التنكيل بالشيعة
الأول : التنكيل بالشيعة وإسقاط حرمتهم كمسلمين ، بحرمانهم من العطاء ، وقتلهم ، والتمثيل بهم ، وسجنهم ، وتشريدهم ، وهدم دورهم ... إلى غير ذلك مما تعرض له المؤرخون والباحثون عن سيرة معاوية والأمويين عموم ، وقد أغرقوا في ذلك ، حتى ورد عن أبي عبد الرحمن المقرئ أنه قال : (كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه) (1) وهو من الشيوع والوضوح بحيث لا ينبغي إطالة الكلام هنا في ذكر مفرداته ، ولاسيما أنها أكثر من أن تستقصى.
أثر التنكيل بالشيعة على التشيع
وهذا وإن عاق نشر مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم) مؤقت ، إلا أنه حيث لم يقض عليه ، لكثرة الشيعة وإصرارهم ، فقد خدمه على الأمد البعيد ، لأن الظلامة والتضحيات تمنح دعوة الحقّ قوة ورسوخاً وفخر ، وتوجب تعاطف الناس معه ، خصوصاً إذا صدرت الظلامة من مثل الأمويين الذين عمّ ظلمهم ، واستهتروا بالدين ، فأبغضهم عامة المسلمين.
عود التحجير على السنة النبوية
الثاني : ما جرى عليه الأولون من التحجير على السنة النبوية ، فعن عبد الله بن عامر اليحصبي قال : (سمعت معاوية على المنبر بدمشق يقول : أيها الناس إياكم وأحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا حديث كان يذكر على عهد عمر ، فإن
---------------------------
(1) تاريخ دمشق 41 / 481 في ترجمة علي بن رباح ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 20 / 429 في ترجمة علي بن رباح بن قصير ، سير أعلام النبلاء 5 / 102 في ترجمة علي بن رباح ، تاريخ الإسلام 7 / 427 في ترجمة علي بن رباح ، تهذيب التهذيب 7 / 281 في ترجمة علي بن رباح ، الوافي بالوفيات 21 / 72 في ترجمة اللخمي المصري علي بن رباح ، وغيرها من المصادر.
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 313 _
عمر كان رجلاً يخيف الناس في الله ... )
(1) .
ومن كلامه : ( يا أيها الناس أقلوا الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنتم متحدثون لا محالة فتحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر ... )
(2) .
وليس معنى التحجير المذكور الاقتصار على عدم رواية الأحاديث عنه (صلّى الله عليه وآله) ، كما تضمنه هذا الحديث ، بل جعل رواية الحديث عنه (صلّى الله عليه وآله) في خدمة مخطط معاوية ولو كان كذباً وافتراءً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نظير ما حصل قبل ذلك ، على ما سبق التعرض له ، بل ربما يزيد عليه.
وذلك بأمور :
المنع من رواية الأحاديث المؤيدة لخط أهل البيت (عليهم السّلام)
أولها : المنع من رواية الأحاديث التي تخدم خط أهل البيت (عليهم السلام) ، بذكر مناقبهم وفضائلهم ، أو مثالب أعدائهم وسلبياتهم ، كما يأتي في كلام المدائني ونفطويه وغيرهم.
بل بلغ الحال أن معاوية حاول بالترهيب والترغيب منع ابن عباس ـ مع ما له من مكانة علمية واجتماعية ـ من الحديث وتفسير القرآن المجيد على ما يناسب تفسير أهل البيت (صلوات الله عليهم) له.
---------------------------
(1) المعجم الكبير 19 / 370 في ما رواه عبد الله بن عامر اليحصبي القارئ عن معاوية ، واللفظ له ، مسند أحمد 4 / 99 حديث معاوية بن أبي سفيان ، صحيح ابن حبان 8 / 194 كتاب الزكاة : باب المسألة والأخذ وما يتعلق به من المكافأة والثناء والشكر : ذكر الزجر عن أن يأخذ المرء شيئاً من حطام هذه الدني ، تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة 1 / 143 ح : 129 ، وكذا في صحيح مسلم 3 / 95 كتاب الزكاة : باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له ، مع تصرف.
(2) مسند الشاميين 3 / 251 فيما رواه يونس بن ميسرة عن معاوية ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 26 / 382 في ترجمة العباس بن عثمان بن محمد أبي الفضل البجلي ، الكامل لابن عدي 1 / 5 ، كنز العمال 10 / 291 ح : 29473.
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 314 _