الفهرس العام

معرفة شيوخ الطائفة الذين عرفوا صاحب الزمان (صلوات الله عليه)


في مدة مقامه بسر من رأى بالدلائل والبراهين والحجج الواضحة
معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة
معرفة من شاهد صاحب الزمان (عليه السلام) في حال الغيبة وعرفه من أصحابنا
نسخة الدعاء

في مدة مقامه بسر من رأى بالدلائل والبراهين والحجج الواضحة

  493 / 97 ـ حدثني أبو المفضل (1) محمد بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد ابن جعفر بن محمد المقرئ ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن سابور (2) ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن حيوان السراج القاسم ، قال : حدثني أحمد بن الدينوري السراج ، المكنى بأبي العباس ، الملقب بآستاره ، قال : انصرفت من أردبيل (3) إلى الدينور (4) أريد

---------------------------
(1) في ( م ) : الفضل.
(2) في ( ط ) : شابور.
(3) في ( ط ) : إربيل : وهي مدينة في شمال العراق وهي ( إربل ) القديمة ، ورد ذكرها في الكتابات السومرية ، والعامة تنطقها بفتح أولها (أربيل) ، المنجد في الأعلام : 31.
وأردبيل : من أشهر مدن أذربيجان في إيران ، معجم البلدان 1 : 145.
(4) الدينور : مدينة من أمهات مدن الجبال في كردستان إيران ، المنجد في الأعلام : 296.

دلائل الإمامة _ 520 _

  الحج ، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة ، أو سنتين ، وكان الناس في حيرة ، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي ، واجتمع الشيعة عندي ، فقالوا : قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ، ونحتاج أن تحملها معك ، وتسلمها بحيث يجب تسليمها.
  قال : فقلت : يا قوم ، هذه حيرة ، ولا نعرف الباب في هذا الوقت.
  قال : فقالوا : إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك ، فاحمله (1) على ألا تخرجه من يديك إلا بحجة.
  قال : فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل رجل ، فحملت ذلك المال وخرجت ، فلما وافيت قرميسين (2) ، وكان أحمد بن الحسن مقيما بها ، فصرت إليه مسلما ، فلما لقيني استبشر بي ، ثم أعطاني ألف دينار في كيس ، وتخوت ثياب من ألوان معتمة (3) ، لم أعرف ما فيها ، ثم قال لي أحمد : احمل هذا معك ، ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة.
  قال : فقبضت منه المال ، والتخوت بما فيها من الثياب.
  فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة (4) ، فقيل لي : إن ها هنا رجلا يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة ، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي بالنيابة ، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي بالنيابة.
  قال : فبدأت بالباقطاني ، فصرت إليه ، فوجدته شيخا بهيا ، له مروءة ظاهرة ، وفرس (5) عربي ، وغلمان كثير ، ويجتمع عنده الناس يتناظرون ، قال : فدخلت إليه ، وسلمت عليه ، فرحب ، وقرب ، وبر ، وسر ، قال : فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس ، قال : فسألني عن حاجتي ، فعرفته أني رجل من أهل الدينور ، ومعي شئ من المال ، أحتاج أن أسلمه.

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : فاعمل.
(2) قرميسين : بلد معروف قرب الدينور ، بين همذان وحلوان ، على جادة العراق ، مراصد الاطلاع 3 : 1081.
(3) في ( ع ، م ) : معكمة.
(4) في ( ط ) : بالبابية ، وكذا في المواضع الآتية.
(5) في ( ط ) : فرش ، وكذا في المواضع الآتية.

دلائل الإمامة _ 521 _

  قال : فقال لي : أحمله.
  قال : فقلت : أريد حجة.
  قال : تعود إلي في غد ، قال : فعدت إليه من الغد ، فلم يأت بحجة ، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة.
  قال : فصرت إلى إسحاق الأحمر ، فوجدته شابا نظيفا ، منزله أكبر من منزل الباقطاني ، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى (1) ، وغلمانه أكثر من غلمانه ، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني.
  قال : فدخلت وسلمت ، فرحب وقرب ، قال : فصبرت إلى أن خف الناس ، قال : فسألني عن حاجتي ، فقلت له كما قلت للباقطاني ، وعدت إليه بعد ثلاثة أيام ، فلم يأت بحجة.
  قال : فصرت إلى أبي جعفر العمري ، فوجدته شيخا متواضعا ، عليه مبطنة (2) بيضاء ، قاعد على لبد (3) ، في بيت صغير ، ليس له غلمان ، ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره ، قال : فسلمت ، فرد جوابي ، وأدناني ، وبسط مني (4) ، ثم سألني عن حالي ، فعرفته أني وافيت من الجبل ، وحملت مالا ، قال : فقال : إن أحببت أن تصل هذا الشئ إلى من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلى سر من رأى ، وتسأل دار ابن الرضا ، وعن فلان بن فلان الوكيل ـ وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها ـ فإنك تجد هناك ما تريد.
  قال : فخرجت من عنده ، ومضيت نحو سر من رأى ، وصرت إلى دار ابن الرضا ، وسألت عن الوكيل ، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار ، وأنه يخرج آنفا ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه ، فخرج بعد ساعة ، فقمت وسلمت عليه ، وأخذ بيدي إلى بيت كان له ، وسألني عن حالي ، وعما وردت له ، فعرفته أني حملت شيئا من

---------------------------
(1) سرا سروا : شرف ، وسخا في مروءة ، وأسرى : أي أكثر وأرفع شرفا وسخاء ومروءة.
(2) المبطنة : ما ينتطق به ، وهي إزار له حجزة.
(3) اللبد : ضرب من البسط.
(4) بسط فلان من فلان : أزال من الاحتشام وعوامل الخجل.

دلائل الإمامة _ 522 _

  المال من ناحية الجبل ، وأحتاج أن أسلمه بحجة. قال : فقال : نعم ، ثم قدم إلي طعاما ، وقال لي : تغدى بهذا واسترح ، فإنك تعب ، وإن بيننا وبين صلاة الأولى ساعة ، فإني أحمل إليك ما تريد ، قال : فأكلت ونمت ، فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت ، وذهبت إلى المشرعة ، فاغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل ، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعة ، فجاءني (1) ومعه درج (2) ، فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، وافى أحمد بن محمد الدينوري ، وحمل ستة عشر ألف دينار ، وفي كذا وكذا صرة ، فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا دينارا ، وصرة فلان بن فلان كذا وكذا دينارا ـ إلى أن عد الصرر كلها ـ وصرة فلان بن فلان الذراع ستة عشر دينارا.
  قال : فوسوس لي الشيطان أن سيدي أعلم بهذا مني ، فما زلت أقرأ ذكر صرة صرة وذكر صاحبها ، حتى أتيت عليها عند آخرها ، ثم ذكر : ( قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف (3) كيسا فيه ألف دينار وكذا وكذا تختا ثيابا ، منها ثوب فلأني ، وثوب لونه كذا ) حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها.
  قال : فحمدت الله وشكرته على ما من به علي من إزالة الشك عن قلبي ، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرني أبو جعفر العمري.
  قال : فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري ، قال : وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام ، قال : فلما بصر بي أبو جعفر العمري قال لي : لم لم تخرج ؟ فقلت : يا سيدي ، من سر من رأى انصرفت.
  قال : فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا (صلوات الله عليه) ، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب ،

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) زيادة : بعد أن مضى من الليل ربعه.
(2) الدرج : الورق الذي يكتب فيه.
(3) في ( ط ) : البادراني أخي الصراف.

دلائل الإمامة _ 523 _

  وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه ، وقال لي : احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي.
  قال : فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان ، وسلمتها ، وخرجت إلى الحج.
  فلما انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس ، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (صلوات الله عليه) إلي ، وقرأته على القوم ، فلما سمع ذكر الصرة باسم الذراع سقط مغشيا عليه ، فما زلنا نعلله حتى أفاق ، فلما أفاق سجد شكرا لله (عز وجل) ، وقال : الحمد لله الذي من علينا بالهداية ، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة ، هذه الصرة دفعها ـ والله ـ إلي هذا الذراع ، ولم يقف على ذلك إلا الله (عز وجل).
  قال : فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائي ، وعرفته الخبر ، وقرأت عليه الدرج ، قال : يا سبحان الله! ما شككت في شئ ، فلا تشكن في أن الله (عز وجل) لا يخلي أرضه من حجة.
  إعلم أنه لما غزا أذكوتكين يزيد بن عبد (1) الله بسهرورد (2) ، وظفر ببلاده ، واحتوى على خزانته صار إلي رجل ، وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا (عليه السلام).
  قال : فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أذكوتكين أولا فأولا ، وكنت أدافع بالفرس والسيف ، إلى أن لم يبق شئ غيرهما ، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا (عليه السلام) ، فلما اشتد مطالبة اذكوتكين إياي ولم يمكنني مدافعته ، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلى الخازن ، وقلت له : ادفع (3) هذه الدنانير في أوثق مكان ، ولا تخرجن إلي في حال من الأحوال ولو اشتدت الحاجة

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : عبيد ، وكذا في المواضع الآتية.
(2) سهرورد : بلدة قريبة من زنجان بالجبال ، معجم البلدان 3 : 289.
(3) في ( م ) : أرفع.

دلائل الإمامة _ 524 _

  إليها ، وسلمت الفرس والنصل.
  قال : فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور ، وأوفي القصص ، وآمر وأنهى ، إذ دخل أبو الحسن الأسدي ، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت ، وكنت أقضي حوائجه ، فلما طال جلوسه وعلي بؤس كثير قلت له : ما حاجتك ؟ قال : أحتاج منك إلى خلوة.
  فأمرت الخازن أن يهيئ لنا مكانا من الخزانة ، فدخلنا الخزانة ، فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا (عليه السلام) ، فيها : ( يا أحمد بن الحسن ، الألف دينار التي لنا عندك ، ثمن النصل والفرس ، سلمها إلى أبي الحسن الأسدي ).
  قال : فخررت لله (عز وجل) ساجدا شاكرا لما من به علي ، وعرفت أنه خليفة الله حقا ، لأنه لم يقف على هذا أحد غيري ، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سرورا بما من الله علي بهذا الأمر (1).
  494 / 98 ـ وحدثني أبو المفضل (2) قال : حدثني محمد بن يعقوب ، قال : كتب علي بن محمد السمري (3) يسأل الصاحب (عليه السلام) كفنا يتبين ما يكون من عنده ، فورد : ( إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين ) فمات في الوقت الذي حده ، وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر (4).
  495 / 99 ـ وقال علي بن محمد السمري (5) : كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم ، فوقع (عليه السلام) : ( علمنا على ثلاثة أوجه : ماض ، وغابر ، وحادث ، أما الماضي فتفسير ، وأما الغابر فموقوف ، وأما الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الاسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) ) (6).
  496 / 100 ـ أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : أخبرني محمد بن

---------------------------
(1) فرج المهموم : 239 ، مدينة المعاجز : 603 / 54 ، إلزام الناصب 1 : 405.
(2) في ( م ) : الفضل.
(3) في ( ع ) : الصيمري.
(4) فرج المهموم : 247 ، مدينة المعاجز : 604 / 55.
(5) في ( ع ) : الصيمري.
(6) مدينة المعاجز : 605.

دلائل الإمامة _ 525 _

  يعقوب ، قال : قال القاسم بن العلاء : كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) ثلاثة كتب في حوائج لي ، وأعلمته أنني رجل قد كبر سني ، وأنه لا ولد لي ، فأجابني عن الحوائج ، ولم يجبني عن الولد بشئ.
  فكتبت إليه في الرابعة كتابا وسألته أن يدعو الله لي أن يرزقني ولدا ، فأجابني وكتب بحوائجي ، فكتب : ( اللهم ارزقه ولدا ذكرا ، تقر به عينيه ، واجعل هذا الحمل الذي له وارثا ) فورد الكتاب وأنا لا أعلم أن لي حملا ، فدخلت إلى جاريتي فسألتها عن ذلك ، فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت ، فولدت غلاما (1).
  497 / 101 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثني علي بن محمد المعروف بعلان الكليني ، قال : حدثني محمد بن شاذان بن نعيم بنيشابور ، قال : اجتمع عندي للغريم (2) ـ أطال الله بقاءه وعجل نصره ـ خمسمائة درهم ، فنقصت عشرون درهما ، وأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار ، قال : فأتممتها من عندي ، وبعثت بها إلى محمد بن جعفر ، ولم أكتب بما لي منها ، فأنفذ إلي محمد بن جعفر القبض (3) ، وفيه : ( وصلت خمسمائة درهم ، ولك فيها عشرون درهما ) (4).
  498 / 102 ـ وعنه ، قال : أخبرني محمد بن يعقوب ، قال : حدثني إسحاق بن يعقوب ، قال : سمعت الشيخ العمري محمد بن عثمان يقول : صحبت رجلا من أهل السواد ، ومعه مال للغريم (عليه السلام) فأنفذه ، فرد عليه ، وقيل له : أخرج حق ولد عمك منه ، وهو أربعمائة درهم ، قال : فبقي الرجل باهتا متعجبا ، فنظر في حساب المال ، وكانت في يده ضيعة لولد عمه ، قد كان رد عليهم بعضها ، فإذا الذي فضل لهم من ذلك أربعمائة درهم ، كما قال (عليه السلام) ، فأخرجها وأنفذ الباقي ، فقبل (5).

---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 605 / 56.
(2) المراد بالغريم هنا الصاحب (عليه السلام) لكونه طالبا للحق.
(3) في ( ط ) : الفضل.
(4) كمال الدين وتمام النعمة : 485 / 5 ، مدينة المعاجز : 605 / 57.
(5) في ( ع ، م ) : فقسم.

دلائل الإمامة _ 526 _

  وعنه ، قال : حدثنا علي بن محمد ، قال : حدثني إسحاق بن جبرئيل الأهوازي ، قال : وكتب من نفس التوقيع (1).
  499 / 103 ـ وحدثني علي بن السويقاني وإبراهيم بن محمد بن الفرج الرخجي ، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار : أنه ورد العراق شاكا مرتابا (2) ، فخرج إليه : ( قل للمهزياري : قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم ، فقل لهم : أما سمعتم الله (عز وجل) يقول : * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * (3) ؟! هل أمروا إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة ؟! أو لم تروا الله (جل ذكره) جعل لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (صلوات الله عليه) ، كلما غاب علم بدا علم ، وإذا أفل نجم بدا نجم ، فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله (عز وجل) قد قطع السبب بينه وبين خلقه ، كلا ما كان ذلك ، ولا يكون إلى أن تقوم الساعة ، ويظهر أمر الله وهم كارهون.
  يا محمد بن إبراهيم ، لا يدخلك الشك فيما قدمت له ، فإن الله (عز وجل) لا يخلي أرضه من حجة ، أليس قال لك الشيخ قبل وفاته : أحضر الساعة من يعير هذه الدنانير التي عندي ، فلما أبطئ عليه ذلك ، وخاف الشيخ على نفسه الوحا (4) ، قال لك : عيرها على نفسك ، فأخرج إليك كيسا كبيرا ، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرة فيها دنانير مختلفة النقد ، فعيرتها ، وختم الشيخ عليها بخاتمه ، وقال لك : اختم مع خاتمي ، فإن أعيش فأنا أحق بها ، وإن أمت فاتق الله في نفسك أولا وفي ، وكن عند ظني بك ، أخرج يرحمك الله الدنانير التي (5) نقصتها من بين النقدين من حسابه ، وهي بضعة عشر دينارا ) (6).

---------------------------
(1) الإمامة والتبصرة : 140 / 162 ، كمال الدين وتمام النعمة : 486 / 6 ، الثاقب في المناقب : 597 / 540 ، مدينة المعاجز : 605 / 58.
(2) في ( ط ) : مرتادا.
(3) النساء 4 : 59.
(4) أي السرعة ، والمراد أنه خاف على نفسه سرعة الموت.
(5) في ( ع ) زيادة : أنت.
(6) كمال الدين وتمام النعمة : 486 / 8 ، الخرائج والجرائح 3 : 1116.

دلائل الإمامة _ 527 _

  500 / 104 ـ وعنه ، قال : حدثنا علي بن محمد ، قال : حدثني نصر بن الصباح ، قال : أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى الصاحب (عليه السلام) ، وكتب معها رقعة غير فيها اسمه ، فأوصلها إلى الصاحب (عليه السلام) ، فخرج الوصول باسمه ونسبه والدعاء له (1).
  501 / 105 ـ وعنه ، قال : وحدثني أبو حامد المراغي ، عن محمد بن شاذان بن نعيم ، قال : بعث رجل من أهل بلخ مالا ورقعة ليس فيها كتابة ، قد خط بإصبعه كما يدور من غير كتابة ، وقال للرسول : احمل هذا المال ، فمن أعلمك بقصته وأجابك عن الرقعة ، فاحمل إليه هذا المال.
  فصار الرجل إلى العسكر ، وقصد جعفرا ، وأخبره الخبر ، فقال له جعفر : تقر بالبداء ؟ فقال الرجل : نعم.
  فقال له : إن صاحبك قد بدا له ، وقد أمرك أن تعطيني المال.
  فقال له الرسول : لا يقنعني هذا الجواب ، فخرج من عنده ، وجعل يدور على أصحابنا ، فخرجت إليه رقعة : ( هذا مال قد كان عثر به ، وكان فوق صندوق ، (فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق) (2) ، وسلم المال ) وردت عليه الرقعة وقد كتب فيه : ( كما يدور ، سألت الدعاء فعل الله بك ، وفعل ) (3).
  502 / 106 ـ وقال : حدثني أبو جعفر : قال : ولد لي مولود ، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع ، فورد : ( لا ) فمات المولود يوم السابع.
  ثم كتبت أخبره بموته ، فورد : ( سيخلف الله عليك غيره ، وغيره ، فسمه أحمد ، ومن بعد أحمد جعفر ) ، فجاء ما قال (عليه السلام) (4).
  503 / 107 ـ وعنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني (قدس سره) ، قال : حدثني

---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 605 / 60.
(2) أخذناه من كمال الدين وتمام النعمة ، والخرائج والجرائح.
(3) كمال الدين النعمة : 488 / 11 ، الخرائج والجرائح 3 : 1129 / 47 ، الثاقب في المناقب : 599 / 544.
(4) مدينة المعاجز : 605 / 62.

دلائل الإمامة _ 528 _

  أبو حامد المراغي ، عن محمد بن شاذان بن نعيم ، قال : قال رجل من أهل بلخ : تزوجت امرأة سرا ، فلما وطأتها علقت ، وجاءت بابنة ، فاغتممت وضاق صدري ، فكتبت أشكو ذلك فورد : ( ستكفاها ) فعاشت أربع سنين ثم ماتت ، فورد : ( الله ذو أناة ، وأنتم مستعجلون (1) ) والحمد لله رب العالمين.

---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 606 / 63.

دلائل الإمامة _ 529 _

معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة

  504 / 108 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر ، عن الحسن بن علي الزبيري ، عن عبد الله بن محمد بن خالد (1) الكوفي ، عن منذر بن محمد بن قابوس ، عن نصر بن السندي (2) ، عن أبي داود ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : أتيت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فوجدته مفكرا ، ينكت في الأرض (3) ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما لي أراك مفكرا ، تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟

---------------------------
(1) في النسخ : خلف ، والصحيح ما أثبتناه ، انظر رجال الكشي : 566 / 1070 ، التحرير الطاوسي : 284 / 426.
(2) في ( ط ) : نضر بن السندي ، والظاهر صحة (منصور بن السندي) على ما في الكافي وغيبة النعماني ، إذ يروي عنه منذر بن محمد بن قابوس ، ويروي عن منذر عبد الله بن محمد بن خالد الكوفي ، الكافي 1 : 273 / 7 ، وانظر معجم رجال الحديث 18 : 348.
(3) نكت الأرض بقضيب ونحوه : ضربها به فأثر فيها ، يفعلون ذلك حال التفكر.

دلائل الإمامة _ 530 _

  فقال : لا والله ، ما رغبت في الدنيا قط ، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر ، هو المهدي ، يملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما ، تكون له حيرة وغيبة ، يضل فيها قوم ، ويهتدي بها آخرون.
  فقلت : يا أمير المؤمنين ، وكم تكون تلك الحيرة ، وتلك الغيبة ؟ قال (عليه السلام) : وأني لك ذلك ، وكيف لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ ! أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة (1).
  505 / 109 ـ وعنه ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، قال : حدثنا محمد ابن عبد الله الحميري ، قال : حدثنا هارون بن مسلم البصري ، عن مسعدة بن صدقة الربعي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) أنه قال في خطبة له بالكوفة : ( اللهم لا بد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك ، لئلا تبطل حجتك ، ولا يضل أتباع أوليائك ، بعد إذ هديتهم به ، إما ظاهر ليس بالمطاع ، أو مكتتم ليس له دفاع ، يترقبه أولياؤك ، وينكره أعداؤك ، إن غاب شخصه عن الناس لم يغب علمه في أوليائك من علمائهم ) (2).
  506 / 110 ـ حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله العلوي المحمدي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : للقائم غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى (3).
  507 / 111 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن حسان ، عن داود الرقي ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر ، فقال : هو الطريد ، الشريد ،

---------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة : 288 / 1 ، غيبة النعماني : 60 / 4 ، الاختصاص : 209 ، غيبة الطوسي : 164 / 127.
(2) كمال الدين وتمام النعمة : 302 / 11.
(3) الفصول العشرة في الغيبة : 18.

دلائل الإمامة _ 531 _

  الفريد ، الوحيد ، المنفرد عن أهله ، المكنى بعمه ، الموتور بأبيه (1).
  508 / 112 ـ وروي عن محمد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمد جميعا ، عن حنان بن سدير ، عن علي بن الحزور ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول : صاحب هذا الأمر الشريد ، الطريد ، الوحيد (2).
  509 / 113 ـ وروى الحسن بن محمد بن سماعة الصيرفي ، قال : حدثنا الحسين ابن مثنى الحناط (3) ، عن عبيد الله بن زرارة ، (4) ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : يفقد الناس إمامهم ، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه (5).
  510 / 114 ـ أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن سدير ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن في القائم سنة من يوسف.
  قلت : كأنك تذكر خبره (6) وغيبته.
  قال : وما تنكر من ذلك ، هذه الأمة أشباه الخنازير ، إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء ، تاجروا يوسف وبايعوه ، وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه ، حتى قال لهم : أنا يوسف ، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله في الأوقات يريد أن يستر عنهم حجته.
  لقد كان يوسف (عليه السلام) إليه ملك مصر ، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد أن يعلم مكانه لقدر على ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر ، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته

---------------------------
(1) تقدمت تخريجاته في الحديث (88).
(2) كمال الدين وتمام النعمة : 303 / 13.
(3) في ( ط ) : العطار.
(4) عده البرقي في رجاله : 23 من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، وتقدم في الحديث (81) بعنوان عبيد بن زرارة.
(5) تقدمت تخريجاته في الحديث (81).
(6) في ( ط ) حياته.

دلائل الإمامة _ 532 _

  ما فعل بيوسف (عليه السلام) ، أن يكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه ، حتى يأذن الله (عز وجل) له أن يعرفهم نفسه ، كما أذن ليوسف (عليه السلام) حين قال لهم : أنا يوسف ، فقالوا : أنت يوسف! (1)
  511 / 115 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن زيد الكناسي ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ، وسنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله).
  وأما شبهه من يوسف ، فإن إخوته يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه ، وأما شبهه من موسى ، فخائف ، وأما شبهه من عيسى ، فالسياحة ، وأما شبهه من محمد ، فالسيف (2).
  512 / 116 ـ وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر ، عن عبد الله بن عامر ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عمرو بن مساور ، عن مفضل الجعفي ، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إياكم والتنويه ، ثم قال : أما والله ، ليغيبن سنينا من دهركم ، ولتمخضن (3) ، حتى يقال : مات ، وأي واد سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيده بروح منه ، ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة ، لا يدرى أي من أي.
  قال : فبكيت ، ثم قلت : كيف نصنع ؟
  قال : فقال : يا أبا عبد الله ، ثم نظر إلى الشمس داخلة في الصفة (4) فقال : يا أبا

---------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة : 144 / 11.
(2) تقدمت تخريجاته في الحديث (64).
(3) أي إن الله (تعالى) يتدبر عواقبكم بابتلائكم بأنواع الفتن ، وفي غيبة النعماني ، وليخملن ، والظاهر صوابه.
(4) اسم يطلق على البيت الصيفي ، وما له ثلاث حوائط ، والموضع المظلل من المسجد.

دلائل الإمامة _ 533 _

  عبد الله ، ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم.
  قال : فقال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس (1).
  513 / 117 ـ وروى محمد بن عيسى والحسن بن طريف جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن معروف بن خربوذ (2) ، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه قال : نحن بني (3) هاشم كنجوم السماء ، كلما غاب نجم بدا نجم ، حتى إذا أشرتم إليه بأيديكم ، وأومأتم بحواجبكم ، ومددتم إليه رقابكم جاء ملك الموت ، فيغيب من بين أظهركم ، فلبثتم سنين من دهركم لا تدرون أيا من أي ، واستوت بنو عبد المطلب ، وكانوا كأسنان المشط ، فإذا أطلع الله لكم نوركم فاحمدوا الله واشكروه (4).
  514 / 188 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي ، عن عبد الله بن أحمد بن نهيك ـ أبو العباس النخعي ، الشيخ الصالح ـ عن محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن موسى ، عن يعقوب بن شعيب ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن الناس ما يمدون أعناقهم إلى أحد من ولد عبد المطلب إلا هلك ، حتى يستوي ولد عبد المطلب ، لا يدرون أيا من أي ، فيمكثون بذلك سنين من دهرهم ، ثم يبعث لهم صاحب هذا الأمر (5).
  515 / 119 ـ وروى يعقوب بن يزيد ، عن سليمان بن الحسن ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أخبرني عنكم.
  قال : نحن بمنزلة هذه النجوم ، إذا خفي (6) نجم بدا نجم منا ، بأمن وإيمان ،

---------------------------
(1) إثبات الوصية : 224 ، كمال الدين وتمام النعمة : 347 / 35 ، غيبة النعماني : 152 / 10 ، غيبة الطوسي : 337 / 285.
(2) كذا ، وفي سند الحديث سقط أو إرسال ، لأن ابن خربوذ لا يروي عن أمير المؤمنين ، بل يروي عن علي بن الحسين والباقر والصادق (عليهم السلام) وفي المصدر : معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، الحديث.
(3) منصوب على الاختصاص.
(4) غيبة النعماني : 155 / 15 و 16 و 156 / 17 ( نحوه ).
(5) رسالة في الغيبة للمفيد : 400 ( نحوه ).
(6) في ( ط ) : أخفي.

دلائل الإمامة _ 534 _


  وسلام وإسلام ، وفاتح ومفتاح ، حتى إذا كان الذي تمدون إليه أعناقكم ، وترمقونه بأبصاركم ، جاء ملك الموت فذهب به ، ويستوي بنو عبد المطلب ، لا يدرى أي من أي ، فعند ذلك يبدو لكم صاحبكم ، فإذا ظهر لكم صاحبكم فاحمدوا الله عليه ، وهو الذي يخير الصعبة والذلة.
  قلت : جعلت فداك فأيهما يختار ؟
  قال : الصعبة على الذلة (1).
  516 / 120 ـ وروى أبو محمد الحسن بن عيسى ، عن أبيه عيسى بن محمد ابن علي ، عن أبيه محمد بن علي بن جعفر (2) ، قال : قال : يا بني ، إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة (عليه السلام) ، فالله الله في أديانكم ، فإنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها ، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به.
  يا بني ، إنما هي محنة من الله (عز وجل) يمتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم أصح من هذا الدين لاتبعوه.
  قال أبو الحسن : فقلت له : يا سيدي ، من الخامس من ولد السابع ؟
  فقال : يا بني ، عقولكم تصغر عن هذا ، وأحلامكم تضيق عن حمله ، ولكن إياكم أن تفشوا بذكره (3).
  517 / 121 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الحميري ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد ابن سميع المعروف بابن أبي بيان ، عن عبيد بن خارجة ، عن علي بن عثمان بن جرير ، قال : حدثني أبو هاشم ، عن فرات بن أحنف ، قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر

---------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة : 329 / 13.
(2) في المصادر بزيادة : عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام).
(3) إثبات الوصية : 224 ، كمال الدين وتمام النعمة : 359 / 1 ، كفاية الأثر : 264 ، غيبة الطوسي : 166 / 128 ، إعلام الورى : 433 ، إثبات الهداة 6 : 416 / 164.

دلائل الإمامة _ 535 _


  القائم (عليه السلام) فقال : أما ليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة ، حتى يقول الجاهل : مالله في آل محمد من حاجة (1).
  518 / 122 ـ وحدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي ، قال : حدثنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر ابن محمد بن مالك ، قال : حدثني إسحاق بن محمد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : للقائم غيبة قبل قيامه.
  قلت : ولم ذاك ؟
  قال : يخاف على نفسه ، يعني الذبح (2).
  519 / 123 ـ وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لصاحب هذا الأمر غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى : الأولى أربعين يوما ، والأخرى ستة أشهر ، ونحو ذلك.
  520 / 124 ـ وأخبرني أبو الحسن محمد بن هارون ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاساني ، عن زيد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول : لقائم آل محمد غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى قال (عليه السلام) : نعم (3).

---------------------------
(1) إثبات الوصية : 224 ، كمال الدين وتمام النعمة : 302 / 9 ، غيبة النعماني : 141 ، غيبة الطوسي : 340 / 290 ، إعلام الورى : 426.
(2) كمال الدين وتمام النعمة : 481 / 10 ، حلية الأبرار 2 : 589.
(3) غيبة النعماني : 172 / 7.

دلائل الإمامة _ 537 _


معرفة من شاهد صاحب الزمان (عليه السلام) في حال الغيبة وعرفه من أصحابنا

  521 / 125 ـ روى عبد الله بن علي (1) المطلبي ، قال : حدثني أبو الحسن محمد ابن علي السمري ، قال : حدثني أبو الحسن المحمودي ، قال : حدثني أبو علي محمد بن أحمد المحمودي ، قال : حججت نيفا وعشرين سنة ، كنت في جميعها أتعلق بأستار الكعبة ، وأقف على الحطيم ، والحجر الأسود ، ومقام إبراهيم ، وأديم الدعاء في هذه المواضع ، وأقف بالموقف ، وأجعل جل دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه).
  فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكة على أن ابتاع حاجة ، ومعي غلام في يده مشربة حليج (2) ملمعة ، فدفعت إلى الغلام الثمن ، وأخذت المشربة من يده ، وتشاغل

---------------------------
(1) في ( م ، ط ) زيادة : بن.
(2) المشربة : الإناء يشرب فيه والحليج : اللبن الذي ينقع فيه التمر ثم يماث ، وفي ( ط ) : الحلج.

دلائل الإمامة _ 538 _


  الغلام بمماكسة البيع (1) ، وأنا واقف أترقب ، إذ جذب ردائي جاذب ، فحولت وجهي إليه فرأيت رجلا أذعرت حين نظرت إليه ، هيبة له ، فقال لي : تبيع المشربة ؟ فلم أستطع رد الجواب ، وغاب عن عيني ، فلم يلحقه بصري ، فظننته مولاي.
  فإنني يوم من الأيام أصلي بباب الصفا بمكة ، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري ، فحركني محرك برجله ، فرفعت رأسي ، فقال لي : افتح منكبك عن صدرك.
  ففتحت عيني ، فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة ، ولحقني من هيبته ما حار بصري ، فغاب عن عيني.
  وأقمت علي رجائي ويقيني ، ومضت مدة وأنا أحج ، وأديم الدعاء في الموقف.
  فإنني في آخر سنة جالس في ظهر الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار ، ومحمد بن القاسم العلوي ، وعلان الكليني ، ونحن نتحدث إذا أنا برجل في الطواف ، فأشرت بالنظر إليه ، وقمت أسعى لاتبعه ، فطاف حتى إذا بلغ إلى الحجر رأى سائلا واقفا على الحجر ، ويستحلف (2) ويسأل الناس بالله (عز وجل) أن يتصدق عليه ، فإذا بالرجل قد طلع ، فلما نظر إلى السائل انكب إلى الأرض وأخذ منها شيئا ، ودفعه إلى السائل ، وجاز ، فعدلت إلى السائل فسألته عما وهب له ، فأبى أن يعلمني ، فوهبت له دينارا ، وقلت : أرني ما في يدك ، ففتح يده ، فقدرت أن فيها عشرين دينارا ، فوقع في قلبي اليقين أنه مولاي (عليه السلام) ، ورجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه ، وعيني ممدودة إلى الطواف ، حتى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا ، فلحقنا له رهبة شديدة ، وحارت أبصارنا جميعا ، قمنا إليه فجلس ، فقلنا له : ممن الرجل ؟
  فقال : من العرب.
  فقلت : من أي العرب ؟
  فقال : من بني هاشم.
  فقلنا : من أي بني هاشم ؟

---------------------------
(1) المماكسة في البيع : استنقاص الثمن حتى يصل البائع والمشتري إلى ما يتراضيان عليه.
(2) في ( ط ) : ويستخلف.

دلائل الإمامة _ 539 _

  فقال : ليس يخفى عليكم إن شاء الله (تعالى) ، ثم التفت إلى محمد بن القاسم فقال : يا محمد ، أنت على خير إن شاء الله ، أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر ؟ قلنا : لا.
  قال : كان يقول ( يا كريم مسكينك بفنائك ، يا كريم فقيرك زائرك ، حقيرك ببابك يا كريم ) ثم انصرف عنا ، ووقفنا نموج ونتذكر ، ونتفكر ، ولم نتحقق.
  ولما كان من الغد رأيناه في الطواف ، فامتدت عيوننا إليه ، فلما فرغ من طوافه خرج إلينا ، وجلس عندنا ، فأنس وتحدث ، ثم قال : أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) في دعائه عقب الصلاة : قلنا : تعلمنا.
  قال : كان (عليه السلام) يقول : ( اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض ، وباسمك الذي به تجمع المتفرق ، وتفرق المجتمع ، وباسمك الذي تفرق به بين الحق والباطل ، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار ، وعدد الرمال ، ووزن الجبال ، أن تفعل بي كذا وكذا ).
  وأقبل علي حتى إذا صرنا بعرفات ، وأدمت الدعاء ، فلما أفضنا منها إلى المزدلفة ، وبتنا فيها (1) ، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي : هل بلغت حاجتك ؟
  فقلت : وما هي يا رسول الله ؟
  فقال : الرجل صاحبك ، فتيقنت عندها (2).
  522 / 126 ـ وروى أبو عبد الله محمد بن سهل الجلودي ، قال : حدثنا أبو الخير أحمد بن محمد بن جعفر الطائي الكوفي في مسجد أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن يحيى الحارثي ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ، قال : خرجت في بعض السنين حاجا إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياما ، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان (عليه السلام) ، فما عرفت له خبرا ، ولا وقعت لي عليه عين ، فاغتممت غما شديدا وخشيت أن يفوتني ما أملته من طلب

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : أفضنا وصرنا إلى مزدلفة وبتنا بها.
(2) مدينة المعاجز : 606 / 66 ، تبصرة الولي : 140 / 45.

دلائل الإمامة _ 540 _


  صاحب الزمان (عليه السلام) ، فخرجت حتى أتيت مكة ، فقضيت حجتي واعتمرت بها أسبوعا ، كل ذلك أطلب ، فبينا (1) أنا أفكر إذ انكشف لي باب الكعبة ، فإذا أنا بانسان كأنه غصن بان ، متزر ببردة ، متشح بأخرى ، قد كشف عطف بردته على عاتقه ، فارتاح قلبي وبادرت لقصده ، فانثنى إلي ، وقال : من أين الرجل ؟
  قلت : من العراق.
  قال : من أي العراق ؟
  قلت : من الأهواز.
  فقال : أتعرف الخصيبي (2).
  قلت : نعم.
  قال : رحمه الله ، فما كان أطول ليله ، وأكثر نيله ، وأغزر دمعته!
  قال : فابن المهزيار.
  قلت : أنا هو.
  قال : حياك الله بالسلام أبا الحسن ، ثم صافحني وعانقني ، وقال : يا أبا الحسن ، ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمد نضر الله وجهه ؟
  قلت : معي ، وأدخلت يدي إلى جيبي (3) وأخرجت خاتما عليه ( محمد وعلي ) فلما قرأه استعبر حتى بل طمره (4) الذي كان على يده ، وقال : يرحمك الله أبا محمد ، فإنك زين الأمة ، شرفك الله بالإمامة ، وتوجك بتاج العلم والمعرفة ، فإنا إليكم صائرون ، ثم صافحني وعانقني ، ثم قال : ما الذي تريد يا أبا الحسن ؟
  قلت : الإمام المحجوب عن العالم.

---------------------------
(1) في ( ط ) : فبينما.
(2) في ( ط ) الحضيني.
(3) في ( ط ) : جنبي
(4) الطمر : الكساء البالي.

دلائل الإمامة _ 541 _


  قال : ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه (1) سوء أعمالكم ، قم (2) إلى رحلك ، وكن على أهبة من لقائه ، إذا انحطت الجوزاء ، وأزهرت نجوم السماء ، فها أنا لك بين الركن والصفا.
  فطابت نفسي وتيقنت أن الله فضلني ، فما زلت أرقب الوقت حتى حان ، وخرجت إلى مطيتي ، واستويت على رحلي ، واستويت على ظهرها ، فإذا أنا بصاحبي ينادي إلي : يا أبا الحسن ، فخرجت فلحقت به ، فحياني بالسلام ، وقال : سر بنا يا أخ.
  فما زال يهبط واديا ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف ، فقال : يا أبا الحسن انزل بنا نصلي باقي صلاة الليل. فنزلت فصلى بنا الفجر ركعتين ، قلت : فالركعتين الأوليين ؟ قال : هما من صلاة الليل ، وأوتر فيها ، والقنوت في كل صلاة جائز.
  وقال : سر بنا يا أخ ، فلم يزل يهبط بي واديا ويرقى بي ذروة جبل حتى أشرفنا على واد عظيم مثل الكافور ، فأمد عيني فإذا ببيت من الشعر يتوقد نورا ، قال : المح هل ترى شيئا ؟
  قلت : أرى بيتا من الشعر.
  فقال : الأمل ، وانحط في الوادي واتبعت الأثر حتى إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها ، ونزلت عن مطيتي ، وقال لي : دعها.
  قلت : فإن تاهت ؟
  قال : هذا واد لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن ، ثم سبقني ودخل الخباء وخرج إلي مسرعا ، وقال : أبشر ، فقد أذن لك بالدخول ، فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور ، فسلمت عليه بالإمامة ، فقال لي : يا أبا الحسن ، قد كنا نتوقعك ليلا ونهارا ، فما الذي أبطأ بك علينا ؟
  قلت : يا سيدي ، لم أجد من يدلني إلى الآن.

---------------------------
(1) في ( ط ) : جنه ، وكلاهما بمعنى.
(2) في ( م ، ط ) : زيادة : سر.

دلائل الإمامة _ 542 _


  قال لي : لم (1) نجد أحدا يدلك ؟ ثم نكث بإصبعه في الأرض ، ثم قال : لا ولكنكم كثرتم الأموال ، وتجبرتم على ضعفاء المؤمنين ، وقطعتم الرحم الذي بينكم ، فأي عذر لكم الآن ؟
  فقلت : التوبة التوبة ، الإقالة الإقالة.
  ثم قال : يا ابن المهزيار ، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلا خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم.
  ثم قال : يا ابن المهزيار ـ ومد يده ـ ألا أنبئك الخبر أنه إذا قعد الصبي ، وتحرك المغربي ، وسار العماني ، وبويع السفياني يأذن لولي الله ، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء ، فأجئ إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحج بالناس حجة الاسلام ، واجئ إلى يثرب فأهدم الحجرة ، وأخرج من بها وهما طريان ، فأمر بهما تجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما ، فتورق من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى ، فينادي مناد من السماء : ( يا سماء أبيدي ، ويا أرض خذي ) فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.
  قلت : يا سيدي ، ما يكون بعد ذلك.
  قال : الكرة الكرة ، الرجعة الرجعة ، ثم تلا هذه الآية : * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) * (2).
  523 / 127 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن عبد الله ، قال : حدثني إبراهيم بن محمد بن أحمد الأنصاري ، قال : كنت حاضرا عند المستجار بمكة وجماعة يطوفون ، وهم زهاء ثلاثين رجلا ، لم يكن فيهم

---------------------------
(1) في ( ط ) : ألم.
(2) مدينة المعاجز 606 / 67 ، المحجة للبحراني : 123 ، والآية من سورة الإسراء 17 : 6.

دلائل الإمامة _ 543 _

  مخلص غير محمد بن القاسم العلوي ، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة إذ خرج علينا شاب من الطواف ، عليه إزار راجح محرم (1) فيه ، وفي يده نعلان ، فلما رأيناه قمنا هيبة له ، فلم يبق منا أحد إلا قال وسلم عليه ، وجلس منبسطا ونحن حوله ، ثم التفت يمينا وشمالا ، فقال : أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الالحاح ؟
  فقلنا : وما كان يقول ؟
  قال : كان (عليه السلام) يقول ( اللهم أني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء ، وبه تقوم الأرض ، وبه تفرق بين الحق والباطل ، وبه تجمع بين المتفرق ، وبه تفرق بين المجتمع ، وقد أحصيت به عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري فرجا ) ثم نهض ودخل الطواف ، فقمنا لقيامه حتى انصرف ، وأنسينا (2) أن نذكر أمره ، وأن نقول من هو ، وأي شئ هو ؟ فلما كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف ، فقمنا له كقيامنا بالأمس ، وجلس في مجلسه منبسطا ، ونظر يمينا وشمالا ، وقال : أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الدعاء بعد الصلاة الفريضة ؟
  قلنا : وما كان يقول ؟
  قال : كان (عليه السلام) يقول : ( إليك رفعت الأصوات ، ولك عنت الوجوه ، ولك خضعت الرقاب ، وإليك التحاكم في الأعمال ، يا خير من سئل ، وخير من أعطى ، يا صادق ، يا بارئ ، يا من لا يخلف الميعاد ، يا من أمر بالدعاء ووعد الإجابة ، يا من قال : * (ادعوني أستجب لكم) * (3) ، يا من قال : * (إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) * (4) ، ويا

---------------------------
(1) في ( ع ) : وأصبح محرما.
(2) في ( ط ) : ونسينا.
(3) غافر 40 : 60.
(4) البقرة 2 : 186.

دلائل الإمامة _ 544 _


  من قال : * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) * (1) لبيك وسعديك ، ها أنا ذا بين يديك المسرف ، وأنت القائل : * (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) * (2) ).
  ثم نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء ، فقال : أتدرون ما كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول في سجدة الشكر ؟
  قلنا : وما كان يقول ؟
  قال : كان (عليه السلام) يقول : ( يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا كرما وجودا ، يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا سعة وعطاء ، يا من لا تنفد خزائنه ، يا من له خزائن السماوات والأرض ، يا من له ما دق وجل ، لا يمنعك إساءتي من إحسانك ، أن تفعل بي الذي أنت أهله ، فأنت أهل الجود والكرم والتجاوز ، يا رب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله ، فإني أهل العقوبة ولا حجة لي ولا عذر لي عندك ، أبوء إليك بذنوبي كلها كي تعفو عني ، وأنت أعلم بها مني ، أبوء إليك بكل ذنب أذنبته ، وكك خطيئة احتملتها ، وكل سيئة عملتها ، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأجل الأكرم ).
  وقام فدخل الطواف ، فقمنا لقيامه ، وعاد من الغد في ذلك الوقت ، وقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى ، فجلس متوسطا (3) ، ونظر يمينا وشمالا ، وقال : كان علي ابن الحسين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع ـ وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب ـ : ( عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، سائلك بفنائك ، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك ).
  ثم نظر يمينا وشمالا ، ونظر إلى محمد بن القاسم من بيننا ، فقال : يا محمد بن القاسم ، أنت على خير إن شاء الله (تعالى) ، وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر.
  وقام فدخل الطواف ، فما بقي أحد إلا وقد الهم ما ذكر من الدعاء ، وأنسينا أن نذكره إلا في آخر يوم ، فقال : بعضنا : يا قوم ، أتعرفون هذا ؟

---------------------------
(1 و 2) الزمر 39 : 53.
(3) في ( ط ) : مستوطنا.

دلائل الإمامة _ 545 _


  فقال محمد بن القاسم : هذا والله هو صاحب الزمان ، هو والله (1) صاحب زمانكم.
  فقلنا : كيف يا أبا علي ؟ فذكر أنه مكث سبع سنين ، وكان يدعو ربه ، ويسأله معاينة صاحب الزمان (عليه السلام) ـ قال ـ فبينا نحن عشية عرفة فإذا أنا بالرجل بعينه يدعو بدعاء ، فجئته وسألته ممن هو ؟ فقال : من الناس.
  فقلت : من أي الناس ، أمن عربها أو من مواليها ؟ قال : من عربها.
  قلت من أي عربها ؟ قال : من أشرافها.
  قلت : ومن هم ؟ قال : بنو هاشم.
  قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من أعلاها ذروة وأسناها.
  فقلت : ممن ؟ قال : من فلق الهام ، وأطعم الطعام ، وصلى بالليل والناس نيام.
  فعلمت أنه علوي ، فأحببته على العلوية ، ثم فقدته من بين يدي ، ولم أدر كيف مضى ، فسألت القوم الذين كانوا حولي : أتعرفون هذا العلوي ؟ فقالوا : نعم ، يحج معنا كل سنة ماشيا ، فقلت : سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي!
  ثم انصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه ، نمت ليلتي فإذا أنا بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال لي : يا محمد ، رأيت طلبتك ؟
  قلت : ومن ذلك يا سيدي ؟
  قال : الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك ، وذكر أنه كان نسي أمره إلى الوقت الذي حدثنا به (2).
  524 / 128 ـ نقلت هذا الخبر من أصل بخط شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري (رحمه الله) ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن عبد الله القاساني ، قال : حدثنا الحسين بن محمد سنة ثمان وثمانين ومائتين بقاسان بعد منصرفه من أصبهان ، قال :

---------------------------
(1) (صاحب الزمان هو والله) ليس في ( ع ، م ).
(2) مدينة المعاجز : 607 / 68.

دلائل الإمامة _ 546 _


  حدثني يعقوب بن يوسف بأصبهان ، قال : حججت سنة إحدى وثمانين ومائتين ، وكنت مع قوم مخالفين ، فلما دخلنا مكة تقدم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق (1) من سوق الليل في دار خديجة تسمى دار الرضا (عليه السلام) ، وفيها عجوز سمراء ، فسألتها لما وقفت على أنها دار الرضا (عليه السلام) : ما تكونين من أصحاب هذ الدار ، ولم سميت دار الرضا ؟
  فقال : أنا من مواليهم ، وهذه دار الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) ، وأسكننيها الحسن بن علي (عليهما السلام) فإني كنت خادمة له.
  فلما سمعت بذلك أنست بها ، وأسررت الأمر عن رفقائي ، وكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام مع رفقائي في رواق (2) الدار ونغلق الباب ، ونرمي خلف الباب حجرا كبيرا ، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل ، ورأيت الباب قد فتح ، ولم أر أحدا فتحه من أهل الدار ، ورأيت رجلا ربعة (3) ، أسمر ، يميل إلى الصفرة ، في وجهه سجادة (4) ، عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنع به ، وفي رجله نعل طاق ـ وخبرني أنه رآه في غير صورة واحدة ـ فصعد إلى الغرفة التي في الدار حيث كانت العجوز تسكن ، وكانت تقول لنا : إن لها في الغرفة بنتا ، ولا تدع أحدا يصعد إلى الغرفة.
  فكنت أرى الضوء الذي رأيته قبل في الزقاق على الدرجة عند صعود الرجل في الغرفة التي يصعدها من غير أن أرى السراج بعينه ، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى ، فتوهموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى بنت هذه العجوز ، وأن يكون قد تمتع بها ، فقالوا : هؤلاء علوية ، يرون هذا (5) وهو حرام لا يحل ، وكنا نراه يدخل ويخرج ونجئ إلى الباب وإذا الحجر على حالته التي تركناه عليها ، وكنا نتعهد الباب خوفا

---------------------------
(1) الزقاق : الطريق الضيق.
(2) الرواق : بيت كالفسطاط ، وقيل : سقف في مقدم البيت.
(3) الربعة : الوسيط القامة.
(4) السجادة : أثر السجود في الجبهة.
(5) أي المتعة.

دلائل الإمامة _ 547 _

  على متاعنا ، وكنا لا نرى أحدا يفتحه ولا يغلقه ، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى أن حان وقت خروجنا.
  فلما رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ، ووقعت الهيبة فيه ، فتلطفت للمرأة ، وقلت : أحب أن أقف على خبر الرجل. فقلت لها : يا فلانة ، إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور هؤلاء الذين معي ، فلا أقدر عليه ، فأنا أحب إذا رأيتني وحدي في الدار أن تنزلي لأسألك عن شئ.
  فقالت لي مسرعة : وأنا أردت أن أسر إليك شيئا ، فلم يتهيأ ذلك من أجل أصحابك.
  فقلت : ما أردت أن تقولي ؟
  فقالت : يقول لك ـ ولم تذكر أحدا ـ : لا تخاشن (1) أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم (2) فإنهم أعداؤك ، ودارهم.
  فقلت لها : من يقول ؟
  فقالت : أنا أقول ، فلم أجسر لما كان دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها ، فقلت : أي الأصحاب ؟ وظننتها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي.
  فقالت : لا ، ولكن شركاؤك الذين في بلدك ، وفي الدار معك ، وكان قد جرى بيني وبين الذين عنتهم أشياء في الدين فشنعوا علي (3) حتى هربت واستترت بذلك السبب ، فوقفت على أنها إنما عنت أولئك.
  فقلت لها : ما تكونين من الرضا (عليه السلام).
  فقالت : كنت خادمة للحسن بن علي (عليهما السلام) ، فلما قالت ذلك قلت : لأسألنها عن الغائب (عليه السلام) ، فقلت : بالله عليك رأيته بعينك (4) ؟

---------------------------
(1) خاشنه : خلاف لاينه ، أي خشن عليه في القول أو العمل.
(2) أي تنازعهم وتخاصمهم.
(3) شنع فلانا : كثر عليه الشناعة ، وشنع عليه الأمر : قبحه.
(4) في ( ع ، م ) : بعينه.

دلائل الإمامة _ 548 _

  فقالت : يا أخي (1) ، لم أره بعيني ، فإني خرجت وأختي حبلى وأنا خالية ، وبشرني الحسن (عليه السلام) بأني سوف أراه آخر عمري ، وقال : تكونين له كما أنت لي ، وأنا اليوم منذ كذا وكذا سنة بمصر ، وإنما قدمت الآن بكتابه ونفقة وجه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان ، لا يفصح بالعربية ، وهي ثلاثون دينار ، وأمرني أن أحج سنتي هذه ، فخرجت رغبة في أن أراه.
  فوقع في قلبي أن الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو ، فأخذت عشرة دراهم رضوية ، وكنت حملتها على أن ألقيها في مقام إبراهيم (عليه السلام) فقد كنت نذرت ذلك ونويته ، فدفعتها إليها ، وقلت ، في نفسي : أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة (عليهما السلام) أفضل مما ألقيها في المقام وأعظم ثوابا ، وقلت لها ادفعي هذه الدارهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة (عليهما السلام) ، وكان في نيتي أن الرجل الذي رأيته هو ، وإنما تدفعها إليه ، فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثم نزلت ، وقالت : يقول لك ليس لنا فيها حق ، فاجعلها في الموضع الذي نويت ، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت ، ففعلت ما أمرت به عن الرجل.
  ثم كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بآذربيجان ، فقلت لها : تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب و (2) يعرفها.
  فقالت : ناولني فإني أعرفها ، فأريتها النسخة ، وظننت أن المرأة تحسن أن تقرأ ، فقالت : لا يمكن أن أقرأ في هذا المكان ، فصعدت به إلى السطح ، ثم أنزلته فقالت : صحيح ، وفي التوقيع : إني أبشركم ما سررت به وغيره.
  ثم قالت : يقول لك : إذا صليت على نبيك (عليه السلام) ، فكيف تصلي عليه ؟
  فقلت : أقول : ( اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كأفضل ما صليت وبارك وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ).

---------------------------
(1) في ( ط ) زيادة : أني.
(2) في ( ط ) زيادة : هو.

دلائل الإمامة _ 549 _

  فقالت : لا ، إذا صليت عليهم فصل عليهم كلهم وسمهم ، فقلت : نعم.
  فلما كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير قد نسخناه فقالت : يقول لك : إذا صليت على نبيك فصل عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة ، فأخذتها وكنت أعمل بها.
  ورأيته عدة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وخرج ، فكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء وأنا أراه ـ أعني الضوء ـ ولا أرى أحدا حتى يدخل المسجد ، وأرى جماعة من الرجال من بلدان كثيرة يأتون باب هذه الدار ، قوم عليهم ثياب رثة يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم ، ورأيت العجوز تدفع إليهم كذلك الرقاع وتكلمهم ويكلمونها ولا أفهم عنهم ، ورأيت منهم جماعة في طريقنا حتى قدمنا بغداد.

نسخة الدعاء

  اللهم صلى على محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وحجة رب العالمين ، المنتخب (1) في الميثاق ، المصطفى في الضلال ، المطهر من كل آفة ، البرئ من كل عيب ، المؤمل للنجاة ، المرتجى للشفاعة ، المفوض إليه في دين الله.
  اللهم شرف بنيانه ، وعظم برهانه ، وأفلج (2) حجته ، وارفع درجته وضوء نوره ، وبيض وجهه ، واعطه الفضل والفضيلة ، والوسيلة والدرجة الرفيعة ، وابعثه مقاما محمودا ، يغبطه به الأولون والآخرون.
  وصل على أمير المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين ، وقائد الغر المحجلين ، وسيد المؤمنين ، وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.

---------------------------
(1) في ( م ) : المنتخب.
(2) أفلج الله حجته : أظهرها وأثبتها.

دلائل الإمامة _ 550 _

  وصل على علي بن الحسين ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على محمد بن علي ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على جعفر بن محمد ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على موسى بن جعفر ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على علي بن موسى ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على محمد بن علي ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على علي بن محمد ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على الحسن بن علي ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  وصل على الخلف الهادي المهدي (1) ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
  اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الهادين ، الأئمة العلماء والصادقين ، الأوصياء المرضيين ، دعائم دينك ، وأركان توحيدك ، وتراجمه وحيك ، وحجتك على خلقك ، وخلفائك في أرضك ، الذين اخترتهم لنفسك ، واصطفيتهم على عبيدك ، وارتضيتهم لدينك ، وخصصتهم بمعرفتك ، وجللتهم بكرامتك ، وغشيتهم برحمتك ، وغذيتهم بحكمتك ، وألبستهم من نورك ، وربيتهم بنعمتك ، رفعتهم في ملكوتك ، وحففتهم بملائكتك ، وشرفتهم بنبيك ، اللهم صل على محمد وعليهم صلاة دائمة كثيرة طيبة ، لا يحيط بها إلا أنت ، ولا يسعها إلا علمك ، ولا يحصيها أحد غيرك.
  وصل على وليك المحيي سنتك ، القائم بأمرك ، الداعي إليك ، الدليل عليك ، حجتك وخليفتك في أرضك ، وشاهدك على عبادك.
  اللهم أعزز نصره ، ومد في عمره ، وزين الأرض بطول بقائه ، اللهم اكفه بغي الحاسدين ، وأعذه من شر الكائدين ، وادحر (2) عنه إرادة الظالمين ، وخلصه من أيدي الجبارين.

---------------------------
(1) في ( ع ) : المهتدي.
(2) في ( ع ) : وازجر.

دلائل الإمامة _ 551 _

  اللهم أره في ذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه ، وتسر به نفسه ، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة ، إنك على كل شئ قدير.
  اللهم جدد به ما محي من دينك ، وأحي به ما بدل من كتابك ، وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضا جديدا خالصا محضا ، لا شك فيه ، ولا شبهة معه ، ولا باطل عنده ، ولا بدعة لديه.
  اللهم نور بنوره كل ظلمة ، وهد بركنه كل بدعة ، واهدم بقوته كل ضلال ، واقصم به كل جبار ، وأخمد بسيفه كل نار ، وأهلك بعدله كل جائر ، واجر حكمه على كل حكم ، وأذل بسلطانه كل سلطان.
  اللهم أذل من ناواه ، وأهلك من عاداه ، وامكر بمن كاده ، واستأصل من جحد حقه واستهزأ بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره.
  اللهم صل على محمد المصطفى ، وعلى علي المرتضى ، وعلى فاطمة الزهراء ، وعلى الحسن الرضي ، وعلى الحسين الصفي (1) ، وعلى جميع الأوصياء مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، الصراط المستقيم ، وصل على وليك وعلى ولاة عهدك الأئمة من ولده القائمين بأمره ، ومد في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وبلغهم أفضل آمالهم (2).
  525 / 129 ـ حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب ، قال : تقلدت عملا من أبي منصور بن الصالحان ، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري ، فطلبني وأخافني ، فمكثت مستترا خائفا ، ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة ، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة ، وكانت ليلة ريح ومطر ، فسألت ابن جعفر القيم أن يغلق الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع ، لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة ، وآمن من دخول إنسان مما لم آمنه ،

---------------------------
(1) في ( ط ) : المصطفى.
(2) غيبة الطوسي : 273 / 238 ، الخرائج والجرائح 1 : 461 / 6 ( قطعة منه ) ، جمال الأسبوع : 494 ، مدينة المعاجز : 608 / / 69.

دلائل الإمامة _ 552 _

  وخفت من لقائي له ، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل ، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ، ومكثت أدعو وأزور وأصلي.
  فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأة عند مولانا موسى (عليه السلام) ، وإذا رجل يزور ، فسلم على آدم وأولي العزم (عليهم السلام) ، ثم الأئمة واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (عليه السلام) (فلم يذكره) ، فعجبت من ذلك وقلت : لعله نسي ، أو لم يعرف ، أو هذا مذهب لهذا الرجل.
  فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين ، وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام) ، فزار مثل الزيارة ، وذلك السلام ، وصلى ركعتين ، وأنا خائف منه ، إذ لم أعرفه ، ورأيته شابا تاما من الرجال ، عليه ثياب بيض ، وعمامة محنك بها بذؤابة وردي على كتفه مسبل ، فقال لي : يا أبا الحسين بن أبي البغل ، أين أنت عن دعاء الفرج.
  فقلت : وما هو يا سيدي.
  فقال : تصلي ركعتين ، وتقول : ( يا من أظهر الجميل ، وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ، ولم يهتك الستر ، يا عظيم المن ، يا كريم الصفح ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ، يا منتهى كل نجوى ، يا غاية كل شكوى ، يا عون كل مستعين ، يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ، يا رباه ـ عشر مرات ـ يا سيداه ـ عشرة مرات ـ يا مولياه ـ عشرة مرات ـ يا غايتاه ـ عشر مرات ـ يا منتهى رغبتاه ـ عشرة مرات ـ أسألك بحق هذه الأسماء ، وبحق محمد وآله الطاهرين (عليه السلام) إلا ما كشفت كربي ، ونفست همي ، وفرجت عني (1) ، وأصلحت حالي ) وتدعو بعد ذلك بما شئت وتسأل حاجتك.
  ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك : ( يا محمد يا علي ، يا علي يا محمد ، أكفياني فإنكما كافياي ، وانصراني فإنكما ناصراي ).
  وتضع خدك الأيسر على الأرض ، وتقول مائة مرة ( أدركني ) وتكررها كثيرا ، وتقول : ( الغوث الغوث ) حتى ينقطع نفسك ، وترفع رأسك ، فإن الله بكرمه يقضي

---------------------------
(1) في ( م ، ط ) : غمي.

دلائل الإمامة _ 553 _

  حاجتك إن شاء الله (تعالى).
  فلما شغلت (1) بالصلاة والدعاء خرج ، فلما فرغت خرجت لابن جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل ، فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة ، فعجبت من ذلك ، وقلت : لعله باب هاهنا ولم أعلم ، فأنبهت ابن جعفر القيم ، فخرج إلي (2) من بيت الزيت ، فسألته عن الرجل ودخوله ، فقال : الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها ، فحدثته بالحديث فقال : هذا مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) ، وقد شاهدته دفعات (3) في مثل هذه الليلة عن خلوها من الناس.
  فتأسفت على ما فاتني منه ، وخرجت عند قرب الفجر ، وقصدت الكرخ (4) إلى الموضع الذي كنت مستترا فيه ، فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ، ويسألون عني أصدقائي ، ومعهم أمان من الوزير ، ورقعة بخطه فيها كل جميل ، فحضرت مع ثقة من أصدقائي عنده ، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه وقال : انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان (صلوات الله عليه).
  فقلت : قد كان مني دعاء ومسألة.
  فقال : ويحك ، ورأيت البارحة مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه) في النوم ـ يعني ليلة الجمعة ـ وهو يأمرني بكل جميل ، ويجفو علي في ذلك جفوة خفتها.
  فقلت : لا إله إلا الله ، أشهد أنهم الحق ومنتهى الصدق (5) ، رأيت البارحة مولانا (عليه السلام) في اليقظة ، وقال لي كذا وكذا ، وشرحت ما رأيته في المشهد ، فعجب من ذلك ، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى ، وبلغت منه غاية ما لم أظنه ببركة مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) (6).

---------------------------
(1) في ( م ، ط ) : اشتغلت.
(2) في ( ع ، م ) زيادة : عندي.
(3) في ( ط ) : مرارا.
(4) في ( ع ) : الكوخ.
(5) في ( ع ، م ) : الحق.
(6) فرج المهموم : 245 ، البحار 95 : 200 / 33.