ومنها : ما قاله فيه يوم خيبر ، ممّا لم يقله في أحد غيره ، ولا يوازيه إنسان ، ولا يقارنه فيه ، فقد ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفيّ في كتاب المعرفة : حدّثني الحسن بن الحسين العرفي ـ وكان صالحاً ـ قال : حدّثنا كادح بن جعفر البجلي ـ وكان من الأبدال (1) ـ عن ابن لهيعة ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار ، عن جابر بن عبد الله الأنصار يقال : لمّا قدم عليّ ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بفتح خيبر قال له رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « لولا أن يقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنك منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنّك تؤدّي ذمتي ، وتقاتل على سنّتي ، وأنّك في الآخرة غداً أقرب الناس منّي ، وأنّك غداً على الحوض خليفتي ، وأنّك أوّل من يرد عليّ الحوض غداً ، وأنك أول من يكسى معي ، وأنّك أوّل من يدخل الجنّة من اُمّتي ، وأنّ شيعتك على منابر من نور ، مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، ويكونون في الجنّة جيراني ، وأنّ حربك حربي ، وأنّ سلمك سلمي ، وأنّ سرّك سرّي ، وأنّ علانيتك علانيتي ، وأنّ سريرة صدر ككسريرة صدري ، وأنّ ولدك ولدي ، وأنّك منجز عدتي ، وأنّ الحقّ معك ، وأنّ الحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، وأنّ الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأنّه لا يرد على الحوض مبغض لك ، ولن يغيب عنه محبّ لك غداً حتّى يردوا الحوض معك ».
   فخرّ عليّ ( عليه السلام ) لله ساجداً ، ثمّ قال : « الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، إحساناً منه إليّ ، وفضلاً منه عليّ » .

---------------------------
(1) الابدال : المبرّزون في الصلاح ، وسموا أبدالاً لأنّهم كلما مات منهم واحد اُبدل بآخر . « انظر : لسان العرب 11 : 49 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 250 _

   فقال له النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند ذلك : « لولا أنت يا عليّ لم يعرف المؤمنون بعدي » (1) .
   وهذا الخبر بما تضمنه من مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لو قسّم على الخلائق كلّهم من أوّل الدهر إلى آخره لا كتفوا به شرفاً ومكرمة وفخراً ، ومنها : أن شرّفه الله تعالى بطاعة النار له ( عليه السلام ) .
   روى الأعمش ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول : « أنا قسيم النار ، أقول : هذا لي وهذا لك » (2) ، قال : وحدّثني موسى بن طريف ، عن عباية بن ربعي قال : سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لقسيم النار ، أقول : هذا لي وهذا لك » .
   قال : فذكرته لمحمّد بن أبي ليلى فقال : يعني : أنّ وليّي في الجنّة وعدوّي في النار ، قلت : سمعته ؟ قال : نعم (3) .
   وروى جابر الجعفي قال : أخبرني وصيّ الأوصياء قال : « قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعائشة : لا تؤذيني في عليّ ، فإنه أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، يقعده الله غداً يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار» (4) .

---------------------------
(1) أمالي الصدوق : 86 ، كنز الفوائد 2 : 179 ، مناقب ابن المغازلي : 237 | 285 ، كفاية الطالب : 264 ، وقطعه منه في مناقب الخوارزمي : 220 ، مجمع الزوائد 9 : 131 .
(2) لم يعد بمستغرب ان تجد ، جملة كبيرة من الاحاديث الصحيحة والمشهورة تتعرض للتكذيب والطعن من قبل الامويين أو ممّن تشبع بروحهم المناصبة العداء لاهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهذا هو ديدنهم ، وتلك هي شمائلهم ، منذ بدء الدعوة الاسلامية المباركة والى يومنا هذا ، والامر لا يحتاج الى سرد وتوضيح ، فهو اجلى من الشمس فيرابعة النهار، ولنا على صحة قولنا الف شاهد والف دليل .
ولعل من الاحاديث التي نالها بغض الامويين لاهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولا سيما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حديث ( قسيم النار ) المشهور الذي حدث به الاعمش وغيره ، وحيث تجد إلى جانب ذلك الحديث كلام ممجوج يحاول الطعن بهذا الحديث دون حجة أو دليل .
نعم ، بل وتجد اشارات واضحة إلى محاولة ذلك البعض المنحرف لثني الاعمش عن رواية هذا الحديث أو تكذيبه ، على ما ذكر ذلك الذهبي في لسان الميزان ( 3 : 347 ) حيث ذكر عن عيسى بن يونس انه قال : ما رأيت الاعمش خضع إلآ مرة واحدة ، فأنّه حدثنا بهذا الحديث ـ أنا قسيم النار ـ فبلغ ذلك أهل السنة فجاءوا فقالوا : التحديث بهذا يقوي الرافضية والزيدية والشيعة ، فقال [ اي الاعمش ] : سمعته فحدًثت به .
قال : فرأيته خضع ذلك اليوم ، بل وروى القاضي ابن ابي يعلى في طبقات الحنابلة ما هذا لفظه : سمعت محمّد بن منصور يقول : كنّا عند احمد بن حنبل فقال رجل : يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى ان علياً قال : « انا قسيم النار » ، فقال : وما تنكرون من ذا ؟ أليس قد روينا ان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) قال لعلي : « لايحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ؟ » قلنا : بلى ، قال : فاين المؤمن ؟ قلنا : في الجنة ، قال : واين المنافق ؟ قلنا : في النار، قال : فعلي قسيم النار .
(3) أمالي الطوسي 2 : 241 ، مناقب ابن شهراشوب 2 : 157 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 2 : 244 | 754 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 260 ، فرائد السمطين 1 : 254 | 325 ، ولم يرد فيها ذيل الرواية .
(4) كتاب سليم بن قيس : 141 | ذيل حديث 30 ، أمالي الطوسي 1 : 296 ، بشارة المصطفى : 148، اليقين : 541.

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 251 _

   ومنها : ما رواه عباد بن يعقوب ، ويحيى بن عبد الحميد الحماني قالا : حدّثنا عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عبيد الله ، عن أبيه عبيد الله بن أبي رافع ، عن جدّه ابي رافع قال : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) كان إذا جلس ثمّ أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ ( عليه السلام ) ، وإنّ أصحاب النبيّ كانوا يعرفون ذلك له فلا يأخذ بيد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أحد غيره ، وقال الحماني في حديثه : كان إذا جلس اتّكأ على عليّ ، وإذا قام وضع يده على عليّ عليه السلام (1) .
   ومنها : أنّه صاحب حوض رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) يوم القيامة ، روى محمّد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « كأنّي أنظر إلى تدافع مناكب اُمّتي على الحوض ، فيقول الوارد للصادر : هل شربت ؟ فيقول : نعم واللهّ لقد شربت ، ويقول بعضهم : لا واللهّ ما شربت فيا طول عطشاه » (2) .
   وقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلّي ( عليه السلام ) : « والذي نبّأ محمّداً وأكرمه ، إنّك لذائد عن حوضي ، تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادي عن الماء، بيدك عصا من عوسج ، كأنّي أنظرإلى مقامك من حوضي » (3) .
   وعن طارق عن عليّ ( عليه السلام ) قال : « ربّ العباد والبلاد ، والسبع الشداد ، لأذودنّ يوم القيامة عن الحوض بيديّ هاتين القصيرتين » قال : وبسط يديه (4) .
   وفي رواية اُخرى : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لاقمعنّ بيديّ هاتين عن الحوض أعداءنا ، ولا وردنّ أحبّاءنا » (5) .

---------------------------
(1) مناقب ابن شهراشوب 2 : 219 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 306 | 8 .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 39 : 216 | 6 .
(3) مناقب الخوارزمي : 60 ، ونحوه في مناقب ابن شهر آشوب 2 : 162 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 39 : 216 | 6 .
(4) أمالي الطوسي 1 : 175 ، فضائل أحمد : 200 | 279 الرياض النضرة 3 : 186 ، مجمع الزوائد 9 : 135 ، وفيها نحوه .
(5) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 162 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 39 : 216 | 6 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 252 _

   ومنها : اختصاصه ( عليه السلام ) بالمناجاة يوم الطائف ، فروي عن جابر بن عبد الله : أن النبي ( عليه وآله السلام ) لما خلا بعلي يوم الطائف وناجاه طويلاً قال أحد الرجلين لصاحبه : لقد طالت مناجاته لابن عمّه ، فبلغ ذلك النبيّ فقال : « ما أنا ناجيته ، بل الله انتجاه » (1) .
   ومنها : تفرّده ( عليه السلام ) بآية النجوى والعمل بها ، فروي عن مجاهد قال : قال عليّ ( عليه السلام ) : « آية من القران لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى، كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكلّما أردت أن اُناجي النبيّ ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) تصدّقت بدرهم ثمّ نسخت بقوله : ( فَاِن لَم تَجدوا فَاِنّ اللهَ غَفُوز رَحيم ) (2) (3) .
   وفي رواية اُخرى : « بي خفّف الله عن هذه الاُمّة ، فلم تنزل في أحد قبلي ولا تنزل في أحد بعدي » (4) ، وروى السندي ، عن ابن عبّاس قال : كان الناس يناجون رسول الله ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) في الخلاء إذا كانت لأحدهم حاجة ، فشقّ ذلك على النبيّ صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ففرض الله على من ناجاه سرّاً أن يتصدّق بصدقة ، فكفّوا عنه وشقّ ذلك عليهم (5).

---------------------------
(1) بصائرالدرجات : 81 | 43 ، الأختصاص: 200 ، أمالي الطوسي 1 : 266 و 340 ، العمدة لابن بطريق : 362 | 703 ، مناقب ابن المغازلي : 125 | 164 ،ورواه الترمذي في صحيحه 5 : 639 | 3726 ، الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 327 و 328 ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى : 85 ، والرياض النضرة 3 : 170 ، إلا أن فيها « فقال الناس » بدل « فقال أحد الرجلين » ، وكذا رواه الخطيب في تاريخ بغداد 7 : 402 وفيه : « فقالوا » ، وابن الأثيرفي اُسد الغابة 4 : 27 وفيه « فقال بعض الصحابة » .
(2) المجادلة 58 : 13 .
(3) تفسير القمي 2 : 357 ، المصنف لابن أبي شيبة 12 : 81 | 12174 ، تفسير الطبري 28 : 14 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 428 ، مستدرك الحاكم 2 : 481 ، المناقب لابن ألمغازلي : 326 | 373 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 231 | 951 و 237 | 960 و961 ، الرياض النضرة 3 : 170 ، تفسير ابن كثير 4 : 349 .
(4) العمدة لابن بطربق : 185| 283 ، صحيح الترمذي 5 : 406 | ذيل حديث 3300 ، خصائص النسائي : 161 | ذيل حديث 152 ، مسند أبي يعلى الموصلي 1 : 322 | ذيل حديث 400 ، تفسير الطبري 28 : 15 ، مناقب ابن المغازلي : 325 | ذيل الحديث 372 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 232 | ذيل حديث 953 و 234 | ذيل حديث 954 و 955 ، كفاية الطالب : 136 ، ميزان الاعتدال 3 : 146 .
(5) أحكام القران للجصاص 3 : 428 ، تفسير ابن كثير 4 : 350 ، وفيهما عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 253 _

   ومنها : أنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق ، فقد اشتهر عنه ( عليه السلام ) أنّه قال : « لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق أن يحبّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قضي فانقض على لسان النبيّ الاُمّي ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : أنّه لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق » (1) .
   ومنها : ما قاله فيه يوم الحديبية لمّا كتب ( عليه السلام ) كتاب الصلح بين رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل مكّة فكتب : « بسم الله الرحمن الرحيم » .
   فقال سهيل بن عمرو : هذا كتاب بيننا وبينك يا محمّد ، فافتتحه بما نعرفه واكتب باسمك اللهم ، فقال : « اُكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت » ، فقال ( عليه السلام ) : « لولا طاعتك يا رسول اللهّ لما محوت » ، فقال النبيّ ( عليه واله السلام ) : « اكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللهّ سهيل بن عمرو » ، فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة ، فامح هذا الاسم واكتب محمّد بن عبد الله ، فقال له عليّ ( عليه السلام ) : « إنّه واللهّ لرسول اللهّ على رغم أنفك » ، فقال النبيّ ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « امحها يا عليّ » .    فقال له : « يا رسول الله ، إنّ يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوّة » ، قال : فضع يدي عليها ، فمحاها رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) بيده وقال لعليّ : « ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض (2) » (3) .
   ومنها : ما رواه ربعي بن خراش عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « أقبل سهيل بن عمر ورجلان ـ أوثلاثة ـ معه إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الحديبية فقالوا له : إنّه ياتيك قوم من سفلنا وعبداننا فارددهم علينا ، فغضب حتّى احمارّ وجهه ، وكان إذا غضب ( عليه السلام ) يحمارّ وجهه ثمّ قال : لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للايمان ، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عن الدين ، فقال أبوبكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : « لا » .
   قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنّه ذلكم خاصف النعل في الحجرة ، وأنا أخصف نعل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الحجرة » .
   ثمّ قام وقال علي ( عليه السلام ) : « اما انه قد قال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم : من كذّب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار » (4) .

---------------------------
(1) نهج البلاغة 3 : 163 | 45 ، أمالي الطوسي : 209 ، ربيع الأبرار للزمخشري 1 : 488 .
(2) المضض : وجع المصيبة . « لسان العرب 7 : 233 » .
(3) تفسير القمي 2 : 312 ارشاد المفيد 1 : 119 ونحوه في : صحيح مسلم 3 : 1409 | 90 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 362 | 10 .
(4) ارشاد المفيد 1 : 122 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 44 ، العمدة : 224 | 353 ، الترمذي 5 : 634 | 3715 ، مناقب ابن المغازلي : 439 | 24 ، كفاية الطالب : 97 ، ذخائر العقبى : 76 ، وفيها باختلاف يسير ، ونحوه في : مستدرك الحاكم 4 : 298 ، ودون ذيله في : تاريخ بغداد 1 : 133 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 364 | 11 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 254 _



   الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : كانت راية رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) مع عليّ ( عليه السلام ) في المواقف كلّها : يوم بدر ، ويوم اُحد ، ويوم حنين ، ويوم الأحزاب ، ويوم فتح مكّة وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة في المواطن كلّها ويوم فتح مكّة ، وراية المهاجرين مع عليّ ( عليه السلام ) (1) .
   ومن مقاماته الجليلة : مواساته رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ليلة الفراش وبذله مهجته دونه ، قال ابن عبّاس : لمّا انطلق النبيّ إلى الغار أنام عليّاً ( عليه السلام ) في مكانه وألبسه برده ، فجاءت قريش تريد أن تقتل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فجعلوا يرمون عليّاً وهم يرون أنّه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فجعل يتضوّر (2) فلمّا نظروا إذا هو عليّ ( عليه السلام ) (3) .
   وروى علي بن هاشم ، عن محمّد بن عبد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه أبي رافع قال : كان عليّ يجهّز النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حين كان في الغار ياتيه بالطعام والشراب ، واستاجر له ثلاث رواحل ، للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ولأبي بكر ولدليلهم ، وقيل : وخلّفه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يخرج إليه أهله فاخرجهم ، وأمره أن يؤدّي عنه أمانته ووصاياه وما كان يؤتمن عليه من مال ، فادّى عليّ ( عليه السلام ) أماناته كلّها .

---------------------------
(1) انظر: كفاية الطالب : 335 ، وذخائر العقبى :75 .
(2) التضوّر : التلوي من وجع الضرب . « القاموس المحيط 2 : 77 » .
(3) تفسير فرات الكوفي : 10 ، مستدرك الحاكم 3 : 4 ، وفيهما نحوه ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 84 | 35 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 255 _

   وقال له النبيّ ( عليه وآله السلام ) : « إنّ قريشاً لن يفتقدوني ما رأوك » فاضْطَجع على فراش رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فكانت قريش ترى رجلاً على فراش النبيّ فيقولون : هو محمّد ، فحبسهم الله عن طلبه ، وخرج عليّ إلى المدينة ماشياً على رجليه فتورمت قدماه ، فلمّا قدم المدينة رآه النبيّ فاعتنقه وبكى رحمة له ممّا رأى بقدميه من الورم ، وأنّهما يقطران دماً ، فدعا له بالعافية ومسح رجليه ، فلم يشكهما بعد ذلك (1) .
   ومن مقاماته في غزوة بدر : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعثه ليلة بدر أن يأتيه بالماء حين قال لأصحابه : « من يلتمس لنا الماء » فسكتوا عنه فقال عليّ ( عليه السلام ) : « أنا يا رسول الله » ، فاخذ القربة وأتى القليب فملأها ، فلما أخرجها جاءت ريح فاهرقته ثمّ عاد إلى القليب فملأها فجاءت ريح فاهرقته ، فلمّا كانت الرابعة ملأها فاتى بها إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاخبره بخبره ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « أمّا الريح الأولى فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثانية فميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثالثة فإسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك » .
   رواه محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه أبي رافع (2) ، ومنها : أنّه ( عليه السلام ) بارز الوليد بن عتبة فقتله ، وبارزعتبة حمزة بن عبد المطّلب فقتله حمزة ، وبارز شيبة عبيدة بن الحارث فاختلفت بينهما ضربتان قطعت إحداهما فخذ عبيدة فاستنقذه عليّ ( عليه السلام ) بضربة بدر بها شيبة فقتله ، وشركه في ذلك حمزة ، وكان قتل هؤلاء أوّل وهن لحق المشركين وذل دخل عليهم ، ونصرة وعزّ للمؤمنين .

---------------------------
(1) تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع) ـ 1 : 154 ، ودون صدره في : اُسد الغابة 4 : 19 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 84 | 35 .
(2) نحوه في : قرب الاسناد : 111 | 387 ، تفسير العياشي 2 : 65 | 70 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 293 | 36 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 256 _

   وقتل أيضاً بعده العاص بن سعيد بن العاص ، وقتل حنظلة بن أبي سفيان ، وطعيمة بن عدي ، ونوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش ، ولمّا عرف النبيّ ( عليه السلام ) حضوره يوم بدر قال : « اللهم اكفني نوفل بن خويلد » ، ولم يزل ( عليه السلام ) يقتل منهم واحداً بعد واحد حتّى أتى على شطر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلاً ، وختم الأمر بمناولته النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كفّاً من الحصى ، فرمى بها في وجوههم وقال لهم : « شاهت الوجوه » فولّوا على أدبارهم منهزمين وكفى الله المؤمنين شرّهم (1) .
   ومن مقاماته ( عليه السلام ) في غزوة اُحد : أنّ الفتح كان له في هذه الغزاة كما كان بيده يوم بدر ، واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر ، قال أبو البختري القرشيّ : كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بيد قصيّ ابن كلاب ، ثمّ لم تزل الراية في يد ولد عبد المطّلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فصارت راية قريش وغير ذلك إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فاقرّها في بني هاشم ، وأعطاها علي بن أبي طالب في غزوة ودّان ، وهي أوّل غزوة حمل فيها راية في الإسلام مع النبيّ ، ثمّ لم تزل معه في المشاهد : ببدر وهي البطشة الكبرى ، وفي يوم اُحد وكان اللواء يومئذ في بني عبدالدار فاعطاها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم مصعب بن عميرفاستشهد ووقع اللواء من يده ، فتشوّفته القبائل ، فاخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ودفعه إلى عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؛ فجمع له الراية واللواء ، فهما إلى اليوم في بني هاشم .
   وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ـ وكان يدعى كبش الكتيبة ـ فتقدّم وتقدّم عليّ ( عليه السلام ) ، وتقاربا فضربه عليّ ضربة على مقدّم رأسه فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يسمع مثلها وسقط اللواء من يده ، فاخذه أخ له يقال له : مصعب ، فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أخٌ له يقال له : عثمان ، فرماه عاصم أيضاً بسهم فقتله ، فاخذه عبدٌ لهم يقال له : صواب ، وكان من أشدّ الناس فضربه عليّ ( عليه السلام ) فقطع يمينه ، فاخذ اللواء بيده اليسرى فضرب عليّ يده فقطعها ، فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه المقطوعتين عليه فضربه عليّ ( عليه السلام ) على اُمّ رأسه فسقط صريعاً وانهزم القوم ، وأكبّ المسلمون على الغنائم ، وقد كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أقام على الشعب خمسين رجلاً من الأنصار وأمّر عليهم رجلاً منهم ، وقال لهم : « اتبرحوا مكانكم وإن قتلنا عن آخرنا » فلمّا رأى أصحاب الشعب الناس يغتنمون قالوا لأميرهم : نريد أن نغتنم كما غنم الناس ، فقال : إنّ رسول الله قد أمرني أن لا أبرح من موضعي هذا ، فقالوا له : إنّه أمرك بهذا وهو لا يدري أنّ الأمر ، يبلغ إلى ما نرى ، ومالوا إلى الغنائم وتركوه .

---------------------------
(1) انظر: ارشاد المفيد 1 : 70 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 257 _

   فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله ، وجاء من ظهر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يريده ، وقُتل من ، أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) سبعون رجلاً وانهزموا هزيمة عظيمة ، وأقبلوا يصعدون الجبال وفي كلّ وجه ، ولم يبق معه إلاّ أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فكلّما حملت طائفة على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) استقبلهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فدفعهم عنه حتّى انقطع سيفه ، فلمّا رأى رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال : « إليّ أنا رسول الله ، إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله » ؟ ! !
   وثاب إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر رجلاً ، منهم : طلحة بن عبيد الله وعاصم بن ثابت ، وصد الباقون الجبل ، وصاح صائح بالمدينة : قُتل رسول الله ، فانخلعت القلوب لذلك ، وتحيّر المنهزمون فاخذوا يميناً وشمالاً .
   وروى عكرمة قال : سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول : « لمّا انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه ، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت : ما كان رسول الله ليفرّ وما رأيته في القتلى فاظنّه رُفع من بيننا ، فكسّرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لاُقاتلنّ به عنه حتّى أقتل ، وحملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وقد وقع على الأرض مغشيّاً عليه ، فقمت على رأسه فنظر إليّ فقال : ما صنع الناس يا عليّ ؟ فقلت : كفروا يا رسول الله وولّوا الدبر واسلموك ، فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ردّ عني يا عليّ هذه الكتيبة ، فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتّى ولّوا الأدبار فقال لي النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : أما تسمع مديحك في السماء ، أنّ ملكاً يقال له : رضوان ينادي : « لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ » فبكيت سروراً وحمدت الله على نعمه » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 258 _

   وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وانصرف المشركون إلى مكّة ، وانصرف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) إلى المدينة فاستقبلته فاطمة ( عليها السلام ) ومعها إِناء فيه ماء فغسلت به وجهه ولحقه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومعه ذو الفقار وقد خضب الدم يده إلى كتفه فقال لفاطمة ( عليها السلام ) : « خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم » ، وقال :

أفـاطم هـاك الـسيف غير ذميم      فـلـست بـرعـديد ولا iiبـمليم
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد      وطـاعـة  ربٍّ بـالعباد iiعـليم
   فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « خذيه يا فاطمة ، فقد أدّى بعلك ما عليه ، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش » (1) .
   ومن مقاماته المشهورة في غزوة الأحزاب : قتله عمرو بن عبد ود ، فروى ربيعة السعدي قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبد الله ، إنّا لنتحدّث عن عليّ ( عليه السلام ) ومناقبه فيقول لنا أهل البصرة : إنّكم تفرطون في عليّ ( عليه السلام ) ، فهل أنت محدّثي بحديث فيه ؟ فقال حذيفة : يا ربيعة ، والذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد في كفّة الميزان منذ بعث الله محمداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى يوم الناس هذا ، ووضع عمل عليّ في الكفّة الاُخرى لرجّح عمل عليّ ( عليه السلام ) على جميع أعمالهم ، فقال ربيعة : هذا الذي لا يُقام له ولا يُقعد ! فقال حذيفة : يا لكع (2) وكيف لا يحمل ، وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوم عمرو بن عبد ود وقد دعا إلى المبارزة فاحجم الناس كلّهم ما خلا علياً فإنّه برز إليه فقتله الله على يده ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل جميع أصحاب محمد إلى يوم القيامة (3) .

---------------------------
(1) ارشادالمفيد 1 : 79 ، وأوردمنه القمي في تفسيره 1 : 112 قطعاً متفرقة ، وكذا في : مناقب ابن شهرآشوب 3 : 123 و 125 و 299 .
(2) اللكع : اللئيم والعبد الذليل النفس : « الصحاح ـ لكع ـ 3 : 1280 » .
(3) ارشاد المفيد ا : 153 ، ارشاد القلوب : 245 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 60 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 259 _

   وروى الواقدي قال : حدّثنا عبد اللهّ بن جعفر ، عن ( ابن أبي عون ) (1) عن الزهري قال : جاء عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد اللهّ بن المغيرة وضرار بن الخطّاب الفهري في يوم الأحزاب إلى الخندق فجعلوا يطيفون به يطلبون مضيقاً منه ليعبروا ، فانتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، وجعلوا يجولون بخيلهم فيما بين الخندق وسلع ، والمسلمون وقوف لا يقدم أحدٌ منهم عليهم ، وجعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز ويقول :
ولقد بَحِحت من النداء بجمـ      ـعـهم  : هل مِن مبارز ii؟
ـ الأبيات ـ .
   في كلّ ذلك يقوم عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) من بينهم ليبارزه فيامره رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالجلوس انتظاراً منه ليتحرّك غيره ، والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود وممّن معه ووراءه ، وكان عمرو فارس قريش وكان يعدّ بالف فارس ، فلما طال نداء عمرو بالبراز وتتابع قيام عليّ ( عليه السلام ) قال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « ادن منّي » فدنا منه ، فنزع عمامته عن رأسه وعمّمه بها وأعطاه سيفه ذا الفقار وقال له : « امض لشأنك » ثمّ قال : « اللهم أعنه » .
   فسعى نحوعمرو ومعه جابر بن عبد الله لينظر ما يكون منه ومن عمرو ، ولمّا توجّه إليه قال النبيّ : « خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره » فلمّا انتهى إليه قال : « يا عمرو ، إنّك كنت في الجاهليّة تقول : لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث إلاّ قبلتها أو واحدة منها »
   قال : أجل ، قال : « فإنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأن تسلم لربّ العالمين » ، قال : يا ابن أخ أخّر هذه عنّي ، فقال له عليّ : «أما إنّها خيرٌ لك لوأخذتها » ثمّ قال : « فهاهنا اُخرى » .
   قال : ما هي ؟ قال : « ترجع من حيث جئت » ، قال : لاتُحَدّث نساء قريش بهذا أبداً، قال : « فهاهنا اُخرى » ، قال : ما هي ؟ قال : « تنزل فتقاتلني » ، قال : فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومني مثلها ، إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك وقد كان أبوك لي نديماً .
   قال عليّ ( عليه السلام ) : « لكنّي اُحبّ أن أقتلك ، فانزل إن شئت » ، فأسف (2) عمروونزل فضرب وجه فرسه حتّى رجع .

---------------------------
(1) وهو عبد الرحمن ابن ابي عون ، ويعرف بابن ابي عون ، وهو موافق لما في مغازي الواقدي وارشاد المفيد ، ذكره ابن حجر في تهذيبه ( 6 : 388 | 820 ) وقال : عبد الواحد بن ابي عون الدوسي ، ويقال الأويسي المدني ، روى عن سعد بن إبراهيم ، والقاسم بن محمد ، وسعيد المقبري ، وابن المنكدر، والزهري . . . توفي سنة ( 144 هـ ) .
(2) اسف : غضب . « لصحاح ـ ا سف ـ 4: 1331 » .


اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 260 _

   قال جابر بن عبد الله: وثارت بينهما قترة (1) فما رأيتهما ، وسمعت التكبير تحتها ، فعلمت أنّ عليّاً قد قتله ، وانكشف أصحابه حتّى طفرت خيولهم الخندق .
   وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبد العزّى في جوف الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضكم اُقاتله ، فنزل إليه عليّ ( عليه السلام ) فضربه حتّى قتله ، قال جابر : فما شبّهت قتل عليّ عمراً إلاّ بما قصّ الله تعالى من قصّة داود وجالوت حيث قال : ( فَهَرمُوهُمْ بِاِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ) (2) ، وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعد قتله : « الان نغزوهم ولا يغزوننا » (3) .
   ومن مواقفه في بني قريظة : أنّه ضرب أعناق رؤساء اليهود أعداء رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الخندق ، منهم : حيي بن أخطب وكعب بن أسد بأمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (4) ، ومن مقاماته المشهورة في غزوة وادي الرمل ـ ويقال : إنّها تسمّى غزوة السلسلة ـ : انه خرج ومعه لواء النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعد أن خرج غيره إليهم ورجع عنهم خائباً ، ثمّ خرج صاحبه وعاد بما عاد به الأول ، فمضى عليّ ( عليه السلام ) حتّى وافى القوم بسحر ، وصلّى بأصحابه صلاة الغداة وصفّهم صفوفاً واتّكأ على سيفه مقبلاً على العدوّ وقال : « يا هؤلاء ، أنا رسول رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن تقولوا : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله وإلاّ ضربتكم بالسيف » .

---------------------------
(1) القترة : الغبار. « الصحاح ـ قتر ـ 2 : 1885 » .
(2) البقرة 2 : 251 .
(3) مغازي الواقدي 2 : 470 بتصرف ، وكذا رواه المفيد عنه في الارشاد 1 : 100 .
(4) انظر : ارشاد المفيد 1 : 111 ، ومناقب ابن شهرآشوب 2 : 83 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 261 _

   فقالوا له : إرجع كما رجع صاحباك ، قال : « أنا أرجع ! لا والله حتّى تسلموا أو لأضربنّكم بسيفي هذا ، أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب » ، فاضطرب القوم وواقعهم فانهزموا وظفر المسلمون وحازوا الغنائمِ (1) .
   فروت اُمّ سلمة قالت : كان نبيّ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قائلاً في بيتي إذ انتبه فزعاً من منامه فقلت : الله جارك ، قال : « صدقت ، الله جاري ، ولكن هذا جبرئيل يخبرني أنّ عليّاً قادم » ، ثمّ خرج إلى الناس فامرهم أن يستقبلوا عليّاً ، وقام المسلمون صفّين مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فلمّا بصر به عليّ ترجّل عن فرسه وأهوى إلى قدميه يقبّلهما ، فقال له النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « اركب ، فإنّ الله ورسوله عنك راضيان » ، فبكى عليّ عليه السلام فرحاً وانصرف إلى منزله (2).
   وقد ذكر بعض أصحاب السير إنّ في هذه الغزاة نزل على النبيّ ( والْعادياتِ ضَبْحاً ) (3) (4) إلى آخرها .
   وأما مقامه بخيبر وبلاؤه يوم الحديبية فممّا مرّ ذكره فيما قبل (5) .
   ومن مقاماته قبل الفتح : أنّ رسول الله ( صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ) دبّر الأمر في ذلك بالكتمان وسأل الله عزّ وجلّ أن يطوي خبره عن أهل مكّة حتّى يفجأهم بدخولها ، فكان المؤتمن على هذا السرّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ثمّ أنماه إلى جماعة من بعد، فكتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكّة يطلعهم فيه على سرّ رسول اللهّ في المسير إليهم ، وأعطى الكتاب امرأة سوداء وأمرها أن تاخذ على غير الطريق .
   فنزل بذلك الوحي ، فدعا النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : « إنّ بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا ، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق ، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها » وبعث معه الزبير بن العوّام .
   فمضيا على غير الطريق ، فادركا المرأة، فسبق إليها الزبير وسألها عن الكتاب فانكرته وحلفت أنّه لا شيء معها وبكت ، فقال الزبير: يا أبا الحسن ما أرى معها كتاباً ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « يخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) أنّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها وتقول أنه لا كتاب معها » ! ثمّ اخترط السيف وقال : « أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنّك ثمّ لأضربن عنقك » ، فقالت له : إذا كان لا بدّ من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب عنّي بوجهك .

---------------------------
(1) ارشادالمفيد 1 : 113 مفصلاً .
(2) ارشادالمفيد 1 : 116 .
(3) العاديات 100 : ا .
(4) انظر : تفسير القمي 2 : 434 ، ارشاد المفيد 1 : 117 ، وأمالي الطوسي 2 : 21 ، ومجمع البيان 5 : 528 ، ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 141 .
(5) مرّ في صفحة : 366 و 371 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 262 _

   فاعرض عنها ، فكشفت قناعها فاخرجت الكتاب من عقيصتها ، فاخذه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وصار به إلى رسول الله ( صلّى الله وآله وسلّم ) (1) ، ومن مقاماته : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أعطى الراية سعد ابن عبادة يوم الفتح وأمره أن يدخل بها مكّة ، فاخذها سعد وجعل يقول :
الـيوم يـوم iiالـملحمه      اليوم تسبى الحرمه
   فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « أدرك يا عليّ سعداً وخذ الراية وكن أنت الذي تدخل بها » (2) ، فاستدرك النبيّ ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) به ما كاد يفوت من صواب التدبير بإقدام سعد على أهل مكّة ، وعلم أنّ الأنصار لا ترضى أن يأخذ أحد من الناس الراية من سيّدها سعد ويعزله عن ذلك المقام إلاّ من كان في مثل حال النبيّ من رفعة الشأن وجلالة المكان .
   ومن مواقفه : أنّه لمّا دخل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المسجد الحرام وجد فيه ثلاثمائة وستين صنماً بعضها مشدود ببعض ، فقال لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أعطني يا عليّ كفّاً من الحصى » فقبض له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كفاً من الحص ، فرماها بها وهو يقول : ( جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقأ ) (3) ، فما بقي منها صنم إلاّ خرّ لوجهه ، ثمّ أمر بها فاُخرجت من المسجد وكُسّرت (4) .
   ومن حسن بلائه في الإسلام فيما اتّصل بفتح مكّة : أنّ الله خصّه بتلافي فارط من خالف نبيّه في أوامره ، وذلك أنّه أنفذ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعياً لهم إلى الإسلام ، فخالف أمره وقتل القوم وهم على الإسلام لترة (5) كانت بينه وبينهم ، فأصلح النبيّ ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) ما أفسده خالد بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأنفذه ليعطف القوم ويسل سخائمهم (6) ، وأمره أن يَدّي القتلى ، ويُرضي بذلك الأولياء ، فبلغ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ذلك مبلغ الرضا، وأدّى ديات القتلى وأرضاهم عن اللهّ وعن رسوله ، فتمّ بذلك موادّ الصلاح ، وانقطعت أسباب الفساد (7) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد ا : 56 ، ونحوه في : سيرة ابن هشام 4 : 40 ، وصحيح البخاري 5 : 184 وصحيح مسلم 4 : 1941 | 2494 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 58 ، ومسند أحمد 1 : 79 ، وتاريخ الطبري 3 : 48 ، ومستدرك الحاكم 3 : 301 ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 14 .
(2) ارشاد المفيد ا : 60 و 134 ، مغازي الواقدي 2 : 822 ، سيرة ابن هشام 4 : 49 ، تاريخ الطبري 3 : 56 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 : 272 .
(3) الاسراء 17 : 81 .
(4) ارشاد المفيد 1 : 138 .
(5) الترة : التبعة . « النهاية 1 : 189 » .
(6) السخيمة : الموجدة في النفس . « العين 4 : 205 » .
(7) انظر : ارشاد المفيد 1 : 55 ، وسيرة ابن هشام 4 : 70 ، طبقات ابن سعد 2 : 147 ، تاريخ الطبري 5 : 66 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 113 ، الكامل في التاريخ 2 : 255 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 263 _

   ومن مقاماته في غزوة حنين : أنّ المسلمين انهزموا بأجمعهم ، فلم يبق مع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلاّ عشرة أنفس : تسعة من بني هاشم خاصّة وعاشرهم أيمن ابن اُمّ أيمن ، فقُتل أيمن وثبتَ التسعة الهاشميّون حتّى ثاب إلى رسول الله من كان انهزم وكانت الكرّهّ لهم على المشركين ، وذلك قوله تعالى : ( ثُمّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ على رسوله وعلى المُؤمِنِينَ ) (1) يعني عليّاً ( عليه السلام ) ومن ثبت معه من بني هاشم ، وهم ثمانية : العبّاس ابن عبد المطّلب عن يمين رسول الله ، والفضل بن العباس عن يساره ، وأبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند ثفر (2) بغلته ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) بين يديه بالسيف ، ونوفل بن الحارث ، وربيعة بن الحارث ، وعبد الله ابن الزبير بن عبد المطّلب ، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب حوله .
   ولما رأى رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) هزيمة القوم عنه قال للعبّاس وكان جهورياً صيّتاً : « ناد في القوم وذكّرهم العهد » فنادى العبّاس بأعلى صوته : يا أهل بيعة الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة إلى أين تفرّون ؟ ! اذكروا العهد الذي عاهدكم عليه رسول الله ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) .
   فلم يسمعها أحدٌ إلاّ رمى بنفسه الأرض ، وانحدروا حتّى لحقوا بالعدوّ ، وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء وهو يرتجز :
أنا  أبو جَرولَ iiلابَراح      حتّى نُبيحَ القومَ أونُباح
   فصمد له أمير المؤمنين فضرب عجز بعيره فصرعه ، ثمّ ضربه فقطّره (3) وكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول ولمّا قتله وضع المسلمون سيوفهم فيهم وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقدمهم حتّى قتل أربعين رجلاً من القوم ، ثمّ كانت الهزيمة والأسر حينئذ (4) ، ولمّا قسّم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) غنائم حنين أقبل رجلٌ طوال أدم ، بين عينيه أثر السجود فسلّم ولم يخصّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ثمّ قال : قد رأيتك وما صنعت في هذه الغنائم ، فقال : « وكيف رأيت ؟ » قال : لم أرك عدلت ! !

---------------------------
(1) التوبة 9 : 26 .
(2) الثفَر : السير في مؤخرة السرج . « القاموس المحيط 1 : 383 » .
(3) قطّره : ألقاه على أحد جانبيه . « الصحاح ـ قطر ـ 2 : 796 » .
(4) انظر : ارشاد المفيد 1 : 140 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 143 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 264 _

   فغضب رسول اللهّ ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) وقال : « ويلك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ؟ » فقال المسلمون : ألا نقتله ؟ قال : « دعوه ، فإنّه سيكون له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، يقتلهم الله على يد أحبّ الخلق إليه من بعدي » فقتلهم أمير المؤمنين ( صلوات اللهّ وسلامه عليه ) في من قتل من الخوارج (1) .
   ومن مقاماته يوم الطائف : أنّ النبي ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) أنفذه وأمره أن يطأ ما وجد ، ويكسّر كلّ صنم وجده ، فخرج فلقيه خيلٌ من خثعم في جمع كثير ، فبرز له رجلٌ من القوم يقال له : شهاب في غبش الصبح فقال : هل من مبارز ، فقتله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومضى في تلك الخيل حتّى كسّر الأصنام وعاد إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو محاصر أهل الطائف ، فلمّا رآه النبي ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) كبّر للفتح وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلاً .
   ثمّ خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان في خيل من ثقيف فقتله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وانهزم المشركون ولحق القوم الرعب ، فنزل منهم جماعة إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاسلموا (2) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 148 ، وأنظر : مسند أحمد 2 : 219 ، وتاريخ الطبري 3 : 92 ، واُسد الغابة 2 : 139 .
(2) انظر : ارشاد المفيد 1 : 152 ، ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 144 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 265 _


   روى جماعة « من » أهل السير : أن نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكّة فتذاكروا الاُمراء وعابوهم وذكروا أهل النهروان فترحّموا عليهم فقال بعضهم لبعض : لو شرينا أنفسنا لله وثأرنا لإخواننا الشهداء، وأرحنا من أئمّة الضلالة البلاد والعباد .
   فقال عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله : أنا أكفيكم عليّاً ، وقال البرك بن عبد الله التميميّ : أنا أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، وتعاهدوا على ذلك وتواعدوا ليلة تسع عشر من شهر رمضان ، فاقبل ابن ملجم ـ عدو الله ـ حتى قدم الكوفة كاتماً أمره ، فبينا هو هناك إذ زار أحداً من أصحابه من تيم الرباب ، فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيميّة ـ وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قتل أباها وأخاها بالنهروان وكانت من أجمل نساء زمانها ـ قال : فلمّا رآها ابن ملجم شغف بها ، فخطبها فاجابته إلى ذلك على أن يصدقها ثلاثة آلاف درهم ووصيفاً وخادماً وقتل عليّ بن أبي طالب !!
   فقال لها : لك جميع ما سألت ، فامّا قتل عليّ فانّى لي ذلك ؟ قالت : تلتمس غرّته ، فإن قتلته شفيت نفسي وهنّاك العيش معي ، وإن قُتلت فما عند الله خيرٌ لك من الدنيا ! ! فقال : ما أقدمني هذا المصر إلأ ما سألتني من قتل عليّ ، فلك ما سألت ، قالت : فأنا طالبة لك من يساعدك على ذلك ، وبعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبّرته الخبر وسألته معاونة ابن ملجم فأجابها إلى ذلك ، ولقي ابن ملجم رجلاً من أشجع يقال له : شبيب بن بجرة فقال : يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والاخرة ! ! قال : وما ذاك ؟ قال : تساعدني في قتل عليّ ـ وكان يرى رأي الخوارج ـ فاجابه .
   ثم اجتمعوا عند قطام ـ وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبّة ـ فقالوا : قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 266 _

   ثمّ حضروا ليلة الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، وجلسوا مقابل السدّة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين إلى الصلاة ، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا ما في نفوسهم إلى الأشعث وواطأهم عليه ، وحضر هو في تلك الليلة لمعونتهم ، وكان حجربن عديّ ( رحمه الله ) في تلك الليلة بائتاً في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم : النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح ، فاحسّ حجر بما أراد الأشعث فقال له : قتلته يا أعور ، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليخبره الخبر ، فدخل ( عليه السلام ) المسجد فسبقه ابن ملجم لعنه الله فضربه بالسيف ، وأقبل حجر والناس يقولون : قُتل أمير المؤمنين .
   وقد ضربه شبيب بن بجرة فأخطاه ووقعت ضربته في الطاق ومضى هارباً حتّى دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير من صدره ، فقال : ما هذا لعلّك قتلت أمير المؤمنين ؟ فاراد أن يقول : لا ، فقال : نعم ، فضربه ابن عمّه بالسيف وقتله ، وأمّا ابن ملجم فإن رجلاً من همدان يقال له : أبو ذرّ لحقه وطرح عليه قطيفة كانت في يده ثمّ صرعه وأخذ السيف من يده وجاء به إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأفلت الثالث فانسلّ بين الناس .
   فلمّا أُدخل ابن ملجم لعنه الله على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نظر إليه ثمّ قال : « النفس بالنفس ، إن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمت رأيت فيه رأي » ، فقال ابن ملجم : والله لقد ابتعته بالف ، وسممته بالف ، فإن خانني فابعده الله ، فاُخرج من بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والناس ينهشون لحمه باسنانهم وهم يقولون : يا عدوّ الله ماذا فعلت ، أهلكت اُمّة محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قتلت خير الناس ، وهو صامت لا ينطق ، فذهب به إلى الحبس .
   وجاء الناس إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقالوا له : مرنا بأمرك في عدوّ الله فقد أهلك الاُمّة وأفسد الملّة ، فقال : « إن عشت رأيت فيه رأي ، وإن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبيّ ، اقتلوه ثمّ حرّقوه بالنار » ، فلمّا قضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وفرغ من دفنه اُتي بابن ملجم لعنه الله فأمر به الحسن ( عليه السلام ) فضرب عنقه ، واستوهبت اُمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته منه فأحرقتها بالنار ، وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العهد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإنّ أحدهما ضرب معاوية وهو راكع فوقعت ضربته في أليته فنجا منها ، « فاُخذ » وقُتل من وقته .
   وأمّا الاخر فإنّ عَمْراً وجد في تلك الليلة علّة فاستخلف رجلاً يصلّي بالناس يقال له : خارجة العامريّ ، فضربه بالسيف وهو يظنّ أنّه عمرو فاُخذ واُتي به عمرو فقتله ، ومات خارجة (1) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 17 ، كشف الغمة 1 : 428 ، وقطعة منه في : الطبقات الكبرى 3 : 35 ، الإمامة والسياسة 1 : 159 ، أنساب الأشراف 2 : 489 | 524 ، تاريخ الطبري 5 : 143 ، مروج الذهب 2 : 411 ، مقاتل الطالبيين : 29 ، مناقب الخوارزمي : 275 ، الكامل في التاريخ 3 : 389 ، كفاية الطالب : 460 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 267 _


   جابر بن يزيد الجعفي قال : سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام أين دفن أمير المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه ) ؟ قال : « دفن بناحية الغريين قبل طلوع الفجر ، ودخل قبره الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ومحمّد بنوه ، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه » (1) .
   قال حبان (2) بن عليّ العنزي قال : حدّثنا مولى لعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : لمّا حضرت أمير المؤمنين الوفاة قال للحسن والحسين ( عليهما السلام ) : « إذا أنا متّ فاحملاني على سرير ثمّ اخرجاني ، واحملا مؤخر السرير فانكما تكفيان مقدّمه ، ثمّ ائتيابي الغريّين ، فإنّكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرا فيها فإنّكما ستجدان فيها ساجة ، فادفناني فيها » .
   قال : فلمّا مات ( عليه السلام ) أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدّمه وجعلنا نسمع دويّاً وحفيفاً حتّى أتينا الغريّين فإذا صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرنا فإذ ساحة مكتوب عليها : هذا ما ادخره نوح ( عليه السلام ) لعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنين عليه السلام ، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه ، فاخبرناهم بما جرى وبإكرام الله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقالوا : نحبّ أن نعاين من أمره ما عاينتم ، فقلنا لهم : إنّ الموضع قد عُفي أثره بوصيّة منه ( عليه السلام ) ، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا : إنّهم احتفروا فلم يجدوا شيئاً (3) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 24 فرحة الغري : 51 .
(2) حيان ( بالياء ) وهو مختلف في ضبط اسمه ، إذ ضبطه العلامة الحلي وابن داود بالياء « انظر : خلاصة الرجال : 64 و 260 ، ايضاح الاشتباه : 97 ، رجال ابن داود : 136 و 352 » .
إلا أن الأقوى كونه حبّان ( بالباء الموحدة ) كما ضُبط في غير واحد من كتب رجال العامة ، انظر : تهذيب التهذيب 2 : 73 ، تقريب التهذيب 1 : 147 ، الجرح والتعديل 3 : 270 ، تبصيرالمنتبه : 278 الضعفاء للنسائي : 89 ، الضعفاء للعقيلي 1 : 193 ، الضعفاء لدارقطني : 301 ، الضعفاء الصغير للبخاري : 426 ، المجروحين لابن حبان .
(3) ارشاد المفيد 1 : 23 ، فرحة الغري 36 ، وصدره في : الخرائج والجرائح 1 : 233 | ذيل حديث 78 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 268 _


   وهم سبعة وعشرون ولداً ذكراً واُنثى : الحسن ، والحسين ( عليهما السلام ) ، وزينب الكبرى ، وزينب الصغرى المكنّاة باُمّ كلثوم اُمّهم فاطمة البتول ( عليها السلام ) سيّدة نساء العالمين بنت سيّد المرسلين ( صلوات الله عليه وعليهما ) ، ومحمّد الأكبر المكنّى بأبي القاسم ، اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيّة ، والعبّاس ، وجعفر ، وعثمان ، وعبد الله الشهداء مع أخيهم الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء ( رضي الله عنهم ) أمّهم اُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن دارم ، وكان العبّاس يكنّى أبا قربة لحمله الماء لأخيه الحسين ( عليه السلام ) ويقال له : السقّاء ، وقُتل وله أربع وثلاثون سنة ، وله فضائل ، وقتل عبد الله وله خمس وعشرون سنة ، وقتل جعفر بن عليّ وله تسع عشرة سنة ، وعمر ، ورقيّة اُمّهما اُمّ حبيب بنت ربيعة وكانا توأمين .
   ومحمّد الأصغر المكنّى بابي بكر ، وعبيد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين ( عليه السلام ) بطفّ كربلاء واُمّهما ليلى بنت مسعود الدارميّة ، ويحيى ، اُمّه أسماء بنت عميس الخثعميّة وتوفي صغيراً قبل أبيه ، واُم الحسن ورملة اُمّهما اُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفيّ ، ونفيسة وهي اُمّ كلثوم الصغرى ، وزينب الصغرى ، ورقيّة الصغرى ، واُمّ هانئ ، واُمّ الكرام ، وجمانة المكنّاة باُمّ جعفر ، واُمامة ، واُمّ سلمة ، وميمونة ، وخديجة ، وفاطمة للاُمّهات أولاد شتّى .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 269 _

   وأعقب ( عليه السلام ) من خمسة بنين : الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، ومحمد والعباس وعمر ( رضي الله عنهم ) (1) ، وفي الشيعة من يذكر أنّ فاطمة ( عليها السلام ) أسقطت بعد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذكراً كان سمّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ وهو حمل ـ محسناً ، فعلى هذا يكون أولاده ثمانية وعشرون ولداً ، والله أعلم (2) .
   أمّا زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فتزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وولد له منها : عليّ ، وجعفر ، وعون الأكبر ، واُم كلثوم أولاد عبد الله بن جعفر ، وقد روت زينب عن اُمّها فاطمة ( عليها السلام ) أخباراً ، وأمّا اُمّ كلثوم فهي التي تزوجها عمر بن الخطّاب ، وقال أصحابنا : إنّه ( عليه السلام ) إنّما زوّجها منه بعد مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال عليه بشيء بعد شيء حتّى ألجاته الضرورة إلى أن رد أمرها إلى العبّاس بن عبد المطّلب فزوّجها إيّاه (3) .
   وأمّا رقيّة بنت عليّ ( عليه السلام ) فكانت عند مسلم بن عقيل فولدت له عبد الله قتل بالطف ، وعليّاً ومحمّداً ابني مسلم ، وأمّا زينب الصغرى فكانت عند محمّد بن عقيل فولدت له عبد اللهّ وفيه العقب من ولد عقيل ، وأمّا اُمّ هانئ فكانت عند عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب فولدت له محمّداً قتل بالطف ، وعبد الرحمن .
   وأمّا ميمونة بنت عليّ ( عليه السلام ) فكانت عند ( عبد الله ) الأكبر بن عقيل فولدت له عقيلاً ، وأمّا نفيسة فكانت عند عبد الله الأكبر بن عقيل فولدت له أمّ عقيل ، وأمّا زينب الصغرى فكانت عند عبد الرحمن بن عقيل فولدت له سعداً وعقيلاً ، وأمّا فاطمة بنت عليّ ( عليه السلام ) فكانت عند ( محمّد بن ) أبي سعيد ؟ ! ابن عقيل فولدت له حميدة ، وأمّا أمامة بنت عليّ فكانت عند الصلت بن عبد اللهّ بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب فولدت له نفيسة وتوفّيت عنده (4) ، هذا آخر ما أثبتنا من أخبار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 354 ، كشف الغمة 1 : 440 ، العدد القوية : 242 | 22 .
(2) عين هذه العبارة وردت في ارشاد الشيخ المفيد رحمه الله تعالى ( 1 : 355 ) وقد اشرنا في هامش الكتاب المنشور محققاً من قبل مؤسستنا إلى أن العديد من المصادر تؤكد بوضوح وجود المحسن ضمن أولاد علي من فاطمة ( عليهما السلام ) ، ولم يقتصر هذا الأمر في حدود كتب الشيعة ، بل ان الكثير من كتب العامة ذكرت ذلك الامر وسلمت بوجوده من دون تعليق أو ترديد .
انظر : « الكافي 6 : 18 | 2 ، الخصال : 634 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 213 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 358 ، تاريخ الطبري 5 : 153 ، أنساب الأشراف 2 : 189 ، الكامل في التاريخ 3 : 397 ، الاصابة 3 : 417 ، لسان الميزان 1 : 268 ، ميزان الاعتدال 1 : 139 ، القاموس المحيط 2 : 55 » وغيرها من المصادر المختلفة .
(3) ان قضية تزويج أم كلثوم لعمر بن الخطاب قد خضعت وطوال القرون الماضية ولا زالت إلى كثير من النقاش والأخذ والرد ؟ ففي حين يذهب البعض إلى الطعن أصلاً في هذا الموضوع ومناقشة الروايات الناقلة له واسقاطها ؟ ترى البعض الآخر يذهب إلى حمله على جملة من الوجوه المختلفة وتأويله إلى العديد من التأويلات المنطقية والمقنعة ، وللاطلاع على مزيد من هذا النقاش والشرح تراجع الكتب المختصة بذلك والبحوث المتعلقة به .
(4) نقله المجلسي في بحار الأنوار 42 : 93 | 21 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 270 _



   ويشتمل على عشرة أبواب :


   ويتضمن خمسة فصول :

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 271 _



   ولد ( عليه السلام ) بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل سنة اثنتين من الهجرة ، وكنيته أبو محمّد ، جاءت به اُمّه فاطمة سيّدة النساء ( عليها السلام ) إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة نزل بها جبرئيل إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فسمّاه حسناً ، وعقّ عنه كبشاً (1) .
   وقبض رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) وله سبع سنين وأشهر ، وقيل : ثمان سنين (2) ، وقام بالأمر بعد أبيه ( عليه السلام ) وله سبع وثلاثون سنة ، وأقام في خلافته ستّة أشهر وثلاثة أيّام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدى وأربعين (3) ، وإنّما هادنه (4) ( عليه السلام ) خوفاً على نفسه ؛ إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السرّ بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه عند دنوّهم من عسكره ، ولم يكن منهم من يأمن غائلته إلاّ خاصّة من شيعته لا يقومون لأجناد الشام .
   وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث بكتب أصحابه إليه ، فاجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطاً كثيرة ، منها : أن يترك سبّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والقنوت عليه في الصلاة ، وأن يؤمن شيعته ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء ، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه ، فاجابه معاوية إلى ذلك كلّه ، وعاهده على الوفاء به ، فلمّا استتمّت الهدنة قال في خطبته : إنّي منّيت الحسن وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي ، لا أفي بشيء منها له (5) ! !
   وخرج الحسن ( عليه السلام ) إلى المدينة وأقام بها عشر سنين ، ومضى إلى رحمة الله تعالى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبع وأربعون سنة وأشهر مسموماً ، سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس ، وكان معاوية قد دسّ إليها من حملها على ذلك وضمن لها أن يزوّجها من يزيد إبنه وأوصل إليها مائة ألف درهم فسقته السمّ .
   وبقي ( عليه السلام ) مريضاً أربعين يوماً ، وتولّى أخوه الحسين ( عليه السلام ) غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بالبقيع (6) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 5 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 28 .
(2) انظر : مناقب ابن شهرآشوب 4 : 28 .
(3) انظر : مناقب ابن شهر آشوب 4 : 29 .
(4) لإدراك مغزى وأبعاد هذا الصلح المبرم بين الامام الحسن ( عليه السلام ) ومعاوية بن أبي سفيان تراجع المصادر المختصة بهذا الموضوع .
(5) انظر : ارشاد المفيد 2 : 12 .
(6) انظر : ارشاد المفيد 2 : 15 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 42 ، مقاتل الطالبيين : 73 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 49 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 272 _


   أحدها : أن نقول : قد ثبت وجوب الإمامة في كلّ زمان من جهة العقل ، وأنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوماً ، منصوصاً عليه ، وعلمنا أنّ الحقَ لا يخرج عن اُمّة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الاُمّة بعد وفاة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : فقائل يقول : لا إمام ، وقوله باطل بما ثبت من وجوب الإمامة ، وقائل يقول : بإمامة من ليس بمعصوم ، وقوله باطل بما ثبت من وجوب العصمة ، وقائل يقول : بإمامة الحسن ( عليه السلام ) ويقول : بعصمته ، فيجب القضاء بصحّة قوله ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن أقوال الأمّة .
   وثانيها : أن نستدلّ بتواتر الشيعة ونقلها خلفاً عن سلف : أنّ أمير المؤمنين عليّاً ( عليه السلام ) نصّ على ابنه الحسن ( عليه السلام ) بحضرة شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول ، ولا فرق بين من ادّعى عليهم الكذب فيما تواترت به ، وبين من ادّعى على الاُمّة الكذب فيما تواترت به من معجزات النبيّ ( صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ) ، أو ادّعى على الشيعة الكذب فيما تواتروا به من النص على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكلّ سؤال ، يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام .
   وثالثها : أنّه قد اشتهر في الناس وصية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إليه خاصّة من بين ولده وأهل بيته ، والوصيّة من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة الأنبياء والأئمّة في أوصيائهم ، لا سيّما والوصيّة علم عند آل محمد ( صلوات الله عليهم ) كافّة إذا انفرد بها واحدٌ بعينه على استخلافه ، وإشارة إلى إمامته ، وتنبيهٌ على فرض طاعته ، وإجماعُ آل محمّد ( صلوات الله عليهم ) حجّة .
   ورابعها : أن نستدلّ بالأخبار الواردة فيما ذكرناه ، فمن ذلك : ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ وهومن أجلّ رواة الشيعة وثقاتها ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن اُذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين أوصى إلى ابنه الحسن ( عليه السلام ) وأشهد على وصيته الحسين ( عليه السلام ) ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : « يا بنيّ ، أمرني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن اُوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إِليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 273 _

   ثمّ أقبل على ابنه الحسين ( عليه السلام ) فقال : « وأمرك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن تدفعها إلى إبنك هذا » ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين وقال : « وأمرك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن تدفعها إلى ابنك محمّد ابن عليّ ، واقرأه من رسول الله ومنّي السلام » (1) .
   وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمروبن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ ( عليهما السلام ) مثل ذلك سواء (2) ، وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لمّا حضرته الوفاة قال لابنه الحسن : اُدن منّي حتّى أسر إليك ما أسر إليّ رسول اللهّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأئتمنك على ما ائتمنني عليه » ففعل (3) .
   وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب : أنّ عليّاً ( عليه السلام ) لمّا سار إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة ( رضي الله عنها ) كتبه والوصيّة ، فلمّا رجع الحسن ( عليه السلام ) دفعتها إليه (4) .
   وخامسها : إنّا وجدنا الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه الناس على أنّه الخليفة والإمام ، فقد روى جماعة من أهل التاريخ : أنّه ( عليه السلام ) خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ثمّ قال : « لقد قبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأوّلون ولا يدركه الاخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه ، ولقد توفّي عليه السلام في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ، وفيها قبض يوشع بن نون ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله » .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 236 | 1 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 | 1 .
(2) الكافي 1 : 237 | 5 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 | 2 .
(3) الكافي 1 : 236 | 3 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 | 3 .
(4) الكافي 1 : 236 | 3 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 | 4 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 274 _

   ثمّ خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه ، ثمّ قال : « أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودّتهم في كتابه فقال : ( قُل لأ أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاّ المَوَدّةَ فِي القُربى وَمَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَّزِد لَهُ فِيهَا حُسناً ) (1) فالحسنة مودّتنا أهل البيت » .
   ثم جلس فقام عبد الله بن العبّاس بين يديه فقال : يا معاشر الناس ، هذا ابن نبيّكم ووصيّ إمامكم فبايعوه ، فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة (2) ، فلا بدّ أن يكون محقّاً في دعوته ، مستحقّاً لإمامة مع شهادة النبيّ ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) له ولأخيه بالإمامة والسيادة في قوله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا » (3) وقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » (4) وشهادة القرآن بعصمتهما في قوله تعالى : ( اِنَّما يُرِيدُ اللهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ اَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً ) (5) على ما تقدّم القول فيه .
   وسادسها : أن نستدلّ على إمامته بما أظهر اللهّ عزّوجلّ على يديه من العلم المعجز ، ومن جملته حديث حبابة الوالبيّة أورده الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال : حدّثنا عليّ بن أحمد الدقّاق قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا عليّ بن محمد ، عن أبي عليّ محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، عن أحمد بن القاسم العجليّ ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد ، عن محمد بن خداهي ، عن عبد الله بن أيّوب ، عن عبد الله ابن هشام ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ ، عن حبابة الوالبيّة قالت : رأيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في شرطة الخميس ، ثمّ ساقت الحديث إلى أن قالت : فلم أزل أقفو اثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله ؟ قالت : فقال : « إئتيني بتلك الحصاة » وأشار بيده إلى حصاة ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثمّ قال لي : « يا حبابة ، إذا ادّعى مدّع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة ، والإمام لا يعزب عنه شيء يريد5 » .
   قالت : ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فجئت إلى الحسن ، وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه فقال لي : « يا حبابة الوالبيّة » ، فقلت : نعم يا مولاي .

---------------------------
(1) الشورى 42 : 23 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 7 ، كشف الغمة ا : 532 ، مقاتل الطالبيين : 51 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 30 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 30 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 394 ، كشف الغمة ا : 533 .
(4) أمالي الطوسي 1 : 319 ، مصنف ابن أبي شيبة 12 : 96 | 12226 ، سنن ابن ماجة ا : 44 | 118 ، مسند أحمد 3 و 62 و 82 و 5 : 319 و 392 ، صحيح الترمذي 5 : 656 | 3768 ، خصائص النسائي : 150 | 140 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 24 | 98 52 و 2618 و 19 : 292 | 650 ، مستدرك الحاكم 3 : 166 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، حلية الأولياء 4 : 139 و 5 : 71 ، أخبار اصفهان 2 : 343 ، تاريخ بغداد 1 : 140 و 6 : 372 و 11 : 90 ، شرح السنة للبغوي 4 : 193 | 4827 ، المطالب العالية لابن حجر 4 : 71 | 3993 ، مجمع الزوائد 9 : 182 وانظر : طرق وأسانيد الحديث في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسن (ع) ـ صفحة 72 ـ 83 .
(5) الأحزاب 33 : 33 .