الفهرس العام

المسألة الثانية عشرة : إرث المسلم من الكافر


المسألة الثالثة عشرة : التوريث بالعصبة
دراسة أدلّة المخالف
مضاعفات القول بالتعصيب

  لا خلاف بين المسلمين أنّ الكافر لا يرث المسلم ، وإنّما الخلاف في أنّ المسلم يرث الكافر أو لا ، فأئمّة أهل البيت على الاَوّل ، قائلين بأنّ الاِسلام لا يزيد إلاّ عزّاً ، لا بوَساً وشقاء ، فلا وجه معقول لمنع المسلم عن ارث ما ترك آباوَه أو أبناوَه ، نعم الكفر يزيد بوَساً وشقاءً وحرماناً ، فلا يرث الكافر المسلم لكرامة المورّث ودناءة الوارث إلاّ إذا أسلم.
  وقد تضافرت رواياتهم على الارث ، إذا كان الوارث مسلماً سواء كان المورّث مسلماً أو كافراً.
  وأمّا الصحابة فقد ذهب كثير منهم إلى هذا القول وهو مروي عن علي ـ عليه السلام ـ ومعاذ بن جبل و معاوية بن أبي سفيان ومن التابعين مسروق وسعيد وعبد اللّه بن معقل ، ومحمد بن الحنفية ، ومحمد بن علي الباقر (عليهم السلام) وإسحاق ابن راهويه.
  وقال الشافعي : لا يرث المسلم الكافر ، وحكوا ذلك عن علي ـ عليه السلام ـ وعمر ، وعبد اللّه بن مسعود ، وعبد اللّه بن عباس ، وزيد بن ثابت والفقهاء كلّهم (1)

---------------------------
(1) الطوسي : الخلاف 2| كتاب الفرائض المسألة 16.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 262 _

  وقال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على أنّ الكافر لا يرث المسلم ، وقال جمهور الصحابة والفقهاء لا يرث المسلم الكافر يُروَى هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأُسامة بن زيد وجابر بن عبد اللّه ، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة ، والزهري وعطاء وطاووس والحسن ، وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار ، والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل.
  وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية ، أنّهم ورّثوا المسلم من الكافر ، ولم يورّثوا الكافر من المسلم ، وحكي ذلك عن محمد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، وسعيد ابن المسيب ، ومسروق ، وعبد اللّه بن معقل ، والشعبي ، والنخعي ، ويحيى بن يعمر ، وإسحاق وليس بموثوق به عنهم ، فإنّ أحمد قال : ليس بين الناس اختلاف في أنّ المسلم لا يرث الكافر (1)
  دليلنا : اطلاقات الكتاب وعموماته مثل قوله سبحانه : ( يُوصيكُمُ اللّهُ في أولادكُمْ لِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الانثيين ) وقوله سبحانه : ( ولَكُمْ نِصف ما تركَ أزواجكم ) وقوله تعالى : ( للرِّجالِ نَصيبٌ مِمّا تَركَ الوالِدانِ والاَقرَبون ) فإنّها تعمّ ما إذا كان المورِّث كافراً والوارث مسلماً وأمّا عكس المسألة فقد خرج بالدليل.
  أضف إلى ذلك ، ما تضافر من الروايات عن أئمّة أهل البيت الصريحة في التوريث.
  منها : صحيحة أبي ولاّد قال : سمعت أبا عبد اللّه يقول : المسلم يرث امرأته

---------------------------
(1) ابن قدامة : المغني : 6|340.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 263 _

  الذميّة، وهي لا ترثه (1)
  منها موثقة سماعة : عن أبي عبد اللّه قال : سألته عن المسلم هل يرث المشرك ؟ قال : نعم فأمّا المشرك فلا يرث المسلم (2)
  وقد علّل في بعض الروايات حكم التوريث بقولهم (نحن نرثهم ولا يرثونا إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يزدنا بالاِسلام إلاّ عزّا )(3) وفي رواية أُخرى قال أبو عبد اللّه : نرثهم ولا يرثونا إنّ الاِسلام لم يزده في ميراثه إلاّ شدّة (4)
  وقد فهم معاذ بن جبل من قول النبي : ( الاِسلام يزيد ولا ينقص ) حكم المسألة فورث المسلم ، من أخيه اليهودي (5)
  نعم استدلّ المخالف بأُمور :
  1 ـ رواية أُسامة بن زيد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ، وقال ابن قدامة : متّفق عليه (6)
  يلاحظ عليه : أنّها رواية واحدة لا تقابل اطلاق الكتاب وعمومه ، وقد قلنا في البحوث الاصولية أنّه لا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، وإنّ منزلة الكتاب أرقى من أن يخصّص بالظن وقد قال به أيضاً المحقّق الحلّـي في المعارج.
  2 ـ روي عن عمر أنّه قال : لا نرث أهل الملل ولا يرثوننا (7) لكنّه خبر موقوف لم يسنده إلى النبي فهو كسائر موقوفات الصحابة ليس حجّة كما حقّقناه

---------------------------
(1) الوسائل : 17 الباب 1 من أبواب موانع الاِرث ح 1 و 5 ، ولاحظ ح 6 و 7 و 8 و 14 و 17 و 19 من ذلك الباب.
(2) الوسائل : 17 الباب 1 من أبواب موانع الاِرث ح 1 و 5 ، ولاحظ ح 6 و 7 و 8 و 14 و 17 و 19 من ذلك الباب.
(3) لاحظ الرواية 6 و 17 و 8 من ذلك الباب.
(4) لاحظ الرواية 6 و 17 و 8 من ذلك الباب.
(5) لاحظ الرواية 6 و 17 و 8 من ذلك الباب.
(6) ابن قدامة : المغني : 6|341.
(7) ابن قدامة : المغني : 6|341.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 264 _

  في (أُصول الحديث وأحكامه).
  3 ـ ما رواه الفريقان عن النبي الاَكرم أنّه قال : (لا يتوارث أهل ملّتين) لكنّه غير دال على المدّعى إذ الحديث بصدد نفي التوارث ، حتى يتوارث كل من الآخر ، بل لا يرث الكافر من المسلم ، ويرث المسلم من الكافر.
  وقد تضافرت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) على هذا التفسير ، روى عبد الرحمان بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا يتوارث أهل ملّتين نحن نرثهم ولا يرثونا إنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ لم يزدنا بالاِسلام إلاّ عزّا (1)
  وفي صحيحة جميل وهشام ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال : فيما روى الناس عن النبيأنّه قال : ( لا يتوارث أهل ملّتين ) ، قال : نرثهم ولا يرثونا إنّ الاِسلام لم يزده في حقّه إلاّ شدّة (2)
  وروى أبو العباس ، قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : لا يتوارث أهل ملّتين يرث هذا هذا ، ويرث هذا هذا إلاّ أنّ المسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم (3) إلى غير ذلك من الروايات المفسّـرة للنبوي والرادّة على فتوى الفقهاء المشهورة في عصرهم (عليهم السلام) .
   وبذلك تظهر حال مسائل أُخرى مذكورة في الفرائض.

---------------------------
(1) الوسائل : 17 الباب 1 من أبواب موانع الاِرث ح 6 و 14 و 15.
(2) الوسائل : 17 الباب 1 من أبواب موانع الاِرث ح 6 و 14 و 15.
(3) الوسائل : 17 الباب 1 من أبواب موانع الاِرث ح 6 و 14 و 15.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 265 _

المسألة الثالثة عشرة : التوريث بالعصبة

  اتّفقت الاِمامية على أنّ ما فضُلَ عن السهام يردُّ على أصحاب السهام بخلاف سائر الفقهاء.
  ولاَجل ايضاح محل الخلاف بين الاِمامية وسائر الفقهاء نذكر أُموراً :
  الاَوّل : إذا بقي من سهام التركة شيء ـ بعد اخراج الفريضة ـ فله صور :
  الصورة الاولى : إنّ الميّتَ إذا لم يخلُف وارثاً إلاّ ذوي فروض ولا يستوعب المال كالبنات وليس معهنّ أحد ، أو الاَخوات كذلك ، فإنّ الفاضل عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم إلاّ الزوج والزوجة (1)
  الصورة الثانية : أن يكون بين أصحاب الفروض مساوٍ لا فرض له ، وبعبارة أُخرى أن يجتمع من لا فرض له مع أصحاب الفرض ، ففيها يرد الفاضل ، على المساوي الذي ليس له سهم خاص في الكتاب وإليك بعض الاَمثلة :
  1 ـ إذا ماتت عن أبوين وزوج.
  2 ـ إذا مات عن أبوين وزوجة.

---------------------------
(1) المغني : 6|256 ونقل عن ابن سراقة أنّه قال : أنّ عليه العمل اليوم في الاَمصار.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 266 _

  فالزوج في الاَوّل ، والزوجة في الثاني ، واللام في كليهما من أصحاب الفروض دون الاَب فما فضل بعد أخذهم ، فهو لمن لا فرض له ، أي الاَب ، فللزوج والزوجة نصيبهما الاَعلى وللام الثلث ، والباقي للاَب لاَنّه لا فرض له ، نعم الاَب من أصحاب الفروض إذا كان للميّت ولد قال سبحانه : ( ولاَبَويهِ لِكُلِّ واحِدٍ منهُما السُّدسُ إنْ كانَ لَهُ وَلَد ) (النساء | 11) بخلاف اللامّ فهي مطلقاً من ذوات الفروض.
  قال الخرقي في متن المغني : ( وإذا كان زوج وأبوان ، أُعطي الزوج النصف واللام ثلث ما بقي ، وما بقي فللاَب ، وإذا كانت زوجة أُعطيت الزوجة الربع ، واللامّ ثلث ما بقي ، وما بقي للاَب.
  قال ابن قدامة : هاتان المسألتان تسمّيان العمريتين لاَنّ عمر ـ رضى اللّه عنه ـ قضى فيهما بهذا القضاء ، فتبعه على ذلك عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود ، وروي ذلك عن علي ، وبه قال الحسن والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وجعل ابن عباس ثلث المال كلّه للامّ في المسألتين ، ويروى ذلك عن علي ) (1)
  3 ـ ذلك الفرض ولكن كان للامّ حاجب ، فللزوج والزوجة نصيبهما الاَعلى وللامّ السدس ، والكل من أصحاب الفرض ، والباقي للاَب الذي لا فرض له.

---------------------------
(1) المغني : 6|236 ـ 237 ، وهذا ونظائره الكثيرة في الفرائض يعرب عن عدم وجود نظام محدّد في الفرائض في متناول الصحابة ، ومعأنّهم يروون عن النبي أنّ أعلم الصحابة بالفرائض هو زيد بن ثابت وانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ( أفرضهم زيد ، وأقرأهم أُبيّ ) لكنّه تبع قضاء عمر ولم يكن عنده شيء في المسألة التي يكثر الابتلاء بها.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 267 _

  4 ـ إذا مات عن أبوين وابن وزوج أو زوجة ، فلهما نصيبهما الاَدنى ـ لاَجل الولد ـ وللوالدين السدسان والباقي للابن الذي لا فرض له.
  5 ـ إذا مات عن زوج أو زوجة وإخوة من اللامّ ، وإخوة من الاَبوين أو من الاَب ، فللزوج النصف أو للزوجة الربع ، وللاِخوة من اللام الثلث ، والباقي لمن لا فرض له أي الاِخوة من الاَبوين أو الذين يتقرّبون بالاَب.
  ففي هذه الصورة فالزائد بعد اخراج الفرائض للمساوي في الطبقة الذي لا فرض له ، ولعلّ هذه الصورة موضع اتّفاق بين الفقهاء : السنّة والشيعة.
  الصورة الثالثة : إذا لم يكن هناك قريب مساوٍ لا فرض له وزادت سهام التركة عن الفروض فهناك رأيان مختلفان بين الفقهاء : الشيعة والسنّة.
  1 ـ الشيعـة كلّهم على أنّ الزائـد يرد إلى أصحاب الفرائض عدا الزوج والزوجة (1) بنسبة سهامهم ، فإذا مات عن أبوين وبنت وليس في طبقتهم من ينتمي إلى الميّت بلا واسطة سواهم ، يرد الفاضل ـ أي السدس ـ عليهم بنسبة سهامهم ، فيرد السدس عليهم أخماساً فللاَبوين : الخمسان من السدس ، وللبنت ثلاثة أخماس منه ، ولا تخرج التركة عن هذه الطبقة أبداً.
  2 ـ أهل السنّة يرون أنّه يرد إلى أقرباء الميّت من جانب الاَب والابن وهم العصبة.

---------------------------
(1) اتّفقت عليه المذاهب كلّها قال ابن قدامة : ( فأمّا الزوجان فلا يرد عليهما ، باتّفاق أهل العلم ) المغني : 6|257.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 268 _

  الاَمر الثاني : ما هو المراد من العصبة لغة واصطلاحاً ؟
  قال ابن منظور : العصبة والعصابة : جماعة ما بين العشرة إلى الاَربعين ، وفي التنزيل : ( وَنَحنُ عُصْبة ) (1)
  قال الاَخفش : والعصبة والعصابة : جماعة ليس لها واحد.
  وقال الراغب : العصَب : اطناب المفاصل ، ثم يقال : لكل شدٍّ عصب ، والعصبة : جماعة متعصّبة متعاضدة ، قال تعالى : ( لَتَنُوأُ بِالعُصْـبَةِ ) (2) والعصابة : ما يعصب بها الرأس والعمامة.
  وقال في النهاية : العصبة : الاَقارب من جهة الاَب لاَنّهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم.
  وقال الطريحي : عَصَبة الرجل ، جمع ( عاصب ) ككفرة جمع كافر ، وهم بنوه وقرابته ، والجمع : العصاب ، قال الجوهري : وانّما سمُّوا عصبة ، لاَنّهم عصبوا به أي : أحاطوا به فالاَب طرف ، والابن طرف ، والاَخ طرف ، والعم طرف ... وكلامه توضيح لما أجمله ابن الاَثير.
  وقد سبق الطريحي ، ابن فارس في مقاييسه فقال : له أصل واحد يدل على ربط شيء بشيء ثم يفرع ذلك فروعاً وتطلق على أطناب المفاصل التي تلائم بينها ، وعلى العشرة من الرجال لاَنّها قد عصبت كأنّها ربط بعضها ببعض.
  وعلى كل تقدير فهو في الاَصل بمعنى الربط والاحاطة وكأنّ الانسان يحاط

---------------------------
(1) يوسف : الآية 8.
(2) القصص : الآية 76.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 269 _

  بالعصبة ويرتبط بها مع غيرهم.
  وأمّا في اصطلاح الفقهاء فهو لا يتجاوز عمّـا ذكره الطريحي في كلامه ، وأحسن التعاريف ما ذكره صاحب الجواهر حيث قال : العصبة : الابن والاَب ومن تدلّى بهما ، وهو يشمل الاَخ والعم وغيرهما.
  وقال ابن قدامة : هو الوارث بغير تقدير ، وإذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه قلّ ، أو كثر ، وإن انفرد أخذ الكل ، وإن استغرقت الفروض المال سقط (1)
  وما ذكره أشبه ببيان حكم العصبة من حيث الحكم الشرعي وليس تفسيراً لمادة العصبة.
  ثمّ إنّ العصبة عندهم تنقسم إلى العصبة بالنفس ، وإلى العصبة بالغير والاَوّل أقرب العصبات ، كالابن ، ابن الابن ، الاَب ، الجد لاَب وإن علا ، الاَخ لاَبوين ، ابن الاَخ لاَبوين ، أو أب ، العم لاَبوين أو لاَب ، ابن العم لاَبوين أو لاَب.
  وأمّا الثاني فينحصر في الاناث كالبنت ، وبنت ابن وأُخت لاَبوين ، أو لاَب.
  لاَنّ العصبة من تدلّى إلى الميّت من جانب الاَب وهو يعم الجميع ولا يختص بالذكور ، نعم توارثهم بالعصبة على نظام خاص مذكور في كتبهم (2)
  قال الخرقي : ( وابن الاَخ للاَب والاَم ، أولى من ابن الاَخ للاَب ، وابن الاَخ

---------------------------
(1) المغني : 6|226.
(2) لاحظ المغني : 6|236 عند قول الماتن : وابن الاَخ للاَب أولى من ابن ابن الاَخ للاَب.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 270 _

  للاَب ، أولى من ابن ابن الاَخ للاَب واللاَم ، وابن الاَخ وإن سفل إذا كان للاَب (1) أولى من العم ، وابن العم للاَب ، أولى من ابن ابن العم للاَب والاُم ، وابن العم وإن سفل ، أولى من عم الاَب ) (2)
  الاَمر الثالث : في تبيين ملاك الوراثة عند الطائفتين :
  إنّ الضابط لتقديم بعض الاَقرباء السببيين على البعض الآخر عندنا أحد الاَمرين :
  1 ـ كونه صاحب فريضة في الكتاب قال سبحانه : ( آباوَكُمْ وأبناوَكُمْ لا تَدرونَ أيُّهم أقربُ لَكُمْ نَفْعاً فَريضةً مِنَ اللّهِ إنّ اللّهَ كانَ عَليماً حَكيماً ) (النساء | 11).
  2 ـ القربى إذا لم يكن صاحب فريضة فالاَقرب إلى الميّت ، هو الوارث للكلّ أو لما فضل عن التركة قال سبحانه : ( وأُولُوا الاَرحامِ بَعضهُم أوْلى بِبَعضٍ في كِتابِ اللّهِ إنّ اللّهَ بِكُلِّ شيءٍ عليم ) .
وأمّا عند أهل السنّة فالملاك بعد الفرض ، هو التعصيب ـ بالمعنى الذي عرفت بعد أصحاب الفرض ـ وإن بعد عنهم ، كالاَخ عندما مات ، عن أُخت أو أُختين فيرث الاَخ ، أو العم ، الفاضل من التركة ، بما أنّهما عصبة ويرد عندنا إلى أصحاب الفروض وربّما لا يترتّب على الخلاف ثمرة كما في الموردين التاليين : كما لو اجتمع الاَب مع الابن ، فالاَب يأخذ فرضه وهو السدس ، وما بقي يأخذه الابن بالاتّفاق لكن عندنا بالقرابة وعند أهل السنّة بالعصبة.

---------------------------
(1) في المصدر : (الاَب) والصحيح ما أثبتناه.
(2) المغني : 6|236.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 271 _

  ومثله لو اجتمع الاَب مع ابن الابن فبما أنّ الاَولاد تنزل منزلة الآباء فللاَب السدس والباقي لابن الابن عندنا بالقرابة وعندهم بالتعصيب ، لكن تظهر الثمرة في موارد أُخر ، كما إذا كانت العصبة بعيداً عن ذي فرض كالاَخ فيما إذا ترك بنتاً أو بنات ، ولم يكن له ولد ذكر ، أو العم فيما إذا ترك أُختاً أو أخوات ولم يكن له أخ ، فعلى مذهب الاِمامية لا يرد إلى البعيد أبداً ، سواء كان أخاً أو عمّـاً ، لاَنّ الضابط في التقديم والتأخير هو الفرض والقرابة والاَخ والعم بعيدان عن الميّت مع وجود البنت أو الاُخت ، فيرد عليهما الفاضل ، فالبنت ترث النصف فرضاً والنصف الآخر قرابة ، وهكذا الصور الاَخرى.
  وأمّا على مذاهب أهل السنّة ، فبما أنّه حكموا بتوريث العصبة مع ذي فرض قريب يردون الفاضل إلى الاَخ في الاَوّل ، والعم في الثاني.
  قال الشيخ الطوسي : القول بالعصبة باطل عندنا ولا يورث بها في موضع من المواضع ، وإنّما يورث بالفرض المسمّى أو القربى ، أو الاَسباب التي يورث بها من الزوجية والولاء ، وروي ذلك عن ابن عباس لاَنّه قال فيمن خلف بنتاً وأُختاً : إنّ المال كلّه للبنت دون الاُخت ، ووافقه جابر بن عبد اللّه في ذلك.
  وروى موافقة ابن عباس عن إبراهيم النخعي ، روى عنه الاَعمش ولم يجعل داود الاَخوات مع البنات عصبة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وأثبتوا العصبات من جهة الاَب والابن (1)

---------------------------
(1) الطوسي : الخلاف : 2|كتاب الفرائض المسألة 80.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 272 _

  إذا عرفت ذلك فلنأخذ بدراسة أدلّة نفاة العصبة فنقول :

دراسة أدلّة نفاة العصبة :
  احتجّت الاِماميّة على نفي التعصيب وأنّه مع وجود الاَقرب وإن كان ذا فرض لا يرد الباقي إلى البعيد وإن كان ذكراً ، بوجوه :
  الاَوّل : قوله سبحانه : ( للرِّجالِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالدانِ والاَقربونَ وللنساءِ نَصيبٌ مِمّا تَركَ الوالدانِ والاَقربونَ مِمّا قَلَّ مِنهُ أو كَثُرَ نَصيباً مَفْروضاً ) (النساء | 6).
  وجه الاستدلال : أنّه أوجب توريث جميع النساء والاَقربين ودلّت على المساواة بين الذكور والاِناث في استحقاق الارث ، لاَنّها حكمت بأنّ للنساء نصيباً كما حكمت بأنّ للرجال نصيباً ، مع أنّ القائل بالتعصيب عليه توريث البعض دون البعض مع كونهما في رتبة واحدة وذلك في الصور التالية :
  1 ـ لو مات وترك بنتاً ، وأخاً وأُختاً ، فالفاضل عن فريضة البنت يرد إلى الاَخ ، ويحكم على الاَخت بالحرمان.
  2 ـ لو مات وترك بنتاً ، وابن أخ ، وابن أُخت ، فالقائل بالتعصيب يعطي النصف للبنت ، والنصف الآخر لابن الاَخ ، ولا شيء لابن أُخته مع أنّهما في درجة واحدة.
  3 ـ لو مات وترك أُختاً ، وعمّـاً ، وعمّة ، فالفاضل عن فريضة الاَخت يرد إلى

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 273 _

  العم ، لا العمّة.
  4 ـ لو مات وترك بنتاً ، وابن أخ ، وبنت أخ ، فإنّهم يعطون النصف للبنت ، والنصف الآخر لابن الاَخ ، ولا يعطون شيئاً لبنت الاَخ مع كونهما في درجة واحدة.
  فالآية تحكم على وراثة الرجال والنساء معاً وبوراثة الجميع ، والقائل بالتعصيب يورّث الرجال دون النساء والحكم به أشبه بحكم الجاهلية المبنية على هضم حقوق النساء كما سيوافيك بيانه.
  وحمل الآية في مشاركة الرجال والنساء ، على خصوص الميراث المفروض ، لا الميراث لاَجل التعصيب كما ترى ، والحاصل أنّ نتيجة القول بالتعصيب هو توريث الرجال واهمال النساء على ما كانت الجاهلية عليه.
  قال السيد المرتضى : توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربى والدرجة ، من أحكام الجاهلية ، وقد نسخ اللّه بشريعة نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أحكام الجاهلية ، وذمّ من أقام عليها واستمرّ على العمل بها بقوله : ( أَفَحُكْمَ الجاهليّة يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكماً ) وليس لهم أن يقولوا إنّنا نخصّص الآية التي ذكرتموها بالسنّة ، وذلك أنّ السنّة التي لا تقتضي العلم القاطع لا يُخصَّص بها القرآن ، كما لم ينسخه بها ، وإنّما يجوز بالسنّة أن يخصّص وينسخ إذا كانت تقتضي العلم واليقين ، ولا خلاف في أنّ الاَخبار المروية في توريث العصبة أخبار آحاد لا توجب علماً ، وأكثر ما يقتضيه غلبة الظن ، على أنّ أخبار التعصيب معارضة بأخبار كثيرة ترويها الشيعة من طرق مختلفة في إبطال أن يكون الميراث بالعصبة ، وأنّه بالقربى والرحم ، وإذا تعارضت الاَخبار رجعنا إلى ظاهر

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 274 _

  الكتاب (1) .
  الثاني : قوله سبحانه : ( وأولوا الاَرحام بعضهم أولى بِبعضٍ في كِتابِ اللّهِ إنَّ اللّهَ بِكُلِّ شيءٍ عليم ) (الاَنفال | 75).
  وجه الاستدلال : أنّ المراد من الاَولويّة هو الاَقربية أي الاَقرب فالاَقرب ، وعلى ذلك فكيف يرث الاَخ أو العم مع وجود الاَقرب أعني البنت أو الاُخت ، وهما أقرب إلى الميّت من الاَخ والعم ، لاَنّ البنت تتقرّب إلى الميّت بنفسها ، والاَخ يتقرّب إليه بالاَب ، والاُخت تتقرّب إلى الميّت بالاَب ، والعمّ يتقرّب إليه بواسطة الجد ، والاُخت تتقرّب بواسطة ، والعم يتقرّب بواسطتين ، وأولاده بوسائط.
  والعجب أنّهم يراعون هذا الملاك في ميراث العصبة حيث يقدّمون الاَخ لاَبوين ، على الاَخ لاَب ، وابن الاَخ لاَبوين ، على ابن الاَخ لاَب ، كما أنّ العم لاَبوين يقدّمونه على العم لاَب ، وابن العم لاَبوين على ابن العم لاَب.
  هذا في العصبة بالنفس ومثلها العصبة بالغير .
  وممّا يدل على أنّ الآية في بيان تقديم الاَقرب فالاَقرب ـ مضافاً إلى ما ورد من أنّها وردت ناسخة للتوارث بمعاقدة الاِيمان والتوارث بالمهاجرة اللَّذين كانا ثابتين في صدر الاِسلام (2) إنّ عليّاً كان لا يعطي الموالي شيئاً مع ذي رحم ، سمّيت له فريضة أم لم تسم له فريضة وكان يقول :

---------------------------
(1) الانتصار : 278.
(2) مجمع البيان : 2|563 طبع صيدا.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 275 _

  ( وأولوا الاَرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّهِ إنّ اللّهَ بكلِّ شيءٍ عليم ) قد علم مكانهم فلم يجعل لهم مع أُولي الاَرحام (1)
  وروى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّه : ( وأولوا الاَرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّهِ ) : إنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض لاَنّ أقربهم إليه رحماً أولى به ، ثمّ قال أبو جعفر : أيّهم أولى بالميت وأقربهم إليه ؟ أُمّه ؟ أو أخوه ؟ أليس الاُمّ أقرب إلى الميّت من إخوته وأخواته ؟ (2)
  وروي عن زيد بن ثابت أنّه قال : من قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء (3).
  قال العلاّمة الصافي في تفسير قوله سبحانه : ( للرِّجالِ نصيبٌ مِمّا تَركَ الوالِدانِ والاَقربونَ ... ) قد أبطل اللّه بهذه الآية النظام الجاهلي المبنيّ على توريث الرجال دون النساء ، مثل توريث الابن دون البنت ، وتوريث الاَخ دون الاُخت ، وتوريث العم دون العمّة ، وابن العم دون بنته ، فقرّر بها مشاركة النساء مع الرجال في الارث ، إذا كنّ معهم في القرابة في مرتبة واحدة ، كالابن والبنت ، والاَخ والاُخت ، وابن الابن وبنته ، والعم والعمّة وغيرهم ، فلا يوجد في الشرع مورد تكون المرأة مع المرء في درجة واحدة إلاّ وهي ترث من الميت بحكم الآية ... فكما أنّ القول بحرمان الرجال الذين هم من طبقة واحدة نقض لهذه الضابطة المحكمة الشريفة ، كذلك القول بحرمان النساء أيضاً ... ومثل هذا النظام ـ الذي تجلّى فيه اعتناء الاِسلام بشأن المرأة ورفع مستواها في الحقوق المالية كسائر حقوقها ـ يقتضي أن يكون عامّاً لا يقبل التخصيص والاستثناء (4)

---------------------------
(1) الوسائل : 17 ، الباب 8 من أبواب موجبات الاِرث الحديث 10 و 11 و 2.
(2) الوسائل : 17 ، الباب 8 من أبواب موجبات الاِرث الحديث 10 و 11 و 2.
(3) الوسائل : 17 ، الباب 8 من أبواب موجبات الاِرث الحديث 10 و 11 و 2.
(4) مع الشيخ جاد الحق ، شيخ الاَزهر : 15 ـ 16.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 276 _

  ويظهر من السيد في الانتصار أنّ القائلين بالتعصيب ربّما يعترضون على الاِمامية بأنّ الحرمان موجود في فقههم ، كما إذا مات الرجل عن بنت وعم أو ابن عم ، فإنّ التركة كلّها للبنت عندهم ولا حظّ لهما ، وهو حرمان الرجال دون النساء عكس القول بالتعصيب ، ويشتركان في الحرمان ومخالفة الذكر الحكيم.
  والجواب : أنّ الحرمان في المثال لاَجل عدم الاستواء في القرابة ألاّ ترى أنّ ولد الولد (ذكوراً كانوا أو إناثاً) لا يرث مع الولد ، لعدم التساوي في الدرجة والقرابة ، وإن كانوا يدخلون تحت التسمية بالرجال والنساء ، وإذا كانت القرابة والدرجة مراعاة بين العم وابنه ، فلا يساوي ـ العم ـ البنت في القربى والدرجة وهو أبعد منها كثيراً.
  وليس كذلك العمومة والعمّـات وبنات العم وبنو العم ، لاَنّ درجة هوَلاء واحدة وقرباهم متساوية والمخالف يورث الرجال منهم دون النساء ، فظاهر الآية حجّة عليه وفعله مخالف لها ، وليس كذلك قولنا في المسائل التي وقعت الاِشارة إليها وهذا واضح فليتأمّل (1)
  الثالث : قوله سبحانه : ( إنِ امْروَاْ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَركَ ... ) (النساء | 176) والآية ظاهرة في أنّ توريث الاَخت من الاَخ مشروط بعدم وجود الولد له ، مع أنّه يلزم في بعض صور التعصيب توريث الاَخت مع وجود الولد (البنت) للميّت وذلك فيما إذا كان التعصيب بالغير كأُخت أو أخوات لاَبوين ، أو أُخت وأخوات لاَب ، فإنّهنّ عصبة بالغير من جانب الاَب فلو مات عن بنت وأُخت لاَبوين أو لاَب ، فالنصف للبنت ، والنصف الآخر للعصبة وهي الا

---------------------------
(1) الانتصار : 283.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 277 _

  َُخت أو الاَخوات مع أنّ وراثة الاَخت مشروطة بعدم الولد في صريح الآية ، قال الخرقي : والاَخوات مع البنات عصبة ، لهنّ ما فضل ، وليس لهنّ معهنّ فريضة مسمّـاة.
  وقال ابن قدامة في شرحه : والمراد بالاَخوات هاهنا ، الاَخوات من الاَبوين ، أو من الاَب وإليه ذهب عامّة الفقهاء إلاّ ابن عباس ومن تابعه ، فإنّه يروى عنه أنّه كان لا يجعل الاَخوات مع البنات عصبة فقال في بنت وأخت : للبنت النصف ولا شيء للاَخت ، فقال ابن عباس : أنتم أعلم أم اللّه ، يريد قول اللّه سبحانه : ( إنِ امْروَاْ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَركَ ... ) فإنّما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد.
  ثمّ إنّ ابن قدامة ردّ على الاستدلال بقوله : إنّ الآية تدل على أنّ الاَخت لا يفرض لها النصف مع الولد ، ونحن نقول به ، فإنّ ما تأخذه مع البنت ليس بفرض ، وإنّما هو بالتعصيب كميراث الاَخ ، وقد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الاَخ مع الولد مع قول اللّه تعالى : ( وهو يرثها إنْ لم يَكُنْ لَها ولَد ) وعلى قياس قوله ( ينبغي أن يسقط الاَخ لاشتراطه في توريثه منها عدم ولدها ) (1)
  حاصل كلامه : أنّ الاَخت ترث من الاَخ النصف في حالتي وجود الولد وعدمه ، غاية الاَمر عند عدم الولد ترث فرضاً ، وعند وجوده ترثه عصبة.
  يلاحظ عليه : أنّ المهم عند المخاطبين هو أصل الوراثة ، لا التسمية فإذا كان الولد وعدمه غير موَثّر فيها ، كان التقييد لغواً ، وما ذكره من أنّها ترث النصف عند الولد تعصيباً لا فرضاً أشبه بالتلاعب بالاَلفاظ ، والمخاطب بالآية هو العرف العام

---------------------------
(1) ابن قدامة : المغني : 6|227.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 278 _

  وهو لا يفهم من الآية سوى حرمان الاَخت عند الولد وتوريثها معه باسم آخر ، يراه مناقضاً.
  وما نسبه إلى ابن عباس من أنّه كان يرى ميراث الاَخ مع الولد ، غير ثابت وعلى فرض تسليمه فهو ليس بحجة.
  الرابع : الروايات المروية في الصحاح والمسانيد وفي جوامعنا ، ننقل منها ما يلي :
  1 ـ روى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال : مرضت بمكّة مرضاً فأشفيت (1) منه على الموت فأتاني النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يعودني فقلت : يا رسول اللّه : إنّ لي مالاً كثيراً وليس يرثني إلاّ ابنتي أفأتصدّق بثلثي مالي ؟ قال : لا ، قلت : فالشَّطرُ ؟ قال : لا ، قلت : الثلث ؟ قال : الثلث كبير ، إنّك إن تركت ولدك أغنياء خيرٌ من أن تتركهم عالةً يتكفّفون الناس (2)
  وفي لفظ مسلم في باب الوصية بالثلث : ( ولا يرثني إلاّ ابنة لي واحدة ) والرواية صريحة في أنّه كان يدور في خلد سعد ، أنّها الوارثة المتفرّدة والنبيّ سمع كلامه وأقرّه عليه ولم يرد عليه بشيء وقد كان السوَال والجواب بعد نزول آيات الفرائض.
  2 ـ روى البيهقي عن سويد بن غفلة في ابنة وامرأة ومولى قال : كان علي ـ عليه السلام ـ يعطي الابنة النصف والمرأة الثمن ويرد ما بقي على الابنة (3)

---------------------------
(1) أي فأشرفت وقاربت.
(2) صحيح البخاري : 8|150 ، كتاب الفرائض ، باب ميراث البنات.
(3) السنن الكبرى : 6|242 باب الميراث بالولاء.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 279 _

  3 ـ روى : من ترك مالاً فلاَهله (1)
  4 ـ وربّما يستدل بما روي عن واثلة بن الاَسقع ، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : والمرأة تحوز ثلاث مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي تلاعن عليه (2).
  وجه الاستدلال : أنّ سهم الاُم هو السدس أو الثلث وقد حكم على الفاضل عن التركة بالرد عليها دون العصبة ، إلاّ أن يقال : إنّ عدم الرد لعدم وجود العصبة (بحكم اللعان) فلا يصحّ الاستدلال به على ما إذا كانت هناك عصبة.
  الخامس : إنّ القول بالتعصيب يقتضي كون توريث الوارث مشروطاً بوجود وارث آخر وهو مخالف لما علم الاتّفاق عليه لاَنّه إمّا أن يتساوى الوارث الآخر فيرثان ، وإلاّ فيمنع وذلك في المثال الآتي : إذا خلف الميّت بنتين ، وابنة ابن ، وعم ، فبما أنّ العمّ من العصبة بالنفس والابنة عصبة بالغير يرد الفاضل إلى العم ، ولا شيء لبنت الابن ، ولكنّه لو كان معها أخ أي ابن الابن ، فهي تتعصّب به ، وبما أنّه أولى ذكر بالميّت يكون مقدماً على العم ويكون الفاضل بينهما أثلاثاً ، للاجماع على المشاركة ، لقوله سبحانه : ( يُوصيكُم اللّهُ في أولادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل حظِّ الاُنثيين ) (النساء | 11) وهذا هو ما قلناه من أنّه يلزم أن يكون توريث الابنة مشروطاً بالاَخ وإلاّ فيرث العم.

---------------------------
(1) صحيح البخاري : 8|150 كتاب الفرائض باب قول النبي : من ترك مالاً فلاَهله ، وكنز العمال : 11|7 الحديث 30388 ، وجامع الاَصول : 9|631 قال : رواه الترمذي.
(2) المسند : 3|490 ، وسنن ابن ماجة : 2|916 باب ما تحوزه المرأة ، ثلاث مواريث رقم 2742 ، وفي جامع الاَصول : 9|614 ، برقم 7401 ... ولدها الذي لاعنت عنه ، أخرجه أبو داود والترمذي.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 280 _

  قال الخرقي في متن المغني : (فإن كنّ بنات ، وبنات ابن ، فللبنات الثلثان وليس لبنات الابن شيء إلاّ أن يكون معهنّ ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظّ الاُنثيين).
  وقال ابن قدامة : ( فإن كان مع بنات الابن ، ابن في درجتهنّ كأخيهنّ أو ابن عمّهنّ ، أو أنزل منهنّ كابن أخيهنّ أو ابن ابن عمّهنّ أو ابن ابن ابن عمّهن ، عصبهنّ في الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظّ الاُنثيين ) (1)
  السادس : لقد تضافر عن أئمّة أهل البيت أنّ الفاضل عن الفروض للاَقرب ، وهي متضافرة لو لم نقل أنّها متواترة ولعل الشهيد الثاني لم يتفحّص في أبواب الارث فقال : يرجع الاِمامية إلى خبر واحد (2) ويظـهر من الروايات أنّه كان مكتوباً في كتاب الفرائض لعليّ (عليه السلام) .
  1 ـ روى حماد بن عثمان قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل ترك أُمّه وأخاه ؟ قال : يا شيخ تريد على الكتاب ؟ قال ، قلت : نعم ، قال : كان علي ـ عليه السلام ـ يعطي المال للاَقرب ، فالاَقرب ، قال : قلت : فالاَخ لا يرث شيئاً ؟ قال : قد أخبرتك أنّ علياً (عليه السلام) كان يعطي المال الاَقرب فالاَقرب (3)
  2 ـ روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل مات وترك ابنته وأُخته لاَبيه وأُمّه ؟ فقال : المال كلّه للابنة وليس للاُخت من الاَب والاُمّ شيء (4)

---------------------------
(1) المغني : 6|229.
(2) المسالك ، كتاب الفرائض عند شرح قول المحقق : ولا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب.
(3) الوسائل : 17 ، الباب 5 من أبواب ميراث الاَبوين الحديث : 6 و 1 .
(4) الوسائل : 17 ، الباب 5 من أبواب ميراث الاَبوين الحديث : 6 و 1 .

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 281 _

  3 ـ روى عبد اللّه بن خداش المنقري أنّه سأل أبا الحسن عن رجل مات وترك ابنته وأخاه ؟ فقال : المال للابنة (1)
  4 ـ عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : رجل مات وترك ابنة وعمّه ؟ فقال : المال للابنة وليس للعم شيء ، أو قال : ليس للعم مع الابنة شيء (2) .
  ويظهر من مناظرة الرشيد مع الاِمام أبي الحسن الاَوّل ، أنّ توريث العم مع الاَبناء كان موَامرة سرّية لاِقصاء عليّ عن حقّه ، بتقديم العم على ابنة رسول اللّه (3)
  5 ـ ما رواه حسين الرزاز قال : امرت من يسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) المال لمن هو ؟ للاَقرب أو العصبة ؟ فقال : المال للاَقرب والعصبة في فيه التراب (4)
  6 ـ ما رواه العياشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه قال : اختلف علي بن أبي طالب وعثمان في الرجل يموت وليس له عصبة يرثونه وله ذو قرابة لا يرثونه ، ليس لهم سهم مفروض ، فقال عليّ : ميراثه لذوي قرابته لاَنّ اللّه تعالى يقول : ( وأُولوا الاَرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه ) وقال عثمان : اجعل ماله في بيت مال المسلمين (5)

---------------------------
(1) الوسائل : 17 ، الباب 5 من أبواب ميراث الاَبوين الحديث : 3 و 14 و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7 ـ 13 ، من ذلك الباب.
(2) الوسائل : 17 ، الباب 5 من أبواب ميراث الاَبوين الحديث : 3 و 14 و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7 ـ 13 ، من ذلك الباب.
(3) الوسائل : 17 ، الباب 5 من أبواب ميراث الاَبوين الحديث : 3 و 14 و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7 ـ 13 ، من ذلك الباب.
(4) وفي السند (صالح بن السعدي وهو ممدوح ، والحسين الرزاز مجهول ، وفي التهذيب : 9|267 رقم 972 (البزاز) وهو أيضاً مجهول.
(5) الوسائل : 17 ، الباب 8 من أبواب موجبات الاِرث الحديث 1 و 9.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 282 _

دراسة أدلّة المخالف

  لقد اتّضح الحق وتجلّى بأجلى مظاهره ، بقي الكلام في دراسة أدلّة المخالف فقد استدلّ بوجوه :
  الاَوّل : لو أراد سبحانه توريث البنات ونحوهنّ أكثر ممّا فرض لهنّ لفعل ذلك والتالي باطل ، فإنّه تعالى نصّ على توريثهنّ مفصّلاً ولم يذكر زيادة على النصيب.
  بيان الملازمة أنّه تعالى لما ورّث الابن الجميع لم يفرض له فرضاً ، وكذا الاَخ للاَب والعم وأشباههم ، فلولا قصر ذوي الفروض على فرضهم لم يكن في التنصيص على المقدار فائدة.
  وحاصله : أنّ كل من له فرض لا يزاد عنه وكل من لم يفرض له يعطى الجميع.
  يلاحظ عليه : أوّلاً : بالنقض بورود النقيصة على ذوات الفروض عند أهل السنّة إذا عالت الفرائض على السهام ، كما سيوافيك شرحه فإنّهم يدخلون النقص على الجميع مثل باب الديون ، فربّما يكون سهم البنت والا خت أقل من النصف ، فإذا جاز النقص فما المانع من الزيادة ، بل الاَمر في النقصان أولى لاَنّ النقصان ينافي الفرض بخلاف الزيادة عليه بدليل آخر ، فإنّ فيه أعمال الدليلين والاَخذ بمفادهما.
  وثانياً : بالحلّ إنّ تحديد الفرض بالنصف إنّما يكون لغواً إذا لم تترتّب عليه فائدة مطلقاً ، ولكنّه ليس كذلك لترتّب الثمرة عليه فيما إذا كان معه وارث ذو

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 283 _

  فرض كالاُم ، فإنّ كيفية الرد على الوارثين لا تعلم إلاّ بملاحظة فرضهما ثم الرد عليهما بحسب تلك النسبة فلو لم يكن سهم البنت و البنتين منصوصاً في الذكر الحكيم لما علمت كيفيّة الرد.
  وبالجملة : أنّه وإن كان لا تظهر للقيد ثمرة إذا كان الوارث هو البنت أو الاُخت وحدها ، ولكنّه ليس كذلك إذا كان معه وارث آخر وهو ذو فرض مثلها كالاُمّ ، فإنّ الرد عليهما يتوقّف على ملاحظة فرضهما ثمّ الرد بتلك النسبة.
  وثالثاً : أنّ التصريح بالفرض لاَجل التنبيه على أنّها لا تستحق بالذات إلاّ النصف أو الثلثان ، بخلاف الاَخ وإنّما تأخذ الزائد بعنوان آخر وهو أنّه ليس معه وارث مساوٍ بخلاف الابن أو الاَخ ، فإنّ كلاّ يستحق المال كلّه بالذات.
  ورابعاً : إنّ المفهوم في المقام أشبه بمفهوم اللقب وهو ليس بحجة فيه.
  الثاني : قوله سبحانه : ( إنِ امْرُوَاْ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَركَ وهوَ يَرِثُها إنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَد ) (النساء | 176).
  وجه الاستدلال : أنّه سبحانه حكم بتوريث الاَخت ، نصف ميراث أخيها مع عدم الولد وحكم بتوريث الاَخ ميراثها أجمع بدليل قوله تعالى : ( وهو يرثها ) فلو ورثت الاَخت الجميع كما هو مذهبكم لن تبقى للفرق بين الاَخ والاَخت ثمرة أصلاً.
  الجواب : أنّ التقييد بالنصف مع أنّها ربّما ترث الكلّ لاَجل التنبيه ، على أنّها لا تستحق بالذات إلاّ النصف وأنّ الاَصل القرآني هو استحقاق الذكر ضعف سهم الاَنثى وهو النصف ، وأنّها إن ورثت المال كله فإنّما هو لاَجل طارئة خاصة ، على

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 284 _

  أنّ التصريح بالفرض لاَجل تبيين ما يتوقّف عليه تقسيم الفاضل ، بينها وبين من يشاركه في الطبقة كالاِخوة أو الاَخوات من الاُمّ ، فإنّ الباقي يردّ عليهما بنسبة سهامهما فلو لم يكن هناك تحديد بالنصف فمن أين تعلم كيفيّة الرد.
  الثالث : قوله تعالى : ( وإنِّـي خِفْتُ المَوالِيَ مِنْ وَرائِي وكَانَتِ امْرَأَتِـي عاقِراً فَهَبْ لِـي مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرثُنِـي وَيَرِثُ من آلِ يَعقوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا ) (مريم 5 ـ 6).
  وجه الاستدلال : أنّ زكريا (عليه السلام) لمّا خاف أن ترثه العصبة ، سأل اللّه سبحانه أن يهبه وليّاً حتى يرث المال كلّه ، لا وليّةً حتى ترث المال نصفه ويرث الموالي الفاضل ، ولولا ذلك لما أكّد على كون الولد الموهوب من اللّه ذكراً ، في قوله سبحانه : ( وإنِّـي خِفْتُ المَوالِيَ مِنْ وَرائِي وكَانَتِ امْرَأَتِـي عاقِراً فَهَبْ لِـي مِن لَدُنكَ وَلِيّاً * يَرثُنِـي وَيَرِثُ من آلِ يَعقوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا ).
  يلاحظ عليه : أنّ المقصود من ( وليّاً ) هو مطلق الاَولاد ذكراً كان أو أُنثى ، وذلك على مساق اطلاق المذكّر وإرادة الجنس وهو شائع في القرآن الكريم.
  مثل قوله سبحانه : ( إلاّ الَّذِينَ آمَنوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) بشهادة قوله تعالى في آية أُخرى : ( هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لي مِن لَدُنكَ ذُرِّيّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاء ) (آل عمران | 38).
  بل يمكن أن يقال إنّه طلب ذرّية مثل مريم لقوله سبحانه قبل هذه الآية : ( كُلَّما دَخَلَ عَلَيها زَكريّا المحرابَ وَجدَ عِندها رِزْقاً قالَ يا مَريمُ أنّى لَكِ هذا قالَت هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيرِ حِساب * هنالِكَ دَعا ... ) أي في هذه الحال التي رأى فيها في مريم من الكرامة سأل اللّه سبحانه أن يرزقه ذريّة طيّبة

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 285 _

  (مثل مريم) فلو لم نقل إنّه سأل انثى مثل مريم ، ليس لنا أن نقول إنّه طلب الذكر.
  ولو سلمنا أنّه طلب الذكر لكنّه لم يطلب لاَجل أنّه لو رزق الاَنثى ترثه العصبة وإنّما سأله الذكر لمحبّة كثيرة له ، أو لاَنّه أولى بالاِدارة من الاُنثى كما لا يخفى.
  الرابع : الروايات والآثار الواردة في هذا المجال ولعلّها أهم المدارك والمصادر لهذه الفتيا.
  الرواية الاُولى : رواية عبد اللّه بن طاووس بن كيسان اليماني (المتوفّى عام 132) رواها الشيخان في غير مورد.
  روى البخاري عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب عن ابن طاووس عن أبيه ، عن ابن عباس : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لاَولى رجل ذكر (1)

---------------------------
(1) صحيح البخاري : 8|151 باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن ، وص 152 ، باب ميراث الجد مع الاَب والاِخوة ، ورواها عن سليمان بنحرب (مكان مسلم بن إبراهيم) ورجال السند في غيرهما ، واحد و باب ابني عم أحدهما أخ والآخر زوج ص 153 ، رواها عن أُمية بن بسطام ، عن يزيد بن زريع عن روح عن عبد اللّه بن طاووس.
وصحيح مسلم : 5|59 باب ألحقوا الفرائض بأهلها عن ابن طاووس عن ابن عباس رقم 1615.
وصحيح الترمذي في الفرائض باب ميراث العصبة رقم 2099.
وسنن أبي داود في الفرائض باب ميراث العصبة رقم 2898.
ولاحظ السنن الكبرى : 6|238 باب العصبة ، وجامع الاُصول : 9|6104 رقم 7421.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 286 _

  يلاحظ عليه أوّلاً : الروايات تنتهي إلى عبد اللّه بن طاووس بن كيسان اليماني وقد وثّقه علماء الرجال (1) لكن يعارض توثيقهم مع ما ذكره أبو طالب الاَنباري (2) في حقّ هذه الرواية قال : حدثنا محمد بن أحمد البربري ، قال : حدثنا بشر بن هارون ، قال : حدثنا الحميري ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن قاربة بن مضرب قال : جلست عند ابن عباس وهو بمكة ، فقلت : يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاووس مولاك يرويه : إنّ ما أبقت الفرائض فلاَوْلَى عصبة ذكر ؟ قال : أمن أهل العراق أنت ؟ قلت : نعم ، قال : أبلغ من وراءك أنّي أقول : إنّ قول اللّه عزّ وجلّ : ( آباوَكُم وأبناوَكُم لا تدرونَ أيُّهم أقربُ لَكُمْ نَفعاً فريضة مِنَ اللّه ) وقوله : ( أُولُو الاَرحام بَعضُهم أولى بِبَعضٍ في كتابِ اللّه ) وهل هذه إلاّ فريضتان وهل أبقتا شيئاً ، ما قلت هذا ، ولا طاووس يرويه عليّ ، قال قاربة بن مضرب : فلقيت طاووساً فقال : لا واللّه ما رويت هذا على ابن عباس قط وإنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم ، قال سفيان : أراه من قبل ابنه عبد اللّه بن طاووس فإنّه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك (3) وكان يحمل على هوَلاء القوم حملاً

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب : 5|268 رقم 458 سير أعلام النبلاء ، حوادث عام 132 وغيرهما.
(2) هو عبيد اللّه بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الاَنباري : قال النجاشي : شيخ من أصحابنا (أبو طالب) ثقة في الحديث ، عالم به ، كان قديماً من الواقفة توفّـي عام 356 (رجال النجاشي برقم 615 طبع بيروت).
وأمّا رجال السند ففي تعليقة الخلاف أنّه لم يتعرّف على البربريّ ، وأمّا بشر بن هارون لعلّه تصحيف بشر بن موسى إذ هو الراوي عن الحميدي على ما في تاريخ البغدادي : 86 ، والحميدي هو عبد اللّه بن الزبير القرشي توفّي بمكة 219 كما في تذكرة الحفّاظ 2 : 413 ، وسفيان هو سفيان بن عيينة وأبو إسحاق هو : عمرو بن عبد اللّه بن عبيد السبيعي.
(3) سليمان بن عبد الملك بن مروان سابع خلفاء بني أُمية بويع سنة 96 وتوفّي سنة 98 وهو ابن خمس وأربعين سنة و كان خاتمه بيدهيختم رسائله بخاتمه صيانة عن التزوير.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 287 _

  شديداً ـ أي بني هاشم ـ (1)
  إنّ سليمان بن عبد الملك الاَموي المرواني هو الذي قتل أبا هاشم عبد اللّه بن محمد بن علي الحنفية بالسم ظلماً وخداعاً ، فكيف يكون حال من يواليهم.
  وثانياً : أنّ نسبة الآيات المتقدمة إلى هذه الرواية وإن كان نسبة الاطلاق إلى التقييد ، ولكن الاعتماد على هذه الرواية في تقييد الذكر الحكيم ، ممّا لا يجترىَ عليه الفقيه الواعي.
  إنّ وراثة العصبة ليست من المسائل التي يقل الابتلاء بها ، بل هي ممّا تعمّ البلوى بها في عصر النبيّ وعصور الخلفاء ، فلو كان هناك تشريع على مضمون هذه الرواية لما خفي على غيره ونقله الآخرون ، وقد عرفت أنّ الاَسناد تنتهي إلى عبد اللّه بن طاووس.
  وثالثاً : أنّ فقهاء المذاهب أفتوا في موارد على خلاف مضمون هذا الخبر ، وقد أشار إليها فقيه الطائفة الطوسي ، نذكر قسماً منها.
  1 ـ لو مات وخلّف بنتاً وأخاً وأُختاً ، فقد ذهبوا إلى أنّ للبنت النصف والنصف الآخر للاَخ والاُخت (للذَّكر مثل حظّ الاَنثيين) مع أنّ مقتضى خبر ابن طاووس أنّ النصف للبنت أخذاً بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ألحقوا الفرائض بأهلها والنصف الآخر للاَخ لاَنّه أولى رجل ذكر).
  2 ـ لو أنّ رجلاً مات وترك بنتاً ، وابنة ابن ، وعمّـاً ، فقد ذهبوا إلى أنّ النصف للبنت والنصف الآخر لابنة الابن والعم ، مع أنّ مقتضى الخبر أن يكون النصف الآخر للعم وحده لاَنّه أولى ذكر (2)

---------------------------
(1) التهذيب : لشيخ الطائفة : 9|262. الخلاف : 2 ، المسألة 80.
(2) الخلاف : 2|278 ، المسألة 80 والتهذيب للشيخ الطوسي : 9|262.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 288 _

  قال السيد المرتضى : وفيهم من يذهب فيها إلى أنّ المراد بها قرابة الميّت من الرجال الذين اتّصلت قرابتهم به من جهة الرجال كالاَخ والعم ، دون الاُخت والعمّة ، ولا يجعل للرجال الذين اتّصلت قرابتهم من جهة النساء عصبة كإخوة الميّت لاُمّه ، وفيهم من جعل العصبة مأخوذة من التعصّب والرايات والديوان والنصرة.
  ومع هذا الاختلاف لا اجماع يستقرّ على معناها ، على أنّهم يخالفون لفظ هذا الحديث الذي يروونه لاَنّهم يعطون الاَخت مع البنت بالتعصيب وليست برجل ولا ذكر كما تضمّنه لفظ الحديث (1)
  إلى غير ذلك من الاَحكام التي اتّفقوا عليها وهي على طرف النقيض من الخبر .
  فإن قلت : فماذا تصنع بالخبر ، مع أنّ الشيخين نقلاه بل نقله غيرهما على ما عرفت.
  قلت : يمكن حمل الخبر على ما لا يخالف اطلاق الكتاب ولا ما أطبق المسلمون عليه وهو أنّه وارد في مجالات خاصّة : مثلاً :
  1 ـ رجل مات وخلّف أُختين من قبـل الاُمّ ، وابن أخ ، وابنة أخ لاَب وأُمّ ، وأخاً لاَب ، فالاُختان من أصحاب الفرائض ، كلالة الاُمّ ، يعطى لهما الثلث والباقي لاَولى ذكر ، وهو الاَخ لاَب.
  2 ـ رجل مات وخلّف زوجة وخالاً وخالة ، وعمّـاً وعمّة ، وابن أخ ، فالزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها وهي الربع والباقي يدفع إلى أولى ذكر ، وهو ابن الاَخ.

---------------------------
(1) الانتصار 279.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 289 _

  3 ـ رجل مات وخلّف زوجة ، وأُختاً لاَب ، وأخاً لاَب وأُمّ ، فإنّ الزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها وهي الربع والباقي للاَخ للاَب والاُم ، ولا ترث الاُخت لاَب معه.
  4 ـ امرأة ماتت وخلّفت زوجاً ، وعمّـاً من قبل الاَب والاُم ، وعمّة من قبل الاَب ، فللزوج النصف سهمه المسمّى وما بقي للعم للاَب والاُمّ ، ولا يكون للعمّة من قبل الاَب شيء.
  إلى غير ذلك من الصور التي يمكن أن ينطبق عليها الخبر.
  قال السيد المرتضى ، ولا عتب إذا قلنا إنّ الرواية وردت : في من خلّف أُختين لاُمّ ، وابن أخ ، وبنت أخ لاَب وأُمّ ، وأخاً لاَب فإنّ الاُختين من الاُمّ فرضهنّ الثلث وما بقي فلاَولى ذكر أقرب وهو الاَخ من الاَب وسقط ابن الاَخ وبنت الاَخ ، لاَنّ الاَخ أقرب منهما ، وفي موضع آخر وهو أن يخلف الميّت امرأة وعمّـاً وعمّةً ، وخالاً وخالة ، وابن أخ ، فللمرأة الربع وما بقي فلاَولى ذكر وهو ابن الاَخ وسقط الباقون ، والعجب أنّهم ورثوا الاُخت مع البنت عصبة ، فان قالوا : من حيث عصَّبها أخوها ، قلنا : فألاّ جعلتم البنت عصبة عند عدم البنين ويكون أبوها هو الذي يعصِّبها.
  وكذلك يلزمهم أن يجعلوا العمّة عند عدم العم عصبة في ما توجّه لاِنجازه وفعله ، فإن قالوا : البنت لا تعقل عن أبيها ، قلنا : والاَخت أيضاً لا تعقل عن أخيها فلا تجعلوها عصبة مع البنات (1)

---------------------------
(1) الانتصار : 280.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 290 _

  الرواية الثانية : ما أخرجه الترمذي ، وابن ماجة ، وأبو داود ، وأحمد عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد اللّه قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع ، بابنتيها من سعد إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت : يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أُحد شهيداً ، وإنّ عمّهما أخذ مالهما فلم يدَع لهما مالاً ، ولا تُنكحان إلاّ ولهما مال ، قال : يقضي اللّه في ذلك ، فنزلت آية الميراث فبعث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عمّهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أُمّهما الثمن وما بقي فهو لك (1)
  يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ جابر بن عبد اللّه نقل نزول الآية في واقعة أُخرى قال السيوطي : أخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه ، من طرق عن جابر بن عبد اللّه قال : عادني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أعقل شيئاً فدعا بماء فتوضّأ منه ثم رشّ عليّ فأفقت فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول اللّه ؟ فنزلت : ( يُوصيكُمُ اللّهُ فِـي أولادِكُم لِلذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الاُنثيين (2) ) واحتمال نزول الآية مرّتين ، أو كون سبب النزول متعدّداً كما ترى.

---------------------------
(1) سنن الترمذي 4|باب ما جاء في ميراث البنات رقم 2092 ، سنن ابن ماجة : 2|908 باب فرائض الصلب رقم 272 ، سنن أبي داود : 3|121 ، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2891.
(2) الدر المنثور : 2|124.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 291_

  وثانياً : أنّ الرواية نقلت بصورة أُخرى وهي أنّ الوافدة إلى النبيّ كانت زوجة ثابت بن قيس بن شماس لا زوجة سعد بن الربيع (1)
  وثالثاً : أنّ في سند الرواية من لا يصحّ الاحتجاج به وإليك البيان :
  1 ـ عبد اللّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، والاَسانيد في سنن الترمذي وابن ماجة وابن داود ، تنتهي إليه.
  ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة وقال : كان منكر الحديث ، لا يحتجّون بحديثه وكان كثير العلم ، وقال بشر بن عمر : كان مالك لا يروي عنه ، وقال يعقوب بن أبي شيبة عن ابن المديني : لم يدخله مالك في كتبه ، قال يعقوب : وابن عقيل صدوق وفي حديثه ضعف شديد جداً ، وكان ابن عيينه يقول : أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره فيهم ، وقال ابن المديني عن ابن عيينة : رأيته يحدّث نفسه فحملته على أنّه قد تغيّر ، إلى غير ذلك من الكلمات الجارحة التي تسلب ثقة الفقيه بحديثه (2)
  2 ـ الراوي عنه في سنن الترمذي هو عبيد بن عمرو البصري الذي ضعّفه الاَزدي وأورد له ابن عدي حديثين منكرين وضعّفه الدارقطني ووثّقه ابن حبَّان (3)
  3 ـ الراوي عنه في سنن أبي داود : بشر بن المفضّل ، قال ابن سعد : كان ثقة

---------------------------
(1) البيهقي : السنن الكبرى ص 69 باب فرض الابنتين ، وقد أخطأ البيهقي كون الابنتين لقيس وقال : إنّهما كانتا بنتي سعد ، وقال أبو داود 3|121 رقم 2891 : أخطأ بشر فيه انّما هما ابنتا سعد بن الربيع ، وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.
(2) ابن حجر : تهذيب التهذيب : 6|140 لاحظ بقيّة كلامه.
(3) المصدر نفسه : 4|121.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 292 _

  كثير الحديث عثمانياً (1)
  إلى غير ذلك من رجال في الاَسانيد ، مرميين بأُمور لا يحتج معها.
  الرواية الثالثة : روى الاَسود بن يزيد قال : (أتانا معاذ بن جبل باليمن معلّماً وأميراً ، فسألناه عن رجل توفّي وترك ابنة وأُختاً ؟ فقضى : أنّ للابنة النصف ، وللاَخت النصف . ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حي (2)
  وفي لفظ أبي داود : أنّ معاذ بن جبل ورث أُختاً وابنة ، جعل لكلّ واحدة منهما النصف ، وهو باليمن ، ونبيّ اللّه يومئذ حي (3)
  والاَثر يتضمّن عمل الصحابة وهو ليس بحجّة إلاّ إذا أُسند إلى المعصوم.
والرجوع إلى الآثار الواردة عن الصحابة في مجال الفرائض يعرب عن أنّه لم يكن عندهم احاطة بأحكام الفرائض ، بل كل كان يفتي حسب معايير ومقاييس يتخيّلها صحيحة ، ويكفي في ذلك اختلاف أبي موسى الاَشعري مع ابن مسعود في رجل ترك بنتاً وأُختاً وابنة ابن.
  روى البخاري : سُئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن ، وأُخت ؟ فقال : للابنة النصف ، وللاُخت النصف وأْت ابن مسعود فسيتابعني ، قال : سئل ابن مسعود

---------------------------
(1) ابن حجر : تهذيب التهذيب : 1|459.
(2) البخاري : الصحيح : 8|150 في الفرائض باب ميراث البنات ، وباب ميراث الاَخوات مع البنات عصبة.
(3) صحيح أبي داود في الفرائض باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2893 ، ولاحظ جامع الاُصول : 9|610 رقم 7394.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 293 _

  وأُخبر بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : للابنة النصف ، ولابنة ابنٍ السدس تكملةَ الثلثين ، وما بقي فللاُخت ، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم (1)

مضاعفات القول بالتعصيب

  ثمّ إنّه يلزم على القول بالتعصيب أُمور يأباها الطبع ولا تصدّقها روح الشريعة نأتي بنموذج واحد : لو كان للميّت عشر بنات وابن ، يأخذ الابن السدس ، وتأخذ البنات خمسة أسداس ، وذلك أخذاً بقوله سبحانه : ( للذَّكر مثل حظّ الاُنثيين ) .
  لو كان له مكان الابن ، ابن عم للميّت ، فللبنات فريضتها وهي الثلثان ، والباقي أي الثلث لابن العم ، فيكون الابن أسوأ من ابن العم.
  قال السيد المرتضى : فإذا تبيّن بطلان القول بالتعصيب يظهر حكم كثير من المسائل ، منها : فمن هذه المسائل أن يخلف الرجل بنتاً وعمّـاً فعند المخالف أنّ للبنت النصف والباقي للعم بالعصبة ، وعندنا أنّه لا حظّ للعم والمال كلّه للبنت بالفرض والرد ، وكذلك لو كان مكان العم ابن عم ، وكذلك لو كان مكان البنت ابنتان ، ولو خلف الميت عمومة وعمّـات أو بني عم وبنات عم فمخالفنا يورّث

---------------------------
(1) البخاري : الصحيح : 8|151 باب ميراث ابنة ابن مع ابنة ، وسنن الترمذي : 4|415 باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع ابنة الصلب رقم 2093 ، وسنن أبي داود : 3|120 ، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2890.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 294 _

  الذكور من هوَلاء دون الاِناث لاَجل التعصيب ، ونحن نورث الذكور والاناث. ومسائل التعصيب لا تحصى كثرة (1)
  يقول المحقّق محمد جواد مغنية : إنّ الانسان أرأف بولده منه بإخوته ، وهو يرى أنّ وجود ولده ذكراً أو أُنثى امتداد لوجوده ، ومن هنا رأينا الكثير من أفراد الاُسر اللبنانية الذين لهم بنات فقط يبدلون مذهبهم من التسنّن إلى التشيّع ، لا لشيء إلاّ خوفاً أن يشترك مع أولادهم الاِخوان أو الاَعمام.
  ويفكر الآن ، الكثير من رجال السنّة بالعدول عن القول بالتعصيب ، والاَخذ بقول الاِمامية من ميراث البنت تماماً كما عدلوا عن القول بعدم صحّة الوصيّة للوارث ، وقالوا بصحّتها كما تقول الاِمامية ، على الرغم من اتّفاق المذاهب على عدم الصحّة (2).

---------------------------
(1) الانتصار : 282.
(2) الفقه على المذاهب الخمسة : 517 ـ 518.