وصفوان بن أبي البيضاء (1)وهؤلاء من المهاجرين ، والباقون من الأنصار (2) ، ولمّا رجع رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى المدينة من بدر لم يقم بالمدينة إلاّ سبع ليال حتّى غزا بنفسه يريد بني سليم ، حتّى بلغ ماء من مياههم يقال له : الكدر ، فأقام عليه ثلاث ليال ، ثمّ رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً ، فأقام بها بقيّة شوّال وذا القعدة ، وفادى في إقامته جلّ اُسارى بدر من قريش(3) ، ثمّ كانت غزوة السويق (4) ، وذلك أنّ أبا سفيان نذر أن لا يمسّ رأسه من جنابة حتّى يغزو محمّداً ، فخرج في مائة راكب من قريش ليبرّ يمينه ، حتّى إذا كان على بريد من المدينة أتى بني النضير ليلاً ، فضرب على حييّ بن أخطب بابه ، فأبى أن يفتح له ، فإنصرف عنه إلى سلاّم بن مشكم ـ وكان سيّد بني النضير ـ فاستأذن عليه فأذن له وسارّه ، ثمّ خرج في عقب ليلته حتّى أتى أصحابه ، وبعث رجلاً من قريش إلى المدينة ، فأتوا ناحية يقال لها : العريض ، فوجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له فقتلوهما ، ثمّ انصرفوا ونذر بهم الناس ، فخرج رسول الله في طلبهم حتّى بلغ قرقرة الكدر (5) فرجع وقد فاته أبو سفيان ، ورأوا زاداً من أزواد القوم قد طرحوها يتخفّفون منها للنجاء ، فقال المسلمون حين رجع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بهم : يارسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( نعم )(6) .

---------------------------
(1) كذا في نسخنا ، والصواب : صفوان بن بيضار كما اثبتته جميع المصادر .
(2) انظر : المغازي للواقدي 1 : 145 ـ 146 ، الطبقات الكبرى 2 : 17 ـ 18 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 14 : 207 .
(3) سيرة ابن هشام 3 : 46 ، تاريخ الطبري 2 : 482 .
(4) قال ابن هشام : وإنما سميت غزوة السويق ، فيما حدثني أبو عبيدة : ان أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق ، فهجم المسلمون على سويق كثير ، والسويق : هو ان تحمّص الحنطة أو الشعير أو نحو ذلك ، ثم تطحن ، وقد تمزج باللبن والعسل والسمن وتُلث ، وإلاّ فبالماء فقط .
(5) قرقرة الكدر : القرقرة الأرض الملساء ، والكدر جمع أكدر من اللون ، قال الواقدي : بناحية المعدن قريبة من الأرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد ، وقال غيره : ماء لبني سليم ، ( معجم البلدان 4 : 441 ) .
(6) انظر : المغازي للواقدي 1 : 181 ، وسيرة ابن هشام 3 : 47 ، والطبقات الكبرى 2 : 30 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 120 _

  ثمّ كانت غزوة ذي أمّر ، بعد مقامه بالمدينة بقيّة ذي الحجّة والمحرّم ، مرجعه من غزوة السويق ، وذلك لمّا بلغه أنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة عليهم رجل يقال له : دعثور بن الحارث ابن محارب ، فخرج في اربعمائة وخمسين رجلاً ومعهم أفراس ، وهرب منه الأعراب فوق ذُرى الجبال ، ونزل ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذا أمّر وعسكر به ، وأصابهم مطر كثير ، فذهب رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه ، وقد جعل رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وادي أمرّ بينه وبين أصحابه ، ثمّ نزع ثيابه فنشرها لتجفّ وألقاها على شجرة ثمّ إضطجع تحتها ، والأعراب ينظرون إلى كلّ ما يفعل رسول الله ، فقالت الأعراب لدعثور ـ وكان سيّدهم وأشجعهم ـ قد أمكنك محمّد وقد إنفرد من بين أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتّى تقتله .
  فإختار سيفاً من سيوفهم صارماً ، ثمّ أقبل مشتملاً على السيف حتّى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوراً فقال : يا محمّد من يمنعك منّي اليوم ؟ قال : ( الله) ، ودفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله وقام على رأسه وقال : ( من يمنعك منّي ) ؟ ، قال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والله لا اُكثر عليك جمعاً أبداً ، فأعطاه رسول الله سيفه ثمّ أدبر ، ثمّ أقبل بوجهه ثمّ قال : والله لاَنت خير مني ، قال رسول الله : ( أنا أحقّ بذلك منك ) ، فأتى قومه فقيل له : أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك ؟ قال : قد كان والله ذلك ، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري ، فعرفت أنّه ملك ، وشهدت أنّ محمداً رسول الله ، والله لا اُكثر عليه ، وجعل يدعو قومه إلى الاِسلام ونزلت هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ) الآية(1) (2) .
  ثمّ كانت غزوة القردة ، ماء من مياه نجد ، بعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) زيد بن حارثة بعد رجوعه من بدر إلى المدينة بستّة أشهر ، فأصابوا عيراً لقريش على القردة فيها أبو سفيان ومعه فضّة كثيرة ، وذلك لاَنّ قريشاً قد خافت طريقها التي كانت تسلك إلى الشام حين كان من وقعة بدر ، فسلكوا طريق العراق وإستأجروا رجلاً من بكر بن وائل يقال له : فرات بن حيّان ، يدّلهم على الطريق ،
---------------------------
(1) المائدة 5 : 11 .
(2) المغازي للواقدي 1 : 194 ـ 196 ، الطبقات الكبرى 2 : 34 بزيادة فيهما .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 121 _

  فأصاب زيد بن حارثة تلك العير ، وأعجزته الرجال هرباً(1) ، وفي رواية الواقدي : أنّ ذلك العير مع صفوان بن اُميّة ، وأنّهم قدموا بالعير إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأسروا رجلاً أو رجلين ، وكان فرات بن حيّان أسيراً فأسلم فترك من القتل (2) ، ثمّ كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوّال على رأس عشرين شهراً من الهجرة ، وذلك أنّ رسول الله جمعهم وإياه سوق بني قينقاع ، فقال لليهود : ( احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من قوارع الله ، فأسلموا فإنّكم قد عرفتهم نعتي وصفتي في كتابكم ) ، فقالوا : يا محمّد ، لا يغرّنّك أنّك لقيت قومك فأصبت فيهم ، فإنّا والله لو حاربناك لعلمت إنّا خلافهم ، فكادت تقع بينهم المناجزة ، ونزلت فيهم : ( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ـ الى قوله : ـ لأُوْلِي الأَبْصَارِ ) (3)(4) .
  وروي : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حاصرهم ستّة أيّام حتّى نزلوا على حُكمِه ، فقام عبد الله بن اُبّي فقال : يا رسول الله مواليّ وحلفائي وقد منعوني من الأسود والأحمر ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر تحصدهم في غداة واحدة ، إنّي والله لا آمن وأخشى الدوائر ، وكانوا حلفاء الخزرج دون الأوس ، فلم يزل يطلب فيهم حتّى وهبهم له ، فلمّا رأوا ما نزل بهم من الذل خرجوا من المدينة ونزلوا اذرعات(5)

---------------------------
(1) المغازي للواقدي 1 : 197 مفصلاً ، سيرة ابن هشام 3 : 53 ، تاريخ الطبري 2 : 492 .
(2) المغازي للواقدي 1 : 198 .
(3) آل عمران 3 : 13 .
(4) المغازي للواقدي 1 : 76 ، سيرة ابن هشام 3 : 50 ، تاريخ الطبري 2 : 479 ، وفيها بإختلاف يسير .
(5) اذرعات : بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقان وعمان ، ( معجم البلدان 1 : 130 ) .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 122 _

ونزلت في عبد الله بن اُبيّ وناس من الخزرج ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ـ إلى قوله : ـ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) (1) (2) .
  ثمّ كانت غزوة اُحد على رأس سنة من بدر ، ورئيس المشركين يومئذ أبو سفيان بن حرب ، وكان أصحاب رسول الله يومئذ سبعمائة والمشركين ألفين ، وخرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعد أن إستشار أصحابه ، وكان رأية ( عليه السلام ) أن يقاتل الرجال على أفواه السكك ويرمي الضعفاء من فوق البيوت ، فأبوا إلاّ الخروج إليهم ، فلمّا صار على الطريق قالوا : نرجع ، فقال : ( ما كان لنبيّ إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم ) ، وكانوا ألف رجل ، فلمّا كانوا في بعض الطريق إنخذل عنهم عبد الله إبن اُبيّ بثلث الناس وقال : والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه ، وهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع ، ثمّ عصمهم الله ( عزّ وجل ) ، وهو قوله : ( إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ) الآية (3) ، وأصبح رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) متهيّئاً للقتال ، وجعل على راية المهاجرين عليّاً ( عليه السلام ) ، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة ، وقعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في راية الأنصار ، ثمّ مرّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على الرماة ـ وكانوا خمسين رجلاً وعليهم عبد الله بن جبير ـ فوعظهم وذكّرهم وقال : ( اتّقوا الله واصبروا ، وإن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتّى اُرسل إليكم ) ، وأقامهم عند رأس الشعب ، وكانت الهزيمة على المشركين ، وحسّهم المسلمون بالسيوف حسّاً(4) ،

---------------------------
(1) المائدة 5 : 51 .
(2) سيرة ابن هشام 3 : 51 ، وتاريخ الطبري 2 : 480 وفيهما نحوه .
(3) آل عمران 3 : 122 .
(4) حساً : أي استأصلوهم قتلاً ، ( انظر : الصحاح ـ حسس ـ 3 : 917 ) .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 123 _

فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله : أنسيتم قول رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أمّا أنا فلا أبرح موقفي الذي عهد إليّ فيه رسول الله ما عهد ، فتركوه أمره وعصوه بعد ما رأوا ما يحبّون ، وأقبلوا على الغنائم ، فخرج كمين المشركين وعليهم خالد بن الوليد ، فإنتهى إلى عبد الله بن جبير فقتله ، ثمّ أتى الناس من أدبارهم ووضُع في المسلمين السلاح ، فإنهزموا ، وصاح إبليس ( لعنه الله ) : قُتل محمّد ، ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يدعوهم في اُخراهم : ( أيها الناس اني رسول الله وإنّ الله قد وعدني النصر فإلى أين الفرار ؟ ) فيسمعون الصوت ولا يلوون على شيء ، وذهبت صيحة إبليس حتّى دخلت بيوت المدينة ، فصاحت فاطمة ( عليها السلام) ، ولم تبق هاشميّة ولا قرشيّة إلا وضعت يدها على رأسها ، وخرجت فاطمة ( عليها السلام ) تصرخ (1) .
  قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنهزم الناس عن رسول الله فغضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب إنحدر من وجهه وجبتهه مثل اللؤلؤ من العرق ، فنظر فإذا عليّ ( عليه السلام ) إلى جنبه ، فقال : مالك لم تلحق ببني أبيك ؟ فقال عليّ : يا رسول الله أكفر بعد ايمان ! إنّ لي بك اُسوة ، فقال : أمّا لا فاكفني هؤلاء ، فحمل عليّ ( عليه السلام ) فضرب أوّل من لقي منهم ، فقال : جبرئيل : إنّ هذه لهي المواساة يا محمّد ، قال : إنّه منّي وأنا منه ، قال : جبرئيل وأنا منكما )(2) ، وثاب إلى رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جماعة من أصحابه ، واُصيب من المسلمين سبعون رجلاً ، منهم أربعة من المهاجرين : حمزة بن عبد المطّلب ، وعبد الله بن جحش ، ومصعب بن عمير ، وشماس بن عثمان بن الرشيد ، والباقون من الأنصار(3) ، قال : وأقبل يومئذ اُبيّ بن خلف وهو على فرس له وهو يقول : هذا ابن أبي كبشة ؟

---------------------------
(1) انظر : المغازي للواقدي 1 : 229 و 277 ، وتاريخ الطبري 2 : 504 ـ 510 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 93 / 28 .
(2) نحوه في : الكافي 8 : 110 / 90 ، الارشاد 1 : 85 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 124 ، تاريخ الطبري 2 : 514 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 95 / ضمن حديث 28 .
(3) انظر : المغازي للواقدي 1 : 300 ، سيرة ابن هشام 3 : 129 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 95 ضمن حديث رقم 28 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 124 _

بوء بذنبك ، لا نجوتُ إن نجوتَ ، ورسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بين الحارث بن الصمّة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما ، فحمل عليه فوقاه مصعب بن عمير بنفسه ، فطعن مصعباً فقتله ، فأخذ رسول الله( صلّى الله عليه وآله ) عنزة كانت في يد سهل بن حنيف ثم ّ طعن اُبيّاً في جربان الدرع ، فأعتنق فرسه فإنتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان : ويلك ما أجزعك ، إنّما هو خدش ليس بشيء ، فقال : ويلك يا ابن حرب ، أتدري من طعنني ، إنّما طعنني محمّد ، وهو قال لي بمكّة : إنّي سأقتلك ، فعلمت أنّه قاتلي ، والله لو أنّ ما بي كان بجميع أهل الحجاز لقضت عليهم ، فلم يزل يخور الملعون حتّى صار إلى النار(1) .
  وفي كتاب أبان بن عثمان : أنّه لمّا إنتهت فاطمة وصفيّة إلى رسول الله( صلّى الله عليه وآله ) ونظرتا إليه قال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعليّ : ( أمّا عمتّي فاحبسها عنّي ، وأمّا فاطمة فدعها ) ، فلمّا دنت فاطمة ( عليها السلام) من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ورأته قد شجّ في وجهه واُدمي فوه إدماءً صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول : ( إشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله) وكان يتناول رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ما يسيل من الدم ويرميه في الهواء فلا يتراجع منه شيء (2) ، قال الصادق( عليه السلام ) : ( والله لوسقط منه شيء على الأرض لنزل العذاب ) (3)، قال أبان بن عثمان : حدّثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال : قلت : كسرت رباعيّته كما يقوله هؤلاء ؟ قال : ( لا والله، ما قبضه الله إلاّ سليماً ، ولكنّه شجّ في وجهه ) ، قلت : فالغار في اُحد الذي يزعمون أنّ رسول الله صار إليه ؟ قال : ( والله ما برح مكانه ، وقيل له : ألا تدعو عليهم ؟ قال : اللّهم إهد قومي ) .

---------------------------
(1) نحوه في : المغازي للواقدي 1 : 250 ـ 251 ، وسيرة ابن هشام 3 : 89 ، وتاريخ الطبري 2 : 520 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 258 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 90 / ضمن حديث 28 .
(2) المغازي للواقدي 1 : 249 قطعة منه ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 95 ضمن حديث 28 .
(3) نقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 96 ضمن حديث 28 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 125 _

  ورمى رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ابن قُميئة بقذّافة فأصاب كفّه حتّى ندر (1) السيف من يده وقال : خذها منّي وأنا ابن قميئة ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( أذلّك الله وأقمأك )(2) ، وضربه عتبة بن أبي وقّاص بالسيف حتّى أدمى فاه ، ورماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه(3)، وليس أحد من هؤلاء مات ميتة سويّة ، فأمّا ابن قميئة فأتاه تيس وهو نائم بنجد فوضع قرنه في مراقّه ثم دعسه فجعل ينادي : واذلاّه، حتّى أخرج قرينه من ترقوته .
  وكان وحشيّ يقول : قال لي جبير بن مطعم ـ وكنت عبداً له ـ : إنّ علياً قتل عمّي يوم بدر ـ يعني طعيمة ـ فإن قتلت محمّداً فأنت حرّ ، وإن قتلت عمّ محمّد فأنت حرّ ، وإن قتلت ابن عمّ محمّد فأنت حرّ ، فخرجت بحربة لي مع قريش إلى اُحد اُريد العتق لا اُريد غيره ولا أطمع في محمّد ، وقلت : لعلّي اُصيب من علي أو حمزة غرّة فأزرقه ، وكنت لا أخطىء في رمي الحراب ، تعلّمته من الحبشة في أرضها ، وكان حمزة يحمل حملاته ثمّ يرجع إلى موقفه(4) ، قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( وزرقه وحشيّ ، فوق الثدي ، فسقط وشدّوا عليه فقتلوه ، فأخذ وحشيّ الكبد فشدّ بها إلى هند بنت عتبة ، فأخذتها فطرحتها في فيها فصارت مثل الداغِصة (5) ، فلفظتها .

---------------------------
(1) ندر الشيء إذا سقط ( العين 8 : 21 ) . (2) اقمأك : صغرك وأذلك ، ( انظر : العين 5 : 035 ) .
(3) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 92 ، والمغازي للواقدي 1 : 244 ـ 26 ، وتاريخ الطبري 2 : 515 ، والكامل في التاريخ 2 : 155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 96 ضمن حديث 28 .
(4) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 192 ـ 193 ، سيرة ابن هشام 3 : 75 ـ 76 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 96 ضمن حديث 28 .
(5) الداغصة : عظم مدور يديص ويموج فوق رضف الركبة ، وقيل : يتحرك على رأس الركبة ، ( لسان العرب 7 : 36 ) .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 126 _

  قال وكان الحليس بن علقمة نظر إلى أبي سفيان وهو على فرس وبيده رمح يجأ به في شدق حمزة فقال : يا معشر بني كنانة انظروا إلى من يزعم أنّه سيّد قريش ما يصنع بابن عمّه الذي قد صار لحماً ـ وأبو سفيان يقول : ذقُ عقق ـ فقال أبو سفيان : صدقت إنّما كانت منّي زلّة اكتمها عليّ ، قال : وقام أبو سفيان فنادىَّ بعض المسلمين : أحيّ ابن أبي كبشة ؟ فأمّا ابن أبي طالب فقد رأيناه مكانه ، فقال عليّ ( عليه السلام ) : ( إي والذي بعثه بالحقّ إنّه ليسمع كلامك ) ، قال : إنّه قد كانت في قتلاكم مثلة ، والله ما أمرت ولا نهيت ، إنّ ميعاد ما بيننا وبينكم موسم بدر في قابل هذا الشهر ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( قل : نعم ) ، فقال : ( نعم ) ، فقال أبو سفيان لعليّ ( عليه السلام ) : إنّ ابن قميئة أخبرني أنّه قتل محمّداً وأنت أصدق عندي وأبّر ، ثمّ ولّى إلى أصحابه وقال : إتخذوا الليل جملاً وانصرفوا ، ثمّ دعا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عليّاً ( عليه السلام ) فقال : ( إتُبعهم فانظر أين يريدون ، فإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنّهم يريدون المدينة ، وإن كانوا ركبوا الإبل وساقوا الخيل فهم متوجّهون إلى مكّة )(1) وقيل : إنّه بعث لذلك سعد بن أبي وقّاص فرجع وقال : فرأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنوبة مدبرة ، ورأيت القوم قد تجمّلوا سائرين ، فطابت أنفس المسلمين بذهاب العدوّ ، فانتشروا يتتبّعون قتلاهم ، فلم يجدوا قتيلاً إلاّ وقد مثّلوا به ، إلاّ حنظلة بن أبي عامر ، كان أبوه مع المشركين فتُرك له ، ووجدوا حمزة قد شُقَّتْ بطنه ، وجُدع أنفه ، وقُطعت اُذناه ، واُخذ كبده ، فلمّا إنتهى إليه رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خنقه العبرة وقال : ( لاُمثّلنّ بسبعين من قريش ) فأنزل الله سبحانه ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ )(2)الآية ، فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( بل أصبر ) .

---------------------------
(1) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1 : 93 ، المغازي للواقدي 1 : 286 ، وسيرة ابن هشام 3 : 96 ـ 100 ، وتاريخ الطبري 2 : 527 ، والكامل في التاريخ 2 : 160 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 96 ضمن حديث 28 .
(2) النحل 16 : 126 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 127 _

  وقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( من ذلك الرجل الذي تغسّله الملائكة في سفح الجبل ؟ ) ، فسألوا امرأته فقالت : انّه خرج وهو جنب ، وهو حنظلة بن أبي عامر الغسيل (1) ، قال أبان : وحدّثني أبو بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( ذكر لرسول الله رجلٌ من أصحابه يقال له : قزمان بحسن معونته لاِِخوانه ، وزكّوه فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): إنّه من أهل النار ، فاُتي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وقيل : إنّ قزمان استشهد ، فقال : يفعل الله ما يشاء ، ثمّ اُتي فقيل : إنّه قتل نفسه ، فقال : أشهد أنّي رسول الله .
  قال : وكان قزمان قاتل قتالاً شديداً ، وقتل من المشركين ستّة أو سبعة ، فأثبتته الجراح فإحتمل إلى دور بني ظفر ، فقال له المسلمون : أبشر يا قزمان فقد أبليت اليوم ، فقال : بم تبشّروني ! فوا لله ما قاتلت إلاّ عن أحساب قومي ، ولولا ذلك ماقاتلت ، فلمّا إشتدّت عليه الجراحة جاء إلى كنانته فأخذ منها مشقصاً(2) فقتل به نفسه )(3) ، قال : وكانت إمرأة من بني النجّار قتل أبوها وزوجها وأخوها مع رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فدنت من رسول الله والمسلمون قيام على رأسه فقالت لرجل : أحي رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟ قال : نعم ، قالت : أستطيع أن أنظر إليه ؟ قال : نعم ، فأوسعوا لها فدنت منه وقالت : كلّ مصيبة جلل بعدك ، ثمّ انصرفت .
  قال: وانصرف رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى المدينة حين دفن القتلى ، فمرّ بدور بني الأشهل وبني ظفر ، فسمع بكاء النوائح على قتلاهنّ ، فترقرقت عينا رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وبكى ثمّ قال : ( لكنّ حمزة لا بواكي له اليوم ) ، فلمّا سمعها سعد بن معاذ واُسيد بن حضير قالوا : لا تبكينّ إمرأة حميمها حتّى تأتي فاطمة فتسعدها .

---------------------------
(1) انظر : سيرة ابن هشام 3 : 79 ـ 101 ، وتاريخ الطبري 2 : 521 ـ 528 ، ولائل النبوة للبيهقي 3 : 285 ـ 286 ، والكامل في التاريخ 2 : 158 ـ 161 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 98 ضمن حديث 28 .
(2) المشقص : سهم له نصل عريض لرمي الوحش ، ( العين 5 : 33 ) .
(3) سيرة ابن هشام 3 : 93 ، وتاريخ الطبري 2 : 351 ، والكامل في التاريخ 2 : 162 ، وفيها بإختلاف يسير ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 98 ضمن الحديث 28 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 128 _

  فلمّا سمع رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الواعية على حمزة وهو عند فاطمة على باب المسجد قال : ( إرجعن رحمكّن الله فقد آسيتنّ بأنفسكنّ )(1) ، ثمّ كانت غزوة حمراء الأسد (2) قال أبان بن عثمان : لمّا كان من الغد من يوم اُحد نادى رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في المسلمين فأجوبوه ، فخرجوا على علّتهم وعلى ما أصابهم من القرح ، وقدم عليّاً بين يديه براية المهاجرين حتّى إنتهى إلى حمراء الأسد ثمّ رجع إلى المدينة ، فهم الذين إستجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ، وخرج أبو سفيان حتّى إنتهى إلى الروحاء ، فأقام بها وهو يهم بالرجعة على رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ويقول : قد قتلنا صناديد القوم فلو رجعنا إستأصلناهم ، فلقي معبد الخزاعيّ فقال : ما وراءك يا معبد ؟ قال : قد والله تركت محمّداً وأصحابه وهم يحرقون عليكم ، وهذا عليّ بن أبي طالب قد أقبل على مقدّمته في الناس ، وقد إجتمع معه من كان تخلّف عنه ، وقد دعاني ذلك إلى أن قلت شعراً : قال أبو سفيان : وماذا قلت ؟ قال : قلت :

كادت تهدّ منَ الأصواتِ iiراحلتي      إذ سالتِ الأرضُ بالجردِ الأبابيلِ
تـردي  بـاُسدٍ كـرامٍ لا iiتنابلةً      عـندَ الـلقاءِ ولا خرقٍ iiمعازيلِ
  فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ، ثمّ مرّ به ركب من عبد القيس يريدون الميرة من المدينة ، فقال لهم : أبلغوا محمّداً أنّي قد أردت الرجعة إلى أصحابه لأستأصلهم وأوقر لكم ركابكم زبيباً إذا وافيتم عكاظ .

---------------------------
(1) المغازي للواقدي 1 : 292 ، وسيرة ابن هشام 3 : 104 ـ 105 ، وتاريخ الطبري 2 : 532 ـ 533 ، والكامل في التاريخ 2 : 163 ، وفيها بني دينار بدل بني النجار. ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 98 ضمن حديث 28 .
(2) حمراء الأسد : موضع على ثمانية أميال من المدينة ، ( معجم البلدان 2 : 301 ) .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 129 _

  فأبلغوا ذلك إليه وهو بحمراء الأسد ، فقال ( عليه السلام ) والمسلمون معه : ( حسبنا الله ونعم الوكيل) (1) ، ورجع رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من حمراء الأسد إلى المدينة يوم الجمعة ، قال : ولمّا غزا رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حمراء الأسد وثبت فاسقة من بني خطمة يقال لها : العصماء اُمّ المنذر بن المنذر تمشي في المجالس الأوس والخزرج وتقول شعراً تحرّض على النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وليس في بني خطمة يومئذ مسلم إلاّ واحدٌ يقال له : عمير بن عدّي ، فلمّا رجع رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) غدا عليها عمير فقتلها ، ثمّ أتى رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : إنّي قتلت اُمّ المنذر لما قالته من هجر ، فضرب رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على كتفيه وقال : ( هذا رجل نصر الله ورسوله بالغيب ، أما إنّه لا ينتطح فيها(2) عنزان ) .
  قال عمير بن عدّي : فأصبحت فممررت ( ببنيها ) وهم يدفنونها فلم يعرض لي أحد منهم ولم يكلّمني(3) ، ثمّ كانت غزوة الرجيع ، بعث رسول الله مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت بن الأفلج ، وخبيب بن عدي ، وزيد بن دثنة ، وعبد الله بن طارق ، وأمير القوم مرثد لمّا قدم عليه رهطٌ من عضل والديش وقالوا : إبعث معنا نفراً من قومك يعلّموننا القرآن ويفقّهوننا في

---------------------------
(1) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 194 ، وانظر : المغازي للواقدي 1 : 338 ، وتاريخ الطبري 2 : 535 ، والكامل في التاريخ 2 : 164 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 99 ضمن حديث 28 .
(2) أي لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان ، لأن النطاح من شأن التيوس الكباش لا العنوز .
(3) نقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 100 / 28 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 130 _

الدين ، فخرجوا مع القوم إلى بطن الرجيع ـ وهو ماء لهذيل ، فقتلهم حي من هذيل يقال لهم : بنو لحيان ، واُصيبوا جميعاً (1) ، وذكر ابن اسحاق : أنّ هذيلاً حين قتلت عاصم بن ثابت أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد ، وقد كانت نذرت حين اُصيب ابناها باُحد لئن قدرت على رأسه لتشربنّ في قحفه الخمر فمنعتهم الدَبر (2) ، فلمّا حالت بينهم وبينه قالوا : دعوه حتّى نمسي فتذهب عنه ، فبعث الله الودي فإحتمل عاصماً فذهب به ، وقد كان عاصم أعطى الله عهداً أن لا يمسّ مشركاً ولا يمسّه مشرك أبداً في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته ممّا إمتنع منه في حياته(3) .
  ثمّ كانت غزوة بئر معونة على رأس أربعة أشهر من اُحد ، وذلك أنّ أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنّة قدم على رسول الله بالمدينة فعرض عليه الاِسلام فلم يسلم ، وقال : يا محمّد إن بعثت رجالاً إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك ، فقال :

---------------------------
(1) ورد بتفصيل أوسع في : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 194 ، المغازي للواقدي 1 : 354 ، وسيرة ابن هشام 3 : 178 ، والطبقات الكبرى 2 : 55 ، وتاريخ الطبري 2 : 538 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 327 ـ 328 ، والكامل في التاريخ 2 : 167 .
(2) الدَبر ( بالفتح ) : جماعة النحل ، قال الاصمعي : لا واحد لها ، ويجمع على دُبورٍ ، قال لبيد :
بأبيض  من أبكارِ مُزنِ iiسحابةٍ      وارى دُبورٍ شارهُ النحل عاسلُ
( الصحاح : ـ دبر ـ 2 : 652 ) .
(3) انظر : المغازي للواقدي 1 : 356 ، وسيرة ابن هشام 3 : 180 ، والطبقات الكبرى 2 : 55 ـ 56 ، وتاريخ الطبري 2 : 539 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 328 ، والكامل في التاريخ 2 : 168 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 131 _

( أخشى عليهم أهل نجد ) ، فقال أبو براء : أنا لهم جار ، فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في بضعة وعشرين رجلاً ، وقيل : في أربعين رجلاً ، وقيل : في سبعين رجلاً من خيار المسلمين ، منهم : الحارث بن الصمّة ، وحرام بن ملحان ، وعامر بن فهيرة ، فساروا حتّى نزلوا بئر معونة ـ وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم ـ فلمّا نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى عامر بن الطفيل ، فلمّا أتاه لم ينظر ( عامر ) في كتابه حتّى عدا على الرجل فقتله ، فقال : الله أكبر فزت وربّ الكعبة .
  ثمّ دعا بني عامر إلى قتالهم فأبوا أن يجيبوه وقالوا : لانخفر (1) أبا براء ، فإستصرخ قبائل من بني سليم : عصيّة ورعلاً وذكوان ، وهم الذين قنت عليهم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ولعنهم ، فأجابوه وأحاطوا بالقوم في رحالهم ، فلمّا رأوهم أخذوا أسيافهم وقاتلوا القوم حتّى قتلوا عن آخرهم ، وكان في سرح القوم (2) عمرو بن اُميّة الضمري ورجل من الأنصار ، فلم يكن ينبئهما بمصاب القوم إلاّ الطير تحوم على العسكر ، فقالا : والله إنّ لهذا الطير لشأناً ، فاقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم ، فقال الأنصاري لعمرو : ما ترى ؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري : لكنّي لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، فقاتل القوم حتّى قُتل ، ورجع عمرو إلى المدينة فأخبر رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : ( هذا عمل أبي براء ، قد كنت لهذا كارهاً ) ، فبلغ ذلك أبا براء ، فشقّ عليه إخفار عامر إيّاه وما أصاب من أصحاب رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، ونزل به الموت ، فحمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل وطعنه وهو في نادي قومه فأخطأ مقاتله وأصاب فخذه ، فقال عامر : هذا عمل عمّي أبي براء ، إن متّ فدمي لعمّي لا تطلبونه به ، وإن اعشُ فسأرى فيه رأيي(3) .

---------------------------
(1) اخفرت الرجل : إذا نقضت عهده وغدرت به ، ( انظر : الصحاح ـ خفر ـ 2 : 649 ) .
(2) سرح القوم : أي عند ماشيتهم ، فيقال : سرحت الماشية أي اخرجتها بالغداة إلى المرعى ، ( انظر : لسان العرب 2 : 478 ) .
(3) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 195 ، المغازي للواقدي 1 : 346 ، سيرة ابن هشام 3 : 193 ، الطبقات الكبرى 2 : 51 ، تاريخ الطبري 2 : 545 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 338 ، الكامل في التاريخ 2 : 171 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 132 _

  ثمّ كانت غزوة بني النضير ، وذلك أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مشى إلى كعب بن الأشرف يستقرضه فقال : مرحباً بك يا أبا القاسم وأهلاً ، فجلس رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأصحابه وقام كأنّه يصنع لهم طعاماً ، وحدّث نفسه أن يقتل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) وأخبره بما همّ به القوم من الغدر ، فقام ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )كأنّه يقضي حاجة ، وعرف أنّهم لا يقتلون أصحابه وهو حيّ ، فأخذ ( عليه السلام ) الطريق نحو المدينة ، فإستقبله بعض أصحاب كعب الذين كان أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله، فأخبر كعباً بذلك ، فسار المسلمون راجعين ، فقال عبد الله بن صوريا ـ وكان أعلم اليهود ـ : والله إنّ ربّه اطلعه على ما أردتموه من الغدر ، ولا يأتيكم والله أوّل ما يأتيكم إلاّ رسول محمّد يأمركم عنه بالجلاء ، فأطيعوني في خلصلتين لا خير في الثالثة : أن تسلموا فتأمنوا على دياركم وأموالكم ، وإلاّ فإنّه يأتيكم من يقول لكم : اخرجوا من دياركم ، فقالوا : هذه أحبّ إلينا ، قال : أمّا إنّ الاُولى خيرٌ لكم منها ، ولولا أنّي أفضحكم لأسلمت ، ثمّ بعث ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) محمّد بن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل والجلاء عن ديارهم وأموالهم ، وأمره أن يؤجّلهم في الجلاء ثلاث ليال (1) ، ثمّ كانت غزوة بني لحيان ، وهي الغزوة التي صلّى فيها صلاة الخوف بعسفان حين أتاه الخبر من السماء بما همّ به المشركون ، وقيل : إنّ هذه الغزوة كانت بعد غزوة بني قريظة(2) .
  ثمّ كانت غزوة ذات الرقاع بعد غزوة بني النضير بشهرين ، قال البخاري : إنّها كانت بعد خيبر ، لقي بها جمعاً من غطفان ، ولم يكن بينهما حرب ، وقد خاف الناس بعضهم بعضاً حتّى صلّى رسول الله صلاة الخوف ثمّ انصرف بالناس (3) .

---------------------------
(1) انظر : سيرة ابن هشام 3 : 199 ، الطبقات الكبرى 2 : 57 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 180 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 163 / 1 .
(2) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 197 ، والطبقات الكبرى 2 : 78 ، وتاريخ الطبري 2 : 595 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 364 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 176 / 1 .
(3) صحيح البخاري 5 : 145 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 133 _

  وقيل : إنمّا سمّيت ذات الرقاع لاَنّه جبل فيه بقع حُمرةٍ وسوادٍ وبياضٍ فسمّي ذات الرقاع(1)، وقيل : إنّما سمّيت بذلك لاَنّ أقدامهم نقبت فيها ، فكانوا يلفون على أرجلهم الخرق (2) ، وكان ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على شفير واد نزل أصحابه على الغدوة الاُخرى من الوادي ، فهم كذلك إذ أقبل سيل ، فحال بينه وبين أصحابه ، فرآه رجل من المشركين يقال له : غورث ، فقال لقومه : أنا أقتل لكم محمّداً ، فأخذ سيفه ونحا نحوه وقال : من ينجيك منّي يا محمّد ؟ قال : ( ويلك ، ينجيني ربّي ) ، فسقط على ظهره ، فأخذ رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) سيفه وجلس على صدره ثمّ قال : ( من ينجيك منّي يا غورث ؟ )، قال : جودك وكرمك يا محمّد ، فتركه ، فقام وهو يقول : والله لأنت أكرم منّي وخير(3) ، ثمّ كانت غزوة بدر الأخيرة في شعبان ، خرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى بدر لميعاد أبي سفيان ، فأقام عليها ثمان ليال ، وخرج أبو سفيان في أهل تهامة ، فلمّا نزل الظهران بدا له في الرجوع ، ووافق رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأصحابه السوق فإشتروا وباعوا وأصابوا بها ربحاً حسناً(4) .

---------------------------
(1) المغازي للواقدي 1 : 395 ، تاريخ الطبري 2 : 555 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 371 .
(2) دلائل النبوة للبيهقي 3 : 372 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 176 / 1 .
(3) الكافي 8 : 127 / 97 ، ونحوه في : الطبقات الكبرى 2 : 62 ، وصحيح البخاري 5 : 147 ، وتاريخ الطبري 2 : 557 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 376 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 179 / 6 .
(4) انظر : المغازي للواقدي 1 : 384 ، الطبقات الكبرى 2 : 59 ، وتاريخ الطبري 2 : 559 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 385 ، والكامل في التاريخ 2 : 175 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 182 / 1 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 134 _

  ثمّ كانت غزوة الخندق ـ وهي الأحزاب ـ في شوّال من سنة أربع من الهجرة ، أقبل حييٌ بن أخطب وكنانة بن الربيع وسلاّم بن ابي الحقيق وجماعة من اليهود بقريش وكنانة وغطفان ، وذلك أنّهم قدموا مكّة فصاروا إلى أبي سفيان وغيره من قريش ، فدعوهم إلى حرب رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وقالوا لهم : أيدينا مع أيديكم ، ونحن معكم حتّى نستأصله ، ثم خرجوا إلى غطفان ودعوهم إلى حرب رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأخبروهم باتّباع قريش إياهم ، فإجتمعوا معهم ، وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان ، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني فزارة ، والحارث بن عوف في بني مرّة ، ومسعود بن رخيلة( 3) بن نويرة بن طريف في قومه من أشجع ، وهم الأحزاب ، وسمع بهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فخرج إليهم ، وذلك بعد أن أشار سلمان الفارسيّ أن يصنع خندقاً (1) ، وظهر في ذلك من آية النبوّة أشياء : منها :
  ما رواه جابر بن عبد الله ، قال : إشتدّ عليهم في حفر الخندق كدية(2) فشكوا ذلك إلى رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ، ثمّ دعا بما شاء الله أن يدعو ، ثمّ نضح الماء على تلك الكدية فقال من حضرها : فوالذي بعثه بالحقّ لانثالت حتّى عادت كالكندر (3) ما تردّ فأساً ولا مسحاة (4) ، ومنها : ما رواه جابر من إطعام الخلق الكثير من الطعام القليل ، وقد ذكرناه فيما قبل(5) ، ومنها :

---------------------------
(1) انظر : إرشاد المفيد : 94 ، المغازي للواقدي 2 : 441 ، وسيرة ابن هشام 3 : 224 ، وتاريخ الطبري 2 : 565 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 398 ، والكامل في التاريخ 2 : 178 .
(2) الكدية : صلابة في الأرض، ( العين 5 : 396 ) .
(3) كذا ، والكندر اسم العلك ، وفي المصادر : الكثيب ، وهو التراب الدقيق ، ولعله الأنسب .
(4) سيرة ابن هشام 3 : 228 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 451 .
(5) تقدّم في صحفة : 80، إلاّ أنّ المؤلّف لم يصرّح باسم جابر فيها .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 135 _

  ما رواه سلمان الفارسي ( رضي الله عنه ) ، قال : ضربت في ناحية من الخندق ، فعطف عليّ رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو قريب منّي ، فلما رآني أضرب ورأى شدّة المكان عليّ نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة ، ثمّ ضرب ضربة اُخرى فلمعت تحته برقة اُخرى ، ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اُخرى ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت واُمّي ما هذا الذي رأيت ؟ فقال : ( أمّا الأولى فإنّ الله تعالى فتح عليَّ بها اليمن ، وأمّا الثانية فإنّ الله تعالى فتح عليَّ بها الشام والمغرب ، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق )(1) وأقبلت الأحزاب إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فهال المسلمين أمرهم ، فنزلوا ناحية من الخندق ، وأقاموا بمكانهم بضعاً وعشرين ليلة ، لم يكن بينهم حرب إلاّ الرمي بالنبل والحصى ، ثمّ إنتدب فوارس قريش للبراز ، منهم عمرو بن عبد ودّ ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطّاب ، تهيؤوا للقتال ، وأقبلوا على خيولهم حتّى وقفوا على الخندق ، فلمّا تأمّلوه قالوا : والله إنّ هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثمّ تيمّموا مكاناً من الخندق فيه ضيق فضربوا خيولهم فاقتحمته ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسَلع (2) وخرج عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) في نفر معه حتّى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها ، فتقدّم عمرو بن عبد ودّ وطلب البراز ، فبرز إليه عليّ ( عليه السلام ) فقتله ـ وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله ـ فلمّا رأى عكرمة وهبيرة عمراً صريعاً ولّوا منهزمين ، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أبيات شعر :

---------------------------
(1) سيرة ابن هشام 3 : 230 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 417 ، وورد نحوه في : تفسيرالقمي 2 : 178 ، والمغازي للواقدي 2 : 450 ، والكامل في التاريخ 2 : 179 .
(2) سلع : جبل بسوق المدينة ، وقيل : هو موضع بقرب المدينة ( انظر : معجم البلدان 3 : 236 ) .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 136 _

نصر الحجارةَ من سفاهةِ iiرأيه      ونصرتُ  ربَّ محمّدٍ iiبصوابي
فـضربتُهُ  وتـركتُهُ iiمـتجدّلاً      كـالجذعِ  بين دكادكٍ iiوروابي
وعـففتُ عن أثوابهِ ولو iiأنّني      كـنتُ  الـمقطّر بزّني أثوابي
لا تـحسبنّ الله خـاذلَ iiديـنه      ونبيهِ يا معـشرَ الأحزابِ  (1)
  ورمى ابن العرقة بسهم فأصاب أكحل سعد بن معاذ وقال : خذها مني وأنا ابن العرقة ، قال : عرّق الله وجهك في النار ، وقال : اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب في قريش شيئاً فأبقني لحربهم ، فإنّه لا قوم أحبّ إليّ قتالاً من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك ، اللهمّ وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتّى تقرّ عيني من بني قريظة ، فأباته رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على فراشه وبات على الأرض (2) ، قال أبان بن عثمان : حدّثني من سمع أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : قام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على التلّ الذي عليه مسجد الفتح في ليلة ظلماء قرّة ، قال : من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنّة ؟ فلم يقم أحد ثمّ عاد ثانية وثالثة فلم يقم أحد ، فقام حذيفة فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : انطلق حتّى تسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم ، فذهب فقال : اللّهم احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، حتّى تردّه إليّ ، وقال : لا تحدث شيئاً حتّى تأتيني ، ولمّا توجّه حذيفة قام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يصلّي ثمّ نادى بأشجى صوت : يا صريخ المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطّرين ، اكشف همّي وكربي ، فقد ترى حالي وحال من معي ، فنزل جبرئيل فقال : يا رسول الله إنّ الله ( عزّ وجلّ ) سمع مقالتك وإستجاب دعوتك وكفاك هول من تحزّب عليك وناواك ،

---------------------------
(1) انظر : تفسير القمي 2 : 182 ، ارشاد المفيد 1 : 97 ، المغازي للواقدي 2 : 470 ، سيرة ابن هشام 3 : 235 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 436 .
(2) انظر : الطبقات الكبرى 2 : 67 ، الكامل في التاريخ 2 : 182 ، ونقلها المجلسي في بحار الأنوار 20 : 206 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 137 _

  فجثا رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على ركبتيه وبسط يديه وأرسل بالدمع عينيه ، ثمّ نادى : شكراً شكراً كما آويتني وآويت من معي ، ثمّ قال جبرئيل ( عليه السلام ) : يا رسول الله ، ان الله قد نصرك وبعث عليهم ريحاً من السماء الدنيا فيها الحصى ، وريحاً من السماء الرابعة فيها الجنادل ، قال حذيفة : فخرجت فإذا أنا بنيران القوم قد طفئت وخمدت ، وأقبل جند الله الأوّل ريح شديدة فيها الحصى ، فما ترك لهم ناراً إلاّ أخمدها ، ولا خباء إلاّ طرحها ، ولا رمحاً إلاّ ألقاها ، حتّى جعلوا يتترسون من الحصى ، وكنت أسمع وقع الحصى في الترسة ، وأقبل جند الله الأعظم ، فقام أبو سفيان إلى راحلته ثمّ صاح في قريش : النجاء النجاء ، ثمّ فعل عيينة بن حصن مثلها ، وفعل الحارث بن عوف مثلها ، وذهب الأحزاب ، ورجع حذيفة إلى رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأخبره الخبر ، وأنزل الله على رسوله ( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا )(1) إلى ما شاء الله تعالى من السورة (2) ، وأصبح رسول الله بالمسلمين حتّى دخل المدينة ، فضربت إبنته فاطمة غسولاً حتى تغسل رأسه ، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجراً(3)بعمامة بيضاء ، عليه قطيفة من إستبرق معلّق عليها الدرّ والياقوت ، عليه الغبار ، فقام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فمسح الغبار عن وجهه ، فقال له جبرئيل : ( رحمك ربّك ، وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء ، مازلت أتبعهم حتّى بلغت الروحاء ) (4) ، ثمّ قال جبرئيل : ( إنهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب ، فو الله لاَدقنّهم دقّ البيضة على الصخرة ) .

---------------------------
(1) الاحزاب 33 : 9 .
(2) الكافي 8 : 277 / 420 ، تفسير القمي 2 : 186 ، وانظر : سيرة ابن هشام 3 : 242 ، والطبقات الكبرى 2 : 74 ، وتاريخ الطبري 3 : 580 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 449 ، والكامل في التاريخ 2 : 184 .
(3) الإعتجار : لف العمامة دون التلحي ( لسان العرب 4 : 544 ) .
(4) قال الحموي في معجم بلدانه ( 3 : 76 ) : الروح والراحة من الإستراحة ، ويوم روح أي طيب ، وأظنه قيل للبقعة روحاء أي طيبة ذات راحة ويعضده ما ذكره الكلبي قال : لما رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح ، فسماها الروحاء.

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 138 _

  فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) عليّاً ( عليه السلام ) فقال : ( قدّم راية المهاجرين إلى بني قريضة ) ، وقال : ( عزمت عليكم أن لا تصلّوا العصر إلاّ في بني قريظة ) ، فأقبل عليّ ( عليه السلام ) ومعه المهاجرون وبنو عبد الأشهل وبنو النجّار كلّها ، لم يتخلّف عنه منهم أحد ، وجعل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يسرّب إليه الرجال ، فما صلّى بعضهم العصر إلاّ بعد العشاء ، فأشرفوا عليه وسبّوه ، وقالوا : فعل الله بك وبابن عمّك ، وهو واقف لا يجيبهم ، فلمّا أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) والمسلمون حوله تلقّاه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : ( لا تأتهم يا رسول الله جعلني الله فداك ، فإنّ الله سيجزيهم ) ، فعرف رسول الله أنّهم قد شتموه ، فقال : ( أما إنّهم لو رأوني ما قالوا شيئاً ممّا سمعت ) ، وأقبل ثمّ قال : ( يا إخوة القردة ، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ، يا عباد الطاغوت اخسؤوا أخساكم الله) ، فصاحوا يميناً وشمالاً : يا أبا القاسم ما كنت فحّاشاً فما بدا لك (1)، قال الصادق ( عليه السلام ) : فسقطت العنزة من يده ، وسقط رداءه من خلفه ، ورجع يمشي إلى ورائه حياء ممّا قال لهم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فحاصرهم رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خمساً وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وقسمة الأموال ، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقال له النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ، فلمّا جيء بالاُسارى حبسوا في دار ، وأمر بعشرة فاُخرجوا فضرب أمير المؤمنين أعناقهم ، ثم أمر بعشرة فاُخرجوا فضرب الزبير أعناقهم ، وقلَّ رجل من أصحاب رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلاّ قتل الرجل والرجلين .

---------------------------
(1) انظر : تفسير القمي 2 : 189 ، وارشاد المفيد 1 : 109 ، وسيرة ابن هشام 3 : 244 ، والطبقات الكبرى 2 : 74 ، وتاريخ الطبري 2 : 581 ، والكامل في التاريخ 2 : 185 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 139 _

  قال : ثمّ إنفجرت رمية سعد والدم ينفح حتّى قضى ، ونزع رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) رداءه فمشى في جنازته بغير رداء ، ثمّ بعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عبد الله بن رواحة إلى خيبر ، فقتل سير بن دارم اليهودي ، وبعث عبد الله بن عتيك إلى خيبر فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق ) (1) ، ثمّ كانت غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ورأسهم الحارث بن أبي الضرار ، وقد تهيؤوا للمسير إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهي غزوة المُرَيسيع(2) ، وهو ماء ، وقعت في شعبان سنة خمس ، وقيل : في شعبان سنة ست ، والله أعلم(3) .
  قالت جويرية بنت الحارث ـ زوجة رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ : أتانا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ونحن على المُرَيسيع ، فأسمع أبي وهو يقول : أتانا ما لا قبل لنا به ، قالت : وكنت أرى من الناس والخيل والسلاح ما لا أصف من الكثرة ، فلمّا أن أسلمت وتزوّجني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )ورجعنا جعلت أظهر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى ، فعرفت أنّه رعب من الله ( عزّ وجلّ ) يلقيه في قلوب المشركين ، قالت : ورأيت قبل قدوم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتّى وقع في حجري ، فكرهت أن أخبر بها أحداً من الناس ، فلمّا سبينا رجوت الرؤيا ، فأعتقني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )

---------------------------
(1) انظر: تفسير القمي 2 : 190 ، والإرشاد للمفيد 1 : 110 .
(2) اسم ماء في ناحية قديد إلى الساحل ، ( معجم البلدان 5 : 118 ) .
(3) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 201 ، وسيرة ابن هشام 3 : 302 ، وتاريخ الطبري 2 : 604 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 140 _

وتزوّجني (1) ، وأمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أصحابه أن يحملوا عليهم حملة رجل واحد ، فما أفلت منهم إنسان ، وقتل عشرة منهم واُسر سائرهم ، وكان شعار المسلمين يومئذ ( يا منصور أمت ) وسبى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) الرجال والنساء والذراري والنعم والشياه ، فلمّا بلغ الناس أنّ رسول الله تزوّج جويرية بنت الحارث قالوا : أصهار رسول الله، فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق ، فما عُلم امرأة أعظم بركة على قومها منها(2) ، وفي هذه الغزوة قال عبد الله بن اُبي ( لَئن رجَعنا إلى المَدِينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزّ مِنها الأذَلّ) (3) ، واُنزلت الآيات ، وفيها كانت قصة إفك عائشة(4) .

---------------------------
(1) المغازي 1 : 408 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 290 / 3 .
(2) اُنظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 201 ، والمغازي للواقدي 1 : 410 ، وسيرة ابن هشام 3 : 307 ، وتاريخ الطبري 2 : 62 ، والوفا بأحوال المصطفى 12 : 962 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 290 / 3 .
(3) المنافقون 63 : 8 .
(4) لم يعد بخاف على أحد مدى الدور الخطير الذي لعبته السياسة الأموية المنحرفة في تشويه وتطويع الكثير من الحقائق الشرعية والتاريخية خدمة لاغراضها المشبوهة المراد من خلالها توطيد حكمهم وتثبيت قواعده ، والحط من مكانة معارضيهم ومناوئيهم وفي مقدمتهم أهل بيت النبوة ( عليهم السلام ) ، ولعل الأمر ليس بعسير على أحد ادراكه من خلال إستقراء الكثير من تلك الوقائع والأخبار وما تؤدي إليه بالتالي عند اعتقاد المسلمين بها ، والتسليم بصحتها . »»»

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 141 _

»»» وإذا لم نكن هنا بمعرض التحدث عن هذا الموضوع الحساس والمهم ، قدر ما أردنا منه الاشارة العرضية إلى حقيقة خطيرة كانت لها آثار وخيمة في صياغة وبناء الكثير من الآراء والمعتقدات التي يذهب إلى تبنيها البعض ، ولعل حديث الافك المشهور ، والآيات النازلة فيه من تلك الوقائع التي تناولتها سياسة الأمويين بالتحريف والكذب بشكل مدروس انخدع فيه الكثيرون ، وسلموا بحتمية ما قرأوه من تفصيلات متعددة تصب في غرض واحد ، والخبر كما يرويه أصحابنا وغيرهم هو أن المرأة التي رميت بهذا الافك كانت ماريه القبطية اُم ولد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وليست عائشة كما هو مشهور عند الكثرين الذين أخذوا بما سطرته السياسات المنحرفة التي كان يديرها الأمويون من أجل إضفاء صفة القدسية على عائشة التي نقلوا عنها أو نسبوا إليها من الأخبار المنحرفة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، مع ما عرف عنها من موفق حاد ومعارض لاَمير المؤمنين علي بن أبى طالب ( عليه السلام ) ، كان أوضحه في خروجها عليه في وقعة الجمل المشهورة التي كانت من أعظم الفتن التي إبتليت بها الأمّة الاسلامية المذهولة بما تراه وتسمعه ، والحق يقال : إن إستقراء تلك الروايات ـ التي جهد واضعوها ومروّجوها في إخراجها بشكل لا يدعون فيه منفذاً للطعن أو الشك ـ يبيِّن بوضوح جملة واسعة من المؤاخذات والردود التي تذهب إلى نفي صحة هذه النسبة ، والقطع بها ، ولما كان التعرُّض لمناقشة هذا الموضوع يتطلب التوسع الكثير في إيراد تفاصيل تلك الواقعة ، فإن ذلك لا يحول دون الاشارة العابرة إلى بعض تلك الحقائق المهمة ، فمن الحقائق المثيرة للإستغراب كون هذا الخبر إما منقولاً عن عائشة عينها ، أو عن صحابي لم يكن حاضرأً في تلك الواقعة ، أو أنه كان حين الواقعة صغيراً لا يعقل ، أو غير ذلك من العلل المضعفة للحديث ، والنافية لتواتره وصحته ، هذا مع تنافي العديد من الأخبار المنقولة عن هذا الأمر مع سياق الاحداث المصوّرة من قبل مروجي هذا الخبر وصانعيه ، والتي تبعد هذه النسبة المصطنعة إلى عائشة دون غيرها من حالائل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ولعل هذا الفهم لا يكتمل دون التعرض لما رواه الشيعة في كتبهم ، ويعضدهم في ذلك بعض الآخرين ، من القول بأن الافك كان مختصاً بمارية القبطية وولدها من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) إبراهيم ، حيث طعن البعض في نسبته إلى النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وذهب إلى القول بأنه من ابن جريح ، ابن عم مارية ، والذي اُهدي معها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ورغم أن العديد من تلك المصادر تذكر بأن عائشة المشهورة بغيرتها من بعض زوجات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ ولا سيما مارية التي تذكر انها : ما غارت من امرأة دون ما غارت من مارية لجمالها ، وانجابها ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ كانت مصدر نشأة هذا الخبر ( انظر : طبقات ابن سعد 1 : 137 ، مستدرك الحاكم مع تلخيصه للذهبي 4 : 39 ، البداية والنهاية 3 : 305 ، الدر المنثور 6 : 240 ) ، إلاّ أنا نريد هنا الإستطراد في هذا الإتجاه عدا التلميح إلى ذلك .»»»

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 142 _

»»» وأي كان قائل ذلك الأفك العطيم فإن ترتب جملة الوقائع اللاحقة للإفك تتوافق بشكل صريح مع ما ذهبنا إليه من إفترائه على مارية دون عائشة ، فالمصادر الحديثية والمتعددة التي تذكر إرسال رسول الله ( صلى الاله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) نحو ابن جريح ـ الرجل المتهم بهذا الأمر ـ وإظهار عجزه عن فعل القبيح لكونه ممسوحاً أو مجبوباً ، وليس له ما للرجال أمام الملأ ، جاء متوافقاً مع مزول الآيات القرآنية المباركة فسورة النور ، والتي برأت تلك المرأة الشريفة شرعياً من هذا البهتان العظيم ، فكان هنا براءتان لها : شرعية ، وواقعية ، وهذا لم يلتفت إليه ناسجو وهم حكاية عائشة ، تم ماذا يعني الإستفسار من زينب بنت جحش ، وأم أيمن عن ذلك الأمر طالما انه حدث بعيداً عن الجميع ، وفي عمق الصحراء ، اليس في ذلك تناقض صريح مع واقع الحال ، وظرف الواقعة ، ثم اليس هو أقرب للصواب إذا سلٌمنا بالرأي القائل بأنه مختص بمارية التي هي امام ناظري الجميع ، وبينهم .
هذا يمثٌل أحد أطراف الإستهجان والإستغراب من هذه النسبة الباهتة ، يضاف إليه ما تقرأه من تسلسل الآيات المباركة المتحدٌثة عن أبعاد هذا الأفك ، وكيف أنها إنتقلت إلى توبيخ المؤمنين لعدم مسارعتهم إلى تكذيب الأمر ، مع أنهم كانوا بعيدين عن تلك الواقعة ، عكس ما يقع عليهم في قضية مارية والتي تعيش بين ظهرانيهم صباحاً ومساءً أيام إفتراء الأفك ، وإذا ذهبنا إلى أن مصدر التوبيخ يرتكز إلى وجوب الدفاع عن حريم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإنه أصدق وأوضح في قصة مارية ، فتأمل .
وأخيراً نقول : ان إضفاء صفة القدسية المستوحاة من إشارة الباري عز وجل بكهارتها عفتها وبراءتها أمر لا تجد السياسة الاموية المنرفة خيراً منه لإستثمارها حالة الخلاف الحادة التي كانت تعرف بها عائشة قبال أهل البيت ( عليهم السلام ) كما ذكرنا سابقاً ، نعم إن إضفاء هذه الإعتبارات المهمة إلى شخصية عائشة يعني الكثير للامويين طالما أن لا أحد منهم يمتلك أي قدر من الإعتبار ، بل على العكس من ذلك فلم ينلهم من الله تعالى ورسوله الا التوهين والإستخفاف وتحذير الاُمة من خطرهم وعدائهم للإسلام وأهله ، ولذا فلا غرابة أن نجد لهاث الامويين وسعيه الدائب لشراء ضمائر بعض الصحابة المعروضة في سوق النخاسة ـ أمثال أبي هريرة الدوسي ، وسمرة بن جندب ـ لمنحهم طرفاً من الإعتبار قبال البناء المقدسس لأهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) .
راجع ما كتب حول قصة الأفك ، وبالاخص كتاب حديث الأفك للسيد جعفر مرتضى العاملي ، وانظر الروايات المحددة للواقعة بمارية في : صحيح مسلم 4 : 2139 | 2771 ، طبقات ابن سعد 8 : 214 ، مستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي 4 : 39 و 40 ، الاصابة 3 : 334 ، الإستيعاب بهامش الاصابة 4 : 411 ، مجمع الزوائد 9 : 116 ، اُسد الغابة 5 : 543 ، الكامل في التأريخ 2 : 313 ، السيرة الحلبية 3 : 312 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 143 _

  وبعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في سنة ستّ في شهر ربيع الأول عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً إلى الغمرة (1) ، وبكّر القوم فهربوا، وأصاب مائتي بعير لهم ، فساقها إلى المدينة (2) ، وفيها: بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى القصّة (3) في أربعين رجلاً ، فأغار عليهم وأعجزهم هرباً في الجبال وأصابوا رجلاً واحداً فأسلم (4) .
   وفيها : بعث محمّد بن مسلمة إلى قوم من هوازن فكمن القوم لهم وافلت محمّد وقتل أصحابه (5) ، وفيها : كانت سريّة زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سُليم، فأصابوا نعماً وشاء وأسرى (6) ، وفيها : كانت سريّة زيد بن حارثة إلى العيص (7) (8) ، وفيها : سريّة بن حارثة إلى الطرف إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً، فهربوا وأصاب منهم عشرين بعيراً (9) .

---------------------------
(1) الغمرة : من أعمال المدينة على طريق نجد « معجم البلدان 4 : 212 » .
(2) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 201 ، المغازي للواقدي 2 : 55 ، تاريخ الطبري 2 : 640 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 82 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 291 | 3 .
(3) القصة ( ذو القصة ) : موضع بين زبالة والشقوق دون الشقوق بميلين ، فيه قُلبٌ لأعراب يدخلها ماء السماء عذباً زلالاً.
وقيل : هو موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً « انظر : معجم البلدان 4 : 366 » .
(4) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1 : 201 ، المغازي للواقدي 2 : 522 ، الطبقات الكبرى 2 : 86 ، تاريخ الطبري 2 : 641 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 83 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 291 | 3 .
(5) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 201 ، المغازي للواقدي 2 : 551 ، الطبقات الكبرى 2 : 85 ، تاريخ الطبري 2 : 641 .
(6) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 201 ، الطبقات الكبرى 2 : 86 ، تاريخ الطبري 2 : 641 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 292 | 3 .
(7) العيص : موضع في بني سُليم به ماء يقال له : ذنبان العيص « معجم البلدان 4 : 173 » .
(8) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1 : 201 ، المغازي للواقدي 2 : 553 ، الطبقات الكبرى 2 : 87 ، تاريخ الطبري 2 : 641 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 84 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 292 | 3 .
(9) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 2 : 201 ، المغازي للواقدي 2 : 555 ، الطبقات الكبرى 2 : 87 ، تاريخ الطبري 2 : 641 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 84 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 30 : 292 | 3 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 144 _

   وفيها : كانت غزوة عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى بني عبد الله بن سعد من أهل فدك ، وذلك أنه بلغ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّ لهم جمعاً يريدون أن يمدّوا يهود خيبر (1) ، وفيها: سريّة عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل (2) في شعبان ، وقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « إن أطاعوا فتزوّج ابنة ملكهم » فأسلم القوم وتزوّج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ ، وكان أبوها رأسهم وملكهم (3) ، وفيها: بعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ في قول الواقدي ـ إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) واستاقوا الاِبل عشرين فارساً ، فاتي بهم ، فاُمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ، وتركوا بالحرّة حتّى ماتوا (4) .
   وروي عن جابر بن عبد الله: أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) دعا عليهم فقال : « اللهمّ عمّ عليهم الطريق » قال : فعمي عليهم الطريق (5) ، وفيها : اُخذت أموال أبي العاص بن الربيع وقد خرج تاجراً إلى الشام ومعه بضائع لقريش ، فلقيته سريّة لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) واستاقوا عيره وأفلت ، وقدموا بذلك على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقسّمه بينهم ، وأتى أبو العاص فاستجار بزينب بنت رسول الله ( صلّى عليه وآله وسلّم ) وسألها أن تطلب من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ردّ ماله عليه وما كان معه من أموال الناس ، فدعا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) السريّة وقال : « إنّ هذا الرجل منّا بحيث قد علمتم ، فإن رأيتم أن تردّوا عليه فافعلوا » .
   فردّوا عليه ما أصابوا ، ثمّ خرج وقدم مكّة ورد على الناس بضائعهم ، ثمّ قال : أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلاّ توقّياً أن تظنّوا أنّي أسلمت لأذهب بأموالكم ، وإنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله (6) ، وفيها : كانت غزوة الحديبية في ذي القعدة ، خرج ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ناس كثير من أصحابه يريد العمرة وساق معه سبعين بدنة ، وبلغ ذلك المشركين من قريش ، فبعثوا خيلا ليصدّوه عن المسجد الحرم ، وكان ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يرى أنّهم لا يقاتلونه لاَنّه خرج في الشهر الحرام ، وكان من أمر سهيل بن عمرو وأبي جندل ابنه وما فعله رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ما شكّ به من زعم أنّه ما شكّ إلاّ يومئذ في الدين .

---------------------------
(1) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 202 ، المغازي للواقدي 2 : 562 ، الطبقات الكبرى 2 : 89 ، تاريخ الطبري 2 : 642 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 84 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 293 | 3 .
(2) دومة الجندل : جاء في حديث الواقدي : دوماء الجندل ، وعدها ابن النقية من أعمال المدينة.
سميت بدوم بن إسماعيل بن إبراهيم ( عليه السلام ) ، وقال الزّجاجي : دومان بن اسماعيل ، وقيل : كان لاسماعيل ( عليه السلام ) ولد اسمه دما ، ولعله مغيّر منه .
وقال الكلبي : دوماء بن إسماعيل ، قال : ولما كثر ولد إسماعيل ( عليه السلام ) بتهامة خرج دوماء بن إسماعيل حتى نزل موضع دومة ، وبنى به حصناً ، فقيل : دوماء، ونسب الحصن إليه ، وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
وقيل : سميت دومة الجندل لاَن حصنها مبني بالجندل « انظر : معجم البلدان 2 : 487 » .
(3) انظر : المغازي للواقدي 2 : 560 ، والطبقات الكبرى 2 : 89 ، وتاريخ الطبري 2 : 642 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 85 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 293 | 3 .
(4) المغازي للواقدي 2 : 569 ، وانظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 202 ، وتاريخ الطبري 2 : 644 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 87 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 294 | 3 .
(5) انظر : دلائل النبوة للبيهقي 4 : 88 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 294 | 3 .
(6) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 202 ، والمغازي للواقدي 2 : 553 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 85 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 294 | 3 .