إذا كان يوم القيامة وتحقّق الحشر في يوم الطامّة دُعي الناس للحساب ، فيتمّ وزن أعمالهم ويُبدأ بأمر حسابهم .
والميزان في اللغة مفسّر بما يُوزن به الأشياء وتُعرف به مقاديرها ليتوصّل به إلى الإنصاف والإنتصاف كما أفاده في مرآة الأنوار (1) .
ولا خلاف بين المسلمين في حقّانيّة الميزان كما اُفيد في حقّ اليقين (2) .
وإعتقاد الإمامية أنّه حقّ كما في إعتقادات الشيخ الصدوق (3) .
وقد دلّ الكتاب الكريم على الميزان في آيات عديدة منها :
قوله تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) (4) .
كما دلّت السنّة المتظافرة عليه في روايات كثيرة يستفاد من مجموعها وجود أصل الميزان وحقّانيته وإن اختلف في معناه وكيفيّته فلاحظ :
1 ـ ما روى هشام بن الحكم أنّه سأل الزنديق أبا عبدالله (عليه السلام) فقال :
( أو ليس توزن الأعمال ؟
قال : لا إنّ الأعمال ليست بأجسام ، وإنّما هي صفة ما عملوا ، وإنّما يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء ولا يعرف ثقلها وخفّتها ، وإنّ الله لا يخفى عليه شيء .
قال : فما معنى الميزان ؟ قال : العدل ، قال : فما معناه في كتابه : ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) (1) ؟ قال : فمن رجّح عمله ) (2) ، الخبر .
2 ـ ما كتب الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون :
( وتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والميزان والصراط ) (3) . الخبر .
3 ـ حديث هشام بن سالم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً )(4) ؟
قال :
( هم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ) (5) .
فالميزان أساساً حقّ يلزم الإعتقاد به ، وإن كان وقع الإختلاف في معناه وكيفيته كما تلاحظ بيانه في حقّ اليقين (6) .
لذلك أفاد العلاّمة المجلسي : ( فنحن نؤمن بالميزان ، ونردّ علمه إلى حملة
القرآن ولا نتكلّف علم ما لم يوضّح لنا بصريح البيان ، والله الموفّق وعليه التكلان ) (1) .
ولعلّ من الصحيح أن نقول في مقام الجمع بتعدّد الموازين : فكلّ ما يوزن به العمل ، ويُقدّر به الفعل ، ويُميّز به الحقّ عن الباطل والمقبول عن المردود ، ويكون محكّاً للعمل يكون ميزاناً ...
ومن الموازين نفس أمير المؤمنين (عليه السلام) كما تلاحظه في التسليم عليه بميزان الأعمال في زيارته المطلقة الرابعة المرويّة عن الإمام الباقر (عليه السلام) (2) .
بل جميع الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) موازين لأعمال العباد كما في بعض الأخبار (3) .
وكذلك الأنبياء وأوصياؤهم كما في حديث هشام بن سالم المتقدّم .
بل قد يكون نفس عمل كالصلاة ميزاناً من حيث كونها إن قُبلت قُبل ما سواها من الأعمال وإن رُدّت رُدّ ما سواها كما يستفاد ذلك من بعض الأحاديث الشريفة (4) .
الحساب هي المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها ، والموافقة للعبد على ما فرّط منه ، والتوبيخ له على سيّئاته ، والحمد له على حسناته ، ومعاملته في ذلك باستحقاقه ، كما أفاده الشيخ المفيد (1) .
وهو من عقائدنا الحقّة كما أفاده الشيخ الصدوق (2) .
وقد جاء بحقّانيّته وثبوته دليل الكتاب والسنّة القطعيّة :
فمن الكتاب آيات كثيرة منها :
1 ـ قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ )(3) .
2 ـ قوله تعالى : ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ )(4) .
3 ـ قوله تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ )(1) .
ومن السنّة الشريفة :
الأحاديث المتواترة الواردة في البحار بما يبلغ إحدى وخمسين حديثاً منها :
1 ـ حديث رقيّة بنت إسحاق بن الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيها ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ وشبابه فيما أبلاه ؟ وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه ؟ وعن حبّنا أهل البيت ) (2) .
2 ـ حديث عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
( إذا كان يوم القيامة وكّلنا الله بحساب شيعتنا ، فما كان لله سألنا الله أن يهبه لنا فهو لهم ، وما كان لنا فهو لهم ، ثمّ قرأ أبو عبدالله (عليه السلام) : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ )(3) ) (4) .
3 ـ حديث أبي شعيب الحدّاد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( أنا أوّل قادم على الله ، ثمّ يقدم عليَّ كتاب الله ثمّ يقدم عليَّ أهل بيتي ،
ثمّ يقدم عليَّ اُمّتي ، فيقفون فيسألهم : ما فعلتم في كتابي وأهل بيت نبيّكم ؟ ) (1) .
4 ـ حديث الحسن بن هارون ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا )(2) .
قال :
( يُسأل السمع عمّا يسمع ، والبصر عمّا يطرف ، والفؤاد عمّا عقد عليه ) (3) .
5 ـ حديث ابن يزيد رفعه ، عن أحدهما [ أي الإمام الباقر والإمام الصادق ] (عليهما السلام) قال :
( يؤتى يوم القيامة بصاحب الدَّين يشكو الوحشة ، فإن كانت له حسنات اُخذ منه لصاحب الدَّين ، وقال : وإن لم تكن له حسنات اُلقي عليه من سيّئات صاحب الدَّين ) (4) .
رزقنا الله الخلاص من أهوال الحساب ببركة النبي والأئمّة الأطياب من حيث ولايتهم ومحبّتهم وزيارتهم وتلاوة وحيهم ، وبمثوبة قضاء حوائج المؤمنين كما ورد .
وتلاحظ أحاديث الخصال التي توجب التخلّص من شدائد القيامة وأهوالها المذكورة منها ما يلي بيانه :
1 ـ حديث أيّوب بن نوح قال : سمعت أبا جعفر [ الجواد ] (عليه السلام) يقول :
( من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى يفرغ الله تعالى من حساب عباده ) (1) .
2 ـ حديث سليمان بن حفص المروزي ، عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال :
( إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله جلّ جلاله أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأوّلون فنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وأمّا الأربعة الآخرون فمحمّد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، ثمّ يمدّ المطمر (2) فيقعد معنا زوّار قبور الأئمّة ، ألا إنّ أعلاها درجة وأقربهم حبوة زوّار ولدي علي ) (3) .
3 ـ حديث الشيخ الصدوق ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
( من قرأ سورة الأعراف في كلّ شهر كان يوم القيامة من الآمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فإن قرأها في كلّ جمعة كان ممّن لا يحاسب يوم القيامة ، أما إنّ فيها محكماً فلا تَدَعوا قراءتها فإنّها تشهد يوم القيامة لمن قرأها ) (4) .
4 ـ عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) :
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص291 و292 ب15 ح3) .
(2) المِطمَر : هو الخيط الذي يقدّر به البناء ويُعرف به إستقامته .
(3) بحار الأنوار : (ج7 ص292 ب15 ح4) .
(4) بحار الأنوار : (ج7 ص293 ب15 ح6) .
العقائد الحقّة _ 460 _
( من قرأ سورة هود في كلّ جمعة بعثه الله يوم القيامة في زمرة النبيّين ، ولم تعرف له خطيئة عملها يوم القيامة ) (1) .
بالإضافة إلى أنّ أعمال العباد برمّتها ورُمّتهم محفوظة عند الله تعالى الذي لا يغيب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، وكفى بالله شهيداً ...
ومضافاً إلى أنّ جميع الأفعال مشهودة منظورة قامت عليها شهادة العدل المعصوم كما قال عزّ إسمه : ( لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (1) .
ومضافاً إلى رقابة الملائكة الموكّلين كما قال تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْل إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (2) .
فضلا عن هذا توفّى جميع أعمال وأقوال ونوايا الخلق ضمن أسناد موثوقة لا يتطرّق إليها خلل ولا زلل .
فتوفّى الأعمال بإحدى الطرق التالية : 1 ـ تطاير الكتب :
قال عزّ إسمه : ( وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
---------------------------
(1) سورة الحجّ : (الآية 78) .
(2) سورة ق : (الآية 18) .
العقائد الحقّة _ 462 _
كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً )(1) . 2 ـ إعطاء الصحف :
قال عزّ شأنه : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً ) (2) . 3 ـ إنطاق الجوارح :
قال جلّ وعلا : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (3) .
فالكتاب العزيز صريح في بيان موافاة الأعمال ، كما وأنّ السنّة الشريفة أيضاً ناطقة بذلك في أحاديث متعدّدة تلاحظها في بحار الأنوار وقد ذكر في بابه إثنين وعشرين حديثاً ، منها ما يلي :
1 ـ رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله : ( وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) (4) يقول :
( خيره وشرّه معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتّى يعطى كتابه يوم
---------------------------
(1) سورة الإسراء : (الآيتان 13 و14) .
(2) سورة الإنشقاق : (الآيات 7 ـ 12) .
(3) سورة يس : (الآية 65) .
(4) سورة الإسراء : (الآية 13) .
العقائد الحقّة _ 463 _
القيامة بما عمل ) (1) .
2 ـ حديث القمّي في تفسير آية : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (2) قال إنّها نزلت في قوم يعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون : ما عملنا منها شيئاً ، فيشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم ، قال الإمام الصادق (عليه السلام) :
( فيقولون لله : يا ربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ، ثمّ يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئاً ، وهو قول الله : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) (3) وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين ، فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع ممّا حرّم الله ، ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرّم الله ، وتشهد اليدان بما أخذتا ، وتشهد الرجلان بما سعَتا ممّا حرّم الله ، وتشهد الفرج بما ارتكبت ممّا حرّم الله ، ثمّ أنطق الله ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم : ( لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ) فيقولون : ( أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) (4) أي من الله ( أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ ) والجلود والفروج ( وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (5) ) (6) .
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص312 ب16 ح1) .
(2) سورة فصلت : (الآية 20) .
(3) سورة المجادلة : (الآية 18) .
(4) سورة فصلت : (الآيتان 21 و22) .
(5) سورة فصلت : (الآية 22) .
(6) بحار الأنوار : (ج7 ص312 ـ 313 ب16 ح4) .
العقائد الحقّة _ 464 _
3 ـ حديث أبي معمّر السعدي قال : قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) في صفة يوم القيامة :
( يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق فلا يتكلّم أحد إلاّ من أذن له الرحمن وقال صواباً ، فيقام الرُسل فيسأل فذلك قوله لمحمّد (صلى الله عليه وآله) : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً )(1) وهو الشهيد على الشهداء ، والشهداء هم الرسل (عليهم السلام) ) (2) .
4 ـ حديث خالد بن يحيى (نجيح ظ) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله : ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ ) (3) .
قال :
( يذكّر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتّى كأنّه فعله تلك الساعة ، فلذلك قوله : ( يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا )(4) ) (5) .
5 ـ حديث معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
( إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة ، فقلت : كيف يستر عليه ؟ قال : يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ، ويوحي إلى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه ، ويوحي إلى بقاع الأرض :
---------------------------
(1) سورة النساء : (الآية 41) .
(2) بحار الأنوار : (ج7 ص313 ب16 ح5) .
(3) سورة الإسراء : (الآية 14) .
(4) سورة الكهف : (الآية 49) .
(5) بحار الأنوار : (ج7 ص314 ـ 315 ب16 ح9) .
العقائد الحقّة _ 465 _
اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب ، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب ) (1) .
الوسيلة في أصل اللغة بمعنى ما يُتقرّب ويُتوصّل به إلى الشيء برغبة ، وهي أخصّ من الوصيلة ، لتضمّن الوسيلة معنى الرغبة كما يستفاد من المفردات (1).
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )(2) أي القربه إلى الله تعالى كما في المجمع (3) .
ورسول الله وأهل بيته سلام الله عليهم هم الوسيلة إلى الله والوُصلة إلى عفوه ، كما في المرآة (4) .
والوسيلة في الآخرة التي وعد الله تعالى بها نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، هو المقام المحمود ... أعلى درجة في الجنّة ، ونهاية غاية الاُمنيّة ، وذروة ذوائب الزلفة ، لها ألف مرقاة مُشرفة على الجنان كلّها ، ورسول الله قاعد يومئذ عليها وقد أشرق بنوره الموقف ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) في الدرجة الرفيعة عنده ، والأنبياء والرسل على المراقي ، كما في حديث المرآة (5) .
ففي ذلك اليوم الرهيب والمشهد العجيب يظهر من منزلة النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم ما يُبهر العقول ولا تدركه الأفكار من حيث كرامة الله لهم ، وتسليم لواء الحمد إليهم ، وبلوغ المقام المحمود منهم ، وإرتياد كوثرهم ، ونيل شفاعتهم وغيرها ...
قال في حقّ اليقين : ( وقد تواترت بذلك الأخبار من طرق العامّة والخاصّة بل كاد أن يكون من ضروريات الدين ، فالإيمان بذلك واجب ) (1) .
والدليل على ذلك قطعي :
أوّلا من الكتاب : مثل قوله تعالى : ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) (2) .
ومثل قوله تعالى : ( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الاُْولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) (3) .
ثانياً من السنّة :
كالأحاديث الكثيرة الواردة في بحار الأنوار بما يبلغ خمسة وثلاثين حديثاً منها ما يلي :
1 ـ حديث ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
( كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : إذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة ،
فسألنا النبي (صلى الله عليه وآله) عن الوسيلة ؟
فقال : هي درجتي في الجنّة ، وهي ألف مرقاة جوهر ، إلى مرقاة زبرجد ، إلى مرقاة لؤلؤة ، إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فيؤتى بها يوم القيامة حتّى تنصب مع درجة النبيّين ، فهي في درجة النبيّين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا شهيد ولا صدّيق إلاّ قال : طوبى لمن كانت هذه درجته ! فينادي المنادي ـ ويسمع النداء جميع النبيّين والصدّيقين والشهداء والمؤمنين ـ : هذه درجة محمّد (صلى الله عليه وآله) .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فأقبِلُ يومئذ مُتّزراً بريطة من نور (1) ، عليَّ تاج الملك وإكليل الكرامة وعلي بن أبي طالب أمامي وبيده لوائي وهو لواء الحمد ، مكتوب عليه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله المفلحون هم الفائزون بالله ، فإذا مررنا بالنبيّين قالوا : هذان ملكان لم نعرفهما ولم نرهما ، وإذا مررنا بالملائكة قالوا : هذان نبيّان مرسلان ; حتّى أعلوا الدرجة وعليٌّ يتبعني ، فإذا صرت في أعلى الدرجة منها وعليٌّ أسفل منّي بيده لوائي ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا مؤمن إلاّ رفعوا رؤوسهم إليّ يقولون : طوبى لهذين العبدين ! ما أكرمهما على الله !
فينادي المنادي ـ يسمع النبيّون وجميع الخلائق ـ : هذا حبيبي محمّد ، وهذا وليّي علي بن أبي طالب ، طوبى لمن أحبّه ! وويل لمن أبغضه وكذب عليه !
ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي ! فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد
---------------------------
(1) الرّيطة هي المُلاءة إذا كانت قطعة واحدة كما يستفاد من مجمع البحرين : (ص362) .
العقائد الحقّة _ 469 _
يحبّك إلاّ استروح إلى هذا الكلام ، وابيضّ وجهه ، وفرح قلبه ، ولا يبقى أحد ممّن عاداك ونصب لك حرباً أو جحد لك حقّاً إلاّ اسودّ وجهه ، واضطربت قدماه ، فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ ، أمّا أحدهما فرضوان خازن الجنّة ، وأمّا الآخر فمالك خازن النار .
فيدنو رضوان ويسلّم عليّ ويقول : السلام عليك يا رسول الله ! فأردّ عليه وأقول : أيّها الملك الطيّب الريح ، الحسن الوجه ، الكريم على ربّه ، من أنت ؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنّة ، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح الجنّة فخذها يا محمّد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ ، إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفعها إلى علي ويرجع رضوان .
ثمّ يدنو مالك خازن النار فيسلّم ويقول : السلام عليك ياحبيب الله ! فأقول له : وعليك السلام أيّها الملك ما أنكر رؤيتك وأقبح وجهك ! من أنت ؟ فيقول : أنا مالك خازن النار ، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح النار ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ وفضّلني به ، إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفعها إليه ، ثمّ يرجع مالك .
فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنّة ومقاليد النار حتّى يقعد على عجزة جهنّم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها ، واشتدّ حرّها ، وكثر تطاير شررها ، فينادي جهنّم : يا علي ! جُزني قد أطفأ نورك لهبي ، فيقول علي لها : ذري هذا وليّي ، وخذ هذا عدوّي ، فلَجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهب بها يمنة وإن
العقائد الحقّة _ 470 _
شاء يذهب بها يسرة ، ولجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي من جميع الخلائق ، وذلك أنّ علياً (عليه السلام) يومئذ قسيم الجنّة والنار ) (1) .
2 ـ حديث سماعة بن مهران قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) :
( إذا كان يوم القيامة وُضع منبر يراه جميع الخلائق ، فيصعد عليه رجل فيقوم عن يمينه ملك ، وعن يساره ملك ، ينادي الذي عن يمينه : يا معشر الخلائق ! هذا علي بن أبي طالب يُدخل الجنّة من يشاء ، وينادي الذي عن يساره : يا معشر الخلائق ! هذا علي بن أبي طالب يُدخل النار من يشاء ) (2) .
3 ـ حديث الحسين بن سعيد مسنداً عن الإمام جعفر الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) :
( إنّ الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به ، إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتّى أعلوا فوقه فيأتيني جبرئيل (عليه السلام) بلواء الحمد فيضعه في يدي ، ويقول : يا محمّد ! هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فأقول لعلي : إصعد ، فيكون أسفل منّي بدرجة ، فأضع لواء الحمد في يده .
ثمّ يأتي رضوان بمفاتيح الجنّة فيقول : يا محمّد ! هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حِجر علي بن أبي طالب .
ثمّ يأتي مالك ، خازن النار ، فيقول : يا محمّد ! هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، هذه مفاتيح النار أدخل عدوّك وعدوّ اُمّتك النار ، فآخذها وأضعها في حِجر علي بن أبي طالب ، فالنار والجنّة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهي قول الله تعالى : ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار عَنِيد ) (1) ألق يا محمّد يا علي عدوّكما في النار .
ثمّ أقوم واُثني على الله ثناءاً لم يثن عليه أحد قبلي ، ثمّ اُثني على الملائكة المقرّبين ، ثمّ اُثني على الأنبياء والمرسلين ، ثمّ اُثني على الاُمم الصالحين ، ثمّ أجلس فيثني الله عليّ ، ويثني عليّ أنبياؤه ورسله ، ويثني عليّ ملائكته ، ويثني عليّ الاُمم الصالحة .
ثمّ ينادي مناد من بطنان العرش : يا معشر الخلائق ! غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ بنت حبيب الله إلى قصرها فتمرّ فاطمة بنتي ، عليها ريطتان خضراوان ، وحولها سبعون ألف حوراء ، فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدَت الحسن قائماً والحسين قائماً مقطوع الرأس ، فتقول للحسن : من هذا ؟ يقول : هذا أخي ، إنّ اُمّة أبيك قتلوه وقطعوا رأسه ، فيأتيها النداء من عند الله : يابنت حبيب الله ! إنّي إنّما أريتك ما فعلت به اُمّة أبيك لأنّي ذخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه ، إنّي جعلت لتعزيتك بمصيبتك أنّي لا أنظر في محاسبة العباد حتّى تدخلي الجنّة أنت وذرّيتك وشيعتك ومن أولاكم معروفاً ممّن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد ، فتدخل فاطمة إبنتي الجنّة وذرّيتها وشيعتها ومن أولاها معروفاً ممّن ليس هو من
---------------------------
(1) سورة ق : (الآية 24) .
العقائد الحقّة _ 472 _
شيعتنا ، فهو قول الله تعالى في كتابه : ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ) (1) قال : هو يوم القيامة ( وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) (2) هي والله فاطمة وذرّيتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً ممّن ليس هو من شيعتها ) (3) .
4 ـ حديث ابن البطائني ، عن أبيه ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي على ناقة من نور ، وعلى رأسك تاج له أربعة أركان ، على كلّ ركن ثلاثة أسطر : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، علي مفتاح الجنّة ، ثمّ يوضع لك كرسي يعرف بكرسي الكرامة فتقعد عليه ، يجمع لك الأوّلون والآخرون في صعيد واحد ، فتأمر بشيعتك إلى الجنّة وبأعدائك إلى النار ، فأنت قسيم الجنّة وأنت قسيم النار .
لقد فاز من تولاّك وخاب وخسر من عاداك ، فأنت في ذلك اليوم أمين الله وحجّته الواضحة ) (4) .
5 ـ حديث ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( أتاني جبرئيل وهو فرح مستبشر ، فقلت : حبيبي جبرئيل ! ـ مع ما أنت فيه من الفرح ـ ما منزلة أخي وابن عمّي علي بن أبي طالب عند
ربّه ؟ فقال : والذي بعثك بالنبوّة واصطفاك بالرسالة ما هبطت في وقتي هذا إلاّ لهذا ، يا محمّد الله (العلي خل) الأعلى يقرأ عليكما السلام وقال : محمّد نبي رحمتي ، وعلي مقيم حجّتي ، لا اُعذّب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني .
قال : ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة ـ الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ـ وأنا على كرسي من كراسي الرضوان ، فوق منبر من منابر القدس ، فآخذه وأدفعه إلى علي بن أبي طالب .
فوثب عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ! وكيف يطيق علي حمل اللواء وقد ذكرت أنّه سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ؟!
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة يعطي الله عليّاً من القوّة مثل قوّة جبرئيل ، ومن النور مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال يوسف ، ومن الصوت ما يداني صوت داود ، ولولا أن يكون داود خطيباً لعلي في الجنان لاُعطي مثل صوته ، وإنّ عليّاً أوّل من يشرب من السلسبيل والزنجبيل ، لا تجوز لعلي قدم على الصراط إلاّ وثبتت له مكانها اُخرى ، وإنّ لعلي وشيعته من الله مكاناً يغبطه به الأوّلون والآخرون ) (1) .
6 ـ حديث أبان عن الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال :
( إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : أين خليفة الله في
أرضه ؟ فيقوم داود النبي (عليه السلام) ، فيأتي النداء من عند الله عزّ وجلّ : لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله تعالى خليفة ، ثمّ ينادي ثانية : أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
فيأتي النداء من قِبَل الله عزّ وجلّ : يا معشر الخلائق ! هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء بنوره وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنّات .
قال : فيقوم الناس الذين قد تعلّقوا بحبله في الدنيا فيتّبعونه إلى الجنّة . ثمّ يأتي النداء من عند الله جلّ جلاله :
ألا من ائتمّ بإمام في دار الدنيا فليتّبعه إلى حيث يذهب به ، فحينئذ ( تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الاَْسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ ) (1) ) (2) .
من مكارم النبي والوصي وأهل البيت (عليهم السلام) في يوم القيامة ، ومن مفاخر شيعتهم ومحبّيهم حوض الكوثر الذي يسقون منه أولياءهم ويُروون منه شيعتهم في يوم الظمأ الأكبر .
قال الشيخ الصدوق : ( إعتقادنا في الحوض أنّه حقّ ، وأنّ عرضه ما بين أيلة (1) وصنعاء (2) ، وهو حوض النبي (صلى الله عليه وآله) وأنّ فيه من الأباريق عدد نجوم السماء وأنّ الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، يَسقي منه أولياءه ، ويذود عنه أعداءه ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ) (3) .
وقد دلّ عليه الكتاب والسنّة :
أمّا الكتاب :
فقوله تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (4) .
---------------------------
(1) أيلة : بالفتح ، مدينة على ساحل بحر قلزم ممّا يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأوّل الشام كما في معجم البلدان : (ج1 ص292) .
(2) صنعاء : هي المدينة المعروفة في اليمن ، وصنعاء اُخرى قرية بالغوطة من دمشق كما في معجم البلدان : (ج3 ص426) .
(3) إعتقادات الصدوق : (ص65) .
(4) سورة الكوثر : (الآية 1).
العقائد الحقّة _ 476 _
ففي مجمع البيان (1) تفسيره بحوض النبي الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة ، وبمعنى نهر الجنّة ، وبمعنى كثرة النسل والذرّية التي ظهرت في نسله من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) حتّى لا يحصى عددهم واتّصل إلى يوم القيامة مددهم ... إلى سائر المعاني الثمانية التي تلاحظها في التفسير ، وقد كان منها المعنى المقصود بالبحث .
وأمّا السنّة :
فالأحاديث المتظافرة الثلاثة والثلاثون ، منها ما يلي :
1 ـ ما تقدّم من حديث أبي الورد قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) جاء فيه :
( إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين ... فيقوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيتقدّم أمام الناس كلّهم حتّى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة وصنعاء ، فيقف عليه ثمّ ينادي بصاحبكم ، فيقوم أمام الناس فيقف معه ثمّ ، يؤذن للناس فيمرّون .
ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون : يا محمّداه ! إذا رأوا ذلك ، قال : فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا ) (2) .
2 ـ حديث عبدالله بن عبّاس قال : لمّا نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ( إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) قال له علي بن أبي طالب : ما هو الكوثر يا رسول الله ؟
قال :
( نهر أكرمني الله به ، قال علي : إنّ هذا النهر شريف فانعته لنا يا رسول الله ! قال : نعم يا علي ! الكوثر نهر يجري تحت عرش الله تعالى ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللّبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وحصاه (حصباؤه خل) الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر (2) ، قواعده تحت عرش الله عزّ وجلّ .
ثمّ ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده في جنب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال : يا علي ! إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّيك من بعدي ) (3) .
3 ـ حديث الحسين بن خالد ، عن الإمام علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال :
( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ) (4) ... الخبر .
4 ـ حديث المفضّل ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( من أراد أن يتخلّص من هول القيامة فليتولّ وليّي ، وليتّبع وصيّي
---------------------------
(1) سورة الكوثر : (الآية 1).
(2) الأذفر : بمعنى الجيّد ، من ذفر المسك إذا اشتدّ طيبه .
(3) بحار الأنوار : (ج8 ص18 ب20 ح2) .
(4) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح4) .
العقائد الحقّة _ 478 _
وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب ، فإنّه صاحب حوضي ، يذود عنه أعداءه ، يسقي أولياءه ، فمن لم يُسق منه لم يزل عطشاناً ولم يرو أبداً ، ومن سقى منه شربة لم يشقّ ولم يظمأ أبداً ) (1) ... الخبر .
5 ـ حديث القمّي في التفسير ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع في مسجد الخيف :
( إنّي فرَطكم وأنتم واردون عليّ الحوض ، حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه قدحان من فضّة عدد النجوم ) (2) ... الخبر .
6 ـ ما في حديث الأربعمائة .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
( أنا مع رسول الله ومعي عترته على الحوض ، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل بعلمنا ، فإنّ لكلّ أهل بيت نجيب (نجيباً ـ خل) ولنا شفاعة ، ولأهل مودّتنا شفاعة ، فتنافسوا في لقائنا على الحوض فإنّا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحبّاءنا وأولياءنا ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، حوضنا متّرع (3) فيه مثعبان (مثقبان ـ خل) (4) ينصبّان من الجنّة ، أحدهما من تسنيم والآخر من مَعين ، على حافتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والياقوت ، وهو الكوثر ) (5) ... الخبر.
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح6) .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح7) .
(3) من الإتّراع بمعنى الإمتلاء .
(4) المثعب هو مسيل الماء ... وفي الخصال : شِعبان .
(5) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح9) .
العقائد الحقّة _ 479 _
وتلاحظ وصف الكوثر في حديث مسمع كردين مفصّلا (1) رزقنا الله تعالى الارتواء من ذلك الحوض المبارك ... الذي هو الملتقى لورود الكتاب والعترة على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في حديث الثقلين ، وهو المنهل العذب لورود الجنّة ونعيم الآخرة .
من المقامات الحميدة والدرجات المزيدة ، الزاهية في علوّ شأن النبي وآله الطاهرين يوم القيامة ، هي شفاعتهم إلى الله تعالى .
والشفاعة في اللغة ، هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم ، كما في المجمع (1) .
والشفاعة تنبئ عن كرامة أهل البيت (عليهم السلام) وتكريم الله لهم في ذلك اليوم بعد مجهوليّة حقّهم في الدنيا ، وقد أعطاهم الله المقام المحمود والعطاء المسعود ، كما عرفته في آيات الذكر الحكيم .
وتبتني الشفاعة على عفو الله تعالى وهو حَسَن ، إذ أنّ كلّ إحسان حَسَن ، والعقاب حقّه تعالى فجاز إسقاطه ، وقد قال الله تعالى : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ )(2) ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ )(3) .
كما أفاده به العلاّمة أعلى الله مقامه (4) .
---------------------------
(1) مجمع البحرين : (ص383) .
(2) سورة الرعد : (الآية 6) .
(3) سورة النساء : (الآية 48) .
(4) نهج المسترشدين : (ص82) .
العقائد الحقّة _ 481 _
والشفاعة من الحقائق الناصعة والأنوار الساطعة في الكتاب والسنّة ، فقد ثبتت بقطعي الكتاب وتواتر الأحاديث .
وهي من العقائد الحقّة والإعتقادات الصادقة النزيهة عن كلّ ريب والمتعالية عن كلّ عيب ، فلا يمكن إنكارها أو استبعادها .
قال الشيخ الصدوق : ( إعتقادنا في الشفاعة أنّها لمن ارتضى الله دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأمّا التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة ... والشفاعة لا تكون لأهل الشكّ والشرك ، ولا لأهل الكفر والجحود ، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد ) (1) .
وأفاد العلاّمة المجلسي : ( يلزم الإعتقاد بشفاعة النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين ، وهي مختصّة بالمؤمنين ) (2) .
وقال الشيخ الطبرسي : ( وهي ـ يعني الشفاعة ـ ثابتة عندنا للنبي ولأصحابه المنتجبين والأئمّة من أهل بيته الطاهرين ولصالح المؤمنين وينجّي الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ) (3) .
وقال السيّد الشبّر : ( لا خلاف بين المسلمين في ثبوت الشفاعة لسيّد المرسلين في اُمّته بل في سائر الاُمم الماضية ، بل ذلك من ضروريات الدين ) (4) .
وتعرف من عبارة السيّد أنّ الشفاعة ثابتة لا عند الخاصّة فحسب بل حتّى عند العامّة ... وهو كذلك .
فقد قال النووي في شرح صحيح مسلم : ( قال القاضي عياض : مذهب أهل السنّة جواز الشفاعة عقلا ، ووجوبها سمعاً بصريح الآيات ، وبخبر الصادق ، وقد جاءت الاثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف الصالح من بعدهم من أهل السنّة عليها ) (1) .
ثمّ إنّ الدليل على الشفاعة ثابت بالأدلّة العلميّة من الكتاب الكريم والسنّة المتواترة .
أمّا الكتاب فمثل :
1 ـ قوله تعالى : ( لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً ) (2) .
2 ـ قوله تعالى : ( يَوْمَئِذ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلا )(3) .
3 ـ قوله تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (4) .
... إلى غير ذلك من آي الكتاب الكريم .
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص62) .
(2) سورة مريم : (الآية 87) .
(3) سورة طه : (الآية 109) .
(4) سورة الأنبياء : (الآية 28) .
العقائد الحقّة _ 483 _
وأمّا السنّة :
الأحاديث المتظافرة المتواترة التي تفوق على مئة حديث قد وردت في المصادر المعتمدة وجمعت في بحار الأنوار في بابين ، أحدهما : باب الشفاعة من كتاب العدل والمعاد ، ويشتمل على ستّة وثمانين حديثاً ، وثانيهما : باب الصفح عن الشيعة وشفاعة أئمّتهم من كتاب الإيمان والكفر ، ويشتمل على سبعة وتسعين حديثاً .
فلاحظ من هذه الأحاديث المباركة التي تفيد العلم بثبوت الشفاعة للنبي وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ما يلي :
1 ـ حديث الحسين بن خالد ، عن الإمام الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي .
ثمّ قال (عليه السلام) : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل .
قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا (عليه السلام) : يا بن رسول الله ! فما معنى قول الله عزّ وجلّ : ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (1) ؟
قال : لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله دينه ) (2) .
2 ـ حديث سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
( سألته عن شفاعة النبي يوم القيامة ؟
قال : يلجم الناس يوم القيامة العرق (1) ، فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا (عند ربّه ـ خل) ، فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا عند ربّك ، فيقول : إنّ لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحاً فيردّهم إلى من يليه ، ويردّهم كلّ نبي إلى من يليه حتّى ينتهون إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء ـ فيعرضون أنفسهم عليهم ويسألونه فيقول : انطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنّة ويستقبل باب الرحمن ويخرّ ساجداً فيمكث ما شاء الله .
فيقول الله عزّ وجلّ : ارفع رأسك واشفع تُشفّع وسَل تُعطَ ، وذلك قوله : ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) (2) ) (3) .
3 ـ حديث القلانسي ، عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( إذا قمتُ المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من اُمّتي فيشفّعني الله فيهم ، والله لا تشفّعت فيمن آذى ذرّيتي ) (4) .
4 ـ حديث محمّد بن عمارة المتقدّم ، عن أبيه قال : قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) :
---------------------------
(1) قال في مجمع البحرين : (ص537) : ألجمهم العرق أي سال منهم إلى أن يصل إلى قرب أفواههم فكأنّما ألجمهم .
(2) سورة الإسراء : (الآية 79) .
(3) بحار الأنوار : (ج8 ص35 ـ 36 ب21 ح7) .
(4) بحار الأنوار : (ج8 ص37 ب21 ح12) .
العقائد الحقّة _ 485 _
( من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة ) (1) .
5 ـ حديث تفسير القمّي عند قوله تعالى : ( وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) (2) ، قال : لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتّى يأذن الله له إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإنّ الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة .
والشفاعة له وللأئمّة من ولده ، ثمّ بعد ذلك للأنبياء صلوات الله وعلى محمّد وآله وعليهم .
قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي العبّاس المكبّر قال : دخل مولى لامرأة علي بن الحسين صلوات الله عليهما على أبي جعفر (عليه السلام) يقال له : أبو أيمن ، فقال : يا أبا جعفر ! تغرّون الناس وتقولون : شفاعة محمّد ، شفاعة محمّد ! فغضب أبو جعفر (عليه السلام) حتّى تربّد وجهه (3) ، ثمّ قال :
( ويحك يا أبا أيمن ! أغرّك أن عفّ بطنك وفرجك ؟
أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ويلك ! فهل يشفع إلاّ لمن وجبت له النار ؟
ثمّ قال : ما أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو محتاج إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة .
ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الشفاعة في اُمّته ، ولنا شفاعة في شيعتنا ، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم .
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص37 ب21 ح13) .
(2) سورة سبأ : (الآية 23) .
(3) تربّد وجهه : أي تغيّر من الغضب .
العقائد الحقّة _ 486 _
ثمّ قال : وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه ، ويقول : يا ربّ ! حقّ خدمتي كان يقيني الحرّ والبرد ) (1) .
6 ـ حديث داود بن سليمان ، عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( إذا كان يوم القيامة وُلّينا حساب شيعتنا ، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ حكمنا فيها فأجابنا ، ومن كانت مظلمته بينه وفيما بين الناس استوهبناها فوهبت لنا ، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنّا أحقّ من عفا وصفح ) (2) .
7 ـ حديث علي بن أبي حمزة قال : قال رجل لأبي عبدالله (عليه السلام) :
( إنّ لنا جاراً من الخوارج يقول : إنّ محمّداً يوم القيامة همّه نفسه فكيف يشفع ؟
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : ما أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو يحتاج إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة ) (3) .
8 ـ حديث تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : ( وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً ) (4) .
( لا يدفع عنها عذاب قد استحقّته عند النزع ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا
شَفَاعَةٌ ) (1) يشفع لها بتأخير الموت عنها ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) (2) لا يقبل فداء مكانه يمات ويترك هو .
قال الصادق (عليه السلام) : وهذا يوم الموت ، فإنّ الشفاعة والفداء لا يغني فيه (عنه ـ خل) فأمّا في يوم القيامة فإنّا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كلّ جزاء ليكوننّ على الأعراف بين الجنّة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، والطيّبون من آلهم ، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصّراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذرّ وعمّار ونظرائهم في العصر الذي يليهم وفي كلّ عصر إلى يوم القيامة ، فينقضّون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البزاة والصقور صيدها فيزفّونهم إلى الجنّة زفّاً .
وإنّا لنبعث على آخرين (من ـ خل) محبّينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحبّ وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا .
وسيؤتى بالواحد من مقصّري شيعتنا في أعماله بعد أن صان (قد حاز ـ خل) الولاية والتقيّة وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين مئة وأكثر من ذلك إلى مئة ألف من النصّاب فيقال له : هؤلاء فداؤك من النار ، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنّة واُولئك النصّاب النار ، وذلك ما قال الله تعالى : ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يعني بالولاية ( لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ )(3) في الدنيا منقادين للإمامة ليجعل مخالفوهم من النار
---------------------------
(1 ـ 2) سورة البقرة : (الآية 48) .
(3) سورة الحجر : (الآية 2) .
العقائد الحقّة _ 488 _
فداؤهم ) (1) .
9 ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) يقول :
( لفاطمة وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كُتب بين عيني كلّ رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ بين عينيه محبّاً ، فتقول : إلهي وسيّدي ! سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد .
فيقول الله عزّ وجلّ : صدقت يا فاطمة ! إنّي سمّيتك فاطمة وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقّ وأنا لا اُخلف الميعاد ، وإنّما اُمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فاُشفّعك ليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك منّي ومكانتك عندي . فمن قرأت بين عينه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنّة ) (2) .
10 ـ حديث تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال :
( أما إنّ من شيعة علي (عليه السلام) لمن يأتي يوم القيامه وقد وضع له في كفّة سيّئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار السيّارة ، تقول الخلائق : هلك هذا العبد ، فلا يشكّون أنّه من الهالكين وفي عذاب الله من الخالدين ، فيأتيه النداء من قبل الله تعالى : ياأيّها العبد الجاني ! هذه الذنوب الموبقات فهل بإزائها حسنة تكافئها وتدخل الجنّة برحمة الله ، أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله ؟ يقول العبد : لا
أدري .
فيقول منادي ربّنا عزّ وجلّ : إنّ ربّي يقول : نادِ في عرصات القيامة : ألا إنّ فلان بن فلان من بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا قد رهن بسيّئاته كأمثال الجبال والبحار ولا حسنة بإزائها ، فأي أهل هذا المحشر كانت لي عنده يد أو عارفة (1) فليغثني بمجازاتي عنها ، فهذا أوان شدّة حاجتي إليها ، فينادي الرجل بذلك ، فأوّل من يجيبه علي بن أبي طالب : لبّيك لبّيك لبّيك أيّها الممتحن في محبّتي ، المظلوم بعداوتي .
ثمّ يأتي هو ومن معه عدد كثير وجمّ غفير وإن كانوا أقلّ عدداً من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات فيقول ذلك العدد : يا أمير المؤمنين ! نحن إخوانه المؤمنون ، كان بنا بارّاً ولنا مكرماً ، وفي معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعاً ، وقد نزلنا له عن جميع طاعاتنا وبذلناها له .
فيقول علي (عليه السلام) : فبماذا تدخلون جنّة ربّكم ؟ فيقولون : برحمة الله الواسعة التي لا يعدمها من والاك ووالى آلك يا أخا رسول الله !
فيأتي النداء من قبل الله تعالى : يا أخا رسول الله ! هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له فأنت ماذا تبذل له ؟ فإنّي أنا الحكم ، ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إيّاك ، وما بينه وبين عبادي من الظلامات فلابدّ من فصلي بينه وبينهم ، فيقول علي (عليه السلام) : يا ربّ ! أفعل ما تأمرني .
فيقول الله : يا علي ! اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله
---------------------------
(1) العارفة هو : المعروف .
العقائد الحقّة _ 490 _
فيضمن لهم علي (عليه السلام) ذلك ويقول لهم : اقترحوا عليَّ (1) ما شئتم اُعطكم عوضاً عن ظلاماتكم قبله ، فيقولون : يا أخا رسول الله ! تجعل لنا بإزاء ظلامتنا قبله ثواب نَفَس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فيقول علي (عليه السلام) : قد وهبت ذلك لكم .
فيقول الله عزّ وجلّ : فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي ، فداءً لصاحبه من ظلاماتكم ; ويظهر لهم ثواب نَفَس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها فيكون ذلك ما يرضي الله به خصماء اُولئك المؤمنين ، ثمّ يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على بال بشر ، يقولون : يا ربّنا ! هل بقي من جنانك شيء ؟ إذا كان هذا كلّه لنا فأين تحلّ سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين ؟ ويخيّل إليهم عند ذلك أنّ الجنّة بأسرها قد جعلت لهم .
فيأتي النداء من قبل الله تعالى : يا عبادي ! هذا ثواب نَفَس من أنفاس علي بن أبي طالب الذي إقترحتموه عليه ، قد جعله لكم فخذوه وانظروا ، فيصيرون هم وهذا المؤمن الذي عوّضه علي (عليه السلام) في تلك الجنان ، ثمّ يرون ما يضيفه الله عزّ وجلّ إلى ممالك علي (عليه السلام) في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه الموالي له ممّا شاء من الأضعاف التي لا يعرفها غيره .
ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أذلك خير نُزلا أم شجرة الزقّوم المعدّة لمخالفي أخي ووصيّي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ ) (2) .
---------------------------
(1) يقال : اقترح عليه كذا أي اشتهى أن يصنعه له .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص61 ب21 ح82) .
العقائد الحقّة _ 491 _
11 ـ حديث التميمي ، عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن الإمام الحسين بن علي (عليهم السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) :
( بشّر شيعتك أنّي الشفيع لهم يوم القيامه وقت لا تنفع فيه إلاّ شفاعتي ) (1) .
12 ـ حديث العلاء ، عن محمّد قال : سألت أبا جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : ( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً )(2) ؟
فقال (عليه السلام) :
( يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتّى يقام بموقف الحساب ، فيكون الله تعالى هو الذي يتولّى حسابه لا يُطلع على حسابه أحداً من الناس فيعرّفه ذنوبه ، حتّى إذا أقرّ بسيّئاته قال الله عزّ وجلّ للكتَبة : بدّلوها حسنات ، وأظهروها للناس ، فيقول الناس حينئذ : ما كان لهذا العبد سيّئة واحدة ، ثمّ يأمر الله به إلى الجنّة ، فهذا تأويل الآية ، فهي في المذنبين من شيعتنا خاصّة ) (3) .
13 ـ حديث مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
( والله لا يهلك هالك على حبّ علي إلاّ رآه في أحبّ المواطن إليه [ والله لا يهلك هالك على بغض علي إلاّ رآه في أبغض المواطن إليه ] ) (4) .
14 ـ حديث المنصوري عن عمّ أبيه ، عن أبي الحسن الثالث [ الإمام الهادي ] ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( يا علي ! إنّ الله عزّ وجلّ قد غفر لك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر ، فانّك الأنزع البطين : منزوع من الشرك بطين من العلم ) (1) .
15 ـ حديث صفوان الجمّال قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فقلت : جعلت فداك ! سمعتك تقول : شيعتنا في الجنّة ، وفيهم أقوام مذنبون ، يركبون الفواحش ، ويأكلون أموال الناس ، ويشربون الخمور ، ويتمتّعون في دنياهم .
فقال (عليه السلام) :
( هم في الجنّة ، اعلم أنّ المؤمن من شيعتنا لا يخرج من الدنيا حتّى يبتلى بدَين أو بسقم أو بفقر ، فإن عفي عن هذا كلّه شدّد الله عليه في النزع عند خروج روحه حتّى يخرج من الدنيا ولا ذنب عليه .
قلت : فداك أبي واُمّي فمن يردّ المظالم ؟
قال : الله عزّ وجلّ يجعل حساب الخلق إلى محمّد وعلي (عليهما السلام) فكلّ ما كان على شيعتنا حاسبناهم ممّا كان لنا من الحقّ في أموالهم ، وكلّ ما بينه وبين خالقه استوهبناه منه ، ولم نزل به حتّى ندخله الجنّة برحمة من الله ، وشفاعة من محمّد وعلي (عليهما السلام) ) (2) .
هذا كلّه مضافاً إلى أحاديث العامّة في الشفاعة ممّا أخرجها أئمّة المذاهب الأربعة وحفّاظها في الصحاح والمسانيد ممّا جمعها وجمعهم شيخنا العلاّمة الأميني في باب الحثّ على زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب الغدير (3) فلاحظ .