استغلال المعارضة للفاجعة ضدّ الحكم الأموي
هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الجريمة بأبعادها الواقعية والعاطفية قد استغلّت على أتمّ وجوه الاستغلال من قِبَل المعارضة .
وأظهرها في ذلك الوقت عبد الله بن الزبير العدوّ اللدود لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ولعموم بني هاشم ، كما تشهد بذلك مواقفه المشهورة ، وقد أشرنا لبعضها في المقدّمة (1) ، ويأتي الإشارة لبعضها في الموضع المناسب .
ومع ذلك فقد حاول أن يستغلّ الفاجعة لصالحه ، فقد كان في جملة كلامه ـ بعد أن ذمّ أهل العراق عامّة والكوفة خاصّة ـ أن ذكر الإمام الحسين (عليه السّلام) فقال : ولكنّه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ، فرحم الله حسيناً وأخزى قاتل حسين ... أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ، ونصدّق قولهم ، ونقبل لهم عهداً ؟! لا ولا نراهم لذلك أهلاً ، أما والله ، لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه ، كثيراً في النهار صيامه ، أحقّ بما هم فيه منهم ، وأولى به في الدين والفضل ، أما والله ، ما كان يبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد فسوف يلقون غيّاً ، يعرض بيزيد .
فثار إليه أصحابه ، فقالوا له : أيّها الرجل أظهر بيعتك ، فإنّه لم يبقَ أحد ـ إذ هَلك حسين ـ ينازعك هذا الأمر ، وقد كان يبايع سرّاً ، ويظهر أنّه عائذ بالبيت ، فقال لهم : لا تعجلوا (2) .
---------------------------
(1) تقدّم في / 64 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 364 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر سبب عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وتوليته عليها الوليد بن عتبة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 98 ـ 99 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر ولاية الوليد بن عتبة المدينة والحجاز وعزل عمرو بن سعيد ، وقد اقتصر ابن الجوزي على ذكر خطبة ابن الزبير في تذكرة الخواص / 268 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 114 _
وهكذا حاول أن يجعل من فاجعة الطفّ مبرّراً للامتناع من بيعة يزيد ، وإنكار شرعية حكمه ، والدعوة للخروج عليه .
ولنكتف بهذا المقدار في بيان ردود الفعل السريعة من قِبَل المسلمين نتيجة هول الفاجعة ، ويأتي إن شاء الله تعالى في المبحث الثالث من الفصل الأوّل من المقصد الثاني تمام الكلام في التداعيات اللاحقة للفاجعة .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 115 _