37 ـ وقال عمرو بن الحجّاج في المعركة يوم عاشوراء : يا أهل الكوفة ، ألزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل مَنْ مرق من الدين ، وخالف الإمام .
فقال له الإمام الحسين (عليه السّلام) : (( يا عمرو بن الحجّاج ، أعليّ تحرّض الناس ؟! أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتم عليه ؟! أما والله ، لتعلمنّ لو قد قُبضت أرواحكم ، ومتّم على أعمالكم ، أيّنا مرق من الدين ، ومَنْ هو أولى بصلي النار )) (1) .
38 ـ وعن أبي إسحاق قال : كان شمر بن ذي الجوشن يصلّي معنا الفجر ، ثمّ يقعد حتى يصبح ، ثمّ يصلّي فيقول : اللّهمّ إنّك شريف تحبّ الشرف ، وأنت تعلم أنّي شريف ، فاغفر لي .
فقلت : كيف يغفر الله لك وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأعنت على قتله ؟!
قال : ويحك ! فكيف نصنع ؟! إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر ، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر (2) .
39 ـ ولمّا خلع أهل المدينة يزيد أنكر عبد الله بن عمر ذلك (3) ، ودعا بنيه وجمعهم ، وقال : إنّا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( إنّ الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة ، فيقول : هذه غدرة فلان ... )) .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 331 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 67 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 197 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن .
(2) تاريخ الإسلام 5 / 125 في ترجمة شمر بن ذي الجوشن ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 23 / 189 في ترجمة شمر بن ذي الجوشن ، ميزان الاعتدال 2 / 280 في ترجمة شمر بن ذي الجوشن ، وغيرها من المصادر .
(3) صحيح البخاري 8 / 99 كتاب الفتن ، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 8 / 159 كتاب قتال أهل البغي ، باب إثم الغادر للبر والفاجر ، مسند أحمد 2 / 48، 96 مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب ، تفسير ابن كثير 2 / 605 ، الطبقات الكبرى 4 / 183 في ذكر عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 199 _
فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد ... فتكون الصيلم بيني وبينه
(1) .
40 ـ وكان أهل المدينة حينما خلعوا بيعة يزيد قد حبسوا بني أُميّة وضيّقوا عليهم ، فلمّا أقبل جيش أهل الشام بقيادة مسلم بن عقبة أفرجوا عنهم ، وسمحوا لهم بالخروج من المدينة بعد أن أخذوا منهم عهد الله تعالى وميثاقه على أن لا يبغوهم غائلة ، ولا يدلوا على عورة لهم ، ولا يُظاهروا عليهم عدوّاً .
لكنّ عبد الملك بن مروان حينما دخل على مسلم بن عقبة في الطريق ، واستشاره مسلم في خطّة القتال أشار عليه بخطّة محكمة ـ سار عليها مسلم ـ ثمّ قال له : ثمّ قاتلهم واستعن بالله عليهم ، فإن الله ناصرك ؛ إذ خالفوا الإمام ، وخرجوا من الجماعة
(2) .
41 ـ ولمّا رأى مسلم بن عقبة ضَعفَ قتال أهل الشام في قتال أهل المدينة نادى : يا أهل الشام ، هذا القتال قتال قوم يريدون أن يدفعوا به عن دينهم ، وأن يعزوا به نصر إمامهم ؟!
(3) .
وقال أيضاً في تحريضهم على القتال : يا أهل الشام ، إنّكم لستم بأفضل العرب في أحسابها ولا أنسابها ، ولا أكثرها عدداً ، ولا أوسعها بلداً ، ولم يخصصكم الله بالذي خصّكم به ـ من النصر على عدوّكم ، وحسن المنزلة عند
---------------------------
(1) الطبقات الكبرى 4 / 183 في ذكر عبد الله بن عمر بن الخطاب ، واللفظ له ، صحيح البخاري 8 / 99 كتاب الفتن ، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثمّ خرج فقال بخلافه ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 8 / 159 كتاب قتال أهل البغي ، باب إثم الغادر للبرّ والفاجر ، مسند أحمد 2 / 48 ، 96 مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب ، البداية والنهاية 8 / 255 أحداث سنة أربع وستين من الهجرة ، ترجمة يزيد بن معاوية ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) تاريخ الطبري 4 / 373 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، واللفظ له ، البداية والنهاية 8 / 240 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة .
(3) تاريخ الطبري 4 / 375 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، واللفظ له ، جمهرة خطب العرب 2 / 327 خطبة مسلم بن عقبة يؤنب أهل الشام .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 200 _
أئمتكم ـ إلاّ بطاعتكم واستقامتكم ، وإنّ هؤلاء القوم وأشباههم من العرب غيّروا فغيّر الله بهم ، فتمّوا على أحسن ما كنتم عليه من الطاعة يتمم الله لكم أحسن ما ينيلكم من النصر والفلج