الاَصل في ضريبة الخمس هو قوله سبحانه : (واعلَموا أنَّما غَنِمتُمْ مِن شيءٍ فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وللرَّسولِ ولِذي القُربى واليَتامى والمَساكينِ وابنِ السَّبيلِ إن كُنتُمْ آمَنتُمْ باللّهِ وما أنْزَلْنا على عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمْعانِ واللّه على كُلِّ شيءٍ قديرٌ) (الاَنفال|41).
لا شك أنّ الآية نزلت في مورد خاص ، أعني يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان وهو غزوة (بدر) الكبرى ، لكن الكلام في أنّ قوله (ما غَنِمْتُمْ) هل هو عام لكل ما يفوز به الانسان في حياته أو خاص بما يظفر به في الحرب من السلب والنهب ؟
وعلى فرض كونه عامّاً فهل المورد مخصّص أو لا ؟
فيقع الكلام في مقامين :
---------------------------
(1) ربّما يتخيّل بعض البسطاء أنّ الشيعة تنفرد بالقول بوجوب الخمس في غير الغنائم ، ولاَجل توضيح الحال ندرس الموضوع في ظلالكتاب والسنّة ، وكلمات الفقهاء.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 92 _
الاَوّل : الغنيمة مطلق ما يفوز به الانسان :
أمّا الاَوّل فالظاهر من أئمّة اللغة أنّه في الاَصل أعم ممّا يظفر به الانسان في ساحات الحرب ، بل هو لغة لكلّ ما يفوز به الانسان وإليك بعض كلماتهم.
1 ـ قال الاَزهري : (قال الليث : الغنم : الفـوز بالشيء ، والاغتنام انتهاز الغنم) (1)
2 ـ قال الراغب : الغنم معروف ... والغُنْم : إصابته والظفر به ، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العِدَى وغيرهم قال : (واعلموا أنَّما غنمتم من شيء) (فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيّباً) والمغنم : ما يُغنم وجمعه مغانم ، قال : ( فَعندَ اللّهِ مغانمُ كثيرة ) (2) .
3 ـ قال ابن فارس : (غنم) أصل صحيح واحد يدل على افادة شيء لم يملك من قبل ثمّ يختص بما أُخذ من المشركين (3)
4 ـ قال ابن منظور : (الغُنْم) الفوز بالشيء من غير مشقّة (4)
5 ـ قال ابن الاَثير : في الحديث : (الرهن لمن رهنه ، له غُنمه وعليه غُرمه ، غنمه : زيادته ونماوَه وفاضل قيمته) (5)
6 ـ قال الفيروز آبادي : (الغنم) الفوز بالشيء لا بمشقّة ، وأغنمه كذا تغنيماً
---------------------------
(1) الاَزهري : تهذيب اللغة ، مادة (غنم).
(2) الراغب الاصفهاني : المفرادت ، مادة (غنم).
(3) ابن فارس : مقاييس اللغة مادة (غنم).
(4) ابن منظور الاَفريقي : لسان العرب نفس المادة.
(5) نهاية اللغة ، مادة (غنم).
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 93 _
نفله إيّاه ، واغتنمه وتغنّمه ، عدّه غنيمة (1)
وهذه النصوص تعرب عن أنّ المادّة لم توضع لما يفوز به الانسان في الحروب ، بل معناها أوسع من ذلك وإن كان لا يستعمل في العصور المتأخّرة عن نزول القرآن إلاّ في ما يظـفر به في ساحة الحرب.
ولاَجل ذلك نجد أنّ المادة استعملت في مطلق ما يفوز به الانسان في الذكر الحكيم والسنّة النبويّة.
لقد استعمل القرآن لفظة (المغنم) فيما يفوز به الانسان وإن لم يكن عن طريق القتال بل كان عن طريق العمل العادي الدنيوي أو الا َُخروي إذ يقول سبحانه : (يا أيُّها الَّذين آمنُوا إذا ضَـربتُمْ في سَبيلِ اللّهِ فَتَبيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَنْ ألقى إليكُمُ السَّلام لَستَ مُوَمِناً تَبتَغونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنيا فَعِندَ اللّهِ مَغانِمُ كَثيرة) (2)
والمراد بـالمغـانم الكثيرة : هو أجر الآخرة ، بدليل مقابلـته لعرض الحياة الدنيا فيدل على أنّ لفظ المغنم لا يختصّ بالا َُمور والاَشياء التي يحصل عليها الانسان في هذه الدنيا وفي ساحات الحرب فقط ، بل هو عام لكلّ مكسب وفائدة.
ثمّ إنّه قد وردت هذه اللفظة في الاَحاديث وأُريد منها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء.
---------------------------
(1) قاموس اللغة ، مادة (غنم).
(2) النساء : الآية 94.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 94 _
روى ابن ماجة في سننه : أنّه جاء عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (اللّهمّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرما) (1)
وفي مسند أحمد عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (غنيمة مجالس الذكر الجنّة) (2)
وفي وصف شهر رمضان عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (غنم للموَمن) (3)
وفي نهاية ابن الاَثير : الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ، سمّـاه غنيمة لما فيه من الاَجر والثواب (4)
فقد بان ممّا نقلناه من كلمات أئمّة اللغة وموارد استعمال تلك المادة في الكتاب والسنّة ، أنّ العرب تستعملها في كل مورد يفوز به الانسان ، من جهة العدى وغيرهم ، وإنّما صار حقيقة متشرعة في الاَعصار المتأخّرة في خصوص ما يفوز به الانسان في ساحة الحرب ، ونزلت الآية في أوّل حرب خاضها المسلمون تحت لواء رسول اللّه ، ولم يكن الاستعمال إلاّ تطبيقاً للمعنى الكلّـي على مورد خاص.
الثاني : المورد لا يخصّص :
إذا كان مفهوم اللفظ عامّاً يشمل كافّة ما يفوز به الانسان ، فلا يكون وروده في مورد خاص ، مخصّصاً لمفهومه ومضيقاً لعمومه ، إذا وقفنا على أنّ التشريع الاِسلامي فرض الخمس في الركاز والكنز والسيوب أوّلاً ، وأرباح المكاسب ثانياً ، فيكون ذلك التشريع موَكّداً لاطلاق الآية ، ولا يكون وروده في الغنائم الحربية
---------------------------
(1) ابن ماجة : السنن : كتاب الزكاة ، باب ما يقال عند اخراج الزكاة ، الحديث 1797.
(2) أحمد : المسند : ج 2 ص 330 و 374 و 524.
(3) المصدر نفسه : ص 177.
(4) النهاية ، مادة (غنم).
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 95 _
رافعاً له ، وإليك ما ورد في السنّة من الروايات في الموردين :
تضافرت الروايات عن النبي الاَعظم على وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب وإليك النصوص أوّلاً ، ثمّ تبيين مفادها ثانياً.
روى لفيف من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وجابر وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك ، وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب ، وإليك قسماً ممّا روي في ذلك المجال :
1 ـ في مسند أحمد وسنن ابن ماجة واللفظ للاَوّل : عن ابن عباس قال : قضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الركاز ، الخمس (1)
2 ـ وفي صحيحي مسلم والبخاري واللفظ للاَوّل : عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (العجماء جرحها جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس) ، وفي بعض الروايات عند أحمد : البهيمة عقلها جبار (2)
قال أبو يوسف في كتاب الخراج : كان أهل الجاهلية إذا عطبَ الرجل في قُلَيبٍ جعلوا القليب عَقَله ، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله ، وإذا قتله معدن جعلوه عقله. فسأل سائل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فقال : (العجماء
---------------------------
(1) أحمد : المسند : 1|314 ، وسنن ابن ماجة 2|839 ط 1373 هـ.
(2) مسلم : الصحيح : 5|127 باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار ، من كتاب الحدود ، وصحيح البخاري 1|182 باب في الركازالخمس.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 96 _
جبار ، والمعدن جبار ، والبئر جبار ، وفي الركاز الخمس) فقيل له : ما الركاز يا رسول اللّه ؟ فقال : (الذهب والفضة الذي خلقه اللّه في الاَرض يوم خلقت) (1)
3 ـ وفي مسند أحمد : عن الشعبي عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (السائمة جبار ، والجَبّ جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس) قال الشعبي : الركاز : الكنز العادي (2)
4 ـ وفيه أيضاً : عن عبادة بن الصامت قال : من قضاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ المعدن جبار ، والبئر جبّار ، والعجماء جرحها جبار ، والعجماء : البهيمة من الاَنعام وغيرها ، والجبار هو الهدر الذي لا يُغرم ، وقضى في الركاز الخمس (3)
5 ـ وفيه : عن أنس بن مالك قال : خرجنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خيبر فدخل صاحب لنا إلى خربةٍ يقضي حاجته فتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت عليه تبرا ، فأخذها فأتى بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره بذلك ، قال : (زنها) فوزنها فإذا مائتا درهم فقال النبي : (هذا ركاز وفيه الخمس) (4)
6 ـ وفيه : أنّ رجلاً من مزينة سأل رسول اللّه مسائل جاء فيها : فالكنز نجده في الخرب وفي الآرام ؟ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( فيه وفي الركاز الخمس ) (5)
---------------------------
(1) الخراج : 22.
(2) أحمد : المسند : 3|335.
(3) المصدر نفسه : 5|326.
(4) المصدر نفسه : 3|128.
(5) المصدر نفسه : 2|186.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 97 _
7 ـ وفي نهاية اللغة ولسان العرب وتاج العروس في مادة (سيب) واللفظ للاَوّل : وفي كتابه ـ أي كتاب رسول اللّه ـ لوائل بن حجر : (وفي السيوب الخمس) السيوب : الركاز.
قالوا : (السيوب : عروق من الذهب والفضة تَسيب في المعدن ، أي تتكوّن فيه وتظهر) والسيوب : ( جمع سيب ، يريد به ـ أي يريد النبي بالسيب ـ المال المدفون في الجاهلية ، أو المعدن لاَنّه من فضل اللّه تعالى وعطائه لمن أصابه ) (1)
العجماء : الدابة المنفلتة من صاحبها ، فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها ، والمعدن جبار يعني : إذا احتفر الرجل معدناً فوقع فيه انسان فلا غرم عليه ، وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها ، وفي الركاز الخمس ، والركاز : ما وجد من دفن أهل الجاهلية فمن وجد ركازاً أدّى منه الخمس إلى السلطان وما بقي له (2)
والآرام : الاَعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة يُهتدى بها ، واحدها إرَم كعنب. وكان من عادة الجاهلية أنّهم إذا وجدوا شيئاً في طريقهم لا يمكنهم استصحابه ، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتى إذا عادوا أخذوه (3)
وفي لسان العرب وغيره من معاجم اللغة : ركَزَه يركُزُه رَكزاً : إذا دفنه.
---------------------------
(1) ابن الاَثير : النهاية ، مادة (سيب).
(2) الترمذي : السنن 6|145 باب ما جاء في العجماء.
(3) النهاية ، مادة (ارم).
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 98 _
والركاز : قطع ذهب وفضة تخرج من الاَرض أو المعدن ، واحده الركزة كأنّه ركز في الاَرض.
وفي نهاية اللغة : والركزة : القطعة من جواهر الاَرض المركوزة فيها وجمع الركزة الركاز.
إنّ هذه الروايات تعرب عن كون وجوب الخمس في الكنز والمعادن ، ضريبة غير الزكاة ، وقد استند إليها أُستاذ الفقهاء أبو يوسف في كتابه (الخراج) وإليك نصّه : كلام أبي يوسف في المعدن والركاز : قال أبو يوسف : في كل ما أُصيب من المعادن من قليل أو كثير ، الخمس ، ولو أنّ رجلاً أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضّة أو أقل من وزن عشرين مثقالاً ذهباً فإنّ فيه الخمس ، وليس هذا على موضع الزكاة إنّما هو على موضع الغنائم (1) ، وليس في تراب ذلك شيء إنّما الخمس في الذهب الخالص والفضة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص ، ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شيء ، وقد تكون النفقة تستغرق ذلك كلّه فلا يجب إذن فيه خمس عليه ، وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلاً كان أو كثيراً ، ولا يحسب له من نفقته شيء من ذلك وما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة ـ مثل الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة ـ فلا خمس في (2) من ذلك ،
---------------------------
(1) ترى أنّ أبا يوسف يعد الخمس الوارد في هذا الموضع من مصاديق الغنيمة الواردة في آية الخمس وهو شاهد على كونها عامة مفهوماً.
(2) هذا رأي أبي يوسف ، واطلاق الآية يخالفه مضافاً إلى مخالفته مع روايات أئمّة أهل البيت فإنّها تفرض الخمس في الجميع.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 99 _
إنّما ذلك كلّه بمنزلة الطين والتراب.
قال : ولو أنّ الذي أصاب شيئاً من الذهب أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس ، كان عليه دين فادح لم يُبطل ذلك الخمس عنه ، ألا ترى لو أنّ جنداً من الاَجناد أصابوا غنيمة من أهل الحرب خُـمِّسَت ولم ينظر أعليهم دين أم لا ، ولو كان عليهم دين لم يمنع ذلك من الخمس.
قال : وأمّا الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه اللّه عزّ وجلّ في الاَرض يوم خلقت ، فيه أيضاً الخمس ، فمـن أصاب كنزاً عاديّاً في غير ملك أحـد ـ فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب ـ فإنّ في ذلك الخمس وأربعة أخماسه للذي أصابه وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمَّس وما بقي فلهم.
قال : ولو أنّ حربياً وجد في دار الاِسلام ركازاً و كان قد دخل بأمان ، نزع ذلك كلّه منه ولا يكون له منه شيء ، وإن كان ذمّياً أُخذ منه الخمس كما يوَخذ من المسلم ، وسلِّم له أربعة أخماسه ، وكذلك المكاتب يجد ركازاً في دار الاِسلام فهو له بعد الخمس ... (1)
يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيّ الاَكرم أمر باخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الانسان من أرباح المكاسب وغيرها وإليك بعض ما ورد في المقام :
1 ـ لمّا وفد عبد القيس لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : (إنّ
---------------------------
(1) الخراج : 22.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 100 _
بيننا وبينك المشركين وإنّا لا نصل إليك إلاّ في الاَشهر الحرم فمرنا بجمل الاَمر ، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه من وراءنا ) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ، آمركم بالاِيمان باللّه ، وهل تدرون ما الاِيمان ، شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم) (1)
ومن المعلوم أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الاَشهر الحرم ، خوفاً من المشركين ، فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون.
وهناك كتب ومواثيق ، كتبها النبيّ وفرض فيها الخمس على أصحابها وستتبيّن بعد الفراغ من نقلها ، دلالتها على الخمس في الاَرباح وإن لم تكن غنيمة حربية فانتظر.
2 ـ كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن : (بسم اللّه الرحمن الرحيم ... هذا ... عهد من النبي رسول اللّه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى اللّه في أمره كلّه ، وأن يأخذ من المغانم خمس اللّه ، وما كتب على الموَمنين من الصدقة من العقار عُشر ما سقى البعل وسقت السماء ، ونصف العُشر ممّا سقى الغرب) (2)
---------------------------
(1) البخاري : الصحيح : 4|250 باب (واللّه خلقكم وما تعملون) من كتاب التوحيد ، و ج 1 ص 13 و 19 ، و ج 3 ص 53 ، و مسلم : الصحيح 1|35 ـ 36 باب الاَمر بالاِيمان ، النسائي : السنن : 1|333 ، وأحمد : المسند 1|318 ، الاَموال : ص 12 وغيرها.
(2) البلاذري : فتوح البلدان : 1| 81 باب اليمن ، وسيرة ابن هشام : 4| 265 ، و تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك : 1| 157.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 101 _
والبعل ما سُقِيَ بعروقه ، والغرب : الدلو العظيمة.
3 ـ كتب إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين ، ومعافر وهمدان : ( أمّا بعد ، فقد رجع رسولكم وأُعطيتم من المغانم خمس اللّه ) (1)
4 ـ كتب إلى سعد هُذيم من قضاعة ، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة ، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أُبيّ وعنبسة أو من أرسلاه) (2).
5 ـ كتب للفُجَيع ومن تبعه : (من محمد النبيّ للفجيع ، ومن تبعه وأسلمَ وأقام الصلاةَ وآتى الزكاة وأطاع اللّه ورسوله وأعطى من المغانم خمس اللّه ... ) (3)
6 ـ كتب لجنادة الاَزدي وقومه ومن تبعه : (ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا اللّه ورسوله وأعطوا من المغانم خمس اللّه وسهم النبي وفارقوا المشركين فإنّ لهم ذمّة اللّه وذمّة محمد بن عبد اللّه ) (4).
7 ـ كتب لجهينة بن زيد فيما كتب : (إنّ لكم بطون الاَرض وسهولها وتلاع الاَودية وظهورها ، على أن ترعوا
---------------------------
(1) الوثائق السياسية : 227 برقم 110 (ط 4 بيروت).
(2) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1|270.
(3) المصدر نفسه : ص 304 ـ 305.
(4) المصدر نفسه : ص 270.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 102 _
نباتها وتشربوا ماءها ، على أن توَدّوا الخمس ) (1)
8 ـ كتب لملوك حمير فيما كتب : (وآتيتم الزكاة ، وأعطيتم من المغانم : خمس اللّه ، وسهم النبي وصفيّه وما كتب اللّه على الموَمنين من الصدقة ) (2)
9 ـ كتب لبني ثعلبة بن عامر : (من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبي والصفي ) (3).
10 ـ كتب إلى بعض أفخاذ جهينة : ( من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع اللّه ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس ) (4)
يتبيّن ـ بجلاء ـ من هذه الرسائل أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها ، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.
ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط ـ في ذلك ـ خوض الحرب واكتساب الغنائم.
---------------------------
(1) الوثائق السياسية : ص 265 برقم 157.
(2) فتوح البلدان : 1| 82 وسيرة ابن هشام : 4| 258.
(3) الاصابة : 2| 189 وأُسد الغابة : 3|34.
(4) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1|271.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 103 _
هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الاِسلامي أو نائبه هما اللّذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمس منها ، ولا يَملِك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاّ ً.
فإذا كان اعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من شوَون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب ، وفي عهد بعد عهد ؟
فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب ، هذا مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب ، كيف وقد نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن النهب والنهبى بشدّة ، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النُّهبة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من انتهب نهبة فليس منّا) (1) ، وقال : (إنّ النهبة لا تَحِلّ) (2) وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت : بايعنا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا ننهب (3)
وفي سنن أبي داود ، باب النهي عن النهبى ، عن رجل من الاَنصار قال : خرجنا مع رسول اللّهفأصاب الناس حاجة شديدة وجهدٌ ، وأصابوا غنماً فانتهبوها ، فإنّ قدورنا لتغلي ، إذ جاء رسول اللّه يمشي متّكئاً على قوسه فأكفا قدورنا بقوسه ، ثمّ جعل يُرمِّل اللحم بالتراب ثمّ قال : ( إنّ النهبة ليست بأحلَّ من الميتة ) (4).
---------------------------
(1) ابن ماجة : السنن : كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.
(2) ابن ماجة : السنن : كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.
(3) البخاري : الصحيح : 2| 48 باب النهب بغير اذن صاحبه.
(4) أبو داود : السنن : 2|12.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 104 _
على أمور في التوحيد لا يصح إسنادها إلى الله تعالى ، كالتجسيم والحلول في المكان ونحو ذلك ، ونسب ما لا يجوز العقل نسبته إلى الأنبياء الكرام من أنواع الكفر والفجور والزلات ، وهذا المنهج إذا إختلط بعقيدة سماوية أفسد ما بقي منها ، ويقول د . جوستاف لوبون عن عقيدة اليهود : في وادي الفرات وفي مصر نشأت ديانة بني إسرائيل ، أو على الأصح مختلف العبادات التي مارسها بنو إسرائيل ، وذلك بين إقامتهم بفلسطين وعودتهم من السبي ، حتى أن أسماء آلهتهم تدل على أصلها ، وليست الآلهة
الكبرى الشهوانية عشتروت التي كان العبريون يعبدونها ، إلا زهراء فينوس بابل عشتار ... وحتى في دور السبي كان شعب إسرائيل قد بلغ من الغرق في الاشراك ، ما كان يتعذر معه عزيمة ملك أو خطب نبي تخليصه منه ... ودام دين اليهود القائل بتعدد الآلهة بعباداته الكثيرة وطقوسه المتنوعة وأساطيره المتكاتفة (1) ، وقال د . جوستاف لوبون عن عقيدة اليهود بعد دور السبي : لم يعبد بنو إسرائيل إلها يمكن أن يكون رب الأمم الأخرى ، ثم يصل د . لوبون إلى نتيجة مفادها : لم تكن الديانة اليهودية في كل زمن ، مطابقة لما نسميه اليوم باليهودية ، ولا شبه بين إله اليهود الراهن وإله سيناء يهوه ، فبنو إسرائيل كانوا يعبدون ألوهيمات في أثناء حياتهم البدوية التي قضتها أجيالهم الأولى ، ولذلك لا ينبغي أن يطلب من هذا الشعب البسيط تعريف وثيق لموضوع عبادته (2).
أما ما نسبوه إلى الأنبياء الكرام من أنواع الكفر والفجور ، فكان الهدف منه تبرير أخطاء المسيرة ، بمعنى أنهم إذا أجازوا على الأنبياء الوقوع في الزلات ، تلتمس الأعذار لمن دونهم إذا وقعوا فيها أو في
---------------------------
(1) اليهود في الحضارات الأولى / جوستاف لويون ص 58 وما بعدها.
(2) المصدر السابق ص 62 وما بعدها.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 105 _
وورد عنأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ما يدلّ على ذلك ، فقد كتب أحد الشيعة إلى الاِمام الجواد (عليه السلام) قائلاً : أخبرني عن الخمس أعَلـى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع وكيف ذلك ؟ فكتب (عليه السلام) بخطّه : الخمس بعد الموَنة (1)
وفي هذه الاِجابة القصيرة يظهر تأييد الاِمام (عليه السلام) لما ذهب إليه السائل ، ويتضمّن ذكر الكيفية التي يجب أن تراعى في أداء الخمس : وعن سماعة قال : سألت أبا الحسن (الكاظم) (عليه السلام) عن الخمس ؟ فقال : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (2)
وعن أبي علي بن راشد (وهو من وكلاء الاِمام الجواد والاِمام الهادي (عليهما السلام) ) قال : قلت له (أي الاِمام (عليه السلام) ) : أمرتني بالقيام بأمرك ، وأخذ حقّك ، فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم : وأي شيء حقّه ؟ فلم أدر ما أُجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : وفي أي شيء ؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم ، قلت : والتاجر عليه ، والصانع بيده ؟ فقال : إذا أمكنهم بعد موَنتهم (3)
إلى غير ذلك من الاَحاديث والاَخبار المرويّة عن النبيّ الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) التي تدلّ على شمول الخمس لكلّ مكسب.
---------------------------
(1) الوسائل : ج 6 الباب 8 من أبواب الخمس ، الحديث 1.
(2) المصدر نفسه ، الحديث 6.
(3) المصدر نفسه ، الحديث 3.
يقسم الخمس حسب تنصيص الآية على ستة أسهم ، فيفرق على مواضعها الواردة في الآية ، قال سبحانه : ( واعلَموا أنَّما غنِمتُمْ مِن شيءٍ فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وللرَّسولِ ولِذي القُربى واليَتامى والمَساكينِ وابنِ السَّبيل ) (الاَنفال | 41) غير أنّه يطيب لي تعيين المراد من ذي القربى.
إنّ (ذي القربى) بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية ، ويتعيّن فرده ، بتعيين المنسوب إليه.
وهو يختلف حسب اختلاف مورد الاستعمال ، ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام ـ إن وجدت ـ ومنها السياق ، وإلاّ فيستعان بالسنّة.
قال سبحانه : ( ما كَانَ للنَّبيِّ والَّذينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشْـرِكينَ وَلَوْ كانُوا أُوْلِـي قُرْبى ) (التوبة | 113) والمراد أقرباء المذكورين في الآية أي النبيّ والموَمنين.
وقال سبحانه : ( وإذا قُلتُمْ فَاعدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُربى ) (الاَنعام | 152) ، والمراد أقرباء المخاطبين في الآية بقوله : (قلتم) و (فاعدلوا) .
وقال سبحانه : ( وإذا حضرَ القسمةَ أُولوا القُربى ) (النساء | 8) والمراد أقرباء من يقسم ماله أعني الميّت.
وعلى ضوء ذلك فالمراد منه في آية الخمس ، أقرباء الرسول ، المذكور قبل هذه الكلمة ، قال سبحانه : ( وللرسول ولذِي القربى ) .
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 107 _
ومثلها قوله سبحانه : ( ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهلِ القرى فللّهِ وللرّسولِ ولذي القربى ) (الحشر | 7) وقوله سبحانه : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودَّةَ في القربى) (الشورى | 23) المراد في الآيتين قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لتقدم ذكره وعدم صلاحية السياق إلاّ لذلك.
وأمّا آية الخمس من سورة الاَنفال المتقدم ذكرها فقد اتفق المفسرون على أنّ المراد من ذي القربى قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلفوا في اليتامى والمساكين وابن السبيل أنّهم مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل أو من ذوي القربى على الخصوص ، والسياق هنا وإن لم يقتض الالتزام بأحدهما إلاّ أنّ السنّة الشريفة الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته اقتضت الاَخير كما يأتي في البحث التالي.
وأمّا السنّة فهي أيضاً تدعم ما هو مفاد الآية : روي عن ابن عباس : (كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم الخمس على ستة : للّه وللرسول سهمان وسهم لاَقاربه حتى قبض) (1)
و روي عن أبي العالية الرياحي (2) كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يوَتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفّه ، فيجعله للكعبة و هو سهم اللّه ، ثمّ يقسّم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين و سهم لابن السبيل.
قال : والذي جعله للكعبة فهو سهم اللّه (3)
---------------------------
(1) النيسابوري : ط بهامش الطبري : 10|4.
(2) أبو العالية الرياحي : هو رفيع بن مهران مات سنة 90 ، لاحظ تهذيب التهذيب : 3|246.
(3) أبو عبيد القاسم بن سلام : الاَموال : 325 ، الطبري : التفسير : 10|4 ، والجصاص : أحكام القرآن : 3|60.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 108 _
ولعلّ جعله للكعبة كان لتجسيد السهام وتفكيكها وربّما خالفه كما روى عطاء بن أبي رباح (1) قال : (خمس اللّه ، وخمس رسوله واحد ، وكان رسول اللّه يحمل منه ويعطي منه و يضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء) (2)
والمراد من كون سهمهما واحداً ، كون أمره بيده (صلى الله عليه وآله وسلم) بخلاف الاَسهم الاُخر ، فإنّ مواضعها معيّنة.
وبذلك يظهر المراد ممّا رواه الطبري : (كان نبيّ اللّه إذا اغتنم غنيمة جعلت أخماساً ، فكان خمس للّه ولرسوله ، ويقسم المسلمون ما بقي (الاَخماس الاَربعة) وكان الخمس الذي جعل للّه ولرسوله ، لرسوله ، ولذوي القربى و اليتامى والمساكين وابن السبيل ، فكان هذا الخمس خمسة أخماس خمس للّه ولرسوله) (3) .
فالظاهر أنّ المراد كان أمر السهمين بيد الرسول ولذا جعلهما سهماً واحداً ، بخلاف السهام الاُخر ، وإلاّ فالخبر مخالف لتنصيص القرآن الكريم.
وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلاَجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. روى الطبري : كان آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس ، وقال : قد علم اللّه أنّ في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة (4) كما تضافرت الروايات
---------------------------
(1) عطاء بن أبي رباح مات سنة 114 ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح.
(2) الطبري : التفسير : 10|4.
(3) المصدر نفسه ، والاَصح أن يقول ستة أسداس وعرفت وجه العدول عنه.
(4) المصدر نفسه | 5 ، فجعل خمس الخمس ، بلحاظ المواضع الخمسة ما سوى للّه ، وجعله كله لهم باعتبار أنّ أمره أيضاً بيده ، فلا منافاةبين الجعلين.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 109 _
عن أئمّة أهل البيت أنّ السهام الاَربعة من الخمس ، لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
هذا ما يستفاد من الكتاب و السنّة غير أنّ الاجتهاد لعب دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وإليك ما ذهبت إليه المذاهب الاَربعة : (قالت الشافعية والحنابلة : تقسم الغنيمة ، و هي الخمس ، إلى خمسة أسهم ، واحد منها سهم الرسول ، ويصرف على مصالح المسلمين ، و واحد يعطى لذوي القربى ، وهم من انتسب إلى هاشم بالابوّة من غير فرق بين الاَغنياء والفقراء ، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أ كانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
وقالت الحنفية : إنّ سهم الرسول سقط بموته ، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
وقالت المالكية : يرجع أمر الخمس إلى الاِمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
وقالت الاِمامية : إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوّض أمرها إلى الاِمام أو نائبه ، يضعها في مصالح المسلمين ، والاَسهُم الثلاثة الباقية تعطى لاَيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ولايشاركهم فيها غيرهم) (2) وقال ابن قدامة في المغني ، بعد ما روى أنّ أبابكر وعمر ـ رضى اللّه عنهما ـ قسّما الخمس على ثلاثة أسهم : (و هو قول أصحاب الرأي ـ أبي حنيفة وجماعته ـ
---------------------------
(1) الوسائل : ج6 الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة ، ولاحظ أيضاً صحيح البخاري 1|181 ، باب تحريم الزكاة على رسول اللّه.
(2) محمد جواد مغنية : الفقه على المذاهب الخمسة : 188.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 110 _
قالوا : يقسّم الخمس على ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل ، وأسقطوا سهم رسول اللّه بموته ، وسهم قرابته أيضاً.
وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
وقال الثوري : والخمس يضعه الاِمام حيث أراه اللّه عزّ وجلّ.
وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية ، فإنّ اللّه تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقّاً كما سمّى الثلاثة الاَصناف الباقية ، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب ، وأمّا جعل أبي بكر وعمر ـ رضى اللّه عنهما ـ سهم ذي القربى في سبيل اللّه ، فقد ذكر لاَحمد فسكت وحرّك رأسه ولم يذهب إليه ، ورأى أنّ قول ابن عباس و من وافقه أولى ، لموافقته كتاب اللّه وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ...) (1)
ثمّ إنّ الخلفاء بعد النبيّ الاَكرم اجتهدوا مقابل النص في موارد منها : إسقاط سهم ذي القربى من الخمس ، وذلك أنّ اللّه سبحانه وتعالى جعل لهم سهماً ، افترض أداءه نصاً في الذكر الحكيم والفرقان العظيم يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار ، وهو قوله عزّ من قائل : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَلِذِى القُرْبِى وَاليَتَامَى وَالمساكينِ وَابنِ السبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَان وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) (2).
---------------------------
(1) أبو فرج عبد الرحمان بن قدامة المقدسي : الشرح الكبير ـ على هامش المغني ـ : 10|493ـ 494.
(2) الاَنفال : الآية 41.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 111 _
وقد أجمع أهل القبلة كافّة على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يختصّ بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه ، وأنّه لم يَعْهَد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه اللّه إليه ، واختار اللّه له الرفيق الاَعلى.
فلمّا ولى أبو بكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبيّ وسهم ذي القربى بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنع بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم و أبناء السبيل منهم.
قال الزمخشري : وعن ابن عباس : الخمس على ستّة أسهم : للّه ولرسوله ، سهمان ، وسهم لاَقاربه حتى قبض فأجرى أبوبكر الخمس على ثلاثة ، وكذلك روي عن عمر و من بعده من الخلفاء قال : و روي أنّ أبا بكر منع بني هاشم الخمس (1).
وقد أرسلت فاطمة (عليها السلام) تسأله ميراثها من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت ، وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ستّة أشهر فلمّـا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يوَذن بها أبابكر ، وصلّى عليها ، الحديث (2).
وفي صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز. قال : كتب نجدة بن عامر الحروري الخارجي إلى ابن عباس قال ابن هرمز : فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه وقال ابن عباس : واللّه لولا أن أردّه عن نتن يقع فيه ما كتبت
---------------------------
(1) الكشاف : 2|126.
(2) البخاري : الصحيح : 3|36 باب غزوة خيبر ، وفي صحيح مسلم : 5|154 : ( ... وصلّـى عليها علي ).
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 112 _
إليه ، ولا نعمة عين ، قال : فكتب إليه : إنّك سألتني عن سهم ذي القربى الذين ذكرهم اللّه من هم ؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) هم نحن فأبى ذلك علينا قومُنا ، الحديث (1) وأخرجه الاِمام أحمد من حديث ابن عباس في أواخر ص 294 من الجزء الاَوّل من مسنده.
و رواه كثير من أصحاب المسانيد بطرق كلها صحيحة ، وهذا هو مذهب أهل البيت المتواتر عن أئمّتهم (عليهم السلام).
لكن الكثير من أئمّة الجمهور أخذوا برأي الخليفتين ـ رضى اللّه عنهما ـ فلم يجعلوا لذي القربى نصيباً من الخمس خاصّاً بهم.
فأمّا مالك بن أنس فقد جعله بأجمعه مفوّضاً إلى رأي الاِمام يجعله حيث يشاء في مصالح المسلمين ، لا حقّ فيه لذي قربى ولا ليتيم ولا لمسكين ولا لابن سبيل مطلقاً.
وأمّا أبو حنيفة وأصحابه فقد أسقطوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سهمه وسهم ذي قرباه ، وقسموه بين مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل على السواء ، لا فرق عندهم بين الهاشميين وغيرهم من المسلمين.
والشافعي جعله خمسة أسهم : سهماً لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يصرف إلى ما كان يصرف إليه من مصالح المسلمين كعُدَّة الغزاة من الخيل والسلاح والكراع و نحو ذلك ، وسهماً لذوي القربى من بني هاشم وبني
---------------------------
(1) مسلم : الصحيح : 2|105 ، كتاب الجهاد والسير.
الاعتصام بالكتاب والسنة _ 113 _
المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل يقسم بينهم (للذَّكر مثل حظّ الاُنثيين) ، والباقي للفرق الثلاث : اليتامى والمساكين وابن السبيل مطلقاً (1)
إلى هنا خرجنا بنتيجتين :
1 ـ وجوب الخمس في كل ما يفوز به الانسان ، وأنّه لا يختصّ بالغنائم الحربيّة.
2 ـ إنّ الخمس يقسـم على ستـة أسهم ، الثلاثة الاُولى ، أمرها بيد الاِمام يتولاّها حسب ما رأى من المصلحة ، والثلاثة الاُخرى ، للاَيتام والمساكين وأبناء السبيل من آل النبيّ الاَكرم لا مطلقهم.
---------------------------
(1) لشرف الدين : النص والاجتهاد : 25 ـ 27.