ولكننا نلم ببعض النصوص التي تشير إلى شيء من ذلك ، فنقول :
عدل علي (عليه السلام) وموقف زعماء القبائل :
قال أبو أيوب الأنصاري للعراقيين ، المتقاعسين عن أمر الجهاد : ( ... عباد الله، أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس ، وقد شمل العباد ، وشاع في الإسلام ، فذو حق محروم ، ومشتوم عرضه ، ومضروب ظهره ، وملطوم وجهه ، وموطوءٍ بطنه وملقى بالعراء ، فلما جاءكم أمير المؤمنين صدع بالحق ، ونشر العدل، وعمل بالكتاب ، فاشكروا نعمة الله عليكم ، ولا تتولوا مجرمين الخ ... )
(1) .
نعم ... لقد عرف الناس كلهم العدل ، وذاقوا طعم الحق والإيمان ، في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي أفهم الناس جميعاً ، ولاسيما رؤساء القبائل ، وسواهم من أهل الأطماع ، وأصحاب اللبّانات : أنه رجل لا مطمع فيه لأحد ... وأنه لم ولن يعمل بغير الحق ... وأصبح واضحاً للجميع : أنه لم يكن ليقيم وزناً يذكر للزعامات القبلية ، ولا يبني علاقاته معها إلا على أساس ما تملكه من التزام ، ومن معان إنسانية نبيلة ، وما تقدمه من خدمات في سبيل الدين والإنسان ، فلم يكن ليميز هذا على حساب ذاك ، ولا يعطي أحداً ليحرم غيره ، ولم يكن ليطلب النصر بالجور .
وحينما قال له الأشتر : (يا أمير المؤمنين ، إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة والكوفة ، ورأي الناس واحد ، وقد اختلفوا بعد ، وتعادوا ، وضعفت
---------------------------
(1) الغدير ج9 ص125 و359 ونهج السعادة ص529 والأمالي ص149 وعن الإمامة والسياسة ج1 ص112 وفي طبعة أخرى 128 وعن جمهرة الخطب ج1 ص236 .
الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول
_ 93 _
النية وقل العدد ، وأنت تأخذهم بالعدل ، وتعمل فيهم بالحق ، وتنصف الوضيع من الشريف ، فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع ، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عمّوا به ، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه ، ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف ، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا ، وقل من ليس للدنيا بصاحب ، وأكثرهم يجتوي الحق ويشتري الباطل ، ويؤثر الدنيا. فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق
الرجال ، وتصف نصيحتهم لك ، وتستخلص ودهم ... )