وفي نص آخر : أن الذين لم يدخلوا معه كانوا اثني عشر ألفاً في رواية المكثرين ، وستة آلاف في رواية المقللين (1) .
  وسيأتي المزيد من الحديث حول هذه الأرقام.
  ثم كانوا يسمعون أمير المؤمنيين (عليه السلام) الشتم ، والتعريضات القاسية (2) .
  ثم تمادى بهم حقدهم وبغضهم لأمير المؤمنيين (عليه السلام) ، ولم يقف عند حدّ الحكم عليه بالكفر والضلال ـ والعياذ بالله ـ وإنما تجاوز ذلك إلى حد : أنه كان يُخشى من أن ينبش (الخوارج ) قبره ، فعمّي عن الناس ، فلم يعرف (3) .
  ولكن الحجاج لعنه الله قد حاول أن ينوب عنهم في هذه المهمة ، فنبش ثلاثة آلاف قبر في الكوفة من أجل العثور على جثة أمير المؤمنيين (عليه السلام) ، فلم يوفق لذلك (4) .

(الخوارج ) ليسوا أنصار الإمام (عليه السلام) :
  وإننا إذا لاحظنا ما تقدم : وما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ وهي نصوص كثيرة جداً لا يمكن حصرها ، ولا استيفاء مصادرها ندرك أن ما يدعيه بعض (الخوارج ) أنفسهم (5) ، من أن (الخوارج ) كانوا هم أنصار الإمام

---------------------------
(1) راجع على سبيل المثال : البداية والنهاية ج7 ص270 و282.
(2) راجع أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص355 والبداية والنهاية ج7 ص282.
(3) أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص497.
(4) مشهد الإمام علي في النجف ص121 ومنتخب التواريخ ص291.
(5) راجع كتاب : الخوارج هم أنصار الإمام علي ، فإن مؤلفه قد حاول تزوير الحقيقة التاريخية.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 119 _

  علي (عليه السلام) وكانوا المعارضين للتحكيم من أول الأمر ، وأنه (قد ارتبط ظهورهم برفض التحكيم ، وليس بالدعوة له ) (1) .
  إن هذه الدعوى تخالف البداهة التاريخية ، وما هي إلا مجازفة في القول ، وتجنٍّ على الحقيقة ، وتزييف للواقع التاريخي ... لا تستند إلى دليل ، ولا تعتمد على برهان .
  غير أن (الخوارج ) أنفسهم وكذلك بعض من يتعاطف معهم قد بذلوا محاولات يائسة لتبرئة ساحتهم ، وإظهار مظلوميتهم ، والإنحاء باللائمة ، وتسجيل اتهام مباشر إن أمكنهم ذلك ضد أمير المؤمنيين (عليه السلام) بالذات .
  وقد حاول بعضهم أن يستند إلى نصوص شاذة ، ومريبة ذكرها مؤلف مجهول ، أو يستشهد برواية تنسب إلى ابن عباس أو غيره ، أو بنصوص ذكرها ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة (2) .
  علماً بأن ما ذكره ذلك المؤلف المجهول ورواية ابن عباس لا ينهض دليلاً على ما يدعون ، إذ أن الظاهر هو أنهما يتحدثان عن مراحل لاحقة ... لا عما جرى بمجرد رفع المصاحف .
  وأما ما ذكره ابن قتيبة ، فإنه هو نفسه قد ذكر ما ينافيه ويدفعه في نفس ذلك الكتاب (3) ، رغم الكلام الذي يدور حول نسبة هذا الكتاب إلى ابن قتيبة ، أو حصول بعض التصرف فيه .
  وربما يستدلون أيضاً بما رواه أحمد عن أبي وائل ، من أن (الخوارج ) قد طلبوا الهجوم على الذين اعتصموا بالتل ، وذلك بعد القبول بالتحكيم

---------------------------
(1) قضايا في التاريخ الإسلامي ص62 وراجع ص51 و52 و53 و71 و72.
(2) راجع : المصدر السابق.
(3) الإمامة والسياسة ج1 ص148.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 120 _

  من قبل علي (عليه السلام) (1) .
  ولكنه استدلال باطل ... إذ أن الرواية لم تذكر لنا شيئاً عن حقيقة ما جرى حينما رفعت المصاحف ، فهل بادر علي (عليه السلام) للقبول من دون ضغوط من أحد ، أو أنه قبل ذلك بعد أن اعتزله أكثر جيشه ، ولم يبق معه سوى أهل بيته (عليهم السلام) ، ونفر يسير ، وهدده أولئك المعتزلون له بأن يسلموه إلى معاوية ، وفرضوا عليه قبول التحكيم .
  فلابد من الرجوع إلى نصوص أخرى لتعرفنا بما جرى لنجد أن الذين فعلوا ذلك هم أنفسهم الذين عادوا واعترضوا عليه لقبوله منهم ما فرضوه عليه .

تبرئة (الخوارج ) ، وإدانة علي (عليه السلام) :
  ويدعي البعض : أن الأشعث بن قيس المتواطئ مع معاوية ، هو الذي أرغم علياً (عليه السلام) على قبول التحكيم ، ثم حرَّضه على قتل (الخوارج ) ، والوقيعة بهم في النهروان ، وبذلك يكون قد حرمه من خيرة جنده ، وأكثرهم إخلاصاً لقضيته (2) .
  ونقول : إن هذا البعض يريد أن يظهر علياً (عليه السلام) على أنه لعبة بيد الأشعث ، ثم هو يريد تبرئة (الخوارج ) من جريمة الإصرار على علي (عليه السلام) بقبول التحكيم ، ثم تكفيره لأجل هذا القبول بالذات .
  وفي نص آخر : أنه قد أظهر (الخوارج ) على أنهم الفئة المظلومة المعتدى عليها وأنهم قد ارتكبت جرائم خطيرة بحقهم .

---------------------------
(1) مسند أحمد ج3 ص485 و486 ...
(2) راجع قضايا في التاريخ الإسلامي ص56 ونقله أيضاً عن البرادي ص66 وراجع أيضا : ص60 و79 و81.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 121 _

  ثم أدان علياً بارتكاب جريمة قتل ومذبحة جماعية في حقهم .
  ويزيد من قبح هذه الجريمة كونهم كما قرره هذا القائل هم خيرة جند علي (عليه السلام) .
  ومما يجعلها أكثر قباحة وبشاعة : أن هؤلاء هم أكثر جند علي اخلاصاً لقضيته (عليه السلام) .
  ونقول : إنه لم يشر إلى سبب اعتزال هؤلاء الذين زعم أنهم من المخلصين لعلي في النهروان .
  ولا اهتم بالنصوص المتواترة الدالة على أنهم هم الذين رفضوا الاستمرار في قتال معاوية ، وفرضوا التحكيم على علي (عليه السلام) ، ثم اعتبروا ذلك كفراً .
  ومن أين عرف أن أهل النهروان هم خيرة جند علي (عليه السلام) ؟! وكيف يستطيع التوفيق بين دعواه هذه ، وبين قول الأشتر : إنهم أراذل أهل العراق ، وذلك حينما قال لهم : قتل أماثلكم ، وبقي أراذلكم .
  ولم يدلنا على مستنده العلمي القادر على ردّ كل تلك الحقائق التاريخية الدامغة ، التي تناقضه وتنافيه .
  كما أننا لا ندري ما السبب في اهتمام هذا الكاتب بتبرئة (الخوارج ) ، وتلميع صورتهم ، ثم تجريم علي (عليه السلام) ، واتهامه بارتكاب جريمة إبادةٍ للخيرة من جنده ، ولأكثر الناس إخلاصاً لقضيته .
  وكيف أصبح الذين كفرّوا علياً واعتزلوه ، ونصبوا له الحرب أكثر الناس إخلاصاً للقضية.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 122 _

تورية علي (عليه السلام) ، وشائعات (الخوارج ) :
  ويدعي المعتزلي : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قد قال للخوارج كلاماً محتملاً لأكثر من وجه ، ولكن الأشعث اضطره إلى التصريح ، فكان ذلك سبب النهروان حيث ذكر أنه (عليه السلام) قصدهم إلى أماكن تجمعهم ، وسأل أولاً عن الرجل الذي هم به اشد إطافة ، فطلبوا منه أن يتوب ، فقال لهم : (أنا استغفر الله من كل ذنب ) .
  فرجعوا معه ، وهم ستة آلاف، فلما استقروا بالكوفة أشاعوا : أن علياً (عليه السلام) رجع عن التحكيم ، ورآه ضلالاً ، وقالوا : إنما ينتظر أمير المؤمنين أن تسمن الكراع ، وتجبى الأموال ، ثم ينهض بهم إلى الشام .
  فلما طالبه الأشعث بذلك أعلن بتكذيبه ، فخرجت حينئذٍ (الخوارج ) من المسجد فحكّمت (1) .
  وقد اختصر ابن الأثير هذا الحديث بصورة أخلت بمضمونه ، فراجع (2) .
  إذن ، فقد تضمنت هذه الرواية أموراً هي :
  1 ـ أن علياً (عليه السلام) قد مارس أسلوب التورية ، لدرء الفتنة ، دون أن يكون قد أظهر خلاف قناعاته ، ودون أن يتنازل عن مبادئه .
  2 ـ أن الأشعث قد مارس أسلوباً خبيثاً ألجأ أمير المؤمنيين (عليه السلام) إلى

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص279 والحديث المذكور أوردناه مع مصادره في فقرة أخرى من هذا الكتاب ، فراجع .
(2) الكامل في التاريخ ج3 ص328.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 123 _

  التصريح بما لم يكن مضطراً قبل ذلك إلى التصريح به .
  3 ـ إن (الخوارج ) قد أشاعوا أمراً لم يتفوه به علي (عليه السلام) ولم يشر إليه ، ولا يعبر عن حقيقة موقف علي (عليه السلام) .
  4 ـ إن علياً (عليه السلام) يبادر إلى مواجهة رأس (الخوارج ) الذين هم به أشد إطافة ، وذلك من أجل أن يحسم مادة النزاع ، بقطع رأس الافعى ، حيث إن سقوط هذا الرأس لا يبقي لهم أي عذر أو مبرر للتشكيك والخلاف ، حيث لا يبقى أمامهم أشخاص آخرون يرون أنهم أدرى من زعيمهم الأكبر بالمصلحة ، واعرف بواقع الأمور .
  وكذلك لا يبقى ثمة من يقدر على اجتذاب الناس إليه ، بإثارة الشبهات ، وإعطاء أمل كبير بنصرٍ يطمحون إليه ، أو حلم عذب يراودهم ، يأملون تحقيقه في يوم من الأيام .

استطراد يفيد في جلاء الصورة :
  وإن تزوير (الخوارج ) للحقائق ، لا يحتاج إلى مزيد بيان ولم يكن هذا التزوير المشار إليه في هذه الرواية هو الوحيد في سلسلة أكاذيبهم ويكفي أن نذكر أنهم أنفسهم يعترفون : بأنهم كانوا إذا كان لهم هوى في أمر صيروه حديثاً ... وقد استمرت عملية التزوير والتجني عبر الأحقاب والأجيال ، حيث عمد مؤرخو (الخوارج ) في الكتب التي وضعوها : (إلى التحامل على علي ، وصوروه كقائد هزيل ، متردد ، ضعيف الشخصية ، مسلوب الإرادة ) (1) .

---------------------------
(1) قضايا في التاريخ الإسلامي للدكتور محمود اسماعيل ص66.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 124 _

  العجب هو الداء الدوي : ولعل ما كان يتظاهر به (الخوارج ) من عبادة ، وصلاة كان يبعث في نفوسهم المزيد من العجب والغرور ، حتى ليخيل إليهم أن ما يأتونه هو الصلاح والخير وأن ما يعتقدونه هو الصواب والحق الذي لا محيص عنه ... ويجب على كل أحد أن يلتزم به ، وأن يتبعهم فيه .
  أو على الأقل كانت العبادات القاسية لعدد منهم ، بمثابة جرعةٍ للآخرين من شبابهم ، تجعلهم يعيشون خيالات حالمة ولذيذة تزيدهم تصلباً في موقفهم ، ورضا بنهجهم ، واستسلاماً لما يدعونهم إليه أولئك الذين كانوا يتظاهرون بالعبادة والتقوى .

تبريرات (الخوارج ) :
  لقد ارتبك المحكِّمة (الخوارج ) في تبرير موقفهم من أمير المؤمنين ، وقد عرف عنهم أنهم قد برروا ذلك بأن علياً قد حكّم الناس في دين الله ، وأن ذلك قد أوجب كفره وخروجه من الدين ... بل زادوا على ذلك : أنهم هم أيضاً قد كفروا معه حين أجبروه على قبوله ، فلابد له ولهم من التوبة ... وهم قد تابوا وبقي عليه هو أن يفعل ذلك ... وقد أوضح لهم أمير المؤمنيين (عليه السلام) ، وكذلك ابن عباس ، أنهم مخطئون في تصورهم هذا ، وأنه (عليه السلام) لم يحكم الرجال في دين الله ، وإنما حكم القرآن ... وعلى فرض أنه قد حكم الرجال ، فإن ذلك ليس بالأمر الموجب للكفر ، إذ قد حكّم الله سبحانه الرجال في أكثر من مورد أشار القرآن إليه .
  ومع أن (الخوارج ) لم يجدوا ما ينفع في رد هذه الحجة ، فإنهم

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 125 _

  التجأوا إلى الإصرار والعناد ، ثم بادروا إلى الفساد والافساد كما سنرى .

علي (عليه السلام) يضيع الوصية :
  وعلى كل حال ... فإن مما برر به (الخوارج ) حربهم لعلي (عليه السلام) هو : أنه كان وصياً فضيع الوصية ... الأمر الذي يدل على مدى رسوخ أمر الوصية لعلي (عليه السلام) بالإمامة في قلوب الناس وعقولهم ... فقد ورد أن من جملة ما احتجوا به لحربهم إياه أن قالوا : (إنه كان وصياً ، فضيّع الوصية ) .
  أو قالوا ـ حسب نص آخر ـ : (زعم أنه وصي فضيّع الوصية ) .
  فأجابهم (عليه السلام) بقوله : (أما قولكم : إني كنت وصياً ، فضّيعت الوصية (1) ، فإن الله عز وجل يقول : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا .
  ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) (2) .
  أفرأيتم هذا البيت لو لم يحج إليه أحد ، كان البيت يكفر؟! إن هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلا كفر ، وأنتم كفرتم بترككم إياي ، لا أنا كفرت بتركي لكم ) (3) .

---------------------------
(1) هذا التعبير يشير إلى أن كلمة (زعم ) الموجودة في النص الثاني غير صحيحة ، وأن الصحيح هو أنهم قالوا : إنه كان وصياً الخ ...
(2) سورة آل عمران الآية 97.
(3) راجع : مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص409 و413 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص192 والمسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص70 و71 والاحتجاج ج1 ص276 و278
=>

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 126 _

  وواضح : أن هذا التبرير الذي التجأ إليه هؤلاء القوم يثير أمامنا نقطتين هامتين لابد من الوقوف عندهما :
  إحداهما : أن الوصاية التي يتحدثون عنها إنما هي وصاية إمامة وخلافة ، لأن التحكيم إنما يضيع هذا النوع من الوصية ، لأنه يهدف إلى إثبات الأحقية بالإمامة لأحد الفريقين ، فهم يدعون على علي (عليه السلام) أنه بقبوله للتحكيم قد ضيع الوصية الثابتة له بنص من رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  وليس المراد تضييع الوصاية بأمور شخصية ، لأن ذلك لا ربط له بالتحكيم ... وهذا المعنى هو الذي يقصد من الوصية حين تذكر في مقام الاحتجاج ، ويترنم بها الشعراء ... كما سنرى ... الثانية : إنه يدل على أن أمر الوصاية لعلي (عليه السلام) قد كان من المسلمات في صدر الإسلام حيث كان الموالون لعلي (عليه السلام) يحتجون ويباهون بهذا الأمر ، ولم نجد أحداً حاول إنكار ذلك ، أو الاعتراض ، ولو بمثل القول ، بأن ذلك غير ثابت ، أو أنه يحتاج إلى شاهد أو دليل .

الشعر ... والوصية :
  وقد ذكر ابن أبي الحديد قائمة طويلة من الأشعار التي ذكرت أمر

---------------------------
<=
  والبحار طبعة حجرية ج8 ص561 وبهج الصباغة ج7 ص136 و171 و172 وعبارة الاحتجاج هكذا : ( ... وأما قولكم : إني كنت وصياً ، فضيعت الوصية ، فأنتم كفرتم ، وقدمتم علي ، وأزلتم الأمر عني ، وليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم ، إنما يبعث الله الأنبياء ، فيدعون إلى أنفسهم ، وأما الوصي ، فمدلول عليه الخ ... )

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 127 _

  الوصية لعلي (عليه السلام) ، والتي قيلت في صدر الإسلام .
  ونحن نكتفي بما ذكره ، ونقتصر على الأبيات التي هي محل الشاهد ، فنقول : قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :
ومـنا  عـلي ذاك صاحب خيبر      وصـاحب بدر يوم سالت iiكتائبه
وصي النبي المصطفى وابن عمه      فـمن  ذا يـدانيه ومن ذا iiيقاربه
  وقال عبد الرحمن بن جعيل :
لـعمري  لـقد بايعتم ذا iiحفيظة      على الدين معروف العفاف موفقا
علياً وصي المصطفى وابن iiعمه      وأول من صلى أخا الدين والتقى
  وقال أبو الهيثم بن التيهان ، وكان بدرياً :
إن الـوصي إمـامنا iiوولـينا      برح الخفاء ، وباحت الأسرار
  وقال عمر بن حارثة الأنصاري ، وكان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل ، وقد لامه أبوه (عليه السلام) لما أمره بالحملة ، فتقاعس :
أبا حسن أنت فصل الأمور      يـبين بـك الحل والمحرم
  إلى أن قال :
فـأعـجلته والـفتى iiمـجمع      بـما يـكره الـرجل iiالمحجم
سمي النبي وشبه الوصي (1)       ورايـتـه  لـونـها الـعندم
  وقال رجل من الأزد يوم الجمل :
هذا علي وهو الوصي      آخاه يوم النجوة iiالنبي
  وقال :
هذا بعدي الولي وعاه      واع  ونـسي iiالشقي
  وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبة ، شاب معلم ، من عسكر عائشة

---------------------------
(1) أي أن محمد بن الحنفية يشبه أباه الذي هو الوصي.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 128 _

  وهو يقول :
نـحن بـن ضبة أعداء iiعلي      ذاك الذي يعرف فينا iiبالوصي
وفارس الخيل على عهد النبي      ما  أنا عن فضل علي iiبالعمي
  وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل ، وكان في عسكر علي (عليه السلام) :
أية حرب أضرمت iiنيرانها      وكسرت يوم الوغى مرانها
قل للوصي أقبلت iiقحطانها      فـادع بها تكفيكها iiهمدانها
بـنـوها وهـم iiإخـوانها
  وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل ، وكان من أصحاب علي (عليه السلام) :
كيف ترى الأنصارفي يوم الكلب      إنـا  انـاس لا نبالي من عطب
ولا نبالي في الوصي من غضب      وإنـما الأنـصار جـدلاً لـعب
هـذا  عـلي وابن عبد iiالمطلب      نـنصره اليوم على من قد iiكذب
مـن يكسب البغي فبئسا iiاكتسب
  وستأتي أبيات حجر بن عدي أيضاً :

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 129 _

  وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري ، ذو الشهادتين ـ وكان بدرياً ـ في يوم الجمل أيضاً :
يا وصي النبي قد أجلت الحرب      الاعـادي  وسـارت iiالأضعان
واستقامت لك الأمر سوى iiالشام      وفـي الـشام يـظهر iiالإذعان
  وقال خزيمة أيضاً في يوم الجمل :
أعـائش خـلي عن علي iiوعيبه      مـا  لـيس فـيه إنما أنت iiوالده
وصـي رسول الله من دون iiأهله      وأنت على ما كان من ذاك شاهده
  وقال ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضاً :
يـا قوم للخطة العظمى التي حدثت      حرب الوصي وما للحرب من آسي
الفاصل  الحكم بالتقوى إذا iiضربت      تـلك الـقبائل أخـماساً iiلأسـداس
  وقال عمرو بن أحيحة يوم الجمل ، في خطبة الحسن بن علي (عليه السلام) بعد خطبة عبد الله بن الزبير :
حـسن الخير يا شبيه أبيه      قمت فينا مقام خير خطيب
  إلى ان قال :
وأبـى  الله أن يقوم بما قام iiبه      ابـن  الوصي ، وابن iiالنجيب
ان شخصاً بين النبي لك الخير      وبـين الـوصي غير iiمشوب
  وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضاً :
أضربكم  حتى تقروا iiلعلي      خير  قريش كلها بعد iiالنبي
من زانه الله وسماه الوصي      إن الولي حافظ ظهر iiالولي
كما الغوي تابع أمر iiالغوي
  ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف ، لوط بن يحيى ، في كتاب : وقعة الجمل ، وأبو مخنف من المحدثين ، وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها .

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 130 _

  ومما رويناه من أشعار صفين ، التي تتضمن تسميته (عليه السلام) بالوصي ما ذكره نصر بن مزاحم المنقري ، في كتاب (صفين ) ، وهو من رجال الحديث.
  قال زحر بن قيس الجعفي [ونسبها في موضع آخر إلى جرير بن عبد الله البجلي] (1) :
فصلى  الإله على iiأحمد      رسول المليك تمام iiالنعم
رسول المليك ومن iiبعده      خـليفتنا الـقائم المدعم
علياً عنيت وصي النبي      نـجالد عنه غواة iiالأمم
  قال نصر : ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس :
أتـانا الـرسول رسول iiالإمام      فـسـرّ  بـمقدمه iiالـمسلمونا
رسـول  الوصي وصي iiالنبي      له السبق والفضل في المؤمنينا
  ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضاً :
أتانا الرسول رسول الوصي      عـلي  الـمهذب من iiهاشم
وزيـر الـنبي وذو iiصهره      وخـيـر الـبرية iiوالـعالم

---------------------------
(1) راجع : شرح نهج البلاغة ، ط دار مكتبة الحياة ج1 ص553.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 131 _

  وسيأتي شعر أمير المؤمنيين (عليه السلام) ...
  وقال جرير بن عبد الله البجلي شعراً ، بعث به إلى شرحبيل بن السمط ، من أصحاب معاوية ، وقد جاء فيه :
مـقال  ابن هند في علي عضيهة      ولله في صدر ابن أبي طالب أجل
ومـا  كـان إلا لازمـاً قعر بيته      إلى أن أتى عثمان في بيته iiالأجل
وصـي رسول الله من دون iiأهله      وفارسه  الحامي به يضرب المثل
  وقال النعمان بن عجلان الأنصاري:
كيف التفرق والوصي iiأمامنا      لا  كـيف إلا حيرة iiوتخاذلا
لا  تغبنن عقولكم لا خير iiفي      من لم يكن عند البلابل عاقلا
وذروا معاوية الغويّ iiوتابعوا      ديـن الوصي لتحمدوه iiآجلا
  وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي
ألا  ابلغ شرحبيل بن iiحرب      فما لك لا تهش إلا الضراب
فإن  تسلم وتبق الدهر iiيوما      نزرك  بجحفل عدد iiالتراب
يـقودهم الوصي إليك iiحتى      يردك  عن ضلال iiوارتياب
  ويقول المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب :
فيكم وصي رسول الله قائدكم      وصهره  وكتاب الله قد نشرا
  ويقول عبد الله بن العباس بن عبد المطلب :
وصي  رسول الله من دون iiأهله      وفارسه إن قيل : هل من منازل
  قال المعتزلي: (والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً ، ولكننا ذكرنا منها ها هنا بعض ما قيل في هذين الحزبين ، فأما ما عداهما ، فإنه يجل عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعدد ، ولولا خوف الملالة والإضجار ، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة ) (1) .

---------------------------
(1) جميع ما تقدم قد ذكره المعتزلي في شرح نهج البلاغة ، ط دار مكتبة الحياة ط سنة 1963 ج1 ص128 و133 والبحار ج38 ص20 و26 عنه ...

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 132 _

  وقد ذكر المعتزلي نفسه في نفس الكتاب موارد أخرى ، نذكر منها ما يلي :
  قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، مجيباً للوليد بن عقبة بن أبي معيط :
وإن  ولـي الأمر بعد محمد علي      وفـي  كـل الـمواطن iiصاحبه
وصـي  رسول الله حقاً iiوصنوه      وأول من صلى ، ومن لان جانبه
  وقال خزيمة بن ثابت في هذا :
وصـي رسـول الله مـن دون iiأهله      وفـارسه  مـذ كان في سالف iiالزمن
وأول مـن صـلى مـن الناس iiكلهم      سوى خيرة النسوان والله ذو منن (1)
  وقال زفر بن بن يزيد بن حذيفة الأسدي :
فـحوطوا  عـلياً وانصروه iiفإنه      وصي وفي الإسلام أول أول (2)
  وقال النعمان بن العجلان، مخاطباً عمرو بن العاص، وذلك بعد بيعة السقيفة، في جملة قصيدة له :
وكان هوانا في علي وإنه لأهل لها      يـا  عـمرو مـن حيث لا iiتدري
فـذاك  بعون الله يدعو إلى iiالهدى      وينهى عن الفحشاء والبغي iiوالنكر
وصي  النبي المصطفى وابن iiعمه      وقاتل فرسان الضلالة والكفر (3) ii
  وقال حسان بن ثابت :

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة ج4 ص227 و228 ط دار مكتبة الحياة سنة 1964.
(2) المصدر السابق ج4 ص228.
(3) المصدر السابق ج2 ص280.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 133 _


  ألست أخاه في الهدى ووصيه= وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن (1) وقال حجر بن عدي الكندي في يوم الجمل أيضاً :
يـا  ربـنا سـلم لنا iiعليا      سـلم لـنا الـمهذب التقيا
المؤمن  المسترشد iiالرضيا      واجـعله  هادي أمة iiمهديا
احـفظه رب حفظك iiالنبيا      لا خـطل الرأي ولا iiغبيا
فـإنـه كـان لـنا iiولـيا      ثم ارتضاه بعده وصيا (2)
  وقال المنذر بن أبي خميصة الوداعي مخاطباً علياً :
ليس منا من لم يكن لك في الله ولياً      يــا ذا الــولا والـوصية (3) ii
  بل إن علياً أمير المؤمنيين (عليه السلام) نفسه قد ذكر الوصية له في الشعر، فقال: في أمر بيع عمرو بن العاص دينه لمعاوية :
يا عجبا ! لقد سمعت منكرا كذبا      عـلـى  الله يـشيب iiالـشعرا
يـسترق السمع ويغشى البصرا      مـا كان يرضى أحمد لو iiأخبرا
أن يـقرنوا وصـيه iiوالأبـترا      شاني  الرسول واللعين الأخزرا
كـلاهما فـي جـنه قد عسكرا      قـد  بـاع هـذا ديـنه فأفجرا
مـن ذا بـدنيا بـيعه قد iiخسرا      بـملك  مصران أصاب iiالظفرا
  الخ ... (4)
  واللافت هنا : أن ابن أبي الحديد نفسه قد قرر هذه الوصاية في شعره ، فقال :

---------------------------
(1) المصدر السابق ج2 ص283.
(2) المصدر السابق ج2 ص828 وج1 ص129 و130.
(3) المصدر السابق ج2 ص828.
(4) المصدر السابق ج1 ص324 و132.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 134 _


وخير خلق الله بعد المصطفى      أعـظمهم يـوم الفخار iiشرفا
الـسـيد الـمعظم iiالـوصي      بـعل البتول المرتضى iiعلي
وابـنـاه ،  الــخ ... (1)
  ولو أردنا استقصاء ذلك في مصادره لاحتجنا إلى وقت طويل ولنتج عن ذلك ما يملأ عشرات الصفحات ... أما في غير الشعر ، فالأمر أعظم وأعظم ... ولعل ما ذكرناه يكفي لمن ألقى السمع وهو شهيد .

بذرة (الخوارج ) متى كانت :
  إن الظهور السافر للخوارج ، وإن كان قد حصل في صفين ، في حادثة رفع المصاحف ، ثم التحكيم ... ولكن الحقيقة هي أن قلوبهم قد تغيرت قبل هذا الوقت ، وبالذات في حرب الجمل ، حيث فاجأهم موقف علي (عليه السلام) تجاه السبي والغنائم في تلك الحرب .
  بل يمكن القول : إن ذلك قد بدأ منذ توليه (عليه السلام) للخلافة ، حينما خالف سيرة عمر بن الخطاب ـ المعظم عندهم جداً ـ في العطاء ، حيث ساوى بين الناس ، ولم يفضل أحداً على أحد ، فاعترضوا عليه ، وكان هذا الأمر مما طالبوه به في حرب الجمل ، فقالوا له : أعطنا سنة العمرين (2) ، فأبى (عليه السلام) إلا أن يعطيهم سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم .

---------------------------
(1) المصدر السابق ج3 ص645.
(2) قد تقدم هذا النص ومصادره في فصل سابق فراجع .

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 135 _

في حرب الجمل :
  أما بالنسبة لما جرى في حرب الجمل ، واعتراضهم على أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمر الغنائم ، فإنه صريح في حقيقة ما كان يعتلج في نفوسهم ، وقد صرحوا به بعد التحكيم بعد خروجهم عليه صلوات الله وسلامه عليه ... فهؤلاء ، قوم قد طغت عليهم أطماعهم ، وكانوا يعانون من الجهل والغباء ، ولاسيما بالنسبة للأحكام الإسلامية ، ثم قلة الدين ، لم يستطيعوا أن يفهموا سرّ حرمان علي (عليه السلام) إياهم من السبي مادام قد أعطاهم من الغنائم في حرب الجمل ، أو أنهم لم يمكنهم تقبل هذا الحرمان : يقول النص التاريخي : ( ... فأتاهم علي في جيشه ، وبرزوا إليه بجمعهم ، فقال لهم قبل القتال : ماذا نقمتم مني ؟!
  فقالوا : أول ما نقمنا منك : أنا قاتلنا بين يديك يوم الجمل ، فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في عسكرهم ، ومنعتنا من سبي نسائهم وذراريهم ، فكيف استحللت مالهم ، دون نسائهم والذرية ؟!
  فقال : إنما أبحت لكم أموالهم بدلاً عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة ، قبل قدومي عليهم ، والنساء والذرية لم يقاتلونا ، وكان لهم حكم الإسلام بحكم دار الإسلام ، ولم يكن منهم ردّة عن الإسلام ، ولا يجوز استرقاق من لم يكفر ، وبعد ... لو أبحت لكم النساء ، أيكم يأخذ عائشة في سهمه ؟!
  فخجل القوم من هذا الخ ... ) (1) .

---------------------------
(1) الفرق بين الفرق ص78 وراجع : الفتوح لابن اعثم ج4 ص122/123 وقرب الإسناد ـ ط حجرية ص62 ، والبداية والنهاية ج7 ص282 وراجع ص245 وفيها : أنهم سألوه
=>

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 136 _

  وتذكر بعض المصادر أن اعتراضهم إنما كان على ابن عباس ، فأجابهم بما ذكرناه آنفاً (1) .
  وفي نص آخر : أنه (عليه السلام) قال : (وإنما لكم ما حوى عسكرهم ، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم ، فإن عدا علينا أحد منهم اخذناه بذنبه ، وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره ، يا أخا بكر ،

---------------------------
<=
  أن يقسم فيهم أموال طلحة والزبير ، فأبى فطعنوا عليه الخ ، وذخائر العقبى ص232 وأنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص360 و262 والجمل ص216 و217 والمناقب لابن شهر آشوب ج1 ص268 وجواهر الأخبار والآثار المطبوع بهامش البحر الزخار ج6 ص417 عن المعتزلي الحنفي وغيره وص420/421 وأحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري ص181/182 وتاريخ الطبري ج3 ص545 و543 والكامل للمبرد ج3 ص238 والعقد الفريد ج4 ـ ص331 وتلبيس إبليس ص92 وكنز العمال ج11 ص309 و325 و326 و327 و330 والبحار طبع قديم ج8 ص564 و565 و570 و573 عن كشف الغمة وغيره ، والمسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص70 وجامع بيان العلم ج2 ص127 و128 وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ، [بتحقيق المحمودي] ج3 ص151 و156 والمصنف ج1 ص158 و159 ومستدرك الحاكم ج2 ص151 وتلخصيه للذهبي بهامش نفس الصفحة والخصائص للنسائي ص146 و148 والمناقب للخوارزمي ص184 والكامل لابن الأثير ج3 ص259 و255 والفصول المهمة لابن الصباغ ص66 و67 و93 و96 ، والإمامة والسياسة ج1 ص77 و149 وتذكرة الخواص ص99 وراجع ص105 وكشف الغمة ج1 ص265 والبدء والتاريخ ج5 ص223 و224 والفائق ج4 ص129 ومناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن المغازلي ص408 و410 وبهج الصباغة ج7 ص171 و172 عن المسترشد ، وراجع ص176 عن المبرد ، والوسائل ج11 ص58 و59 ـ باب25 الجهاد حديث 5 و7 ، وجواهر الكلام ج21 ص336 و337.
(1) راجع : مجمع الزوائد ج6 ص240 وخصائص الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للنسائي ص147 و148 والمناقب للخوارزمي ص184 و185 وترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق [بتحقيق المحمودي] ج3 ص151 وعن : البداية والنهاية ج7 ص276 و281 وعن تاريخ اليعقوبي ج2 ص167 وعن المناقب لابن شهر أشوب ج1 ص267.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 137 _

  لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل مكة ، قسَّم ما حوى العسكر ، ولم يعرض لما سوى ذلك ، وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل ... ) إلى أن قال : (فإن أنتم لم تصدقوني وأكثرتم علي ، ـ وذلك أنه تكلم في هذا الأمر غير واحد ـ فأيكم يأخذ عائشة بسهمه ) ؟
  إلى أن قالت الرواية : (وتنادى الناس من كل جانب : أصبت يا أمير المؤمنين ، أصاب الله بك الرشاد والسداد ) (1) .
  وفي نص آخر : أن الخوارج (لعنوا علياً في تركه اغتنام أموالهم ، وسبي ذريتهم ، ونسائهم ) (2) .

من سيرة علي (عليه السلام) في حرب الجمل :
  ولتوضيح ما صنعه علي (عليه السلام) في غنائم حرب الجمل ، وهو ما أثار حفيظة (الخوارج ) نقول : إنهم يقولون : إنه (عليه السلام) : (لما قسم ما حواه العسكر أمر بفرس فيه كادت أن تباع ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه الفرس لي كانت ، وإنما أعرتها لفلان ، ولم أعلم أنه يخرج عليها ، فسأله البينة على ذلك ، فأقام البينة : أنها عارية ، فردها ، وقسم ما سوى ذلك ) (3) .
  ويقولون أيضاً : ( ... فجعلوا يمرون بالذهب والفضة في معسكرهم ،

---------------------------
(1) أحاديث أم المؤمنين عائشة ص181/182 عن كنز العمال ج8 ص215 و217 ومنتخبه ج6 ص315 و331 وراجع جواهر الأخبار والآثار المطبوع بهامش البحر الزخار ج6 ص420/421 والبحار ـ ط قديم ج8 ص564/565.
(2) الملل والنحل ج1 ص116 وأحاديث أم المؤمنين عائشة ج1 ص188 عنه وعن الفرق ص58 وعن التبصير ص27.
(3) الجمل ص216 و217.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 138 _

  والمتاع لا يعرض له أحد ، إلا ما كان من السلاح الذي قاتلوا به ، والدواب التي حاربوا عليها ، الخ ... ) (1) .
  (وجمع ما كان في العسكر من شيء ثم بعث به إلى مسجد البصرة ، أن من عرف شيئاً فليأخذه إلا سلاحاً كان في الخزائن عليه سمة السلطان ، فإنه مما بقي ما لم يعرف ، خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله عز وجل ، لا يحل لمسلم من مال المسلم المتوفى شيء ، وإنما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفل من السلطان ) (2) .
  وقال المسعودي : ( ... وقبض ما كان في معسكرهم من سلاح ، ودابة ، ومتاع ، وآلة ، وغير ذلك ، فباعه وقسمه بين أصحابه ، وأخذ لنفسه ، كما أخذ كل واحد ممن معه من أصحابه ، وأهله ، وولده خمس مئة درهم ، فأتاه رجل من أصحابه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني لم آخذ شيئاً ، وخلفني عن الحضور كذا ، وأدلى بعذره ، فأعطاه الخمس مئة التي كانت له ) (3) .
  نعم ... إن سيرة أمير المؤمنيين (عليه السلام) في مثل هذه المواقع هي سيرة الإسلام المحمدي الأصيل ، وهي منة من الله سبحانه على عباده لابد لهم أن يعرفوها ويعترفوا بها ليخلصوا له العبادة ، وليتحسسوا عظمة الإسلام ، ولأجل ذلك نجده (عليه السلام) يسعى إلى تنبيه الناس إلى ذلك ، فهو يقول :

---------------------------
(1) الأخبار الطوال ص151.
(2) تاريخ الطبري ج3 ص543 وراجع ص545 وراجع البداية والنهاية ج7 ص245 والكامل لابن الأثير ج3 ص255 و259 والفصول المهمة لابن الصباغ ص67.
(3) مروج الذهب ج2 ص371.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 139 _

  (أرأيتم ، لو أني غبت عن الناس من كان يسير فيهم بهذه السيرة ؟! ) (1) .
  وعن أبي البحتري قال : لما انهزم أهل الجمل قال علي : (لا يطلبن عبد خارجاً من العسكر. وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم. وليس لكم أم ولد ، والمواريث على فرائض الله. وأي امرأة قتل زوجها فلتعتد أربعة أشهر وعشراً .
  قالوا : يا أمير المؤمنين ، تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم ؟! فقال : كذلك السيرة في أهل القبلة .
  فخاصموه ، قال : فهاتوا سهامكم ، وأقرعوا على عائشة ، فهي رأس الأمر ، وقائدهم .
  قال : ففرقوا ، وقالوا : نستغفر الله! فخصمهم علي ) (2) .

علي (عليه السلام) لم يخمس أهل الجمل :
  ورووا أيضاً : (أن علياً لم يخمس أهل الجمل ... ) (3) .
  ولكن في نص آخر : أنه (عليه السلام) قال لهم حينما اعترضوا عليه : (وإن لكم في خمسه لغنى ، فيومئذٍ تكلمت الخوارج ) (4) .
  فالظاهر أن من قال إنه (عليه السلام) لم يخمس ، يريد أنه لم يخمس

---------------------------
(1) المصنف ج10 ص124.
(2) كنز العمال ج11 ص326 و327 عن ابن أبي شيبة.
(3) أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص261.
(4) تاريخ الطبري ج3 ص545.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 140 _

  أموالهم التي لم يقاتلوا بها ، ولم تكن في الغنائم ... وكذا لم يخمس السلاح الذي للسلطان لأنه أرجعه إلى بيت المال .
  ومن قال إنه خمسهم مراده : أنه خمس الكراع والسلاح الذي قاتلوه به .
  آخر الدعاوى : وأخيراً نقول : إن البعض يحاول أن يدعي : أن من أهم عوامل نشوء (الخوارج ) هو عبد الله بن سبأ ، ومبادؤه ، التي منها جرأته على الخلفاء والأئمة ، والحكم بتكفيرهم (1) .
  ولعله أخذ ذلك من بعض المستشرقين الذي أثار هذه النقطة بالذات ، ثم حاول مناقشة هذا الزعم ، فكان مما ذكره : أن (الخوارج ) أنفسهم كانوا ينعتون خصومهم الشيعة في الكوفة بنعت السبئية تحقيراً وذماً لهم (2) .
  ونقول : لا ندري من أين تأكد لهؤلاء : أن ابن سبأ قد ترك هذا الأثر العظيم في (الخوارج ) وفي غيرهم ، وبهذه السرعة الفائقة ؟! حتى أصبحت نحلة السبأية ديناً شائعاً ، ووصفاً مشيناً ينعت به هذا الفريق من الناس ، وذاك ؟!
  وابن سبأ إنما غالى في أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلاقى جزاءه على يد أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه ؟!

---------------------------
(1) راجع : أدب المعتزلة ص27 و28 وهامش ص24.
(2) راجع : الخوارج والشيعة ص38. وارجع في الهامش إلى تاريخ الطبري ج2 ص43.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 141 _

  وحديث الجرأة على الخلفاء ، والأئمة قد بدا من عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما قيل له (صلى الله عليه وآله) وهو في مرض موته : إن النبي ليهجر ، وقبل ذلك حين كانوا يعترضون عليه في الحديبية ، ويقولون لا نعطي الدنية في ديننا ، وغير ذلك .
  وأية مبادئ جاء بها ابن سبأ ، وبثها بين الناس يمكنهم أن يثبتوها بالدليل وبالحجة ؟!
  ولماذا تعلموا من ابن سبأ الجرأة على الخلفاء ، ولم يتعلموا غلوه في أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى حد التأليه ؟!
  وإذا كان (الخوارج ) ينعتون خصومهم بالسبئية ، فكيف يأخذون من ابن سبأ وعنه مبادئه ، ويتأثرون بحالاته ؟!

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول _ 143 _

الفصل الثاني : قبل المواجهة