التكليف ويستحق عليه العقوبة ، ولا يكفي في ذلك مجرد احتمال سبق العلم والوصول مع طرو النسيان ، فان المعتبر هو الحالة الفعلية وفي الحالة الفعلية لا يكون البيان واصلا فيتحقق موضوع القاعدة .
  وأما البراءة الشرعية : فلأنه لا يعتبر في موضوعها إلا عدم العلم ، ففي كل زمان صدق هذا العنوان يندرج في قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ ( رفع ما لا يعلمون ) ومجرد احتمال حصول العلم في آن ما لا يكفي .
  ولا يكون من الشك في حصول الغاية حتى يندرج في التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، فان الغاية حصول العلم بالواقع ، واحتمال حصول العلم عين الشك في الواقع ، فلم تحصل الغاية ، مع أنه لو كان احتمال سبق العلم مانعا عن جريان البراءة لا نسد باب البراءة في غالب الشبهات الموضوعية ـ كالدين والنذر والكفارة والصوم ـ فإنه في جميع ذلك يحتمل سبق العلم بالأكثر المشكوك ، مع أن الظاهر اختصاص فتوى المشهور بقضاء الصلوات الفائتة ولم يلتزموا بوجوب الاحتياط في قضاء الصوم عند تردده بين الأقل والأكثر .
  والإنصاف : أنه لا يمكن تطبيق فتوى المشهور على القاعدة (1) فالأقوى جريان البراءة عن الأكثر المشكوك في قضاء الصلوات الفائتة ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط خروجا عن مخالفة المشهور .
  وليكن هذا آخر ما أردنا بيانه من المباحث الراجعة إلى أصالة البراءة .
  والحمد أولا وآخرا .
  والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين .


(1) أقول : قد عرفت أن الالتزام بوجوب الأخذ بالأكثر في بعض الصور إنما هو على القواعد ، وعليه أيضا يحمل فتوى المشهور على فرض صدق الشهرة ، فراجع الحاشية السابقة .

فوائد الأصول ـ 442 ـ
خاتمة :
  قد عرفت ـ في مبحث القطع وفي أول مبحث البراءة ـ أن الأصول العملية في جميع الشبهات الحكمية والموضوعية أربعة : البراءة والتخيير والاشتغال والاستصحاب ، فكان ينبغي عقد فصول أربعة كل فصل يتكفل البحث عن أحد هذه الأصول ، ولكنا جعلنا الفصول ثلاثة : الفصل الأول في البراءة ، والثاني في الاشتغال ، والثالث في الاستصحاب ، ولأجل قلة مباحث أصالة التخيير لم نعقد لها فصلا مستقلا وجعلنا البحث عنها في خاتمة البراءة المناسبة ، وتنقيح البحث عنها يستدعى رسم أمور :
  الأمر الأول :
  قد تقدم المختار في مجاري الأصول ، وأن مجرى أصالة التخيير هو ما إذا علم بجنس الإلزام ولم يمكن الاحتياط لأجل عدم التمكن من الموافقة والمخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال ، وقد تقدم أيضا ـ في الفعل الأول ـ ضابط تأثير العلم الإجمالي وتنجيزه للتكليف ، وحاصله : أن المعلوم بالإجمال إذا صح وأمكن أن يتعلق به التكليف على ما هو عليه من الإجمال بحيث كون قابلا لأن تتعلق به إرادة العبد وتحريك عضلاته نحوه ، فالعلم الإجمالي المتعلق به يكون منجزا للتكليف ، كما إذا علم بوجوب إحدى الصلاتين أو حرمة أحد الشيئين

فوائد الأصول ـ 443 ـ
  أو وجوب أحدهما وحرمة الآخر وغير ذلك من الأقسام المتصورة التي يأتي ذكرها ـ في الجزء الرابع ـ فان المعلوم بالإجمال في جميع هذه الموارد يكون بعثا مولويا محركا لإرادة العبد مع ما هو عليه من الإجمال ، إذ لو فرض أن التكليف من أول الأمر شرع على هذا الوجه ـ أي تعلق التكليف واقعا وفي نفس الأمر بأحد الشيئين لا على التعيين ـ لم يلزم محذور من ذلك وصح أن يكون معجزا مولويا ومحركا للإرادة في عالم التشريع نحو المتعلق ، غايته أن المكلف يكون مخيرا بين أحد الشيئين ، إما تخييرا شرعيا ، وهو فيما إذا لم يكن بين الشيئين جامع خطابي ( كما إذا دار الأمر بين وجوب أحد الشيئين وحرمة الآخر أو وجوب أحد الشيئين ووجوب شيء آخر لا يجمعهما جنس قريب ) وإما تخييرا عقليا وهو فيما إذا كان بين الشيئين جامع خطابي ( كما إذا دار الأمر بين وجوب إكرام هذا العالم أو ذلك العالم ) فإنه يصح التكليف باكرام العالم مبهما ، فيكون المكلف مخيرا عقلا في إكرام أحد الفردين أو الأفراد .
  وعلى كل حال : يعتبر في تأثير العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال صالحا لتشريعه كذلك ، أي على ما هو عليه من الإجمال .
  فان كان المعلوم بالإجمال غير صالح لتشريعه كذلك وكان قاصرا عن أن يكون داعيا ومحرما لإرادة العبد ، فالعلم الإجمالي المتعلق به لا يقتضي التأثير والتنجيز وكان وجوده كعدمه ، كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين ، فان التكليف المردد بين وجوب الشيء أو حرمته قاصر عن أن يكون داعيا ومحركا نحو فعل الشيء أو تركه ، لأن الشخص بحسب خلقته التكوينية لا يخلو عن الفعل أو الترك ، فلا يصح تشريع التكليف على هذا الوجه ، لأن تشريع التكليف على هذا الوجه لا أثر له ولا يزيد على ما يكون المكلف عليه تكوينا ، فإنه إما أن يفعل وإما أن لا يفعل ، فهو غير قابل لتحريك عضلات العبد وغير صالح للداعوية والباعثية ، فإذا كان متعلق العلم الإجمالي وجوب الفعل أو حرمته ، فالعلم لا يقتضي تنجيز متعلقه وكان وجوده كعدمه .

فوائد الأصول ـ 444 ـ
  إذا عرفت ذلك فاعلم : أن في موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن جعل التخيير الشرعي الواقعي ولا جعل التخيير الظاهري ـ كالتخيير في باب تعارض الطرق والأمارات ـ (1) فان التخيير بين فعل الشيء وتركه حاصل بنفسه تكوينا ، فلا يمكن جعل ما هو الحاصل بنفسه ، سواء كان جعلا واقعيا أو جعلا ظاهريا ، فما قيل : من أن الأصل في دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير ، ليس على ما ينبغي (2) إن كان المراد منه الأصل العملي المجعول وظيفة في حال الشك ، لما عرفت : من أنه لا يمكن جعل الوظيفة في باب دوران الأمر بين المحذورين ، من غير فرق بين الوظيفة الشرعية والعقلية .
  أما الوظيفة الشرعية : فواضح بالبيان المتقدم .
  وأما الوظيفة العقلية : فلأن التخيير العقلي إنما هو فيما إذا كان في طرفي التخيير ملاك يلزم استيفائه ولم يتمكن المكلف من الجمع بين الطرفين كالتخيير الذي يحكم به في باب التزاحم ـ وفي دوران الأمر بين المحذورين


(1) أقول : قد تقدم أن مرجع التخيير في باب التعارض حتى على الموضوعية إلى التخيير في الأخذ بإحدى الحجتين ، بحيث يكون كل منهما بعد الأخذ حجة تعيينية ، وكذا نقول : إن التخيير في المسألة الأصولية يستتبع للتعيين في الحكم الفرعي ، وحينئذ تصور هذا المعنى من التخيير في المقام إلى التخيير في الأخذ بأحد الاحتمالين بنحو يصير الحكم الظاهري بعد الأخذ به حكما تعينيا ، ومثل هذا المعنى لا قصور في جريانه في المقام على فرض قيام الدليل عليه ، ولا محذور له عقلا ، كما توهم ، فتدبر .
(2) أقول : لا يخفى أن كل علم إجمالي ملازم مع احتمال عدم وجوب كل واحد منفردا عن عدم وجوب الآخر ، فلا يحتمل فيه عدم وجوبهما مجتمعا ، فالعلم الإجمالي مضاد مع احتمال عدم وجوبهما مجتمعا ومجتمع مع احتمال عدم وجوب كل واحد منفردا ، فإذا شك في وجوب كل واحد أو لا وجوبه منفردا فهو مجتمع مع العلم ، وأما لو شك في لا وجوبهما مجتمعا فهو مضاد مع العلم ، وهذا هو عمدة الفارق بين الشك في إباحة الفعل والترك فإنه شك واحتمال لا وجوبهما مجتمعا وهو مضاد مع العلم بجنس التكليف بينهما ، فلا يجري أصالة الإباحة ، لعدم موضوعه ، وأما في غير الفعل والترك فلا بأس باحتمال الإباحة في فعل كل وتركه عن الانفراد عن الفعل الآخر وتركه ، وبذلك أيضا يفرق مع استصحاب عدم وجوب كل واحد ، إذ هو يناسب مع الشك التبادلي ، كما لا يخفى ، فتدبر ، وحينئذ يشكل في الشك في التخيير أيضا ، فتدبر ، لعدم كون لا وجوب تبادليا ، لعدم تبادلية شكه ، فتدبر .

فوائد الأصول ـ 445 ـ
  ليس كذلك ، لعدم ثبوت الملاك في كل من طرفي الفعل والترك ، فالتخيير العقلي في باب دوران الأمر بين المحذورين إنما هو من التخيير التكويني ، حيث إن الشخص لا يخلو بحسب الخلقة من الأكوان الأربعة ، لا التخيير الناشئ عن ملاك يقتضيه ، فأصالة التخيير عند دوران الأمر بين وجوب الفعل وتركه ساقطة .
  وأما الأصول الاخر : من أصالة الإباحة والبرائة الشرعية والعقلية واستصحاب عدم الوجوب وعدم الحرمة ، فلا مجال لها أيضا ، ولكن لا بملاك واحد بل عدم جريان كل واحد منها بملاك يخصه .
  أما أصالة الإباحة ـ فمضافا إلى عدم شمول دليلها لصورة دوران الأمر بين المحذورين فإنه يختص بما إذا كان طرف الحرمة الإباحة والحل كما هو الظاهر من قوله ـ عليه السلام ـ ( كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ) وليس في باب دوران الأمر بين المحذورين احتمال الإباحة والحل بل طرف الوجوب ، ومضافا إلى ما قد تقدم : من أن دليل أصالة الحل يختص بالشبهات الموضوعية ولا يعم الشبهات الحكمية ـ إن جعل الإباحة الظاهرية مع العلم بجنس الإلزام لا يمكن ، فان أصالة الإباحة بمدلولها المطابقي تنافى المعلوم بالإجمال ، لأن مفاد أصالة الإباحة الرخصة في الفعل والترك ، وذلك يناقض العلم بالإلزام (1) وإن لم يكن لهذا العلم أثر عملي وكان وجوده كعدمه لا يقتضي التنجيز ، إلا أن العلم بثبوت الإلزام المولوي حاصل بالوجدان ، وهذا العلم لا يجتمع مع جعل الإباحة ولو ظاهرا ، فان الحكم الظاهري إنما يكون في مورد الجهل بالحكم الواقعي ، فمع العلم به وجدانا لا يمكن جعل حكم ظاهري يناقض بمدلوله المطابقي نفس ما تعلق العلم به .
  والحاصل : أن بين أصالة الإباحة وأصالة البراءة والاستصحاب فرقا


(1) أقول : الأولى أن يصار إليه بما ذكرنا ، لا بهذا الوجه .

فوائد الأصول ـ 446 ـ
  واضحا ، فان مورد أصالة البراءة والاستصحاب ـ على ما سيأتي بيانه ـ إنما يكون خصوص ما تعلق بالفعل من الوجوب أو الحرمة ، فيحتاج كل من الوجوب والحرمة إلى براءة أو استصحاب يخصه ، ولا تغنى أصالة البراءة في طرف الوجوب عن أصالة البراءة في طرف الحرمة ، وكذا الاستصحاب .
  وهذا بخلاف ( أصالة الحل والإباحة ) فان جريانها في كل من طرف الفعل والترك يعنى عن جريانها في الطرف الآخر ، فان معنى إباحة الفعل وحليته هو الرخصة في الترك وبالعكس ، ولذلك كان مفاد أصالة الحل بمدلوله المطابقي يناقض نفس العذر المشترك المعلوم بالإجمال ، وهو جنس الإلزام .
  فظهر : أن عدم جريان أصالة الحل في دوران الأمر بين المحذورين إنما هو لعدم انحفاظ رتبتها ، لا لأجل مخالفة مؤداها للموافقة الالتزامية الواجبة كما قيل ، فان الموافقة الالتزامية إن كانت بمعنى التدين بما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والتصديق بالإحكام والالتزام بها على ما هي عليها ، فوجوبها بهذا المعنى وإن كان غير قابل للإنكار ، فان الحكم إن كان من الضروريات فالالتزام به عبارة عن الإيمان والتصديق بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ولذلك كان إنكاره كفرا ، وإن لم يكن من الضروريات وكان من القطعيات المذهبية فانكاره وإن لم يوجب الكفر إلا أن عدم الالتزام به يكون من التشريع المحرم ، فتأمل ، إلا أن البناء على الإباحة الظاهرية لا ينافي هذا الالتزام ، فان الالتزام الواجب عند دوران الأمر بين المحذورين هو الالتزام والتصديق بجنس الإلزام لا بخصوص الوجوب أو الحرمة ، فان الالتزام بأحدهما بالخصوص لا يمكن إلا مع العلم بالخصوصية وإلا كان من التشريع المحرم ، فالذي يمكن من الالتزام هو الالتزام بأن لله تعالى في هذه الواقعة حكما إلزاميا ، وذلك لا ينافي البناء على الإباحة والرخصة الظاهرية في ظرف الجهل بنوع الإلزام ، نعم : لو كانت أصالة الإباحة من الأصول المتكفلة للتنزيل المحرزة

فوائد الأصول ـ 447 ـ
  للواقع لكان الالتزام بمفادها ينافي الالتزام بجنس التكليف المعلوم في البين ، فان البناء على الإباحة الواقعية وإلقاء الشك وجعل أحد طرفيه هو الواقع ـ كما هو مفاد الأصول التنزيلية ـ لا يجتمع مع البناء والالتزام بأن الحكم المجعول في الواقعة ليس هو الحل والإباحة ، ولكن أصالة الإباحة ليست من الأصول التنزيلية ، بل مفادها مجرد الرخصة في الفعل مع حفظ الشك من دون البناء على كون أحد طرفيه هو الواقع ، وهذا المعنى كما ترى لا ينافي الالتزام بحكم الله الواقعي على ما هو عليه من الإجمال .
  هذا إذا كان المراد من الموافقة الالتزامية التصديق والتدين بالإحكام التي جاء بها النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وإن كان المراد منها معنى آخر ، فموضاعا وحكما محل إشكال .
  فتحصل : أن العمدة في عدم إمكان جعل الإباحة الظاهرية في باب دوران الأمر بين المحذورين هو مناقضتها للمعلوم بالإجمال بمدلولها المطابقي ، فتأمل جيدا .
  هذا كله في أصالة الحل والإباحة .
  وأما أصالة البراءة : فهي بالنسبة إلى الموافقة الالتزامية كأصالة الحل لا ينافي مفادها لها ، لأنها أيضا من الأصول الغير المتكفلة للتنزيل .
  وأما بالنسبة إلى انحفاظ رتبتها : فبينها وبين أصالة الحل فرق ، فان أصالة الحل ـ كما عرفت ـ بمدلولها المطابقي تناقض المعلوم بالإجمال ، من غير فرق بين إعمالها في طرف الفعل أو الترك ، فان إباحة الفعل عبارة أخرى عن إباحة الترك وبالعكس .
  وأما أصالة البراءة : فمفادها رفع خصوص الوجوب والعقاب عن خصوص الفعل أو خصوص الترك أو رفع خصوص الحرمة عنهما كذلك ، وخصوصية الوجوب والحرمة مشكوكة ، فلا يناقض مفادها نفس المعلوم بالإجمال ، فان المعلوم بالإجمال هو جنس الإلزام لا خصوص الوجوب والحرمة .
  نعم : لازم رفع الوجوب والحرمة عدم الإلزام ، إلا أن هذا لا يوجب

فوائد الأصول ـ 448 ـ
  المناقضة بين مفاد كل من أصالة البراءة عن وجوب الفعل وأصالة البراءة عن حرمته للمعلوم بالإجمال .
  وبالجملة : لما كان مجرى أصالة البراءة الشك في نوع التكليف المتعلق بالفعل وكان نوع التكليف المتعلق به مشكوكا ـ ولذا كان كل من الوجوب والحرمة يحتاج إلى براءة يخصه ولا تغنى أصالة البراءة في أحدهما عنها في الآخر ـ فلا يكون مفادها مناقضا للمعلوم بالإجمال ، وإن كان يلزم من الجمع بين البرائتين نفي الإلزام المعلوم في البين ، وذلك أيضا لا يمنع من جريان البراءة ، فإنه لم يلزم من الجمع بين البرائتين مخالفة عملية للإلزام المعلوم ، فان المكلف على كل حال لا يخلو : إما من الفعل وإما من الترك ، فهذه الجهات الثلاث ـ أي جهة وجوب الموافقة الالتزامية وجهة انحفاظ رتبة جعل الحكم الظاهري وجهة المخالفة العملية ـ لا تقتضي المنع من جريان البراءة في موارد دوران الأمر بين المحذورين .
  نعم : في البين جهة أخرى توجب المنع عن جريان البراءة في باب دوران الأمر بين المحذورين ، وهي أنه لا موضوع لها .
  أما البراءة العقلية : فلأن مدركها ( قبح العقاب بلا بيان ) وفي باب دوران الأمر بين المحذورين يقطع بعدم العقاب ، لأن وجود العلم الإجمالي كعدمه لا يقتضي التنجيز والتأثير ـ بالبيان المتقدم ـ فالقطع بالمؤمن حاصل بنفسه بلا حاجة إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان .
  وأما البراءة الشرعية : فلأن مدركها قوله : ( رفع ما لا يعلمون ) والرفع فرع إمكان الوضع ، وفي موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن وضع الوجوب والحرمة كليهما ، لا على سبيل التعيين ولا على سبيل التخيير ـ كما تقدم وجهه ـ ومع عدم إمكان الوضع لا يعقل تعلق الرفع ، فأدلة البراءة الشرعية لا تعم المقام أيضا ، فتأمل جيدا .
  وأما الاستصحاب : فهو من جهة انحفاظ الرتبة لا محذور فيه ، فان كلا

فوائد الأصول ـ 449 ـ
  من الوجوب والحرمة مجهول والاستصحاب إنما يجرى بالنسبة إلى خصوص نوع التكليف المتعلق بالفعل ، فهو من هذه الجهة كأصالة البراءة لا يكون مؤداه مضادا للمعلوم بالإجمال الذي هو جنس الإلزام ، وكذا من جهة المخالفة العملية ، فإنه أيضا لا يلزم من جريانه في كل من الوجوب والحرمة مخالفة عملية ، لأن المكلف لا يخلو من الفعل والترك .
  نعم : لما كان الاستصحاب من الأصول المتكفلة للتنزيل ـ كما سيأتي بيانه في محله ـ فلا يمكن الجمع بين مؤداه والعلم الإجمالي ، فان البناء على عدم وجوب الفعل وعدم حرمته واقعا ـ كما هو مفاد الاستصحابين ـ لا يجتمع مع العلم بوجوب الفعل أو حرمته (1) وسيأتي في محله : أن الأصول التنزيلية لا تجري في أطراف العلم الإجمالي مطلقا ، سواء لزم منها المخالفة العملية أو لم يلزم .
  وإن شئت قلت : إن البناء على مؤدى الاستصحابين ينافي الموافقة الالتزامية ، فان التدين والتصديق بأن الله تعالى في هذه الواقعة حكما إلزاميا إما الوجوب أو الحرمة لا يجتمع مع البناء على عدم الوجوب والحرمة واقعا .
  فتحصل : أن شيئا من الأصول العملية العقلية والشرعية لا تجري في باب دوران الأمر بين المحذورين ، يعنى لا موقع لجعل وظيفة عقلية أو شرعية فيه ، بل المكلف بحسب خلقته التكوينية مخير بين الفعل والترك ، وهذا التخيير ليس بحكم شرعي أو عقلي واقعي أو ظاهري .
  وما ورد من التخيير في باب تعارض الأمارات إن كان المراد منه التخيير في المسألة الأصولية ـ وهو التخيير في أخذ أحد المتعارضين حجة وطريقا إلى الواقع في مقام الاستنباط ـ فهو أجنبي عما نحن فيه ، وإن كان المراد منه التخيير في المسألة الفقهية ـ أي التخيير في العمل ـ فيكون من التخيير العقلي التكويني لا تعبدي شرعي إذا كان التعارض على وجه يوجب دوران الأمر بين


(1) أقول : ولقد دفعنا هذه الشبهة أيضا في الجزء التالي من هذا الكتاب ، فراجع هناك .

فوائد الأصول ـ 450 ـ
  المحذورين في مقام العمل ، وإلا كان من التخيير الشرعي الظاهري ، فتأمل جيدا .
  الأمر الثاني :
  إذا كان لأحد الحكمين اللذين تعلق العلم الإجمالي بأحدهما مزية على الآخر ، إما من حيث الاحتمال ( كما إذا فرض كون احتمال الوجوب أقوى من احتمال الحرمة ) وإما من حيث المحتمل ( كما إذا كان الشيء الذي يحتمل تعلق الوجوب به على تقدير وجوبه من أقوى الواجبات الشرعية وأهمها بخلاف ما إذا كان الشيء حراما فليس بتلك المرتبة من الأهمية ) .
  فهل المزية تقتضي تعين الأخذ بصاحبها ، فيبنى على الوجوب إذا كان من حيث الاحتمال أو المحتمل أقوى من الحرمة ، فيتعين على المكلف ترتيب آثار الوجوب على الفعل ، فلا يجوز تركه اعتمادا على احتمال أن يكون الفعل حراما ؟ .
  أو أن المزية لا تقتضي تعين الأخذ بصاحبها ، بل للمكلف اختيار الفعل واختيار الترك ؟ .
  ربما يتوهم : أن المزية تقتضي تعين الأخذ بصاحبها ، لأن المقام يكون من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وقد تقدم : أن الأصل يقتضي التعيينية .
  وأنت خبير بما فيه ، فان ما تقدم من اقتضاء الأصل التعيينية عند الشك في التعيين والتخيير إنما كان لأجل العلم بالخطاب والتكليف الشرعي الذي يلزم امتثاله وكان مرجع الشك فيهما إلى الشك في الامتثال والسقوط ، وأين هذا مما نحن فيه ؟ فان التخيير في دوران الأمر بين المحذورين ليس لاقتضاء الخطاب ذلك ، بل إنما هو من التخيير العقلي التكويني كما تقدم ، فإذا لم يكن في البين خطاب شرعي يكون المكلف ملزما باتيانه وكان وجود العلم

فوائد الأصول ـ 451 ـ
  الإجمالي كعدمه لا أثر له ولا يقتضي التنجيز ، فوجود المزية أيضا كعدمها (1) فان المزية إنما توجب الأخذ بصاحبها بعد الفراغ من تنجز التكليف ولزوم رعايته وامتثاله ، والتكليف في دوران الأمر بين المحذورين غير لازم الرعاية .
  ثم على تقدير كون المزية توجب تعين الأخذ بصاحبها ، فهل نفس احتمال الحرمة يكفي في ترجيح جانبها على احتمال الوجوب فيتعين ترك الفعل وترتيب آثار الحرمة عليه ؟ أو أن مجرد كون طرف احتمال الوجوب هو احتمال الحرمة لا يكفي في ترجيح جانب الحرمة ما لم تكن الحرمة من حيث الاحتمال أو المحتمل أقوى من الوجوب ؟ .
  فقد قيل : إن مجرد كون طرف احتمال الوجوب هو احتمال الحرمة يكفي في ترجيح جانب الحرمة ، بدعوى : أن في احتمال الحرمة احتمال المفسدة وفي احتمال الوجوب احتمال النفع ، ودفع المفسدة المحتملة أولى من جلب النفع المحتمل ، كما أن دفع المفسدة المتيقنة أولى من جلب المنفعة المتيقنة ، وعلى ذلك يبتني القول بتغليب جانب الحرمة على جانب الوجوب في مسألة اجتماع الأمر والنهى .
  وفيه أولا : أن المنافع والمفاسد تختلف بحسب القلة والكثرة ، فرب نفع يكون جلبه أولى من دفع المفسدة ، وعلى فرض التساوي من حيث القلة والكثرة لم يقم برهان على أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، ولم يظهر من طريقة العقلاء أن بنائهم على ذلك .
  وثانيا : أن دعوى أنه ليس في الواجبات إلا جلب المنافع فلا يكون في تركها مفسدة بل مجرد فوات النفع ، ممنوعة ، فلم لا يكون في ترك الواجب مفسدة كفعل الحرام ؟ .


(1) أقول : لو قيل بأن مناط حكم العقل بالتخيير في المقام عدم الترجيح بين الاحتمالين أمكن دعوى توقفه عنه عند وجود المزية لأحد الطرفين ويحكم بالأخذ بذى المزية ، لاحتمال تعينه ، فافهم وتدبر .

فوائد الأصول ـ 152 ـ
  وثالثا : على تقدير تسليم أن يكون دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة مطلقا وتسليم أن ترك الواجب ليس فيه مفسدة ، فإنما يكون ذلك في المنافع والمفاسد الراجعة إلى شخص الفاعل والمباشر لما فيه المنفعة والمفسدة .
  ودعوى : أن منافع الواجبات ومفاسد المحرمات راجعة إلى شخص الفاعل ، دون إثباتها خرط القتاد ! فإنه من المحتمل أن تكون المنافع والمفاسد راجعة إلى النوع بحسب ما يقتضيه النظام التام ، إلا أن يقال : إن مجرد احتمال ذلك لا يكفي مع احتمال أن تكون راجعة إلى المباشر ، فتأمل جيدا .
  الأمر الثالث :
  يعتبر في دوران الأمر بين المحذورين أن يكون كل من الواجب والحرام توصليا أو يكون أحدهما الغير المعين توصليا ، فلو كان كل منهما تعبديا أو كان أحدهما المعين تعبديا فليس من دوران الأمر بين المحذورين ، لأن المكلف يتمكن من المخالفة القطعية بالفعل أو الترك لا بقصد التعبد والتقرب وإن لم يتمكن من الموافقة القطعية ، فبالنسبة إلى المخالفة القطعية العلم الإجمالي يوجب التأثير ويقتضي التنجيز وإن لم يقتض ذلك بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، وذلك واضح .
  الأمر الرابع :
  دوران التكليف بين الوجوب والحرمة بالنسبة إلى الفعل الواحد ، تارة : يكون مع وحدة الواقعة ، كما لو دار الأمر بين كون المرأة المعينة محلوفة الوطي أو محلوفة الترك في ساعة معينة .
  وأخرى : مع تعدد الواقعة ، كالمثال إذا فرض أن الحلف على الفعل أو الترك كان في كل ليلة من ليالي الجمعة .
  فان كان على الوجه الأول : فلا إشكال في كون الحالف مخيرا بين

فوائد الأصول ـ 453 ـ
  الوطي وعدمه في الساعة التي تعلق الحلف بها ، ولا موقع للنزاع في كون التخيير بدويا أو استمراريا ، لأنه لا تعدد في الواقعة حتى يتصور فيها التخيير الاستمراري .
  وإن كان على الوجه الثاني : فللنزاع في كون التخيير بدويا أو استمراريا مجال .
  فقيل : إن التخيير بدوي ، فما اختاره المكلف في ليلة الجمعة الأولى من الفعل أو الترك لابد أن يختاره أيضا في الليالي اللاحقة ، وليس له أن يختار في الليلة اللاحقة خلاف ما اختاره في الليلة السابقة ، فإنه لو اختلف اختياره في الليالي لزم منه المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال ، فأنه يعلم بتحقق الحنث ، إما في الليلة السابقة ، وإما في الليلة التي هو فيها ، فلأجل الفرار عن حصول المخالفة القطعية لابد من أن يكون التخيير بدويا ، هذا .
  ولكن للنظر في ذلك مجال ، فان المخالفة القطعية لم يتعلق بها التكليف التحريمي شرعا بحيث تكون المخالفة القطعية كسائر المحرمات الشرعية قد تعلق بها النهى المولوي الشرعي ، بل قبح المخالفة القطعية كحسن الطاعة من المستقلات العقلية التي لا تستتبع الخطاب المولوي ، وحكم العقل بقبح المخالفة القطعية فرع تنجز التكليف ، وإلا فنفس المخالفة بما هي مخالفة لا يحكم العقل بقبحها ما لم يتنجز التكليف .
   وبالجملة : مخالفة التكليف المنجز قبيحة عقلا ، وأما مخالفة التكليف الغير المنجز فلا قبح فيها ، كما لو اضطر إلى الاقتحام في أحد أطراف المعلوم بالإجمال واتفق مصادفة ما اضطر إليه للحرام الواقعي ، فأنه مع حصول المخالفة يكون المكلف معذورا ، وليس ذلك إلا لعدم تنجز التكليف (1) ففي ما نحن فيه


(1) أقول : عمدة شبهة من التزم بتقديم حرمة المخالفة وكون التخيير بدويا ، هو أن حكم العقل بلزوم الموافقة التدريجية بنحو الاقتضاء وبحرمة المخالفة القطعية التدريجية بنحو العلية ، ومع التزاحم تقدم العلية على الاقتضاء ، فيحكم بالحرمة دون لزوم الموافقة ، وذلك البيان لا ينافي عدم التنجيز بالنسبة إلى كل آن آن بنحو الدفعية ، وإنما تجئ الشبهة من منجزية العلم الإجمالي بالحرمة بنحو التدريج ، وهذا المعنى وإن كان متحققا .

فوائد الأصول ـ 454 ـ
  لا يكون التكليف منجزا في كل ليلة من ليالي الجمعة ، لأنه في كل ليلة منها الأمر دائر بين المحذورين ، فكون الواقعة مما تكرر لا يوجب تبدل المعلوم بالإجمال ولا خروج المورد عن كونه من دوران الأمر بين المحذورين ، فان متعلق التكليف إنما هو الوطي أو الترك في كل ليلة من ليالي الجمعة ، ففي كل ليلة يدور الأمر بين المحذورين .
  ولا يلاحظ انضمام الليالي بعضها مع بعض ، حتى يقال : إن الأمر فيها لا يدور بين المحذورين لأن المكلف يتمكن من الفعل في جميع الليالي المنضمة ومن الترك في جميعها أيضا ومن التبعيض ففي بعض الليالي يفعل وفي بعضها الآخر يترك ومع اختيار التبعيض تتحقق المخالفة القطعية لأن الواجب عليه إما الفعل في الجميع وإما الترك في الجميع ، وذلك : لأن الليالي بقيد الانضمام لم يتعلق الحلف والتكليف بها ، بل متعلق الحلف والتكليف كل ليلة من ليالي الجمعة مستقلة بحيال ذاتها ، فلابد من ملاحظة الليالي مستقلة ، ففي كل ليلة يدور الأمر فيها بين المحذورين ويلزمه التخيير الاستمراري .
  والحاصل : أن التخيير البدوي في صورة تعدد الواقعة يدور مدار أحد أمرين : إما من حرمة المخالفة القطعية شرعا ليجب التجنب والفرار عن حصولها ولو بعد ذلك فيجب على المكلف عدم ايجاد ما يلزم منه المخالفة القطعية ، وإما بالنسبة إلى الوجوب أيضا إلا أن تنجزه بنحو الموافقة التدريجية كان ملغى ، فيبقى تنجزه بالنسبة إلى المخالفة القطعية على حاله .
  وحينئذ الأولى في الجواب أن يقال : إن عدم الجمع بين امتثال لزوم الموافقة وحرمة المخالفة القطعية إذا كان بمناط ( لا يطاق ) فالعقل في هذا المقام لا يفرق بينهما بالاقتضاء والعلية ، وإنما الفرق في الاقتضاء والعلية في قابلية العلم للرخص الشرعي في أحد الطرفين بمناط البراءة الشرعية وعدمه ، بلا نظر إلى مناط ( لا يطاق ) والترخيص في المقام هو بمناط ( لا يطاق ) وفي هذا المقام نسبة حكم العقل علية واقتضاء بمناط واحد ، كما لا يخفى فتدبر .
  قد تم والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا باطنا في شهر شوال المكرم سنة 1362.

فوائد الأصول ـ 455 ـ
  من ملاحظة الوقايع المتعددة منضما بعضها إلى بعض في تعلق التكليف بها حتى يتمكن المكلف من مخالفة التكليف بتبعيض الوقايع واختياره في البعض ما يخالف اختياره في الآخر .
  وكل من الأمرين اللذين يبتني على أحدهما التخيير البدوي محل منع ، فلا محيص من التخيير الاستمراري وإن حصل العلم بالمخالفة ، فتأمل جيدا .
  الأمر الخامس :
  لو دار أمر الشيء بين كونه شرطا للعبادة أو مانع عنها أو دار الأمر بين الضدين ـ كما إذا دار الأمر في القراءة بين وجوب الجهر بها أو وجوب الإخفات ـ فالأمر وإن كان يدور بين المحذورين بالنسبة إلى العبادة الواحدة ، فإنه لا يمكن أن تكون العبادة الواحدة واجدة للشئ وفاقدة له فيما إذا تردد بين كونه شرطا لها أو مانع عنها ، وكذا لا يمكن أن تكون القراءة الواحدة جهرية وإخفاتية ، إلا أنه حيث يتمكن المكلف من الموافقة القطعية ـ ولو بتكرار الصلاة تارة مع ما يحتمل كونه شرطا وأخرى بدون ذلك ، أو بتكرار القراءة فقط بقصد القربة المطلقة ـ فلا محالة يجب الاحتياط بتكرار العمل أو الجزء ، فلا يندرج في باب دوران الأمر بين المحذورين .
  هذا تمام الكلام في ( الجزء الثالث ) من الكتاب ، ويتلوه ( الجزء الرابع ) إن شاء الله تعالى .
  والحمد الله أولا وآخرا والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين وقد وقع الفراغ من تسويده ليلة الأربعاء التاسعة والعشرين من شهر شوال المكرم سنة ألف وثلاثمأة واثنين وأربعين

فوائد الأصول ـ 456 ـ
  تنبيه
  قد اكتفينا في كثير من المباحث الراجعة إلى هذا الجزء من الكتاب بالإشارة إليها ـ خصوصا ما يرجع إلى مباحث القطع والبرائة ـ اعتمادا على ما سيأتي ـ في الجزء الرابع ـ من استقصاء الكلام فيها وتفصيلها بما لا مزيد عليه ، وحرصا على نشر ما أفاده حضرة شيخنا الأستاذ ( مد ظله ) في مسألة اللباس المشكوك : من الكنوز والنفائس العلمية التي لم تصل إليها أفهام أولى الألباب وكانت تحت الخبا ، حتى من الله تعالى على حملة العلم بطلوع الشمس العلم من مركزه ، أعني به حضرة ( شيخنا الأستاذ متع الله المسلمين بطول بقاه ) فحق على حملة العلم أن يقدروا ويشكروا ما أنعم الله تعالى عليهم من شريف وجوده ، وحق علينا نشر ما أفاده في ذلك أداء المقدار من حقوقه وخدمة لأهل العلم ، سائلين منه ( سبحانه وتعالى ) قبول ذلك ، وأن يجعله في صحيفة حسناتنا ويكفر به سيئاتنا ، إنه أرحم الراحمين