مصادر الخطبة

  وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة :
  1 ـ قال ابن طيفور أحمد بن أبي طاهر : وحدّثني هارون بن مسلم بن سعدان ، عن الحسن بن علوان ، عن عطية العوفي ، قال : لمّا مرضت فاطمة (عليها السّلام) المرضة التي توفّيت بها دخل النساء عليها ... (1) .
  2 ـ قال ابن أبي الحديد : قال أبو بكر : وحدّثنا محمد بن زكريا ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي ، عن عبد الله بن حماد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن حسن بن حسن ، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين (عليها السّلام) ، قالت : لمّا اشتدّ بفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوجع ، وثقلت في علّتها اجتمع عندها نساء ... (2) .
  3 ـ ورواها جماعة كاملة من دون ذكر السند ، كابن الدمشقي (3) والآبي (4) والسيّدة زينب العاملية (5) .
  4 ـ قال الصدوق : حدّثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدّثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني ، قال : حدّثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي ، قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي ، قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الحسن ، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين (عليهما السّلام) ، قالت : لمّا اشتدّت علّة فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليها) ...

---------------------------
(1) بلاغات النساء / 19 ـ 20 كلام فاطمة وخطبها .
(2) شرح نهج البلاغة 16 / 233 .
(3) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السّلام) 1 / 164 ـ 168 .
(4) نثر الدر 4 / 8 الباب الأوّل كلام للنساء الشرائف ، فاطمة ابنة رسول الله (عليها السّلام) ، قولها عند احتضارها .
(5) الدرّ المنثور في طبقات ربات الخدور / 233 في ذكر زينب بنت الإمام علي (كرّم الله وجهه) .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 569 _

  وحدّثنا بهذا الحديث أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن ، المعروف بابن مقبرة القزويني ، قال : أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، قال : حدّثني محمد بن علي الهاشمي ، قال : حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، قال : (( لمّا حضرت فاطمة (عليها السّلام) الوفاة دعتني ، فقالت : أمنفّذ أنت وصيّتي وعهدي ؟ ... )) .
  قال : فلما اشتدت علتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار ... )) (1) .
  5 ـ قال الشيخ الطوسي : أخبرنا الحفّار ، قال : حدّثنا الدعبلي ، قال : حدّثنا أحمد بن علي الخزاز ببغداد بالكرخ بدار كعب ، قال : حدّثنا أبو سهل الرفاء ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال الدعبلي : وحدّثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الدبري ، بصنعاء اليمن في سنة ثلاث وثمانين ومئتين ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس قال : دخلت نسوة من المهاجرين والأنصار على فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعدنها في علتها ... (2) .
  6 ـ وقال الطبري (3) : حدّثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدّثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري ، قال : حدّثنا علي بن حسان ، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السّلام) ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين (عليهم السّلام) ، قال : (( لمّا رجعت فاطمة إلى منزلها فتشكّت ، وكانت وفاتها

---------------------------
(1) معاني الأخبار / 354 ـ 356 .
(2) الأمالي ـ للطوسي / 374 .
(3) دلائل الإمامة / 125 ـ 129 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 570 _

  في هذه المرضة ، دخل إليها النساء المهاجرات والأنصاريات ... )) .
  وحدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي ، قال : حدّثتني أُمّ الفضل خديجة بنت أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قالت : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : حدّثني محمد بن زكريا ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الرحمان المهلبي ، قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن سليمان المدائني ، قال : حدّثني أبي ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين ، قالت : لمّا اشتدّت علّة فاطمة (عليها السّلام) ... .
  7 ـ وقال ابن جبر (1) : وقد قالت في خطبتها التي رواها كثير من العلماء في مواضع كثيرة لا تُحصى كثرة ، والنقل من كتاب جدّي أبي عبد الله الحسين بن جبير (رحمه الله) ، المعروف بكتاب الاعتبار في إبطال الاختيار ، فمن جملة خطبتها (عليها السّلام) أنّها قالت : (( أصبحت والله عائفة ... )) .

---------------------------
(1) نهج الإيمان ـ لابن جبر / 621 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 571 _

ملحق رقم (3)
خطبة السيّدة زينب (عليها السّلام) في الكوفة


  قال الخوارزمي (1) : قال بشير بن حذيم الأسدي : نظرت إلى زينب بنت علي يومئذٍ ـ ولم أرَ خفرة قطّ أنطق منها ، كأنّما تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وتفرغ عنه ـ أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدّت الأنفاس ، وسكنت الأجراس .
  فقالت : الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد رسول الله وعلى آله الطيبين الأخيار آل الله .
  وبعد يا أهل الكوفة ، ويا أهل الختل (2) والخذل ، والغدر ! أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة (3) ولا هدأت الرنّة ، إنّما مثلكم كمثل ( الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قوّة أَنكَاثاً ) (4) أتتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ؟ (5) ألا وهل فيكم إلاّ الصلف (6) ،

---------------------------
(1) مقتل الحسين 2 / 40 ـ 42 .
(2) الختل بالفتح والسكون : الغدر .
(3) رقأ الدمع والدم : جفّ ، وهي (عليها السّلام) تشير بذلك إلى عِظَم الفاجعة بحيث تستحق الاستمرار بالبكاء تفجع ، أو إلى عِظَم الجريمة بحيث تستحق الاستمرار بالبكاء ندم .
(4) سورة النحل / 92 .
(5) وفي بعض طرق الخطبة : ( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) ، فتكون تتمّة الآية الشريفة .
(6) صلِف صلفاً : تمدح بما ليس فيه ، أو بما ليس عنده ، وادّعى فوق ذلك إعجاباً وتكبّراً .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 572 _

  والطنف (1) والشنف (2) والنطف (3) وملق الإماء (4) وغمز الأعداء (5) أو كمرعى على دمنة (6) أو كقصّة على ملحودة ! (7) ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم ، أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .
  أتبكون وتنتحبون ؟ إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها (8) ولن ترحضوها (9) بغسل بعدها أبداً .
  وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وملاذ خيرتكم (10) ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ، ومدره ألسنتكم (11) ألا ساء ما تزرون ، وبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة .
  ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم ؟ وأيّ دم له سفكتم ؟ وأيّ كريمة له أبرزتم ؟ وأيّ حريم له أصبتم ؟ وأيّ حرمة له انتهكتم ؟ ( لَقَدْ جِئْتُمْ

---------------------------
(1) طنِفَ طنفاً : اتهم . (2) الشنِف بكسر النون : المبغض ، والشنَف بفتح النون : البغض والتنكر ، أو شدّة البغض .
(3) النطِف بكسر الطاء : النجس ، والرجل النطف : المريب .
(4) ملقه وملق له ومالقه : تودّد إليه وتذلّل ، وأبدى له بلسانه من الإكرام والود ما ليس له ، ونسبته للإماء للكناية عن الهوان وضعف النفس .
(5) الغمز : الطعن والسعي بالشرّ .
(6) المرعى : الكلأ ونبات الأرض ، والدِمنة بكسر الدال : المزبلة .
(7) القصة : الجصة ، والملحودة : القبر ، فشبّهتهم (عليها السّلام) بالجص الذي يجصص به القبر في حسن الظاهر وفساد الباطن ، وبذلك تؤكّد مضامين الفقرات السابقة .
(8) الشنار : أقبح العيب .
(9) فسر الرحض بالغسل ، ومرادها (عليها السّلام) هنا أثره ، وهو إزالة القذر ، لبيان أنّ عار الجريمة لازم لهم ، لا ينفع شيء في رفعه ونسيانه .
(10) يعني : الذي يلوذ به ويلجأ إليه خياركم ، وفي بعض طرق الخطبة : وملاذ حيرتكم ، بالحاء المهملة ، يعني : الذي تلوذون به ، وتلجأون إليه عند تحيّركم واشتباه الأمور عليكم .
(11) المِدره بكسر الميم وسكون الدال وفتح الراء : زعيم القوم المتكلّم عنهم .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 573 _

  شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ) (1) .
  إنّما جئتم بها لصلعاء عنقاء (2) سوءاء (3) فقماء (4) خرقاء (5) شوهاء (6) كطلاع الأرض (7) وملأ السماء (8) أفعجبتم أن قطرت السماء دماً ؟ ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى وأنتم لا تنصرون .
  فلا يستخفّنكم المهل ، فإنّه (عزّ وجلّ) لا يحفزه البدار (9) ولا يخاف فوت الثار كلا إنّ ربكم لبالمرصاد ، فترقّبوا أوّل النحل (10) وآخر صاد (11) .
  قال بشير : فوالله ، لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى ، كأنّهم كانوا سكارى ، يبكون ويحزنون ، ويتفجعون ويتأسّفون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم .
  قال : ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفاً إلى جنبي ، قد بكى حتى اخضلّت لحيته بدموعه وهو يقول : صدقتِ بأبي وأُمّي ، كهولكم خير الكهول ، وشبانكم خير الشبان ، ونساؤكم خير النسوان ، ونسلكم خير نسل ، لا يُخزى ولا يُبزى (12) .

---------------------------
(1) سورة مريم / 89 ـ 90 .
(2) الصلعاء : الداهية الشديدة ، والعنقاء : الداهية ، وكلاهما يبتني على نحو من المجاز .
(3) السوءاء بمعنى السيئة ، والخلّة القبيحة .
(4) الأمر الأفقم : الأعوج المخالف ، ويرد مورد الذم .
(5) الخرقاء من الخَرَق ـ بفتح الخاء ـ والشق ، أو مؤنث الأخرق وهو الأحمق ، وعلى كلا التقديرين فهي ترد مورد الذم .
(6) امرأة شوهاء : قبيحة .
(7) طلاع الأرض : ملؤه ، وهو مبالغة في شدّة الذم وكثرته .
(8) الظاهر أنّ المراد بالسماء هنا الفضاء الواسع بين السماء والأرض ، وملؤه مبالغة في شدّة الذم وكثرته ، كسابقه .
(9) يعني : لا يستخفه ويعجله .
(10) وهو قوله تعالى : ( أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) .
(11) وهو قوله تعالى : ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) .
(12) يعني : لا يُقهر ولا يُغلب .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 574 _

مصادر الخطبة

  وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة :
  1 ـ قال ابن طيفور أحمد بن أبي طاهر (1) : عن سعيد بن الحميري أبي معاذ ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ـ رجل من أهل الشام ـ ، عن شعبة ، عن حذام الأسدي ـ وقال مرّة أُخرى حذيم ـ قال : قدمت الكوفة سنة إحدى وستين وهي السُنّة التي قُتل فيها الحسين (عليه السّلام) فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمنَ مهتّكات الجيوب ... .
  وحدّثنيه عبد الله بن عمرو ، قال : حدّثني إبراهيم بن عبد ربّه بن القاسم بن يحيى بن مقدم المقدمي ، قال : أخبرني سعيد بن محمد أبو معاذ الحميري ، عن عبد الله بن الرحمن رجل من أهل الشام ، عن حذام الأسدي ، قال : قدمت الكوفة سنة إحدى وستين ، وهي السُنّة التي قُتل فيها الحسين بن علي (عليه السّلام) ... .
  2 ـ ورواها جماعة من دون ذكر السند ، كابن أعثم (2) والآبي (3) وابن حمدون (4) وأحمد زكي صفوت (5) .
  3 ـ قال الشيخ المفيد (6) : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدّثني أحمد بن محمد الجوهري ، قال : حدّثنا محمد بن مهران ، قال : حدّثنا

---------------------------
(1) بلاغات النساء / 23 ـ 25 كلام أُمّ كلثوم بنت علي (عليها السّلام) .
(2) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 139 ـ 141 ذكر كلام زينب بنت علي (ع) .
(3) نثر الدرّ 4 / 19 ـ 20 الباب الأوّل كلام للنساء الشرائف ، أُمّ كلثوم بنت علي .
(4) التذكرة الحمدونية 2 / 235 الباب الثلاثون في الخطب .
(5) جمهرة خطب العرب 2 / 134 ـ 136 الباب الثالث الخطب والوصايا في العصر الأموي ، خطب بني هاشم وشيعتهم وما يتصل بها ، خطبة السيدة أُمّ كلثوم بنت علي في أهل الكوفة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) .
(6) الأمالي ـ للمفيد / 320 ـ 321 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 575 _

  موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، عن عمر بن عبد الواحد ، عن إسماعيل بن راشد ، عن حذلم بن ستير ، قال : قدمت الكوفة في المحرّم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن الحسين (عليهما السّلام) بالنسوة من كربلاء ، ومعهم الأجناد محيطون بهم وقد خرج الناس للنظر إليهم ، فلمّا أقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء أهل الكوفة ... .
  كما رواها الشيخ الطوسي (1) عن الشيخ المفيد (رضوان الله عليهما) بالسند المتقدّم .
  4 ـ وقد رويت في مصادر كثيرة عند الشيعة (2) .

---------------------------
(1) الأمالي ـ للطوسي / 91 ـ 92 .
(2) راجع الاحتجاج 2 / 29 ، ومناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 261 ، ومثير الأحزان / 66 ـ 67 ، واللهوف في قتلى الطفوف / 86 ـ 88 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 577 _

ملحق رقم (4)
خطبة السيّدة زينب (عليها السّلام) في مجلس يزيد في الشام


  قال الخوارزمي (1) : لمّا أُدخل رأس الحسين وحرمه على يزيد بن معاوية ، وكان رأس الحسين بين يديه في طست جعل ينكت ثناياه بمخصرة في يده ويقول :
لـيتَ أشـياخي ببدرٍ iiشهدوا      جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل
لأهـلّـوا واسـتهلّوا فـرحا      ثـمّ قـالوا يـا يزيدَ لا iiتُشل
لـستُ من خندف إن لم iiأنتقم      مـن بـني أحمد ما كانَ فعل
  فقامت زينب بنت علي ، وأُمّها فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقالت : الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّد المرسلين ، صدق الله تعالى إذ يقول : ( ثمّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) (2) .
  أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، وأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ـ أنّ بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة ، وأنّ ذلك لعِظَم

---------------------------
(1) مقتل الحسين 2 / 64 ـ 66 .
(2) سورة الروم / 10 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 578 _

  خَطَرِك (1) عنده ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عِطفك (2) [تضرب أصدريك (3) فرحاً ، وتنفض مذوريك (4) مرحاً] (5) جذلان (6) مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (7) والأمور متّسقة (8) وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا .
  فمهلاً مهلا ، أنسيت قول الله تعالى : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إنّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إنّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (9) .
  أمن العدل يابن الطلقاء (10) تخديرك (11) حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهنَّ ، وأبديت وجوههنَّ ، يُحدى بهنَّ من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنَّ (12) أهل المناهل والمناقل (13) ويتصفّح (14) وجوههنَّ القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهنَّ من رجالهنَّ ولي ، ولا من حماتهنَّ حمي .

---------------------------
(1) الخطر : رفعة الشأن والمقام .
(2) عِطف الشيء : جانبه ، والنظر في العطف كناية عن الإعجاب بالنفس .
(3) الأصدران : عرقان يضربان تحت الصدغين ، يُقال : جاء يضرب أصدريه ، يعني جاء فارغاً ، ولعلّها (عليها السّلام) أرادت فراغ باله ، وانكشاف همّه ، نتيجة ظفره وانتصاره .
(4) المذوران : طرفا الإليتين ، ومنه جاء ينفض مذوريه ، أي باغياً مهدّداً .
(5) لم ترد هذه الفقرة في مقتل الخوارزمي ، وذكرت في مصادر أخرى .
(6) الجذلان : الفرح .
(7) استوسق : اجتمع وانقاد ، واستوسق الأمر : انتظم .
(8) اتسق الأمر : انتظم واستوى .
(9) سورة آل عمران / 178 .
(10) الطلقاء : هم الذين عفا عنهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من مشركي قريش بعد فتح مكة ، وقال لهم في حديث له معهم : (( فاذهبوا فأنتم الطلقاء )) ومنهم معاوية أبو يزيد .
(11) الخِدر بكسر الخاء : ما يفرد للنساء من السكن ويستترنَ به ، وخدّر البنت : ألزمها الخِدر .
(12) استشرف الشيء : رفع بصره لينظر إليه باسطاً كفه فوق حاجبه .
(13) المناهل : المياه التي على طريق الرحل والمسافرين ، والمناقل : الطرق المختصرة ، أو الطرق في الجبال .
(14) تصفّح القوم : تأمّل وجوههم ، ليتعرّف أمرهم .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 579 _

  وكيف ترجى المراقبة ممّنْ لفظ فوه (1) أكباد السعداء ، ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟! وكيف لا يُستبطأ في بغضنا أهل البيت مَنْ نظر إلينا بالشنَف والشنَآن (2) والإحَن (3) والأضغان ؟! ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم :
لأهلّوا  واستهلّوا iiفرحاً      ثمّ قالوا يا يزيدَ لا تُشل
  منحنياً على ثنايا أبي عبد الله تنكتها بمخصرتك (4) .
  وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة (5) واستأصلت الشأفة (6) بإراقتك دماء آل ذرية محمد (صلّى الله عليه وآله) ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب .
  أتهتف بأشياخك زعمت تناديهم ، فلتردنَّ وشيكاً موردهم ، ولتودّنَّ أنّك شُللت وبُكمت ، ولم تكن قلت ما قلت .
  اللّهمّ خذ بحقنا ، وانتقم ممّنْ ظلمنا ، وأحلل غضبك بمَنْ سفك دماءنا ، وقتل حماتنا .
  فوالله ما فريت إلاّ جلدك ، ولا جززت إلاّ لحمك (7) ولتردنَّ على رسول

---------------------------
(1) يعني : فمه وفيه ، إشارة إلى أنّ هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان ، وأُمّ معاوية وجدّة يزيد بقرت بطن حمزة عمّ النبي (صلّى الله عليه وآله) واستخرجت كبده وأرادت أكلها فمضغتها فلم تستسغها ، لأنّها صارت حجراً في فمها ، فلفظتها ورمت بها .
(2) الشنَف : البغض ، والشنَآن : البغض مع عداوة وسوء خلق .
(3) الإحن جمع إحنة : الحقد الكامن المضمر .
(4) نكت الشيء بالقضيب : ضربه به في حال التفكّر بنحو يؤثّر فيه ، والمخصرة بكسر الميم : العصا ونحوها ممّا يتوكأ عليه .
(5) نكأ القرحة : قشرها قبل أن تبرأ ، وهو كناية عن العدوان بتهييج المصائب والآلام .
(6) شأفة الرجل : أهله وماله ، ورجل شأفة : عزيز منيع .
(7) كأنّها (عليها السّلام) تشير إلى سوء عاقبة عمله عليه ، نظير قوله تعالى : ( مَن عَمِل صالِحاً فلِنَفسِهِ وَمَن أَساءَ فَعَلَيه ) سورة فصلت / 46 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 580 _

  الله بما تحمّلت من سفك دماء ذريته ، وانتهاك حرمته في لحمته (1) وعترته ، وليخاصمنّك حيث يجمع الله تعالى شملهم ، ويلمّ شعثهم (2) ويأخذ لهم بحقّهم ، ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (3) فحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد خصماً ، وبجبرائيل ظهيراً .
  وسيعلم من سوّل لك ، ومكّنك من رقاب المسلمين أن ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) (4) وأيّكم ( شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُند ) (5) .
  ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك ، فإنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكبر توبيخك ، لكنّ العيون عبرى ، والصدور حرّى .
  ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فتلك الأيدي تنطف (6) من دمائنا ، وتلك الأفواه تتحلّب (7) من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (8) وتعفوها الذئاب ، وتؤمّها الفراعل (9) .
  فلئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً (10) مغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك .

---------------------------
(1) اللُحمة بضم اللام : القرابة .
(2) الشعث : انتشار الأمر ، يُقال : لمّ الله شعثهم ، أي جمع أمرهم .
(3) سورة آل عمران / 169 .
(4) سورة الكهف / 50 .
(5) سورة مريم / 75 .
(6) نطف : تلطخ بعيب .
(7) تحلب فمه : سال بالريق .
(8) تنتابها : تتردّد عليه ، والعواسل : الذئاب .
(9) عفره : مرغه وقلبه في التراب ، والفراعل جمع فرعل : ولد الضبع ، والمعنى أنّ الضباع تقلّبها في التراب .
وكأنّها (عليها السّلام) تشير إلى أنّهم بتركهم تلك الجثث الزواكي من دون دفن جعلوها عرضة للذئاب والضباع .
ولا ينافي ذلك أنّ الله سبحانه يسّر لها مَنْ يدفنها ويمنعها من أن تنتهك حرمتها .
(10) يعني : قريباً وسريعاً .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 581 _

  وأنّ الله ليس بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى ، وعليه المعول .
  فكد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب (1) جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تُميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا (2) ولا ترحض (3) عنك عارها ، ولا تغيب منك شنارها .
  فهل رأيك إلاّ فند (4) وأيّامك إلاّ عدد (5) وشملك إلاّ بدد ، يوم ينادي المنادي : ( أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمينَ ) (6) .
  فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والرحمة ، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة ، وأسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، وحسن المآب ، ويختم بنا الشرافة ، إنّه رحيم ودود ، و( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (7) ( نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (8) .

---------------------------
(1) ناصبه : عاداه وقاومه .
(2) أمد الخيل في الرهان : منتهى غاياتها التي تسبق إليها ، ومرادها (عليها السّلام) الكناية عن مدى شرفهم (عليهم السّلام) ورفعة شأنهم .
(3) الرحض : الغسل ، وروي (تدحض) بالدال من الدحض وهو الدفع .
(4) الفَنَدْ : الخطّ .
(5) يعني : معدودة . وذلك كناية عن قلته .
(6) سورة هود / 18 .
(7) سورة آل عمران / 173 .
(8) سورة الأنفال / 40 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 582 _

مصادر الخطبة

  وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة :
  وقد رواها الخوارزمي (1) بسنده ، قال : أخبرنا الشيخ الإمام مسعود بن أحمد ، فيما كتب إليّ من دهستان ، أخبرنا شيخ الإسلام أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي ، أخبرنا الشيخ أبو حامد ، أخبرنا أبو حفص عمر بن الجازي بنيسابور ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد المؤدّب الساري ، حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد الحجري ، أخبرنا أبو بكر محمد بن دريد الأزدي ، حدّثنا العكي ، عن الحرمازي ، عن شيخ من بني تميم من أهل الكوفة ، قال : لمّا أُدخل ... .
  ورواها جماعة كاملة من دون ذكر السند ، كابن طيفور (2) وابن حمدون (3) وأحمد زكي صفوت (4) وكحالة (5) .
  كما رويت في مصادر الشيعة (6) .

---------------------------
(1) مقتل الحسين / 63 ـ 64 .
(2) بلاغات النساء / 21 ـ 23 كلام زينب بنت علي (عليها السّلام) .
(3) التذكرة الحمدونية 2 / 234 الباب الثلاثون في الخطب .
(4) جمهرة خطب العرب 2 / 136 ـ 139 الباب الثالث الخطب والوصايا في العصر الأموي ، خطب بني هاشم وشيعتهم وما يتصل بها ، خطبة السيدة زينب بنت علي (عليها السّلام) بين يدي يزيد .
(5) أعلام النساء 2 / 95 ـ 97 .
(6) راجع الاحتجاج 2 / 34 ، واللهوف في قتلى الطفوف / 105 ـ 108 ، ومثير الأحزان / 80 ـ 81 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 583 _

ملحق رقم (5)
خطبة الإمام زين العابدين (عليه السّلام)


  قال الخوارزمي (1) : إنّ يزيد أمر بمنبر وخطيب ، ليذكر للناس مساوئ للحسين وأبيه علي (عليهما السّلام) ، فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في علي والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد .
  فصاح به علي بن الحسين : (( ويلك أيّها الخاطب ! اشتريت رضى المخلوق بسخط الخالق ، فتبوّأ مقعدك من النار )) .
  ثمّ قال : (( يا يزيد ، ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد ، فأتكلّم بكلمات فيهنّ لله رضى ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب )) ، فأبى يزيد .
  فقال الناس : يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد ، فلعلّنا نسمع منه شيئاً .
  فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان .
  فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا ؟!
  فقال : إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّا ، ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود .
  فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب .
  فقال فيها : (( أيّها الناس ، أُعطينا ستاً ، وفضّلنا بسبع ، أُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمداً (صلّى الله عليه وآله) ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيار ، ومنّا أسد

---------------------------
(1) مقتل الحسين 2 / 69 ـ 71 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 584 _

  الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة .
  فمَنْ عرفني فقد عرفني ومَنْ لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي .
  أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن مَنْ حمل الزكاة (1) بأطراف الردا ، أنا ابن خير مَنْ ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير مَنْ انتعل واحتفى ، أنا ابن خير مَنْ طاف وسعى ، أنا ابن خير مَنْ حجّ ولبّى .
  أنا ابن مَنْ حُمل على البراق في الهوا ، أنا ابن مَنْ أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فسبحان مَنْ أسرى .
  أنا ابن مَنْ بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن مَنْ دنا فتدلى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن مَنْ صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن مَنْ أوحى إليه الجليل ما أوحى .
  أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن مَنْ ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلاّ الله ، أنا ابن مَنْ ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين .
  أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين رسول ربّ العالمين .

---------------------------
(1) في بعض طرق الخطبة : (( أنا ابن مَنْ حمل الركن بأطراف الردا )) إشارة إلى تنازع قبائل قريش عند بنائهم للكعبة الشريفة ، فيمَنْ تولّى منهم حمل الحجر الأسود ، ويضعه في موضعه ، ثمّ تحاكموا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) في ذلك ، فأمر بجعل الحجر في رداء ، ثمّ أخذ رجل من كلّ قبيلة بطرف من الرداء حتى رفعوه إلى مكانه .
ثمّ أخذه (صلّى الله عليه وآله) بيده الشريفة فوضعه في موضعه .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 585 _

  أنا ابن المؤيّد بجبرئيل ، المنصور بميكائيل ، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر مَنْ مشى من قريش أجمعين ، وأوّل مَنْ أجاب واستجاب لله من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علم الله .
  سمح ، سخي ، بهلول (1) زكي ، أبطحي ، رضي ، مرضي ، مقدام ، همام ، صابر ، صوام ، مهذب ، قوام ، شجاع ، قمقام (2) قاطع الأصلاب ، ومفرّق الأحزاب .
  أربطهم جناناً ، وأطلقهم عناناً ، وأجرأهم لساناً ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدّهم شكيمة ، أسد باسل ، وغيث هاطل ، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة ، وقربت الأعنّة طحن الرحا ، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، وصاحب الإعجاز ، وكبش العراق ، الإمام بالنصّ والاستحقاق .
  مكي مدني ، أبطحي تهامي ، خيفي عقبي ، بدري أحدي ، شجري مهاجري ، من العرب سيّدها ، ومن الوغى ليثها ، وارث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، مظهر العجائب ، ومفرّق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كلّ طالب ، غالب كلّ غالب ، ذاك جدّي علي بن أبي طالب .
  أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء ، أنا ابن الطهر البتول ، أنا ابن بضعة الرسول ... )) .

---------------------------
(1) البهلول : السيد الجامع لكلّ خير .
(2) القمقام : السيد الكثير العطاء .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 586 _

  ولم يزل يقول : أنا أنا ، حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ؛ فأمر المؤذّن أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام وسكت ، فلمّا قال المؤذّن : الله أكبر ، قال علي بن الحسين : (( كبّرت كبيراً لا يُقاس ولا يُدرك بالحواس ، لا شيء أكبر من الله )) .
  فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، قال علي : (( شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخّي وعظمي )) .
  فلمّا قال : أشهد أنّ محمداً رسول الله ، التفت علي من أعلى المنبر إلى يزيد وقال : (( يا يزيد ، محمد هذا جدّي أم جدّك ؟ فإنّ زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدّي فلِمَ قتلت عترته ؟! )).
  قال : وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة فتقدّم يزيد وصلّى صلاة الظهر .
  هذا ما ذكر الخوارزمي من الخطبة مع تصريحه بأنّها أطول من ذلك ، وقد ذكر ابن شهرآشوب (1) الفقرات الأخيرة مع زيادة كما يأتي : (( أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن المقتول ظلماً ، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن مَنْ بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن مَنْ ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء ، أنا ابن مَنْ رأسه على السنان يُهدى ، أنا ابن مَنْ حرمه من العراق إلى [الشام ، ظ] تُسبى ... )) .
  وذلك هو الأنسب بضجيج الناس بالبكاء الذي تقدّم من الخوارزمي ، لِما تضمّنته هذه الفقرات من الإشارة للمصائب والفجائع المهيّجة .

---------------------------
(1) مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 305 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 587 _

مصادر الخطبة

  وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة :
  فقد رواها ابن أعثم (1) بتمامه ، وروى بعضها الأصفهاني (2) .
  وقال ابن شهرآشوب (3) : وفي كتاب الأحمر قال الأوزاعي : لمّا أُتي بعلي بن الحسين ورأس أبيه إلى يزيد بالشام ... .
  واكتفى السيد ابن طاووس (4) وابن نما (5) بذكر مقدّمتها فقط .

---------------------------
(1) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 154 ـ 155 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثته إليه برس الحسين بن علي (ع) .
(2) مقاتل الطالبيين / 81 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) .
(3) مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 305 .
(4) اللهوف في قتلى الطفوف / 109 .
(5) مثير الأحزان / 81 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 589 _

ملحق رقم (6)
حديث زائدة


  ذكر المجلسي (1) عن ابن قولويه : عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال ، عن سعيد بن محمد ، عن محمد بن سلام الكوفي ، عن أحمد بن محمد الواسطي ، عن عيسى بن أبي شيبة القاضي ، عن نوح بن دراج ، عن قدامة بن زائدة ، عن أبيه قال : قال علي بن الحسين (عليهما السّلام) : (( بلغني يا زائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله (عليه السّلام) أحياناً ؟ )) .
  فقلت : إنّ ذلك لكما بلغك .
  فقال لي : (( فلماذا تفعل ذلك ، ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا ، والواجب على هذه الأُمّة من حقّنا ؟ )) .
  فقلت : والله ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط ، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه .
  فقال : (( والله ، إنّ ذلك لكذلك )) ، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً .
  فقال : (( أبشر ، ثمّ أبشر ، ثمّ أبشر ، فلأخبرنّك بخبر كان عندي في النخب المخزونة .

---------------------------
(1) بحار الأنوار 28 / 55 ـ 61 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 590 _

  إنّه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا ، وقُتل أبي (عليه السّلام) ، وقُتل مَنْ كان معه من ولده وإخوته وساير أهله ، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ، ولم يواروا فيعظم ذلك في صدري ، ويشتدّ لِما أرى منهم قلقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب بنت علي الكبرى .
  فقالت : ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي ؟
  فقلت : وكيف لا أجزع ولا أهلع ، وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرّعين بدمائهم ، مرمّلين بالعراء ، مسلّبين لا يكفّنون ، ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر .
  فقالت : لا يُجزِعَنّك ما ترى ، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى جدّك وأبيك وعمّك .
  ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة ، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء (عليه السّلام) لا يُدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر ، وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً ، وأمره إلاّ علوّاً .
  فقلت : وما هذا العهد ، وما هذا الخبر ؟
  فقالت : حدّثتني أُمّ أيمن أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) زار منزل فاطمة (عليها السّلام) في يوم من الأيام ، فعملت له حريرة (صلّى الله عليهم) ، وأتاه علي (عليه السّلام) بطبق فيه تمر ، ثمّ قالت أُمّ أيمن : فأتيتهم بعس فيه لبن وزبد ، فأكل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) من تلك الحريرة ، وشرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وشربوا من

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 591 _

  ذلك اللبن ، ثمّ أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد ، ثمّ غسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يده وعلي (عليه السّلام) يصبّ عليه الماء .
  فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه ، ثمّ نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) نظراً عرفنا فيه السرور في وجهه ، ثمّ رمق بطرفه نحو السماء مليّاً ، ثمّ وجّه وجهه نحو القبلة ، وبسط يديه ودعى ، ثمّ خرّ ساجداً وهو ينشج ، فأطال النشوج وعلا نحيبه ، وجرت دموعه ، ثمّ رفع رأسه ، وأطرق إلى الأرض ، ودموعه تقطر كأنّها صوب المطر ، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين ، وحزنت معهم لِما رأينا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهِبناه أن نسأله .
  حتى إذا طال ذلك ، قال له علي وقالت له فاطمة : ما يبكيك يا رسول الله ؟ لا أبكى الله عينيك ، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك ؟!
  فقال : يا أخي ، سُررت بكم سروراً ما سُررت مثله قطّ ، وإنّي لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليّ فيكم ، إذ هبط عليّ جبرئيل ، فقال : يا محمد ، إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على ما في نفسك ، وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة ، وهنأك العطية ، بأن جعلهم وذرياتهم ومحبّيهم وشيعتهم معك في الجنّة ، لا يفرّق بينك وبينهم ، يُحبَون كما تُحبى ، ويعطون كما تُعطى حتى ترضى وفوق الرضى على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ، ومكاره تصيبهم ، بأيدي أناس ينتحلون ملّتك ، ويزعمون أنّهم من أُمّتك براء من الله ومنك ، خبطاً خبطاً ، وقتلاً قتلاً ، شتّى مصارعهم ، نائية قبورهم ، خيرة من الله لهم ، ولك فيهم ، فاحمد الله (عزّ وجلّ) على خيرته ، وارضَ بقضائه ، فحمدت الله ، ورضيت بقضائه بما اختاره لكم .
  ثمّ قال جبرئيل : يا محمد ، إنّ أخاك مضطهد بعدك ، مغلوب على أُمّتك ، متعوب من أعدائك ، ثمّ مقتول بعدك ، يقتله أشرّ الخلق والخليقة ، وأشقى البرية ،

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 592 _

  نظير عاقر الناقة ، ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كلّ حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم .
  وإنّ سبطك هذا ـ وأومأ بيده إلى الحسين (عليه السّلام) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك ، وأخيار من أُمّتك ، بضفة الفرات .
  بأرض تُدعى كربلاء ، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك ، في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته ، وهي أطهر بقاع الأرض ، وأعظمها حرمة ، وإنّها لمن بطحاء الجنّة .
  فإذا كان ذلك اليوم الذي يُقتل فيه سبطك وأهله ، وأحاطت بهم كتائب أهل الكفر واللعنة ، تزعزعت الأرض من أقطارها ، ومادت الجبال وكثر اضطرابها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها ؛ غضباً لك يا محمد ولذريتك ، واستعظاماً لِما ينتهك من حرمتك ، ولشرّ ما تكافى به في ذريتك وعترتك .
  ولا يبقى شيء من ذلك إلاّ استأذن الله (عزّ وجلّ) في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجّة الله على خلقه بعدك .
  فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار مَنْ فيهنّ : إنّي أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ، ولا يعجزه ممتنع ، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام ، وعزتي وجلالي لأعذبنّ مَنْ وَتَرَ رسولي وصفيي ، وانتهك حرمته ، وقتل عترته ، ونبذ عهده ، وظلم أهله ، عذاباً لا أُعذبه أحداً من العالمين .
  فعند ذلك يضجّ كلّ شيء في السماوات والأرضين بلعن مَنْ ظلم عترتك ، واستحلّ حرمتك .
  فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولّى الله (عزّ وجلّ) قبض أرواحها بيده ، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة ، معهم آنية من الياقوت

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 593 _

  ما قدمت لهم أنفسهم ( أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (1) .
  لا جرم (2) لقد قلّدتهم ربقتها (3) وحملتهم أوقتها (4) وشننت عليهم غاراتها (5) فجدعاً (6) وعقراً (7) و ( بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (8) .
  ويحهم أنّى زعزعوها (9) عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوّة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين ، والطبين (10) بأمور الدنيا والدين ؟! ( أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (11) .
  وما الذي نقموا من أبي الحسن (عليه السّلام) ؟! نقموا والله منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره (12) في ذات الله .
  وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة ، لردّهم إليها ، وحملهم عليها ، ولسار بهم سيراً سجحاً (13) لا يكلم حشاشه (14) ولا

---------------------------
(1) سورة المائدة / 80 .
(2) عن الفراء أنّه قال : لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بدّ ولا محالة ، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحوّلت إلى معنى القسم ، وصارت بمنزلة حقّاً .
(3) التقليد جعل الشيء في العنق ، كالقلادة ، والربقة بالكسر : العروة في الحبل ، ومرادها (عليها السّلام) أنّها تحمّلهم جريمة نقل الخلافة عن موضعها ومسؤولية ذلك .
(4) الأوق الثقل ، وهذه الفقرة مؤكّدة لمضمون الفقرة السابقة .
(5) شنّ الغارة عليهم : وجهها من كلّ جهة ، ومرادها (عليها السّلام) توجيه اللوم والتبكيت عليهم .
(6) الجدع : قطع الأنف ونحوه ، يُقال : جدعاً لك ، أي : جعلك الله معيباً وقطع عنك الخير .
(7) العقر الجرح ونحوه ممّا يوقع بالشيء ويعيبه ، وهذه الفقرة مؤكّدة لمضمون الفقرة السابقة .
(8) سورة هود / 44 .
(9) أي : الخلافة .
(10) رجل طبن أي : فطن حاذق عالم بكلّ شيء ، ولعلّ الطبين مبالغة في ذلك .
(11) سورة الزمر / 15 .
(12) التنمر : الغضب والشدّة .
(13) مشية سحج أي : سهلة .
(14) الكلم : الجرح ، والحشاش بكسر الحاء المهملة : الجانب من كلّ شيء ، وكأنّ المراد أنّ السير سهل بحيث لا يجرح الحبل الذي يشدّ به وسط الدابة جنبه ، وفي نسخة أخرى ورواية أخرى للخطبة : (( لا يكلّم خشاشه )) بكسر الخاء المعجمة وهو الخشبة التي تجعل في أنف البعير ويشدّ بها الزمام ، ليكون أسرع لانقياده ، وهذه الخشبة قد تجرح أنف البعير ، أو تخرمه عند صعوبة السير ، ولا يكون ذلك مع سهولة السير .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 594 _

  قالت زينب : فلمّا ضرب ابن ملجم ـ لعنه الله ـ أبي (عليه السّلام) ، ورأيت أثر الموت منه ، قلت له : يا أبه ، حدّثتني أُمّ أيمن بكذا وكذا ، وقد أحببت أن أسمعه منك ، فقال : يا بُنية الحديث كما حدّثتك أُمّ أيمن .
  وكأنّي بكِ وببنات أهلكِ سبايا بهذا البلد ، أذلاء خاشعين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس ، فصبراً ، فوالذي فلق الحبّة وبرء النسمة ، ما لله على الأرض يومئذٍ ولي غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم .
  ولقد قال لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين أخبرنا بهذا الخبر : أنّ إبليس في ذلك اليوم يطير فرحاً ، فيجول الأرض كلّها في شياطينه وعفاريته ، فيقول : يا معشر الشياطين ، قد أدركنا من ذرية آدم الطلِبة ، وبلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورثناهم السوء ، إلاّ مَنْ اعتصم بهذه العصابة .
  فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم ، وحملهم على عداوتهم ، وإغرائهم بهم وبأوليائهم ، حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجو منهم ناجٍ .
  ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) (1) وهو كذوب ، إنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر )) .
  قال زائدة : ثمّ قال علي بن الحسين (عليهم السّلام) بعد أن حدّثني بهذا الحديث : (( خذه إليك ، وأمّا لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولاً لكان قليلاً )) .

---------------------------
(1) سورة سبأ / 20 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 597 _

المصادر والمراجع

  القرآن الكريم.
  الآحاد والمثاني ، أحمد بن عمرو بن الضحاك الشيباني ، المعروف بابن عاصم (ت 287 هـ) ، الطبعة الأولى ، نشر دار الدراية ، الرياض ، 1411 هـ / 1991 م ، تحقيق د . باسم فيصل أحمد الجوابرة .
  آداب العلماء والمتعلمين ، الحسين بن القاسم اليمني الزيدي (ت 1050 هـ) ، الطبعة المعتمدة في موقع الموسوعة الشاملة على الشبكة المعلوماتية .
  الإتقان في علوم القرآن ، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ) ، الطبعة الأولى 1416هـ ، طبع ونشر دار الفكر ، بيروت ، لبنان ، تحقيق سعيد المندوب .
  إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ، محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 هـ) ، الطبعة الأولى 1425 هـ / 2004 م ، منشورات مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، لبنان .
  إثبات الوصية ، أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي الهذلي ، الطبعة الثانية 1409 هـ / 1988 م ، دار الأضواء بيروت ، لبنان .
  الأحاديث المختارة ، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي (ت 643 هـ) ، الطبعة الأولى 1410 هـ ، نشر مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرّمة ، تحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 598 _

  الاحتجاج ، أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت 560 هـ) ، طبع ونشر منشورات دار النعمان للطباعة والنشر ، النجف الأشرف 1966 م ، تحقيق السيد محمد باقر الخرسان .
  الإحكام في أصول الأحكام ، ابن حزم الأندلسي الظاهري (ت 456 هـ) ، مطبعة العاصمة ، القاهرة ، الناشر زكريا علي يوسف .
  أحكام القرآن ، أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص (ت 370 هـ) ، الطبعة الأولى 1415 هـ / 1994 م ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، تحقيق عبد السّلام محمد علي شاهين .
  أحوال الرجال ، أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت 259 هـ) ، الطبعة الأولى 1405 هـ ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت ، تحقيق صبحي السامرائي .
  الأخبار الطوال ، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت 282 هـ) ، الطبعة الأولى 1960 م ، نشر دار إحياء الكتب العربي ، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه ، تحقيق عبد المنعم عامر .
  أخبار مكة ، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي (ت 275 هـ) ، الطبعة الثانية 1414 هـ ، نشر دار خضر ، بيروت ، تحقيق د . عبد الملك عبد الله دهيش .
  أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي (ت 250 هـ) ، الطبعة الأولى 1424 هـ / 2003 م ، تحقيق ، د . عبد الملك بن عبد الله بن دهيش .
  الاختصاص ، الشيخ المفيد (ت 413 هـ) ، الطبعة الثانية 1413 هـ / 1993 م ، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، السيد محمود الزرندي .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 599 _

  اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ، الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) ، مطبعة بعثت ، قم 1404 هـ ، نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث ، تحقيق مير داماد الاسترابادي ، السيد مهدي الرجائي .
  الأدب المفرد ، محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) ، الطبعة الأولى 1406 هـ / 1986 م ، طبع ونشر مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت .
  الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، الشيخ المفيد (ت 413 هـ) ، طبع ونشر دار المفيد ، الطبعة الثانية 1993 م ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لتحقيق التراث .
  إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، محمد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الثانية 1405 هـ ، نشر المكتب الإسلامي ، بيروت ، تحقيق زهير الشاويش .
  الاستذكار ، ابن عبد البر النمري القرطبي (ت 463 هـ) ، الطبعة الأولى 2000 م ، طبع ونشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، تحقيق سالم محمد عطا ، محمد علي معوض .
  الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ابن عبد البر النمري القرطبي (ت 463 هـ) ، الطبعة الأولى 1412 هـ ، طبع ونشر دار الجيل ، بيروت ، تحقيق علي محمد البجاوي .
  أسد الغابة في معرفة الصحابة ، عزّ الدين علي بن أبي الكرم بن الأثير (ت 630 هـ) ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، انتشارات إسماعيليان ، طهران .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 600 _

  الإصابة في تمييز الصحابة ، ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) ، الطبعة الأولى 1995 م ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الشيخ علي محمد عوض .
  أضواء البيان ، محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393 هـ) ، طبع ونشر دار الفكر ، 1415 هـ / 1995 م ، بيروت ، لبنان ، تحقيق مكتب البحوث والدراسات .
  إعجاز القرآن ، أبو بكر محمد بن الطيب (ت 403 هـ) ، الطبعة الثالثة ، طبع ونشر دار المعارف ، مصر ، تحقيق السيد أحمد صقر .
  الأعلام ، خير الدين الزركلي (ت 1410 هـ) ، الطبعة الخامسة 1980 م ، نشر دار العلم للملايين ، بيروت .
  أعلام الدين في صفات المؤمنين ، الحسن بن أبي الحسن الديلمي (ق 8) ، الطبعة الثانية 1414 هـ ، نشر وتحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث ، قم المقدّسة .
  أعلام النساء في عالمي العرب والسّلام ، عمر رضا كحالة ، الطبعة الثانية 1378 هـ / 1959 م ، المطبعة الهاشمية ، دمشق .
  إعلام الورى بأعلام الهدى ، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 هـ) ، طبعة ربيع الأوّل 1417 هـ ، ستارة ، قم ، نشر وتحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث ، قم المشرّفة .
  الأغاني ، أبو الفرج الأصفهاني (ت 356 هـ) نسخة مصوّرة عن طبعة دار الكتب ، مؤسسة جمال للطباعة والنشر ، بيروت ، إشراف محمد أبو الفضل إبراهيم .
  الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، الشيخ المفيد (ت 413 هـ) ، الطبعة

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 602 _

  الأولى 1412 هـ ، نشر دار المفيد ، بيروت ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسسة البعثة ، قم المقدّسة .
  إقبال الأعمال ، علي بن موسى بن طاووس (ت 644 هـ) ، الطبعة الأولى 1414 هـ ، طبع ونشر مكتب الإعلام الإسلامي ، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني .
  الإمامة والسياسة ، أبو محمد عبد الله بن مسلم ، ابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ) ، الطبعة الأولى 1418 هـ / 1997 م ، طبع دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، منشورات محمد علي بيضون ، تعليق خليل المنصور .
  الأمالي ، للشجري ، الشهيرة بالأمالي الخميسية ، أبو الحسين يحيى بن الموفق بالله أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الجرجاني ، عالم الكتب ، بيروت ، مكتبة المثنى ، القاهرة .
  أمالي الصدوق ، الشيخ الصدوق (ت 318 هـ) ، الطبعة الأولى 1417 هـ ، نشر مؤسسة البعثة ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسسة البعثة ، قم .
  أمالي الطوسي ، محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 هـ) ، الطبعة الأولى 1414 هـ ، طبع ونشر دار الثقافة ، قم ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسسة البعثة .
  أمالي المحاملي برواية ابن يحيى البيع ، أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي (ت 330 هـ) ، الطبعة الأولى 1412 هـ ، نشر المكتبة الإسلامية ، دار ابن القيم ، 1412 هـ ، تحقيق د . إبراهيم القيسي .
  أمالي المرتضى ، السيد المرتضى (ت 436 هـ) ، الطبعة الأولى 1325 هـ/ 1907 م ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي 1403 هـ ،