الفهرس العام

أوّلا : دليل الكتاب

ثانياً : دليل السنّة
ثالثاً : دليل العقل



  وقد صرّح القرآن الكريم بهذه الصفة الجليلة ، في آيات عديدة وهي ما يلي :
  1 ـ ( اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (1).
  2 ـ ( الم * اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (2).
  3 ـ ( وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ ) (3).
  4 ـ ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ ) (4).
  5 ـ ( هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (5).

ثانياً : دليل السنّة
  وقد تظافرت بذكر حياته الكريمة روايات كثيرة ، منها ما يلي :
  1 ـ حديث منصور الصيقل المتقدّم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
  ( إنّ الله علمٌ لا جهل فيه ، حياةٌ لا موت فيه ، نورٌ لا ظلمة فيه ) (6).
  2 ـ حديث يونس بن عبدالرحمن ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) :
  ( رُوينا أنّ الله علمٌ لا جهل فيه ، حياةٌ لا موت فيه ، نورٌ لا ظلمة فيه ؟

---------------------------
(1) سورة البقرة : (الآية 255) .
(2) سورة آل عمران : (الآيتان 1 و2) .
(3) سورة طه : (الآية 111) .
(4) سورة الفرقان : (الآية 58) .
(5) سورة غافر : (الآية 65) .
(6) توحيد الصدوق : (ص137 الباب10 ح11) .

العقائد الحقّة _ 126 _

  قال : كذلك هو ) (1).
  3 ـ حديث جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ـ الباقر ـ (عليه السلام) قال : سمعته يقول :
  ( إنّ الله نورٌ لا ظلمة فيه ، وعلمٌ لا جهل فيه ، وحياة لا موت فيه ) (2).
  4 ـ ما تقدّم من حديث هارون بن عبدالملك ، قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن التوحيد ؟
  فقال :
  ( ... والله نور لا ظلام فيه ، وحيّ لا موت له ، وعالم لا جهل فيه ، وصمد لا مدخل فيه ، ربّنا نوريّ الذات ، حيّ الذّات ، عالم الذّات ، صمديّ الذّات ) (3).
  5 ـ حديث جابر ، عن أبي جعفر ـ الباقر ـ (عليه السلام) ، قال :
  ( إنّ الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، نوراً لا ظلام فيه ، وصادقاً لا كذب فيه ، وعالماً لا جهل فيه ، وحيّاً لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً ) (4).
  6 ـ حديث عبدالأعلى ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال :
  ( إنّ الله ـ لا إله إلاّ هو ـ كان حيّاً بلا كيف ولا أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكاناً ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا يشبهه شيء يكوّن ، ولا كان خلوّاً من القدرة على الملك قبل

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص138 الباب10 ح12) .
(2) توحيد الصدوق : (ص138 الباب10 ح13) .
(3) توحيد الصدوق : (ص140 الباب11 ح4) .
(4) توحيد الصدوق : (ص141 الباب11 ح5) .

العقائد الحقّة _ 127 _

  إنشائه ، ولا يكون خلوّاً من القدرة بعد ذهابه .
  كان عزّ وجلّ إلهاً حيّاً بلا حياة حادثة ، ملكاً قبل أن ينشئ شيئاً ومالكاً بعد إنشائه ، وليس لله حدٌّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم للبقاء ، ولا يصعق لدعوة شيء ، ولخوفه تصعق الأشياء كلّها .
  وكان الله حيّاً بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أين موقوف ، ولا مكان ساكن بل حي لنفسه ، ومالك لم يزل له القدرة ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيّته وقدرته .
  كان أوّلا بلا كيف ، ويكون آخراً بلا أين ، وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر تبارك ربّ العالمين ) (1).
  7 ـ الحديث الذي تقدّم عن هشام بن سالم قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال لي :
  ( أتنعت الله ؟ فقلت : نعم ، قال : هات ، فقلت : هو السميع البصير ، قال : هذه صفة يشترك فيها المخلوقون ، قلت : فكيف تنعته ؟ فقال : هو نورٌ لا ظلمة فيه ، وحياة لا موت فيه ، وعلم لا جهل فيه ، وحقٌّ لا باطل فيه . فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد ) (2).

ثالثاً : دليل العقل
  ... وهو حاكم بأنّ الله تعالى حيٌّ قيّوم ، غير فان ولا ميّت .
  فإنّ العقل حينما يرى تجدّد الحوادث والموجودات في هذا الكون العظيم ،

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص141 الباب11 ح6) .
(2) توحيد الصدوق : (ص146 الباب11 ح14) .

العقائد الحقّة _ 128 _

  ويلاحظ انتظام السير والسير المنتظم في هذا العالم الكبير ، ويتأمّل في التغيّرات العارضة على هذا الرحب الوسيع ، من الإحياء والإماتة ، ونموّ النباتات والأشجار ، ونزول الثلوج والأمطار ، وحركات السحاب ودوران الأفلاك ، وتغيّرات الهواء وسير الشمس وحركة القمر في الفضاء ، وحدوث الليل والنهار ، وما يطرأ من المرض والشفاء ، وإستمرار الحيويّة والإحياء ...
  حينما يتدبّر العقل في هذه الاُمور ، يحكم بأنّ خالقها ومدبّرها حيّ يدبّر سيرها ويدير اُمورها ، إذ العقل جازم بأنّ الحيّ يديم حركة الأحياء ، وإلاّ ففاقد الحياة لا يعطيها ، والميّت الفاني لا يديمها .
  فهو حيّ قيّوم في الصفات ، قائم على جميع الموجودات وكلّ ذي وجود وذي حياة .
  حيٌّ أزلا وأبداً ، به قوام الأحياء ووجود الأشياء ، جلّ جلاله وعمّ نواله .
  أمّا الأزليّة في حياته ; فلأنّ هذه الصفة يلزم أن تكون ذاتيّة له وإلاّ لاحتاج إلى من يحييه ، وهو يستلزم التسلسل ، وهو باطل ، أو يستلزم التوقّف على إحياء نفسه بنفسه ، وهو باطل أيضاً .
  وأمّا السرمديّة في حياته ; فلأنّ الحياة الذاتية لا تنفكّ عن الذات ، فحيث كانت أزليّة فلابدّ وأن تكون سرمديّة أيضاً ، فهو الحيّ الأزليّ السرمديّ الأبديّ .
  3 ) أنّه تعالى قادر ، ليس يعجزه شيء ولا يعجز عن شيء ، وهو على كلّ شيء قدير ، فهو القادر القدير المقتدر
  ولتوضيح معناه نقدّم ما يلي :

العقائد الحقّة _ 129 _

  أفاد شيخ المحدّثين الصدوق : ( القدير والقاهر معناهما أنّ الأشياء لا تطيق الإمتناع منه وممّا يريد الإنفاذ فيها ...
  والقدرة مصدر قولك : قدر قدرة أي ملك ، فهو قدير قادرٌ مقتدرٌ ، وقدرته على ما لم يوجد وإقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له ... قال عزّ ذكره ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (1) ويوم الدين لم يوجد بعدُ ... ) (2).
  وأفاد الشيخ الكفعمي : ( القادر هو الموجد للشيء إختياراً من غير عجز ولا فتور ...
  والقدير الذي قدرته لا تتناهى فهو أبلغ من القادر ولهذا لا يوصف به غير الله تعالى ... والقدرة هي التمكّن من إيجاد الشيء ...
  والمقتدر هو التامّ القدرة الذي لا يمنعه شيء عن مراده ... وقال الشهيد (رحمه الله) : المقتدر أبلغ من القادر لإقتضائه الإطلاق ، ولا يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى . وقيل : قدرة الإنسان هيئة يتمكّن بها من الفعل ، وقدرة الله عبارة عن نفي العجز عنه ، والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك ) (3).
  وأفاد الشيخ الطبرسي في معنى القدير : ( هو مبالغة القادر ، وقيل قوله سبحانه : ( إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (4) عامٌ ، فهو قادر على الأشياء كلّها على ثلاثة أوجه : على المعدومات بأن يوجدها ، وعلى الموجودات بأن يفنيها ، وعلى

---------------------------
(1) سورة الفاتحة : (الآية 3) .
(2) التوحيد : (ص198) .
(3) المصباح : (ص330) .
(4) سورة البقرة : (الآية 20) ، وغيرها .

العقائد الحقّة _ 130 _

  مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه ) (1).
  وأفاد العلاّمة الكازراني : ( القدرة بمعنى التمكّن من الفعل ضدّ العجز ) (2).
  وأفاد الشيخ الطريحي : ( قدرت على الشيء من باب ضَرَبَ : قويت عليه وتمكّنت منه ، والإسم القدرة ، والفاعل قدير وقادر ... والإقتدار أبلغ وأعمّ .
  والقادر والمقتدر إذا وصف الله بهما ، فالمراد نفي العجز عنه فيما يشاء ويريد ... ومحال أن يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى وإن أطلق عليه لفظاً ... والقدرة عبارة عمّا قضاه الله وحكم به من الاُمور ) (3).
  وذكر الراغب : ( إنّ القدير هو الفاعل لما يشاء بما تقتضيه الحكمة لا زائداً عليه ولا ناقصاً عنه ، ولذلك لا يصحّ أن يوصف به إلاّ الله تعالى كما قال تعالى : ( يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (4) ) .
  والمقتدر يقاربه نحو : ( عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر ) (5) لكن قد يوصف به البشر ، وإذا إستعمل في الله تعالى فمعناه معنى القدير ، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلّف والمكتسب للقدرة .
  والمستفاد من ذلك إنّ الله تبارك وتعالى له القدرة المطلقة النافذة في جميع الأشياء لا يعجز عن شيء ولا يعجزه شيء وهو قادر على كلّ شيء ) (6).
  وهذا ثابت بالبراهين الحقّة من الكتاب والسنّة والعقل بالبيان التالي :

---------------------------
(1) مجمع البيان : (ج1 ص59) .
(2) مرآة الأنوار : (ص180) .
(3) مجمع البحرين : (ص295 مادّة ـ قدر ـ ) .
(4) سورة النور : (الآية 45) .
(5) سورة القمر : (الآية 55) .
(6) المفردات : (ص394) .

العقائد الحقّة _ 131 _

  الأوّل : دليل الكتاب :
  وقد صرّح القرآن الكريم بقدرة الله البالغة في ما يزيد على خمسين آية نظير ما يلي :
  1 ـ قوله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (1).
  2 ـ قوله تعالى : ( وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء مُقْتَدِراً ) (2).
  3 ـ قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) (3).
  4 ـ قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ) (4).
  5 ـ قوله تعالى : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (5).

  الثاني : دليل السنّة :
  وقد دلّت الأحاديث المتواترة ، وصرّحت الروايات المتظافرة بقدرته العظيمة ، واقتداره الكبير في مثل الأحاديث التالية :
  1 ـ حديث محمّد بن أبي إسحاق الخفّاف ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا

---------------------------
(1) سورة البقرة : (الآية 20) .
(2) سورة الكهف : (الآية 45) .
(3) سورة الإسراء : (الآية 99) .
(4) سورة فاطر : (الآية 44) .
(5) سورة النحل : (الآية 40) .

العقائد الحقّة _ 132 _

  أنّ عبدالله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له : ألك ربّ ؟ فقال : بلى ، قال : قادر ؟ قال : نعم ، قادر قاهر ، قال : يقدر أن يدخل الدنيا كلّها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدنيا ؟ فقال هشام : النَظِرة ، فقال له : قد أنظرتك حولا ، ثمّ خرج عنه .
  فركب هشام إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فاستأذن عليه فأذن له فقال : يا بن رسول الله ! أتاني عبدالله الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إلاّ على الله وعليك ، فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) : عمّاذا سألك ؟ فقال : قال لي كيت وكيت ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) :
  ( يا هشام ! كم حواسك ؟
  قال : خمس .
  فقال : أيّها أصغر ؟
  فقال : الناظر .
  فقال : وكم قدر الناظر ؟
  قال : مثل العدسة أو أقلّ منها .
  فقال : يا هشام ! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى .
  فقال : أرى سماءً وأرضاً ودوراً وقصوراً وتراباً وجبالا وأنهاراً .
  فقال له أبو عبدالله : إنّ الذي قدر أن يدخل الذي ترى العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة .
  فانكبّ هشام عليه وقبّل يديه ورأسه ورجليه ، وقال : حسبي يا بن رسول الله ، فانصرف إلى منزله .
  وغدا إليه الديصاني فقال : يا هشام ! إنّي جئتك مسلّماً ولم أجئك

العقائد الحقّة _ 133 _

  متقاضياً للجواب .
  فقال له هشام : إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب فخرج عنه الديصاني ; فأُخبر أنّ هشاماً دخل على أبي عبدالله (عليه السلام) فعلّمه الجواب فمضى عبدالله الديصاني حتّى أتى باب أبي عبدالله (عليه السلام) فاستأذن عليه فاُذن له فلمّا قعد قال له : يا جعفر بن محمّد ! دلّني على معبودي ... ) (1).
  2 ـ حديث أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، قال : مرّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) بقبر من قبور أهل بيته فوضع يده عليه ، ثمّ قال :
  ( إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك وقدّروك والتقدير على غير ما به وصفوك ، وإنّي بريء يا إلهي ! من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شيء ، إلهي ، ولن يدركوك ، وظاهر ما بهم من نعمتك دليلهم عليك لو عرفوك ، وفي خلقك يا إلهي ! مندوحة أن يتناولوك بل سوّوك بخلقك ، فمن ثَمَّ لم يعرفوك ، واتّخذوا بعض آياتك ربّاً فبذلك وصفوك ، تعاليت ربّي ! عمّا به المشبّهون نعتوك ) (2).
  3 ـ حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : جاء قوم من وراء النهر إلى أبي الحسن [ الرضا ] (عليه السلام) فقالوا له : جئناك نسألك عن ثلاث مسائل ، فإن أجبتنا فيها علمنا أنّك عالم ، فقال : سلوا ، فقالوا : أخبرنا عن الله أين كان ، وكيف كان ، وعلى أي شيء كان اعتماده ؟
  فقال :

---------------------------
(1) إلى آخر الحديث الذي تقدّم تمامه في الحديث الرابع من أدلّة السنّة على وجود الله تعالى .
(2) توحيد الصدوق : (ص124 الباب9 ح2) .

العقائد الحقّة _ 134 _

  ( إنّ الله عزّ وجلّ كيّف الكيف فهو بلا كيف ، وأيّن الأين فهو بلا أين ، وكان إعتماده على قدرته .
  فقالوا : نشهد أنّك عالم ) (1).
  4 ـ حديث أحمد بن محسن الميثمي ، قال : كنت عند أبي منصور المتطبّب ، فقال : أخبرني رجل من أصحابي قال : كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبدالله بن المقفّع في المسجد الحرام ، فقال ابن المقفّع : ترون هذا الخلق ؟ ـ وأومأ بيده إلى موضع الطواف ـ ما منهم أحدٌ أوجب له اسم الإنسانية إلاّ ذلك الشيخ الجالس ـ يعني جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ـ فأمّا الباقون فرعاع وبهائم .
  فقال له ابن أبي العوجاء : كيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء ؟
  قال : لأنّي رأيت عنده ما لم أر عندهم .
  فقال ابن أبي العوجاء : ما بدّ من اختبار ما قلت فيه منه .
  فقال له ابن المقفّع : لا تفعل ، فإنّي أخاف أن يفسد عليك ما في يدك .
  فقال : ليس ذا رأيك ، ولكنّك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إيّاه المحلّ الذي وصفت .
  فقال ابن المقفّع : أمّا إذا توهّمت عليّ هذا فقم إليه ، وتحفّظ ما استطعت من الزلل ، ولا تثن عنانك إلى استرسال يسلمك إلى عقال (2) ، وسمه مالك أو عليك (3) قال : فقام ابن أبي العوجاء ، وبقيت أنا وابن المقفّع ، فرجع إلينا ، فقال :

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص125 الباب 9 ح3) .
(2) أي لا ترخ عنانك إلى قبول ما يلقى عليك حتّى يعقلك في مقام الجدال بما قبلت منه .
(3) أي اعلم كلامك وميّز ما فيه نفعك أو ضررك حقّ التمييز حتّى تتكلّم بما فيه نفعك وتسكت عمّا فيه ضررك حتّى لا يخصمك .

العقائد الحقّة _ 135 _

  ( يا بن المقفّع ! ما هذا ببشر ، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد إذا شاء ظاهراً ويتروّح إذا شاء باطناً فهو هذا .
  فقال له : وكيف ذاك ؟
  فقال : جلست إليه ، فلمّا لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال : إن يكون الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون ـ يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم ، وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم أنتم وهم .
  فقلت له : يرحمك الله وأيُّ شيء نقول وأيّ شيء يقولون ؟ ما قولي وقولهم إلاّ واحد ؟
  قال : فكيف يكون قولك وقولهم واحداً وهم يقولون : إنّ لهم معاداً وثواباً وعقاباً ويدينون بأنّ للسماء إلهاً وأنّها عمران وأنتم تزعمون أنّ السماء خراب ليس فيها أحد .
  قال : فاغتنمتها منه ، فقلت له : ما منعه إن كان الأمر كما تقول أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم إثنان ولِمَ احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ؟! ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به .
  فقال لي : ويلك ! وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوّتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوّتك ، وسقمك بعد صحّتك ، وصحّتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد حزنك ، وحبّك بعد بغضك ، وبغضك بعد حبّك ، وعزمك بعد إبائك ،

العقائد الحقّة _ 136 _

  وإبائك بعد عزمك ، وشهوتك بعد كراهتك ، وكراهتك بعد شهوتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورهبتك بعد رغبتك ، ورجاءك بعد يأسك ، ويأسك بعد رجائك ، وخاطرك بما لم يكن في وهمك ، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك ... وما زال يعدّ عليَّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتّى ظننت أنّه سيظهر فيما بيني وبينه ) (1).
  5 ـ حديث محمّد بن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
  ( إنَّ إبليس قال لعيسى بن مريم (عليه السلام) : أيقدر ربّك على أن يدخل الأرض في بيضة لا يصغّر ولا يكبّر البيضة ؟
  فقال عيسى (عليه السلام) : ويلك ! إنَّ الله لا يوصف بعجز ، ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة ) (2).
  6 ـ حديث الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ( إنّ الله عزّ وجلّ لا يوصف .
  قال : وقال زرارة : قال أبو جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ لا يوصف [ بعجز ] وكيف يوصف وقد قال في كتابه : ( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (3) ؟! فلا يوصف بقدرة إلاّ كان أعظم من ذلك ) (4).
  7 ـ حديث الحسين بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ( قال أبي (عليه السلام) : إنّ محمّد بن علي بن الحنفية كان رجلا رابط الجأش

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص125 الباب 9 ح4) .
(2) توحيد الصدوق : (ص127 الباب 9 ح5) .
(3) سورة الأنعام : (الآية 91) ، وسورة الزمر : (الآية 67) .
(4) توحيد الصدوق : (ص127 الباب 9 ح6) .

العقائد الحقّة _ 137 _

  ـ وأشار بيده ـ وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجّاج ، فقال : قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك .
  قال له محمّد : كلاّ ! إنّ الله تبارك اسمه في خلقه كلّ يوم ثلاث مئة لحظة أو لمحة ، فلعلّ إحداهنّ تكفّك عنّي ) (1).
  8 ـ حديث محمّد بن عرفة ، قال : قلت للرضا (عليه السلام) : خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة ؟
  فقال : ( لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنّك إذا قلت : خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئاً غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء ، وهذا شرك ، وإذا قلت : خلق الأشياء بقدرة فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة ، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره ) (2).
  9 ـ حديث علي بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) ، فقال المأمون : يا بن رسول الله ! أليس من قولك إنّ الأنبياء معصومون ؟
  قال : بلى ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فأخبرني عن قول إبراهيم : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (3) ؟

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص128 الباب 9 ح7) .
(2) توحيد الصدوق : (ص130 الباب 9 ح12) .
(3) سورة البقرة : (الآية 260) .

العقائد الحقّة _ 138 _

  قال الرضا (عليه السلام) :
  ( إنّ الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم (عليه السلام) أنّي متّخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم (عليه السلام) أنّه ذلك الخليل ، فقال : ربّ أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أو لم تؤمن ؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلّة ، قال : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (1) فأخذ إبراهيم (عليه السلام) نسراً وبطّاً وطاووساً وديكاً فقطعهنّ قطعاً صغاراً ، ثمّ جعل على كلّ جبل من الجبال التي كانت حوله ـ وكانت عشرة ـ منهنّ جزءاً ، وجعل مناقيرهنّ بين أصابعه .
  ثمّ دعاهنّ بأسمائهنّ ، ووضع عنده حبّاً وماءاً ، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتّى استوت الأبدان ، وجاء كلّ بدن حتّى انضمّ إلى رقبته ورأسه ، فخلّى إبراهيم عن مناقيرهنّ فطرن ، ثمّ وقفن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحبّ ، وقلن : يا نبي الله ! أحييتنا أحياك الله . فقال إبراهيم (عليه السلام) : بل الله يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير .
  قال المأمون : بارك الله فيك يا أبا الحسن ! ... ) (2).
  والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة .
  10 ـ حديث مثنّى الحنّاط عن أبي جعفر ـ أظنّه محمّد بن نعمان ـ قال :

---------------------------
(1) نفس الآية .
(2) توحيد الصدوق : (ص132 الباب9 ح14) .

العقائد الحقّة _ 139 _

  سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الاَْرْضِ ) (1) ?
  قال : ( كذلك هو في كلّ مكان ، قلت : بذاته ?
  قال : ويحك ! إنّ الأماكن أقدار فإذا قلت : في مكان بذاته لزمك أن تقول : في أقدار وغير ذلك ، ولكن هو بائن من خلقه ، محيط بما خلق علماً وقدرة وإحاطة وسلطاناً وملكاً ، وليس علمه بما في الأرض بأقلّ ممّا في السماء ، لا يبعد منه شيء ، والأشياء له سواء علماً وقدرة وسلطاناً وملكاً وإحاطة ) (2).
  11 ـ حديث هشام بن الحكم ، قال : قال أبو شاكر الديصاني : إنّ في القرآن آية هي قوّة لنا .
  قلت : وما هي ؟
  فقال : ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الاَْرْضِ إِلَهٌ ) (3) فلم أدر بما اُجيبه ، فحججت فخبّرت أبا عبدالله (عليه السلام) فقال : ( هذا كلام زنديق خبيث ، إذا رجعت إليه فقل له : ما اسمك بالكوفة ؟ فإنّه يقول فلان .
  فقل : ما اسمك بالبصرة ؟
  فإنّه يقول فلان .

---------------------------
(1) سورة الأنعام : (الآية 3) .
(2) توحيد الصدوق : (ص132 الباب 9 ح15) .
(3) سورة الزخرف : الآية 84 .

العقائد الحقّة _ 140 _

  فقل : كذلك الله ربّنا في السماء إله وفي الأرض إله وفي البحار إله وفي كلّ مكان إله .
  قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته .
  فقال : هذه نقلت من الحجاز ) (1).
  12 ـ حديث مقاتل بن سليمان قال : قال أبو عبدالله الصادق (عليه السلام) : ( لمّا صعد موسى (عليه السلام) إلى الطور فنادى [ يناجي ] ربّه عزّ وجلّ قال : يا ربّ ! أرني خزائنك .
  فقال : يا موسى ! إنّما خزائني إذا أردت شيئاً أن أقول له : كن فيكون ) (2).
  13 ـ حديث سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول لأبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني :
  ( يا أبا الطفيل ! العلم علمان : علم لا يسع الناس إلاّ النظر فيه وهو صبغة الإسلام ، وعلم يسع الناس ترك النظر فيه وهو قدرة الله عزّ وجلّ ) (3).

  الثالث : دليل العقل :
  فهو يحكم جزماً ، بل الوجدان أيضاً يحكم بداهةً بقدرة الله تعالى وعدم عجزه إطلاقاً ... وذلك بملاحظة الوجوه العقلية الثلاثة التالية :

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص133 الباب 9 ح16) .
(2) توحيد الصدوق : (ص133 الباب 9 ح17) .
(3) بحار الأنوار : (ج4 ص136 الباب 4 ح2) .

العقائد الحقّة _ 141 _

  1 ـ إنّ العجز نقص لا يليق بالذات الكاملة ، ولا يكون الكامل الواجب ناقصاً ، فإنّ واجب الوجود مستجمع لجميع الصفات الكماليّة ، ومنزّه عن النقائص والصفات الجلاليّة وإلاّ لزم الخُلف وهو محال ، فلابدّ وأن يكون قادراً غير عاجز .
  2 ـ إنّ صدور الأفاعيل العجيبة منه ، ووجود التدبيرات الحكيمة في خليقته تدلّ على قدرته وإقتداره .
  ولا يمكن أن يكون صاحبها عاجزاً بل يكشف عن أنّه عليم حكيم قادر .
  وقد شعّ نور هذا البرهان الواضح من أمير البيان علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كلامه الشريف الوارد في غرر الحكم : ( عجبتُ لمن شكّ في قدرة الله وهو يرى خلقه ) (1).
  3 ـ إستحالة الصانعيّة والخالقيّة بدون القدرة المطلقة .
  أفاد هذا الدليل الشيخ الصدوق بما نصّه :
  ( من الدليل على أنّ الله عزّ وجلّ قادر : أنّ العالم لمّا ثبت أنّه صُنع الصانع ، ولم نجد أن يصنع الشيء من ليس بقادر عليه بدلالة أنّ المُقعَد لا يقع منه المشي والعاجز لا يتأتّى له الفعل صحّ أنّ الذي صنعه قادر ، ولو جاز غير ذلك لجاز منّا الطيران مع فقد ما يكون به من الآلة ، ولصحّ لنا الإدراك وإن عدمنا الحاسّة ، فلمّا كان إجازة هذا خروجاً عن المعقول كان الأوّل مثله ) (2).
  فالله تبارك وتعالى قادر على كلّ شيء ومتمكّن من كلّ أمر ... علماً بأنّ قدرته المتعالية جارية مع حكمته وعدله ، فلا يفعل القبيح ولا يصدر منه الشرّ ، بل فعله الخير وعادته الإحسان وهو قادر على كلّ شيء .

---------------------------
(1) غرر الحكم ودرر الكَلِم : (ص493) .
(2) التوحيد : (ص134) .

العقائد الحقّة _ 142 _

  وبذلك يظهر بطلان قول المعتزلة ، بأنّ الله لا يقدر على القبيح والشرّ ، بدعوى إستلزامه الظلم .
  وجه البطلان أنّ القدرة على القبيح ليست بظلم ، وإنّما يكون فعل القبيح ظلماً ; والله سبحانه وتعالى قادر على ذلك لكنّه منزّه عنه ، دليله قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (1).
  مع التعبير بكلمة ( أنّ ) التحقيقية ، والقدرة التي هي مطلقة ، فتكون لا متناهية ، مع أداة ( كل ) التعميمية ، بالإضافة إلى كلمة ( شيء ) المفيد لأتمّ العموم ، حيث يستفاد من ذلك قدرته على جميع الأشياء بلا إستثناء ، لكنّه تعالى لا يظلم أبداً لقوله تعالى : ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ ) (2).
  والمعتزلة بقولهم هذا ، فرّوا من الظلم ووقعوا في العجز .
  ويظهر أيضاً ممّا قدّمنا بطلان قول الأشاعرة في نسبة الشرّ إلى الله تعالى ووقوعه منه ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .
  وجه البطلان أنّ إيقاع الشرّ ظلم وهو مناف للحكمة والكمالية .
  وأفعال الله جلّ جلاله خيرٌ لخلقه ، وقد خلقهم لرحمته ، ولا يريد الشرّ لعباده ، ومن فعله من عباده فقد فعله باختياره وسوء عمله .
  دليله قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (3) مع الأحاديث الواردة في تفسير العبادة بالمعرفة والرحمة (4).

---------------------------
(1) سورة البقرة : (الآية 20) .
(2) سورة فصلت : (الآية 46) .
(3) سورة الذاريات : (الآية 56) .
(4) البرهان : (ج2 ص1051) .

العقائد الحقّة _ 143 _

  فلاحظ تفسيرها وتأمّل في غائيّة العبادة والمعرفة والرحمة للخِلقة .
  والأشاعرة فرّوا من الشرك في خلق الأفعال بزعمهم ، ووقعوا في الظلم في هذه النسبة الذي هو كفر كما أفاده في حقّ اليقين (1).
  وسيأتي بيان هاتين المسألتين ان شاء الله تعالى في باب العدل ، ومن الله التوفيق .
  4 ) أنّه تعالى مريدٌ ومن صفات كماله إرادته
  والإرادة في أصل اللغة بمعنى المشيئة ، لكن إرادة الله تفترق عن إرادة المخلوقين ، فإرادة الله هو فعله كما بيّنه أبو الصلاح الحلبي أعلى الله مقامه (2).
  واستدلّ لهذا المعنى قوله تعالى : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (3).
  وإلى هذا المعنى ذهب الشيخ الجليل المفيد (قدس سره) ، إستدلالا له بالأخبار التي يأتي ذكرها .
  قال (قدس سره) : ( إنّ الإرادة من الله جلّ اسمه نفس الفعل ... وبذلك جاء الخبر عن أئمّة الهدى ) كما حكاه عنه شيخ الإسلام المجلسي طاب ثراه (4).
  ونقل في مجمع البحرين الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) :

---------------------------
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص23) .
(2) تقريب المعارف : (ص85) .
(3) سورة النحل : (الآية 40) .
(4) بحار الأنوار : (ج4 ص138) .

العقائد الحقّة _ 144 _

  ( إنّ الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد والأسماء ثلاثة ) (1).
  والحجّة في هذا المعنى إضافةً إلى ما تقدّم ، نصّ حديث صفوان بن يحيى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) جاء فيه :
  ( الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك ... ) (2).
  فالمستفاد من هذه الأدلّة أنّ إرادة الله معناها : إحداثه للأشياء وإبداعه وفعله لها .
  لكن فسّرها شيخ المحدّثين الصدوق في التوحيد بقوله : ( مشيّة الله وإرادته في الطاعات الأمر بها والرضا ، وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير ) (3).
  ولعلّ نظره (قدس سره) إلى إرادة العزم التي جاء ذكرها في حديث الفتح بن يزيد الجرجاني عن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) فلاحظ (4).
  وذكر هذا المعنى أيضاً السيّد الشبّر بالتعبير التالي :
  ( ومعنى إرادته لأفعال عبيده أنّه أراد إيقاع الطاعات منهم على وجه الإختيار ... ومعنى كراهته تعالى لأفعال غيره نهيه إيّاهم عن إيقاع المعاصي المفسدة لهم على وجه الإختيار ... ) (5).

---------------------------
(1) مجمع البحرين : (ص52 مادّة ـ شيأ ـ ) .
(2) اُصول الكافي : (ج1 ص109 ح3) .
(3) التوحيد : (ص346) .
(4) اُصول الكافي : (ج1 ص151 ح4) .
(5) حقّ اليقين : (ج1 ص30) .

العقائد الحقّة _ 145 _

  لكن أفاد بعد هذا المعنى ما نصّه :
  ( قد ورد في جملة من الأخبار عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) الملك الغفّار ، أنّ إرادته عبارة عن إيجاده وإحداثه ، وأنّها من صفات الفعل الحادثة ، كالخالقيّة والرازقية ونحوها لا من صفات الذات بمعنى العلم بالأصلح ) (1).
  وبهذا يظهر عدم تماميّة قول المتكلّمين في الإرادة وتفسيرهم لها بأنّها هي : ( العلم بالخير والنفع وما هو الأصلح ) .
  فإنّ هذا المعنى يرجع إلى كون الإرادة هو العلم الذاتي ، وهذا خلاف ما يأتي من الأخبار في كون الإرادة محدَثة مع ما له من تالي فاسد القِدَم وتعدّد القدماء الذي ثبت بطلانه ، فلا يمكن قبول هذا المعنى في الإرادة .
  والمُتَّبَع كلام أهل البيت الذين بهم النجاة ومنهم الهدى ، وفي طريقهم الصواب ، والله العاصم .
  وعلى الجملة ، فالمستفاد من الأخبار الشريفة كون إرادة الله تعالى هي نفس فعله وإحداثه وإيجاده ، وهي الإرادة الحتميّة .
  وتطلق أيضاً على أمره بالطاعات ونهيه عن المعاصي ، وهي الإرادة العزميّة .
  ولذلك أفاد العلاّمة الكازراني : ( تحقيق المقام أنّ لله تعالى إرادتين ، إرادة حتم وإرادة عزم .
  فالحتمية هي ما لا يقدر العباد على ضدّ مراده ، وهي من صفات فعله يتّصف بها الله تعالى عند صدور كلّ فعل منه ، كالإماتة والإحياء والإمراض والشفاء .
  والعزمية هي إتيانه تعالى بشيء من جملة مخلوقاته لمصلحة وحكمة ،

---------------------------
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص32) .

العقائد الحقّة _ 146 _

  كخلق جوارح الإنسان وسيلة لصالح أعماله مع إستعمال العبد هذه الجوارح في الحلال أو الحرام بفعل نفسه وقد أمره الله تعالى بالحلال ، ونهاه عن الحرام ) (1).
  وقد دلّت البراهين الحقّة على إرادة الله تعالى التي هي صفة من صفات كماله ووصف من أوصاف جماله ، دلّت عليها أدلّة الكتاب والسنّة والعقل ، بالبيان التالي :
  1 ـ الكتاب الكريم :
  في آيات عديدة مثل :
  1 ـ قوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (2).
  2 ـ قوله تعالى : ( لَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) (3).
  3 ـ قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) (4).
  4 ـ قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )(5).
  5 ـ قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (6).

---------------------------
(1) مرآة الأنوار : (ص107) .
(2) سورة النساء : (الآية 26) .
(3) سورة المائدة : (الآية 6) .
(4) سورة هود : (الآية 107) .
(5) سورة الحجّ : (الآية 14) .
(6) سورة الأحزاب : (الآية 33) .

العقائد الحقّة _ 147 _

  2 ـ السنّة الشريفة :
  في أحاديث كثيرة منها ما يلي :
  1 ـ حديث محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ( المشيّة مُحدَثة ) (1).
  2 ـ حديث عبدالله بن ميمون القداح قال : دخل على أبي عبدالله (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام) رجل من أتباع بني اُميّة فخفنا عليه ، فقلنا له : لو تواريت وقلنا ليس هو هاهنا .
  قال : بل ائذنوا له فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ( إنّ الله عزّ وجلّ عند لسان كلّ قائل ويد كلّ باسط ، فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلاّ ما شاء الله ، وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلاّ بما شاء الله ، فدخل عليه فسألـه عن أشياء وآمن بها وذهب ) (2).
  3 ـ حديث الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
  ( أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود (عليه السلام) يا داود ! تريد واُريد ولا يكون إلاّ ما اُريد ، فإن أسلمتَ لما اُريد أعطيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما اُريد أتعبتك فيما تريد ، ثمّ لا يكون إلاّ ما اُريد ) (3).
  4 ـ حديث سليمان بن جعفر الجعفري قال : قال الرضا (عليه السلام) : ( المشيّة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص336 ب55 ح1) .
(2) توحيد الصدوق : (ص337 ب55 ح3) .
(3) توحيد الصدوق : (ص337 ب55 ح4) .

العقائد الحقّة _ 148 _

  مريداً شائياً فليس بموحّد ) (1).
  5 ـ حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : قلت له :
  ( إنّ أصحابنا بعضهم يقولون بالجبر وبعضهم بالإستطاعة .
  فقال لي : اكتب : قال الله تبارك وتعالى : يا بن آدم ! بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبقوّتي أدّيت إليّ فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعاً بصيراً قويّاً ، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ، وذلك أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، وذلك أنّي لا اُسأل عمّا أفعل وهم يُسألون ، قد نظمت لك كلّ شيء تريد ) (2).
  6 ـ حديث العرزمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
  ( كان لعلي (عليه السلام) غلام اسمه قنبر وكان يحبّ عليّاً (عليه السلام) حبّاً شديداً ، فإذا خرج علي (عليه السلام) خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال : يا قنبر ! ما لك ؟
  قال : جئت لأمشي خلفك ، فإنّ الناس كما تراه يا أمير المؤمنين فخفت عليك .
  قال : ويحك ! أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض ؟!
  قال : لا ، بل من أهل الأرض .
  قال : إنّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئاً إلاّ بإذن الله عزّ وجلّ من

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص338 ب55 ح5) .
(2) توحيد الصدوق : (ص338 ب55 ح6) .

العقائد الحقّة _ 149 _

  السماء ، فارجع ، فرجع ) (1).
  7 ـ حديث فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ( شاء وأراد ولم يحبّ ولم يرض .
  شاء أن لا يكون شيء إلاّ بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحبّ أن يقال له : ( ثالث ثلاثة ) ، ولم يرض لعباده الكفر ) (2).
  8 ـ ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال :
  ( سبق العلم ، وجفّ القلم ، وتمّ القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق الرسالة والسعادة من الله والشقاوة من الله عزّ وجلّ .
  قال عبدالله بن عمر : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يروي حديثه عن الله عزّ وجلّ قال : قال الله عزّ وجلّ : يا بن آدم ! بمشيّتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبعصمتي وعفوي وعافيتي أدّيت إليّ فرائضي ، فأنا أولى بإحسانك منك ، وأنت أولى بذنبك منّي .
  فالخير منّي إليك بما أوليت بَداء والشرّ منّي إليك بما جنيت جزاء ، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي ، فلي الحمد والحجّة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك الجزاء والحسنى عندي بالإحسان ، لم أدع تحذيرك ، ولم آخذك عند عزّتك ، ولم اُكلّفك فوق طاقتك ، ولم اُحمّلك من الأمانة إلاّ ما قدرت عليه ، رضيت منك لنفسي

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص338 ب55 ح7) .
(2) توحيد الصدوق : (ص339 ب55 ح9) .

العقائد الحقّة _ 150 _

  ما رضيت به لنفسك منّي ) (1).
  9 ـ حديث أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي ، قال : سأل المأمون يوماً علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقال له : يا بن رسول الله ! ما معنى قول الله عزّ وجلّ : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لاَمَنَ مَنْ فِي الاَْرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْس أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) (2) ? فقال الرضا (عليه السلام) : ( حدّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي ابن أبي طالب (عليهم السلام) : أنّ المسلمين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو أكرهت يا رسول الله ! من قدرت عليه من الناس على الإسلام لَكَثُرَ عددنا وقوينا على عدوّنا ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما كنت لألقى الله عزّ وجلّ ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئاً وما أنا من المتكلّفين .
  فأنزل الله تبارك وتعالى : يا محمّد ! ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لاَمَنَ مَنْ فِي الاَْرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ) على سبيل الإلجاء والإضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ، ولو فعلتُ ذلك بهم لم يستحقّوا منّي ثواباً ولا مدحاً ، لكنّي اُريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرّين ليستحقّوا منّي الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنّة الخلد ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ، وأمّا قوله عزّ وجلّ : ( وَمَا كَانَ لِنَفْس أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلاّ بإذن

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص340 ب55 ح10) .
(2) سورة يونس : (الآيتان 99 و100) .

العقائد الحقّة _ 151 _

  الله ، وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلّفة متعبّدة وإلجاؤه إيّاها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها .
  فقال المأمون : فرّجت عنّي يا أبا الحسن فرّج الله عنك ) (1).
  3 ـ دليل العقل :
  فالعقل حينما يلاحظ الأفعال الكونيّة ، يراها أفعالا إختيارية ويجد فيها حسن الآثار ، والدقائق الكثار ، وقرائن الإختيار .
  ومن المعلوم أنّ العمل الإختياري ، والأثر المنظّم لا يكون إلاّ عملا إرادياً مقصوداً .
  فوقوع تلك الأفعال المنتظمة مفتقر عقلا إلى كون فاعلها مريداً لها ، قديراً عليها ، أوجدها بإرادته وصنعها بقدرته ، ولم تصدر عفواً أو اعتباطاً بغير مشيئة من حضرته .
  فيحكم العقل بداهةً بكون الخالق تعالى مريداً ذا إرادة قاهرة باهرة .
  مع أنّها صفة كمال لا يفقدها الكامل ، وفقدها نقص يتنزّه عنه ذو الكمال .

  5 ) أنّه تعالى مُدرِكٌ
  الإدراك في أصل اللغة هو بلوغ أقصى الشيء ومنتهاه .
  ويطلق في الإنسان على اطلاعه على الاُمور الخارجيّة التي تدرك بالحواسّ الخمسة زائداً على العلم .
  فإنّه قد يعلم الإنسان شيئاً فيكون عالماً به ، ثمّ يراه عياناً فيكون مدركاً له .

---------------------------
(1) توحيد الصدوق : (ص341 ب55 ح11) .

العقائد الحقّة _ 152 _

  لكن بالنسبة إلى الله تعالى الذي هو منزّه عن الحواس يدرك أقصى الشيء وغايته ومنتهاه إدراكاً لا بحاسّة .
  بل هو مدرك للأشياء بمعنى أنّه عالم بالمدركات ، أي أنّه عالم بما يدرك بالحواس إدراكاً أعظم من إدراكنا ، حيث انّه قد يقع الخطأ فيما ندركه ، ولكن لا يخطئ الله جلّ شأنه في إدراكه .
  فالمراد بإدراكه تعالى هو العلم الخاصّ ، كما أفاده في حقّ اليقين (1).
  ومن هنا يعلم أنّ هذه الصفة الكمالية من صفات ذاته المقدّسة .
  ويدلّ على هذه الصفة في الله أدلّة العلم الثلاثة المتقدّمة .
  ويضاف إلى ذلك ما يستفاد من تقريب المعارف : ( إنّ وجود المدرك وارتفاع الموانع تستلزم الإدراك ، والله تعالى كامل مستجمع لجميع صفات الكمال ، ولا سبيل للنقص والموانع إلى ذي الجلال ، فيكون مدركاً لكلّ محسوس ، وعالماً بكلّ ما يحسّ ) (2).
  ودلائل مُدركيّته واضحة بالعيان لكلّ ذي حسّ ووجدان ...
  وكيف لا يدرك المحسوسات مَن هو عالم بالغيوب والخفيّات ، بل يعلم السرّ وأخفى ؟
  يعلم ما أسرّه الإنسان وما نساه وغاب عن خاطره ويعلم الغيب والشهادة ، فيكون عالماً بالمحسوسات بالأولويّة القطعية .
  فالله تعالى مدرك لجميع الأشياء المحسوسة ، وعالم بكلّ شيء محسوس وغير محسوس ، حاضر وغائب ، وكلّ غيب وحضور ، كما تلاحظ ذلك في

---------------------------
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص30) .
(2) تقريب المعارف : (ص84) .

العقائد الحقّة _ 153 _

  الأحاديث الشريفة (1).

  6 ) أنّه تعالى قديم
  قال الشيخ الصدوق : ( القديم معناه أنّه المتقدّم للأشياء كلّها ، وكلّ متقدّم لشيء يسمّى قديماً إذا بولغ في الوصف ، ولكنّه سبحانه قديم لنفسه بلا أوّل ولا نهاية ، وسائر الأشياء لها أوّل ونهاية ، ولم يكن لها هذا الإسم في بدئها فهي قديمة من وجه ومحدثة من وجه ) (2).
  وقال في المجمع : ( القديم من أسمائه تعالى وهو الموجود الذي لم يزل ... وإن شئت فسّرته بالموجود الذي ليس لوجوده ابتداء .
  وأصل القديم في اللسان : السابق ، فيقال : الله قديم ، بمعنى أنّه سابق الموجودات كلّها ) (3).
  وقال الشيخ الكفعمي : ( القديم هو المتقدّم على الأشياء الذي ليس لوجوده أوّل ، والذي لا يسبقه العدم ) (4).
  وقد تطابق على قدمه تعالى الدليل النقلي والعقلي المفيدان للعلم بأنّه تعالى قديم جلّ جلاله وعظم شأنه .

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج4 ص79 ب2 ح2 و3) ، وقد مرّ آنفاً الحديثان الدالاّن عليه في بحث ( إنّه تعالى عالم ... ) .
(2) التوحيد : (ص209) .
(3) مجمع البحرين : (ص531 مادّة ـ قدم ـ ) .
(4) المصباح : (ص344) .

العقائد الحقّة _ 154 _

  أمّا الدليل النقلي فكما يلي :
  1 ـ خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة :
  ( الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ... ) (1).
  2 ـ رواية أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال : ( جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين ! متى كان ربّك ؟
  فقال له : ثكلتك اُمّك ! ومتى لم يكن حتّى يقال : متى كان ؟! كان ربّي قبل القبل بلا قَبل ، ويكون بعد البعد بلا بَعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنه فهو منتهى كلّ غاية ) (2).
  3 ـ رواية ميمون البان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) وقد سُئل عن قوله جلّ وعزّ : ( هُوَ الاَْوَّلُ وَالاْخِرُ ) (3) ?
  فقال : ( الأوّل لا عن أوّل قبله ولا عن بدء سبقه ، وآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفات المخلوقين ، ولكن قديم أوّل آخر ، لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا نهاية ، لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال إلى حال ، خالق كلّ شيء ) (4).

---------------------------
(1) نهج البلاغة : (ص137 رقم الخطبة180 من الطبعة المصرية) .
(2) بحار الأنوار : (ج3 ص283 ب12 ح1) .
(3) سورة الحديد : (الآية 3) .
(4) بحار الأنوار : (ج3 ص284 ب12 ح2) .

العقائد الحقّة _ 155 _

  4 ـ رواية نافع بن الأزرق عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
  ( أخبرني عن الله عزّ وجلّ متى كان ؟
  فقال له : ويلك ! أخبرني أنت متى لم يكن حتّى اُخبرك متى كان ; سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتّخذ صاحبة ولا ولداً ) (1).
  5 ـ رواية أبي بصير قال : أخرج أبو عبدالله (عليه السلام) حُقّاً (2) فأخرج منه ورقة فإذا فيها :
  ( سبحان الواحد الذي لا إله غيره ، القديم المبدئ الذي لا بدء له ، الدائم الذي لا نفاد له ، الحي الذي لا يموت ، الخالق ما يرى وما لا يرى ، العالم كلّ شيء بغير تعليم ، ذلك الله الذي لا شريك له ) (3).
  6 ـ رواية النزال بن سبرة قال : جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين ! متى كان ربّنا ؟
  قال : فقال له علي (عليه السلام) : ( إنّما يقال : ( متى كان ) لشيء لم يكن فكان ، وربّنا هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف يكون ، كان لم يزل بلا لم يزل وبلا كيف يكون تبارك وتعالى . ليس له قبل ، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى غاية ، ولا غاية إليها ، غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غاية كلّ غاية ) (4).

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص284 ب12 ح3) .
(2) الحُقّ والحُقّة بضمّ الحاء : وعاءٌ من خشب .
(3) بحار الأنوار : (ج3 ص285 ب12 ح4) .
(4) بحار الأنوار : (ج3 ص285 ب12 ح6) .

العقائد الحقّة _ 156 _

  7 ـ رواية محمّد بن سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ( قال رأس الجالوت لليهود : إنّ المسلمين يزعمون أنّ عليّاً من أجدل الناس وأعلمهم ، اذهبوا بنا إليه لعلّي أسأله عن مسألة اُخطّئه فيها ، فأتاه فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة .
  قال : سل عمّا شئت .
  قال : يا أمير المؤمنين ! متى كان ربّنا ؟
  قال : يا يهودي ! إنّما يقال : ( متى كان ) لمن لم يكن فكان ; هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف .
  يا يهودي ! كيف يكون له قبل وهو قبل القَبل ؟ بلا غاية ولا منتهى غاية ... انقطعت الغايات عنه فهو غاية كلّ غاية .
  فقال : أشهد أنّ دينك الحقّ وأنّ ما خالفه باطل ) (1).
  وأمّا الدليل العقلي :
  فالعقل يحكم ، والضرورة تقضي ، والبرهان يفيد أنّه تعالى قديم ، ثبت له القدم بالوجوه العقليّة الثلاثة التالية :
  الأوّل : ما في تقريب المعارف (2) وهو أنّه لو كان فاعل الأجناس محدَثاً غير قديم لاحتاج إلى محدِث ، وذلك المحدِث يحتاج إلى محدِث آخر ، وذلك يقتضي وجود ما لا يتناهى ، أو إثبات قديم بدون دليل ، وكلا الأمرين محال .

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص286 ب12 ح7) .
(2) تقريب المعارف : (ص76) .

العقائد الحقّة _ 157 _

  الثاني : ما في حقّ اليقين (1) ، وهو أنّه تعالى لو لم يكن قديماً ، لم يكن وجوده واجباً ، فيكون محتاجاً ، يعني محتاجاً إلى ما يوجده ، تعالى الله عن ذلك فهو الغني بذاته عمّا سواه ، فيكون غنيّاً عن الإيجاد وموجوداً بالقدم .
  الثالث : ما في شرح نهج البلاغة (2) ، وهو أنّ الأجسام كلّها حادثة ، لأنّها غير خالية عن الحركة والسكون ، وكلّ حادث مفتقر إلى محدِث وخالق له ، وذلك المحدِث الخالق إمّا ان يكون محدَثاً فيحتاج إلى خالق ويتسلسل ... وإمّا أن يكون محدِثاً لنفسه وهو باطل ، فإنّ ما لا يوجد لا يمكن أن يصدر منه الوجود .
  فلابدّ أن يكون المحدِث الخالق قديماً أزليّاً غنيّاً لا بداية لوجوده كما لا نهاية له ، وهو الله تعالى .
  وأوضح الأدلّة على قدمه تعالى بحكم العقل الجازم ، هو ما أرشد إليه سيّد الموحّدين وأمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله :
  ( الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه ، وبمحدَث خلقه على أزليّته ... ) (3).
  وكذلك قوله (عليه السلام) :
  ( الدالّ على قِدَمه بحدوث خلقه ) (4).
  فإنّ العقل حينما يرى المخلوقات حوادث متّصفة بالحدوث يكشف ويحكم بأنّ خالقها قديم أزليّ ، لمباينته مع خلقه ، وعدم اتّصافه بالصفات التي

---------------------------
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص29) .
(2) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : (ج9 ص174) .
(3) نهج البلاغة : (ص53 رقم الخطبة148 من الطبعة المصرية) .
(4) نهج البلاغة : (ص137 رقم الخطبة180 من الطبعة المصرية) .

العقائد الحقّة _ 158 _

  أوجدها في خليقته .
  فيستدلّ بحدوث الخلق على قدم الخالق ، تعالى شأنه وجَلّ كماله .

  7 ) أنّه تعالى متكلّم .
  الكلام هي الحروف المسموعة المنتظمة ، ومعنى كونه متكلِّماً هو أنّه أوجد الكلام (1).
  وقال العلاّمة المجلسي : ( اعلم أنّه لا خلاف بين أهل الملل في كونه تعالى متكلّماً ، لكن اختلفوا في تحقيق كلامه وحدوثه وقدمه .
  فالإمامية قالوا بحدوث كلامه تعالى ، وأنّه مؤلّف من أصوات وحروف ، وهو قائم بغيره . ومعنى كونه تعالى متكلّماً عندهم أنّه موجد تلك الحروف والأصوات في الجسم كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبي (صلى الله عليه وآله) أو غيرهم كشجرة موسى ) (2).
  وفي منهاج البراعة (3) أفاد أنّه قد تواترت الأنباء عن الرسل والأنبياء ، وأطبقت الشرائع والملل على كونه عزّ وجلّ متكلّماً ، لا خلاف لأحد في ذلك ، وإنّما الخلاف في معنى كلامه تعالى وفي قدمه وحدوثه .
  فذهب أهل الحقّ من الإماميّة إلى أنّ كلامه تعالى مؤلّف من حروف وأصوات قائمة بجوهر الهواء ، ومعنى كونه متكلّماً هو أنّه موجد للكلام في جسم من الأجسام ، كالمَلَك والشجر ونحو ذلك .

---------------------------
(1) مجمع البحرين : (ص536 مادّة ـ كلم ـ ) .
(2) بحار الأنوار : (ج4 ص150) .
(3) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : (ج10 ص263) .

العقائد الحقّة _ 159 _

  وعلى مذهبهم فالكلام حادث ، لأنّه مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود وكلّ ما هو كذلك فهو حادث .
  هذا ، ومن المعلوم أنّ الكلام من صفات الفعل فيكون حادثاً ، فمثل الصوت الذي أوجده في شجرة موسى لابدّ وأن يكون حادثاً ويكون بحدوثه غير مجرّد أيضاً شأن سائر المخلوقات ، فإنّ الخلقة تساوي الجسميّة .
  وعلى الجملة فإيجاد الكلام ناشء من قدرته الخاصّة الذاتية ، إلاّ أنّ نفس كلامه تعالى حادث محدَث ، ومن صفات الفعل ، بدليل تصريح نفس كلامه المجيد : ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَث إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ ) (1) كما أفاده في حقّ اليقين (2).
  ثمّ إنّ الدليل على متكلّميته تعالى ثابت قائم من الكتاب والسنّة والعقل :
  أمّا الكتاب فآيات كثيرة منها :
  1 ـ قوله تعالى : ( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً ) (3).
  2 ـ قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ) (4).
  3 ـ قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ

---------------------------
(1) سورة الأنبياء : (الآية 2) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص33) .
(3) سورة النساء : (الآية 164) .
(4) سورة الأعراف : (الآية 143) .

العقائد الحقّة _ 160 _

  حِجَاب ) (1).
  وأمّا السنّة : فأحاديث عديدة منها :
  1 ـ كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب ذعلب اليماني الوارد في نهج البلاغة ، قال فيها :
  ( متكلّم لا برويّة ، مريد لا بهمّة ) (2).
  2 ـ حديث أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
  ( لم يزل الله جلّ اسمه عالماً بذاته ولا معلوم ، ولم يزل قادراً بذاته ولا مقدور . قلت : جعلت فداك ! فلم يزل متكلّماً ؟
  قال : الكلام محدَث ، كان الله عزّ وجلّ وليس بمتكلّم ثمّ أحدث الكلام ) (3).
  3 ـ حديث صفوان بن يحيى قال : سأل أبو قرّة المحدّث من الرضا (عليه السلام) فقال : أخبرني ـ جعلني الله فداك ـ عن كلام الله لموسى ؟
  فقال : الله أعلم بأي لسان كلّمه بالسريانية أم بالعبرانية ، فأخذ أبو قرّة بلسانه فقال : إنّما أسألك عن هذا اللسان .
  فقال أبو الحسن (عليه السلام) :
  ( سبحان الله ممّا تقول ! ومعاذ الله ! أن يشبه خلقه أو يتكلّم بمثل ما هم متكلّمون ، ولكنّه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ، ولا كمثله

---------------------------
(1) سورة الشورى : (الآية 51) .
(2) نهج البلاغة : (ص120 رقم الخطبة 174 من الطبعة المصرية) .
(3) بحار الأنوار : (ج4 ص150 ب6 ح1) .

العقائد الحقّة _ 161 _

  قائل فاعل .
  قال : كيف ذلك ؟
  قال : كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ، ولا يلفظ بشقّ فم ولسان ، ولكن يقول له : ( كن ) فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الأمر والنهي من غير تردّد في نفس ) (1) الخبر .
  4 ـ وفي الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
  ( أنّ الله ناجى موسى (عليه السلام) بمئة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيّام ولياليهنّ ، ما طعم فيها موسى (عليه السلام) ولا شرب فيها ، فلمّا انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله عزّ وجلّ ) (2).
  5 ـ وفي التوحيد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في حديث :
  ( فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى أن يكلّمه ويُسمعهم كلامه ، فكلّمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام .
  إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه في الشجرة ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى يسمعوه من جميع الوجوه ) (3).
  6 ـ وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) :

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج4 ص152 ب6 ح4) .
(2) تفسير الصافي : (ج1 ص521) .
(3) تفسير الصافي : (ج1 ص522) .

العقائد الحقّة _ 162 _

  ( كلّم الله موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات وشفة ولا لَهَوات ، سبحانه وتعالى عن الصفات ) (1).
  7 ـ في حديث إحتجاج اليهود مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
  ( ... قالت اليهود : موسى خير منك . قال النبي (صلى الله عليه وآله) : ولِمَ ؟
  قالوا : لأنّ الله عزّ وجلّ كلّمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلّمك بشيء .
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : لقد اُعطيتُ أنا أفضل من ذلك .
  قالوا : وما ذاك ؟
  قال : هو قوله عزّ وجلّ : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) (2) وحُملت على جناح جبرئيل حتّى انتهيت إلى السماء السابعة ، فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى ، حتّى تعلّقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش : ( إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر الرؤوف الرحيم ) ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني فهذا أفضل من ذلك .
  قالت اليهود : صدقت يا محمّد وهو مكتوب في التوراة ) (3).
  وأمّا العقل :
  فلأنّ الكتب الإلهيّة والصحف السماوية والأحاديث القدسية والتكلّم

---------------------------
(1) نفس المصدر .
(2) سورة الإسراء : (الآية 1) .
(3) الإحتجاج للطبرسي : (ج1 ص55) .

العقائد الحقّة _ 163 _

  والمناجات مع بعض المقامات النبوية ، كرسول الله أو كليم الله ، لا تتحقّق إلاّ بخطاب الله وكلامه وتكلّمه ، فهذه الاُمور من اللازم البيّن فيها أن يتكلّم بها الله تعالى .
  فيكون العقل حاكماً بكونه متكلّماً ... له قدرة الكلام ، بل أحدث الكلام ، ومن كماله هذا التكلّم بهذه الاُمور القدسيّة ، فتكلّمه ثابت بالأدلّة الثلاثة الصريحة .
  8 ) أنّه تعالى صادق
  الصدق لغةً ضدّ الكذب ، ويكون أصله في القول ، فيقال : قول صدق وكلام صدق ، وصاحبه صادق .
  وذكر في المفردات : ( أنّ الصدق والكذب لا يكونان في القول إلاّ في الكلام الخبري دون غيره من أصناف الكلام كالإنشاء ) (1).
  لكن هذا غير صحيح ، فمقتضى التحقيق أنّه يطلق الصدق والكذب عرفاً على الإنشاء أيضاً إذا كان منبئاً عن شيء إلزاماً ، وكان ذلك المدلول الالتزامي مطابقاً للواقع أو غير مطابق كما تلاحظه في طلب الفقير المال حيث ينبئ عن فقره فيوصف بأنّه صادق أو كاذب .
  وكذلك من قال شيئاً واعتقد خلافه ، فإنّه يكون كذباً ، كما أفاده في المجمع (2) إستشهاداً بقوله تعالى : ( وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) (3).
  فيكون الصدق والكذب محقّقاً نيّةً وقولا وعملا .

---------------------------
(1) المفردات للراغب : (ص277) .
(2) مجمع البيان : (ج10 ص290) .
(3) سورة المنافقون : (الآية 1) .

العقائد الحقّة _ 164 _

  وأضاف في مجمع البحرين : ( إنّ الصدق يكون بالقول وغيره ، فقوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (1) معناه الذين صدقوا في دين الله نيّةً وعملا وقولا ، وكذا ( صَادِقَ الْوَعْدِ ) (2) يعني إذا عمل بشيء وفى به ، وقد جاء وصف الصدق في صفات الله العليا وأسمائه الحسنى ) (3).
  قال الشيخ الصدوق : إنّ معنى كونه صادقاً هو : ( أنّه صادق في وعده ، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده ) (4).
  وقال الشيخ الكفعمي : ( الصادق : الذي يصدق في وعده ، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده ، والصدق خلاف الكذب ) (5).
  وقد ثبتت هذه الصفة الكريمة لله تعالى كتاباً وسنّةً وعقلا :
  أمّا الكتاب : ففي مثل :
  1 ـ قوله تعالى : ( وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) (6).
  2 ـ قوله تعالى : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللهِ حَدِيثاً ) (7).
  3 ـ قوله تعالى : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللهِ قِيلا ) (8).

---------------------------
(1) سورة التوبة : (الآية 119) .
(2) سورة مريم : (الآية 54) .
(3) مجمع البحرين : (ص437 مادّة ـ صدق ـ ) .
(4) التوحيد : (ص207) .
(5) المصباح : (ص342) .
(6) سورة الحجر : (الآية 64) .
(7) سورة النساء : (الآية 87) .
(8) سورة النساء : (الآية 122) .

العقائد الحقّة _ 165 _

  وأمّا السنّة ، ففي أحاديث كثيرة منها :
  1 ـ خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، جاء فيها توصيف الله تعالى ، بقوله (عليه السلام) :
  ( الذي صدق في ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده ) (1).
  2 ـ حديث سليمان بن مهران ، المتقدّم (2) ، عدّ فيها ( الصادق ) من أسمائه الحسنى .
  3 ـ الأدعية المأثورة الشريفة ، كدعاء الجوشن الكبير ، المروي عن سيّد الساجدين عن آبائه الطاهرين ، وجاء فيه توصيف الله تبارك وتعالى بالصادق (3).
  وأمّا العقل :
  فإنّه يقضي وبديهة العقل تحكم بقبح الكذب ، والقبيح لا يصدر من الله تعالى الحكيم الكامل الواجب المنزّه عن جميع القبائح والنقائص ، مع أنّه غير محتاج إليه وغني عنه .
  والعقل يحكم بقبح الكذب من البشر المخلوق الناقص ، فكيف بكونه من الله تعالى الغني الكامل ؟
  فهو تعالى صادق لا يكذب ولا يخلف أبداً ، وله الأسماء الحسنى وهو السميع البصير .
  هذا تمام الكلام في ذكر ما تشرّفنا ببيانه من ذكر صفاته الكمالية الثبوتية .

---------------------------
(1) نهج البلاغة : (ص138 رقم الخطبة 180 من الطبعة المصرية) .
(2) التوحيد : (ص194 ب29 ح8) .
(3) البلد الأمين : (ص404) .