إلى مصرع الإمام الحسين (عليه السّلام) ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا في كربلاء ينوحون على الإمام الحسين (عليه السّلام) (1) .
كما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه جاء لزيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وقام بالزيارة بآدابها على نحو ما ورد عن أهل البيت (عليهم السّلام) في مراسيم زيارته (صلوات الله عليه) (2) ، وأنّه أوّل مَنْ زار الإمام الحسين (عليه السّلام) (3) .
وعن نوادر علي بن أسباط عن غير واحد قال : لمّا بلغ أهل البلدان ما كان من أبي عبد الله (عليه السّلام) قدمت لزيارته مئة ألف امرأة ممّنْ كانت لا تلد ، فولدنَ كلّهنّ (4) .
تحقيق الوعد الإلهي ببقاء قبره الشريف علماً للمؤمنين
وكأنّ ذلك تحقيق للوعد الإلهي الذي تضمّنته النصوص الكثيرة ، ومنها ما عن عقيلة بني هاشم زينب الكبرى (عليها السّلام) ، بنت الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حين مرّوا بهم على الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه (صلوات الله عليهم) وهم مضرّجون بدمائهم ، مرمّلون بالعراء ، فضاق صدر الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ممّا رأى ، فأخذت تسلّيه ، وقالت له : لا يجزعنّك ما ترى ، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى جدّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ
---------------------------
(1) اللهوف في قتلى الطفوف / 114 ، بحار الأنوار 45 / 146 .
(2) بحار الأنوار 65 / 130 ـ 131 ، بشارة المصطفى / 125 ـ 126 ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 167 ـ 168 .
(3) مصباح المتهجد / 787 ، مسار الشيعة / 46 .
(4) بحار الأنوار 45 / 200 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 483 _
الله ميثاق أناس من هذه الأُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأُمّة ، وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة ، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يُدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً ، وأمره إلاّ علّواً .
ولمّا سألها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) عمّا تعرفه من هذا العهد المعهود حدّثته بحديث أُمّ أيمن الطويل ، وفيه يقول جبرئيل (عليه السّلام) للنبي (صلّى الله عليه وآله) : (( ثمّ يبعث الله قوماً من أُمّتك لا يعرفهم الكفّار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نيّة ، فيوارون أجسامهم ، ويقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء ، يكون علماً لأهل الحقّ ، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز ... وسيجدّ أُناس حقّت عليهم من الله اللعنة والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً ))
(1) .
وعلى كلّ حال فقد استمر شيعة أهل البيت (عليهم السّلام) على ذلك حتى صار في فترة قصيرة شعاراً لهم معروفاً عنهم يمتازون به عن غيرهم .
تجديد الذكرى بمرور السُنّة
ثانيهما : تجديد الذكرى بتعاقب السنين بحيث يكون وقت الفاجعة من السنة موسماً سنوياً يتجدّد فيه الأسى والحسرة ، ومظاهر الحزن ونحو ذلك ممّا يناسب الذكرى الأليمة .
فقد ورد عنهم (عليهم السّلام) التأكيد على اتخاذ يوم عاشوراء يوم مصيبة وحزن وبكاء ، مع التعطيل فيه ، وعدم السعي لما يتعلّق بأمر الدنيا .
---------------------------
(1) راجع ملحق رقم (6) .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 484 _
ففي حديث إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا (عليه السّلام) : (( إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستُحلت فيه دماؤنا ، وهُتكت فيه حرمتنا ، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأُضرمت النيران في مضاربنا ، وانتُهب ما فيها من ثقلنا ، ولم تُرعَ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) حرمة في أمرنا .