وفيه أربعة فصول :


   أوّل امرأة تزوّجها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، تزوّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وكانت قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي فولدت له جارية ، ثم تزوجها أبو هالة الأسدي فولدت له هند بن أبي هالة ، ثمّ تزوّجها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وربّى ابنها هنداً .
   فلما استوى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وبلغ أشدّه ـ وليس له كثير مال ـ استأجرته خديجة إلى سوق خباشة ، فلمّا رجع تزوّج خديجة ، زوّجها إيّاه أبوها خوليد بن أسد ، وقيل : زوّجها عمّها عمرو بن أسد ، وخطب أبو طالب ( عليه السلام ) لنكاحها ـ ومن شاهده من قريش حضور ـ فقال : الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرّيّة إسماعيل ، وجعل لنا بيتاً محجوباً وحرماً آمناً يُجبى إليه ثمرات كل شيء ، وجعلنا الحكام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه ، ثمّ إنّ ابن أخي محمّد بن عبد الله بن عبد المطّب لا يوزن برجل من قريش إلاّ رجّح ، ولا يقاس بأحد منهم إلاّ عظم عنه ، وإن كان في المال قل فإنّ المال رزق حائل ، وظّل زائل ، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة ، والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي .
   وكان ( أبو طالب ) له خطر عظيم ، وشأن رفيع ، ولسان شافع جسيم ، فزوّجه ودخل بها من الغد .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 198 _

   ولم يتزوّج عليها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حتّى ماتت ، وأقامت معه أربعاً وعشرين سنة وشهراً ، ومهرها اثنتا عشرة أوقيّة ونشّ ، وكذلك مهر سائر نسائه ( عليه السلام ) ، فأوّل ما حملت ولدت عبد الله بن محمّد ـ وهو الطيّب الطاهر ـ وولدت له القاسم ، وقيل : إنّ القاسم أكبر وهو بكره وبه كان يكنّى ، والناس يغلطون فيقولون : ولد له منها أربع بنين : القاسم ، وعبد الله ، والطيّب ، والطاهر ، وإنّما ولد له منها ابنان وأربع بنات : زينب ، ورقيّة ، واُمّ كلثوم ، وفاطمة (1) .
   فأمّا زينب بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فتزوّجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف في الجاهليّة ، فولدت لاَبي العاص جارية اسمها اُمامة تزوّجها علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بعد وفاة فاطمة ( عليها السلام ) ، وقتل عليّ وعنده اُمامة ، فخلف عليها بعده المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطّلب وتوفّيت عنده ، واُمّ أبي العاص هالة بنت خويلد ، فخديجة خالته ، ماتت زينب بالمدينة لسبع سنين من الهجرة .
   وأمّا رقيّة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فتزوجها عتبة بن أبي لهب ، فطّلقها قبل أن يدخل بها ، ولحقها منه أذى ، فقال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « اللهمّ سلّط على عتبة كلباً من كلابك » فتناوله الأسد من بين أصحابه ، وتزوّجها بعده بالمدينة عثمان بن عفّان ، فولدت له عبد الله ومات صغيراً ، نقره ديك على عينيه فمرض ومات ، وتوفيت بالمدينة زمن بدر ، فتخلّف عثمان على دفنها ، ومنعه ذلك أن يشهد بدراً ، وقد كان عثمان هاجر إلى الحبشة ومعه رقيّة .

---------------------------
(1) تُعد نسبة زينب ورقية وأم كلثوم إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كبنات له من المسائل التي أخذت جانباً من الأخذ والرد ، وبين القبول والرفض .
فعلى الرغم من ذهاب البعض إلى كونهنًّ من بنات رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) اسوة بفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، فإن هناك آراء جديَّة تجزم بانهنَّ ربائبه ولسن بناته ، وليس هذا الرأي بمستحدث ، بل ان له جذوره القديمة والتي يعود بعضها إلى زمن الشيخ المفيد رحمه الله تعالى ، والتي يشير إليها ما ذكره في أجوبة المسائل الحاجبية (17) ، حيث قال : وسأل فقال : الناس مختلفون في رقية وزينب ، هل كانتا ابنتي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أم ربيبتيه ؟ وعموماً فإن هذا الموضوع قد خضع لدراسات علمية متينة لعل أوسعها ما كتبه السيد جعفر مرتضى العاملي حول هذا الموضوع يراجع على صفحات مجلة تراثنا الفصلية التي تصدرها مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) في عددها الخاص بالذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد ( رحمه الله تعالى ) .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 199 _

   وأمّا اُم كلثوم فتزوّجها أيضاً عثمان بعد اُختها رقيّة وتوفيّت عنده ، وأمّا فاطمة ( عليها السلام ) فسنفرد لها باباً فيما بعد إن شاء الله، ولم يكن لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ولد من غير خديجة إلاّ إبراهيم ابن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من مارية القبطيّة ، ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات بها وله سنة وستّة أشهر وبعض أيّام ، وقبره بالبقيع .
   والثانية : سودة بنت زمعة ، وكانت قبله عند السكران بن عمرو فمات عنها بالحبشة مسلماً .
   والثالثة : عائشة بنت أبي بكر ، تزوّجها بمكّة وهي بنت سبع ، ولم يتزوّج بكراً غيرها ، ودخل بها وهي بنت تسع ، لسبعة أشهر من مقدمة المدينة ، وبقيت إلى خلافة معاوية .
   والرابعة : اُمّ شريك التي وهبت نفسها للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، واسمها غزية بنت دودان بن عوف بن عامر ، وكانت قبله عند أبي العكر بن سميّ الأزدي فولدت له شريكاً .
   والخامسة : حفصة بنت عمر بن الخطّاب ، تزوجها بعد ما مات زوجها خنيس بن عبد الله بن حذافة السهمي ، وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد وجّهه إلى كسرى فمات ولا عقب له ، وماتت بالمدينة في خلافة عثمان .
   والسادسة : اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، واسمها رملة ، وكانت تحت عبيد الله بن جحش الأسدي فهاجر بها إلى الحبشة وتنصّر بها ومات هناك ، فتزوّجها رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعده ، وكان وكيله عمرو بن اُميّة الضمريّ .
   والسابعة : اُمّ سلمة ، وهي بنت عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب ، وقيل : هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة من بني فراس بن غنم ، واسمها هند بنت أبي اُميّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، وهي ابنة عمّ أبي جهل .
   وروي : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أرسل إلى اُمّ سلمة : أن مري ابنك أن يزوّجك ، فزوّجها ابنها سلمة بن أبي سلمة من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو غلام لم يبلغ ، وأدّى عنه النجاشي صداقها أربعمائة دينار عند العقد ، وكانت اُمّ سلمة من آخر أزوارج النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وفاة بعده ، وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد واُمّه برّة بنت عبد المطّلب ، وهو ابن عمّة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وكان لاُمّ سلمة منه زينب وعمر ، وكان عمر مع عليّ ( عليه السلام ) يوم الجمل وولاّه البحرين وله عقب بالمدينة ، ومن مواليها شيبة بن نصاح إمام أهل المدينة في القراءة ، وخيرة اُمّ الحسن البصري .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 200 _

   والثامنة : زينب بنت جحش الأسديّة ، وهي ابنة عمّته ميمونة بنت عبد المطّلب ، وهي أوّل من مات من أزواجه بعده ، توفّيت في خلافة عمر ، وكانت قبله عند زيد بن حارثة فطلّقها زيد ، وذكر الله تعالى شأنه وشأن زوجته زينب في القرآن ، وهي أوّل امرأة جعل لها النعش ، جعلته لها أسماء بنت عميس يوم توفّيت ، وكانت بأرض الحبشة رأتهم يصنعون ذلك (1) .
   والتاسعة : زينب بنت خزيمة الهلاليّة ، من ولد عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وقيل : كانت عند أخيه الطفيل بن الحارث ، وماتت قبله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وكان يقال لها : اُمّ المساكين .
   والعاشرة : ميمونة بنت الحارث ، من ولد عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، تزوّجها وهو بالمدينة ، وكان وكيله أبو رافع ، وبنى بها بسرف حين رجع من عمرته على عشرة أميال من مكّة ، وتوفّيت أيضاً بسرف ودفنت هناك أيضاً ، وكانت قبله عند أبي سبرة بن أبي العامريّ .
   والحادية عشر : جويرية بنت الحارث ، من بني المصطلق ، سباها فأعتقها وتزوّجها ، وتوفّيت سنة ستّ وخمسين .
   والثانية عشر : صفيّة بنت حيّي بن أخطب النضريّ ، من خيبر ، اصطفاها لنفسه من الغنيمة ثمّ أعتقها وتزوّجها وجعل عتقها صداقها ، وتوفّيت سنة ستّ وثلاثين ، فهذه اثنتا عشرة امرأة دخل بهنّ رسول الله، وقد تزوّج إحدى عشرة منهنّ وواحدة وهبت نفسها له ، وقد تزوّج ( صلوات الله عليه وآله ) عالية بنت ظبيان وطلّقها حين اُدخلت عليه .

---------------------------
(1) روت المصادر المختلفة ان أول من صنع لها النعش هي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، ولما كانت وفاتها ( عليها السلام ) اسبق من وفاة زينب رحمها الله فانّ في ذلك تأكيداً لهذا الأمر .
انظر : الكافي 3 : 251 | 6 ، الفقيه 1 : 124 | 597 ، علل الشرائع 1 : 185 | 2 ، التهذيب 1 : 469 | 1539 و 1540 ، كشف الغمة 1 : 503 ، مستدرك الحاكم 3 : 162 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 201 _

   وتزوّج قتيلة بنت قيس اُخت الأشعث بن قيس ، فمات قبل أن يدخل بها ، فتزوّجها عكرمة بن أبي جهل بعده ، وقيل : إنّه طلقها قبل أن يدخل بها ثمّ مات ( صلوات الله عليه وآله ) .
   وتزوّج فاطمة بنت الضحّاك بعد وفاة ابنته زينب ، وخيّرها حين اُنزلت آية التخيير (1) فاختارت الدنيا وفارقها ، فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول : أنا الشقيّة اخترت الدّنيا ، وتزوّج سنى بنت الصلت فماتت قبل أن تدخل عليه ، وتزوّج أسماء بنت النعمان بن شراحيل فلمّا اُدخلت عليه قالت : أعوذ بالله منك فقال : « قد أعذتك الحقي بأهلك » .
   وكان بعض أزواجه علّمتها ذلك فطلّقها ولم يدخل بها ، وتزوّج مليكة الليثيّة ، فلمّا دخل عليها قال لها : « هبي لي نفسك » ، فقالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ، فأهوى ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بيده يضعها عليها فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : « لقد عذت بمعاذ » فسرّحها ومتّعها ، وتزوّج عمرة بنت يزيد ، فرأى بها بياضاً فقال : « دلّستم عليّ » وردّها .
   وتزوّج ليلى بنت الخطيم الأنصاريّة فقالت أقلني ، فأقالها ، وخطب امرأة من بني مرّة فقال أبوها : إن بها برصاً ، ولم يكن بها ، فرجع فإذا هي برصاء ، وخطب عمرة فوصفها أبوها ، ثمّ قال : وأزيدك إنّها لم تمرض قطّ ، فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « ما لهذه عند الله من خير » ، وقيل : انّه تزوّجها ، فلمّا قال ذلك أبوها طلّقها ، فهذه إحدى وعشرون امرأة .

---------------------------
(1) الاحزاب : 28 ـ 29 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 202 _

   ومات رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن عشر ، واحدة منهنّ لم يدخل بها ، وقيل : عن تسع : عائشة ، وحفصة ، واُمّ سلمة ، واُمّ حبيبة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة ، وصفيّة ، وجويرية ، وسودة ، وكانت سودة قد وهبت ليلتها لعائشة حين أراد طلاقها وقالت : لا رغبة لي في الرجال وإنّما اُريد أن اُحشر في أزواجك (1) .



   كان لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تسعة أعمام هم بنو عبد المطّلب : الحارث ، والزبير ، وأبو طالب ، وحمزة ، والغيداق ، وضرار ، والمقوّم، وأبو لهب واسمه عبدالعزّى ، والعبّاس ، ولم يعقب منهم إلاّ أربعة : الحارث ، وأبو طالب ، والعبّاس ، وأبو لهب (2).
   فأمّا الحارث فهو أكبر ولد عبد المطّلب وبه كان يكنّى ، وشهد معه حفر زمزم (3) ، وولده : أبو سفيان ، والمغيرة ، ونوفل ، وربيعة ، وعبد شمس (4) .
   أما أبو سفيان فأسلم عام الفتح ولم يعقب (5) .
   وأمّا نوفل فكان أسنّ من حمزة والعبّاس ، وأسلم أيّام الخندق وله عقب (6) .

---------------------------
(1) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 159 ، سيرة ابن هشام 4 : 293 ، الوفا بأحوال المصطفى 2 : 645 ، تاريخ الطبري 3 : 160 ، الكامل في التاريخ 2 : 307 ، دلائل النبوة للبيهقي 7 : 282 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 200 | 20 .
(2) الخصال : 452 | 59 ، مناقب ابن شهر آشوب 1 : 158 ، العدد القوية : 136 ، جمهرة النسب للكلبي : 101 و 106 ، سيرة ابن هشام 1 : 113 ، جمهرة أنساب العرب : 14 السيرة النبوية لابن كثير 1 : 102 و 184 .
(3) جمهرة النسب للكلبي : 104 ، سيرة ابن كثير 1 : 168 و 170 ، البداية والنهاية 2 : 246 .
(4) جمهرة النسب للكلبي : 143 ، جمهرة انساب العرب : 70 ، فيهما أبو سفيان وهو المغيرة بدل أبو سفيان والمغيرة .
(5) الطبقات الكبرى 4 : 49 ، وفيه : وقد انقرض ولد أبي سفيان بن الحارث فلم يبق منهم أحد بدل ولم يعقب .
(6) الطبقات الكبرى 4 : 44 و 46 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 203 _

   وأمّا عبد شمس فسمّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عبد الله وعقبه بالشام (1) ، وأمّا أبو طالب عمّ النبيّ فكان مع أبيه عبد الله ابني اُمّ واُمّهما فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم (2) واسمه عبد مناف (3) له أربعة أولاد ذكور : طالب ، وعقيل ، وجعفر ، وعليّ ، ومن الاناث : اُمّ هانىء واسمها فاختة ، وجمانة ، اُمّهم جميعاً فاطمة بنت أسد .
   وكان عقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين ، وأعقبوا إلاّ طالباً (4) وتوفّي قبل أن يهاجر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بثلاث سنين ، ولم يزل رسول الله ممنوعاً من الأذى بمكّة موقى حتّى توفّي أبو طالب ( عليه السلام ) ، فنبت به مكة ، ولم تستقرّ له بها دعوة (5) حتى جاءه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال: « إنّ الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك : اُخرج من مكّة فقد مات ناصرك » (6) .
   ولمّا قُبض أبو طالب أتى عليّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأعلمه بموته ، فقال له : « امض يا عليّ فتولّ غسله وتكفينه وتحنيطه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني » ففعل ذلك ، فلمّا رفعه على السرير اعترضه النبيّ وقال : « وصلتك رحم ، وجزيت خيراً يا عمّ ، فلقد ربيت وكفّلت صغيراً ، ووازرت ونصرت كبيراً » ثمّ أقبل على الناس وقال : « أما والله لأشفعنّ لعمّي شفاعة يعجب لها أهل الثقلين » (7) .
   وأمّا العباس فكان يكنّى أبا الفضل ، وكانت له السقاية وزمزم ، وأسلم يوم بدر ، واستقبل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عام الفتح بالأبواء ، وكان معه حين فتح مكة ، وبه ختمت الهجرة ، ومات بالمدينة في أيّام عثمان وقد كفّ بصره ، وكان له من الولد تسعة ذكور وثلاث إناث : عبد الله، وعبيد الله ، والفضل ، وقثم ، ومعبد ، وعبد الرحمن ، واُمّ حبيب ، اُمّهم لبابة بنت الفضل بن الحارث الهلاليّة اُخت ميمونة بنت الحارث زوجة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وتمّام ، وكثير ، والحارث ، وآمنة ، وصفيّة ، لاُمّهات أولاد شتّى (8) .
   وأمّا أبو لهب فولده : عتبة ، وعتيبة ، ومعتّب ، واُمّهم اُمّ جميل بنت حرب اُخت أبي سفيان حمّالة الحطب (9) .

---------------------------
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 260 |2 .
(2) سيرة ابن هشام 1 : 189 و 114 ، تاريخ الطبري 2 : 239 ، الكامل في التاريخ 2 : 5 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 : 241 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 260 | 2 .
(3) سيرة ابن هشام 1 : 113 ، تاريخ الطبري 2 : 239 ، الكامل في التاريخ 2 : 5 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 : 102 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 260 | 2 .
(4) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 304 ، الطبقات الكبرى 1 : 121 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 261 .
(5) عيون الأثر : 130 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 261 .
(6) الكافي 1 : 373 | 31 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 261 .
(7) إيمان أبي طالب لابن معد : 298 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14 : 76 ، تذكرة الخواص : 19 ، قطعة منه في : دلائل النبوة للبيهقي 2 : 349 ، البداية والنهاية 3 : 125 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 261 .
(8) المعارف لابن قتيبة : 72 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 261 .
(9) المعارف لابن قتيبة : 75 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 261 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 204 _

   وكانت عمّاته ( صلوات الله عليه وآله ) ستّاً من اُمّهات شتّى وهنّ : اُميمة ، واُمّ حكيمة ، وبرّة ، وعاتكة ، وصفيّة ، وأروى (1) ، وكانت اُميمة عند جحش بن رئاب الأسدي ، وكانت اُمّ حكيمة ـ وهي البيضاء ـ عند كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، وكانت برّة عند عبد الأسد بن هلال المخزومي فولدت له أبا سلمة الذي كان زوج اُمّ سلمة ، وكانت عاتكة عند أبي اُمّية بن المغيرة المخزوميّ ، وكانت صفيّة عند الحارث بن حرب بن اُمّية ، ثمّ خلف عليها العوّام بن خوليد فولدت له الزبير ، وكانت أروى عند عمير بن عبد العزّى بن قصيّ ، لم يسلم منهنّ غير صفيّة (2) ، وقيل: أسلم منهنّ ثلاث : صفيّة ، وأروى ، وعاتكة (3) .



   لم يكن لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قرابة من جهة اُمّه إلاّ من الرضاعة ، فإنّ اُمّه آمنة بنت وهب لم يكن لها أخ ولا اُخت فيكون خالاً له أو خالة ، إلاّ أنّ بني زهرة يقولون : نحن أخواله ، لأنّ آمنة منهم (4) ، ولم يكن لأبويه عبد الله وآمنة ولد غيره فيكون له أخ أو اُخت من النسب (5) ، وكان له خالة من الرضاعة يقال لها : سلمى ، وهي اُخت حليمة بنت أبي ذؤيب ، وله أخوان من الرضاعة : عبد الله بن الحارث ، واُنيسة بنت الحارث ، اُبوهما الحارث بن عبد العزّى بن سعد بن بكر بن هوازن ، فهما أخواه من الرضاعة (6) .

---------------------------
(1) مناقب ابن شهر آشوب 1 : 15 8، العدد القوية : 137 ، سيرة ابن هشام 1 : 113 ، المعارف لابن قتيبة : 70 ، دلائل النبوة للبيهقي 1 : 186 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 : 184 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 261 .
(2) المعارف لابن قتيبة : 77 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 262 .
(3) مناقب ابن شهر آشوب 1 : 159 ، العدد القوية : 137 | ذيل حديث 48 ، مستدرك الحاكم 4 : 50 و 52 و 54 ، ولم يرد فيه عاتكة ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 262 .
(4) المعارف لابن قتيبة : 77 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 262 .
(5) المعارف لابن قتيبة : 71 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 262 .
(6) انظر : سيرة ابن هشام 1 : 170 ، الطبقات الكبرى 1 : 110 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 : 225 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 262 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 205 _



   أمّا مواليه : فزيد بن حارثة ، وكان لخديجة اشتراه لها حكيم بن حزام بسوق عكاظ بأربعمائة درهم فوهبته لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعد أن تزوّجها ، فأعتقه فزوّجه اُمّ أيمن ، فولدت له اُسامة ، وتبنّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فكان يدعى زيدا ابن رسول الله ، حتّى أنزل الله تعالى ( ادعُوهُم لآبائهِم ) (1) .
   وأبو رافع : واسمه أسلم ، وكان للعبّاس فوهبة له ، فلمّا أسلم العبّاس بشر أبو رافع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بإسلامه فأعتقه ، وزوجه سلمى مولاته ، فولدت له عبيد الله بن أبي رافع ، فلم يزل كاتباً لعليّ ( عليه السلام ) أيام خلافته ، وسفينة : واسمه رباح ، اشتراه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأعتقه ، وثوبان : يكنّى أبا عبد الله من حمير ، أصابه سبي فاشتراه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأعتقه ، وبشار : وكان عبداً نوبيّاً ، أعتقه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وشقران : واسمه صالح ، وأبو كبشة : واسمه سليمان ، وأبو ضميرة : أعتقه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وكتب له كتاباً فهو في يد ولده ، ومدعم أصابه سهم في وادي القرى فمات .

---------------------------
(1) الأحزاب 33 : 5 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 206 _

   وأبو مويهبة ، وأنيسة ، وفضالة ، وطهمان ، وأبو أيمن ، وأبو هند ، وأنجشة وهو الذي قال فيه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « رويدك يا أنجشة ، رفقاً بالقوارير » (1) وصالح ، وأبو سلمى ، وأبو عسيب ، وعبيد ، وأفلح ، وريفع ، وأبو لقيط ، وأبو رافع الأصغر ، ويسار الأكبر ، وكركرة أهداه هوذة بن عليّ الحنفيّ إلى النبيّ فأعتقه ، ورباح ، وأبو لبابة ، وأبو اليسر وله عقب (2) .
   وأمّا مولياته : فإنّ المقوقس ـ صاحب الاِسكندريّة ـ أهدى إليه جاريتين : إحداهما مارية القبطيّة، ولدت له إبراهيم وماتت بعده بخمس سنين ، سنة ستّة عشر ، ووهب الاُخرى لحسّان بن ثابت (3) .
   واُمّ أيمن حاضنة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وكانت سوداء ورثها عن اُمّه ، وكان اسمها بركة ، فأعتقها وزوّجها عبيد الخزرجيّ بمكّة فولدت له أيمن ، فمات زوجها ، فزوّجها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من زيد فولدت له اُسامة، أسود يشبهها ، فاُسامة وأيمن أخوان لاَمّ (4) .
   وريحانة بنت شمعون ، غنمها من بني قريظة (5) ، وأما خدمه من الأحرار : فأنس بن مالك ، وهند وأسماء ( ابنتا خارجة الأسلميّتان ) (6) (7) .

---------------------------
(1) ذكر ابن الأثير في نهايته ( 4 : 39 ) : وفي حديث انجشة ، في رواية البراء بن مالك « رويدك ، وفقاً بالقوارير » أراد النساء ، شبههن بالقوارير من الزجاج ، لأنه يسرع إليها الكسر ، وكان أنجشة يحدو ونشد القريض والرجز ، فلم يأمن أن يصيبهن ، أو يقع في قلوبهن حداؤه ، فأمره بالكف عن ذلك . وفي المثل : الغناء رقية الزنا .
وقيل : أراد أن الابل إذا سمعت الحداء اسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب واتعبته ، فنهاه عن ذلك ، لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة .
وواحدة القوارير : قارورة ، سمّيت بها لاستقرار الشراب فيها .
(2) انظر : التعريف لابن قتيبة : 85 ، وتأريخ اليعقوبي 2 : 87 ، وتأريخ الطبري 3 : 169 ، والبداية والنهاية 5 : 311 ، والسيرة النبوية لابن كثير 4 : 116 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 262 .
(3) تأريخ الطبري 3 : 172 ، مستدرك الحاكم 4 : 38 ، الاستيعاب 1 : 46 و4 : 329 و 410 ، البداية والنهاية 5 : 303 و 329 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 : 600 و 648 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 263 .
(4) مستدرك الحاكم 4 : 63 ، سيرة ابن كثير 4 : 641 ، البداية والنهاية 5 : 325 ، إلاّ ان في الأخيرين الحبشي بدل الخزرجي ، الاصابة 4 : 432 | 1145 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 263 .
(5) تاريخ الطبري 3 : 167 ، مستدرك الحاكم 4 : 41 ، الاستيعاب 4 : 309 ، سيرة ابن كثير 4 : 604 ، البداية والنهاية 5 : 305 و 328 ، الاصابة 4 : 309 | 446 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 263 .
(6) كذا في نسخنا ، وفي نسخة المجلسي رحمه الله، إلا أن الصواب ابنا حارثة الاسلميان كما تذكرهما جميع المصادر الرجالية والتاريخية ، فراجع .
(7) مستدرك الحاكم 3 : 529 و 573 ، الاستيعاب 1 : 71 و 97 ، سيرة ابن كثير 4 | 653 و 655 ، البداية والنهاية 5 : 331 ، الاصابة 1 : 39|137 و 71 | 277 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 263 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 207 _


   وهو ثلاثة فصول :


   الأظهر في روايات أصحابنا أنّها ولدت سنة خمس من المبعث بمكّة في العشرين من جمادى الأخرة ، وأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قبض ولها ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر (1) .
   وروي عن جابر بن يزيد قال : سئل الباقر ( عليه السلام ) : كم عاشت فاطمة ( عليها السلام ) بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟ قال : « أربعة أشهر ، وتوفّيت ولها ثلاث وعشرون سنة » (2) ، وهذا قريب ممّا روته العامّة أنّها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (3) ، فتكون بعد المبعث بسنة .
   وذكر الاُستاذ أبو سعيد الواعظ في كتاب « شرف النبيّ » : أنّ جميع أولاد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ولدوا قبل الإسلام ، إلاّ فاطمة وإبراهيم فإنّهما ولدا في الإسلام (4) .
   وروي عن الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « لفاطمة ( عليها السلام ) تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة ، والصدّيقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمرضيّة ، والمحدّثة ، والزهراء » (5) .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 381 ، تاريخ الأئمة ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 6 ، روضة الواعظين : 143 ، تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 12 ، كشف الغمة 1 : 449 .
(2) نحوه في مناقب ابن شهر آشوب 3 : 357 .
(3) مستدرك الحاكم 3 : 161 و 163 ، الاستيعاب 4 : 374 ، مقتل الخوارزمي : 83 ، الاصابة 4 : 377 .
(4) شرف النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . . .
(5) أمالي الصدوق : 474 | 18 ، الخصال 2 : 414 | 3 ، دلائل الامامة : 10 ، تاج المواليد : ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 20 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 208 _

   وفي مسند الرضا ( عليه السلام ) : أنّ النبيّ قال : « إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله سبحانه فطمها وفطم من أحبّها من النار » (1) .
   وسمّاها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، البتول أيضاً (2) ، وقال لعائشة : « يا حميراء ، إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميّين ، ولا تعتلّ كما تعتلّون » (3) ومعناه ما جاء في الحديث الآخر : أنّ فاطمة ( عليها السلام ) لم تر دماً في حيض ولا نفاس ، وقد روت العامّة أيضاً ، عن أنس بن مالك ، عن اُمّ سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري أنّها قالت : لم تر فاطمة ( عليها السلام ) دماً قطّ في حيض ولا نفاس (4) .
   وكانت يصب عليها من ماء الجنة ، وذلك أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا اُسري به دخل الجنّة وأكل من فاكهة الجنّة وشرب من ماء الجنّة فنزل من ليلته فوقع على خديجة فحملت بفاطمة فكان حمل فاطمة من ماء الجنة .
   ورواه أيضاً ابن عباس عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (5) .

---------------------------
(1) صحيفة الاِمام الرضا ( عليه السلام ) : 89 | 22 ، عيون أخبار الرضا 2 : 46 | 174 ، معاني الأخبار : 64 | 14 ، علل الشرائع : 178 | 1 ، أمالي الطوسي 1 : 300 ، بشارة المصطفى : 184 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 303 ، مناقب ابن المغازلي : 65 | 92 ، مقتل الخوارزمي : 51 ، ذخائر العقبى : 26 ، فرائد السمطين 2 : 57 | 384 ، الفردوس بمأثور الخطاب 1 : 346 | 1385 .
(2) معاني الأخبار : 64 | 17 ، علل الشرائع : 181 | 1 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 330 .
(3) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 330 ، المعجم الكبير 22 : 400 | 1000 ، مقتل الخوارزمي : 64 .
(4) مناقب ابن المغازلي : 369 | 416 ، ذخائر العقبى : 44 ، وفيهما نحوه .
(5) مناقب ابن المغازلي : 357 | 406 ، مناقب الخوارزمي : 64 ، ذخائر العقبى : 36 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 209 _


   من أوكد الدلائل على عصمتها ( عليها السلام ) قوله سبحانه : ( إنَّما يُريدُ الله لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيت وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً ) (1) ووجه الدلالة : أنّ الاُمة اتّفقت ( على ) أنّ المراد بأهل البيت في الآية هم أهل بيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ووردت الرواية من طريق الخاصّ والعامّ أنّها مختصّة بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، وأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جلّلهم بعباء خيبريّة ثمّ قال : « اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » فقالت اُمّ سلمة : يا رسول الله وأنا من أهل بيتك ؟ فقال ( عليه وآله السلام ) لها : « إنّك على خير » (2) .
   ولا تخلو الاِرادة في الآية إمّا أن تكون إرادة محضة لم يتبعها الفعل ، أو إرادة وقع الفعل عندها ، والأوّل باطلٌ ، لأنّ ذلك لا تخصيص فيه لأهل البيت ، بل هو عام في جميع المكلّفين ، ولا مدح في الاِرادة المجردة ، وأجمعت الاُمّة على أنّ الآية فيها تفضيل لأهل البيت وإبانة لهم عمّن سواهم ، فثبت الوجه الثاني ، وفي ثبوته ما يقتضي عصمة من عني بالآية ، وأنّ شيئاً من القبائح لا يجوز أن يقع منهم ، على أنّ غير من سمّيناه لاشكّ أنّه غير مقطوع على عصمته ، والآية موجبة للعصمة ، فثبت أنّها فيمن ذكرناهم لبطلان تعلّقها بغيرهم .

---------------------------
(1) الأحزاب 33 : 33 .
(2) تفسير فرات الكوفي : 123 ، تفسير العياشي 1 : 250 ، تفسير القمي 2 : 193 ، أمالي الطوسي 1 : 269 ، فضائل ابن شاذان : 95 ، سنن الترمذي 5 : 351 | 3205 و 663 | 3787 ، مسند أحمد 6 : 292 و 304 ، فضائل أحمد : 79 | 118 و 100 | 151 ، تفسير الطبري 22 : 6 و 7 ، مستدرك الحاكم 2 : 416 ، تاريخ بغداد 9 : 126 | 4743 و 100 : 278 | 5396 ، مناقب ابن المغازلي : 303 | 347 ، اُسد الغابة 2 : 12 ، و 4 : 29 ، كفاية الطالب : 371 ، ذخائر العقبى : 21 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 210 _

   وممّا يدلّ أيضاً على عصمتها ( عليها السلام ) : قول النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيها : « إنّها بضعة منّي يؤذيني ما آذاها » (1) .
   وقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله عزّ وجل » (2) .
   وقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (3) .
   ولو كانت ممّن يقارف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذياً له على كلّ حال ، بل يكون متى فعل المستحق من ذمّها ، أو إقامة الحدّ ـ إن كان الفعل يقتضيه ـ سارّاً له ( عليه السلام ) .
   ومّما روي من الآيات الدالّة على محلّها من الله عزّ وجلّ ما رواه الخاصّ والعامّ عن ميمونة أنّها قالت : وجدت فاطمة ( عليها السلام ) نائمة والرحى تدور فأخبرت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بذلك فقال : « إنّ الله علم ضعف أمته فاوحى إلى الرحى أن تدور فدارت » (4) ، ومن الأخبار المنبئة عن فضلها وتميّزها عمّن سواها ما روته العامّة عن عائشة قالت : ما رأيت رجلاً أحبّ إلى رسول الله من عليّ ، ولا امرأة أحبّ إلى رسول الله من امرأته (5).

---------------------------
(1) صحيح مسلم 4 : 1903 | 9 ، سنن الترمذي 5 : 698 | 3869 ، مسند أحمد 4 : 5 ، مستدرك الحاكم 3 : 159 ، تذكرة الخواص : 279 ، ونحوه في : صحيح البخاري 5 : 26 ، مصابيح السنة للبغوي 4 : 185 | 4799 .
(2) تفسير القمي 2 : 196 ، علل الشرائع : 186 ، دلائل الامامة للطبري : 45 ، كشف الغمة 1 : 466 .
(3) صحيفة الاِمام الرضا ( عليه السلام ) : 90 | 23 ، أمالي الصدوق : 313 | 1 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 2 : 46 | 176 ، معاني الأخبار : 303 | ذيل الحديث 2 ، أمالي المفيد : 94 | 4 ، أمالي الطوسي 2 : 41 ، دلائل الاِمامة : 52 ، بشارة المصطفى : 208 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 325 ، المعجم الكبير 22 : 401 | 1001 ، مستدرك الحاكم 3 : 154 ، مقتل الخوارزمي : 52 ، اُسد الغابة 5 : 522 ، كفاية الطالب : 364 ، ذخائر العقبى : 39 ، ميزان الاعتدال 1 : 535 | 2002 ، تهذيب التهذيب 4 : 469 .
(4) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 337 ، مقتل الخوارزمي : 68 ، ونحوه في : الخرائج والجرائح 2 : 531|7 ، وذخائر العقبى : 98 .
(5) سنن الترمذي 5 : 701 | 3874 ، مستدرك الحاكم 3 : 154 و 157 ، تاريخ بغداد 11 : 430 ، اُسد الغابة 5 : 522 ، ذخائر العقبى : 35 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 211 _

   ورووا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : « سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقلت : أنا أحب إليك أم فاطمة ؟ فقال : فاطمة أحب إليّ منك ، وأنت أعز عليّ منها » (1) .
   ورووا عن أنس قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « حسبك من نساء العالمين ـ وفي رواية اُخرى : خير نساء العالمين ـ : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خوليد ، وفاطمة بنت محمّد » (2) .
   وعن ابن عبّاس قال : أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم (3) .
   وروي عن عبد الرحمن بن عوف قال : سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : « أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، الشجرة أصلها في جنّة عدن ، والفرع والثمر والورق في الجنّة » (4) .
   ورووا عن عائشة : أنّ فاطمة ( عليها السلام ) كانت إذا دخلت على رسول الله قام لها من مجلسه وقبّل رأسها وأجلسها مجلسه (5) .
   ورووا عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم في تفسير القرآن ، عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أنّه قال : « بلغنا عن آبائنا أنّهم قالوا : كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يكثر تقبيل فم فاطمة سيّدة نساء العالمين ( عليها السلام ) إلى أن قالت عائشة : يا رسول الله أراك كثيراً ما تقبّل فم فاطمة ، وتدخل لسانك في فيها ؟ ! قال : نعم يا عائشة ، أنّه لمّا اُسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنّة فأدناني من شجرة طوبى وناولني من ثمارها تفّاحة فأكلتها فصارت نطفة في ظهري ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فكلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتها وأدخلت لساني في فيها فأجد منها ريح الجنّة ، وأجد منها رائحة شجرة طوبى ، فهي إنسيّة سماويّة » (6) .

---------------------------
(1) فضائل أحمد : 134 | 198 ، خصائص النسائي : 155 | 146 ، تذكرة الخواص : 276 ، اُسد الغابة 5 : 522 ، ذخائر العقبى : 35 .
(2) صحيح الترمذي 5: 307 | 3878 ، المصنف للصنعاني 11 : 430 | 20919 ، مسند أحمد 3 | 135 ، المعجم الكبير 22 : 402 | 1003 و 1004 ، مستدرك الحاكم 3 : 157 و 158 ،ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، تاريخ بغداد 7 : 84 | 3636 و 9 : 404 | 5008 ، مصابيح السنة للبغوي 4 : 202 | 4850 ، اُسد الغابة 5 : 437 ، ذخائر العقبى : 43 .
(3) مسند أحمد 1 : 293 و 316 و 322 ، مستدرك الحاكم 3 : 185 ، اُسد الغابة 5 : 437 ، جمع الجوامع 1 : 131 .
(4) مستدرك الحاكم 3 : 160 ، مقتل الخوارزمي : 61 ، ودون ذيله في امالي الطوسي 1 : 18 .
(5) الذرية الطاهرة للدولابي 140 | 175 ، أمالي الطوسي 2 : 140 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 333 ، سنن أبي داود 4 : 355 | 5217 ، صحيح الترمذي 5 : 700 | 3872 ، مستدرك الحاكم 3 : 154 و 160 و 4 : 172 ، سنن البيهقي 7 : 101 ، ذخائر العقبى : 40 و 41 .
(6) تفسير علي بن إبراهيم 1 : 365 باختصار ، فرائد السمطين 2 : 51 | 381 باختلاف يسير .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 212 _

   وما رواه أصحابنا ( رضي الله عنهم ) من لأخبار الدالّة على خصوصيّتها من بين أولاد الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بشرف المنزلة ، وبينبونتها عن جميع نساء العالمين بعلّو الدرجة فأكثر من أن يحصر ، فلنقنتصر على ما ذكرناه .
   وكان ممّا تممّ الله تعالى به شرف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الدنيا وكرامته في الآخرة أن خصّه بتزويجها إيّاه ، كريمة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأحبّ الخلق إليه ، وقرّة عينه ، وسيدة نساء العالمين .
  فممّا روي في ذلك ما صحّ عن أنس بن مالك قال : بينما النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جالس إذ جاء عليّ ( عليه السلام ) فقال : « يا عليّ ما جاء بك ؟ » ، قال : « جئت اُسلّم عليك » ، قال : « هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله تعالى زوّجك فاطمة ، وأشهد على تزويجها أربعين ألف ألف ملك ، وأوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن : اُنثري عليهم الدرّ والياقوت ، فنثرت عليهم الدر والياقوت فابتدرت إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر والياقوت ، وهنّ يتهادينه بينهنّ إلى يوم القيامة » (1) .
   وعن ابن عبّاس قال : لمّا كانت الليلة التي زفّت بها فاطمة إلى عليّ ( عليهما السلام ) كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أمامها ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك من خلفها، يسبّحون الله ويقدّسونه (2) .
   وافتخر أمير المؤمين ( عليه السلام ) بتزويجها في مقام بعد مقام : روى أبو إسحاق الثقفي بإسناده ، عن حكيم بن جبير ، عن الهجريّ ، عن عمّه قال : سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول : « لأقولنّ قولاً لم يقله أحدٌ بعدي إلاّ كذّاب ، أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، وريث نبيّ الرحمة ، وتزوّجت سيّدة نساء الاُمّة ، وأنا خير الوصيّين » (3) ، والأخبار في هذا النحو كثيرة ، وروى الثقفي بإسناده عن بريدة قال : لمّا كان ليلة البناء بفاطمة ( عليها السلام ) قال لعليّ : « لا تحدث شيئاً حتّى تلقاني » فاتى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بماء ـ أوقال : دعا بماء ـ فتوضّأ ثمّ أفرغه على عليّ ( عليه السلام ) ثمّ قال : « اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في شبليهما » (4) .
   وروى بإسناده عن شرحبيل بن أبي سعيد قال : لمّا كان صبيحة عرس فاطمة جاء النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعسّ فيه لبن فقال لفاطمة : « اشربي فداك أبوك » وقال لعليّ ( عليه السلام ) : « اشرب فداك ابن عمّك » (5) .

---------------------------
(1) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 346 ، ونحوه في مناقب ابن المغازلي : 343 | 395 .
(2) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 354 ، كشف الغمة 1 : 353 ، تاريخ بغداد 5 : 6 | 2354 ، مناقب الخوارزمي : 341 | 362 ، ذخائر العقبى : 32 ، فرائد السمطين 1 : 96 | 65 .
(3) أمالي الطوسي 1 : 83 دون ذكر « وأنا خير الوصيين » ، كشف الغمة 1 : 473 باختلاف يسير ، وقطعة منه في المصحف لابن أبي شيبة 1 : 62 | 12128 ، وخصائص النسائي 85 | 67 وتاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الاِمام علي ( عليه السلام ) ـ 1 : 134 | 164 ، وفرائد السمطين 1 : 227 | 177 .
(4) الذرية الطاهرة للدولابي : 96 ذيل حديث 87 ، كشف الغمة 1 : 365 ، المعجم الكبير للطبراني 2 | 20 ذيل حديث 1153 ، إلا أنه فيه « أبنائهما » بدل « شبليهما » ، واُسد الغابة 6 : 222 وفيه « نسلهما » بدل « شبليهما » ، ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد : 9 | 209 عن البزار بدون إختلاف ، وذكر ذيله ابن شهر آشوب في المناقب 3 : 355 .
(5) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 356 ، كشف الغمة 1 : 473 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 213 _



   روي : أنّها توفّيت( صلوات الله عليها ) ( في ) الثالث من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وبقيت بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خمسة وتسعين يوماً (1) ، وروي : أربعة أشهر (2) .
   وتولّى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) غسلها (3) وروي : أنّه أعانه على غسلها أسماء بنت عميس ، وأنها قالت : أوصت فاطمة أن لا يغسّلها إذا ماتت إلاّ أنا وعليّ ( صلوات الله وسلامه عليه ) ، فغسّلتها أنا وعليّ (4) .
   وصلّى عليها أمير المؤمنين ، والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، وعمّار ، والمقداد ، وعقيل ، والزبير ، وأبو ذرّ ، وسلمان ، وبريدة ، ونفر من بني هاشم في جوف الليل ، ودفنها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سرّاً بوصيّة منها في ذلك (5) .    وأمّا موضع قبرها فاختلف فيه ، فقال بعض أصحابنا : إنّها دفنت في البقيع (6) ، وقال بعضهم : إنّها دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو اُمّية في المسجد صارت في المسجد (7) ، وقال بعضهم : إنّها دفنت فيما بين القبر والمنبر (8) ، وإلى هذا أشار النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بقوله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (9) .
   والقول الأول بعيد ، والقولان الآخران أشبه وأقرب إلى الصواب ، فمن استعمل الاحتياط في زيارتها زارها في المواضع الثلاثة ، هذا آخر ما أردنا إثباته من الركن الأوّل، وبالله التوفيق .

---------------------------
(1) الذرية الطاهرة للدولابي 151 | 199 ، كشف الغمة 1 : 503 .
(2) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 357 ، الاصابة 4 : 379 .
(3) الكافي 1 : 382 | 4 ، علل الشرائع : 184 ، دلائل الاِمامة : 46 ، تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 98 ، الاستيعاب 4 : 379 .
(4) الذرية الطاهرة للدولابي 152 | 202 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 364 ، كشف الغمة 1 : 500 ، مستدرك الحاكم 3 : 163 ، الاستيعاب 4 : 379 ، ذخائر العقبى : 53 ، الاصابة 4 : 378 .
(5) انظر : الهداية الكبرى : 178 ، روضة الواعظين : 152 ، تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 98 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 363 ، صحيح البخاري 5 : 177 ، صحيح مسلم 3 : 1380 | 1759 ، طبقات ابن سعد 8 : 229 ، مصنف عبد الرزاق 5 : 427 ، سنن البيهقي 6 : 300 ، تاريخ الطبري 3 : 208 ، مشكل الآثار 1 : 48 ، مستدرك الحاكم 3 : 162 ، الاستيعاب 4 : 379 ، اُسد الغابة 5 : 524 .
(6) تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 99 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 357 ، كشف الغمة 1 : 501 .
(7) الكافي 1 : 383 | 9 ، الفقيه 1 : 148 | 684 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 311 | 76 ، معاني الأخبار 1 : 268 | 1 ، ذخائر العقبى : 54 .
(8) معاني الأخبار 267 | 1 ، تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 99 ، روضة الواعظين : 152 .
(9) الكافي 4 : 553 | 1 و 554 | 3 و 5 و 555 | 8 ، الفقيه 2 : 339 | 1572 ، التهذيب للطوسي 6 : 7 | 12 ، الموطأ 1 : 97 | 10 و 11 ، صحيح البخاري 2 : 77 ، صحيح مسلم 2 : 1010 | 500 ، مسند أحمد 2 : 236 و 376 و 438 و 466 و 533 و 3 : 4 و 4 : 39 و 40 ، صحيح الترمذي 5 : 718 | 3915 و 719 | 3916 ، سنن النسائي 2 : 35 ، وفي جميعها إلاّ الفقيه ( بيتي بدل قبري ) .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 214 _

الركن الثاني
من الكتاب في ذكر الاِمام الأوّل، والوصيّ الأفضل ، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب
( عليه السلام ) ، وتاريخ مولده ، ومدّة عمره ، ودلائل إمامته
، وطرف من مناقبه

   ويشمل على خمسة أبواب :

الباب الأول
في ذكر مولده ( عليه السلام ) ، وتاريخ عمره
ونبذ من خبر ولادته ووفاته

   وفيه ثلاثة فصول :



   ولد ( عليه السلام ) بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، ولم يولد قطّ في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لرتبته .
   واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وكانت من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بمنزلة الاُمّ، وربّي في حجرها ، وكانت من سابقات المؤمنات إلى الاِيمان ، وهاجرت معه إلى المدينة ، وكفّنها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند موتها بقميصه ؛ ليدرأ به عنها هوامّ القبر ، وتوسّد في قبرها ؛ لتأمن بذلك من ضغطة القبر ، ولقّنها الاِقرار بولاية ابنها كما اشتهرت به الرواية .
   فكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هاشميّاً من هاشميّين ، وأوّل من ولده هاشم مرّتين (1) .

---------------------------
(1) انظر : الكافي 1 : 376 و 377 | 2 ، ارشاد المفيد 1 : 5 ، التهذيب للطوسي 6 : 19 ، تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 88 و 89 ، مستدرك الحاكم 3 : 180 ، مناقب ابن المغازلي : 6 | 2 و 3 ، مناقب الخوارزمي : 12 و 13 ، اُسد الغابة 5 : 517 ، الرياض النضرة 3 : 104 ، الفصول المهمة 30 و 31 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 215 _

الفصل الثاني
في ذكر أسمائه وألقابه ( عليه السلام )


   وأسماؤه في كتب الله تعالى المنزّلة كثيرة ، أوردها أصحابنا ( رضي الله عنهم ) في كتبهم ، وكنيته المشهورة أبو الحسن ، وقد كنّي أيضاً : بأبي الحسين ، وأبي السبطين ، وأبي الريحانتين .
   وكنّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أبي تراب لمّا رآه ساجداً معفّراً وجهه في التراب (1) .
   ولقبه أمير المؤمنين ، خصّه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) به لمّا قال : « سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين » (2) .
   ولم يجوّز أصحابنا ( رضي الله عنهم ) أن يطلق هذا اللفظ لغيره من الأئمة ( عليهم السلام ) وقالوا : إنّه انفرد بهذا التلقيب فلا يجوز أن يشاركه في ذلك غيره ، وقد لقّبه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وسيّد الأوصياء ، وسيّد العرب (3) في أمثال لهذه كثيرة .
   وهو أخو رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ووزيره ، ووصيّه ، وخليفته في اُمّته ، وصهره على ابنته الزهراء البتول فاطمة سيّدة نساء العالمين ، وهو المرتضى ، ويعسوب المؤمنين .

الفصل الثالث
في ذكر وقت وفاته ، ومدة خلافته ، وتاريخ عمره ( عليه السلام )

   وقبض ليلة الجمعة لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً شهيداً ، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله ـ وقد خرج لصلاة الفجر ليلة تسعة عشر من شهر رمضان وهو ينادي « الصلاة الصلاة » ـ في المسجد الأعظم بالكوفة ، فضربه بالسيف على أمّ رأسه ، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك ، وكان سيفه مسموماً ، فمكث ( عليه السلام ) يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها وليلة الحادي والعشرين إلى نحو الثلث من الليل ثمّ قضى نحبه ( عليه السلام ) (4) ، وقد كان يعلم ذلك قبل أوانه ويخبر به الناس قبل أيّانه .
   فقد اشتهر في الرواية : أنّه ( عليه السلام ) كان لما دخل شهر رمضان يتعشّى ليلة عند الحسن ( عليه السلام ) ، وليلة عند الحسين ( عليه السلام ) ، وليلة عند عبد اللهّ بن العبّاس ، والأصحّ عبد الله بن جعفر ، وكان لا يزيد على ثلاث لقم ، فقيل له في ذلك فقال : « يأتيني أمر ربي وأنا خميص ، إنما هي ليلة أو ليلتان » ، فأصيب ( عليه السلام ) في آخر تلك الليلة (5) .

---------------------------
(1) انظر : مسند أحمد 4 : 263 ، مستدرك الحاكم 3 : 140 ، مناقب ابن المغازلي 8 : 5 ، الرياض النضرة 3 : 105 و 160 ، ذخائر العقبى : 56 .
(2) الكافي 1 : 231 | 1 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 2 : 68 | 312 ، ارشاد المفيد 1 : 48 ، أمالي المفيد : 18 | 7 ، أمالي الطوسي 1 : 295 و 340 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 53 .
(3) انظر : أمالي الصدوق : 19 | ذيل حديث 6 و 247 | 16 ، بشارة المصطفى : 18 و 165 ، مائة منقبة : 57 | 31 و 71 | 41 ، اليقين لابن طاووس : 10 ، مناقب الخوارزمي : 42 ، و 231 .
(4) انظر : الكافي 1 : 376 ، ارشادالمفيد 1 : 19 ، كشف الغمة 1 : 436 ، اثبات الوصية للمسعودي : 132 ، مناقب الخوارزمي : 284 ، ذخائر العقبى : 115 ، الفصول المهمة 138 و 139 .
(5) ارشاد المفيد 1 : 14 ، روضة الواعضين : 135 ، الخرائج والجرائح 1 : 201 | 41 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 271 ، مناقب الخوارزمي : 283 ، الكامل في التاريخ : 3 : 388 ، اُسد الغابة 4 : 35 ، الفصول المهمة : 139 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 216_

   وروى أصبغ بن نباتة قال : خطبنا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الشهر الذي قتل فيه فقال : « أتاكم شهر رمضان ، وهو سيّد الشهور وأوّل السنة ، وفيه تدور رحى السلطان ، ألا وإنّكم حاجّوا العام صفّاً واحداً ، واية ذلك أنّي لست فيكم » قال : فهو ينعى نفسه ( عليه السلام ) ونحن لا ندري (1) .
   وروى عنه جماعة أنّه كان يقول على المنبر : « ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم » ويضع يده على شيبته ( عليه السلام ) .
   وروي : أنه كان يقول : « واللهّ ليخضبنَ هذه من هذه » ويضع يده على رأسه ولحيته عليه السلام (2) .
   وروي عن أبي صالح الحنفيّ قال : سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول : « رأيت النبي ( صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ) في منامي فشكوت إليه ما لقيت من أمّته من الأود واللدد وبكيت فقال : « لا تبك يا عليّ ، والتفت فالتفتّ فإذا رجلان مصفدان ، وإذا جلاميد (3) ، ترضخ بها روسهما » .
   قال أبو صالح : فغدوت إليه من الغد فلقيت الناس يقولون : قُتل أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) (4) .
   وروى الحسن البصري قال : سهر أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في الليلة التي قتل في صبيحتها ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته ، فتالت له ابنته أمّ كلثوم : ما هذا الذي قد أسهرك ؟ فقال : « إنّي مقتول لوقد أصبحت » .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 14 ، روضة الواعظين : 135 ، الخرائج والجرائح 1 : 201 | 41 .
(2) ارشاد المفيد1 : 13 ، أمالي الطوسي 1 : 273 ، الخرائج والجرائح 1 : 201 | 41 ، تاريخ بغداد 12 : 57 | 6441 ، ونحوه في مسند ابي يعلى الموصلي 1 : 378 | ذيل ح 485 .
(3) الجلمود : الصخر . « الصحاح ـ جلمد ـ 2 : 459 » .
(4) ارشادالمفيد 1 : 15 مناقب ابن شهرآشوب 3 : 211 مسند ابي يعلى الموصلي 1 : 398 | 520 ، مجمع الزوائد 9 : 138 ، ونحوه في مقاتل الطالبيين : 0 4 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 217 _

   وأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة ، فمشى غير بعيد ثمّ رجع فقالت له أم كلثوم : مر جعدة فليصلّ بالناس ، قال : « نعم مروا جعدة ليصلّي ، ثئم قال : « لا مفرّ من الأجل » فخرج إلى المسجد ، فإذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده ، فلقا برد السحر نام ، فحركه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) برجله وقال له : « الصلاة » ، فقام إليه فضربه (1) .
   وروي في حديث آخر : أنه ( عليه السلام ) سهر في تلك الليلة ، وكان يكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول : « والله ما كذبت ولا كذبت وإنها الليلة التي وعدت بها » ثمّ يعاود مضجعه ، فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول :

اشدد حيازيمك للموت      فـإن  الـموت iiآتيك
ولا تجزع من iiالموت      إذا حــل iiبـواديك
   فلما خرج إلى صحن الدار استقبلنه الإوزّ فصحن في وجهه ، فجعلوا يطردونهن ، فقال : « دعوهن فانهنَ صوائح تتبعها نوائح » ثمّ خرج فاُصيب ( عليه السلام ) (2) ، « وكان سنه يوم استشهد ثلاثاً وستّين سنة ، وكان مقامه مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلَم ) ثلاثاً وثلاثين سنة ، عشر منها قبل البعثة ، واسلم وهو ابن عشر سنين (3) ، فقد صحت الرواية عن حبة العرني عنه ( عليه السلام ) قال : « بُعث النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوم الاثنين فأسلمت يوم الثلاثاء » (4) ، وبعد البعثة بمكّة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين ، وعاش بعد ما قبض النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ثلاثين سنة إلاّ خمسة أشهر وأياماً ، وتولّى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين بأمره ، وحملاه إلى الغريّين من نجف الكوفة ودفناه هناك ليلاً ، وعمّيا موضع قبره بوصيّته اليهما في ذلك لما كان يعلم من دولة بني اُميّة من بعده وإنّهم لا ينتهون عمّا يقدرون عليه من قبيح الأفعال ولئيم الخلال ، فلم يزل قبره مخفيّاً حتّى دلّ عليه الصادق ( عليه السلام ) في الدّولة العبّاسيّة وزاره عند وروده إلى أبي جعفر وهو بالحيرة (5) .

---------------------------
(1) ارشادالمفيد 1 : 16 ، روضة الواعظين : 135 ، مناقب ابن شهراشوب 3 : 310ودون ذيله في خصائص الرضي : 63 .
(2) خصائص الرضي : 63 ، ارشاد المفيد 1 : 16 ، روضة الواعظين : 35 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 310 كشف الغمة 1 : 436 .
(3) انظر : الكافي 1 : 376 ، تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 90 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 307 ، مناقب الخوارزمي : 284 .
(4) تفسير القمي 1 : 378 مسند أبي يعلى 1 : 348 | 446 ، الاوائل لابي هلال العسكري : 91 ، مستدرك الحاكم 3 : 112 عن انس بن مالك ، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) ـ 1 : 79 | 5 ، صحيح الترمذي 5 : 0 4 28 | 6 37 عن أنس بن مالك إلا أنه فيه وصلّى علي بدل فأسلمت .
(5) انظر : ارشاد المفيد 1 : 9 ، تاج المواليد ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 90 و 93 ، مناقب ابن شهراَشوب 3 : 307 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 218 _

الباب الثاني
في ذكر النصوص الدالة على أنه ( عليه السلام ) هو الامام
بعد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بلا فصل

   الذي يجب تقديمه في هذا الباب أنّه قد ثبت بالدلالة القاطعة وجوب الإمامة في كلّ زمان لكونها لطفاً في فعل الواجبات والامتناع عن المقبّحات ، فإَنّا نعلم ضرورة ان عند وجود الرئيس المهيب يكثر الصلاح من الناس ويقلّ الفساد ، وعند عدمه يكثر الفساد ويقلّ الصلاح منهم ، بل يجب ذلك عند ضعف أمره مع وجود هيبته .
   وثبت أيضاً وجوب كونه معصوماً مقطوعاً على عصمته ، لأنّ جهة الحاجة إلى هذا الرئيس هي إرتفاع العصمة عن الناس وجواز فعل القبيح منهم ، فإن كان هو غير معصوم وجب أن يكون محتاجاً إلى رئيس آخر غيره ، لأنّ علّة الحاجة إليه قائمة فيه ، والكلام في رئيسه كالكلام فيه ، فيؤدّي إلى وجوب ما لا نهاية له من الأئمّة أو الانتهاء إلى إمام معصوم وهو المطلوب .
   فإذا ثبت وجوب عصمة الإمام فالعصمة لا يمكن معرفتها إلاّ بإعلام الله سبحانه العالم بالسرائر والضمائر، ولا طريق إلى ذلك سواه ، فيجب النصّ من الله تعالى عليه على لسان نبيّ مؤيّد بالمعجزات ، أو إظهار معجز دالّ على إمامته ، وإذا ثبتت هذه الجملة القريبة ـ التي لا تحتاج فيها إلى تدقيق كثير ـ سبرنا أحوال الاُمّة بعد وفاة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فوجدناهم اختلفوا في الإمام بعده على أقوال ثلاثة :
   فقالت الشيعة : الإمام بعده ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، بالنصّ على إمامته ، وقالت العبّاسيّة : الإمام بعده العبّاس ، بالنصّ أو الميراث ، وقال الباقون من الاُمّة : الإمام بعده أبو بكر ، وكلّ من قال بإمامة أبي بكر والعبّاس أجمعوا على أنّهما لم يكونا مقطوعاً على عصمتهما ، فخرجا بذلك من الإمامة لما قدّمناه ، ووجب أن يكون الإمام بعده أميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) بالنصّ الحاصل من جهة الله تعالى عليه والإشارة إليه ، وإلاّ كان الحقّ خارجاً عن أقوال جميع الاُمّة وذلك غير جائز بالاتّفاق بيننا وبين مخالفينا ، فهذا هو الدليل العقلي على كونه منصوصاً عليه ( صلوات الله عليه ) .
   وأما الأدلّة السمعيّة على ذلك فقد استوفاها أصحابنا ( رضي الله عنهم ) قديماً وحديثاً في كتبهم ، لا سيّما ما ذكره سيّدنا الأجلّ المرتضى علم الهدى ذو المجدين ( قدّس الله روحه ) في كتاب الشافي في الإمامة ، فقد استولى على الأمد ، وغار في ذلك وأنجد ، وصوّب وصعّد ، وبلغ غاية الاستيفاء والاسقصاء ، وأجاب على شُبَه المخالفين التي عوّلوا على اعتمادها واجتهدوا في إيرادها ، أحسن اللهّ عن الدين وكافّة المؤمنين جزاءه ، ونحن نذكر الكلام في ذلك على سبيل الاختصار والإجمال دون البسط والإكمال .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 219 _

   فنقول : إنّ الذي يدل على أن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) نصّ على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالإمامة بعده بلا فصل ، ودل على فرض طاعته على كلّ مكلّف قسمان : أحدهما : يرجع إلى الفعل ، وإن كان يدخل فيه أيضاً القول ، والاخر يرجع إلى القول .
   فأمّا النصّ الدال على إمامته بالفعل والقول : فهو أفعال نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) المبينة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) من جميع الاُمة ، الدالة على استحقاقه التعظيم والإجلال والتقديم التي لم تحصل ولا بعضها لأحد سواه ، وذلك مثل إنكاحه ابنته الزهراء سيّدة نساء العالمين ، ومؤاخاته إيّاه بنفسه ، وأنّه لم يندبه لأمر مهمّ ولا بعثه في جيش قطَ إلى آخرعمره إلآ كان هو الوالي عليه ، المقذم فيه ، ولم يولّ عليه أحداً من أصحابه وأقربيه ، وأنّه لم ينقم عليه شيئاً من أمره مع طول صحبته إيّاه ، ولا أنكر منه فعلاً ، ولا استبطأه ، ولا استزاده في صغير من الاُمور ولا كبير ، هذا مع كثرة ما عاتب سواه من أصحابه إمّا تصريحاً وإمّا تلويحاً .
   وأمّا ما يجري مجرى هذه الأفعال من الأقوال الصادرة عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الدالة على تميزه عمن سواه ، المنبئة عن كمال عصمته وعلوّ رتبته فكثيرة :
   منها : قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم اُحد وقد انهزم الناس وبقي عليّ ( عليه السلام ) يقاتل القوم حتّى فض جمعهم وانهزموا فقال جبرئيل : « إن هذه لهي المواساة » فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لجبرئيل : « عليّ مني وأنا منه » فقال جبرئيل : « وأنا منكما » (1) .
   فاجراه مجرى نفسه ، كما جعله الله سبحانه نفس النبيّ ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) في اية المباهلة بقوله : ( وأنفسنا ) (2) .
   ومنها : قوله ( عليه واله السلام ) لبريدة : « يا بريدة ، لا تبغض عليّاً ، فإنه منّي وأنا منه (3) ، إنّ الناس خلقوا من أشجار شتّى وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة » (4) .

---------------------------
(1) تفسيرفرات الكوفي : 22 و 25 تفسير القمي 1 : 116 ، الكافي 8 : 110 |90 و 328 | ضمن حديث 502 ، علل الشرائع : 7 | 3 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 85 ، ارشاد المفيد 1 : 85 ، الخصال : 556 ، مناقب ابن شهراَشوب 3 : 124 ، فضائل أحمد : 171 | 241 و 172 | 242 ، تاريخ الطبري 2 : 514 ، المعجم الكبير للطبراني 1 : 318 | 941 ، ربيع الأبرار للزمخشري 1 : 833 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام عليّ ( عليه السلام ) 167 / 214 و 215 ، الكامل في التاريخ 2 : 154 ،كفاية الطالب : 274 و 275 ، ذخائر العقبى : 86 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 95 .
(2) آل عمران 3 : 61 .
(3) مسند أحمد5 : 356 ، خصائص النسائي : 110 | 90، مناقب ابن المغازلي : 225 | 217 ، مجمع الزوائد 9 : 128 ، وفي جميعها ضمن رواية .
(4) مستدرك الحاكم 2 : 241 شواهد التنزيل 1 : 288 | 395 ، مناقب ابن المغازلي : 400 | 454 ، الفردوس بمأثور الخطاب 1 : 44 | 9 ، مناقب الخوارزمي : 87 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الاٍ مام علي ( عليه السلام ) ـ 1 : 142 | 176 ، مجمع الزوائد 9 : 100 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 220 _

   ومنها : قوله : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور حيثما دار » (1) .
   ومنها : ما اشتهرت به الرواية من حديث الطائر ، وقوله ( عليه وآله السلام ) : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر » فجاء عليّ ( عليه السلام ) (2) .
   ومنها : قوله ( صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ) لابنته الزهراء ( عليها السلام ) لمّا عيّرتها نساء قريش بفقرعليّ ( عليه السلام ) : « أما ترضين يا فاطمة أنّي زوّجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، إنّ اللهّ عزّ وجلّ اطّلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فجعله نبيّاً ، واطّلع عليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصيّاً ، وأوحى إليّ أن اُنكحه ، أما علمت يا فاطمة أنّك بكرامة الله إيّاك زوجتك أعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً ، وأقدمهم سلماً » .
   فضحكت فاطمة ( عليها السلام ) واستبشرت ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « يا فاطمة إنّ لعليّ ثمانية أضراس قواطع لم تجعل لأحد من الأوّلين والآخرين ، هو أخي في الدنيا والآخرة ، ليس ذلك لغيره من الناس ، وأنت يا فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة زوجته ، وسبطا الرحمة سبطاي ولده ، وأخوه المزيّن بالجناحين في الجنّة يطير مع الملائكة حيث يشاء ، وعنده علم الأوّلين والآخرين ، وهو أوّل من آمن بي ، وآخر الناس عهداً بي ، وهو وصّي ووارث الوصيّين » (3) .

---------------------------
(1) مناقب ابن شهراشوب 3 : 62 ، تاريخ بغداد 14 : 321 .
(2) أمالي الصدوق : 3 | 521 ، ارشاد المفيد 1 : 38 ، أمالي الطوسي 1 : 259 ، فضائل أحمد : 42 | 68 ، صحيح الترمذي 5 : 636 | 3721 ، خصائص النسائي 29 | 10 ، المعجم الكبير للطبراني 1 : 352 | 730 ، مستدرك الحاكم 3 : 130 ، تاريخ جرجان : 169 | 228 ، حلية الأولياء 6 : 339 ، أخبار اصبهان 1 : 232 ، تاريخ بغداد 3 : 171 و 9 : 369 و 11 : 376 ، مناقب الخوارزمي : 59 ، مناقب ابن المغازلي : 156 | 189 ـ 212 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) ـ 2 : 105 | 609 | 642 ، تذكرة الخواص : 44 ،تذكرة الحفاظ 2 : 1042 ، اسدالغابة 4 : 30 ، جامع الأصول 8 : 653 | 6494 ، كفاية الطالب : 144 ، ذخائر العقبى : 61 ، سير أعلام النبلاء 13 : 232 ، ميزان الأعتدال 1 : 411 / 1505 و 3 : 58 | 7671 و 4 : 583 | 10703، لسان الميزان 1 : 42 | 85 و 7 : 119 | 1297 ، مجمع الزوائد 9 : 125 ، وقد تواتر وروده بطرق شتى وأسانيد مختلفة ، بالاضافة إلى أن الإمام علي ( عليه السلام ) احتج به في يوم الدار ، فقال : انشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء أحد غيري ؟ فقالوا : اللهم لا ، فقال : اللهم أشهد ، وقد روى هذا الحديث بضعة وتسعون نفساً كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 7 : 452 .
(3) ارشاد المفيد 1 : 36 الخصال : 412 | 16 ، مناقب ابن المغازلي : 101 | 144 ، وأورد الخوارزمي في المناقب : 63 صدر الحديث .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 221 _

   ومنها : قوله ( صلَى الله عليه وآله وسلّم ) فيه : « أنت مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت من الباب » (1) .
   وما رواه عبد الله بن مسعود : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) استدعى عليّاً فخلا به ، فلمّا خرج إلينا سألناه : ما الذي عهد إليك ؟ فقال : « علّمني ألف باب من العلم ، فتح لي كلّ باب ألف باب » (2) .
   ومنها : أنّه جعل محبّته علماً على الإيمان ، وبغضه علماً على النفاق بقوله فيه : « لايحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق » (3) .
   ومنها : أنّه ( عليه وآله السلام ) جعل ولايته عَلَماً على طيب المولد ، وعداوته عَلَماً على خبث المولد ، بقوله « بوروا (4) أولادكم بحبّ عليّ بن أبي طالب ، فمن أحبّه فاعلموا أنّه لرشدة ، ومن أبغضه فاعلموا أنّه لغيّة (5) . رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عنه .
   وروى عنه أبو جعفر الباقر ( عليهما السلام ) قال : « سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) يقول لعليّ ( عليه السلام ) : ألا أسرّك ، ألا أمنحك ، ألا آبشّرك ؟ فقال : بلى يا رسول الله قال : خلقت أنا وأنت من طينة واحدة ففضلت منها فضلة فخلق الله منها شيعتنا ، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس باسماء اُمّهاتهم ، سوى شيعتنا فإنهم يدعون بأسماء ابائهم لطيب مولدهم » (6) .

---------------------------
(1) تاريخ جرجان : 7 | 65 ، مستدرك الحاكم 3 : 126 ، تاريخ بغداد 11 : 49 مناقب ابن المنازلي : 80 | 120 و 81 | 121 و 122 ، مناقب الخوارزمي : 4 ، تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) ـ 2 : 466 | 985 و 469 | 988 و 470 | 991 و 473 | 992 ، تذكرة الخواص : 52 ، اُسد الغابة 4 : 22 ، كفاية الطالب : 220 ـ 221 ، ذخائر العقبى : 77 .
(2) بصائر الدرجات : 333 ، الاختصاص 282 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 36 وذكره باختلاف في صدره ابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) ـ 2 : 483 | 1003 .
(3) ارشاد المفيد 1 : 40 ،أمالي الطوسي 1 : 264 ، مسند الحميري 1 : 31 | 58 ، المصنف لابن أبي شبية 12 : 57 | 12113 ، صحيح مسلم 1 : 86 | 131 ، سنن ابن ماجة 1 : 42 | 114 السنة لابن أبي عاصم 584 | 1325 ، مسند أحمد 1 : 95 فضائل أحمد : 45 | 71 و 122 | 181 و 156 | 224 و 160 | 229 و 214 | 292 ، صحيح الترمذي 5 : 643 | 3736 ، خصائص النسائي 118 | 100 و 101 ، سنن النسائي 8 : 116 ، الايمان لابن مندة 2 : 7 06 | 532 ، حلية الأولياء 4 : 5 8 1 ، تاريخ بغداد 2 : 255 و 14 : 426 ، تذكرة الخواص : 35 اُسد الغابة 4 : 26 ، ذخائر العقبى : 91 .
(4) بوروا : أي امتحنوا . « انظر : الصحاح ـ بور ـ 2 : 597 » .
(5) ارشاد المفيد 1 : 45 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوا ر 38 : 189 .
(6) ارشاد المفيد 1 : 44 ، أمالي المفيد : 311 | 3 ، أمالي الطوسي 2 : 71 ، بشارة المصطفى : 14 و 20 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 189 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 222 _

   وروي عن جابر أنه كان يدور في سكك الأنصار ويقول : عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر ، معاشر الأنصار بوروا أولادكم بحب عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فمن أبى فانظروا في شأن اُمّه (1) .
   ومنها : عن ابن عبَاس : أنَ النبي ( صلّى النبي عليه وآله وسلم ) قال : « إذا كان يوم القيامة دعي الناس كلّهم بأسمائهم ما خلا شيعتنا فإنهم يدعون بأسماء ابائهم لطيب مواليدهم » (2) .
   ومنها : أنه جعله وشيعته الفائزون ، رواه أنس بن مالك عنه ( صلّى الله عليه واله وسلم ) : « يدخل الجنة من اُمتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب » ثمّ التفت إلى علي ( عليه السلام ) فقال : « هم شيعتك وأنت إمامهم » (3) .
   ومنها : أنه ( عليه السلام ) سد الأبواب في المسجد إلاّ بابه ( عليه السلام ) ، روى أبو رافع قال : خطب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : « أيّها النّاس إنّ الله تعالى أمر موسى بن عمران أن يبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ هو وهارون وابنا هارون شبر وشبير ، وإنّ الله أمرني أن أبني مسجداً لا يسكنه إلاّ أنا وعليّ والحسن والحسين ، سدوا هذه الأبواب الاّ باب عليّ » .
   فخرج حمزة يبكي وقال : يا رسول الله أخرجت عمّك وأسكنت ابن عمّك ! فقال : «ما أنا أخرجتك وأسكنته ، ولكنّ الله أسكنه » .

---------------------------
(1) انظر : أمالي الصدوق 6 | 71 ، مائة منقبة لابن شاذان : 128 | 63 و 138 | 70 ، تاريخ بغداد 7 : 421 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي ـ 2 :444 | 955 و 445 | 956 و 957 ، كفاية الطالب 245 ، 246 ، سير أعلام النبلاء 8 : 205 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 189 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 44 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 189 .
(3) ارشاد المفيد 1 : 42 ، بشارة المصطفى : 163 ، مناقب ابن المغازلي 293 | 335 ، مناقب الخوارزمي : 235 .