ج : إن عدم تنفيذ أمر رسول الله ، الذي يعلم الجميع أنه لا ينطق عن الهوى إنما يعني أن ذينك الرجلين كانا في شك من كاشفيه قوله (صلى الله عليه وآله) عن الواقع والحقيقة ، مع ملاحظة أن نفس إصدار النبي أمره لهما بقتله يكفي لإدراك أنه (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع هذا الأمر من موقع العلم بالواقع إما على أساس تلقي ذلك من جبرائيل عن الله سبحانه ، أو على أساس الاطلاع عليه بصورة قاطعة ، أي أنهما قد رأيا أن أمر النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن مستكملا لشروط الإنفاذ.
4 ـ أن النبي ـ كما صرحت به الرواية ـ قد قال لعلي (عليه السلام) : (بلى أنت تقتله إن وجدته ).
وهذا يعني : أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعرف علياً (عليه الصلاة والسلام) حق المعرفة ، إنه يعرف ميزاته وخصائصه ، وبماذا يفكر ، وكيف ، وبأية
روحية يتعامل مع القضايا.
ولاجل ذلك نجده (صلى الله عليه وآله) قد أخبر عن أمر غيبي رآه (صلى الله عليه وآله) وسلم بعين اليقين ، متوفراً في علي (عليه الصلاة والسلام) ، من خلال معرفته بيقين علي (عليه السلام) بصحة وواقعية كل ما يصدر عن رسول (صلى الله عليه وآله) ، وبأنه لا ينطق عن الهوى ، وذلك من موقع ايمانه الراسخ والعميق بنبوته (صلى الله عليه وآله).
5 ـ إن هذه الحادثة تفيدنا : أن هذا النحو من الاختبار العملي من شأنه أن يجسد النموذج الاسلامي الأصيل لكي يعرف الناس الفضل لذي الفضل ، وسابقة ذي السابقة.
ويصبح ذلك مقياساً ومعياراً يسقط من خلاله الكثير مما يثار من شبهات وترّهات ، فيما يرتبط بفضل علي ، أو بفضل ومزايا غير علي (عليه السلام) ، بالقياس إليه صلوات الله وسلامه عليه.
الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الأول
_ 343 _
ولا يبقى مجال للكثير من الدعاوى العريضة ، التي قد يسهل إطلاقها ، ولا يستطيع من لا خبرة له ولا معرفة ان يواجهها بالوسائل التي تكشف الزيف ، وتظهر ما فيها من افتئات ، أو ما تحمله من مبالغات.