الفصل الأوّل : إحتياج البشر إلى الإمام وضرورة الإمامة
الإمامة هي خلافة الرسول ووصاية النبي بعد سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وعرّفها الشيخ المفيد (قدس سره) بقوله : ( الإمامة هي التقدّم فيما يقتضي طاعة صاحبه ، والإقتداء به ) (1).
وقال العلاّمة الحلّي أعلى الله مقامه : ( الإمامة رئاسة عامّة لشخص من الأشخاص في اُمور الدين والدنيا ) (2).
وقال السيّد البهبهاني (قدس سره) : ( الإمامة عبارة عن الخلافة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، في اُمور الدين والدنيا ، وإفتراض طاعته على الاُمّة فيما أمر به أو نهى عنه ) (3).
وأوضح في الدائرة (4) ، بأنّ الإمامة منصب إلهي ، ورئاسة عامّة في اُمور الدين والدنيا يختارها الله تعالى لفرد كامل من البشر ، ويأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يرشد الاُمّة إليه ، ويقوم مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في إرشاد الناس ، وحجّة الله على خلقه .
هذا بالنسبة إلى تعريف الإمامة .
وأمّا الإمام فهو المقتدى والمتّبع .
---------------------------
(1) الإفصاح في الإمامة : (ص 27) .
(2) نهج المسترشدين : (ص 62) .
(3) مصباح الهداية في إثبات الولاية : (ص 48) .
(4) دائرة المعارف الشيعية : (ج 4 ص 245) .
العقائد الحقّة
_ 276 _
قال الشيخ الطريحي : ( قوله ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) (1) أي يأتمّ بك الناس ، فيتّبعونك ويأخذون عنك ، لأنّ الناس يؤمّون أفعاله أي يقصدونها ، فيتّبعونها ) (2).
وزاد في المفردات : ( أنّ الإمام يُقتدى بأقواله وأفعاله ) (3).
وأفاد الشيخ الطبرسي (4) : أنّ المستفاد من لفظ الإمام أمران :
أحدهما : أنّه المقتدى في أفعاله وأقواله .
والثاني : أنّه الذي يقوم بتدبير الاُمّة وسياستها والقيام باُمورها وتأديب جُناتها وتولية ولاتها ، وإقامة الحدود على مستحقّيها ، ومحاربة من يكيدها ويعاديها ، هذا بالنسبة إلى تعريف الإمام والإمامة ، وسيأتي بيان مدلولها الشرعي الجامع في هذا المنصب الرفيع .
ولا شكّ أنّ من أشرف معارف اُصول الدين ، هي معرفة إمامة الأئمّة المعصومين ، وخلافة أوصياء الرسول الميامين ، وولاية حجج الله في السماوات والأرضين التي تعود إلى معرفة الله تعالى بالحقّ واليقين .
وذلك لأنّهم سفراؤه إلى خلقه ، ووسائل لطفه إلى عباده ، فتكون معرفتهم من شؤون معرفته ... يوجب فعلها الهداية ، وتركها الضلالة ، كما في الحديث التالي :
عن أبي حمزة قال : قال لي أبو جعفر ـ الباقر ـ (عليه السلام) :
---------------------------
(1) سورة البقرة : (الآية 124) .
(2) مجمع البحرين : (ص 503 مادّة ـ اُمم ـ ) .
(3) المفردات للراغب : (ص 204) .
(4) مجمع البيان : (ج 1 ص 201) .
العقائد الحقّة
_ 277 _
( إنّما يعبد الله من يعرف الله ، فأمّا من لا يعرف الله فإنّما يعبده هكذا ضلالا .
قلت : جعلت فداك ! فما معرفة الله ؟
قال : تصديق الله عزّ وجلّ وتصديق رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وموالاة علي (عليه السلام) والإيتمام به وبأئمّة الهدى (عليهم السلام) والبراءة إلى الله عزّ وجلّ من عدوّهم ، هكذا يُعرف الله عزّ وجلّ ) (1).
وإمامة آل محمّد الربّانية الإلهية ، من الاُصول الدعائم والأركان العظائم للدين الإسلامي الحنيف ... وترك معرفتهم يوجب الردى وكفر الجاهلية الاُولى ، لما ورد في الحديث المتواتر بين الفريقين :
( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة ) (2).
وفي حديث عيسى بن السري (3) قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : حدّثني عمّا بُنيت عليه دعائم الإسلام ... ـ وسيأتي ذكر الحديث (4) ـ وقد صرّح بكون الولاية من دعائم الإسلام .
فيلزم على كلّ من أراد معرفة الله تعالى معرفتهم ، والدخول في ولايتهم التي هي من دين الله عزّ وجلّ كما صرّحت به الأحاديث الآنفة مثل حديث أبي
---------------------------
(1) اُصول الكافي : (ج 1 ص 180 باب معرفة الإمام والردّ إليه ح 1) .
(2) لاحظ اُصول الكافي : (ج 1 ص 376 باب من مات وليس له إمام من أئمّة الهدى) ، وبحار الأنوار : (ج 23 ص 76 ب3 الأحاديث) .
ولاحظ من مصادر العامّة مسند أحمد بن حنبل : (ج 4 ص 96) ، وصحيح مسلم : (ج 8 ص 107) ، وحلية الأولياء لأبي نعيم : (ج 3 ص 224) ، وكنز العمّال للمتّقي الهندي : (ج 3 ص 220) ، وينابيع المودّة للقندوزي : (ص 117) ، ومسند الحافظ الطيالسي : (ص 259) .
(3) اُصول الكافي : (ج 2 ص 21 باب دعائم الإسلام ح 9) .
(4) في ص 377 من هذا الكتاب .
العقائد الحقّة
_ 278 _
الجارود زياد بن المنذر (1) ، الذي سيأتي ذكره (2) ، وصرّح بكون الولاية من الدين .
هذا مضافاً إلى أنّ نفس وجوب إطاعتهم تقضي بلزوم معرفتهم لأنّ تحقّق الطاعة يستلزم معرفة المُطاع ، تلك الطاعة التي أمر الله بها في قوله عزّ إسمه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) (3) ، وقد نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) بأخبار الخاصّة والعامّة المتظافرة التي تلاحظها في غاية المرام (4).
فيلزم معرفتهم وإطاعتهم والإقتداء بهم والتصديق بإمامتهم الكبرى المتّسمة بالمزايا العظمى .
والبحث الآتي شمّة بيان ، وخلاصة برهان لتلك الإمامة الحقّة والولاية المطلقة ، في الفصول الخمسة التالية :
1 ـ إحتياج البشر إلى الإمام وضرورة الإمامة .
2 ـ أنّ الإمامة كالنبوّة إنتصابيّة وليست بانتخابية ، وتعيينها بيد الخالق لا المخلوق .
3 ـ إنحصار الإمامة في الهداة الغرر المعصومين الإثني عشر .
4 ـ معرفة شرائط وخصوصيات الإمام والإمامة .
5 ـ وظائف الاُمّة اتّجاه أهل بيت العصمة (عليهم السلام) .
ومن الله تعالى نستمدّ العون ونسأل التوفيق ، وهو الهادي إلى الحقّ الحقيق .
---------------------------
(1) اُصول الكافي : (ج2 ص21 باب دعائم الإسلام ح10) .
(2) في ص378 من هذا الكتاب .
(3) سورة النساء : (الآية 59) .
(4) غاية المرام : (ص263 ـ 265 ب58 ـ 59 الأحاديث) .
العقائد الحقّة
_ 279 _
الفصل الأوّل : إحتياج البشر إلى الإمام وضرورة الإمامة
البشر بنحو عامّ محتاج إلى إمام يَقتدي به ، ويَستضيء بنور علمه ، وولي يلجأ إليه ويستفيد منه ، كإحتياجه إلى النبي والرسول ... إذ الإمامة إتمام وإمتداد للنبوّة الباقية والرسالة الخالدة .
وهذا أمر فطري وحقيقة إرتكازية يحكم بها العقل السليم والوجدان المستقيم ، وتشهد البداهة بأنّه لابدّ لكلّ قوم ، بل لكلّ عالَم من عوالم الوجود من إمام ورئيس يهديهم إلى سبيل الصلاح ، ويقودهم إلى الخير والفلاح ، ويرفع عنهم النزاع والخلاف ، ويكون داعياً إلى الله ومصلحاً لعباد الله .
وكلّ ما يتصدّى له النبي الأكرم في حياته من الوظائف والقوانين والأحكام والشؤون الدينيّة والإجتماعية والعلمية والقضائية والأخلاقية والإدارية والإرشادية وغيرها يلزم أن يتصدّى له من بعده مَن يكون نموذجاً له ، ومظهراً من مظاهره ، وزعيماً للدين مثله ... حذراً من زوال الدين وإضمحلال الرسالة التي جاءت للدوام ، وأسّست للبقاء ، وإلاّ كان شأن هذا الدين شأن سائر المبادئ التي تزول بزوال أصحابها ...
وشريعة الإسلام نزلت لتكون باقية بجميع أحكامها وحلالها وحرامها إلى
العقائد الحقّة
_ 280 _
يوم القيامة ، كما في حديث سلام بن المستنير عن الإمام الباقر (عليه السلام) (1).
وهذا الدين الإسلامي أبديّ في بقائه ، خاتم للأديان في رسوله ، ولا يُقبل من أحد غيره .
قال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاِْسْلاَمُ ) (2) ، وقال عزّ وجلّ : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِْسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاْخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) (3).
فالإسلام إذاً رسالة سماوية خالدة اُريد لها ـ بواسطة أكمليتها ـ أن تبقى بقاء السماوات والأرضين ... وامتداد الدنيا والآخرة .
فلو كان بناء هذا الدين على عدم الحافظ والوصي والإمام بعد نبيّه الكريم لكان نقضاً لغرض البعثة النبوية الشريفة التي بشّرت بها الأنبياء ، وكانت أشرف الغايات ، وخاتمة الرسالات .
ولا يُعقل أن يكون جميع البشائر والمقدّمات لأجل ثلاثة وعشرين سنة مدّة نبوّة سيّدنا الرسول الأمين صلوات الله عليه وآله الطاهرين في حياته .
لذلك كان لابدّ لبقاء أشرف الأديان بعد أشرف الرسل من أشرف شخص يكون خليفته ويقوم مقامه ويتصدّى لمناصبه ـ سوى النبوّة ـ ليأتمّ الناس به ، ويهتدون بهداه ، ويسلكون الطريق القويم بنوره حتّى تستمرّ شؤون الرسالة ، وتتمّ فائدة البعثة ، ولا تحرم الأجيال الآتية من الهداية .
فلابدّ لهذا الغرض من تصدّي الوصي لشؤون النبي .
وشؤون النبي التي صرّح بها القرآن الكريم هي :
---------------------------
(1) وسائل الشيعة : (ج18 ص124 ب12 ح47) .
(2) سورة آل عمران : (الآية 19) .
(3) سورة آل عمران : (الآية 85) .
العقائد الحقّة
_ 281 _
1 ـ الولاية التامّة المطلقة للنبي على جميع الناس ، كما في قوله تعالى : ( النَّبِيُ أَوْلَي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (1).
2 ـ القدوة التي تُطاع في جميع الاُمور ، كما في قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) (2).
3 ـ الحكم الحقّ بين الناس ورفع الخلاف عنهم ، كما في قوله تعالى : ( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) (3).
4 ـ التذكير بالله تعالى ، كما في قوله عزّ إسمه : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ) (4).
5 ـ الهداية للخلق ، كما في قوله عزّ شأنه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ) (5).
6 ـ الشاهدية على الناس ، كما في قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (6).
7 ـ الدعوة إلى الله والبشارة بالثواب والإنذار بالعقاب ، كما في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِي ُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ) (7).
---------------------------
(1) سورة الأحزاب : (الآية 6) .
(2) سورة النساء : (الآية 59) .
(3) سورة ص : (الآية 26) .
(4) سورة الغاشية : (الآية 21) .
(5) سورة الشورى : (الآية 52) .
(6) سورة البقرة : (الآية 143) .
(7) سورة الأحزاب : (الآيتان 45 و46) .
العقائد الحقّة
_ 282 _
8 ـ الحرص على سعادة المؤمنين وصلاح شأنهم والرأفة والرحمة بهم ، كما في قوله تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (1).
... إلى غير ذلك من المقامات والمراتب الرفيعة النبويّة التي يأتي ذكرها في الأحاديث الشريفة والتي لابدّ أن تتمثّل في وصي الرسول لبقاء الرسالة .
وعلى الجملة ، فالإمامة أمر فطري ، وإحتياج ضروري ، وحاجة لازمة كفى بارتكازيّتها دليلا لها ، بالإضافة إلى أنّه يدلّ عليها الكتاب والسنّة والعقل بالبيان التالي :
أمّا الكتاب أوّلا :
فقول الله تعالى شأنه : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد ) (2) فإنّه قد ذكرت الخاصّة والعامّة ، أنّ الهادي في هذه الآية الشريفة ، هو الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، وقد جاءت فيه ثلاثة وعشرون حديثاً من طرق الخاصّة ، وسبعة أحاديث من طرق العامّة ، كما تلاحظها في كتاب غاية المرام (3).
وللنموذج نختار من أحاديث الخاصّة ما رواه عبدالرحيم القصير ، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد ) فقال :
---------------------------
(1) سورة التوبة : (الآية 128) .
(2) سورة الرعد : (الآية 7) .
(3) غاية المرام : (ص235 ب30 و31 الأحاديث) ، وتلاحظ استقصاء أحاديث العامّة في إحقاق الحقّ : (ج3 ص88 ، وج14 ص166 ، وج20 ص59) .
العقائد الحقّة
_ 283 _
( رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر ، وعليّ الهادي ، أما والله ما ذهبت منّا وما زالت فينا إلى الساعة ) (1).
ومن أحاديث العامّة ما رواه عبدالله بن عمر ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
( بي اُنذرتم ، وبعلي بن أبي طالب اهتديتم ـ وقرأ ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد ) (2) ـ وبالحسن اُعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون . ألا وإنّ الحسين باب من أبواب الجنّة من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة ) (3).
وأمّا السنّة ثانياً :
فمثل حديث نهج البلاغة في كتاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عامله على البصرة ، عثمان بن حنيف الأنصاري قال (عليه السلام) :
( ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ) (4).
ممّا يستفاد منه هذه القاعدة الجارية ، والسنّة الماضية ، والضرورة القاضية بوجود الإمام الصالح لكلّ مأموم ، وحبّذا لو رجعنا في المقام إلى حديث الفضل ابن شاذان المفصّل في بيان علّة جعل اُولي الأمر والأمر بطاعتهم فلاحظ (5).
---------------------------
(1) غاية المرام : (ص235 ب31 ح4) .
(2) سورة الرعد : (الآية 7) .
(3) غاية المرام : (ص235 ب30 ح6) .
(4) نهج البلاغة : (الرسائل ص78 من الطبعة المصرية الكتاب45) .
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : (ج2 ص99 ب34 ح1) .
العقائد الحقّة
_ 284 _
وسيأتي ذكر الروايات الشارحة لذلك بالتفصيل .
وأمّا العقل ثالثاً :
فدليل العقل وحكمه بلزوم الإمام يقرّر بوجوه أربعة :
1 ـ ما قرّره شيخ الطائفة الطوسي طابت تربته من أنّ العقل يحكم بوجوب الإمامة بدليل اللطف ، لما ثبت من كون الإمامة لطفاً من الله تعالى ولا يتمّ التكليف بدونها ، فمقتضى كرمه تعالى أن يهيّئ لعباده وسائل الطاعة ، ويصرفهم عن طرق الفساد ، وهو لطف ، والله لطيف بعباده .
والإمامة من الألطاف الإلهيّة التي لا يحسن التكليف بدونها ، فجرت مجرى سائر الألطاف الإلهية ، إذ الاُمّة محتاجة إلى أخذ معالم دينها من الإمام ، والإمام لا يكون عندنا إلاّ من هو عالم بجميع ما تحتاج إليه الرعية (1).
2 ـ ما قرّره الشيخ الكبير كاشف الغطاء طاب مثواه من أنّ العقل يشهد بوجوب وجود المبيّن للأحكام ، كما حكم بلزوم وجود المؤسّس للحلال والحرام ، لمساواة الجهتين ، وحصول الجهالة عند فقد كلّ من الأمرين ، ولكثرة المجملات في القرآن وفي الأخبار الواردة عن سيّد ولد عدنان (2).
3 ـ ما قرّره السيّد الشبّر أعلى الله مقامه من أنّ الغرض والحكمة في إيجاد الخلق هي المعرفة والعبادة ، كما قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (3) ، وهذا الغرض الشريف يتوقّف على الواسطة بين الخلق والخالق
---------------------------
(1) تلخيص الشافي : (ج1 ص69) .
(2) كشف الغطاء : (ص5 المبحث الخامس في الإمامة) .
(3) سورة الذاريات : (الآية 56) .
العقائد الحقّة
_ 285 _
لإستحالة المشاهدة والمكالمة ، وتكون الواسطة بالرسالة أو الإمامة .
فغرض الخلقة يقتضي الإمامة بعد الرسالة (1).
4 ـ ما قرّره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) ، من أنّ كتاب الله العظيم الذي هو كتاب الهداية ودستور البشرية الذي فيه آيات محكمات واُخر متشابهات ، كيف يمكن التوصّل والوصول إلى مراداته ، ومعرفة محتوياته ، وفهم مجملاته ومتشابهاته ، حتّى يتسنّى العمل بآياته بدون معلّم ومبيّن لها وهاد بهداية الله فيها ؟!
ومن الواضح أنّ كتب الدراسات العلميّة والموسوعات الجامعية بالرغم من كونها من نتائج العقول البشرية لا يمكن فهمها بدون معلّم واُستاذ ، مع دراسات متواصلة في سنوات عديدة ...
فكيف بكتاب يعجز عن مثله الجنّ والإنس ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ؟!
من المستحيل أن نستغني في فهم أعظم الكتب عن تعليم من نزل في بيتهم الكتاب ، فالضرورة تقتضي بلزوم الإمامة بعد الرسالة ، والإمام في جنب القرآن ... وقول عمر : ( حسبُنا كتاب الله ) هو كذب وخداع وتزوير وبهتان ، قد كذّبه حتّى هو نفسه حينما كان يرتطم في الإشكال ويقول : ( لولا علي لهلك عمر ) ويقول : ( لا أبقاني الله لمُعضلة ليس لها أبو الحسن ) ...
فهلاّ كان يكتفي بكتاب الله لحلّ المسائل الواردة عليه ...
وتلاحظ إعترافه بهذا الكلام في موارد كثيرة أحصاها شيخنا الأميني في كتاب الغدير في باب نوادر الأثر في علم عمر عند بيان مائة خطأ من أخطائه وجهالاته (2).
---------------------------
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص84) .
(2) الغدير : (ج6 ص83 ـ 325) .
العقائد الحقّة
_ 286 _
وعليه فالبشرية محتاجة في جميع مجالات حياتها إلى كتاب الله مقروناً مع حجّة الله ... وهما توأمان لا يفترقان وتكون الهداية بهما معاً حتّى يردا على الحوض يوم القيامة .
وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم إفتراقهما ، وفرَض التمسّك بهما ، وحصر الهداية فيهما بالدليل القطعي المقبول بين الفريقين في حديث الثقلين الذي نصّ عليه الرسول الأعظم في المواطن الأربعة :
يوم عرفة على ناقته القصوى ، وفي مسجد الخيف ، وفي خطبة يوم الغدير في حجّة الوداع ، وفي خطبته على المنبر يوم قُبض .
وقد رويت نصوص أحاديثه من طرق الخاصّة والعامّة بأسانيد كثيرة وروايات متواترة تلاحظها في مثل كتاب إحقاق الحقّ للقاضي التستري (قدس سره) (1). قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
( إنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا من بعدي أبداً ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) .
ثمّ إنّ الحقّ الصريح والبيان المليح الذي يفهمه كلّ ذي حجى هو ما بيّنه أهل بيت الهدى في أحاديثهم الشريفة التي بيّنت أهميّة الإمامة ووجه الإحتياج إلى الإمام ، والتي هي أدلّة قطعيّة وبراهين يقينيّة على لزوم الإمامة الحقّة ووجوب وجود الإمام المعصوم في جميع الأزمنة إلى قيام الساعة مثل :
---------------------------
(1) إحقاق الحقّ : (ج4 ص436 ، وج5 ص7 ، وج9 ص309 ، وج16 ص405 ، وج18 ص261) ، وغاية المرام : (ص211 من إثنين وثمانين حديثاً من طرق الخاصّة ، وتسعة وثلاثين حديثاً من طرق العامّة) .
العقائد الحقّة
_ 287 _
1 ـ ما رواه ثقة الإسلام الكيني في الكافي ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العبّاس بن عمر الفُقيمي ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ... (1).
2 ـ ما رواه أيضاً عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، عن الإمام أبي عبدالله (عليه السلام) ... (2).
3 ـ ما رواه أيضا عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس بن يعقوب ، عن الإمام أبي عبدالله (عليه السلام) ... (3).
4 ـ ما رواه يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) ، فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إنّي رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) :
( كلامك من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من عندك ؟ فقال : من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن عندي .
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : فأنت إذاً شريك رسول الله ؟ قال : لا ، قال : فسمعت الوحي عن الله عزّ وجلّ يخبرك ؟ قال : لا ، قال : فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال : لا .
فالتفت أبو عبدالله (عليه السلام) إليّ فقال : يا يونس بن يعقوب ! هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم ، ثمّ قال : يا يونس ! لو كنت تُحسن الكلام كلّمته ،
---------------------------
(1) اُصول الكافي : (ج1 ص168 باب الإضطرار إلى الحجّة ح1) ، وقد تقدّم هذا الحديث في دليل السنّة على النبوّة فلا نكرّر .
(2) اُصول الكافي : (ج1 ص168 باب الإضطرار إلى الحجّة ح2) ، وقد تقدّم هذا الحديث في باب النبوّة فلاحظ .
(3) اُصول الكافي : (ج1 ص169 باب الإضطرار إلى الحجّة ح3) ، وقد تقدّم هذا الحديث في أصل النبوّة فراجع .
العقائد الحقّة
_ 288 _
قال يونس : فيا لها من حسرة ! فقلت : جعلت فداك ! إنّي سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد (1) ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله .
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّ ما قلت : فويل لهم ، إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون ، ثمّ قال لي : اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فأدخله .
قال : فأدخلت حمران بن أعين ـ وكان يحسن الكلام ـ وأدخلت الأحول (2) ـ وكان يُحسن الكلام ـ وأدخلت هشام بن سالم ـ وكان يُحسن الكلام ـ وأدخلت قيس بن الماصر ـ وكان عندي أحسنهم كلاماً ، وكان قد تعلّم الكلام من علي بن الحسين (عليهما السلام) ـ .
فلمّا استقرّ بنا المجلس وكان أبو عبدالله (عليه السلام) قبل الحجّ يستقرّ أيّاماً في جبل في طرف الحرم في فازة (3) له مضروبة ، قال : فأخرج أبو عبدالله (عليه السلام) رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخبُّ (4) فقال : هشام وربّ الكعبة ! قال : فظننا أنّ هشاماً رجل من ولد عقيل ـ كان شديد المحبّة له ـ قال : فورد هشام بن الحكم وهو أوّل ما اختطّت لحيته وليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّاً منه ، قال : فوسّع له أبو عبدالله (عليه السلام) وقال : ناصرنا
---------------------------
(1) إشارة إلى قولهم في مناظراتهم : سلّمنا هذا ولا نسلّم ذاك ، كما أنّ هذا ينساق وهذا لا ينساق إشارة إلى قولهم بالنسبة إلى خصمهم : له أن يقول كذا ، وليس له أن يقول كذا .
(2) أي أبو جعفر محمّد بن النعمان الملقّب بمؤمن الطاق .
(3) الفازة : هي الخيمة الصغيرة .
(4) يخبّ : أي يسرع في مشيه .
العقائد الحقّة
_ 289 _
بقلبه ولسانه ويده ، ثمّ قال : يا حمران ! كلّم الرجل ، فكلّمه فظهر عليه حمران .
ثمّ قال : يا طاقي ! كلّمه ، فكلّمه فظهر عليه الأحول .
ثمّ قال : يا هشام بن سالم ! كلّمه ، فتعارفا ...
ثمّ قال أبو عبدالله (عليه السلام) لقيس الماصر : كلّمه ، فكلّمه .
فأقبل أبو عبدالله (عليه السلام) يضحك من كلامهما ممّا قد أصاب الشامي ، فقال للشامي : كلّم هذا الغلام ـ يعني هشام بن الحكم ـ فقال : نعم ، فقال لهشام : يا غلام ! سلني في إمامة هذا ، فغضب هشام حتّى ارتعد ، ثمّ قال للشامي : يا هذا ! أربّك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم ؟ فقال الشامي : بل ربّي أنظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال : أقام لهم حجّة ودليلا كي لا يتشتّتوا أو يختلفوا بتألّفهم ، ويقيم أَوَدَهُم (1)ويخبرهم بفرض ربّهم ، قال : فمن هو ؟ قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال هشام : فبعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال : الكتاب والسنّة ، قال هشام : فهل نفعنا الكتاب والسنّة في رفع الإختلاف عنّا ؟ قال الشامي : نعم ، قال : فلِمَ اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إيّاك ؟ قال : فسكت الشامي .
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) للشامي : ما لك لا تتكلّم ؟ قال الشامي : إن قلت لم نختلف كذبت ، وإن قلت إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الإختلاف أبطلتُ لأنّهما يحتملان الوجوه ، وإن قلت قد إختلفنا وكلّ واحد منّا يدّعي الحقّ فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنّة إلاّ أنّ لي عليه هذه
---------------------------
(1) الأوَد ، بفتح الهمزة والواو هو : الإعوجاج .
العقائد الحقّة
_ 290 _
الحجّة (1).
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : سله تجده مليّاً ، فقال الشامي : يا هذا ! من أنظر للخلق أربّهم أو أنفسهم ؟ فقال هشام : ربّهم أنظر لهم منهم لأنفسهم ، فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودَهم ويخبرهم بحقّهم من باطلهم ؟ قال هشام : في وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الساعة ؟ قال الشامي : في وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والساعة مَن ؟ فقال هشام : هذا القاعد الذي تشدّ إليه الرحال (2)ويخبرنا بأخبار السماء والأرض ، وراثة أب عن جدٍّ ، قال الشامي : فكيف لي أن أعلم ذلك ؟ قال هشام : سله عمّا بدا لك ، قال الشامي : قطعتَ عذري (3) فعليَّ السؤال . فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : يا شامي ! كيف كان سفرك وكيف كان طريقك ؟ كان كذا وكذا ، فأقبل الشامي يقول : صدقت ، أسلمت لله الساعة ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : بل آمنت بالله الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون (4) ، فقال الشامي : صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّك وصي الأوصياء ) (5).
5 ـ الحديث الرضوي الشريف الجامع الذي رواه عبدالعزيز بن مسلم قال :
---------------------------
(1) أي تلك الحجّة التي كانت له عليّ .
(2) أي يأتيه الناس من كلّ مكان ويقبلون عليه في مواسم الحجّ .
(3) أي لا عذر لي بعد هذا .
(4) لمزيد المعرفة لاحظ بيان ذلك في أحاديث اُصول الكافي : (ج2 ص24 ـ 28) .
(5) اُصول الكافي : (ج1 ص171 باب الإضطرار إلى الحجّة ح4) .
العقائد الحقّة
_ 291 _
كنّا مع الرضا (عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مَقْدمنا فأرادوا (1) أمر الإمامة وذكروا كثرة إختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيّدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه ، فتبسّم (عليه السلام) ثمّ قال :
( يا عبدالعزيز ! جهل القوم وخُدعوا عن آرائهم ، إنّ الله عزّ وجلّ لم يقبض نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، فقال عزّ وجلّ : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء ) (2) وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاِْسْلاَمَ دِيناً )
(3) وأمر الإمامة من تمام الدِّين ، ولم يمض (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى بيّن لاُمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ وأقام لهم عليّاً (عليه السلام) علماً وإماماً وما ترك [ لهم ] شيئاً يحتاج إليه الاُمّة إلاّ بيّنه ، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به .
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الاُمّة فيجوز فيها إختيارهم ، إنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلا مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم .
---------------------------
(1) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : فأداروا .
(2) سورة الأنعام : (الآية 38) .
(3) سورة المائدة : (الآية 3) .
العقائد الحقّة
_ 292 _
إنّ الإمامة خصّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره فقال :
( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) فقال الخليل (عليه السلام) سروراً بها : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) قال الله تبارك وتعالى :
( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).
فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ، ثمّ أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة والطهارة فقال :
( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَاقامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (2) فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورّثها الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال جلّ وتعالى :
( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِي ُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (3).
فكانت له خاصّة فقلّدها (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) ، بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان ، بقوله تعالى :
( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاِْيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) (4) فهي في ولد علي (عليه السلام) خاصّة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبي بعد محمّد (صلى الله عليه وآله) فمن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟!
إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء .
---------------------------
(1) سورة البقرة : (الآية 124) .
(2) سورة الأنبياء : (الآيتان 72 و73) .
(3) سورة آل عمران : (الآية 68) .
(4) سورة الروم : (الآية 56) .
العقائد الحقّة
_ 293 _
إنّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام) .
إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين .
إنّ الإمامة اُسُّ الإسلام النامي وفرعه السامي
(1).
بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف
(2).
الإمام يُحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة .
الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم وهي في الاُفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار .
الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى
(3) وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار .
الإمام الماء العذب على الظما والدالّ على الهدى والمنجي من الردى .
الإمام النار على اليفاع
(4) ، الحارّ لمن إصطلى به ، والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك .
الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء
---------------------------
(1) الاُسّ والأساس هو أصل البناء ، والسامي هو العالي المرتفع .
(2) فالإمام هو الآمر بها ، ومبيّن أحكامها ، وشرط صحّتها .
(3) أي الظلمات الشديدة كظلمات الفتن والشبهات .
(4) اليفاع : ما ارتفع من الأرض .
العقائد الحقّة
_ 294 _
الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة .
الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والاُمّ البرّة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية النآد
(1).
الإمام أمين الله في خلقه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذابّ عن حُرُم الله .
الإمام المطهّر من الذنوب والمبرّا عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين
(2).
الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا إكتساب ، بل إختصاص من المُفضِل الوهّاب .
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه إختياره ؟!
هيهات ! هيهات !! ضلّت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وخسئت العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألبّاء وكلّت الشعراء وعجزت الاُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرّت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ؟!
لا ، كيف وأنّى وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف
---------------------------
(1) أي الاُمور العظيمة .
(2) البوار : بمعنى الهلاك .
العقائد الحقّة
_ 295 _
الواصفين !
فأين الإختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟!
أتظنّون أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
كذّبتهم والله أنفسهم ومنّتهم الأباطيل
(1) ، فاتّقوا
(2) مرتقاً صعباً دحضاً تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم ، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة ، فلم يزدادوا منه إلاّ بعداً ، [ قاتلهم الله أنّى يؤفكون ] ولقد راموا صعباً وقالوا إفكاً وضلّوا ضلالا بعيداً ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وزيّن لهم الشيطان أعمالهم ، فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين .
رغبوا عن إختيار الله وإختيار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته إلى إختيارهم والقرآن يناديهم :
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (3) وقال عزّ وجلّ :
( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (4) ـ الآية ، وقال :
( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ) (5) وقال عزّ وجلّ :
( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ
---------------------------
(1) أي أوقعت في أنفسهم الأماني الباطلة ، والدحض هو الزَلَق .
(2) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : فارتقوا .
(3) سورة القصص : (الآية 68) .
(4) سورة الأحزاب : (الآية 36) .
(5) سورة القلم : (الآية 36 ـ 41) .
العقائد الحقّة
_ 296 _
عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا ) (1) ؟! أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ؟! أم
( قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لاََسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (2) أم
( قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) (3) بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
فكيف لهم بإختيار الإمام ؟! والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل
(4) ، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسل المطهّرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب ، فالبيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والرضا من الله عزّ وجلّ ، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، ملُ الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عزّ وجلّ ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله ، إنّ الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى :
( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (5) ، وقوله تبارك وتعالى :
---------------------------
(1) سورة محمّد : (الآية 24) .
(2) سورة الأنفال : (الآيات 21 ـ 23) .
(3) سورة البقرة : (الآية 93) .
(4) أي لا يضعف ولا يجبن .
(5) سورة يونس : (الآية 35) .
العقائد الحقّة
_ 297 _
( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً ) (1) وقوله في طالوت :
( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (2) وقال لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :
( وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) (3) وقال في الأئمّة من أهل بيت نبيّه وعترته وذرّيته صلوات الله عليهم :
( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) (4).
وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلّ لاُمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً فلم يعي
(5) بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيّد مسدّد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار ، يخصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّمونه ؟ تَعَدُّوا ـ وبيتِ الله ـ الحقّ ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، كأنّهم لا يعلمون وفي كتاب الله الهدى والشفاء ، فنبذوه
---------------------------
(1) سورة البقرة : (الآية 269) .
(2) سورة البقرة : (الآية 247) .
(3) سورة النساء : (الآية 113) .
(4) سورة النساء : (الآيتان 54 و55) .
(5) أي لم يعجز .
العقائد الحقّة
_ 298 _
واتّبعوا أهواءهم ، فذمّهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جلّ وتعالى :
( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنْ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (1) وقال :
( فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (2) وقال :
( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّر جَبَّار ) (3) وصلّى الله على النبي محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً )
(4).
6 ـ حديث جابر ، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال :
( قلت : لأي شيء يحتاج إلى النبي والإمام ؟
فقال : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أم إمام ، قال الله عزّ وجلّ :
( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (5) ، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون ) يعني بأهل بيته الأئمّة الذين قرن الله عزّ وجلّ طاعتهم بطاعته فقال :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) (6).
وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيَّدون الموفَّقون المسدَّدون ، بهم يرزق الله عباده ، وبهم يعمر
---------------------------
(1) سورة القصص : (الآية 50) .
(2) سورة محمّد : (الآية 8) .
(3) سورة غافر : (الآية 35) .
(4) اُصول الكافي : (ج1 ص198 باب نادر ح1) .
(5) سورة الأنفال : (الآية 33) .
(6) سورة النساء : (الآية 59) .
العقائد الحقّة
_ 299 _
بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجّل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات الله عليهم أجمعين )
(1).
7 ـ حديث سليمان بن جعفر الجعفري قال : سألت الرضا (عليه السلام) فقلت :
( تخلو الأرض من حجّة ؟
فقال : لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت
(2) بأهلها )
(3).
8 ـ إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا (عليه السلام) :
( نحن حجج الله في أرضه وخلفاؤه في عباده ، واُمناؤه على سرّه ، ونحن كلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته ، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا ، وبنا ينزّل الغيث ، وينشر الرحمة ، لا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر
(4) بأهله )
(5).
وكلامهم الشريف هذا إرشاد إلى نور العقل وإثارة لدفائن العقول ... وبتدبّر ذوي الألباب يدرك العقل صدق كلامهم ، ويصدق اللبّ حقيقة بيانهم ، ويستيقن بنعمة الإمامة وفيض الإمام .
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج23 ص19 ب1 ح14) .
(2) ساخت الأرض أي خسفت .
(3) بحار الأنوار : (ج23 ص29 ب1 ح43) .
(4) يقال : ماج البحر أي إضطرب موجه .
(5) بحار الأنوار : (ج23 ص35 ب1 ح59) .