تحريف الأديان بنحو مهين
ومن الملفت للنظر أنّه قد حصل بسبب تحريف تلك الأديان من التعدّي على مقام الله (عزّ وجلّ) ، وعلى الوسائط بينه وبين خلقه ـ من الرسل والأوصياء (صلوات الله عليهم) ـ وعلى تشريعاته القويمة ما ترفضه العقول وتأباه النفوس بفطرته ، بل يندى له الجبين وتقشعرّ لهوله الأبدان .
إلاّ إنّ ذلك وحده لا يكفي في وضوح بطلان ذلك وتكذيبه ، وظهور الحقيقة ، وتنزيه تلك الأديان إذا لم تكن هناك ثقافة سليمة متكاملة ذات قواعد وأصول محكمة متينة ، وكان لتلك الثقافة دعوة مسموعة يلجأ إليها طالب الحقيقة .
وبدون ذلك يبقى الإنسان الذي يحترم نفسه ، ويعتزّ بعقله ، ويستضيء به مذبذباً بين الدعاوى المتناقضة للأديان المختلفة غير الخالية في نفسها عن السلبيات المذكورة حتى قد يرفضها جميعاً ويكفر بها ، ويلجأ للثقافة المادية الصرفة ، أو يعتنق بعض تلك الأديان بمجرد الانتساب تقليداً للآباء من دون إيمان حقيقي متركز في أعماق النفس ودخائله .
لو تمّ تحريف الإسلام لضاعت معالم الحقّ على البشرية
ونتيجة لذلك فلو فُتح المجال لتحريف الإسلام الخاتم للأديان ، ولم يكبح جماحه ؛ نتيجة العوامل المتقدّمة ، لضاعت المعالم ولم يبقَ بيد الناس حقيقة مقدّسة تقبلها العقول ، وتركن إليها النفوس ، وتأخذ بمجامع القلوب ، وتتفاعل بها من أجل خيرها وصلاحها .
ولبقي المجتمع الإنساني في حيرة وضياع بين الثقافات الدينية المحرّفة ـ المملوءة بالأساطير والخرافات والسلبيات ، التي تأباها النفوس وترفضها العقول ، كما سبق ـ والثقافة المادية الجافة التي تأباها الفطرة السليمة ، والتي
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 513 _
تسير بالمجتمع نحو الدمار الشامل في الأخلاق والمثل .
وحتى في مقوّمات نمو المجتمع الإنساني وبقائه في المعمورة ، لاهتمام الثقافة المادية بحرية الفرد ، وفسحها المجال لتمتّعه باللذة من أقرب طرقها من دون تركيز على بناء المجتمع ، وتنظيم علاقة بعضه ببعض على أسس رصينة .
وقد كان لكبح جماح التحريف في الإسلام ، وظهور دعوة الحقّ فيه أعظم الأثر في وضوح كثير من الحقائق في حق الله (عزّ وجلّ) وحق ملائكته وأنبيائه (صلوات الله عليهم) وتشريعاته القويمة ، وظهور تشويهها في الأديان الأخرى ، وحتى في بعض تراث المسلمين المشوّه .
ومن هنا كان لفاجعة الطفّ وغيرها من خطوات أهل البيت (عليهم السّلام) السابقة وجهودهم التي حدّت من محاولات التحريف لدين الإسلام العظيم ، الفضل على الفكر الإنساني عامّة في وضوح منهجه وتعديل مساره .
ظهور السلبيات التي أفرزها التحريف
ويتضح ذلك بملاحظة أمر له أهميته ، وهو أنّ الغرض المباشر من إقحام التراث المشوّه في الأديان ـ بما في ذلك دين الإسلام العظيم ـ هو تقبّل أتباعها له وإيمانهم به ، وهو لا يكون إلاّ لوجود الأرضية الصالحة لذلك بسبب اختلاط الأمر على الناس ، وعدم وضوح معالم الحقّ من الباطل لهم ، فوجود التراث المذكور في الأديان يكشف عن تحقّق تلك الأرضية حين إقحامه .
ولو أنّ الإسلام جرى على سنن الأديان السابقة ، وتمّ للخطّ المخالف لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ما أرادوا ، ولم يكبح جماح الانحراف والتحريف نتيجة ما سبق ، لبقيت هذه الأرضية ولتقبّل أهل كلّ دين تراثهم على ما هو عليه من التشويه ، ولم يتوجهوا للسلبيات ، لتشابه الأديان في ذلك
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 514 _
كواقع قائم ، ولبقي الأمر مختلطاً على الناس .