القبر من المراحل الوسطى للإنسان وهو تكرمة له في البدن وستر له في الأرض وحفظ له عن الهوام والمؤذيات ، وقد جعله الله وقدّره للإنسان فيما بيّن من مراحله بقوله عزّ إسمه : ( قُتِلَ الاِْنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَىِّ شَيْء خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ )(1).
وأوّل شيء يكون في القبر بعد الدفن هو مساءلة العبد ، فيُسأل المكلّف الكامل عن ربّه وعن نبيّه وعن وليّه وعن دينه والحجج عليه ، بعد أن تُردّ الحياة إلى العبد إمّا كاملا أو إلى بعض بدنه ، كما أفاده العلاّمة المجلسي أعلى الله مقامه (2).
واعتقادنا في مساءلة القبر أنّها حقّ لابدّ منها فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره ، وبجنّة ونعيم في الآخرة .
ومن لم يأت بالصواب فله نُزُلٌ من حميم في قبره وتصلية جحيم في آخرته ، كما أفاده الشيخ الصدوق طاب ثراه (3).
وقد جاءت الآثار الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله) بأنّ الملائكة تنزل على
المقبورين فتسألهم عن أديانهم ، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة ، فمنها أنّ ملكين لله تعالى يقال لهما : ناكر ونكير ينزلان على الميّت فيسألانه عن ربّه ونبيّه ودينه وإمامه ، فإن أجاب بالحقّ سلّموه إلى ملائكته النعيم ، وإن اُرْتِجَ عليه (1) سلّموه إلى ملائكة العذاب ، كما أفاده المفيد في التصحيح (2).
وفي بعض الأخبار أنّ اسم الملكين اللذين ينزلان على المؤمن مبشّر وبشير كما في بحار الأنوار (3) ، وهو المستفاد من الدعاء المروي في أدعية شهر رجب في المصباح (4) جاء فيه : ( وأدرأ عنّي منكراً ونكيراً وأرِ عيني مبشّراً وبشيراً ) .
وقد ذكر العلاّمة المجلسي الكثير من أخبار هذه المساءلة في بحار الأنوار ، في أحوال البرزخ والقبر نختار منها ما يلي :
1 ـ حديث ابن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لبعض أصحابه :
( كيف أنت إذا أتاك فتّانا القبر ؟ فقال : يا رسول الله ! ما فتّانا القبر ؟ قال : ملكان فظّان غليظان ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، يطئان في أشعارهما ، ويحفران بأنيابهما ، فيسألانك ، قال : وأنا على مثل هذه الحال (5) ؟ قال : وأنت على مثل
---------------------------
(1) يقال : اُرتج على القارئ إذا لم يقدر على القراءة واستغلق عليه الكلام .
(2) تصحيح إعتقادات الإمامية : (ص99) .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص280) .
(4) المصباح لشيخ الطائفة : (ص739) .
(5) لعلّه بمعنى حال الإيمان والمحبّة لكم .
العقائد الحقّة _ 422 _
حالك هذه ، قال : إذن أكفيهما ) (1).
2 ـ حديث تفسير الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي بإسناده رفعه قال : أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : يا محمّد ! هذا الأمر لنا بعدك أم لمن ؟ قال :
( يا صخر ! الأمر بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله تعالى : ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ) يعني يسألك أهل مكّة عن خلافة علي بن أبي طالب ( عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) منهم المصدّق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذّب ( كَلاَّ ) ردّ عليهم ( سَيَعْلَمُونَ ) سيعرفون خلافته بعدك إنّها حقّ يكون ( ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ )(2) سيعرفون خلافته وولايته إذ يُسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت ، يقولان للميّت : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ ومن إمامك ؟ ) (3).
3 ـ ما كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمّد بن أبي بكر : ( يا عباد الله ! ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشدّ من الموت ، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إنّ القبر يقول كلّ يوم : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوامّ ، والقبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار .
إنّ العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض : مرحباً وأهلا ، قد كنتَ ممّن أُحبّ أن تمشي على ظهري ، فإذا ولّيتك فستعلم كيف صنيعي بك ، فيتّسع له مدّ البصر ، وإنّ الكافر إذا دفن قالت له الأرض : لا مرحباً بك ولا أهلا ، لقد كنتَ من أبغض من يمشي على ظهري ، فإذا ولّيتك فستعلم كيف صنيعي بك ، فتضمّه حتّى تلتقي أضلاعه ، وإنّ المعيشة الضنك التي حذّر الله منها عدوّه عذاب القبر ، إنّه يسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنّيناً (1) فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، يتردّدن عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أنّ تنّيناً منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعاً .
يا عباد الله ! إنّ أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا ، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحبّ الله واتركوا ما كره الله ) (2).
4 ـ حديث سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله عمّا يلقى صاحب القبر ؟ فقال :
( إنّ ملكين يقال لهما : منكر ونكير يأتيان صاحب القبر فيسألانه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقولان : ما تقول في هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ فيقول : من هو ؟ فيقولان : الذي كان يقول : إنّه رسول الله ، أحقّ ذلك ؟ قال : فإذا كان من أهل الشكّ قال : ما أدري ، قد سمعت الناس يقولون ،
---------------------------
(1) التنّين على وزن سكّين هي : الحيّة العظيمة .
(2) بحار الأنوار : (ج6 ص218 ـ 219 ب8 ح13) .
العقائد الحقّة _ 424 _
فلست أدري أحقّ ذلك أم كذب ؟ فيضربانه ضربةً يسمعها أهل السماوات وأهل الأرض إلاّ المشركين ، وإذا كان متيقّناً فإنّه لا يفزع فيقول : أعن رسول الله تسألاني ؟ فيقولان : أتعلم أنّه رسول الله ؟ فيقول : أشهد أنّه رسول الله حقّاً ، جاء بالهدى ودين الحقّ ، قال : فيرى مقعده من الجنّة ويُفسح له عن قبره ، ثمّ يقولان له : نم نومة ليس فيها حلم في أطيب ما يكون النائم ) (1).
5 ـ حديث سليمان بن مقبل ، عن الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) قال :
( إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره ، فإذا اُدخل قبره أتاه منكر ونكير فيُقعدانه ويقولان له : من ربّك ؟ وما دينك ؟ فيقول : ربّي الله ، ومحمّد نبيّي ، والإسلام ديني ، فيفسحان له في قبره مدّ بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ، ويُدخلان عليه الروح والريحان ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ )(2) يعني في قبره ( وَجَنَّةُ نَعِيم )(3) يعني في الآخرة .
ثمّ قال (عليه السلام) : إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفاً من الزبانية (4) إلى قبره ، وإنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شيء إلاّ الثقلان ويقول : لو أنّ لي كرّة فأكون من المؤمنين ، ويقول : ارجعونِ لعلّي
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج6 ص221 ـ 222 ب8 ح20) .
(2 و 3) سورة الواقعة : (الآيتان 88 و89) .
(4) الزبانية عند العرب الشُرطة ، وسمّي به بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها كما في مجمع البحرين : (ص559) .
العقائد الحقّة _ 425 _
أعمل صالحاً فيما تركت ، فتجيه الزبانية : كلاّ ! إنّها كلمة أنت قائلها ، ويناديهم ملك : لو رُدّ لعاد لما نهي عنه .
فإذا اُدخل قبره وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ثمّ يقولان له : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ فيتلجلج لسانه (1) ولا يقدر على الجواب ، فيضربانه ضربة من عذاب الله يذعر لها كلّ شيء ثمّ يقولان له : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا هديت ولا أفلحت ، ثمّ يفتحان له باباً إلى النار وينزلان إليه من الحميم من جهنّم ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيم ) يعني في القبر ( وَتَصْلِيَةُ جَحِيم ) (2) يعني في الآخرة ) (3).
6 ـ حديث ابن عمارة ، عن أبيه قال : قال الصادق (عليه السلام) :
( من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة ) (4).
7 ـ حديث الفضائل والروضة أنّه : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) باكياً فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) :
( ما يبكيك ؟ لا أبكى الله عينك ! قال : توفّت والدتي يا رسول الله ، قال له النبي (صلى الله عليه وآله) : بل ووالدتي يا علي فلقد كانت تُجوّع أولادها وتشبعني ،
---------------------------
(1) من التلجلج بمعنى التردّد ، أي : يثقل لسانه ويتردّد في كلامه .
(2) سورة الواقعة : (الآيات 92 ـ 94) .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص222 ب8 ح22) .
(4) بحار الأنوار : (ج6 ص223 ب8 ح23) .
العقائد الحقّة _ 426 _
وتُشعث أولادها وتدهنني ، والله لقد كان في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط ، ثمّ تجنيه ـ رضي الله عنها ـ فإذا خرجوا بنو عمّي تناولني ذلك ، ثمّ نهض (عليه السلام) فأخذ في جهازها وكفّنها بقميصه (صلى الله عليه وآله) ، وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدماً ويتأنّى في رفع الآخر ، وهو حافي القدم ، فلمّا صلّى عليها كبّر سبعين تكبيرة ، ثمّ لحّدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها ، ولقّنها الشهادة .
فلمّا اُهيل عليها التراب (1) وأراد الناس الإنصراف ، جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لها : إبنكِ ، إبنكِ ، إبنكِ ، لا جعفر ، ولا عقيل ، إبنكِ ، إبنكِ : علي بن أبي طالب .
قالوا : يا رسول الله ! فعلت فعلا ما رأينا مثله قطّ ، مشيك حافي القدم ، وكبّرت سبعين تكبيرة ، ونومك في لحدها ، وقميصك عليها ، وقولك لها : إبنكِ ، إبنكِ ، لا جعفر ، ولا عقيل .
فقال (صلى الله عليه وآله) : أمّا التأنّي في وضع أقدامي ورفعها في حال التشييع للجنازة فلكثرة إزدحام الملائكة ، وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّها صلّى عليها سبعون صفّاً من الملائكة ، وأمّا نومي في لحدها فإنّي ذكرتُ في حال حياتها ضغطة القبر فقالت : واضعفاه ! فنمت في لحدها لأجل ذلك حتّى كفيتها ذلك ، وأمّا تكفيني لها بقميصي فإنّي ذكرت لها في حياتها القيامة وحشر الناس عراةً فقالت : واسوأتاه ! فكفّنتها به ، لتقوم يوم القيامة مستورة ، وأمّا قولي لها : إبنكِ ، إبنكِ ،
لا جعفر ، ولا عقيل فإنّها لمّا نزل عليها الملكان وسألاها عن ربّها فقالت : الله ربّي ، وقالا : من نبيّك ؟ قالت : محمّد نبيّي ، فقالا : من وليّك وإمامك ؟ فاستحيت أن تقول : ولدي ، فقلت لها : قولي : إبنك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فأقرّ الله بذلك عينها ) (1).
فمسائلة القبر إذاً من الاُمور الحقّة المسلّمة ، حتّى كان تلقين الميّت بجواب ما يسأل عنه من الاُمور المستحبّة .
ففي الجواهر (2) : أنّه ( يستحبّ تلقين الميّت بعد وضعه في لحده ، قبل تشريج اللبن بلا خلاف أعرفه فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه ، والأخبار به كادت تكون متواترة كما في الذكرى وهو كذلك ) .
وقد جاءت أحاديثه مجموعةً في الوسائل (3) ، فراجع .
ونقل المحدّث القمّي عن شيخنا العلاّمة المجلسي (قدس سره) تلقيناً جامعاً جاء فيه : ( أنّه يُلقّن الميّت شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وسيّد النبيّين وخاتم المرسلين ، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وإمام فَرَض الله طاعته على العالمين وأنّ الأئمّة من ولده أئمّة المؤمنين وحجج الله على الخلق أجمعين أئمّة هدىً أبرار .
وأنّ الله ربّي ومحمّداً (صلى الله عليه وآله) نبيّي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، والكعبة قبلتي ، وأمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين أئمّتي وسادتي وقادتي وشفعائي بهم أتولّى ومن أعدائهم أتبرّأ في الدنيا والآخرة ...
وأنّ الله تعالى نعم الربّ ، وأنّ محمّداً نعم الرسول ، وأنّ عليّاً وأولاده المعصومين نعم الأئمّة ، وأنّ ما جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله) حقّ ، والموت وسؤال منكر ونكير والبعث والنشور والصراط والميزان وتطاير الكتب والجنّة والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ) ، فلاحظ المفاتيح (1) لمعرفة نصّ التلقين .
ثمّ إنّ من أحداث القبر هي الضغطة وضمّة القبر التي أفادتها السنّة المتظافرة والأخبار المعتبرة واُفيد عليها الإجماع .
والذي استُظهر من الأخبار الشريفة هو أنّ ضغطة القبر تكون في البدن الأصلي ، وأنّها ليست بعامّة للجميع بل ترتفع عن بعض المؤمنين كمن لُقّنَ مثلا ، أو مات في ليله الجمعة أو يوم الجمعة ، وأنّها تابعة للسؤال فمن لم يُسأل لم يُضغط .
والدليل الروائي في ضغطة القبر كثيرة منها ما يلي :
1 ـ قال أبو بصير : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
( إنّ رقيّة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا ماتت قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قبرها ، فرفع يده تلقاء السماء ودمعت عيناه ، فقالوا له : يا رسول الله ! إنّا قد رأيناك رفعت رأسك إلى السماء ودمعت عيناك ؟ فقال : إنّي سألت ربّي أن يهب لي رقيّة من ضمّة القبر ) (2).
2 ـ حديث ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
( اُتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له : إنّ سعد بن معاذ قد مات ، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام أصحابه معه ، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة
الباب ، فلمّا أن حنّط وكفّن وحمل على سريره تبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا حذاء ولا رداء ، ثمّ كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة حتّى انتهى به إلى القبر ، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى لحّده وسوّى اللّبن عليه ، وجعل يقول : ناولوني حجراً ، ناولوني تراباً رَطباً ، يسدّ به ما بين اللّبن .
فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّي لأعلم أنّه سيبلى ويصل البلى إليه (1) ، ولكنّ الله يحبّ عبداً إذا عمل عملا أحكمه ، فلمّا أن سوّى التربة عليه قالت اُمّ سعد : ياسعد ! هنيئاً لك الجنّة ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا اُمّ سعد ! مه ! لا تجزمي على ربّك فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة .
قال : فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجع الناس فقالوا له : يا رسول الله ! لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد ، إنّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : إنّ الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسّيت بها ، قالوا : وكنت تأخذ يمنة السرير مرّةً ، ويسرة السرير مرّةً ؟ قال : كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ ، قالوا : أمرت بغسله وصلّيت على جنازته ولحّدته في قبره ثمّ قلت : إنّ سعداً قد أصابته ضمّة ! قال : فقال (صلى الله عليه وآله) : نعم ، إنّه كان في خُلُقه مع أهله
---------------------------
(1) قال في مجمع البحرين : (ص13) : بَلَى الميّت : أفنته الأرض ، وفي حديث الصادق (عليه السلام) وقد سئل عن الميّت يُبلى جسده ؟ قال : نعم حتّى لا يبقى له لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خُلِق منها ، فإنّها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق منها أوّل مرّة ) .
العقائد الحقّة _ 430 _
سوء ) (1).
3 ـ حديث السكوني ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) قال :
( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم ) (2).
4 ـ حديث أبان بن تغلب ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال :
( من مات ما بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه الله من ضغطة القبر ) (3).
5 ـ حديث بشير النبّال قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
( خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبر سعد فمسحه بيده واختُلج بين كتفيه (4) ، فقيل له : يا رسول الله ! رأيناك خاطبت واختُلج بين كتفيك وقلت : سعد يفعل به هذا ؟ فقال له : إنّه ليس من مؤمن إلاّ وله ضمّة ) (5).
6 ـ حديث أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) :
( أيفلت من ضغطة القبر أحد ؟ قال : فقال : نعوذ بالله منها ، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر ! إنّ رقيّة لمّا قتلها عثمان وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه وقال للناس : إنّي ذكرت هذه وما لقيت ، فرققت لها واستوهبتها من ضغطة القبر ، قال :
فقال : اللهمّ هب لي رقيّة من ضغطة القبر فوهبها الله له .
قال : وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في جنازة سعد وقد شيّعه سبعون ألف ملك فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأسه إلى السماء ثمّ قال : مثل سعد يضمّ ؟ قال : قلت : جعلت فداك ! إنّا نحدّث أنّه كان يستخفّ بالبول ، فقال : معاذ الله ! إنّما كان من زعارة (1) في خلقه على أهله ، قال : فقالت اُمّ سعد : هنيئاً لك ياسعد ، قال : فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا اُمّ سعد ! لا تحتّمي على الله ) (2).
7 ـ حديث يونس قال : سألته عن المصلوب : يعذّب عذاب القبر ؟
قال : فقال :
( نعم إنّ الله عزّ وجلّ يأمر الهواء أن يضغطه ) .
وفي رواية اُخرى : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن المصلوب يصيبه عذاب القبر ؟ فقال :
( إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء ، فيوحي الله عزّ وجلّ إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر ) (3).
وتعرف من بعض هذه الروايات المباركة أنّ المؤمنين أو بعضهم لا تصيبهم ضغطة القبر وأنّ الأرض ترفق بهم وأنّهم يُفتح لهم من قبرهم باب إلى الجنّة .
وأمّا ما في مقابلها من الأحاديث الشريفة الاُخر من أنّ ضغطة القبر لا يفلت منها أحد فيمكن الجمع بين الطائفتين بإحدى الوجوه الثلاثة التي جاءت في حقّ
اليقين (1) وهي :
1 ـ أن تحمل أخبار رفع الضغطة عن المؤمن على من يقربون من رتبة المعصومين كسلمان وأبي ذرّ والمقداد ، وتكون ضغطات غيرهم من المؤمنين ضغطات خفيفة .
2 ـ أن تحمل ضغطة المؤمن على الضغطة بنحو اللطف تنقيةً للذنوب كالحجامة مثلا التي هي مؤلمة لكنّها مطلوبة لحسن عاقبتها ، وضغطة الكافر بعكس ذلك تكون بنحو العنف .
3 ـ أن يقال : إنّ الضغطة كانت في صدر الإسلام للعموم ثمّ ببركة المعصومين (عليهم السلام) وشفاعتهم إرتفعت عن شيعتهم ، والله العالم .
ثمّ إنّ من أحداث القبر أيضاً نعيم المؤمن وعذاب الكافر فيه ، فهو روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران كما عرفت .
وقد بيّنت أخبارنا الشريفة ذلك في مثل أحاديث البحار ، كالأحاديث التالية :
1 ـ حديث التفسير (2) ، وقد مضى ذكر هذه الرواية في ص 414 من الكتاب .
2 ـ حديث زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أرأيت الميّت إذا مات لِمَ تُجعل معه الجريدة ؟
قال :
( يتجافى (3) عنه العذاب والحساب ما دام العود رطباً ، قال : والعذاب
كلّه في يوم واحد ، في ساعة واحدة ، قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم ، وإنّما جعلت السعفتان لذلك ، فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جَفوفهما إن شاء الله ) (1).
3 ـ حديث التفسير (2) ، وقد جاء ذكره آنفاً في ص 422 ، فراجع .
4 ـ حديث ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (3) وقد تقدّم في ص 428.
5 ـ حديث إبراهيم بن محمّد ، عن الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) قال :
( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : مرّ عيسى بن مريم (عليه السلام) بقبر يعذّب صاحبه ، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذّب ، فقال : يا ربّ ! مررت بهذا القبر عام أوّل فكان صاحبه يعذّب ، ثمّ مررت به العام فإذا هو ليس يعذّب ؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا روح الله ! إنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل إبنه ) (4).
6 ـ حديث الأصبغ بن نباتة قال : توجّهت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) لاُسلّم عليه فلم ألبث أن خرج فقمت قائماً على رجلي فاستقبلته فضرب بكفّه إلى كفّي فشبّك أصابعه في أصابعي ثمّ قال لي :
( ياأصبغ بن نباتة ! قلت : لبّيك وسعديك يا أمير المؤمنين ! فقال : إنّ وليّنا وليّ الله ، فإذا مات كان في الرفيق الأعلى ، وسقاه الله من نهر أبرد من الثلج ، وأحلى من الشهد ، فقلت : جعلت فداك ! وإن كان مذنباً ؟
قال : نعم ألم تقرأ كتاب الله : ( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً )(1) ) (2).
7 ـ حديث عمرو بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) :
( إنّي سمعتك وأنت تقول : كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان فيهم ؟ قال : صدّقتك ، كلّهم والله في الجنّة ، قال : قلت : جعلت فداك ! إنّ الذنوب كثيرة كبائر [ كبار ] ، فقال : أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي ، ولكنّي والله أتخوّف عليكم في البرزخ ، قلت : وما البرزخ ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة ) (3).
8 ـ حديث أبي بصير قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) :
( إنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنّة يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربّنا أقم لنا الساعة ، وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأوّلنا ) (4).
إلى غير ذلك من الأحاديث الاُخرى التي تقدّم بعضها (5).
وقانا الله من عذاب القبر وفتنته ، وهي ترتفع بحبّ أهل البيت (عليهم السلام) ، وببركة تلاوة القرآن الكريم ، خصوصاً آية الكرسي ، وسورة الملك ، وسورة التكاثر ، كما تلاحظه في المعالم الزلفى (6).
الأشراط جمع شَرَط ـ بفتحتين ـ بمعنى العلامة .
والساعة يعبّر بها عن يوم القيامة لوقوعها بغتةً أو لأنّها على طولها عند الله تعالى كساعة من ساعات الخلق .
وأشراط الساعة هي علامات يوم القيامة التي تدلّ على قربها كما أفاده في مجمع البحرين (1) ، أشار الله تعالى إليها بقوله عزّ إسمه : ( ... فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ )(2).
وهذه الأشراط كثيرة ويلزم الإيمان بها ولو إجمالا ، وقد بيّنتها أحاديث العترة الطاهرة (عليهم السلام) نظير حديث الخصال الآتي :
وهو ما رواه حذيفة بن أسيد الغفاري قال : كنّا جلوساً في المدينة في ظلّ حائط ، قال : وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غرفة فاطّلع علينا فقال :
( فيمَ أنتم ؟ فقلنا : نتحدّث ، قال : عمّ ذا ؟ قلنا : عن الساعة ، فقال : إنّكم لا ترون الساعة حتّى ترون قبلها عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدجّال ، ودابة الأرض ، وثلاثة خسوف في الأرض : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وخروج
---------------------------
(1) مجمع البحرين : (ص363 و382) .
(2) سورة محمّد : (الآية 18) .
العقائد الحقّة _ 436 _
عيسى بن مريم (عليه السلام) ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً ، تسوق الناس إلى المحشر ، كلّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر ) (1).
فهذه العلائم تكون في آخر الدنيا وتؤذن بقرب يوم القيامة .
ولعلّ عاشر العلامات سقط من هذا الحديث الشريف عند النقل ... ويحتمل أن يكون هو الدخّان الذي يأتي به السماء حيث قال تعالى : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبِين )(2).
فالدخان آية من أشراط الساعة (3).
وقد ورد ذكر هذه العلائم بعضها في الملاحم ، وبعضها في علائم الظهور ، وبعضها في أحاديث الأشراط وتلاحظ لمزيد المعرفة أحاديث بحار الأنوار (4) ، فراجع .
الصُوْر في اللغة هو القرن ينفخ فيه (1).
وسمّي به الصور الذي ينفخ فيه للفناء والإحياء .
ويُفسّر بصور إسرافيل الذي ينفخ فيه بإذن الله فيموت الجميع ، ثمّ ينفخ فيه اُخرى فيكون البعث .
وأفاد العلاّمة المجلسي (2) : أنّه يجب الإيمان بالصور على النحو الذي ورد في النصوص الصريحة ، وتأويله بأنّه جمع الصورة ليكون بمعنى نفخ الروح في صُوَر الأشخاص خروج عن ظواهر الآيات بل صريحها ...
لأنّه لا يتأتّى ذلك في النفخة الاُولى التي هي للإماتة لا الإحياء ، ويأبى عنه توحيد الضمير الذي يدلّ على كون الصور شيئاً واحداً لا صُوَر الإنسان المتعدّدة ، وتعرف ذلك يعني وجود النفختين من مثل قوله تعالى : ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى )(3).
كماأنّه يلزم بهذا المعنى المأوّل طرح النصوص الصحيحة الصريحة ، فلا يتمّ تفسير نفخ الصور بنفخ الروح في الصُوَر كما ادّعاه بعض .
والصحيح هو معناه المعهود يعني صُور اسرافيل .
هذا ، ونفخ الصور ثابت بدليل الكتاب والسنّة :
أمّا الكتاب :
ففي آيات كثيرة منها قوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الاَْرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ )(1).
وتلاحظ آيات النفخ مجموعة في أوّل باب نفخ الصور من البحار الذي سيأتي ذكره .
وأمّا السنّة :
ففي أحاديث متظافرة منها :
1 ـ ما في تفسير القمّي في قوله : ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) .
قال : ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلّهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله ، ولا يوصى بوصيّة ، وذلك قوله : ( فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ )(2).
قال علي بن إبراهيم : ثمّ ذكر النفخة الثانية فقال : ( إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ )(3) ـ (4).
---------------------------
(1) سورة الزمر : (الآية 68) .
(2) سورة يس : (الآيات 48 ـ 50) .
(3) سورة يس : (الآية 53) .
(4) بحار الأنوار : (ج6 ص323 ب2 ح1) .
العقائد الحقّة _ 439 _
2 ـ حديث التفسير أيضاً في قوله : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الاَْرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ )(1).
وهو حديث ثوير بن أبي فاختة المتقدّم ، عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال :
( سئل عن النفختين : كم بينهما ؟
قال : ما شاء الله ، فقيل له : فأخبرني يا بن رسول الله كيف ينفخ فيه ؟
فقال : أمّا النفخة الاُولى فإنّ الله يأمر إسرافيل فيهبط إلى الدنيا ومعه صور ، وللصور رأس واحد وطرفان ، وبين طرف كلّ رأس منهما ما بين السماء والأرض ، قال : فإذا رأت الملائكة إسرافيل وقد هبط إلى الدنيا ومعه الصور قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة ، فإذا رأوه أهل الأرض قالوا : أذن الله في موت أهل الأرض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلاّ صعق ومات ، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات ذو روح إلاّ صعق ومات إلاّ إسرافيل ، قال : فيقول الله لإسرافيل : يا إسرافيل ! مُت ، فيموت إسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله .
ثمّ يأمر الله السموات فتمور ، ويأمر الجبال فتسير ، وهو قوله : ( يَوْمَ
---------------------------
(1) سورة الزمر : (الآية 68) .
العقائد الحقّة _ 440 _
تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً (1) * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً )(2) يعني تبسط ، و ( تُبَدَّلُ الاَْرْضُ غَيْرَ الاَْرْضِ ) يعني بأرض لم يكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها الجبال ولا نبات ، كما دحاها أوّل مرّة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة مستقلا بعظمته وقدرته .
قال : فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله بصوت جهوريّ يسمع أقطار السماوات والأرضين : ( لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) ، فلا يجيبه مجيب .
فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله مجيباً لنفسه : ( للهِِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )(3) وأنا قهرت الخلائق كلّهم وأمتّهم ، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي ، لا شريك لي ولا وزير ، وأنا خلقت بيدي وأنا أمتّهم بمشيّتي ، وأنا اُحييهم بقدرتي .
قال : فنفخ الجبّار نفخة في الصور يخرج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات ، فلا يبقى في السماوات أحد إلاّ حيّ وقام كما كان ، ويعود حملة العرش ، ويحضر الجنّة والنار ، ويحشر الخلائق للحساب .
قال : فرأيت علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) يبكي عند ذلك بكاءاً شديداً ) (4).
3 ـ حديث هشام بن الحكم في خبر الزنديق الذي سأل الإمام الصادق (عليه السلام)
عن مسائل إلى أن قال : أيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ؟
قال (عليه السلام) :
( بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى ، فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ اُعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها ، وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين ) (1).
4 ـ حديث النهج الشريف :
( هو المفني لها بعد وجودها حتّى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد إبتداعها بأعجب من إنشائها وإختراعها ، وكيف [ و ] لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها وأجناسها ومتبلّدة اُممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ؟
ولتحيّرت عقولها في علم ذلك وتاهت وعجزت قواها ، وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنّها مقهورة ، مقرّة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها .
وإنّ الله سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل إبتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات .
فلا شيء إلاّ الواحد القهّار الذي إليه مصير جميع الاُمور ، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير إمتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على
الإمتناع لدام بقاؤها ، لم يتكأّده صنع شيء منها إذ صنعه ، ولم يؤده خلق ما خلقه وبرأه ، ولم يكوّنها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للإستعانة بها على ند مكاثر ، ولا للإحتراز بها من ضدّ مثاور ، ولا للإزدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها .
ثمّ هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شيء منها عليه ، لم يملّه طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها ، لكنّه سبحانه دبّرها بلطفه وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثمّ يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا إستعانة بشيء منها عليها ) (1).
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج6 ص330 ـ 331 ب2 ح16) ، وهي خطبة نهج البلاغة : (الرقم 181 ص142 من الطبعة المصرية) .
الحشر في اللغة بمعنى الجمع ... يقال : حشرهم حشراً أي جمعهم .
وحشر الأجساد عبارة عن جمع أجزاء بدن الميّت وتأليفها بمثل ما كانت ، وإعادة روحه المدبّرة إليه كما كان ...
ولا شكّ في إمكانه ووقوعه ، والله قادر على كلّ ممكن ، وعالم بالجزئيات ، فيعيد الجزء المعيّن للشخص المعيّن (1).
وفسّره في المفردات : باخراج الجماعة عن مقرّهم وسمّي يوم القيامة يوم الحشر كما سمّي يوم البعث ويوم النشر (2).
والحشر ممّا ثبت بالدليل العلمي كتاباً وسنّةً ، وهو من عقائدنا الحقّة (3).
بل إنّ إنكاره كفر كما في إعتقادات العلاّمة المجلسي (4).
أمّا دليل الكتاب عليه :
فالآيات الكثيرة التي أحصاها في البحار (1) ، منها:
قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الاَْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّة بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً )(2).
وأمّا دليل السنّة على الحشر :
فالأخبار المتواترة المفيدة للعلم واليقين منها ما يلي :
1 ـ حديث هشام بن الحكم المتقدّم أنّه قال الزنديق للإمام الصادق (عليه السلام) : أنّى للروح بالبعث والبدن قد بلي والأعضاء قد تفرّقت ؟ فعضو في بلدة تأكلها سباعها ، وعضو باُخرى تمزّقه هوامّها ، وعضو قد صار تراباً بني به مع الطين حائط ؟
قال (عليه السلام) :
( إنّ الذي أنشأه من غير شيء وصوّره على غير مثال كان سبق إليه ، قادر أن يعيده كما بدأه .
قال : أوضح لي ذلك .
قال : إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير تراباً منه خلق ، وما تقذف به السباع والهوامّ من أجوافها فما أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض
ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض فتربو الأرض ثمّ تمخض مخض (1) السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللّبن إذا مخض فيجتمع تراب كلّ قالب فينقل بإذن الله تعالى إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيأتها وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً ... ) (2). الخبر .
2 ـ حديث جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
( إذا أراد الله أن يبعث أمطر السماء على الأرض أربعين صباحاً فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم .
وقال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذه فأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوّت بصاحبه فقال : قم بإذن الله ، فخرج منه رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول : الحمد لله والله أكبر ، فقال جبرئيل : عُد بإذن الله ، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال : قم بإذن الله ، فخرج منه رجل مسودّ الوجه وهو يقول : ياحسرتاه ! ياثبوراه ! ثمّ قال له جبرئيل : عُد إلى ما كنت بإذن الله ، فقال : يا محمّد ! هكذا يحشرون يوم القيامة ، والمؤمنون يقولون هذا القول ، وهؤلاء يقولون ما ترى ) (3).
3 ـ حديث جابر ، عن أبي جعفر [ الباقر ] صلوات الله عليه قال :
( كان فيما وعظ به لقمان (عليه السلام) إبنه أن قال : يا بني ! إن تك في شكّ من الموت فارفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك ، وإن كنت في شكّ من البعث فارفع عن نفسك الإنتباه ولن تستطيع ذلك .
فإنّك إذا فكّرت في هذا علمت أنّ نفسك بيد غيرك ، وإنّما النوم بمنزلة الموت ، وإنّما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت ) (1).
4 ـ حديث عمّار بن موسى ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
( وسئل عن الميّت يبلى جسده ؟
قال : نعم حتّى لا يبقى لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خلق منها ، فإنّها لا تبلى ، تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة ) (2).
5 ـ قول النبي (صلى الله عليه وآله) :
( يا بني عبدالمطلّب ! إنّ الرائد لا يكذب أهله ، والذي بعثني بالحقّ لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثنّ كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار إلاّ جنّة أو نار ، وخَلْقُ جميع الخلق وبعثهم على الله عزّ وجلّ كخلق نفس واحدة وبعثها ، قال الله تعالى : ( مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْس وَاحِدَة )(3) ) (4).
6 ـ حديث شيخ الطائفة في الأمالي بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة طويلة قال :
( اسمع ياذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ والتعريف ، جُعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال والحباء والنكال ، يوم تقلّب إليه أعمال الأنام ، وتحصى فيه جميع الآثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، ويفرّق بين كلّ نفس وحبيبها ، ويحار في تلك الأهوال عقل لبيبها ، إذ نكرت الأرض بعد حسن عمارتها ، وتبدّلت بالخلق بعد أنيق زهرتها ، أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، ونفضت إلى الله أحمالها ، يوم لا ينفع الحذر إذ عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، وعُرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا ، فانشقّت القبور بعد طول إنطباقها ، وإستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها ، كشف عن الآخرة غطاؤها ، فظهر للخلق أنباؤها ، فدكّت الأرض (1) دكّاً دكّاً ، ومدّت لأمر يُراد بها مدّاً مدّاً ، واشتدّ المبادرون إلى الله شدّاً شدّاً ، وتزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفاً زحفاً ، وردّ المجرمون على الأعقاب ردّاً ردّاً ، وجدّ الأمر ويحك ياإنسان جدّاً جدّاً ، وقرّبوا للحساب فرداً فرداً ، وجاء ربّك والملك صفّاً صفّاً ، يسألهم عمّا عملوا حرفاً حرفاً ، وجىء بهم عراة الأبدان ، خشّعاً أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنّم يسمعون زفيرها ويرون سعيرها ، فلم يجدوا ناصراً ولا وليّاً يجيرهم من الذلّ ، فهم
---------------------------
(1) أي كُسر كلّ شيء على ظهر الأرض من جبل أو شجر أو بناء حين زلزلت فلم يبق عليها شيء .
العقائد الحقّة _ 448 _
يَعْدون سراعاً إلى مواقف الحشر يساقون سوقاً ، فالسماوات مطويّات بيمينه كطيّ السجلّ للكتب ، والعباد على الصراط وَجِلت قلوبهم يظنّون أنّهم لا يسلمون ، ولا يؤذن لهم فيتكلّمون ، ولا يقبل منهم فيعتذرون ، قد ختم على أفواههم ، واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
يا لها من ساعة ! ما أشجى مواقعها من القلوب حين ميّز بين الفريقين : فريق في الجنّة ، وفريق في السعير ، من مثل هذا فليهرب الهاربون ، إذا كانت الدار الآخرة لها فليعمل العاملون ) (1).
7 ـ حديث أبي الورد ، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال :
( إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد فهم حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتّى يعرقوا عرقاً شديداً فتشتدّ أنفاسهم فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاماً وهو قول الله : ( وَخَشَعَتْ الاَْصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً )(2).
قال : ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش : أين النبي الاُمّي ؟ فيقول الناس : قد أسمعت فسمّ باسمه ، فينادي : أين نبي الرحمة محمّد بن عبدالله الاُمّي (3) (صلى الله عليه وآله) ؟ فيتقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمام الناس كلّهم حتّى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة إلى صنعاء فيقف عليه .
---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص98 و99 ب5 ح2) .
(2) سورة طه : (الآية 108) .
(3) يأتي بيانه عند ذكر الحوض .
العقائد الحقّة _ 449 _
ثمّ ينادي بصاحبكم (1) فيتقدّم أمام الناس فيقف معه ، ثمّ يؤذن للناس فيمرّون ، فبين وارد الحوض يومئذ وبين مصروف عنه ، فإذا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يصرف عنه من محبّينا يبكي فيقول : يا ربّ ! شيعة علي ، قال : فيبعث الله إليه ملكاً فيقول : ما يبكيك يا محمّد ؟ فيقول : أبكي لاُناس من شيعة علي أراهم قد صرفوا تلقاء النار ومنعوا ورود الحوض ، قال : فيقول له المَلَك : إنّ الله يقول : قد وهبتهم لك يا محمّد وصفحت لهم عن ذنوبهم وألحقتهم بك وبمن كانوا يقولون به وجعلناهم في زمرتك فأوردهم حوضك .
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون : يا محمّداه ! إذا رأوا ذلك ، ولا يبقى أحد يومئذ يتولاّنا ويحبّنا ويتبرّأ من عدوّنا ويبغضهم إلاّ كانوا في حزبنا ومعنا ويرد حوضنا ) (2).
8 ـ ما في كتاب كتبه أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى أهل مصر مع محمّد بن أبي بكر :
( يا عباد الله ! إنّ بعد البعث ما هو أشدّ من القبر ، يوم يشيب فيه الصغير ، ويسكر فيه الكبير ، ويسقط فيه الجنين ، وتذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت ، يوم عبوس قمطرير ، يوم كان شرّه مستطيراً ، إنّ فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم ، وترعد منه السبع الشداد ، والجبال الأوتاد ، والأرض المهاد ، وتنشقّ
---------------------------
(1) أي أمير المؤمنين وسيّدهم وزعيمهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
(2) بحار الأنوار : (ج7 ص101 ـ 102 ب5 ح9) .
العقائد الحقّة _ 450 _
السماء فهي يومئذ واهية ، وتتغيّر فكأنّها وردة كالدهان (1) ، وتكون الجبال سراباً مهيلا بعد ما كانت صمّاً صلاباً ، وينفخ في الصور فيفزع من في السماوات والأرض إلاّ من شاء الله ، فكيف من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن إن لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم ؟ لأنّه يصير إلى غيره إلى نار قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وشرابها صديد ، وعذابها جديد ، ومقامها حديد ، لا يغيّر عذابها ولا يموت ساكنها ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تسمع لأهلها دعوة ) (2). الخبر .
9 ـ حديث ياسر الخادم قال : سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول :
( إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ويخرج من بطن اُمّه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا .
وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى (عليه السلام) في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال : ( وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً )(3).
وقد سلّم عيسى بن مريم (عليه السلام) على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : ( وَالسَّلاَمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً )(4) ) (5).
---------------------------
(1) قال في مجمع البحرين : (ص557) : أي كدهن الزيت أي تمور كالدهن ، وقيل الدهان : الأديم الأحمر أي صارت حمراء كالأديم .
(2) بحار الأنوار : (ج7 ص103 و104 ب5 ح16) .
(3) سورة مريم : (الآية 15) .
(4) سورة مريم : (الآية 33) .
(5) بحار الأنوار : (ج7 ص104 ب5 ح18) .
العقائد الحقّة _ 451 _
10 ـ حديث شريك ، يرفعه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
( إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة في لمّة من نسائها ، فيقال لها : ادخلي الجنّة .
فتقول : لا أدخل حتّى أعلم ما صنع بولدي من بعدي .
فيقال لها : انظري في قلب القيامة ، فتنظر إلى الحسين صلوات الله عليه قائماً ليس عليه رأس ، فتصرخ صرخة ، فأصرخ لصراخها ، وتصرخ الملائكة لصراخنا ، فيغضب الله عزّ وجلّ لنا عند ذلك ، فيأمر ناراً يقال لها : هبهب قد اُوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت ، لا يدخلها رَوح أبداً ، ولا يخرج منها غمّ أبداً ، فيقال : التقطي قتلة الحسين (عليه السلام) ، فتلتقطهم .
فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها ، وشهقت وشهقوا بها ، وزفرت وزفروا بها ، فينطقون بألسنة ذلقة (1) طلقة : يا ربّنا ! لِمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عزّ وجلّ : إنّ من علم ليس كمن لم يعلم ) (2).
فالحشر حقّ في الجميع حتّى أنّه يكون في الحيوانات كما يستفاد ذلك من قوله تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الاَْرْضِ وَلاَ طَائِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(3) فيُحشر جميع الحيوانات حتّى الوحوش وينتصف لها ولبعضها من بعض كما تلاحظ تفصيل بيانه وأحاديثه في
تفسير الكنز (1) من ذلك :
ما رواه عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه أبصر ناقةً معقولة وعليها جهازها ، فقال : أين صاحبها ؟ [ مُروه ] فليستعد غداً للخصومة .
وما رواه عن أبي ذرّ أنّه قال : بينا أنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا انتطحت عنزان .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أتدرون فيما إنتطحا ؟
فقالوا : لا ندري .
قال : ولكن الله يدري وسيقضي بينهما .
---------------------------
(1) تفسير كنز الدقائق : (ج4 ص323) .