بغض النظر عن تطبيقه عملياً في الواقع الإسلامي أو عدمه .
وقد يناسب ذلك ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث له مع أُبيّ بن كعب ، وأنّه قال له : (( إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، فإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله : مصباح الهدى ، وسفينة النجاة ... )) (1) .
فإنّ الأئمّة (صلوات الله عليهم) وإن كانوا كلّهم هداة لدين الله تعالى وسفن نجاة الأُمّة ، إلاّ إنّ تخصيص الإمام الحسين (عليه السّلام) بذلك يناسب تميّزه في هداية الناس ، ونجاتهم من هلكة التيه والحيرة والضلال .
كما ورد عن الإمام الحسين نفسه (صلوات الله عليه) أنّه ذكر في كلام له طويل دواعي خروجه وتعرّضه للقتل ، وقال في آخره : (( ... لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ )) (2) .
وربما تشير إلى ذلك العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السّلام) فيما تقدّم من قولها في أواخر خطبتها ـ في التعقيب على الأبيات التي أنشدها يزيد متشفياً ، وهو ينكت ثنايا الإمام الحسين (عليه السّلام) بمخصرته : فكد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تُميت وحينا ، ولا تُدرك أمدنا ... (3) .
وذلك يكشف عن أنّ دين الإسلام الخاتم للأديان قد تعرّض بسبب انحراف السلطة لخطر التحريف والتشويه ، بحيث تضيع معالمه ، ولا يتيسّر الوصول والتعرّف عليه لمَنْ يريد ذلك ، كما حصل في الأديان السابقة ، وأنّ
---------------------------
(1) بحار الأنوار 36 / 205 ، واللفظ له ، عيون أخبار الرضا 2 / 62 ، كمال الدين وتمام النعمة / 265 ، وغيرها من المصادر .
(2) اللهوف في قتلى الطفوف / 42 .
(3) راجع ملحق رقم 4 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 142 _
الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) قد واجه ذلك الخطر ، ودفعه بنهضته المقدّسة ، وما استتبعها من تضحيات جسام .
أهمية بقاء معالم الدين ووضوح حجّته
ومن الظاهر أنّ ذلك من أهمّ المقاصد الإلهية ، فإنّ الله (عزّ وجلّ) لا بدّ أن يوضح الدين الحق ، ويتم الحجّة عليه ، ليتيسّر لطالب الحق الوصول إليه ، والتمسّك به ، و ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ )
(1) .
وقد قال الله (عزّ وجلّ) : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ )
(2) ، وقال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُول )
(3) ، وقال سبحانه : ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )
(4) ... إلى غير ذلك .
تميّز الإسلام بما أوجب إيضاح معالمه وبقاء حجّته
وحقيقة الأمر : إنّ ذلك لم يستند لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وحدها ، بل هو نتيجة أمرين امتاز بهما دين الإسلام العظيم :
الأوّل : بقاء القرآن المجيد في متناول المسلمين جميعاً ، واتّفاقهم عليه ، وحفظ الله (عزّ وجلّ) له من الضياع على عامّة الناس ، ومن التحريف كما حصل في الكتب السماوية الأخرى .
الثاني : جهود جميع الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، فإنّهم لمّا أُقصوا عن مراتبهم التي رتّبهم الله تعالى فيها ، نتيجة انحراف مسار السلطة في
---------------------------
(1) سورة الأنفال / 42 .
(2) سورة التوبة / 115 .
(3) سورة الإسراء / 15 .
(4) سورة النساء / 165 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 143 _
الإسلام ، تعرّض دين الإسلام القويم لخطر التحريف والتشويه والضياع ، كما تعرّضت لذلك جميع الأديان ، فكان مقتضى ائتمان الله تعالى لهم (عليهم السّلام) على الدين ، وجعلهم رعاة له أن يتحمّلوا مسؤوليتهم في درء الخطر المذكور .