واسودّت (1) حتى ظنّوا أنّها القيامة (2) ، ومطرت السماء دماً (3) كما تعرّضت له العقيلة زينب في خطبتها في الكوفة (4) ، ولم يُرفع حجر في بيت

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 14 / 226 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 432 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب التهذيب 2 / 305 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، الوافي بالوفيات 12 / 265 ، ينابيع المودّة 3 / 15 ، الصواعق المحرقة / 294 الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها ، وغيرها من المصادر .
(2) السنن الكبرى ـ للبيهقي 3 / 337 كتاب صلاة الخسوف ، باب ما يستدلّ به على جواز اجتماع الخسوف والعيد لجواز وقوع الخسوف في العاشر من الشهر ، مجمع الزوائد 9 / 197 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 114 ح 2838 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، تاريخ دمشق 14 / 228 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 433 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، الدرّ النظيم / 567 ، الصواعق المحرقة / 295 الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها ، نظم درر السمطين / 220 ، وغيرها من المصادر .
(3) الثقات ـ لابن حبان 5 / 487 في ترجمة نضرة الأزدية ، سير أعلام النبلاء 3 / 312 في ترجمة الحسين الشهيد ، العمدة ـ لابن بطريق / 406 ح 838 فصل في مناقب الحسن والحسين (عليهما السّلام) ، تفسير الثعلبي 8 / 353 ، تفسير القرطبي 16 / 141 ، تاريخ دمشق 14 / 227 ، 229 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 433 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، الجرح والتعديل 4 / 216 ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 90 ح 321 ، ذخائر العقبى / 145 ذكر الحسن والحسين ، كرامات وآيات ظهرت لمقتله ، نظم درر السمطين / 222 ، إمتاع الأسماع 12 / 241 ، و 14 / 149 ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .
وعن جعفر بن سليمان قال : حدّثتني خالتي أُمّ سالم قالت : لمّا قُتل الحسين بن علي مُطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر ، قال : وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة ، تاريخ دمشق 14 / 229 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 433 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، بغية الطلب في تاريخ حلب 6 / 2638 ، الصواعق المحرقة / 295 الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها .
(4) راجع ملحق رقم 3 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 86 _

  المقدس (1) وغيره (2) إلاّ وجد تحته دم عبيط ، ولمّا وضِعَ الرأس المقدّس أمام ابن زياد في قصر الإمارة سالت حيطان القصر دماً (3) .
  ونبع الدم من ساق شجرة أُمّ معبد التي أورقت وأثمرت ببركة وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله) في طريق مهاجره من مكة إلى المدينة (4) .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9 / 196 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 113 ح 2834 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، تاريخ دمشق 14 / 229 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 434 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 314 في ترجمة الحسين الشهيد ، تهذيب التهذيب 2 / 305 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الإسلام 5 / 16 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين ، مقتل الحسين ، إمتاع الأسماع 14 / 149 ـ 151 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) مجمع الزوائد 9 / 196 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 113 ح 2835 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، تاريخ دمشق 14 / 226 ـ 230 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الإسلام 5 / 16 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين ، مقتل الحسين ، أنساب الأشراف 3 / 425 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، الوافي بالوفيات 12 / 265 ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 90 ـ 91 ح 323 ، 325 ، نظم درر السمطين / 220 ، إمتاع الأسماع 12 / 242 ، و19 / 150 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(3) تاريخ دمشق 14 / 229 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 434 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ذخائر العقبى / 145 ذكر الحسن والحسين ، كرامات وآيات ظهرت لمقتله ، سبل الهدى والرشاد 11 / 80 الباب الثاني عشر ، بغية الطلب في تاريخ حلب 6 / 2636 ، الصواعق المحرقة / 295 الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها ، وغيرها من المصادر .
(4) روى الخوارزمي بسنده عن هند بنت الجون ، قالت : نزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخيمة خالتي ... فلمّا قام من رقدته دعا بماء فغسل يديه فأنقاهم ، ثمّ مضمض فاه ومجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتي ثلاث مرّات ... ثمّ قال : (( إنّ لهذه العوسجة شأن ... )) فلمّا كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عالية وأبهى ، وقد خضد الله شوكها ، ووشجت عروقها ، وكثرت أفنانها ، واخضر ساقها وورقها ، ثمّ أثمرت بعد ذلك ... فلم نزل كذلك وعلى ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها ، واصفرّ ورقها ، فأحزننا ذلك وفزعنا من ذلك ، فما كان إلاّ قليلاً حتى جاء نعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فإذا هو قد قُبض ذلك اليوم ، فكانت بعد ذلك تثمر ثمراً دون ذلك في العِظم والطعم والرائحة ، فأقامت على ذلك نحو ثلاثين سنة ، فلمّا كان ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد شاكت من أوّلها إلى آخره ، وذهبت نضارة عيدانها ، وتساقطت جميع ثمرتها ، فما كان إلاّ يسيراً حتى وافى خبر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلاً ولا كثيراً ، وانقطع ثمرها ، ولم نزل نحن ومَنْ حولنا نأخذ من ورقها ونداوي به مرضانا ، ونستشفي به من أسقامنا ، فأقامت على ذلك برهة طويلة ، ثمّ أصبحنا ذات يوم فإذا بها قد انبعث من ساقها دم عبيط ، وإذا بأوراقها ذابلة تقطر دماً كماء اللحم ، فقلنا : قد حدثت حادثة عظيمة ، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقّع الحادثة ، فلمّا اظلم الليل علينا سمعنا بكاءً وعويلاً من تحت الأرض ، وجَلَبة شديدة ورجّة ، وسمعنا صوت نائح يقول :
أيابن النبي ويابن الوصي      بـــقـــيّــة ســـاداتـــنــا الأكـــرمـــيــن
وكثر الرنين والأصوات فلم نفهم كثيراً ممّا كانوا يقولون ، فأتانا بعد ذلك خبر قتل الحسين (عليه السّلام) ويبست الشجرة ، وجفّت وكسّرتها الأرياح والأمطار ، فذهبت ودرس أثرها .
قال عبد الله بن محمد الأنصاري : فلقيت دعبل بن علي الخزاعي في مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فحدّثته بهذا الحديث فلم ينكره ، وقال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أُمّه سعدى بنت مالك الخزاعية أنّها أدركت تلك الشجرة ، وأكلت من ثمرها على عهد علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وأنّها سمعت ليلة قتل الحسين (عليه السّلام) نوح الجن ... .
مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 98 ـ 100 الفصل الثاني عشر ، في عقوبة قاتل الحسين (عليه السّلام) ، ورواه بسنده أيضاً ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب 6 / 2648 ـ 2650 ، وراجع أيضاً ربيع الأبرار 1 / 285 ـ 286 باب الشجر والنبات والفواكه والرياحين والبساتين والرياض وذكر الجنة ، والتذكرة الحمدونية 3 / 116 فنون الشعر وغرائبه ، وتاريخ الخميس 1 / 334 ـ 335 قصّة أُمّ معبد ، والثاقب في المناقب / 112 ، ومناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 1 / 106 ، وكشف الغمة 1 / 25 ، والدر النظيم / 131 ، وبحار الأنوار 18 / 41 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 87 _

  وظهرت الحمرة في السماء (1) ، ومكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّما تلطّخ

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 14 / 226 ـ 228 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 432 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، جزء الحميري / 31 ، أنساب الأشراف 3 / 413 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد / 91 ح 325 ـ 327 ، نظم درر السمطين / 221 ، معارج الوصول / 98 ، ينابيع المودة 3 / 20 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 88 _

  الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع (1) .
  واضطرمت في وجه ابن زياد النار عند قتل الحسين (عليه السّلام) ، فنحاها بكمّه ، وأمر حاجبه بكتمان ذلك (2) ... إلى غير ذلك (3) .

الرؤى المؤكّدة لعظم الجريمة

  ومثل ذلك بعض الرؤى المتعلّقة بالفاجعة ، كرؤيا ابن عباس النبي (صلّى الله عليه وآله) وبيده قارورة يجمع فيها دماء الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وأصحابه (عليهم السّلام) ، ليرفعها إلى الله تعالى (4) ، ورؤيا أُمّ سلمة النبي (صلّى الله عليه وآله) أيضاً مغبراً ، وقال لها :

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 296 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، الكامل في التاريخ 4 / 90 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 185 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، وغيرها من المصادر .
(2) مجمع الزوائد 9 / 196 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 112 ح 2831 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، تاريخ دمشق 37 / 451 في ترجمة عبيد الله بن زياد بين عبيد ، الكامل في التاريخ 4 / 265 أحداث سنة سبع وستين من الهجرة ، ذكر مقتل ابن زياد ، البداية والنهاية 8 / 314 أحداث سنة سبع وستين من الهجرة ، ترجمة ابن زياد ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ الطبري 4 / 296 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، الكامل في التاريخ 4 / 90 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 185 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، أنساب الأشراف 3 / 413 ـ 424 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، بغية الطلب 6 / 2639 ، وغيرها من المصادر .
(4) تاريخ دمشق 14 / 237 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، البداية والنهاية 8 / 218 في أحداث سنة إحدى وستين ، فصل بلا عنوان بعد ذكر صفة مقتله ، الكامل في التاريخ 4 / 93 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) .
وذكر ذلك أيضاً من غير النصّ على الرفع إلى الله تعالى في مسند أحمد 1 / 242 ، 283 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ومستدرك الصحيحين 4 / 398 كتاب تعبير الرؤيا ، ومجمع الزوائد 9 / 194 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، والمعجم الكبير 3 / 110 ح 2822 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، و12 / 143 ما رواه عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ، ومسند عبد بن حميد / 235 مسند ابن عباس ، والاستيعاب 1 / 395 ـ 396 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وتاريخ بغداد 1 / 152 في ترجمة الحسن والحسين ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 89 _

  (( شهدت قتل الحسين آنفاً )) (1) ، وغيرهما ممّا ذكره المؤرّخون (2) .
  وفي بعضها أنّ صاحب الرؤيا ممّن شارك في الجيش الذي حارب الإمام الحسين (عليه السّلام) فعوقب في الرؤيا بما لقي أثره بعد أن أفاق ، أو رأى تصديقها بعد ذلك (3) .

---------------------------
(1) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 96 الفصل الثاني عشر ، واللفظ له ، سنن الترمذي 5 / 323 ح 3860 أبواب المناقب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، المستدرك على الصحيحين 4 / 19 تسمية أزواج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ذكر أُمّ سلمة بنت أبي أُميّة (رضي الله عنها) ، المعجم الكبير 23 / 373 ما أسندت أُمّ سلمة ، ما روته سلمى عن أُمّ سلمة ، التاريخ الكبير 3 / 324 عند ذكر رزين بياع الأنماط ، تاريخ دمشق 14 / 328 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، أسد الغابة 2 / 22 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 439 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، و 9 / 187 في ترجمة رزين بن سليمان الأحمري ، سير أعلام النبلاء 3 / 316 في ترجمة الحسين الشهيد ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) تاريخ دمشق 14 / 258 ـ 259 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 446 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب .
(3) روى ابن عساكر عن أبي النضر الجرمي أنّه قال : رأيت رجلاً سمج العمى ، فسألته عن سبب ذهاب بصره ، فقال : كنت ممّن حضر عسكر عمر بن سعد ، فلمّا جاء الليل رقدت ، فرأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام بين يديه طست فيها دم وريشة في الدم ، وهو يؤتى بأصحاب عمر بن سعد فيأخذ الريشة فيخطّ بها بين أعينهم ، فأتي بي فقلت : يا رسول الله ، والله ما ضربت بسيف ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم ، قال : (( أفلم تكثر عدوّنا ؟ )) ، فأدخل إصبعه في الدم ، السبابة والوسطى ، وأهوى بهما إلى عيني فأصبحت وقد ذهب بصري .
تاريخ دمشق 14 / 259 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وروي قريباً من ذلك عن ابن رباح في مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 104 الفصل الثاني عشر في بيان عقوبة قاتل الحسين (عليه السّلام) وخاذله وما له من الجزاء ، كما روي آخر المقتل المذكور 2 / 87 ـ 104 ، وتاريخ دمشق 14 / 258 ـ 259 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللهوف في قتلى الطفوف / 80 ، 100 ـ 101 ، ومقاتل الطالبيين / 79 ، وبحار الأنوار 45 / 306 ، 308 ، 311 ، 316 ـ 321 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 90 _

نوح الجنّ على الإمام الحسين (عليه السّلام)

  وكذا ما استفاض من سماع الناس نوح الجنّ على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) (1) ، وظهور قلم يكتب على الحائط :
أتـــــرجـــــو أُمّـــــــــة قـــتـــلـــت حـــســيــنــا      شفاعة جدّه يوم الحساب (2)

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9 / 199 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 121 ـ 122 ح 2862 ، 2864 ـ 2869 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، الإصابة 2 / 72 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، الآحاد والمثاني 1 / 308 ، تاريخ دمشق 14 / 239 ـ 242 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 441 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب التهذيب 2 / 306 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، البداية والنهاية 6 / 259 الإخبار بمقتل الحسين بن علي (ع) ، و 8 / 219 في أحداث سنة إحدى وستين ، فصل بلا عنوان بعد ذكر صفة مقتله ، سير أعلام النبلاء 3 / 316 ـ 317 في ترجمة الحسين الشهيد ، كتاب الهواتف / 87 باب هواتف الجنّ ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) مجمع الزوائد 9 / 199 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 123 ح 2873 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، تاريخ دمشق 14 / 244 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 443 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الإسلام 5 / 107 في ترجمة الحسين بن علي (ع) ، البداية والنهاية 8 / 218 في أحداث سنة إحدى وستين ، فصل بلا عنوان بعد ذكر صفة مقتله ، ذيل تاريخ بغداد 4 / 159 في ترجمة علي بن نصر ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 91 _

  كما إنّه قد وجد هذا الشعر في عدّة أماكن ذكر أهلها أنّه قد كُتب فيها من مدّة طويلة قبل ظهور الإسلام (1) .

التنكيل الإلهي بقتلته (عليه السّلام) وما حصل فيما سلب منه

  ومن ذلك ما استفاض في أخبار الفريقين من انتقام الله (عزّ وجلّ) من قتلة الإمام الحسين (عليه السّلام) في الدنيا قبل الآخرة ، وما حصل فيما سلب منه (عليه السّلام) ومن رحله ـ من الإبل والورس وغيرها ـ بحيث أوجب تعذّر الانتفاع بها ، أو حصول النكال بسببه ... إلى غير ذلك ممّا ذكره المؤرّخون ، ولا نطيل باستقصاء مفرداته .
  فإنّ هذه الأمور بمجموعها زادت في وقع المصيبة على المسلمين ، وكشفت عن عظم الجريمة عند الله (عزّ وجلّ) حتى عجّل بإظهار سخطه في الدنيا ، ليلفت نظر الناس لذلك ، ويقيم الحجّة عليهم .

الإمام الحسين (عليه السّلام) ثار الله تعالى وابن ثاره

  ومن جميع ذلك يظهر الوجه في استحقاق الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أن يكون ثار الله تعالى في الأرض ، كما تضمّنت الزيارات الواردة عن أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ذلك في حقّه وحق أبيه أمير المؤمنين (عليهما وعلى آلهما أفضل الصلاة والسّلام) .
  ففي صحيح الحسين بن ثوير عن الإمام الصادق (عليه السّلام) الوارد في زيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) التي فيها قوله (عليه السّلام) : (( السّلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله ، السّلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ، السّلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض ... وأشهد أنّك ثار الله في الأرض وابن ثاره )) (2) ،

---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 43 .
(2) كامل الزيارات / 364 ـ 365 ، تهذيب الأحكام 6 / 55 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 92 _

  ونحوها غيرها (1) .
  وهو المناسب لما في حديث جابر قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله (عزّ وجلّ) : المصحف والمسجد والعترة ، يقول المصحف : يا ربّ حرقوني ومزّقوني ، ويقول المسجد : يا ربّ عطّلوني وضيّعوني ، وتقول العترة : يا ربّ قتلونا وطردونا وشرّدونا ، فأجثوا الركبتين للخصومة ، فيقول الله (جلّ جلاله) لي : أنا أولى بذلك )) (2) .
  كما يناسبه أيضاً ما سبق من أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) رمى بدمه الزكي ودم ولده إلى السماء فلم ينزل منه قطرة (3) ، وفي بعض المصادر أنّه (عليه السّلام) خاطب الله (عزّ وجلّ) قائلاً : (( اللّهمّ اطلب بدم ابن بنت نبيّك )) (4) .
  وكذا قوله (عليه السّلام) لمّا ذُبح ولده الرضيع : (( والله ، لأنت أكرم على الله من الناقة ، ولمحمد أكرم على الله من صالح )) (5) .
  وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

---------------------------
(1) كامل الزيارات / 358 ، 386 ، 389 ، 406 ، مصباح الزائر / 292 ، وغيره .
(2) الخصال / 175 ، واللفظ له ، كنز العمّال 11 / 193 ح 31190 ، بحار الأنوار 24 / 186 ـ 187 ، و 80 / 368 .
(3) تقدّمت مصادره في / 83.
(4) تاريخ دمشق 14 / 223 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، الوافي بالوفيات 12 / 265 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، كفاية الطالب / 431 .
(5) تقدّمت مصادره في / 74 ـ 75 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 93 _

الفصل الثاني : في ردود الفعل المباشرة لفاجعة الطف

  والكلام فيه في مقامين : المقام الأوّل : في رد الفعل من قبل الناس
  إنّ الناظر في تاريخ الواقعة وما قارنها يرى أنّ الغشم والعنف ، والترهيب والترغيب كانت هي الدافع لتنفيذ هذه الجريمة العظمى ، مع كثير من التململ والضيق ، والصراع النفسي والتفاعل العاطفي مع الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وأهل بيته (عليهم السّلام) حتى من بعض القائمين به ، لوضوح رفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، ولحصول كثير من الجرائم البشعة والممارسات الصارخة المثيرة للعاطفة حتى من قبل الأعداء .
  حتى إذا انتهت الجريمة وتمّ للسلطة ما أرادت رجع الناس إلى واقعهم ، وعرفوا فداحة المصاب ، وشدّة الجريمة ، وهول ما فعلوا .
  فإنّ من المعلوم :
  أوّلاً : إنّ السلطة تعاملت مع الإمام الحسين (صلوات الله عليه) على أنّه خارج عن الشرعيّة ، وشاقّ للعصا ، وملقّح للفتنة ، ومستحقّ للقتل والتنكيل .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 94 _

  بل تعاملت مع نهضته المباركة تعاملها مع الردّة سلباً وسبياً وتشهيراً ، وبمنتهى الوحشية ، بمثل قطع الرؤوس ، ورضّ الأجساد ، والسبّ والشتم ، والشماتة والتشفي ، وغير ذلك .
  وثانياً : إنّ السلطة كانت في أوج قوّتها وشراستها في التنكيل بمَنْ يخالفها أو يخرج عن مسارها أو يعترض عليها ، ولذا ردّت في السنة الثالثة على أهل المدينة في واقعة الحرّة أبشع ردّ ، وانتهكت حرمتهم أشنع انتهاك ، ولم تتورّع في السنة الرابعة عن الردّ على عبد الله بن الزبير بانتهاك حرمة الحرم ، وبضرب مكّة المكرّمة والكعبة المعظمة بالمنجنيق .
  وكان نصيب الكوفة ـ التي هي علوية الهوى ـ من العمّال عبيد الله بن زياد الغليظ القاسي الجبّار الشرس الذي قام بنفسه بتلك الجريمة الكبرى بتبجّح واستهتار ، واستطاع أن يُرغم الكوفيين على تنفيذه .
  كما كان نصيب المدينة المنوّرة التي ـ هي موطن أهل البيت (صلوات الله عليهم) ـ عمرو بن سعيد الأشدق جبّار بني أُميّة (1) ، والشامت بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) كما سبق (2) .

---------------------------
(1) فقد روي عن أبي هريرة أنّه قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( ليرعفن على منبري جبّار من جبابرة بني أُميّة يسيل رعافه )) قال : فحدّثني مَنْ رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى سال رعافه ، مسند أحمد 2 / 522 مسند أبي هريرة ، واللفظ له ، مجمع الزوائد 5 / 240 كتاب الخلافة ، باب في أئمّة الظلم والجور وأئمّة الضلالة ، تاريخ الإسلام 5 / 204 في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص ، تاريخ دمشق 46 / 360 في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص ، البداية والنهاية 8 / 342 أحداث سنة تسع وستين من الهجرة في ترجمة الأشدق ، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث / 194 كتاب الإمارة ، باب في ولاة السوء ، وغيرها من المصادر .
(2) تقدّمت مصادره في / 79 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 95 _

  وكان المفروض مع هذين الأمرين أن تُكمّ الأفواه ، وتُكتم العواطف إزاء الفاجعة ، وتُقام مظاهر الفرح والزينة بالانتصار الكاسح والفتح العظيم للسلطة في هذين المصرين ، كما أُقيمت في الشام المعزولة عن عامّة المسلمين ثقافياً والتي لا تعرف عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) إلاّ ما عرّفها الأمويون .
  إلاّ إنّه يبدو أنّ هول الفاجعة ـ بأبعادها السابقة ـ وشدّة وقعها في النفوس أفقد الناس السيطرة على عواطفهم وكبح جماحها .

إنكار بعض الصحابة على يزيد وابن زياد

  ولا نعني بذلك الإنكارات الشخصية من بعض الصحابة على عبيد الله بن زياد وعلى يزيد حينما أخذا ينكتان رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) بالقضيب تشفياً منه ، كزيد بن أرقم (1) وأبي برزة الأسلمي (2) وأنس بن مالك (3) إذ ربما كانوا يشعرون ببعض الحصانة لمركزهم الاجتماعي ، ولأنّ الدولة كانت تتجمّل بهم ، فلا تقدم على قتلهم بعد أن لم يكن لإنكارهم مظهر على الصعيد العام .

إنكار يحيى بن الحكم
  ولا مثل إنكار يحيى بن الحكم حيث قال حين أُدخل الرأس الشريف إلى مجلس يزيد :
لـــــهـــــامٌ بــــجـــنـــبِ الـــــطــــفّ أدنـــــــــى قـــــرابــــة      من ابنِ زيادِ العبدِ ذي الحسبِ الوغلِ
ســــمـــيـــةَ أمـــــســـــى نـــســـلــهــا عــــــــــددَ الــــحـــصـــى      وليسَ لآلِ المصطفى اليومَ من نسلِ (4)

---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 60 .
(2) تقدّمت مصادره في / 60 .
(3) تقدّمت مصادره في / 59 ـ 60 .
(4) تاريخ الطبري 4 / 352 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 64 / 123 في ترجمة يحيى بن الحكم بن أبي العاص ، الكامل في التاريخ 4 / 89 ـ 90 في أحداث سنة إحدى وستين ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 208 ـ 209 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، وغيرها من المصادر .
ونسب هذا البيت إلى عبد الرحمن بن أُمّ الحكم في مجمع الزوائد 9 / 198 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، والمعجم الكبير 3 / 116 ح 2848 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، وتاريخ دمشق 34 / 316 في ترجمة عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص ، وتاريخ الإسلام 5 / 18 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين ، مقتل الحسين ، والوافي بالوفيات 1 / 623 ، وأنساب الأشراف 3 / 421 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 96 _

  ولا قوله لمَنْ جاء بالرؤوس والسبايا للشام : حُجبتم عن محمد يوم القيامة ، لن أجامعكم على أمر أبداً ، ثمّ قام فانصرف (1) .
  فإنّه أيضاً كان يتمتّع بحصانة النسب الأموي ، ولم يكن لإنكاره مظهر على الصعيد العام .

إنكار ابن عفيف الأزدي على ابن زياد في مسجد الكوفة

  كما لا نعني إنكار عبد الله بن عفيف الأزدي على ابن زياد حينما جمع الناس في مسجد الكوفة ، وخطبهم فقال : الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذّاب بن الكذّاب الحسين بن علي وشيعته .
  حيث وثب إليه عبد الله بن عفيف ـ وكان ضريراً قد ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل مع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، والأُخرى بصفين معه (عليه السّلام) أيضاً ـ فقال : يابن مرجانة ، إنّ الكذّاب بن الكذّاب أنت وأبوك ، والذي ولاّك

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 356 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 89 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 213 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، تاريخ دمشق 62 / 85 في ترجمة نضلة بن عبيد ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 97 _

  وأبوه ، يابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيين وتكلّمون بكلام الصدّيقين ؟! (1) .
  فقال ابن زياد : مَنْ المتكلّم ؟
  فقال : أنا المتكلّم يا عدوّ الله ! أتقتل الذريّة الطاهرة الذين قد أذهب الله عنهم الرجس في كتابه ، وتزعم أنّك على دين الإسلام ؟! وا غوثاه ! أين أولاد المهاجرين والأنصار ، لينتقموا من هذا الطاغية اللعين بن اللعين على لسان رسول الله ربّ العالمين ؟ (2) .
  فإنّ إنكار هذا العبد الصالح وإن كان مهمّاً جداً ، لأنّه على ملأ من الناس ، وبلهجة شديدة ، إلاّ إنّه شخص واحد مستميت ، وقد قُتل فعلاً ، وصُلب (3) بعد معركة طويلة قتل فيها جماعة (شكر الله سعيه ورضي عنه وأرضاه) (4) .

إنكار امرأة من آل بكر بن وائل

  ومثله ما روي من أنّ امرأة من آل بكر بن وائل كانت مع زوجها في

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 351 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 83 في أحداث سنة إحدى وستين ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 207 ـ 208 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 144 ذكر عبد الله بن عفيف الأزدي ورده على ابن زياد ، المحبر / 480 ، أنساب الأشراف 3 / 413 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، تذكرة الخواص / 259 ، وغيرها من المصادر .
(2) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 53 ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 144 ذكر عبد الله بن عفيف الأزدي ورده على ابن زياد ، اللهوف في قتلى الطفوف / 96 ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ الطبري 4 / 351 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 83 في أحداث سنة إحدى وستين ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 208 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، المحبر / 480 ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 145 ذكر عبد الله بن عفيف الأزدي ورده على ابن زياد ، أنساب الأشراف 3 / 414 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، اللهوف في قتلى الطفوف / 99 ، وغيرها من المصادر .
(4) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 145 ذكر عبد الله بن عفيف الأزدي ورده على ابن زياد ، أنساب الأشراف 3 / 414 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 53 ـ 54 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 97 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 98 _

  المعركة ، فلمّا نظرت العسكر يسلب العائلة الكريمة أخذت سيفاً ، وأقبلت نحو الفسطاط وقالت : يا آل بكر بن وائل ! أتُسلب بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ! لا حكم إلاّ الله ، يا لثارات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فردّها زوجها إلى رحله (1) .
  فإنّها امرأة واحدة انهارت لهول ما رأت ، وكذا غيرها ممّن أنكر بصورة فردية من دون أن يكون لإنكاره ظهور على الصعيد العام .
  وإنّما نعني عامّة الناس في المصرين المدينة المنوّرة والكوفة ، لأنّهما اللذان يتيسّر لنا الاطلاع تاريخياً على موقف الناس فيهم .

موقف جمهور أهل الكوفة

  فقد استقبل الكوفيون العائلة الكريمة ـ التي عوملت معاملة الكفّار في السلب والأسر والتشهير ـ بالبكاء والصراخ ، والنوح والتوجّع ، والتفجّع والتأسّف (2) ، وقد شقّت النساء جيوبهنَّ على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) والتَدَمنَ (3) .
  وعن حاجب ابن زياد أنّه قال : ثمّ أُمر بعلي بن الحسين (عليه السّلام) فُغلَّ ، وحُمل مع النسوة والسبايا إلى السجن وكنت معهم ، فما مررنا بزقاق إلاّ وجدناه مُلئ رجالاً ونساءً يضربون وجوههم ويبكون ، فحُبسوا في سجن وطُبق عليهم (4) .

---------------------------
(1) اللهوف في قتلى الطفوف / 78 ، واللفظ له ، مثير الأحزان / 58 ، بحار الأنوار 45 / 58 .
(2) بلاغات النساء / 23 كلام أُمّ كلثوم بنت علي (عليها السّلام) ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 139 تسمية مَنْ قُتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمّه (ع) ، تاريخ اليعقوبي 2 / 245 مقتل الحسين بن علي ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 40 ، مطالب السؤول / 403 ، الأمالي ـ للمفيد / 321 ، الأمالي ـ للطوسي / 92 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 86 ، بحار الأنوار 45 / 162 ، وغيرها من المصادر .
(3) بلاغات النساء / 23 ـ 24 كلام أُمّ كلثوم بنت علي (عليها السّلام) ، جمهرة خطب العرب 2 / 134 خطبة السيدة أُمّ كلثوم بنت علي في أهل الكوفة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ، الأمالي ـ للمفيد / 321 ، الأمالي ـ للطوسي / 91 ، والتدام النساء : ضربهنَّ وجوههنَّ في المأتم .
(4) الأمالي ـ للصدوق / 146 مجلس 31 رقم الحديث 3 ، وعنه في بحار الأنوار 45 / 154 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 99 _

  كما ورد أنّه بعد أن خطبت أُمّ كلثوم (عليها السّلام) ضجّ الناس بالبكاء والنوح ، ونشر النساء شعورهنَّ ، وخمشنَ وجوههنَّ ، وضربنَ خدودهنَّ ، ودعونَ بالويل والثبور ، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم ، فلم يُرَ باكٍ وباكية أكثر من ذلك اليوم (1) .
  ولولا حصول الجوّ المناسب والأرضية الصالحة لما تيسّر لها ولا لغيرها من أفراد العائلة الكريمة الخطبة في الناس بعد أن أُدخلوا إلى الكوفة أسرى يُراد التشهير بهم وتوهينهم .
  على أنّه يبدو من بعض خُطب أهل البيت (عليهم السّلام) في الكوفة أنّ السلطة قد سبقت ركب الأسرى من العائلة الثاكلة ببعض مظاهر التبجّح بالواقعة ، في محاولة منها للتشهير بها ، وإظهار السرور على الصعيد العام بما أوقعته بها .
  فقد ورد في خطبة فاطمة الصغرى في الكوفة حال السبي قولها : تبّاً لكم يا أهل الكوفة ! كم تراث (2) لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) قِبَلكم ، وذحوله (3) لديكم ؟! ثمّ غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) جدّي وبنيه وعترة النبي الطيبين الأخيار .
  وافتخر بذلك مفتخر ، فقال :
نحنُ قتلنا علياً وبني علي      بـــســـيـــوفٍ هـــنـــديـــةٍ ورمــــــــاح
نحنُ قتلنا علياً وبني علي      بـــســـيـــوفٍ هـــنـــديـــةٍ ورمــــــــاحِ
  فقالت : بفيك أيّها القائل الكثكث ، ولك الاثلب ... (4) .
  ولكنّ ذلك لم يقوَ على كبح جماح عواطف جمهور الناس نحو العائلة

---------------------------
(1) اللهوف في قتلى الطفوف 91 ـ 92 ، وذكر قريباً من ذلك الخوارزمي في مقتله 2 / 41 .
(2) التراث : ما يخلفه الرجل لورثته ، وفي مثير الأحزان / 68 : أيّ ترات ، بالتاء المثناة ، وترات جمع تِرة : وهي إصابة الشخص بظلم أو مكروه ، وهو أنسب بالمقام .
(3) الذحول جمع ذحل وهو الثأر .
(4) الاحتجاج 2 / 28 ، واللفظ له ، اللهوف في قتلى الطفوف / 90 ، مثير الأحزان / 68 ، والكثكث : هو التراب وفتات الحجارة ، وكذا الأثلب والإثلب .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 100 _

  الكريمة وأهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وإظهار التعاطف معهم ، والبكاء عليهم ، والتفجّع لهم .
  وهكذا الحال لمّا أُخرجوا من الكوفة إلى الشام ، فقد روى ابن سعد بسنده عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) أنّه قال : (( حُملنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية ، فغصّت طرق الكوفة بالناس يبكون ، فذهب عامّة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس ، فقلت : هؤلاء الذين قتلونا ، وهم الآن يبكون )) (1) .

موقف جمهور أهل المدينة المنوّرة

  أمّا في المدينة المنوّرة فإنّه لمّا وصل الخبر بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) لعمرو بن سعد بن العاص الأشدق أمر المنادي أن يعلن بقتله في أزقّة المدينة ، فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية بني هاشم ، واتصلت الصيحة بدار الأشدق ، فضحك شامتاً ، وأنشد :
عــــجّـــت نـــســـاءُ بـــنـــي زيــــــادٍ عـــجـــة      كعجيجِ نسوتنا غداةَ الأرنبِ (2)
  قال ابن طاووس : فعظمت واعية بني هاشم ، وأقاموا سنن المصائب والمآتم (3) .
  وقال اليعقوبي : وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أُمّ سلمة زوج رسول الله ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة ، وقال لها : (( إنّ جبرئيل أعلمني أنّ

---------------------------
(1) ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 89 ح 313 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 356 ـ 357 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 89 في أحداث سنة إحدى وستين ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، الإرشاد 2 / 123 ، مثير الأحزان / 74 ، وغيرها من المصادر .
(3) اللهوف في قتلى الطفوف / 99 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 101 _

  أُمّتي تقتل الحسين )) .
  قالت : وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : (( إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قُتل )) .
  فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت : وا حسيناه ! وا ابن رسول الله ! وتصارخت النساء من كلّ ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجّة التي ما سمع بمثلها قطّ (1) .
  وخرجت بنت عقيل في جماعة من نساء قومها حتى انتهت إلى قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) فلاذت به ، وشهقت عنده ، ثمّ التفتت إلى المهاجرين والأنصار وأنشدت :
مــــــاذا تــقــولــونَ إن قـــــالَ الــنــبـي لـــكــم      يومَ الحسابِ وصدقَ القولِ مسموعُ
خـذلـتموا عـتـرتي أو كـنتمُ غـيب      والحقّ عند وليّ الأمرِ مجموعُ
أسلمتموهم بأيدي الظالمينَ فم      مـنكم لـهُ الـيومَ عندَ الله مشفوع
ما كانَ عندَ غداةِ الطفِّ إذ حضروا      تــــــلــــــكَ الـــمـــنـــايـــا ولا عــــنــــهـــنَّ مــــــدفـــــوعُ
فأبكت مَنْ حضر ، ولم يُرَ باكٍ وباكية أكثر من ذلك اليوم (2) .

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 246 مقتل الحسين بن علي .
وقد استفاضت أحاديث الشيعة والجمهور المتضمّنة دفع النبي (صلّى الله عليه وآله) لأُمّ سلمة (رضي الله عنها) تربة ، وأعلمها أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إذا قُتل تصير دماً ، وأنّها علمت بقتله (عليه السّلام) حينما رأت أنّ تلك التربة صارت دماً .
قال ابن الأثير : فأعلمت الناس بقتله أيضاً . الكامل في التاريخ 4 / 93 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر أسماء مَنْ قُتل معه ، وراجع حديث التربة المذكور في مجمع الزوائد 9 / 189 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، والمعجم الكبير 3 / 108 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ، وتاريخ دمشق 14 / 193 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وتهذيب الكمال 6 / 409 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وتهذيب التهذيب 2 / 301 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، والوافي بالوفيات 12 / 263 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وإمتاع الأسماع 12 / 238 ، والفتوح ـ لابن أعثم 4 / 327 ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده وشيعته من ورائه وأهل السنّة وما ذكروا في ذلك من الاختلاف ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) الأمالي ـ للمفيد / 319 ، الأمالي ـ للطوسي / 90 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب / 262 .
وعن أبي الكنود قال : ولمّا أُتي أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها ، وهي حاسرة تلوي بثوبها وتقول :
ماذا تقولونَ إن قالَ النبي لكم      مــــاذا فـعـلـتـم وأنــتــم آخـــرُ الأُمـــم
بــعــتـرتـي وبــأهــلـي بـــعــد مــفـتـقـدي      منهم أُسارى ومنهم ضُرّجوا بدمِ
تاريخ الطبري 4 / 357 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 88 ـ 89 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 215 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، المعجم الكبير 3 / 118 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ، مجمع الزوائد 9 / 199 ـ 200 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، تاريخ دمشق 69 / 178 في ترجمة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 102 _

  ولعلّه ، لذا أمر عمرو بن سعيد بن العاص بعد قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) صاحب شرطته عمرو بن الزبير أن يهدم دور بني هاشم ففعل ، وبلغ منهم كلّ مبلغ ، وهدم دار ابن مطيع ، وضرب الناس ضرباً شديداً ، فهربوا منه إلى ابن الزبير (1) .
  حيث لا يبعد أن يكون ذلك منه ردّاً على الناس وعقوبة لهم ، لأنّهم تحدّوا بعواطفهم موقف السلطة ، وإظهاراً لصرامتها في ذلك ، وردّاً لهيبتها واعتبارها .

موقف أهل المدينة عند رجوع العائلة الثاكلة إليه

  أمّا بعد رجوع ركب العائلة مكرّماً إلى المدينة ـ نتيجة تراجع السلطة عن موقفها ، كما يأتي ـ فقد اندفع الناس في إظهار عواطفهم .
  فعن الواقدي أنّه لم يبقَ بالمدينة أحد ، وخرجوا يضجّون بالبكاء (2) .
  وقال الخوارزمي : عجت نساء بني هاشم ، وصارت المدينة

---------------------------
(1) الأغاني 5 / 75 ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ، وقد تعرّض لبعض ذلك الزركلي في الأعلام 7 / 248 في ترجمة مصعب بن الزبير .
(2) ينابيع المودّة 3 / 47 ، تذكرة الخواص / 267 حديث الجمال التي حمل عليها الرأس والسبايا .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 103 _

  صيحة واحدة (1) .
  وروي أنّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) بعث بشر بن حذلم ينعى الإمام الحسين (عليه السّلام) لأهل المدينة ، ويخبرهم بأنّ ركبه قد نزل بساحتهم ، فخرج الناس يهرعون ، ولم تبقَ مخدّرة ولا محجّبة إلاّ برزنَ من خدورهنّ يدعونَ بالويل والثبور ، وضجّت المدينة بالبكاء ، فلم يُرَ باكٍ أكثر من ذلك اليوم ، وخرجوا لاستقبال العائلة الثاكلة وقد أخذوا الطرق والمواضع (2) .

موقف الناس في الشام

  وحتى الشام فإنّها وإن حُجر عليها ثقافياً ، ولم تعرف عموماً غير ثقافة الأمويين ، إلاّ إنّه كان هناك تململ وإنكار من بعض الخاصة في مجلس يزيد (3) ، وفي بعض المناطق بتكتّم وحذر شديدين (4) .
  كما إنّ التاريخ قد تضمّن كثيراً من الإنكارات الفردية بصور متفرّقة ، وفي مناسبات مختلفة ، ومن الطبيعي أنّ ما لم يسجّل منها أكثر .

---------------------------
(1) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 76 .
(2) اللهوف في قتلى الطفوف / 115 ، مثير الأحزان / 95 ـ 96 .
(3) تاريخ دمشق 68 / 95 في ترجمة رجل له صحبة ، أسد الغابة 5 / 381 في ذكر عبد الواحد بن عبد الله القرشي عن رجل من الصحابة ، تهذيب الكمال 6 / 429 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 309 في ترجمة الحسين الشهيد ، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله / 46 ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 82 ح 296 ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 150 ، 154 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (ع) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 71 ـ 73 ، تذكرة الخواص / 263 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(4) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 61 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 102 ـ 103 ، بحار الأنوار 45 / 273 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 104 _

وقع الحدث في أمصار المسلمين البعيدة

  وعلم الله تعالى كيف كان وقع الحدث في أمصار المسلمين الأُخرى التي هي بسبب بعدها عن الأحداث أبعد عن ضغط الطغمة الحاكمة .
  ولاسيما إنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) قد خطا خطوة مهمّة في تعريف المسلمين في أقطار الأرض بمقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) في مؤتمره الذي عقده في الحجّ في أواخر عهد معاوية .

محاولة الإمام الحسين (عليه السّلام) نشر مناقب أهل البيت (عليهم السّلام)
  فقد ورد أنّه (عليه السّلام) جمع وجوه مَنْ بقي من المهاجرين والأنصار ، وجماعة ممّن يُعرف بالنسك والصلاح من التابعين المنتشرين في الأقطار الإسلامية وخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال (صلوات الله عليه) : (( أمّا بعد ، فإنّ هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم ، وإنّي أُريد أن أسألكم عن شيء ، فإن صدقت فصدّقوني ، وإن كذبت فكذّبوني .
  أسألكم بحقّ الله عليكم ، وحقّ رسول الله ، وحقّ قرابتي من نبيّكم ، لما سيّرتم مقامي هذا ، ووصفتم مقالتي ، ودعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم مَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به ، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا ، فإنّي أتخوّف أن يُدرس هذا الأمر ، ويذهب الحقّ ويُغلَب ، ( وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) )) .
  ثمّ ما ترك (صلوات الله عليه) شيئاً ممّا أنزل الله تعالى فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره ، ولا شيئاً ممّا قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أبيه وأُمّه وأخيه وفي نفسه

---------------------------
(1) سورة الصف / 8 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 105 _

  وأهل بيته (صلوات الله عليهم) إلاّ رواه .
  وفي كلّ ذلك يقول مَنْ شهد الحديث من الصحابة : اللّهمّ نعم ، وقد سمعنا وشهدنا ، ويقول التابعي : اللّهمّ قد حدّثني به مَنْ أصدقه وأئتمنه من الصحابة .
  فقال (عليه السّلام) : (( أُنشدكم الله إلاّ حدّثتم به مَنْ تثقون به وبدينه )) .
  ثمّ تفرّقوا على ذلك (1) .

جهود العائلة الثاكلة في كشف الحقيقة وتهييج العواطف

  أمّا العائلة الثاكلة التي لم يكن فيها من الرجال سوى الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) الذي أنهكه المرض فقد رأت الأرضية الصالحة لبيان الحقيقة ، والجوّ المناسب لذلك ، فاستثمرت الظلامة لتهييج العواطف .
  وقد تيسّر لها في هذه المدّة الطويلة أن تكشف الحقيقة ، وتُعلن عن شرف النهضة ، ورفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وعن فداحة المصاب ، وعظم الجريمة ، بنحو ينبّه الغافلين ، ويهيج العواطف ، ويصدع القلوب ، ويترك أعمق الأثر في النفوس .
  كان ذلك منها في كربلاء قُبيل قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) (2) وبعد

---------------------------
(1) كتاب سليم بن قيس الهلالي / 320 ـ 321 ، الاحتجاج 2 / 18 ـ 19 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 345 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 78 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 204 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، الإرشاد 2 / 112 ، وغيرها من المصادر .
وقد قال الطبري في حديث رواه : وعُتب على عبد الله بن عمار بعد ذلك مشهده قتل الحسين ، فقال عبد الله بن عمار : إنّ لي عند بني هاشم ليداً ، قلنا له : وما يدك عندهم ؟ قال : حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه ، فوالله لو شئت لطعنته ، ثمّ انصرفت عنه غير بعيد ، وقلت : ما أصنع بأن أتولّى قتله ؟! يقتله غيري ، قال : فشدّ عليه رجّالة ممّن عن يمينه وشماله ، فحمل على مَنْ عن يمينه حتى أُذعروا ، وعلى مَنْ عن شماله حتى أُذعروا ، وعليه قميص له من خز وهو معتم ، قال : فوالله ، ما رأيت مكسوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه ، ولا أجرأ مقدماً ، والله ، ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، إن كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، قال : فوالله ، إنّه لكذلك ، إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أُخته ... وهي تقول : ليت السماء تطابقت على الأرض ، وقد دنا عمر بن سعد من حسين ، فقالت : يا عمر بن سعد ، أُيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟! قال : فكأنّي أنظر إلى دموع عمر وهى تسيل على خدّيه ولحيته ، قال : وصرف بوجهه عنها .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 106 _

  قتله (1) ، وفي الكوفة على ملأ من الناس (2) ، وفي مجلس ابن زياد (3) ،

---------------------------
(1) مثير الأحزان / 59 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 260 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 78 ـ 79 .
ومن ذلك ما رواه الطبري عن قرّة بن قيس التميمي قال : نظرت إلى تلك النسوة لمّا مررن بحسين وأهله وولده صحنَ ولطمنَ وجوههنَّ ، قال : فاعترضتهنَّ على فرس ، فما رأيت منظراً من نسوة قطّ كان أحسن من منظر رأيته منهنَّ ذلك ، والله ، لهنَّ أحسن من مها يبرين ، قال : فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول : يا محمداه ! يا محمداه ! صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، يا محمداه ! وبناتك سبايا ، وذريّتك مقتّلة تسفى عليها الصبا ، قال : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق ، تاريخ الطبري 4 / 348 ـ 349 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة .
(2) تقدّم التعرّض لبعض ذلك عند ذكر موقف أهل الكوفة حين استقبلوا العائلة الثاكلة ، راجع ملحق رقم 3 .
(3) فقد نقل ابن نما عن حميد بن مسلم أنّه قال : لمّا أُدخل رهط الحسين (عليه السّلام) على عبيد الله بن زياد ـ لعنهما الله ـ أذن للناس إذناً عاماً ، وجيء بالرأس فوضِع بين يديه ، وكانت زينب بنت علي (عليهما السّلام) قد لبست أردأ ثيابها وهي متنكّرة ، فسأل عبيد الله عنها ثلاث مرّات ، وهي لا تتكلّم ، قيل له : إنّها زينب بنت علي بن أبي طالب ، فاقبل عليها ، وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم .
فقالت : الحمد الذي أكرمنا بمحمد (صلّى الله عليه وآله) وطهرنا تطهيراً ، [لا كما تقول أنت ، تاريخ الطبري] إنّما يُفتضح الفاسق ، ويُكذب الفاجر ، وهو غيرنا .
فقال : كيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتكِ ؟
قالت : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كُتب عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتُحاج وتُخاصم ، فانظر لمَنْ الفلج ، هبلتك أُمّك يابن مرجانة .
فغضب ابن زياد ، [وكأنّه هم بها ، اللهوف ، مقتل الحسين (عليه السّلام) ] ، وقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، ولا تُؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال ابن زياد : لقد شفاني الله من طغاتكِ والعصاة المردة من أهل بيتكِ .
فبكت ، ثمّ قالت : لقد قتلت كهلي ، [وأبّرت أهلي ، الطبري] وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن تشفّيت بهذا فقد اشتفيت ، مثير الأحزان / 70 .
راجع الأمالي ـ للصدوق / 229 ، والإرشاد 2 / 115 ، وإعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 471 ـ 472 ، واللهوف في قتلى الطفوف / 93 ـ 94 ، وتجده مع اختلاف يسير في تاريخ الطبري 4 / 349 ـ 350 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، والكامل في التاريخ 4 / 81 ـ 82 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (عليه السّلام) ، والبداية والنهاية 8 / 210 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، والفتوح ـ لابن أعثم 5 / 142 ذكر دخول القوم على عبيد الله بن زياد ، ومقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 42 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 107 _

  وفي الشام (1) ،

---------------------------
(1) قال الخوارزمي : ثمّ أُتي بهم حتى أقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي ، وإذا شيخ أقبل حتى دنا منهم قال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم ، وأراح العباد من رجالكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم .
فقال له علي بن الحسين (عليه السّلام) : (( يا شيخ ، هل قرأت القرآن ؟ )) .
قال : نعم .
قال : (( هل قرأت هذه الآية ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟ )) .
قال الشيخ : قرأتها .
قال : (( فنحن القربى يا شيخ . وهل قرأت هذه الآية ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ؟ )) .
قال : نعم .
قال : (( فنحن أهل البيت الذي خُصصنا بآية الطهارة )) .
فبقي الشيخ ساكتاً ساعة نادماً على ما تكلّم به ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فقال : اللّهمّ إنّي أتوب إليك من بغض هؤلاء ، وإنّي أبرأ إليك من عدوّ محمد وآل محمد من الجنّ والإنس .
مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 61 ـ 62 ، وقد ذكر القصّة باختلاف يسير في اللهوف في قتلى الطفوف / 102 ـ 103 ، وفي تفسير الطبري 25 / 33 ، وتفسير الثعلبي 8 / 311 ، وتفسير ابن كثير 4 / 121 ، وروح المعاني ـ للآلوسي 25 / 31 ، والدرّ المنثور 6 / 7 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 108 _

  وفي مجلس يزيد (1) .
  وإنّ من أشدّ ذلك خطبة العقيلة زينب (عليها السّلام) بنت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في مجلس يزيد حينما تبجّح بقتله للحسين (عليه السّلام) ، وأنشد الأبيات المتقدّمة ، حيث إنّها لم تقتصر على بيان ظلامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وفداحة المصاب ، بل زادت على ذلك بتبكيت يزيد وتكفيره ، والتأكيد على هوانه على الله تعالى ، وعلى خسّته وخسّة أصوله وعراقتهم في الكفر ، ووعده بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة ، والتأكيد على أنّ العاقبة لأهل البيت (صلوات الله عليهم) .
  كلّ ذلك ببيان فريد ، ومنطق رصين يبهر العقول ، كأنّها تُفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين ، وأُمّها الصديقة الزهراء (صلوات الله عليهم) (2) .
  كما خطب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) خطبة طويلة أبكى بها العيون ، وأوجل فيها القلوب ، انتسب فيها لآبائه الكرام (صلوات الله عليهم) ، وأشاد برفيع مقامهم وبمواقفهم وجهادهم ، وعرج على مصاب أبيه (عليه السّلام) ، فقال : (( أنا ابن المقتول ظلماً ، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن مَنْ بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن مَنْ ناحت عليه الجنّ في الأرض

---------------------------
(1) قال ابن الجوزي : وكان علي بن الحسين والنساء موثقين في الحبال ، فناداه علي : يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله لو رآنا موثقين في الحبال ، عرايا على أقتاب الجمال ؟! فلم يبقَ في القوم إلاّ مَنْ بكى ، تذكرة الخواص / 162 ، واللفظ له ، الأنوار النعمانية 3 / 251 نور في بعض أحوال واقعة الطفوف ، اللهوف في قتلى الطفوف / 101 .
وروى الخوارزمي كلام له (عليه السّلام) مع يزيد أشدّ من هذا لا يسعنا ذكره لطوله ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 63 .
(2) راجع ملحق رقم 4 ، وتقدّم بعض خطبتها المذكورة في / 80 ، ويأتي لها معه كلام آخر في / 242 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 109 _

  والطير في الهواء ... )) .
  فضجّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد من الفتنة ، فاضطرّ إلى قطع خطبته بأن طلب من المؤذّن أن يؤذّن ، فلمّا انتهى المؤذّن إلى قوله : أشهد أنّ محمداً رسول الله ، التفت (عليه السّلام) إلى يزيد ، وقال : (( يا يزيد ، محمد هذا جدّي أم جدّك ؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت إنّه جدّي فلِمَ قتلت عترته ؟! )) (1) .

فاجعة الطفّ أشدّ جرائم يزيد وقعاً في نفوس المسلمين

  وبالرغم من أنّ يزيد كما قام في السنة الأولى من حكمه بفاجعة الطفّ ، قام في السنة الثانية بواقعة الحرّة الفظيعة التي انتُهكت فيها حرمة المدينة المنوّرة وحرمة أهلها على أبشع وجه ، وبوحشية مسرفة ، وقام في السنة الرابعة باستباحة حرم الله (عزّ وجلّ) ومكّة المكرّمة ، ورُمي المسجد الحرام والكعبة المعظمة بالمنجنيق ، إلاّ أنّه يبدو أنّ فاجعة الطفّ هي الأشدّ وقعاً في نفوس المسلمين .
  فقد ورد عن الزبير بن بكار (2) ، وعن البيهقي صاحب التاريخ (3) أنّ عام قتل الحسين (عليه السّلام) سُمّي عام الحزن ، كما ذكر البكري أنّهم كانوا يقولون : ضحّى بنو حرب بالدين يوم كربلاء ، وضحّى بنو مروان بالمروءة يوم العقر (4) .

---------------------------
(1) راجع ملحق رقم 5 .
(2) ملحقات إحقاق الحقّ 33 / 699 عن مختصر تذكرة القرطبي ـ للشعراني / 222 .
(3) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 40 .
(4) معجم ما استعجم 3 / 950 عند ذكر (العقر) ، ومثله مع اختلاف يسير في تاريخ الإسلام 7 / 8 في حوادث سنة اثنتين ومئة ، ووفيات الأعيان 6 / 308 ، و 4 / 109 وقد نسبه فيه إلى كثير ، وكذا نسبه في الوافي بالوفيات 24 / 248 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 110 _

ندم جماعة من المشاركين في المعركة

  كما صرّح غير واحد بالندم والأسف لاشتراكهم في المعركة ، وقيامهم بهذه الجريمة الكبرى ، وشعورهم بالخزي والعار في الدنيا ، وانتظارهم عظيم العقاب والنكال في الآخرة .

ندم عمر بن سعد وموقف الناس منه
  فقد قام عمر بن سعد من عند ابن زياد يريد منزله إلى أهله ، وهو يقول في طريقه : ما رجع أحد بمثل ما رجعت ، أطعت الفاسق ابن زياد ، وعصيت الحاكم العدل ، وقطعت القرابة الشريفة (1) .
  وهجره الناس ، وكان كلّما مرّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه ، وكلّما دخل المسجد خرج الناس منه ، وكلّ مَنْ رآه قد سبّه ، فلزم بيته إلى أن قُتل (2) .
   ومرّ يوماً بمجلس بني نهد حين قتل الحسين (عليه السّلام) فسلّم ، فلم يردّوا عليه السّلام ، فلّما جاز قال :
أتيتُ الذي لم يأتِ قبلي ابن حرّة      فـنـفـسي مـــا أحـــرت وقــومـي أذلّــتِ (3)
  وقال رضي بن منقذ العبدي الذي اشتبك مع برير بن خضير (رضي الله عنه) فصرعه برير ، وأنعم عليه كعب بن جابر فاستنقذه بعد أن قتل بريراً :
ولـــو شـــاء ربّـــي مـــا شـهـدتُ قـتـالهم      ولا جعلَ النعماءَ عندي ابن جابرِ

---------------------------
(1) تذكرة الخواص / 259 ، أنساب الأشراف 3 / 414 ـ 415 مقتل الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، الأخبار الطوال / 260 نهاية الحسين .
(2) تذكرة الخواص / 259 .
(3) تاريخ دمشق 45 / 54 في ترجمة عمر بن سعد ، واللفظ له ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 88 ح 307 ـ 308 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 111 _

لقد كانَ ذاكَ اليومُ عاراً وسبة      تــعــيّــرهُ الأبـــنــاءُ بـــعــدَ الــمـعـاشـرِ
فـــيـــا لـــيـــتَ أنّـــــي كـــنــتُ مـــــن قـــبــلِ قــتــلـه      ويومَ حسينٍ كنتُ في رمسِ قابرِ (1)
  وسُمع شبث بن ربعي في إمارة مصعب يقول : لا يُعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ، ولا يسدّدهم لرشد ، ألا تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ، ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ، ثمّ عدونا على ابنه ـ وهو خير أهل الأرض ـ نقاتله مع آل معاوية وابن سُمية الزانية ؟! ضلال يا لك من ضلال ! (2) .
  وقال أبو مخنف : حدّثني نمير بن وعلة أنّ أيوب بن مشرح الخيواني كان يقول : أنا والله عقرت بالحرّ بن يزيد فرسه ... فقال له أشياخ من الحي : أنت قتلته ؟ قال : لا والله ما أنا قتلته ، ولكن قتله غيري ، وما أحبّ أنّي قتلته ، فقال له أبو الودّاك : ولِمَ ؟ قال : إنّه كان زعموا من الصالحين ، فوالله ، لئن كان إثماً لأن ألقى الله بإثم الجراحة والموقف أحبّ إليّ من أن ألقاه بإثم قتل أحد منهم ... (3) .

ندم جماعة لتركهم نصرة الإمام الحسين (عليه السّلام)

  وأمّا الذين ندموا بعد ذلك لتركهم نصرة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) فكثيرون ، لا يسعنا استقصاؤهم ، وقد تقدّم قول البراء بن عازب : أعظم بها حسرة ، إذ لم أشهده وأُقتل دونه (4) .
  وذكروا أنّ عبد الله بن الحرّ الجعفي طلب منه الإمام الحسين (عليه السّلام) أن

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 330 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة .
(2) تاريخ الطبري 4 / 332 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 68 ـ 69 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) .
(3) تاريخ الطبري 4 / 333 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة .
(4) تقدّم في / 25 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 112 _

  ينصره فأبى ذلك واعتزل (1) ، وقد أنّبَه ابن زياد على عدم قتاله للإمام الحسين (عليه السّلام) في حديث طويل له معه حينما دخل عليه ، ثمّ خرج ابن الحرّ من مجلس ابن زياد ومضى إلى كربلاء ، فنظر إلى مصارع القوم فاستغفر لهم هو وأصحابه ، ثمّ مضى حتى نزل المدائن ، وقال في ذلك :
يــــقـــولُ أمــــيـــرٌ غـــــــادرٌ حـــــــقّ غــــــادر      ألا كنتَ قاتلتَ الشهيدَ ابن فاطمه
فيا ندمي أن لا أكونَ نصرته      إلا كـــلّ نــفـسٍ لا تـسـدّدُ نـادمـه
وإنّـي لأنّـي لـم أكن من حماته      لذو حسرةٍ ما إن تُفارقُ لازمه
  في أبيات كثيرة يرثي بها الإمام الحسين (عليه السّلام) وأصحابه ، ويؤكّد على شدّة جريمة قتلهم (2) ، وله شعر آخر يتضمّن ندمه وحسرته لتقاعسه عن نصره (3) .
  كما إنّ الظاهر أنّ كثيراً من التوّابين قد ندموا على ترك نَصره (عليه السّلام) مع قدرتهم عليه ، بل هم إنّما سمّوا بالتوّابين لذلك ، وإن كان الظاهر أنّ كثيراً منهم عجز عن نصر الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، لأنّ ابن زياد قد سجنه ، أو لأنّه قد سدّ الطرق بنحو يتعذّر عليه الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) ، كما أشرنا إلى ذلك في المقدّمة .

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 37 / 421 في ترجمة عبيد الله بن الحرّ بن عمرو ، الفتوح ـ لابن أعثم 6 / 301 ابتداء خبر عبيد الله بن الحرّ الجعفي ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 93 في تتمة حديث سابق بعد حديث برقم 329 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 359 ـ 360 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، البداية والنهاية 8 / 229 في شيء من أشعاره التي رويت عنه ، تاريخ دمشق 37 / 420 في ترجمة عبيد الله بن الحر بن عمرو ، الفتوح ـ لابن أعثم 6 / 302 ابتداء خبر عبيد الله بن الحرّ الجعفي .
(3) تاريخ دمشق 37 / 421 في ترجمة عبيد الله بن الحرّ بن عمرو ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 94 ، 96 .