السرير اعترضه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم ، فرق له ، وقال : ( وصلتك رحم ، وجزيت خيرا ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، وآزرت ونصرت كبيرا ) .
ثم أقبل على الناس ، فقال : ( أما والله، لأشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين ) (1) .
وفي هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب رضي الله عنه :
أحدهما :
أمر رسول الله عليا صلوات الله عليهما وآلهما بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده، إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية ، لأن جعفرا رحمه الله كان يومئذ ببلاد الحبشة ، وكان عقيل وطالب حاضرين ، وهما يومئذ على خلاف الاسلام ، لا يسلم واحد منهما بعد ، وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام مؤمن بالله تعالى ورسوله ، فخص المؤمن منهم بولاية أمره ، وجعله أحق به منهما ، لإيمانه ووفاقه إياه في دينه .
ولو كان أبو طالب رضي الله عنه مات على ما يزعم النواصب كافرا ، كان عقيل وطالب أحق بتولية أمره من علي عليه الصلاة والسلام ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره ، لانقطاع العصمة بينهما .
وفي حكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي عليه الصلاة والسلام به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة ، شاهد صدق في إيمانه على ما بيناه .
والدليل الآخر:
دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) [ له ](2) بالخيرات ، ووعده
---------------------------
(1) الحجة على الذاهب : 298 ، شرح نهج البلاغة 14 : 77 .
(2) زيادة يقتضيها السياق .
إيمان أبي طالب _ 27 _
أمته فيه بالشفاعة إلى الله، واتباعه بالثناء والحمد والدعاء ، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الاسلام ، ولو كان أبو طالب مات كافرا لما وسع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الثناء عليه بعد الموت ، والدعاء له بشئ من الخير ، بل كان يجب عليه اجتنابه ، واتباعه بالذم واللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه ، كما فرض الله عز وجل ذلك عليه للكافرين ، حيث يقول : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) (1).
وفي قوله : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) (2) .
وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، ثبت أن أبا طالب رضي الله عنه مات مؤمنا ، بدلالة فعله ومقاله ، وفعل نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) به ومقاله ، حسبما شرحناه .
ويؤكد ذلك ما أجمع عليه أهل النقل من العامة والخاصة ، ورواه أصحاب الحديث عن رجالهم الثقات من أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم سئل فقيل له : ما تقول في عمك أبي طالب ، يا رسول الله، وترجو له ؟ قال :
( أرجو له كل خير من ربي ) (3).
فلولا أنه رحمة الله عليه مات على الإيمان لما جاز من رسول
---------------------------
(1) سورة التوبة 9 : 85 .
(2) سورة التوبة 9 : 115 .
(3) الحجة على الذاهب : 94 ، شرح نهج البلاغة 14 : 68 ، تاريخ الاسلام للذهبي 1 : 138 .
إيمان أبي طالب _ 28 _
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجاء الخيرات له من الله عز وجل ، مع ما قطع له تعالى به في القرآن وعلى لسان نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم من خلود الكفار في النار ، وحرمان الله لهم سائر الخيرات وتأبيدهم في العذاب على وجه الاستحقاق والهوان .
إيمان أبي طالب _ 29 _
فصل
فأما قوله لم رضي الله عنه المنبه على إسلامه وحسن نصرته ، وإيمانه الذي ذكرناه عنه ، فهو ظاهر مشهور في نظمه المنقول عنه على التواتر والاجماع ، وسأورد منه جزءا يدل على ما سواه ، إن شاء الله تعالى .
فمن ذلك قوله في قصيدته الميمية التي أولها:
ألا مـن لـهم آخـر الـليل iiمـقتم طواني وأخرى النجم لما تقحم ؟ (1)
إلى قوله :
أتـرجون أن نـسخو بـقتل iiمـحمد ولم تختضب سمر العوالي (2) من الدم
---------------------------
(1) في الديوان : معتم بدل مقتم وكلاهما بمعنى واحد .
طواني : أقام عندي ( لسان العرب ـ طوى ـ 15: 20 ) .
وتقحم النجم : غاب ( لسان العرب ـ قحم ـ 12 : 463 ) .
(2) العوالي : جمع عالية ، وهي أعلى الرمح ورأسه ، وقيل : العالية : القناة المستقيمة ( لسان العرب ـ علا ـ 15 : 87 ) .
إيمان أبي طالب _ 30 _
كـذبتم وبـيت الله حـتى تفرقوا (1)ii جـمـاجم تـلقى بـالحطيم iiوزمـزم وتـقـطع أرحــام وتـنسى iiحـليلة خـليلا ويـغشى مـحرم بـعد محرم ويـنهض قـوم فـي الـحديد iiإلـيكم يـذودون عـن أحـسابهم كـل iiمجرم عـلى مـا أتـى من بغيكم iiوضلالكم وعـصيانكم فـي كل أمر ومظلم (2)ii بـظلم نـبي جـاء يـدعو إلى iiالهدى وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم (3) فــلا تـحـسبونا مـسلميه iiومـثله إذا كـان فـي قـوم فليس بمسلم (4)ii
أفلا ترى الخصوم إلى هذا الجد من أبي طالب رضي الله عنه في نصرة نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والتصريح بنبوته ، والاقرار بما جاء من عند الله عز وجل ، والشهادة بحقه ، فيتدبرون ذلك أم على قلوب أقفالها ؟!
---------------------------
(1) في ( أ ) : تعرفوا ، وفي شرح النهج : تفلقوا .
(2) في الديوان:
على ما مضى من بغيكم وعقوقكم وغـشيانكم فـي أمرنا كل iiمأثم
(3) في الديوان وشرح النهج : قيم .
(4) ديوان أبي طالب : 29 ـ 31 ، شرح نهج البلاغة 14 : 71 .
إيمان أبي طالب _ 31 _
ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :
تـطاول لـيلي بـهم iiنـصب ودمـع كسح السقاء السرب (1) لـلـعب قـصـي iiبـأحلامها وهل يرجع الحلم بعد اللعب (2)
إلى قوله رضي الله عنه:
وقـالوا لأحـمد أنـت iiامرؤ خلوف الحديث ضعيف النسب ألا إن أحـمـد قـد iiجـاءهم بـحق ، ولم يأتهم بالكذب (3)ii
وفي هذا البيت صرح بالإيمان برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :
---------------------------
(1) سح : سال ( الصحاح ـ سحح ـ 1 : 373 ).
السرب : الذي يسيل منه الماء ( الصحاح ـ سرب ـ 1 : 147 ).
(2) ورد هذا البيت مصحفا في (1) هكذا :
بـلـغت قـصـي iiبـأكلابها وهل يرجع الحكم بعد اللعب ؟!
(3) ديوان أبي طالب : 25 ، مناقب ابن شهرآشوب 1 : 66 ، الحجة على الذاهب : 245 ، شرح نهج البلاغة 14 : 61 .
إيمان أبي طالب _ 32 _
أخـلتم بـأنا مـسلمون iiمـحمدا ولـما نـقاذف دونه بالمراجم (1)ii أمـينا حـبيبا فـي البلاد iiمسوما بـخاتم رب قـاهر لـلخواتم (2)ii يـرى الناس برهانا عليه iiوهيبة وما جاهل في فضله مثل عالم (3) نـبيا أتـاه الـوحي من عند iiربه فمن قال لا يقرع بها سن نادم (4)ii تـطيف به جر ثومة (5)iiهاشمية تـذبب عـنه كل باغ وظالم (6)ii
ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :
---------------------------
(1) المراجم : قبيح الكلام ، ولعل المراد هنا التقاذف بها يرجم به من السلاح ( لسان العرب ـ رجم ـ 12 : 228 ) وفي شرح النهج : ونزاحم ، ولم يرد هذا البيت في الديوان .
(2) في ( أ ) : للجراثم .
(3) في الديوان : وما جاهل أمرا كآخر عالم .
وفي شرح النهج : وما جاهل في قومه مثل عالم .
(4) قرع فلان أسنانه ندما أي حك بعضها على بعض حتى يسمع لها صوت غيظا وحنقا وندما ( أنظر لسان العرب ـ قرع ـ 8 : 264 و ـ حرق ـ 10 : 44 ) .
(5) جرثومة كل شئ : أصله ومجتمعه ( لسان العرب ـ جرثم ـ 12 : 95 ) .
(6) ديوان أبي طالب : 32 ، شرح نهج البلاغة 14 : 73
إيمان أبي طالب _ 33 _
ألا أبـلغا عـني عـلى ذات iiبينها لـؤيا وخـصا من لؤي بني iiكعب ألـم تـعلموا أنـا وجـدنا iiمحمدا نـبيا كموسى خط في أول iiالكتب وأن عـليه فـي الـعباد iiمـحبة ولا شك فيمن خصه الله بالحب (1)
وفي هذا الشعر والذي قبله محض الإقرار برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم وبالنبوة ، وصريحه بلا ارتياب .
ومن ذلك قوله رضي الله عنه:
ألا مـن لهم آخر الليل iiمنصب وشعب العصا من قومك المشعب
إلى قوله :
وقـد كـان في أمر الصحيفة iiعبرة متى ما تخبر غائب القوم يعجب (2) مـحا الله مـنها كـفرهم iiوعيوبهم وما نقموا من باطل الحق مقرب (3)
---------------------------
(1) مناقب ابن شهرآشوب 1 : 63 ، سيرة ابن هشام 1 : 377 ، شرح النهج 14 : 72 ، البداية والنهاية 3 : 84 ، خزانة الأدب 1 : 261 .
(2) في الديوان : أتاك بها من غائب متعصب .
(3) في الديوان :
...................... وعـقـوقهم وما نقموا من صادق القول منجب .
إيمان أبي طالب _ 34 _
فكذب (1) ما قالوا من الأمر باطلا ] ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا iiمصدقا على سخط من قومنا غير iiمعتب فلا تحسبونا مسلــمين iiمحمدا لذي غربــة منا ولا iiمتغرب ستـمنعه منا يد iiهاشــمية مركبها في الناس غير(2) مركب(3)ii
وقال أيضا رضي الله عنه يحض حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه على اتباع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والصبر على طاعته، والثبات على دينه:
فـصبرا أبا يعلى على دين أحمد وكن مظهرا للدين وفقت iiصابرا نـبي أتـى بالدين من عند ربه بصدق وحق لا تكن حمز iiكافرا فقد سرني إذ قلت : لبيك ، مؤمنا فكن لرسول الله في الدين iiناصرا
---------------------------
(1) في الديوان : وأصبح .
(2) في الديوان والمناقب : خير.
(3) ديوان أبي طالب : 16 ، مناقب ابن شهرآشوب 1 : 64 .
إيمان أبي طالب _ 35 _
ونــاد قـريشا بـالذي قـد iiأتـيته جهارا ، وقل : ما كان أحمد ساحرا (1)
وليس وراء هذه الشهادة والاقرار بالنبوة والحث على اعتقادها بيان في إيمانه ولا بعده شبهة وليس غير ذلك إلا العناد ورفع الاضطرار ، نعوذ بالله من الخذلان .
ومن ذلك قوله رضي الله تعالى عنه :
إذا قيل من خير هذا iiالورى قـبيلا ، وأكـرمهم أسره ؟ أنـاف بـعبد مـناف iiأبي أبـو نضلة هاشم الغره (2)ii وقـد حـل مجد بني iiهاشم مـكان النعائم والزهره (3)ii وخـير بـني هـاشم أحمد رسول المليك على فتره (4)
وهذا مطابق لقوله تعالى : ( قد جاءكم رسولنا يبين لكم على
---------------------------
(1) مناقب ابن شهرآشوب 1 : 62 ، شرح نهج البلاغة 14 : 76 ، الغدير 7 : 357 .
(2) أناف : ارتفع وأشرف ، ( لسان العرب ـ نوف ـ 9 : 342 ) .
أبو نضلة : كنية هاشم بن عبد مناف ( الصحاح ـ نضل ـ 5 : 1831 ) .
(3) النعائم : منزل من منازل القمر ( لسان العرب ـ نعم ـ 12 : 586 ) .
الزهرة : كوكب معروف ( لسان العرب ـ زهر ـ 4 : 332 ) .
(4) شرح نهج البلاغة 14 : 78 .
إيمان أبي طالب _ 36 _
فترة من الرسل ) (1) .
فإن لم يكن في ذلك شهادة للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم بالنبوة ، فليس في ظاهر الآية شهادة ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل ، له معرفة بأدنى معرفة أهل اللسان .
ومنه قوله في ذكر الآيات للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم ودلائله ، وقول بحيراء الراهب فيه ، وذلك أن أبا طالب رضي الله عنه لما أراد الخروج إلى الشام ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم إشفاقا عليه ، ولم يعمل على استصحابه ، فلما ركب أبو طالب رضي الله تعالى عنه بلغه ذلك ، فتعلق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم بالناقة وبكى ، وناشده الله في إخراجه معه ، فرق له أبو طالب وأجابه إلى استصحابه .
فلما خرج معه أظلته الغمامة، ولقيه بحيراء الراهب فأخبره بنبوته، وذكر لهم (2) البشارة في الكتب الأولى، فقال أبو طالب رضي الله تعالى عنه :
[ إن الأمين محمدا في قومه عندي يفوق منازل الأولاد (3)
لما تعلق بالزمام ضممته (4) والعيس قد قلصن بالأزواد (5) ---------------------------
(1) سورة المائدة 5 : 19 .
(2) في ( ط ) : له .
(3) في السيرة وتاريخ ابن عساكر :
إن ابن آمنة النبي iiمحمدا عندي بمثل منازل الأولاد
(4) في السيرة وتاريخ ابن عساكر : رحمته .
(5) العيس: الإبل البيض . يخالط بياضها شئ من الشقرة ويقال : هي كرائم الإبل .
( الصحاح ـ عيس ـ 3 : 954 ) .
وقلصن : ارتفعن وذهبن ، والتشديد للمبالغة ( أنظر لسان العرب ـ قلص ـ 7 : 80 ) .
إيمان أبي طالب _ 37 _
حـتى إذا ما القوم بصرى iiعاينوا لاقوا على شرف (1) من المرصاد حـبرا فـأخبرهم حـديثا صادقا عـنه ورد مـعاشر الـحساد (2)ii
ومنه قوله رضي الله عنه وقد حضرته الوفاة في وصيته لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
أبـيت بـحمد الله ترك iiمحمد بـمكة أسـلمه لـشر iiالـقبائل وقال لي الأعداء : قاتل عصابة أطاعوه، وابغهم جميع iiالغوائل
---------------------------
(1) في السيرة وتاريخ ابن عساكر : شرك .
(2) ديوان أبي طالب : 33 ، سيرة ابن إسحاق : 76 ، تهذيب تاريخ ابن عساكر 1 : 272 .
الغدير 7 : 343 .
(3) متشابه القرآن 2 : 65 ، مناقب ابن شهرآشوب 1 : 39 و 61 .
إيمان أبي طالب _ 38 _
إلى قوله :
أقيم على نصر النبي iiمحمد أقاتل عنه بالقنا والذوابل (1)
ومنه أيضا قوله يحض النجاشي على نصر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
تـعلم مـليك الـحبش أن iiمـحمدا نـبي كـموسى والمسيح بن iiمريم أتـى بـهدى مـثل الـذي أتيا iiبه فـكل بـأمر الله يهدي ويعصم (2)ii وإنـكـم تـتـلونه فـي iiكـتابكم بصدق حديث لا حديث المبرجم (3) وإنـك مـا تـأتيك مـنا عـصابة بـفـضلك إلا عـاودوا iiبـالتكرم
---------------------------
(1) أي الرماح الذوابل ، سميت بذلك ليبسها ولصوق ليطها ، يعني قشرها ( المخصص ، السفر السادس : 31 ) .
(2) في هذا البيت إقواء ظاهر ، إذ أن حركة حرف الروي الكسر وجاءت هنا مضمومة إقواء .
(3) من البرجمة وهي : غلظ الكلام ( النهاية ـ برجم ـ 1 : 113 ولعلها ( الترجم ) من الرجم ، وهو القول بالظن والحدس ( لسان العرب ـ رجم ـ 12 : 227 ) .
إيمان أبي طالب _ 39 _
فـلا تـجعلوا لـله ندا iiوأسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم (1)
وفي هذا الشعر من التوحيد والاسلام ما لا يمكن دفعه مسلما .
ومن ذلك قوله رضي الله تعالى عنه لجعفر ابنه وقد أمر بالصلاة مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : صل ، يا بني ، جناح ابن عمك ، فعل ، فلما رأى إجابته له أنشأ يقول :
إن عـلـيا وجـعفرا ثـقتي عـند مـلم الخطوب iiوالكرب والله لا أخــذل الـنبي iiولا يـخذله مـن بـني ذو حسب لا تـخذلا وانصرا ابن iiعمكما أخي لأمي من دونهم وأبي (2)
فهذا القول في خاتمة أمره وفاقا لما سلف منه في مضي (3) زمانه وحياته ، وهو محض التصديق حقيقة الإيمان ، وصريح الاسلام ، وإيمانه بالله تعالى .
---------------------------
(1) متشابه القرآن 2 : 65 ، مناقب ابن شهرآشوب 1 : 62 ، مستدرك الحاكم 2 : 623 .
(2) ديوان أبي طالب : 36 ، الأوائل لأبي هلال العسكري : 75 ، كنز الفوائد 1 : 271 ، الحجة على الذاهب : 249 و 250 ، شرح نهج البلاغة 14 : 76 ، روضة الواعظين : 86 .
(3) في ( ط ) : وقتي .
إيمان أبي طالب _ 40 _
وله من بعد هذا أبيات في المعنى المتقدم يطول بها التقصاص ، منها قوله في قصيدة ميمية له وقد عدد آيات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
فـذلك مـن أعـلامه iiوبـيانه وليس نهار واضح كظلام (1) .
وقوله في قصيدته الدالية :
فما يرجوا حتى رووا من محمد أحاديث تجلو غم كل فؤاد (2)ii
فأما دليل توحيده لله عز وجل فمن كلامه المشهور ومقاله المعروف أكثر من أن يحصى ، وقد تقدم منه مما كتبناه ، ما سنلحقه بأمثاله له في معناه ، على سبيل الاختصار إن شاء الله.
فمن ذلك قوله في قصيدة طويلة :
مـليك الناس ليس له iiشريك هـو الوهاب والمبدي iiالمعيد ومن فوق السماء له ملاك (3)ii ومن تحت السماء له عبيد (4)
فأقر لله تعالى بالتوحيد ، وخلع الأنداد من دونه ، وأنه يعيد بعد الابداء
(5) ، وينشئ خلقه نشأة أخرى ، وبهذا المعنى فارق المسلمون أهل الجاهلية وباينهم فيما كانوا عليه من خلاف التوحيد والملة .
---------------------------
(1) ديوان أبي طالب : 35 ، سيرة ابن إسحاق : 77 ، تهذيب تاريخ ابن عساكر 1 : 273 ، الغدير 7 : 345 .
(2) تقدمت أربعة أبيات من هذه القصيدة الدالية مع تخريجاتها ، ويضاف لها : الخصائص الكبرى 1 : 144 .
(3) في ( أ ) : له لحق ، وفي متشابه القرآن : له نجوم .
(4) متشابه القرآن 2 : 66 .
(5) في ( أ ) : الانذار ، تصحيف ، وما في المتن هو الأنسب لقوله ( المبدئ المعيد ) .
إيمان أبي طالب _ 41 _
وله أيضا في قصيدة بائية :
فوالله لولا الله لا شئ iiغيره لأصبحتم لا تملكون لنا شربا
وأشباه ذلك ونظائره مما هو موجود في نظمه ونثره ، وفي وصاياه وسجعه في خطبه وكلامه المدون له في البلاغة والحكمة ، وإيراد جميعه يطول ، وفيما أثبتناه منه كفاية ، ومن دلائل إيمانه برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم كفاية وبلاغ .
والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين .
تمت الرسالة ، من تأليفات الشيخ المقدم والإمام المكرم الفقيه المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله تعالى عليه ، وكان ذلك بعد العصر من يوم الجمعة ، أول أول الربيعين ، سنة ست وثمانين وتسعمائة ، بالمسجد الجامع الكبير بأصفهان ، بتوفيق الله تعالى .
1 ـ القرآن الكريم :
2 ـ الاختصاص :
لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 هـ) تحقيق الشيخ علي أكبر الغفاري ـ منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدسة .
3 ـ الارشاد في معرفة حجج الله على العباد :
لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي ، المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 هـ) ـ منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم المقدسة .
4 ـ الإصابة في تمييز الصحابة :
لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني الشافعي (773 ـ 852 هـ) مطبعة السعادة مصر ـ 1323 هـ .
5 ـ الأمالي :
لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي ، المعروف با لشيخ المفيد (ت 413 هـ) ـ منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدسة ـ 1403 هـ .
6 ـ الأوائل:
لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري ( المتوفى بعد سنة 395 هـ ) ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى سنة 1407 هـ / 1987 م .
إيمان أبي طالب _ 43 _
7 ـ أوائل المقالات في المذاهب والمختارات :
لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري ، المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 هـ) ـ تحقيق الشيخ فضل الله الشهير بشيخ الاسلام الزنجاني ـ مكتبة الداوري ـ قم المقدسة ـ الطبعة الثانية ـ 1371 هـ .
8 ـ البداية والنهاية :
لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (ت 774 د) ـ حققه مجموعة من الأساتذة ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة ـ سنة 1408 هـ / 1988 م .
9 ـ تاريخ الاسلام و وفيات المشاهير والأعلام / قسم المغازي :
للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ) ـ تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ سنة 1407 هـ / 1987 م .
10 ـ تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد :
لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري ، المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 هـ) ـ منشورات الرضي ـ قم المقدسة .
11 ـ تفسير القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن :
لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ) ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
12 ـ تهذيب تاريخ دمشق الكبير :
لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ، المعروف بابن عساكر (ت 571 هـ) ـ هذبه ورتبه الشيخ عبد القادر بدران (ت 1346 هـ) ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ الطبعة الثالثة ـ سنة 1407 هـ / 1987 م .
13 ـ الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ، إيمان أبي طالب :
لشمس الدين أبي علي فخار بن معد الموسوي (ت 630 هـ) ـ تحقيق السيد محمد بحر العلوم ـ انتشارات سيد الشهداء ـ قم المقدسة ـ الطبعة الأولى ـ سنة 1410 هـ .
14 ـ خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب :
للشيخ عبد القادر بن عمر البغدادي (1030 ـ 1093 هـ) ـ دار صادر ـ بيروت .
إيمان أبي طالب _ 44 _
15 ـ الخصائص الكبرى :
لجلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ) ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ سنة 1405 هـ / 1985 م .
16 ـ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة :
لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384 ـ 458 هـ) تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ سنة 1405 هـ / 1985 م .
17 ـ ديوان شيخ الأباطح أبي طالب :
جمع أبي هفان عبد الله بن أحمد المهزمي العبدي ـ مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران .
18 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة :
للشيخ محمد محسن بن محمد رضا الرازي ، المعروف بآقا بزرگ الطهراني (1293 ـ 1389 هـ) دار الأضواء ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ـ سنة 1403 هـ / 1983 م .
19 ـ روضة الواعظين :
للشيخ محمد بن الفتال النيسابوري (ت 508) ـ منشورات الرضي ـ قم المقدسة .
20 ـ السنن الكبرى :
لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 ـ 458 هـ) ـ دار المعرفة ـ بيروت .
21 ـ سيرة ابن إسحاق ، كتاب السير والمغازي :
لمحمد بن إسحاق المطلبي الشهير بابن السحاق (ت 151 هـ) ـ تحقيق الدكتور سهيل زكار ـ دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ سنة 1398 هـ / 1978 م .
22 ـ سيرة ابن هشام :
لأبي محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت 213 أو 218 هـ) ـ جماعة من المحققين ـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ ممر ـ سنة 1355 هـ / 1936 م .
23 ـ السيرة النبوية :
للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ) ـ تحقيق حسام الدين القدسي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ سنة 1401 هـ / 1981 م .
إيمان أبي طالب _ 45 _
24 ـ شرح نهج البلاغة :
لعز الدين أبي حامد بن هبة الله بن محمد ابن أبي الحديد المدائني المعتزلي (586 ـ 656 هـ) ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه ـ مصر ـ الطبعة الأولى ـ سنة 1378 هـ / 1959 م .
25 ـ الصحاح :
لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (332 ـ 393 هـ) ـ تحقيق أحمد عبد الغفور العطار ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة ـ سنة 1407 هـ / 1987 م .
26 ـ الصحيح :
لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 ـ 256 هـ) ـ عالم الكتب ـ بيروت ـ الطبعة الخامسة ـ سنة 1406 هـ / 1986 م .
27 ـ الطبقات الكبرى :
لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (168 ـ 230 هـ) ـ دار صادر ـ بيروت ـ 1405 هـ / 1985 م .
28 ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف :
للسيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس الحسني الحسيني (589 ـ 664 هـ) مطبعة الخيام ـ قم المقدسة ـ 1401 هـ .
29 ـ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار :
للحافظ يحيى بن الحسن الأسدي الحلي، المعروف بابن البطريق (533 ـ 600 هـ) ـ مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين ـ قم المقدسة ـ سنة 1407 هـ .
30 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب:
للشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي (1320 ـ 1390 هـ) ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران ـ 1372 هـ .
31 ـ الفصول المختارة من العيون والمحاسن :
للسيد الشريف أبي القاسم علي بن الحسين المرتضى (355 ـ 436 هـ) ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة ـ سنة 1405 هـ / 1985 م .
إيمان أبي طالب _ 46 _
32 ـ الكافي :
لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (328 أو 329 هـ) ـ تحقيق علي أكبر الغفاري ـ المكتبة الإسلامية ـ طهران ـ سنة 1388 هـ .
33 ـ كنز الفوائد :
للشيخ محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (ت 449 هـ) ـ تحقيق الشيخ عبد الله نعمة ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ سنة 1405 هـ 19852 م .
34 ـ لسان العرب :
لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري (630 ـ 711 هـ) ـ نشر أدب الحوزة ـ قم المقدسة ـ 1405 هـ .
35 ـ متشابه القرآن ومختلفه :
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (ت 588 هـ) ـ انتشارات بيدار ـ إيران .
36 مجمع البحرين ومطلع النيرين :
للشيخ فخر الدين بن محمد علي الطريحي (979 ـ 1087 هـ) ـ المكتبة المرتضوية ـ طهران ـ الطبعة الثانية ـ سنة 1365 هـ ، ش .
37 ـ المخصص :
لأبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي ، المعروف بابن سيده ، (ت 458 هـ) ـ دار الآفاق الجديدة ـ بيروت .
38 ـ المستدرك على الصحيحين :
لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (321 ـ 405 هـ) ـ طبع حيدر آباد ـ الهند .
39 ـ معجم الأدباء :
لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (ت 626 هـ) ـ مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه ـ مصر .
إيمان أبي طالب _ 47 _
40 ـ النهاية في غريب الحديث:
لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير (544 ـ 606 هـ) ـ تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي ـ المكتبة الإسلامية بيروت.
حصلنا بعد الفراغ من طبع كتاب (إيمان أبي طالب) على نسختين مخطوطتين ، فيهما مزيد من الاختلافات والتقديم والتأخير والزيادات ، آثرنا الإشارة إلى أهم زيادات هاتين النسختين لإتمام الفائدة وهي كما يلي :
1 ـ ص 36 بعد البيت الثاني :
فارفض من عيني دمع ذارف مـثل الـجمان مفرد iiالأفراد راعـيت فيه قرابة iiموصولة وحفظت فيه فريضة iiالأجداد وأمـرته بالسير بين عمومة بيض الوجود مصالت iiأنجاد سـاروا لأبعد طيبة iiمعلومة فـلقد تـباعد طـيبة iiالمرتاد
2 ـ ص 37 بعد البيت الثاني :
قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى ظـل الغمام وعن ذي iiالأكباد ثـاروا لـقتل محمد iiفنهاهم عـنه وأجهد أحسن iiالإجهاد
ومنه أيضا قوله :
منعنا الرسول رسول المليك ببيض تلا لا كلمع iiالبروق بضرب يذيب دون iiالنهاب حـذرا الـنوادر iiوالخنفقيق أذب وأحمي رسول iiالمليك حـماية حـام عليه iiشفيق
إيمان أبي طالب _ 48 _
أفبعد هذا شك في إيمان قائل هذا الشعر ، أم يقدم على إكفار مع ظهور هذا المقال عنه إلا غبي ناقص أو كافر معاند بلا ارتياب!
وله أيضا :
زعـمت قـريش أن أحمد ساحر كذبوا ورب الراقصات إلى الحرم مـا زلـت أعرفه بصدق iiحديثه وهو الأمير على الحرائر iiوالحرم بـهتوه لا سـعدوا بـقطر iiبعدها ومـضت مقالتهم تسير إلى iiالأمم
وله أيضا :
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى وغـالب لـنا غـلاب كـل iiمغالب وسـلم إلـينا أحـمدا واكـفلن iiلنا بـنيا ولا تـحفل بـقول iiالـمعاتب فـقلت لـهم الله ربـي iiونـاصري عـلى كـل باغ من لؤي بن iiغالب
3 ـ ص 37 بعد البيت الرابع :
كـونوا فدى لكم أمي وما iiولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا
4 ـ ص 25 بعد السطر الثالث :
حتى نطق القرآن بشكه ، ونزل ما قاله بخلاف ملائكته ، وصرح بصرف السكينة عنه لفساد نيته ، أفيقاس بين هذا وبين من وصفنا حاله في طاعة ربه ، والصبر على الأذى في جنبه ، لا يخاف في الله لومة لائم ، لشدة نفسه ، وتأكد معارفه ، وما اختص به من البسطة في العلم والجسم ، لمكانه من الله تعالى ، وما أهله له من خلافته ؟!
إن هذا لعجب في القياس ، وغفلة خصوم الحق عن فصلها بين هذه الأمور حتى عموا فيها عن الصواب ، وركبوا العصبية والعناد ، لأعجب ، والله نسأله التوفيق .