|
قال بكر بن مصعب المزني : كان الحسين لا يمرّ بأهل ماء إلاّ اتّبعوه حتى انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة مقتل عبد الله بن بقطر ... فأخرج للناس كتاباً فقرأ عليهم : (( بسم الله الرحمن الرحيم .
أمّا بعد ، فإنّه قد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة ، وعبد الله بن بقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمَنْ أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام )) .
قال : فتفرّق الناس عنه تفرّقاً ، فأخذوا يميناً وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ، وإنّما فعل ذلك ، لأنّه ظنّ إنّما اتّبعه الأعراب لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون على مَ يقدمون ، وقد عَلِم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلاّ مَنْ يريد مواساته والموت معه (1) .
تهيؤ الإمام الحسين (عليه السّلام) للقاء الحرّ وأصحابه
وفي حديث عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) نزل شراف ، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ، ثمّ سار حتى انتصف النهار ، ثمّ التقى بالحرّ ومَنْ معه ـ وهم ألف فارس ـ في حرّ الظهيرة ، فقال (صلوات الله عليه) لفتيانه : (( اسقوا القوم ، وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفاً )) .
قالا : فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً ، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم ، وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطساس من الماء ثمّ
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 300 ـ 301 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 43 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين إلى الكوفة ، الإرشاد 2 / 75 ـ 76 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 31 _
يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلّها (1) .
ويظهر من ذلك أنّه (عليه السّلام) قد تهيّأ للقاء الحرّ وجيشه من السحر حينما أمر باستقاء الماء فأكثروا منه ، وإلاّ فركب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) يقارب المئتين أو يزيد عليها قليلاً ، وليس من الطبيعي أن يستقي من الماء ما يفيض عن حاجته بمقدار ما يكفي لإرواء ذلك الجيش البالغ ألف نفر وإرواء خيلهم لو لم يكن (عليه السّلام) قد تهيّأ لذلك ، وتعمّد الزيادة من الماء سحراً قبل ارتحاله من شراف .
وإذا كان (عليه السّلام) عالماً بلقاء ذلك الجيش فمن الطبيعي أن يكون عالماً بنتائج ذلك اللقاء وما يترتّب عليه ، وموطّناً نفسه عليه ، من أجل تحقيق هدفه ، وإلاّ كان بوسعه الرجوع قبل لقائه .
وبذلك يظهر أنّ محاولته (صلوات الله عليه) بعد لقاء ذلك الجيش الرجوع (2) ليس لاحتمال فسح المجال له ، وقبولهم بذلك في محاولة للتراجع عن مقصده بعد أن ظهر له خطأ تقديره وحساباته ، بل هو أشبه بطلب صوري إقامة للحجّة ، ومقدّمة لاتفاقه مع الحرّ على أن يسير في طريق لا يوصله للكوفة ولا يردّه للمدينة ، بل ينتهي به إلى حيث انتهى ، وقد تحقّق له (عليه السّلام) ما أقدم عليه .
اتفاقه (عليه السّلام) مع الحرّ في الطريقه
ولمّا التقى (صلوات الله عليه) بالحرّ بن يزيد الرياحي ـ الذي بعثه ابن
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 302 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الإرشاد 2 / 76 ـ 77 ، وقد رواه مختصراً ابن الأثير في الكامل في التاريخ 4 / 46 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) .
(2) تاريخ الطبري 4 / 303 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 47 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 32 _
زياد في ألف رجل ليأتوه بالحسين إلى الكوفة ـ كان (عليه السّلام) في أبعد موضع عن نفوذ ابن زياد ، وأصعب مكان لتجمّع الجيش ضدّه ، حيث لا ماء ولا زرع ، ولا قِرى ولا مأوى .
لكنّه (عليه السّلام) بعد أن منعه الحرّ من الرجوع اتّفق مع الحرّ ـ كما سبق ـ على أن يسلك طريقاً لا يوصله للكوفة ولا يرجع به للمدينة ، واستمر في السير في منطقة نفوذ ابن زياد ، وتوغّل فيه .
مع أنّه (صلوات الله عليه) إن كان آيساً من نصرة أهل الكوفة له كان الأصلح له عسكرياً أن يقف حيث انتهى ، أو يقتصر في السير على أوّل موضع يجد فيه الماء .
وإن كان يأمل نصرتهم ، ويحاول الحصول عليه ، كان الأصلح له أن يسير مع الحرّ إلى مشارف الكوفة ، ثمّ يمتنع من الاستسلام لابن زياد ويستنصر الناس ، حيث يسهل على مَنْ يريد نصره من الكوفيين أن يصل إليه ويلتحق به .
بينما يتعذّر ذلك على الكثير منهم إذا بعد عن الكوفة ، لأنّ عبيد الله بن زياد يستطيع حينئذ محاصرة الكوفة وضبط أطرافها ، بحيث يتعذّر على مَنْ يعرف بالتشيّع الوصول للإمام الحسين (عليه السّلام) .
وفعلاً قام ابن زياد بذلك ، قال ابن سعد : وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسلّلون إلى حسين من الكوفة ، فبلغ ذلك عبيد الله فخرج فعسكر بالنخيلة ، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث ، وأخذ الناس بالخروج إلى النخيلة ، وضبط الجسر فلم يترك أحداً يجوزه (1) .
---------------------------
(1) ترجمة الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 69 ـ 70 ح 290 ، واللفظ له ، سير أعلام النبلاء 3 / 300 في ترجمة الحسين الشهيد ، أنساب الأشراف 3 / 388 خروج الحسين بن علي من مكة إلى الكوفة ، وغيرها من المصادر .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 33 _
امتناعه (عليه السّلام) من الذهاب لجبل طيء
كما إنّه (صلوات الله عليه) في الطريق بعد لقائه مع الحرّ التقى بالطرماح بن عدي الطائي ، فذكر له الطرماح أنّه رأى الناس قد جُمعوا من أجل أن يُسرَّحوا لقتاله ، وقال له : فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ، ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى (أج) ، امتنعنا والله به من ملوك غسّان وحمير ، ومن النعمان بن المنذر ، ومن الأسود والأحمر ، والله ، إن دخل علينا ذلّ قطّ ، فأسير معك حتى أُنزلك القرية ، ثمّ نبعث إلى الرجال ممّن بأجأ وسلمى من طيء ، فوالله ، لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيء رجالاً وركبان ، ثمّ أقم فينا ما بدا لك ، فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم ، والله ، لا يوصَل إليك أبداً ومنهم عين تطرف .
فجزاه الإمام الحسين (عليه السّلام) وقومه خيراً ، وقال : (( إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا ندري علامَ تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة )) (1) .
وأخيراً كانت نتيجة اتّفاقه (عليه السّلام) مع الحرّ أن وصل إلى مكان بعيد عن الكوفة قريب من نهر الفرات ، حيث الماء والزرع والقرى ، وحيث يسهل تجمّع الجيوش لقتاله ، ويصعب أو يتعذّر على مَنْ يريد نصره الوصول إليه .
ثمّ لمّا وصل كتاب ابن زياد للحرّ يأمره أن يجعجع بالحسين (عليه السّلام) وأصحابه ،
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 307 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 50 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 188 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، ومثله مختصراً في أنساب الأشراف 3 / 383 خروج الحسين بن علي من مكة إلى الكوفة ، وغيرها من المصادر .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 34 _
وينزلهم على غير ماء ولا في قرية ، قالوا له : دعنا ننزل نينوى أو الغاضريات أو شفية ، فمنعهم ؛ معتذراً بأنّ رسول ابن زياد عين عليه .
فقال زهير بن القين (رضي الله عنه) للإمام الحسين (صلوات الله عليه) : يابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال مَنْ يأتينا من بعدهم . فلعمري ، ليأتينا من بعد مَنْ ترى ما لا قِبَل لنا به .
فقال (عليه السّلام) : (( ما كنت لأبدأهم بالقتال )) (1) .
مع إنّه (صلوات الله عليه) لو أصرّ على النزول في إحدى القرى الحصينة ، فإن تركوه فذاك ، وإن قاتلوه كانوا هم البادئين بالقتال لا هو (عليه السّلام) ، لكنّه استجاب لهم ولم يُمانع .
تصريحه (عليه السّلام) حين وصوله كربلاء بما عُهد إليه
حتى إذا نزل في الموضع الذي قُتل فيه قال : (( ههنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومسفك دمائنا )) (2) .
وزاد ابن طاووس : (( بهذا حدّثني جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله )) (3) .
وقال سبط ابن الجوزي : فلمّا قيل للحسين : هذه أرض كربلاء ، شمّها ،
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 309 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 52 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 90 ذكر الحرّ بن يزيد الرياحي لمّا بعثه عبيد الله بن زياد لحربه الحسين بن علي (ع) ، الأخبار الطوال / 252 خروج الحسين إلى الكوفة ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 451 ، وغيرها من المصادر .
(2) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 237 الفصل الحادي عشر في خروج الحسين من مكة إلى العراق ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 94 ذكر نزول الحسين (ع) بكربلاء ، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول / 400 ، الفصول المهمّة 2 / 816 الفصل الثالث في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، فصل في ذكر مصرعه ومدّة عمره وإمامته (عليه السّلام) ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 247 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 49 وصول الحسين إلى كربلاء ، وغيرها من المصادر .
(3) اللهوف في قتلى الطفوف / 49 وصول الحسين إلى كربلاء .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 35 _
وقال : (( هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله ، وأنّني أُقتل فيها )) (1) .
وقال الدينوري : قال الحسين : (( وما اسم هذا المكان ؟ )) .
قالوا له : كربلاء .
قال : (( ذات كرب وبلاء ، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين وأنا معه ، فوقف فسأل عنه ، فأُخبرنا باسمه ، فقال : ههنا محطّ ركابهم ، وههنا مهراق دمائهم ، فسُئل عن ذلك ، فقال : ثقل لآل بيت محمد ينزلون ههنا )) (2) .
وروى جابر بسند معتبر عن الإمام الباقر (عليه السّلام) قال : (( قال الحسين (عليه السّلام) لأصحابه قبل أن يُقتل : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لي : يا بُني ، إنّك ستُساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين ، وهي أرض تُدعى عمّور ، وإنّك تستشهد به ، ويستشهد جماعة من أصحابك ... )) (3) ... إلى غير ذلك .
تنبيهه (عليه السّلام) لظلامته وتمسّكه بموقفه
وبعد أن انتهى (صلوات الله عليه) إلى حيث يريد حاول أن يلفت النظر لظلامته ؛ ليستثير العواطف ، وأن يؤكّد على تمسّكه بموقفه وشرف هدفه ، إقامة للحجّة .
فقد جمع (عليه السّلام) ولده وإخوته وأهل بيته ، ونظر إليهم وبكى ، وقال : (( اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمد صلواتك عليه قد أُخرجنا وأُزعجنا وطُردنا عن حرم جدنا ، وتعدّت بنو أُميّة علينا ، اللّهمّ فخذ لنا بحقنا ، وانصرنا على القوم الظالمين )) (4) .
---------------------------
(1) تذكرة الخواص / 250 الباب التاسع في ذكر الحسين (عليه السّلام) ، ذكر مقتله (عليه السّلام) .
(2) الأخبار الطوال / 253 خروج الحسين إلى الكوفة ، واللفظ له ، تاريخ الخميس 2 / 297 ـ 298 الفصل الثاني في ذكر الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أُميّة والعباسيين ، ذكر مقتل الحسين بن علي وأين قُتل ومَنْ قتله ، حياة الحيوان 1 / 111 في كلامه عن (الأوز) .
(3) الخراج والجرائح 2 / 848 ، واللفظ له ، بحار الأنوار 53 / 61 ـ 62 .
(4) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 236 ـ 237 الفصل الحادي عشر في خروج الحسين من مكة إلى العراق ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 93 ذكر كتاب الحسين (ع) إلى أهل الكوفة ، بحار الأنوار 44 / 383 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 36 _
ثمّ أقبل على أصحابه فقال : (( الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون )) (1) .
ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي وآله وقال : (( إنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، واستمرت حذاء ، ولم تبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً )) (2) .
فإنّ ملاحظة هذه الأمور بموضوعية وإنصاف تشهد بتصميمه (صلوات الله عليه) على أن يصل إلى موضع مصرعه الذي وعِد به ، وعدم تشبّثه بأسباب السلامة ، فضلاً عن أن يسعى للانتصار العسكري ، وإنّه (عليه السّلام) مصمّم على الإصحار بعدم شرعية السلطة ومباينته لها ، وبعسفها وظلمها ، واستعداده للتضحية في سبيل ذلك من أجل شرف الهدف .
الظروف التي أحاطت بالنهضة لا تناسب انتصاره عسكري
الثاني : إنّ الظروف التي أحاطت بنهضته المباركة ، وخروجه من مكة إلى
---------------------------
(1) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 236 ـ 237 الفصل الحادي عشر في خروج الحسين من مكة إلى العراق ، واللفظ له ، تحف العقول / 245 ، بحار الأنوار 44 / 383 .
(2) اللهوف في قتلى الطفوف / 48 خروج الحسين من مكة إلى العراق ، واللفظ له ، مجمع الزوائد 9 / 192 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 114 ـ 115 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ، تاريخ دمشق 14 / 217 ـ 218 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 310 في ترجمة الحسين الشهيد ، تاريخ الإسلام 5 / 12 مقتل الحسين ، تاريخ الطبري 4 / 304 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، وغيرها من المصادر ، وقد اختلفت المصادر في الوقت الذي خطب (عليه السّلام) به هذه الخطبة .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 37 _
العراق ، كانت لا تُناسب انتصاره عسكري ، ولا أقل من أنّها كانت تقتضي مزيداً من الاحتياط والتأنّي ، ولو من أجل العائلة المخدّرة ، كما يشهد بذلك إجماع آراء مَنْ نصحه ، فإنّهم ذكروا لتوجيه آرائهم أموراً لا تخفى على كثير من الناس ، فضلاً عنه (صلوات الله عليه) .
فإقدامه على تلك النهضة ، وما استتبعته من تضحيات جسام ومآسٍ قاسية ، لا بدّ أن يكون لهدف آخر غير الانتصار العسكري .
ويبدو مدى وضوح الخطر عليه في خروجه للعراق ، وقوّة تصميمه (عليه السّلام) عليه مع ذلك ، من محاورة ابن عباس معه وهو الذي سبق منه أنّه قال : ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين بن علي يُقتل بالطفّ (1) .
حيث قال ابن عباس للإمام الحسين (عليه السّلام) : إنّك قد أرجفت الناس أنّك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت صانع .
فقال (صلوات الله عليه) : (( قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى )) .
فحذّره ابن عباس ، وأبدى وجه تخوّفه عليه من مسيره في حديث طويل ، فقال الإمام الحسين (عليه السّلام) له : (( وإنّي أستخير الله ، وأنظر ما يكون )) .
فلمّا كان من العشي أو من الغد أتاه ابن عباس فقال : يابن عم ، إنّي أتصبّر ولا أصبر ، إنّي أتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، إنّ أهل العراق قوم غدر فلا تقربنّهم ، أقم بهذا البلد ، فإنّك سيّد أهل الحجاز ، فإن كان أهل العراق يريدونك ـ كما زعموا ـ فاكتب إليهم فلينفوا عدوّهم ، ثمّ أقدم عليهم ، فإن أبيت إلاّ أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإنّ بها حصوناً وشعاباً ، وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس ،
---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 17 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 38 _
وترسل وتبّث دعاتك ، فإنّي أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية .
فقال له الإمام الحسين (صلوات الله عليه) : (( يابن عم ، إنّي لأعلم أنّك ناصح مشفق ، ولكنّي قد أزمعت وأجمعت على المسير )) .
فقال له ابن عباس : فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فوالله إنّي لخائف أن تُقتل كما قُتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه .
ثمّ قال : لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إيّاه والحجاز والخروج منه ، وهو يوم [اليوم . ظ] لا ينظر إليه أحد معك ، والله الذي لا إله إلاّ هو ، لو أعلم أنّك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليّ وعليك الناس أطعتني لفعلت ذلك (1) .
وإنّما كان (صلوات الله عليه) يبرّر خروجه بدعوة أهل الكوفة له ، وكثرة كتبهم إليه ـ بنحو قد يوحي بأنّ هدفه الانتصار العسكري ـ ، لأنّ عامّة الناس ، وكثير من خاصّتهم لا يستوعبون أنّ هدفه (عليه السّلام) من الخروج هو الإصحار والإعلان عن عدم شرعية السلطة في موقف يحرجها ويستثيرها ، وإن ترتب على ذلك التضحية بنفسه الشريفة وبمَنْ معه ، وانتهاك حرمتهم وحرمة عائلته الكريمة ، ليتجلّى مدى ظُلامة دين الإسلام العظيم بظُلامة رعاته ورموزه المقدّسة ، وباستيلاء أولئك المجرمين على السلطة فيه ، وحكمهم باسمه .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 287 ـ 288 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 38 ـ 39 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين إلى الكوفة ، البداية والنهاية 8 / 173 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، الأخبار الطوال / 244 خروج الحسين بن علي بن أبي طالب إلى الكوفة ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 72 ـ 73 ابتداء أخبار الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، وغيرها من المصادر .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 39 _
ظهور الإحراج عليه (عليه السّلام) مع ناصحيه
ولذا كان (عليه السّلام) يبدو عليه الإحراج مع كثير من ناصحيه من أهل الرأي والمعرفة الذين يعتمدون المنطق في موازنة القوى .
وأقوى ما كان يعتذر به ممّا يصلح لأن يقنع الناس أنّه (عليه السّلام) خرج من مكة خشية أن تُهتك به حرمتها وحرمة الحرم (1) .
وفي حديث له (عليه السّلام) مع جماعة فيهم عبد الله بن الزبير : (( والله ، لئن أُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أن أُقتل فيها ، ولئن أُقتل خارجاً منها بشبرين أحبّ إليّ من أن أُقتل خارجاً منها بشبر ، وأيم الله ، لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم ، والله ، ليعتدنَ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت )) (2) .
وفيما عدا ذلك كان (صلوات الله عليه) تارة : يكتفي ببيان تصميمه على الخروج ويتجاهل حسابات الناصحين ، أو يعدهم النظر في الأمر ، أو أنّه سوف يستخير الله تعالى في ذلك ، أو يشكر لهم نصحهم ، تطييباً لخواطرهم ، من دون أن يتعرّض لمناقشة حساباتهم ، ثمّ لا يتراجع عن تصميمه ، نظير ما تقدّم منه مع ابن عباس وغير ذلك ممّا كان منه (عليه السّلام) معه ومع غيره (3) .
---------------------------
(1) المعجم الكبير 3 / 119 ـ 120 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ح 2859 ، مجمع الزوائد 9 / 192 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، تاريخ دمشق 14 / 200 ـ 203 ، 211 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 292 في ترجمة الحسين الشهيد ، تاريخ الإسلام 5 / 106 في ترجمة الحسين بن علي (ع) ، البداية والنهاية 8 / 174 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 38 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين إلى الكوفة ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 289 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره .
(3) تاريخ دمشق 14 / 201 ـ 205 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الطبري 4 / 287 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، البداية والنهاية 8 / 176 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، ترجمة الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 57 ـ 59 ح 283 ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 216 ـ 217 الفصل العاشر ، الأخبار الطوال / 243 خروج الحسين بن علي بن أبي طالب إلى الكوفة ، ينابيع المودّة 3 / 60 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 40 _
وأُخرى : يعترف بصواب رأيهم ، إلاّ إنّه لا بدّ من تجاوزه ، فقد قال لأحد بني عكرمة : (( يا عبد الله ، إنّه ليس يخفى عليّ ، الرأي ما رأيت ، ولكنّ الله لا يُغلب على أمره )) (1) .
اعتذاره (عليه السّلام) برؤياه للنبي (صلّى الله عليه وآله) وأنّه ماضٍ لما أمره
وثالثة : يقطع الطريق عليهم ، معتذراً بأنّه (عليه السّلام) رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام فأمره بأمر هو ماضٍ له .
قال ابن الأثير : فنهاه جماعة ، منهم : أخوه محمد بن الحنفية وابن عمر وابن عباس وغيرهم ، فقال : (( رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام وأمرني بأمر فأنا فاعل ما أمر )) (2) .
ولمّا سُئل عن الرؤيا قال : (( ما حدّثت بها أحد ، وما أنا محدّث بها أحداً حتى ألقى ربّي )) ، كما روي ذلك في حديثه مع عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد بن العاص حينما أدركاه في الطريق بعد خروجه من مكّة المكرّمة (3) .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 301 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 43 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين إلى الكوفة ، الإرشاد 2 / 76 ، وغيرها من المصادر .
(2) أُسد الغابة 2 / 21 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، مضافاً إلى المصادر الآتية .
(3) الكامل في التاريخ 4 / 41 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين إلى الكوفة ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 292 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، تاريخ دمشق 14 / 209 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وتهذيب الكمال 6 / 418 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وتاريخ الإسلام 5 / 9 حوادث سنة واحد وستين ، مقتل الحسين ، وغيرها من المصادر .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 41 _
إخباره (عليه السّلام) لأخيه بما أمره به النبي (صلّى الله عليه وآله) في الرؤياه
نعم ، روى ابن طاووس أنّه (عليه السّلام) حدّث أخاه محمد بن الحنفية عند السحر ، وهو يريد الخروج إلى العراق بأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) له .
قال (قدّس سرّه) : ورويت من أصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الثقة ـ وعلى الأصل أنّه كان لمحمد بن داود القمّي ـ بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : (( سار محمد بن الحنفية إلى الحسين في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكّة ، فقال له : يا أخي ، إنّ أهل الكوفة مَنْ قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال مَنْ مضى ، فإن رأيت أن تُقيم ، فإنّك أعزّ من في الحرم وأمنعه .
فقال : يا أخي ، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم ، فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت .
فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن ، أو بعض نواحي البر ، فإنّك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد ، فقال : أنظر فيما قلت .
فلمّا كان السحر ارتحل الحسينُ (عليه السّلام) فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها ، فقال له : يا أخي ، ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ، قال : فما حداك على الخروج عاجلاً ؟
فقال : أتاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعدما فارقتك ، فقال : يا حسين ، أخرج ، فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً .
فقال ابن الحنفية : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟
فقال له : قد قال لي : إنّ الله قد شاء أن يراهنَّ سبايا ، وسلّم عليه ومضى )) (1) .
---------------------------
(1) اللهوف في قتلى الطفوف / 39 ـ 40 خروج الحسين من مكة إلى العراق .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 42 _
بعض شواهد إصراره (عليه السّلام) على الخروج للعراق مع علمه بمصيره
وعن ابن عباس قال : لقيت الحسين وهو يخرج إلى العراق ، فقلت له : يابن رسول الله لا تخرج .
فقال لي : (( يابن عباس ، أما علمت أنّ منيتي من هناك ، وأنّ مصارع أصحابي هناك ؟ )) .
فقلت له : فأنّى لك ذلك ؟
قال : (( بسرٍّ سُرَّ لي ، وعلمٍ أُعطيته )) (1) .
وقال ابن عساكر : وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تُعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنّه إنّما يُساق إلى مصرعه ، وتقول : أشهد لحدّثتني عائشة أنّها سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( يُقتل حسين بأرض بابل )) .
فلمّا قرأ كتابها قال : (( فلا بدّ لي إذاً من مصرعي )) ، ومضى (2) .
وقريب من ذلك جوابه لأُمّ سلمة (رضي الله عنهم) لمّا أخبرته بحديث النبي (صلّى الله عليه وآله) عن قتله (عليه السّلام) (3) .
ومرجع ذلك إلى قطع الطريق عليهم ، وإلزامهما بما يعلمان به من الوعد الإلهي ، مع التصميم على المضي فيه .
رواية الفريقين للمضامين السابقة شاهد بصحته
ولو اختصّ الشيعة برواية ذلك لأمكن للمدّعي أن يتجاهل كثرة النصوص المذكورة ومؤيّداته ، ويتّهمهم باختلاق تلك النصوص من أجل
---------------------------
(1) دلائل الإمامة / 181 ـ 182 في ترجمة الحسين (عليه السّلام) ، ذكر معجزاته (عليه السّلام) ، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 4 / 54 الباب الخامس عشر ، معجزات أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) الفصل السابع عشر .
(2) تاريخ دمشق 14 / 209 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 6 / 418 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 296 ـ 297 في ترجمة الحسين الشهيد ، تاريخ الإسلام 5 / 9 حوادث سنة واحد وستين ، مقتل الحسين ، ترجمة الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 58 ح 283 ، وغيرها من المصادر .
(3) إثبات الوصية / 175 قصة كربلاء ، الهداية الكبرى / 203 ، الثاقب في المناقب / 330 ، مدينة المعاجز 3 / 489 ـ 490 ، وغيرها من المصادر .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 43 _
الدفاع عن شرعية هذه النهضة ، وتأكيد شرف أهدافه .
لكنّ الجمهور قد شاركوهم في رواية كثير من ذلك ، مع إنّه لا يتناسب مع نظرتهم للحدث ، وعرضهم له بما يوحي بأنّ التخطيط للنهضة بشري ، فإنّ رواية الجمهور لتلك النصوص مع مخالفتها لوجهة نظرهم في عرض الواقعة يشهد بشيوعه ، بحيث فرضت نفسها عليهم ، ولم يستطيعوا تجاهله .
رواية الفريقين إخبار الأنبياء السابقين بالفاجعة
بل ، قد روى الشيعة (1) وكثير من الجمهور (2) ما يوحي بأنّ هذا الحدث
---------------------------
(1) منها ما روي عن آدم (عليه السّلام) (بحار الأنوار 44 / 242 ـ 243 ، 245) ، وإبراهيم (عليه السّلام) (كامل الزيارات / 142 ـ 143 ، خصال الصدوق / 58 ـ 59 ح 79 ، وإسماعيل (عليه السّلام) (بحار الأنوار 44 / 243 ـ 244) ، ونوح (عليه السّلام) (الأمان من أخطار الأسفار / 118 ـ 119 الفصل الرابع) ، وزكريا (عليه السّلام) (كمال الدين وتمام النعمة / 461 الباب الثالث والأربعون ، دلائل الإمامة / 513 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 237 ـ وغيرها من المصادر) ، وموسى (عليه السّلام) (بحار الأنوار 44 / 244) ، وسليمان (عليه السّلام) (بحار الأنوار 44 / 244) ، وعيسى (عليه السّلام) (الأمالي ـ للصدوق / 695 ، بحار الأنوار 44 / 244) ، وغيرهم من الأنبياء (كامل الزيارات / 137 ـ 139) .
(2) راجع المعجم الكبير 3 / 111 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ح 2827 ، وتاريخ دمشق 14 / 199 ـ 200 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وسير أعلام النبلاء 3 / 291 في ترجمة الحسين الشهيد ، وتاريخ الطبري 4 / 296 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، والفتوح ـ لابن أعثم 4 / 330 ـ 331 ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل ... ، ومقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 165 الفصل الثامن ، وحياة الحيوان 1 / 110 عند كلامه عن الأوز ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
ومن أمثلة ذلك ما رواه ابن عساكر بأسانيد متعدّدة إلى يحيى بن يمان قال : أخبرني إمام مسجد بني سليم قال: غزا أشياخ لنا الروم ، فوجدوا في كنيسة من كنائسهم :
كيف ترجو أمة قتلت حسيناً شــفــاعـة جـــــدّه يــــوم الــحـسـاب |
فقالوا : منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة ؟ قالوا : قبل أن يخرج نبيّكم بستمئة ، تاريخ دمشق 14 / 242 ـ 244 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ونقله عنه في البداية والنهاية 8 / 218 في أحداث سنة إحدى وستين ، فصل بلا عنوان بعد ذكر صفة مقتله ، ورواه بسند آخر الطبراني في المعجم الكبير 3 / 124 في مسند الحسين بن علي في ذكر مولده وصفته ح 2874 ، ونقله عنه في مجمع الزوائد 9 / 199 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، ورواه أيضاً المزي بسند آخر في تهذيب الكمال 6 / 442 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب .
وكذا ما رواه ابن عساكر أيضاً بسندين عن الأصمعي قال : مررت بالشام على باب دير ، وإذا على حجر منقور كتابة بالعبرانية ، فقرأته ، فأخرج راهب رأسه من الدير ، وقال لي : يا حنيفي أتحسن تقرأ العبرانية ؟ قلت : نعم .
قال لي : اقرأ ، فقلت :
أيرجو معشر قتلوا حسيناً شـفاعة جدّه يوم الحساب |
فقال لي الراهب : يا حنيفي ، هذا مكتوب على هذا الحجر قبل أن بُعث صاحبك يعني النبي (صلّى الله عليه وآله) بثلاثين عاماً ، تاريخ دمشق 37 / 57 ـ 58 في ترجمة عبد الملك بن قريب بن عبد الملك .
وكذا ما رواه السمهودي عن محمد بن سيرين أنّه قال : وجد حجر قبل مبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثلاثمئة سنة عليه مكتوب بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :
أترجوا أمة قتلت حسيناً شفاعة جدّه يوم القيامه |
جواهر العقدين ق 2 ج 2 / 387 الذكر الرابع عشر ، وروى مثله في ينابيع المودّة 3 / 46 ، ونظم درر السمطين / 219 ، وغيرها من المصادر .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 44 _
العظيم قد تحدّث عنه الأنبياء السابقون (على نبينا وآله وعليهم أفضل الصلاة والسّلام) في غابر العصور ، وعُرف قبل بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله) بزمان طويل .
وهو المناسب لما ورد من أنّ أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة (رضي الله عنها) (1) وغير واحد في أماكن مختلفة (2) سمعوا بعد قتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) هاتفاً يهتف ويقول :
---------------------------
(1) تاريخ دمشق 14 / 240 في ترجمة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ، البداية والنهاية 8 / 219 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة فصل من دون ترجمة ، نظم درر السمطين / 217 ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 95 الفصل الثاني عشر ، وقد اقتصر على البيت الأوّل والثالث .
(2) تاريخ الطبري 4 / 358 أحداث سنة إحدى وستين ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 156 بعد ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثه إليه برأس الحسين بن علي (ع) ، كتاب الهواتف / 87 باب هواتف الجن ، الكامل في التاريخ 4 / 90 أحداث سنة إحدى وستين ذكر مقتل الحسين (ع) ، وقد اختلفت المصادر في بعض ألفاظ الأبيات وقد أثبتناها بلفظ الكامل في التاريخ .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 45 _
أيّها القاتلون جهلاً حسين أبــشـروا بـالـعـذابِ والـتـنكيلِ كلّ أهلِ السماءِ يدعو عليكم مــــــــــــن نــــــبــــــي ومــــــلَـــــكٍ وقــــبــــيـــلِ قد لُعنتم على لسانِ ابن داود ومـــوســى وصـــاحــبِ الإنــجــيـلِ |
حيث يكشف ذلك عن أهميته عند الله تعالى في الدعوة إليه حتى أطلع عليه أنبياءه ، كما أطلعهم على رسالة النبي (صلّى الله عليه وآله) الخاتمة للرسالات ، والتي تتضمّن دين الإسلام الخاتم للأديان والذي يكون هذا الحدث من الأحداث المهمّة المتعلّقة به .
وذلك يرجع إلى أنّ سيّد الشهداء الإمام الحسين (صلوات الله عليه) قد أُعِد لمهمّة إلهية تتناسب مع هذا الإعلام الإلهي المكثّف ، ومع حجم التضحية التي يقدم عليها .
وهو المناسب لأهمية دين الإسلام العظيم في الدعوة إلى الله تعالى ، لكونه خاتم الأديان وأكمله ، وبه بقاء الدعوة لله (عزّ وجلّ) ، وخلودها في الأرض ، حيث تكتسب الأحداث المؤثّرة فيه أهمية تتناسب مع أهميته .
ولاسيما إنّ هذا الحدث لم يكن نصراً لدين الإسلام فحسب ، بل هو انتصار للأديان السماوية بأجمعها على ما يأتي التنبيه له في الفصل الأوّل من الخاتمة إن شاء الله تعالى .
كتابه (عليه السّلام) إلى بني هاشم بالفتح الذي يحقّقه
ولعلّه إلى هذا يشير كتابه (صلوات الله عليه) الذي كتبه من مكّة المكرّمة ـ وهو يعدّ العدّة لنهضته ـ إلى بني هاشم في المدينة المنوّرة : (( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومَنْ قِبَله من بني هاشم ، أمّا بعد ،
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 46 _
فإنّ مَنْ لحق بي استشهد ، ومَنْ لم يلحق بي لم يدرك الفتح ، والسّلام )) (1) .
حيث لا يبعد أن يكون مراده (عليه السّلام) في كتابه هذا أنّ في نهضته التي تنتهي به وبمَنْ معه للقتل والشهادة فتحاً للدين ، وللدعوة إلى الله تعالى يتناسب مع حجم التضحية التي تحصل فيها .
إخبار الإمام السجّاد (عليه السّلام) بأنّ أباه (عليه السّلام) هو الغالب
وهو المناسب لما عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) في جوابه لإبراهيم بن طلحة حينما سأله بعد رجوعه بالعائلة الثاكلة للمدينة كأنّه شامت : يا علي بن الحسين مَنْ غلب ؟
حيث قال له (عليه السّلام) : (( إذا أردت أن تعلم مَنْ غلب ودخل وقت الصلاة فأذن ثمّ أقم )) (2) .
فإنّه كالصريح في أنّ تلك الفاجعة الفظيعة هي السبب في الحفاظ على الصلاة التي هي عمود الدين ، وأظهر شعائره ، كما يكشف عن شدّة الخطر الذي يتعرّض له الدين لو لم يقف في وجهه الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بنهضته المباركة التي خُتمت بهذه الفاجعة .
خلود الفاجعة يناسب أهميتها
وذلك يتناسب مع خلود هذه الملحمة الشريفة والفاجعة العظمى ، وما قدّره الله (عزّ وجلّ) لها من أسباب الظهور والانتشار ، رغم المعوّقات الكثيرة ، والجهود المكثّفة من قبل الظالمين ، والجاهلين أو المتجاهلين لثمراتها وبركاتها ،
---------------------------
(1) كامل الزيارات / 157 ، واللفظ له ، دلائل الإمامة / 188 ، الخرائج والجرائح 2 / 771 ـ 772 ، بصائر الدرجات / 502 ، وغيرها من المصادر .
(2) الأمالي ـ للطوسي / 677 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 47 _
من أجل خنقها والقضاء عليها ، أو تحجيمها والتخفيف من غلوائها ، ومن تفاعل الناس بها وانشدادهم نحوها .
فإنّ ذلك بمجموعه يؤيّد عظمة هذه الملحمة الإلهية ، وأهمية الثمرات المترتبة عليها لصالح الدعوة إلى الله تعالى ، وحفظ دينه العظيم الذي هو خاتم الأديان ، والذي لا بدّ أن يكون واجداً لمقوّمات البقاء والخلود ، والظهور والانتشار ، لتسمع دعوته ، وتتم حجّته على الناس ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (1) .
كما إنّه نتيجة لما سبق يحسن التنبيه لأمرين :
لا موجب لإطالة الكلام في تفاصيل النهضة الشريفة
أحدهما : إنّه لا ينبغي إطالة الكلام في تقييم بعض خصوصيات النهضة الشريفة ، مثل توقيتها ، حيث خرج (صلوات الله عليه) من مكّة المكرّمة قبل الحجّ ، ومثل حمل العائلة الكريمة ، واختيار العراق دون غيره من المناطق التي يشيع فيها الولاء لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وغير ذلك .
إذ بعد أن ظهر أنّ النهضة كانت بعهد من الله سبحانه وتعالى ، فلا بدّ أن تكون تفاصيلها وخصوصياتها ذات الأثر فيها بعهد منه (عزّ وجلّ) ، لمصالح هو أعلم بها ، وربما بيّنها النبي (صلّى الله عليه وآله) ووصلت للإمام الحسين (عليه السّلام) من طريقه ، ولاسيما بعد البناء على عصمة الإمام (صلوات الله عليه) .
وقد كتب غير واحد في توجيه كثير من خصوصياتها ما لا يسعنا إطالة الكلام فيه بعد ما ذكرنا ، على أنّه قد يظهر من حديثنا هذا ـ تبعاً ـ بعض الفوائد المترتّبة على بعض تلك الأمور .
---------------------------
(1) سورة الأنفال / 42 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 48 _
عظمة الإمام الحسين (عليه السّلام) وروح التضحية التي يحمله
ثانيهما : إنّه ممّا تقدّم تتجلّى عظمة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وروح التضحية في سبيل الله تعالى التي يتحلّى بها ، وقوّة العزيمة والتصميم اللذين يحملهما بين جنبيه .
فإنّ الغالب أنّ الذين يضحّون إمّا أن يتشبثوا بأمل السلامة ونجاح المشروع الذي يخطّطون له ، فيشرعون في تنفيذه ويدخلون في المعركة حتى إذا أخطأوا وفشل مشروعهم عسكرياً منعهم دينهم ، أو أبت لهم كرامتهم وحميّتهم التراجع والاستسلام من أجل السلامة ، فيثبتون حتى النهاية .
وإمّا أن يُفاجَأوا بالمعركة من دون تخطيط سابق لها ، وتنسد أمامهم طرق النجاح ، فيمنعهم دينهم أو حميتهم أيضاً من الاستسلام طلباً للسلامة ويثبتوا حتى النهاية .
أمّا أن يدخل الإنسان في مشروع طويل الأمد يعلم مسبقاً بأنّه ينتهي بمثل هذه التضحيات الجسام والفجائع الفادحة ، ويخطّط لتنفيذه بصلابة وعزم ، فهو أمر يحتاج إلى قابلية استثنائية .
والناظر في تفاصيل واقعة الطفّ ـ بموضوعية وإنصاف ـ يرى أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) منذ امتنع من بيعة يزيد في أواخر شهر رجب ، وتحرّك ركبه من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة ، صمّم على المضي في مشروعه وتحقيق هدفه عالماً أنّ ذلك ينتهي بقتله وقتل أهل بيته نجوم الأرض من آل عبد المطلب ـ كما تقول العقيلة زينب (عليها السّلام) في خطبتها الجليلة (1) ـ مع الصفوة من أصحابه ، مع ما يترتّب على ذلك من نهب رحله ، وانتهاك حرمته ، وسبي عياله ،
---------------------------
(1) راجع ملحق رقم (4) .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 49 _
والتشهير به وبهم ، وتركهم غنيمة بأيدي تلك الوحوش الكاسرة ، والنفوس المغرقة في الجريمة والرذيلة .
ولم يمنعه شيء من ذلك عن التصميم والتخطيط والإصرار والاستمرار حتى النهاية التي حصلت بعد ما يقرب من ستة أشهر .
تحلّي الإمام الحسين (عليه السّلام) بالعاطفة
ولاسيما أنّه (صلوات الله عليه) لم تجفّ عاطفته في هذه المدّة الطويلة ، ولم يتجرّد عنها ويدعها جانباً ، كما قد يحصل لكثير من ذوي التصميم والإصرار على الدخول في الصراعات المضنية ومقارعة الأهوال ، بل كان (عليه السّلام) ـ كسائر أهل بيته ـ متكامل الإنسانية .
فهو أشدّ الناس عاطفة ، وأرقّهم قلباً ، يتفاعل مع الآلام والمصائب التي ترد عليه ، وتستثيره المناسبات الشجيّة حسرة وعبرة ، كما يظهر بمراجعة تفاصيل الواقعة تاريخياً ، وتقدم منّا التعرّض لبعض مفردات ذلك ، وربما يأتي شيء منه في أثناء حديثنا هذا .
وذلك يزيد في معاناته (عليه السّلام) في هذه المدّة الطويلة ، خصوصاً في تخطّي مفاصلها المثيرة للعاطفة ، والباعثة على الحسرة ، كما انتبهت لذلك أُخته العقيلة زينب الكبرى (عليها السّلام) حينما أنشد (صلوات الله عليه) ليلة العاشر من المحرّم :
يـا دهـرُ أفٍّ لـكَ من خليل كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ
من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل والـــــدهــــرُ لا يـــقـــنـــعُ بـــالــبــديــلِ
وإنّما الأمرُ إلى الجليل وكـلّ حـيّ سـالكٌ سبيلي |
حيث لم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتى انتهت إليه ، فقالت : وا ثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة وعلي أبي وحسن أخي ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .
فنظر (عليه السّلام) إليها ، وقال : (( يا أُخيه ،
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 50 _
لا يذهبنَّ حلمك الشيطان )) .
قالت : بأبي أنت وأُمّي يا أبا عبد الله ! استقتلت نفسي فداك !
فردّ (عليه السّلام) غصّته وترقرقت عيناه ، وقال : (( لو تُرك القطا ليلاً لنام )) .
فقالت (عليها السّلام) : يا ويلتي ! أفتُغصب نفسك اغتصاباً ؟! فذلك أقرح لقلبي ، وأشدّ على نفسي (1) .
ولكن عاطفته (صلوات الله عليه) مهما بلغت لم تمنعه من المضي في طريقه ، ومن تصميمه على الوصول للنهاية المفجعة ، كلّ ذلك لفنائه (عليه السّلام) في ذات الله تعالى ، ولأنّ هدفه الأسمى رضاه (جلّ شأنه) ، كما أفصح عن ذلك في أحاديثه المتفرّقة ، خصوصاً خطبته الجليلة حينما أراد الخروج من مكّة ، التي سبق التعرّض لها آنفاً (2) .
ومن أقواله المرويّة عنه (عليه السّلام) : (( هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله )) (3) ، و : (( عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي )) (4) ... إلى غير ذلك .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 319 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 59 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، أنساب الأشراف 3 / 393 خروج الحسين بن علي من مكة إلى الكوفة ، مقاتل الطالبيين / 75 مقتل الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، نهاية الأرب في فنون الأدب 20 / 272 ـ 274 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين بن علي (ع) وخبر مَنْ نهاه عن المسير ، إعلام الورى بأعلام الهدى / 457 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 50 وصول الحسين إلى كربلاء ، وقريب منه في البداية والنهاية 8 / 192 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، وتاريخ اليعقوبي 2 / 244 مقتل الحسين بن علي ، والمنتظم 5 / 338 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، وغيرها من المصادر .
(2) تقدّمت مصادرها في / 50 .
(3) اللهوف في قتلى الطفوف / 69 شهادة أهل بيته (عليهم السّلام) .
(4) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 19 ، بحار الأنوار 45 / 27 ، ووردت هكذا : (( أحتسب نفسي وحماة أصحابي )) في تاريخ الطبري 4 / 336 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، والكامل في التاريخ 4 / 71 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، ونهاية الأرب في فنون الأدب 20 / 283 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ما تكلّم به الحسين .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 51 _
الموقف المشرّف لِمَنْ في ركبه من عائلته وصحبه
والملفت للنظر ـ مع كلّ ذلك ـ أنّه (صلوات الله عليه) استطاع أنّ يختار لنهضته الشريفة من أهل بيته وأنصاره مَنْ لا يتراجع عنها بعد أن اقتنع بها ، وكان بوسعهم التراجع في أيّ وقت أرادوا .
لكنّهم آمنوا بقيادته ، واستسلموا لمّا يقرّره حتى النفس الأخير ، مع قوّة في البصيرة ، ومزيد من السرور والشعور بالفوز والسعادة ، وقد آمنوا بمشروعه كما آمن هو (عليه السّلام) .
بل قد ثبتوا معه (عليه السّلام) ولم يتركوه حتى بعد أن أذن لهم بالانصراف وجعلهم في حلّ من بيعته ، وكان كلامهم في التعقيب على ذلك يؤكّد على الإصرار على مواساته بأنفسهم والقتال دونه والتضحية في سبيله ، وعلى الشعور بالفوز والسعادة بذلك ، ولا يسعنا استقصاؤه لكثرته .
كما إنّه يأتي في حديثنا هذا منهم بعض النكات الملفتة للنظر ، والتي تحمل على المزيد من الإعجاب والاحترام لهم رفع الله تعالى شأنهم .
نعم ، ورد أنّ الضحّاك بن عبد الله المشرفي قال للإمام الحسين (صلوات الله عليه) : إنّي أُقاتل عنك ما رأيت مقاتل ، فإذا لم أرَ مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف ، وإنّه انصرف حين لم يجد مقاتلاً (1) .
وهذا في الحقيقة ليس تراجعاً عن موقف مسبقاً ، بل هو قصور في الموقف من أوّل الأمر ، مع تنفيذه كاملاً .
وحتى عائلته الكريمة التي رأت من بعده الأهوال لم ينقل عن أيّ منها مَنْ
---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 73 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 339 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 52 _
يدل على استنكاره لموقفه (عليه السلام) أو الشكوى منه في استمراره إلى النهاية المفجعة ، بل يظهر من مواقف كثير منها الإيمان بمشروعه (عليه السّلام) ، وقوّة البصيرة بأنّ عاقبته النجاح والفلاح .
ويكفينا من ذلك قول العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهم السّلام) في خطبتها في مجلس يزيد : فلئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك ، وإنّ الله ليس بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعوّل ، فكد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها ، ولا تغيب منك شنارها ، فهل رأيك إلاّ فند ، وأيّامك إلاّ عدد ، وشملك إلاّ بدد ، يوم ينادي المنادي : ( أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والرحمة ، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة ... (1) .
وهذا أمر نادر لا يسهل حصوله لولا العناية الإلهية والتسديد الربّاني .
---------------------------
(1) راجع ملحق رقم (4) .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 53 _
المقصد الأوّل : في أبعاد فاجعة الطفّ وعمقها وردود الفعل المباشرة لها
والكلام في ذلك في فصلين :
الفصل الأوّل : في أبعاد فاجعة الطفّ وعمقه
تمهيد : من المعلوم من مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم) أنّ الخلافة والإمامة حقّ لهم مجعول من قِبَل الله تعالى ، وأنّه لا شرعية لخلافة كلّ مَنْ تقمّصها من غيرهم ، وعلى ذلك ابتنت نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، كما يأتي ـ عند الكلام فيما كسبه التشيّع من هذه النهضة المباركة ـ إن شاء الله تعالى .
استنكار جمهور المسلمين لعهد معاوية ليزيد
أمّا الجمهور فخلافتهم وإن ابتنت على عدم الانضباط بنظام محدّد ، بل جروا أخيراً على شرعية الإمامة المبنيّة على النصّ بولاية العهد من السابق
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 54 _
للاحق بلحاظ قربه النسبي منه ، بغضّ النظر عن مؤهّلاته الشخصية ، إلاّ أنّهم استنكروا عهد معاوية لابنه يزيد بالخلافة في وقته .
أوّلاً : لأنّه أوّل مَنْ فتح هذا الباب ، وتجاهل سيرة مَنْ قبله من خلفائهم ، خصوصاً الشيخين اللذين لهما مكانة خاصة في نفوسهم .
ولاسيما أنّ من جملة دوافع قريش لصرف الخلافة عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) هو علمهم بأنّها إذا صارت لهم لم تخرج عنهم ، حتى قال قائلهم : وسّعوها في قريش تتسع (1) .
فإذا فُتح الباب لولاية العهد بقيت في آل معاوية ولم تخرج عنهم لبطون قريش ، وهو عين ما فرّوا منه .
وثانياً : لابتنائها على الإرغام والقسر ، والاستعانة على ذلك بالترغيب والترهيب والخداع والمكر ، كما يظهر بأدنى نظر في تاريخه ، وإذا غضّت قريش النظر عن ذلك في حقّ الأوّلين ، لأنّه يوافق مصلحتها في صرف الخلافة عن بني هاشم ، فهي لا تقبله من معاوية بعد أن كان يضرّ بمصالحها .
كما إنّ عموم المسلمين إذا غضّوا النظر عنه في حقّ الأوّلين ، لجهلهم بما حصل ، أو لحبّهم لهم ، أو حسن ظنّهم بهم ـ لما يأتي من دواعي ذلك في حقّهم ـ فهم لا يرتضونه من معاوية ، لعدم الموجب لذلك .
وثالثاً : لعدم مناسبة واقع يزيد وسلوكه المشين للخلافة ، خصوصاً مع وجود جماعة من أعيان الصحابة وأولاد المهاجرين الأوّلين لهم المقام الاجتماعي الرفيع ، والمكانة العليا في النفوس ، وعلى رأسهم الإمام الحسين (صلوات الله عليه) .
وقد أكّد ذلك أنّ تجربة أبيه معاوية في الحكم ـ الذي تسلّط بالقوّة والقهر والخداع والمكر ـ كانت مرّة على المسلمين في الجانبين الديني والمادي ، كما يظهر
---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 6 / 43 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 55 _
بأدنى نظر في سيرته ، وكان المنتظر من يزيد أن يزيدَ على أبيه في معاناة المسلمين في دينهم ودنياهم .
وإذا كان بعض متأخري الجمهور يحاول الدفاع عن بيعة يزيد ، وإضفاء الشرعية عليها بعد أن شاعت هذه الأمور في الخلفاء وألفها الناس ، فهو يخالف ما عليه ذووا المقام والمكانة في المسلمين في الصدر الأوّل ، بل حتى عامّة الناس .
ولذا لم يثبت بوجه معتدٍّ به أنّ شخصاً منهم حاول ردع الإمام الحسين (عليه السّلام) عن الخروج ببيان شرعية خلافة يزيد ، وكلّ مَنْ أشار عليه بترك الخروج فإنّما أشار عليه لخوفه عليه من فشل مشروعه ، ومن غشم الأمويين الذين لا يقفون عند حدّ في تحقيق مقاصدهم والإيقاع بمَنْ يقف في طريقهم .
غاية الأمر أنّه قد يُنسب لبعض الناس أنّه أضاف إلى ذلك التذكير بمحذور شقّ كلمة الأُمّة وتفريق جماعتها ، كما يأتي إن شاء الله تعالى .
ولذا لا ريب عند خاصّة المسلمين ، وذوي المقام الرفيع عند الجمهور ممّن عاصر الحدث في أنّ خروج الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لم يكن جريمة منه يستحق عليها العقاب ، فضلاً عن القتل وما استتبعه من الجرائم ، بل كلّ ما وقع عليه هو عدوان من الأمويين وإجرام منهم .
كان الإمام الحسين (عليه السّلام) مسالماً في دعوته للإصلاح ويزيد في الأمر أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) حينما رفع مشروعه الإصلاحي لم يرفعه بلسان الإلزام والتهديد ، ولم يلجأ فيه للّفّ والدوران ، والمكر والخديعة من أجل الاستيلاء على السلطة ، بل بلسان النصيحة والتذكير .
فهو (عليه السّلام) يقول في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية : (( وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 56 _
الإصلاح في أُمّة جدّي (صلى الله عليه وآله) ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومَنْ ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ ، وهو خير الحاكمين )) (1) .
كما إنّه (عليه السّلام) لم يختر الكوفة من أجل أن يخرج أهلها من طاعة يزيد لطاعته ويرغمهم على ذلك ، بل لامتناعهم بأنفسهم من القبول ببيعة يزيد .
فقد تضمّنت كتبهم : ... إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل ، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ... (2) و : أمّا بعد ، فحي هلا ، فإنّ الناس ينتظرونك ، لا إمام لهم غيرك ... (3) و : أمّا بعد ، فقد اخضرّ الجناب ، وأينعت الثمار ، وطمّت الجِمام (4) ، فإذا شئت فاقدم علينا ، فإنّما تقدم على جند لك مجنّدة (5) ، ونحو ذلك .
---------------------------
(1) تأتي مصادرها في أوائل المقام الثاني في الجانب العاطفي / 398 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 262 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمصير إلى ما قبلهم ، وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ، واللفظ له ، أنساب الأشراف 3 / 369 أمر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، الكامل في التاريخ 4 / 20 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل ، الإمامة والسياسة 2 / 4 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي ، الإرشاد ـ للشيخ المفيد 2 / 37 ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 242 أيام يزيد بن معاوية ، واللفظ له ، أنساب الأشراف 3 / 370 أمر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، ومثله في الإرشاد 2 / 38 إلاّ إنّه بدل قوله : ( لا إمام لهم غيرك ) ( لا رأي لهم غيرك ) ، وكذا في تاريخ الطبري 4 / 262 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ، والفصول المهمّة 2 / 787 الفصل الثالث ، فصل في مخرجه (عليه السّلام) إلى العراق ، والفتوح ـ لابن أعثم 5 / 33 ذكر أخبار الكوفة وما كان من كتبهم إلى الحسين بن علي (ع) ، وغيرها من المصادر .
(4) طما البحر والنهر : أمتل ، والجِمام جمع جَمة : البئر الكثيرة الماء ، والمراد الكناية عن حصول الوقت المناسب للعمل ، وتوفّر آليات النجاح وأسبابه .
(5) أنساب الأشراف 3 / 370 أمر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، واللفظ له ، الإرشاد 2 / 38 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 436 ، تاريخ الطبري 4 / 262 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمصير إلى ما قبلهم ، وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 33 ذكر أخبار الكوفة وما كان من كتبهم إلى الحسين بن علي (ع) ، وغيرها من المصادر .
|