السيد علي الميلاني

تمهيد
  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .
  موضوع البحث ـ كما طلبتم ـ مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) ، ولماذا لم تقولوا مناقب الزهراء ؟ أو لم تقولوا حياة الزهراء ؟ وإنما عنونتم مظلومية الزهراء .
  قد يقال ـ كما قيل ـ قضايا الزهراء سلام الله عليها قضايا تاريخية ، ولا ينبغي أن تثار ، والقضية التاريخية قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة .
   سنحاول أن نبحث عن هذه القضية بلا أي تعصب وتشنج ، وإن كان الصبر على ما وقع ، وقراءة ما وقع ، والحديث عما وقع ، وتحمل ذلك كله أمرا صعبا ، سترون أني لا أذكر شيئا إلا من مصادر القوم فحسب ، بل من أعظم مصادرهم ، وأشهر كتبهم ، وأصح كتبهم ، وأسبق كتبهم وأقدمها ، سأحاول ذلك قدر الإمكان .
  ولو كانت قضية تاريخية فحسب ، فحروب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغزواته كلها قضايا تاريخية ، ومواقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في تلك الغزوات والحروب قضايا تاريخية ، ومبيت أمير المؤمنين في ليلة الهجرة على فراش رسول الله قضية تاريخية ، وزواج علي من فاطمة الزهراء ـ بعد أن رد رسول الله غيره ـ قضية تاريخية ، وحروبه أيضا قضايا تاريخية ، وقضية كربلاء وشهادة الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه وأولاده قضية تاريخية ، فلماذا نبحث عنها ؟ وحتى عند أهل السنة أيضا : كون أبي بكر مع رسول الله في الغار قضية تاريخية ، صلاته التي يزعمونها في مكان رسول الله في مرضه قضية تاريخية ، وهكذا بقية الأمور التي يستدلون بها في كتبهم بزعمهم على فضائل أئمتهم ومناقب أمرائهم وخلفائهم .
   الحقيقة أن قضية الزهراء ( سلام الله عليها ) أساس مذهبنا ، وجميع القضايا التي لحقت تلك القضية وتأخرت عنها كلها مترتبة على تلك القضية ، ومذهب الطائفة الإمامية الاثني عشرية بلا قضية الزهراء سلام الله عليها وبلا تلك الآثار المترتبة على تلك القضية ـ هذا المذهب ـ يذهب ولا يبقى ، ولا يكون فرق بينه وبين المذهب المقابل .
   سنبحث عن قضية الزهراء ( سلام الله عليها ) في ضمن مطالب ، وهذه المطالب مترتبة ، أي كل مطلب منها يترتب على المطلب الذي قبله ، حتى نصل إلى المطلب الأخير ، ونستنتج من جميع هذه المطالب ، ثم نذكر أهم مسائل القضية ، وسترون أنها قضية علمية عقائدية مذهبية ، لها كل التأثير في مصير هذا المذهب ، ولها كل التأثير في سلوك أبناء هذا المذهب ، وإليكم المطالب بالتفصيل :

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 2 _

المطلب الأول
  أحاديث في مقام الزهراء ( عليها السلام ) ومنزلتها عند الله وعند الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الأحاديث في هذا الباب كثيرة ، حتى أن عدة من علماء الفريقين دونوها في كتب مفردة ، وقد انتخبت من تلك الأحاديث هذه الأحاديث التي سأقرؤها ، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمها :
  الحديث الأول : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، أو ( سيدة نساء هذه الأمة ) ، أو ( سيدة نساء المؤمنين ) ، أو ( سيدة نساء العالمين ) .
  هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في : صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، وفي مسند أحمد ، وفي الخصائص للنسائي ، وفي مسند أبي داود الطيالسي ، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء ، وفي المستدرك وصحيح الترمذي ، وفي صحيح ابن ماجة ، وغيرها من الكتب (1) .
  ففاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين .
   الحديث الثاني : في أن فاطمة ( سلام الله عليها ) بضعة من النبي : ( فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني ) .
  هذا الحديث بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، وعدة من المصادر(2). ( فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ).
  بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وصحيح أبي داود ، وصحيح مسلم ، وغيرها من المصادر (3) .

---------------------------
( 1 ) الخصائص للنسائي : 34 ، الطبقات 2 / 40 ، مسند أحمد 6 / 282 حلية الأولياء 2 / 39 ، المستدرك 3 / 151 .
( 2 ) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة ( عليها السلام ) .
( 3 ) مسند أحمد 4 / 328 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 3 _

المطلب الثاني
  في أن من آذى علياً ( عليه السلام ) فقد آذى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان المطلب الأول في أن من آذى فاطمة فقد آذى رسول الله ، وهذا المطلب الثاني في أن من آذى علياً فقد آذى رسول الله ، وذاك قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( من آذى عليا فقد آذاني ) .
  هذا الحديث تجدونه في : المسند ، وفي صحيح ابن حبان ، وفي المستدرك ، وفي الإصابة ، وأسد الغابة ، وأورده صاحب كنز العمال عن ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني ، وله أيضا مصادر أخرى(1) .

المطلب الثالث
  في أن بغض علي ( عليه السلام ) نفاق أخرج مسلم في صحيحه عن علي ( عليه السلام ) قال : ( والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي إلي ( وهل يكون التأكيد بأكثر من هذا ؟ ) أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ) .
  تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند : النسائي ، والترمذي ، وابن ماجة ، وفي مسند أحمد ، وفي المستدرك ، وفي كنز العمال عن عدة من كبار الأئمة (2).
   وفي مسند أحمد وصحيح الترمذي عن أم سلمة : كان رسول الله يقول ( هذه الصيغة تدل على الاستمرار ) كان رسول الله يقول : ( لا يحب علياً منافق ولا يبغضه مؤمن ) (3).

---------------------------
(1) مسند أحمد 3 / 483 ، المستدرك 3 / 122 ، مجمع الزوائد 9 / 129 ، أسد الغابة والإصابة بترجمته عن عدة من الأئمة ، كنز العمال 11 / 601 .
(2) مسند أحمد 1 / 84 ، 128 ، صحيح مسلم كتاب الإيمان ، كنز العمال 13 / 120 رقم 36385 ( * ) .
(3) مسند أحمد 6 / 292 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 4 _

  نستفيد من هذه الأحاديث في هذا المطلب : إن حب علي وحب المنافقين لا يجتمعان ، لو أن أحدا يعتقد حتى بإمامة علي وولايته بعد رسول الله ، إلا أنه لا يبغض المنافقين ، هذا الشخص هو أيضا منافق ، وهو مطرود من الطرفين ، أي من المؤمنين ومن المنافقين ، لأن المنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد ، ولأن المؤمنين لا يحبون المنافقين وهذا يحب .
  ولا يمكن الجمع بينهما بأي حال من الأحوال ، وبأي شكل من الأشكال .

االمطلب الرابع
  في إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً ( عليه السلام ) بأن الأمة ستغدر به قال علي ( عليه السلام ) : ( إنه مما عهد إلي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن الأمة ستغدر بي بعده ) .
  قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال الذهبي في تلخيصه : صحيح(1)، وقد قرروا أن كل حديث وافق الذهبي فيه الحاكم النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين .
  ومن رواة هذا الحديث أيضا : ابن أبي شيبة ، والبزار ، والدار قطني والخطيب البغدادي ، والبيهقي ، وغيرهم .

---------------------------
( 1 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 140 ، 142 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 5 _

المطلب الخامس
   ضغائن في صدور أقوام أخرج أبو يعلى والبزار ـ بسند صححه : الحاكم ، والذهبي ، وابن حبان ، وغيرهم ـ عن علي ( عليه السلام ) قال : ( بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، إذ أتينا على حديقة ، فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال : إن لك في الجنة أحسن منها ، ثم مررنا بأخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! قال : لك في الجنة أحسن منها ، حتى مررنا بسبع حدائق ، كل ذلك أقول ما أحسنها ويقول : لك في الجنة أحسن منها ، فلما خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكيا ، قلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ، قال : قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك ) .
  هذا اللفظ في : مجمع الزوائد عن : أبي يعلى والبزار(1) ، ونفس السند موجود في المستدرك وقد صححه الحاكم والذهبي (2) ، فيكون سنده صحيحا يقينا ، لكن اللفظ في المستدرك مختصر وذيله غير مذكور ، والله أعلم ممن هذا التصرف ، هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين ؟ فراجعوا ، السند نفس السند عند أبي يعلى وعند البزار وعند الحاكم ، والحاكم يصححه والذهبي يوافقه ، إلا أن الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل ، لأنه إلى حد ( إن لك في الجنة أحسن منها ) لا أكثر .
  وهناك أحاديث أيضا صريحة في أن ( الأقوام ) المراد منهم في هذا الحديث ( هم قريش ) ، وفي المطلب السادس أيضا بعض الأحاديث تدل على ذلك ، فلاحظوا .

---------------------------
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 118 .
( 2 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 139 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 6 _

المطلب السادس
  في أن قريشا هم سبب هلاك الناس بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( يهلك أمتي هذا الحي من قريش ) ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : ( لو أن الناس اعتزلوهم ) .
  وعن أبي هريرة أيضاً قال : سمعت الصادق المصدوق يقول : ( هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش ) ، فقالوا : مروان غلمة ؟ قال أبو هريرة : إن شئت أن أسميه ، بني فلان ، بني فلان والحديثان في الصحيحين (1).

المطلب السابع
  لم يرو من الضغائن والغدر إلا القليل وهذا المطلب مهم جداً ، فالغدر الذي كان ، والضغائن التي بدت ـ التي سبق وأن أخبر عنها رسول الله ـ لم يرو منها في الكتب إلا القليل ، والسبب واضح ، لأنهم منعوا من تدوين الحديث ، وعندما دون ، فقد دون على يد بني أمية وفي عهدهم ، وهذا حال السنة ، أي السنة عند أهل السنة .
  ثم إن من كان عنده شئ من تلك الأمور التي أشار إليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يروه ، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره ، ومن نقله إلى الآخرين ، حتى أن من كان عنده كتاب فيه شئ من تلك القضايا ، أخذوه منه ، أو أخفاه ولم يظهره لأحد ، أذكر لكم موارد من هذا القبيل : قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همام الصنعاني في كتاب الكامل : ولعبد الرزاق بن همام ( هذا شيخ البخاري ) أصناف حديث كثير ،

---------------------------
( 1 ) وأخرجه أحمد 2 / 324 ، 288 ، 299 ، 520 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 7 _

إليه ثقات المسلمين وأئمتهم وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأساً ، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا ، وأما في باب الصدق فأرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير (1).
  وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ـ الحافظ الكبير ـ يقول ابن عدي : سمعت عبدان يقول : وحمل ابن خراش إلى بندار جزئين صنفهما في مثالب الشيخين فأجازه بإلفي درهم .
  فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟ قال ابن عدي : فأما الحديث فأرجو أنه لا يتعمد الكذب(2) .
   فالرجل ليس بكاذب ، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي أو راجعتم تذكرة الحفاظ للذهبي ، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب ، ويتهجم على ابن خراش ويشتمه ويسبه سب الذين كفروا (3) .
  ولا يتوهمن أحد أن هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة ، وذلك ، لأن هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل ، ويعتمدون على آرائه في رد الراوي أو قبوله ، أذكر لكم موردا واحدا ، يقول ابن خراش بترجمة عبد الله بن شقيق ، وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول : قال ابن خراش : كان ـ عبد الله بن شقيق ـ ثقة وكان عثمانيا يبغض عليا (4) .
   فابن خراش ليس بشيعي ، لأنه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنه كان عثمانيا يبغض علياً .
   فلا يتوهم أن هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة ، بل هو من أعلام أهل السنة ومن كبار حفاظهم ، إلا أنه ألف جزئين في مثالب الشيخين .
  مورد آخر في كتاب العلل لأحمد بن حنبل ، قال أحمد : كان أبو عوانة ( الذي هو من كبار محدثيهم وحفاظهم ، وله كتاب في الصحيح اسمه : صحيح أبي عوانة ) وضع كتابا فيه معايب أصحاب رسول الله ، وفيه بلايا ، فجاء سلام بن أبي مطيع(5) فقال : يا أبا عوانة ، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه ، فأخذه سلام فأحرقه(6).

---------------------------
(1) الكامل في الضعفاء 6 / 545 .
(2) الكامل في الضعفاء 5 / 519 .
(3) سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، تذكرة الحفاظ 2 / 684 ، ميزان الاعتدال 2 / 600 .
(4) تهذيب التهذيب 5 / 223 .
(5) الإمام الثقة القدوة ، من رجال الصحيحين .
سير أعلام النبلاء 7 / 428 .
(6) كتاب العلل والرجال 1 / 60 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 8 _

  ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبد الرحمن بن مهدي(1)قال : فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله (2).
  فهذا يستغفر الله من أنه نظر في هذا الكتاب ، والشخص الآخر جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا .
  مورد آخر : ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الأشقر : أن أحمد بن حنبل حدث عنه وقال : لم يكن عندي ممن يكذب ( فهو حدث عنه وقال : لم يكن عندي ممن يكذب ) فقيل له : إنه يحدث في أبي بكر وعمر ، وإنه صنف باباً في معايبهما ، فقال : ليس هذا بأهل أن يحدث عنه(3) !.
أولاً : أين ذاك الباب الذي اشتمل على هذه القضايا ؟ ولماذا لم يصل إلينا ؟.
وثانيا : إنه بمجرد أن علم أحمد بن حنبل بأن الرجل يحدث في الشيخين ، وبأنه صنف مثل هذه الأحاديث في كتاب ، سقط من عين أحمد وأصبح كذابا لا يعتمد عليه ولا يروى عنه ! مورد آخر : في ميزان الاعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن زهير الكوفي : قال أبو حاتم : روي في مثالب معاوية فمزقنا ما كتبنا عنه(4)، فراحت تلك الروايات .
   وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب .
   ثم إنهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح ، ذكروا أنه كان يشتم أبا بكر وعمر ، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن السدي(5) ، وبترجمة تليد بن سليمان (6) ، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي (7) ، وغير هؤلاء .

---------------------------
(1) الإمام الناقد المجود سيد الحفاظ .
سير أعلام النبلاء 9 / 192 .
(2) كتاب العلل والرجال 3 / 92 الطبعة الحديثة .
(3) تهذيب التهذيب 2 / 291 .
(4) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 27 .
(5) تهذيب التهذيب 1 / 274 .
(6) تهذيب الكمال 4 / 322 .
(7) تهذيب التهذيب 2 / 82 - 83 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 9 _

   ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شئ أو أشياء ، مما أدى وسبب في أن يجوزوا لأنفسهم أن يشتموا ويسبوا ؟ وأين تلك القضايا وما هي ؟ وأما ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية ، فكثير جداً ، وأعتقد أنه لا يحصى لكثرته .
  ولقد فشى وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث ، يقول زائدة بن قدامة ـ ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث ـ : متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ) ؟ ! (1) .
  وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة ، جاء أحدهم ـ وهو الحافظ المحدث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي ـ فألف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه ، فلما سئل عن ذلك ، قال بلفظ العبارة : إنما قصدت كف الألسنة عن لعن الخلفاء(2) .
   حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في شرح المقاصد ما نصه : فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد ؟ قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى (3) .
  حتى جاء كتاب عصرنا ، فألفوا في مناقب يزيد ، وألفوا في مناقب الحجاج ، وألفوا في مناقب هند ! ! وإني أعتقد أنهم يعلمون بأن هذه المناقب والفضائل ، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم ، كله كذب ، وإن هؤلاء يستحقون اللعن ، إلا أن الغرض هو إشغال الكتاب والباحثين والمفكرين وسائر الناس بمثل هذه الأمور ، ولكي لا يبقى هناك مجال لأن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى .
  ومن هنا نفهم : إن محاربتهم لقضايا الحسين ( عليه السلام ) ومحاربتهم لمآتم الحسين ( عليه السلام ) ولقضايا عاشوراء ، كل ذلك ، لئلا يلعن يزيد ، ولئلا ينتهى إلى الأعلى فالأعلى .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 3 / 264 .
(2) سير أعلام النبلاء 21 / 161 .
(3) شرح المقاصد 5 / 311 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 10 _

المطلب الثامن
  أحقاد قريش وبني أمية على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وهنا ننقل بعض الشواهد على أحقاد قريش وبني أمية بالخصوص ، وضغائنهم على النبي وأهل البيت ، حتى أنهم كانت تصدر منهم أشياء في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولما لم يتمكنوا من الانتقام من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالذات ، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه .
  قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم أضمروا لرسولك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضروبا من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة علي ، اللهم احفظ حسنا وحسينا ، ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد (1)فيقول أمير المؤمنين : إن قريشا أضمروا لرسول الله ضروباً من الشر والغدر وعجزوا عنها ، والله سبحانه وتعالى حال بينه وبين تلك الشرور أن تصيبه ، إلى أن توفي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكانت الوجبة بأمير المؤمنين والدائرة عليه ، كما أنه في هذا الكلام يشير بأن قريشا ستقتل الحسن والحسين أيضا انتقاما من النبي .
  وقال ( عليه السلام ) في خطبة له : وقال قائل : إنك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص ، فقلت : بل أنتم - والله - أحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به .
  اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه (2) .

---------------------------
( 1 ) شرح نهج البلاغة 20 / 298 .
( 1 ) نهج البلاغة ، الخطبة : 172 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 11 _

  وفي كتاب له ( عليه السلام ) إلى عقيل : فدع عنك قريشا وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنهم قد أجمعوا على حربي إجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجزت قريشا عني الجوازي ، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي(1).
   وروى ابن عدي في الكامل في حديث : فقال أبو سفيان : مثل محمد في بني هاشم مثل ريحانة وسط نتن ، فانطلق بعض الناس إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبروا النبي ، فجاء ( صلى الله عليه وسلم ) ـ يعرف في وجهه الغضب ـ حتى قام فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام إلى آخر الحديث هذا في الكامل لابن عدي(2) بهذا النص ، والقائل أبو سفيان .
  وهو بنفس السند واللفظ موجود أيضا في بعض المصادر الأخرى ، إلا أنهم رفعوا كلمة : فقال أبو سفيان ، ووضعوا كلمة : ( فقال رجل ) .
  لاحظوا مجمع الزوائد(3).
  وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : أتى ناس من الأنصار إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : إنا نسمع من قومك ، حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد مثل نخلة نبتت في الكبا (4).
  والكبا الأرض غير النظيفة .
  لكن هذا الحديث أيضا في بعض المصادر محرف .
  ثم إن السبب في هذه الضغائن ماذا ؟ ليس السبب إلا أقربية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فينتقمون منه انتقاماً من النبي ، مضافاً إلى مواقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الحروب وقتله أبطال قريش ، وهذا ما صرح به عثمان لأمير المؤمنين في كلام له معه ( عليه الصلاة والسلام ) ، أذكر لكم النص الكامل .
  ذكر الآبي في كتاب نثر الدرر ـ وهو كتاب مطبوع موجود ـ وعنه أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابن عباس قال : وقع بين عثمان وعلي كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب(5).
  هذه هي الأحقاد والضغائن ، ولم يتمكنوا من الانتقام من رسول الله ، فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وهكذا توالت القضايا ، انتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين ، وانتقموا ، وانتقموا ، إلى يوم الحسين ( عليه السلام ) وبعد يوم الحسين ( عليه السلام ) . . وإلى اليوم . . . .
---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 16 / 151 .
(2) الكامل في الضعفاء 3 / 28 .
(3) مجمع الزوائد 8 / 215 .
(4) مجمع الزوائد 8 / 215 .
(5) شرح نهج البلاغة 9 / 22 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 12 _

المطلب التاسع
  في بعض ما كان منهم مع علي والزهراء ( عليها السلام ) أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت ، والقضايا التي وقعت ، ومن الطبيعي أن لا يصلنا كل ما وقع ، وأن لا تصلنا تفاصيل الحوادث ، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والأحاديث ، ومع ملاحقة المحدثين والرواة ، ومع منعهم من نقل الأحاديث المهمة ، وحتى مع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأي شكل من الأشكال .
  فإذن ، من بعد هذه القرون المتطاولة ، ومن بعد هذه الحواجز والموانع ، لا نتوقع أن يصل إلينا كل ما وقع ، وإنما يمكننا العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدثين وبعض المؤرخين .
   رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يخبر أهل بيته بأن الأمة ستغدر بهم ، وأنهم سيظهرون ضغائنهم من بعده ، وسينتقمون منه أي : سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته ، لأنها بضعته ، والانتقام من الزهراء انتقام من النبي ، وإنما أبقاها هذه البضعة في هذه الأمة ليختبر الأمة ، وليظهروا ما في ضمائرهم .
  ولم تطل المدة ، فقد وقع الاختبار ، وكانت المدة على الأشهر أشهر ، ثم عادت البضعة إلى رسول الله واتصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف ، وكل ذلك وقع .
   ولكننا لا نتوقع أن نعثر على كل تفاصيل تلك القضايا ، وحتى لو عثرنا على الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقية .
  لقد رأيتم كيف يحرفون الروايات ، حتى تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حق النبي رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الاسم كلمة قال رجل ، فكيف تتوقعون أن يروي لنا الرواة كل ما حدث بعد رسول الله ، أو يتمكن الرواة من نقل كل ما حدث ؟ وبالرغم من ذلك الحصار الشديد ، ومن ذلك المنع الأكيد ، ومن ذلك الإرعاب والتهديد ، مع ذلك ، تبلغنا أطراف من أخبار ما وقع .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 13 _

  ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلا من أهم مصادر أهل السنة ، ولا نتعرض لما ورد في كتبنا أبدا ، وحتى أنا ننقل - قدر الإمكان - عن أسبق المصادر وأقدمها ، فلا ننقل في الأكثر والأغلب عن الكتب المؤلفة في القرون المتأخرة .
   فهنا مسائل :

المسألة الأولى : مصادرة ملك الزهراء ( عليها السلام ) وتكذيبها
   وإننا نعتقد بأن تكذيب الزهراء ( عليها السلام ) من أعظم المصائب ، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أن أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين ( عليه السلام ) قرأ جملة : دخلت زينب على ابن زياد وأراد أن يشرح ذلك الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية ، قال : لأنا نريد أن نؤدي حق هذه الجملة : دخلت زينب على ابن زياد وهذه مصيبة ، وما أعظمها ! ! دخلت زينب على ابن زياد ! ! مجرد تكذيب الزهراء ( سلام الله عليها ) وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ، إنما القضية ظلم الزهراء ( سلام الله عليها ) وتضييع حقها ، وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة :
  أولاً : لقد كانت فدك ملكا للزهراء في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأن رسول الله أعطى فاطمة فدكا ، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة .
  وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين .
  أما من أهل السنة : فقد أخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت الآية ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدكا .
  وهذا الحديث أيضا مروي عن ابن عباس .
  تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدثين في الدر المنثور(1).
  ومن رواته أيضا : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم .
  ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نص ابن تيمية في منهاج السنة على أنه خال من الموضوعات ( 2 ) ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيمية خال من الموضوعات ، فهؤلاء عدة من رواة هذا الخبر .

---------------------------
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 177 .
(2) منهاج السنة 7 / 13 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 14 _

  وقد أقر بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله ، وأن فدكاً كانت عطية منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصوا على هذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إن أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً(1).
  فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر .
  فلماذا انتزعها ؟ وبأي وجه ؟ لنفرض أن أبا بكر كان جاهلاً بأن الرسول أعطاها وملكها ووهبها فدكاً ، فهلا كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟ .
  وثانيا : لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها ، فهل كان يجوز له أن يطالبها بالبينة على كونها مالكة لفدك ؟ إن هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنه كان له الحق في أن يطالبها البينة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين ( سلام الله عليه ) ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإن علم صدقه ! لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر يقولون : لعله كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد(2).
  نقول : لكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل شهادة الواحد ـ وهو خزيمة ذو الشهادتين ـ وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبد الله بن عمر ، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنه في جامع الأصول لابن الأثير : قضى بشهادة واحد وهو عبد الله بن عمر(3) .
  أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبد الله بن عمر في نظر النبي ؟ وثالثا : لو سلمنا حصول الشك لأبي بكر ، وفرضنا أن أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلا طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلا طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشاهد ويمين .
  راجعوا صحيح مسلم في كتاب الأقضية(4) ، وراجعوا صحيح أبي داود(5)بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على النبي ، كما في كتاب الخلافة من كنز العمال .

---------------------------
(1) الصواعق المحرقة : 31 .
(2) شرح المواقف 8 / 356 .
(3) جامع الأصول 10 / 557 .
(4) صحيح مسلم 5 / 128 .
(5) صحيح أبي داود 3 / 419 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 15 _

   وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها : لعله لم ير الحكم بشاهد ويمين(1).
  نقول : فكان عليه حينئذ أن يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟ وهذا كله بغض النظر عن عصمة الزهراء ، بغض النظر عن عصمة علي ( عليه السلام ) ، لو أردنا أن ننظر إلى القضية كقضية حقوقية يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية .
  وأيضا ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضاً أم أيمن ، ورسول الله يشهد بأنها من أهل الجنة ، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الإصابة لابن حجر(2) .
  ثم نقول : سلمنا ، إن فاطمة وأهل البيت غير معصومين ، وسلمنا أن فدكاً لم تكن بيد الزهراء ( سلام الله عليها ) في حياة النبي ، فلا ريب أن الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟ ! تنزلنا عن كونها بضعة رسول الله ، تنزلنا عن كونها معصومة ، لا إشكال في أنها من الصحابة ، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة تماما لقضية الزهراء ، وقد رتب أبو بكر الأثر على قول ذلك الصحابي وصدقه في دعواه .
  هذا كله بعد التنزل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأم أيمن ، وبعد التنزل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي .
  استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثم لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية : أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله الأنصاري : إنه لما جاء أبا بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لأبي بكر : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثم حثوت لك ثم حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدم فخذ بعددها .
  فنقول : رسول الله يس في هذا العالم ، يدعي جابر أن رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله ، وأبو بكر خليفة رسول الله ، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له : إن رسول الله قال لي كذا ، ورتب أبو بكر الأثر على قوله وصدقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد .
  هذه هي القضية ، وتأملوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين .

---------------------------
(1) شرح المواقف 8 / 356 .
(2) الإصابة في معرفة الصحابة 4 / 432 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 16 _

  فلاحظوا ما يقوله شراح البخاري ، كيف يجوز لأبي بكر أن يصدق كلام صحابي ودعواه على رسول الله ، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم ، ثم أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادعاه ، ولم يطلب منه بينة ، ولا يمينا ! !.
  لاحظوا ماذا يقولون ! ! يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : وأما تصديق أبي بكر جابرا في دعواه ، فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ، فهو وعيد ، ولا يظن بأن مثله ـ مثل جابر ـ يقدم على هذا(1).
  فإذا كنتم لا تظنون بجابر أن يقدم على هذا الشئ ، ويكذب على رسول الله ، بل بالعكس ، تظنون كونه صادقاً في دعواه ، فهلا ظننتم هذا الظن بحق الزهراء ـ بعد التنزل عن كل ما هنالك كما كررنا ـ وقد فرضناها مجرد صحابية كسائر الصحابة ! ثم لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول : وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو ( لو هذه وصلية ) جر ذلك نفعا لنفسه(2).
  فالحديث يدل على قبول خبره ، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه ، وهلا فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأن رسول الله نحلني فدكاً ، أعطاني فدكاً ، ملكني فدكاً ! ! ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري قلت : إنما لم يلتمس شاهدا منه ـ أي من جابر ـ لأنه عدل بالكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) ، فمثل جابر إن لم يكن من خير أمةٍ فمن يكون ؟ وأما السنة فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : من كذب علي متعمدا. . . لاحظوا بقية كلامه يقول : ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أن يكذب على رسول الله متعمدا(3).
  فكيف نظن بجابر هكذا ؟ فكان يجوز لأبي بكر أن يصدق جابراً في دعواه ، فلم لم يصدق الزهراء في دعواها ؟ وهل كانت أقل من جابر ؟ ألم تكن من خير أمةٍ أخرجت للناس ؟ أيظن بها أن تتعمد الكذب على رسول الله ؟ وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أن يكذب متعمداً على رسول الله ؟ أقول : ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصديقة الطاهرة ( سلام الله عليها ) ، بعد التنزل عن كل ما هنالك ، وفرضها واحدا أو واحدة من الصحابة فقط ؟ .

---------------------------
(1) الكواكب الدراري في شرح البخاري 10 / 125 .
(2) فتح الباري في شرح البخاري 4 / 375 .
(3) عمدة القاري في شرح البخاري 12 / 121 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 17 _

  ما الفرق ؟ لماذا يعطى جابر ؟ ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟ ولماذا لا يكذب جابر بل يصدق ويترتب الأثر على قوله بلا بينة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ إذن ، هناك شئ آخر . . . إذن ، من وراء القضية ـ قضية الزهراء ـ شئ آخر . . . فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها . . . ثم جاءت مرة أخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لأن فدكا أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالإجماع ، وكل ما يكون كذا فهو ملك لرسول الله بالإجماع ، وكل ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنه لوارثه من بعده بالإجماع ، والزهراء أقرب الناس إلى رسول الله في الإرث بالإجماع .
  هذه مقدمات أربع ، وكلها مترتبة متسلسلة .
  أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ واللفظ للأول ـ إن فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله .
  فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة(1).
  وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيام ، وخطبتها ( سلام الله عليها ) في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الأيام ، وهنا أيضاً نسأل ونتسائل فنقول : كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول الله أعطى فدكاً للزهراء ، هذه الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر وحده في أن الأنبياء لا يورثون مقبولاً ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضية ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً فاحشاً ، وكان أوجه حل للقضية أن يقال بأن الخبر متواتر ، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ،

---------------------------
(1) صحيح البخاري باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 18 _

  وإنما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة ، وهنا نقاط :
النقطة الأولى :
   كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول الله ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتى أبو بكر لم يسمع منه هذا الخبر والإخبار به عن رسول الله إلى تلك الساعة ؟
النقطة الثانية :
  كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهن من الإرث ! هلا قال لهن عثمان - في الأقل - إن رسول الله قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلغه طلب الزوجات ؟ وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجلتها ، هذه الكلمة في تفسيره يقول : إن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة ، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أنه يورث من الرسول ، فكيف يليق بالرسول أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة ؟(1).
النقطة الثالثة :
  إنه لو تنزلنا عن كل ذلك ، فإن دعوى تواتر الخبر كاذبة ، لأنهم ينصون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجية خبر الواحد ، ومثلوا بهذا الخبر من جملة ما مثلوا ، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى : مختصر ابن الحاجب(2)، والمحصول في علم الأصول (3)للفخر الرازي ، والمستصفى في علم الأصول(4)للغزالي ، والإحكام في أصول الأحكام(5)للآمدي ، وكشف الأسرار في شرح أصول البزدوي(6) للبخاري ،وغير هذه الكتب .
  مضافا إلى هذا ، هناك في الأحاديث أيضا شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلا : كتاب كنز العمال(7).
  وحتى المتكلمون أيضاً يقرون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا : شرح المواقف ،(8) وشرح المقاصد(9).

---------------------------
(1) التفسير الكبير 9 / 210 .
(2) المختصر في علم الأصول 2 / 59 بشرح العضد .
(3) المحصول في علم الأصول 2 / 85 .
(4) المستصفى في علم الأصول 2 / 121 .
(5) الإحكام في أصول الأحكام 2 / 75 و 348 .
(6) كشف الأسرار 2 / 688 .
(7) كنز العمال 12 / 605 ح 14071 .
(8) شرح المواقف 8 / 355 .
(9) شرح المقاصد 5 / 278 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 19 _

النقطة الرابعة :
  إن أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث ، لا أنه منفرد به ، بل إن هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعاً عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضية لم يكن عنده جواب ، حتى بهذا الحديث لم يستدل ، وهذا ما يقوله الحافظ عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش ، إنه يقول : هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان .
  وهو الراوي للقصة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة ( 283 ه‍) الذي ألف جزئين في مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش : حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتهم مالك بن أوس بالكذب(1).
  فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، الذي لأجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كل كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال .
  لاحظوا كيف يتهجم عليه الذهبي يقول : هذا والله الشيخ المعثر الذي ضل سعيه ، فإنه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه ( وكأن الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم ! ! ) فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزين ومشغرى (2).
  هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة ، فلا عتب على حمير الرفضة أو الرافضة وحوافر جزين ومشغرى ! ! فظهر أن هذه القضية - قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت - من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإن الفؤاد ليقطر دما عندما يكتب الإنسان الحر الأبي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن أريد أن أسيطر على أعصابي ، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصلت إليه ، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة .

---------------------------
(1) الكامل في الضعفاء 5 / 518 .
(2) تذكرة الحفاظ 2 / 684 ، وانظر : سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، ميزان الاعتدال 2 / 600 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 20 _

المسألة الثانية : إحراق بيتها ( عليها السلام )
   وقد ذكرنا أن القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث ، وجزئيات الأمور ، وتفاصيل الوقائع ، أتتوقعون أن ينقل لكم البخاري أن فلانا وفلانا وفلانا أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟ ! بهذا اللفظ تريدون ؟ ! لقد وجدتم البخاري ومسلماً وغيرهما يحرفون الأحاديث التي ليس لها من الحساسية والأهمية ولا عشر معشار ما لهذه المسألة .
  إن إحراق بيت الزهراء من الأمور المسلمة القطعية في أحاديثنا وكتبنا ، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلفينا ، ومن أنكر هذا أو شك فيه أو شكك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا ، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائنا من كان .
   أما في كتب أهل السنة ، فقد جاءت القضية على أشكال ، وأنا قد رتبت القضايا والروايات والأخبار في المسألة ترتيبا ، حتى لا يضيع عليكم الأمر ولا يختلط ، وحتى تكونوا على يقظة مما يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث فإن القدر الذي ينقلونه أيضا يتلاعبون به ، أما الذي لم ينقلوه ، أما الذي منعوا عنه ، أما الذي تركوه عمدا ، فذاك أمر آخر ، فالذي نقلوه كيف نقلوه ؟ وسأذكر لكم ما يتعلق بهذه المسألة تحت عناوين :

1 ـ التهديد بالإحراق
   بعض الأخبار والروايات تقول بأن عمر بن الخطاب قد هدد بالإحراق ، فكان العنوان الأول التهديد ، وهذا ما تجدونه في كتاب المصنف لابن أبي شيبة ، من مشايخ البخاري المتوفى سنة ( 235 ه‍ ) ، يروي هذه القضية بسنده عن زيد بن أسلم ، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر ، يقول : حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب ، خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله ، والله ما أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت(1).

---------------------------
(1) المصنف لابن أبي شيبة 7 / 432 . ( 2 ) تاريخ الطبري 3 / 202 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 21 _

  وفي تاريخ الطبري بسند آخر : أتى عمر بن الخطاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير ( هذه نقاط مهمة حساسة لا تفوتنكم ، في البيت كان طلحة أيضاً ، الزبير كان من أقربائهم ، أما طلحة فهو تيمي ) ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتا سيفه ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه (1) .
  وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد .
  لكن بعض كبار الحفاظ منهم لم تسمح له نفسه لأن ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف ، لاحظوا كتاب الإستيعاب لابن عبد البر ، فإنه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة ، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه : إن عمر قال لها : ما أحد أحب إلينا بعده منك ، ثم قال : ولقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولأن يبلغني لأفعلن ولأفعلن(2) .
   نفس الخبر ، بنفس السند ، عن نفس الراوي ، وهذا التصرف ! وأنتم تريدون أن ينقلوا لكم إنه أحرق الدار بالفعل ؟ وأي عاقل يتوقع من هؤلاء أن ينقلوا القضية كما وقعت ؟ إن من يتوقع منهم ذلك إما جاهل وإما يتجاهل ويضحك على نفسه ! !.

2 ـ المجئ بقبس أو بفتيلة
   وهناك عنوان آخر ، وهو جاء بقبس أو جاء بفتيلة هذا أيضاً أنقل لكم بعض مصادره : روى البلاذري المتوفى سنة 224 في أنساب الأشراف بسنده : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا بن الخطاب ، أتراك محرقا علي بابي ؟ ! قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك(3) .
  وفي العقد الفريد لابن عبد ربه المتوفى سنة ( 328 ) : وأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر ( ولم يكن عمر هو الذي بادر ، بعث أبو بكر عمر بن الخطاب ) ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا بن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة(4).

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 3 / 202 .
(2) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 975 .
(3) أنساب الأشراف 1 / 586 .
(4) العقد الفريد 5 / 13 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 22 _


  أقول : وقارنوا بين النصوص بتأمل لتروا الفوارق والتصرفات .
  وروى أبو الفداء المؤرخ المتوفى سنة ( 732 ه‍ )في المختصر في أخبار البشر الخبر إلى : وإن أبوا فقاتلهم ، ثم قال : فأقبل عمر بشئ من نار على أن يضرم الدار(1).
3 ـ إحضار الحطب ليحرق
  الدار وهذا هو العنوان الثالث ، ففي رواية بعض المؤرخين : أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار ، وهذا في تاريخ المسعودي ( مروج الذهب ) وعنه ابن أبي الحديد في شرح النهج عن عروة بن الزبير ، إنه كان يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب ، وجمعه الحطب ليحرقهم ، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد الله إبن الزبير : بإن عمر أحضر الحطب ليحرق الدار على من تخلف عن البيعة لأبي بكر(2) .
  أحضر الحطب هذا ما يقوله عروة بن الزبير ، وأولئك يقولون جاء بشئ من نار فالحطب حاضر ، والنار أيضا جاء بها ، أتريدون أن يصرحوا بأنه وضع النار على الحطب ، يعني إذا لم يصرحوا بهذه الكلمة ولن يصرحوا ! نبقى في شك أو نشكك في هذا الخبر ، الخبر الذي قطع به أئمتنا ، وأجمع عليه علماؤنا وطائفتنا ؟ ! !.
4 ـ المجئ للإحراق
  وهذه عبارة أخرى : إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه أو ليحرقه .
   وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر لابن الشحنة المؤرخ المتوفى سنة ( 882 ه‍ ) ، وكتابه مطبوع على هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير ـ وهو تاريخ معتبر ـ يقول : إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه ، فلقيته فاطمة فقال : أدخلوا فيما دخلت فيه الأمة .

---------------------------
( 2 ) المختصر في أخبار البشر 1 / 156 .
( 1 ) مروج الذهب 3 / 86 ، شرح ابن أبي الحديد 20 / 147 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 23 _

  هذا ، وفي كتاب لصاحب الغارات إبراهيم بن محمد الثقفي ، في أخبار السقيفة ، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي ، عن أحمد ابن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته .
  كتاب السقيفة لهذا المحدث الكبير لم يصلنا ، نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور : الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة .
  وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص - إبراهيم بن محمد الثقفي المتوفى سنة ( 280 أو 283 ه‍ - ) نرى من مؤلفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب ، ولم يصلنا هذان الكتابان ، وقد ترجم له علماء السنة ولم يجرحوه بجرح أبدا ، غاية ما هناك قالوا : رافضي.
   نعم هو رافضي ، ألف كتاب السقيفة وألف كتاب المثالب ، ونقل مثل هذه الأخبار ، روى مسنداً عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد : والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته .
  ومما يدل على صحة روايات هذا الشخص ـ إبراهيم بن محمد الثقفي ـ ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال : لما صنف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة أن يخفيه ولا يظهره ، فقال : أي البلاد أبعد عن التشيع ؟ فقالوا له : إصفهان ـ إصفهان ذاك الوقت ـ ، فحلف أن يخفيه ولا يحدث به إلا في إصفهان ثقة منه بصحة ما أخرجه فيه ، فتحول إلى إصفهان وحدث به فيها(1).
  ذكره أبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان .
  في هذه الرواية : والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته ، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة ، صرحوا بالحطب صرحوا بالنار صرحوا بالقبس صرحوا بالفتيلة صرحوا بكذا وكذا ، إلا أنهم يتجنبون التصريح بكلمة إنه وضع النار على الحطب ، وتريدون أن يصرحوا بهذه الكلمة ؟ أما كانوا عقلاء ؟ أما كانوا يريدون أن يبقوا أحياء ؟ إن ظروفهم ما كانت تسمح لهم لأن يرووا أكثر من هذا ، ومن جهة أخرى ، كانوا يعلمون بأن القراء لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر مما يقولون ، ويستشمون من هذا الذي يذكرون الأمور الأخرى التي لا يذكرون ، أتريدون أن يقولوا بأن ذلك وقع بالفعل ويصرحوا به تمام التصريح ، حتى إذا لم تجدوا التصريح الصريح والتنصيص الكامل تشكون أو تشككون ، هذا والله لعجيب ! .

---------------------------
( 1 ) لسان الميزان 1 / 102 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 24 _

المسألة الثالثة : إسقاط جنينها ( عليها السلام )
  وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدا ، يعرف ذلك كل من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم . لقد نصت رواياتهم على أنه كان لعلي ( عليه السلام ) من الذكور ثلاثة أولاد : حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسن أو محسن ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد سمى هؤلاء بهذه الأسامي تشبيها بأسماء أولاد هارون : شبر شبير ومشبر ، وهذا موجود في : مسند أحمد (1) ، وموجود في المستدرك وقد صححه الحاكم(2)، والذهبي أيضا صححه (3)، وموجود في مصادر أخرى .
  فيبقى السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الاسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الاسم . . . فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثم يختلفون ، أتريدون أن يصرحوا تصريحا واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟ ! إنه في القضايا الجزئية البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرى في المباحث الآتية ، وفي مثل هذه القضية تتوقعون أن يصرحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحملوا ما تحملوا .
  أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة ( 352 ه‍ ) .
  قال الذهبي بترجمته : الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي ( أصبح شيعيا ! ! ) محدث الكوفة ، حدث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن مردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكي ، وأبو الحسن ابن الحمامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون .
  كان موصوفا بالحفظ والمعرفة ، إلا أنه يترفض ( لماذا يترفض ؟ ) قد ألف في الحط على بعض الصحابة(4).
   لا يقول أكثر من هذا : ألف في الحط على بعض الصحابة ، فهو إذن يترفض .

---------------------------
(1) مسند أحمد 1 / 118 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 165 .
(3) المستدرك على الصحيحين ، ذيله .
(4) سير أعلام النبلاء 15 / 576 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 25 _

  ولو راجعتم كتابه الآخر ميزان الاعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي (1) فيقول : قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ ـ بعد أن أرخ موته ـ كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن(2) .
  كان مستقيم الأمر عامة دهره ، لكنه في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو ـ إذن ـ خارج عن الاستقامة ! ! أتذكر أن أحد الصحابة وهو عمران بن حصين ـ هذا الرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إن الملائكة كانت تحدثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه (3) ـ هذا الشخص عندما دنا أجله ، أرسل إلى أحد أصحابه ، وحدثه عن رسول الله بمتعة الحج ـ التي حرمها عمر بن الخطاب وأنكر عليه تحريمها ـ ثم شرط عليه أنه إن عاش فلا ينقل ما حدثه به ، وإن مات فليحدث (4).
  نعم ، كان هذا الرجل مستقيم الأمر عامة دهره ، لا ينقل مثل هذه القضايا ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل ، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره ! ! ثم في آخر أيامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ جعل يقرأ له المثالب ومنها هذا : دخلت عليه ورجل يقرأ فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً ، اتفق أن دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر ، وذلك في أواخر حياته ، حتى إذا مات ، أو حتى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمر عمره .
  ورجل آخر هو : النظام ، إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي المتوفى سنة ( 231 ه‍ ) .
  هذا أيضاً ينص على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلا جليلاً ، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية ، تذكر في الكتب ، وربما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذة ، إلا أنه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنه كان يقول : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .

---------------------------
(1) سير أعلام النبلاء 14 / 309 .
(2) ميزان الاعتدال 1 / 139 .
(3) الإصابة في معرفة الصحابة 3 / 26 .
(4) نص الخبر : عن مطرف قال : بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : إني محدثك بأحاديث ، لعل الله أن ينفعك بها بعدي ، فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث بها إن شئت ، إنه قد سلم علي ، واعلم أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد جمع بين حج وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبي الله ، فقال رجل برأيه فيها ما شاء .
راجع باب جواز التمتع من الصحيحين ، وهو في المسند 4 / 434 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 26 _

  وممن نقل عنه هذا : الشهرستاني في الملل والنحل ، والصفدي في الوافي بالوفيات (1)، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين .
  وممن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف ، لكن لو تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة ، الكتاب محرف .
  ابن شهرآشوب المتوفى سنة ( 588 ه‍ ) ينقل عن كتاب المعارف قوله : إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي(2) .
  أما في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق ! ! فلفظه : أما محسن بن علي فهلك وهو صغير(3).
  وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي يقول : مات طفلاً (4).
  لكن البعض الآخر منهم ـ وهو الحافظ محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين ، وله كتب منها نزل الأبرار فيما صح من مناقب أهل البيت الأطهار ـ يقول بإنه مات صغيراً (5).
  وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه ـ حيث حدثه قضية هبار بن الأسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأن هذا الرجل روع زينب بنت رسول الله فألقت ما في بطنها ـ قال شيخه : لما ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول الله دم هبار لأنه روع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لا بد أنه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك .
  هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد .
  فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أن فاطمة روعت فألقت محسنا ؟ فقال : لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه (6).
  نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبإنواع التهم يتهمون .

---------------------------
(1) الملل والنحل 1 / 59 ، الوافي بالوفيات 6 / 17 .
(2) مناقب آل أبي طالب 3 / 358 .
(3) المعارف : 211 .
(4) ذكرة خواص الأمة : 54 .
(5) نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار : 74 .
(6) شرح نهج البلاغة 14 / 192 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 27 _

المسألة الرابعة : كشف بيتها ( عليها السلام )
   وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء ، وهجموا على دارها ، وهذا من الأمور المسلمة التي لا يشك ولا يشكك فيها أحد حتى ابن تيمية ، ولو أن أحداً شك ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيمية ، فكيف لو كان يدعي التشيع أو يدعي كونه من ذرية رسول الله وفاطمة الزهراء ؟ ورووا عن أبي بكر أنه قال قبيل وفاته : إني لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن ووددت أني تركتهن ، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله .
  وهذا حديث مهم جداً ، والقدر الذي نحتاج إليه الآن :
  أولاً : قوله : وددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد غلقوه على الحرب .
  ثانياًَ : قوله : وددت أني كنت سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد .
  أترونه صادقاً في تمنيه هذا ؟ ألم يكن ممن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف والمشاهد ؟ وأما هذا الخبر ـ خبر تمنيه هذه الأمور ـ ففي : تاريخ الطبري ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربه ، وفي الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام المحدث الحافظ الكبير الإمام ، وفي مروج الذهب للمسعودي ، وفي الإمامة والسياسة لابن قتيبة (1).
  ولكن هنا أيضاً يوجد تحريف ، فراجعوا كتاب الأموال ، فقد جاء فيه بدل قوله : وددت أني لم أكشف بيت فاطمة ، هذه الجملة : وددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا .
  يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة : كذا وكذا ! ! أتريدون أن ينقلوا الحقائق على ما هي عليه ؟ وممن تريدون هذا ؟ وممن تتوقعون ؟ .
  أما ابن تيمية ، فلا ينكر أصل القضية ، ولا ينكر تمني أبي بكر ، إنما يبرر ! ! لاحظوا تبريره هذه المرة يقول : إنه كبس البيت لينظر هل فيه شئ من مال الله الذي يقسمه ليعطيه للمسلمين ! ! وكذلك يفعلون ! ! وكذلك يقولون ! ! ذكرنا مسألة فدك ، وإحراق البيت ، وإسقاط الجنين ، وكشف البيت وهجومهم على البيت بلا إذن وأنهم فعلوا ما فعلوا ! ! .

---------------------------
( 1 ) كتاب الأموال : 131 ، الإمامة والسياسة 1 / 18 ، تاريخ الطبري 3 / 430 ، العقد الفريد 2 / 254 .

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 28 _

  قضايا أخرى وبقيت أمور أتعرض لها باختصار :
  الأمر الأول : إن فاطمة ( سلام الله عليها ) ماتت ولم تبايع أبا بكر ، ماتت وهي واجدة على أبي بكر ، وهذا موجود في الصحاح وغيرها ، وقد قرأنا نص الحديث عن عائشة .
  أترون أنها ماتت بلا إمام ؟ ماتت ولم تعرف إمام زمانها ؟ وماتت ميتة جاهلية وهي التي فضلوها على أبي بكر وعمر ؟ وهي التي قالوا بأن إيذاءها كفر ومحرم ؟ ماتت بغير إمام ميتة جاهلية ؟ أيقولها أحد ؟ فمن كان إمامها ؟ .
  لأمر الثاني : إن علياً ( عليه السلام ) لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء ، ولم يخبره بأمرها ، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها .
  وأنتم تعلمون أن الصلاة على الميت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة ، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحق لأحد أن يتقدم للصلاة على ميت إلا بإذن خاص ، ولذا لما دفنوا عبد الله بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان ، أرسل عثمان إلى عمار بن ياسر وضرب عمار لهذه الغاية ، ولهذا السبب ، وله نظائر كثيرة .
  فكان عدم إخباره أبا بكر للحضور للصلاة رمزا وعلامة لرفض إمامته وخلافته .
   ولكن القوم يعلمون بهذا ، القوم يعلمون بأن عدم صلاة أبي بكر على الزهراء دليل على عدم إمامته ، فوضعوا حديثاً بإن علياً أرسل إلى أبي بكر ، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدة من الأصحاب وصلوا على الزهراء ، واقتدى علي بإبي بكر في تلك الصلاة ، وكبر أبو بكر أربعاً في تلك الصلاة ! ! لاحظوا الكذب ! ! أنقل لكم هذا النص : قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبد الله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي : أحد الضعفاء ، ( هذا الشخص أحد الضعفاء ) أتى عن مالك ( مالك بن أنس ) بمصائب منها : عن جعفر بن محمد . يتقولون على أهل البيت ويضعون الأخبار عن أهل البيت نفسهم !.

مظلومية الزهراء ( عليها السلام ) _ 29 _

  وكم له من نظير ، ولي مذكرات من هذا القبيل ، إنهم كثيراً ما يضعون الأشياء عن لسان أهل البيت ، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه ، وعن لسان ولده محمد بن الحنفية ينقلون كثيراً من الأشياء ، عندي مذكرات في هذا الباب .
  وهذا الخبر : عن جعفر بن محمد يرويه عن أبيه الباقر عن جده قال : توفيت فاطمة ليلاً ، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة ، فقال أبو بكر لعلي : تقدم فصل ، قال لا ، لا والله لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله ، فتقدم أبو بكر وكبر أربعاً(1).
  هذا من مصائب أمتنا ، أن لا تنقل القضايا كما هي ، وتوضع في مقابلها موضوعات .
  الأمر الثالث : وكان دفنها ليلاً بوصية منها ، لتبقى مظلوميتها على مدى التأريخ ، وخطاب أمير المؤمنين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق ، وحقيق على كل مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء ( سلام الله عليها) .
  يقول ابن تيمية في مقام الجواب : كثير من الناس دفنوا ليلاً .
   ولكن فاطمة أوصت أن تغسل ليلاً وأن تدفن ليلاً ، وأن لا يخبر أحد ممن آذاها .

---------------------------
(1) لسان الميزان 3 / 334 .