قال : لا ، قال : « فثمّ دار للعمل غير هذه الدار ؟ » ، قال : لا ، قال : « فللّه في أرضه معاذ غير هذا البيت ؟ » ، قال : لا ، قال : « فلم تشغل الناس عن الطواف ؟ » (1) ، وقيل له : يوماً : إنّ الحسن البصري قال : ليس العجب ممّن هلك كيف هلك وإنّما العجب ممّن نجا كيف نجا ، فقال ( عليه السلام ) : « أنا أقول : ليس العجب ممّن نجا كيف نجا ، وإنّما العجب ممّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله تعالى » (2) .
   ورويَ عن طاووس اليمانيّ قال : دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ ابن الحسين ( عليهما السلام ) قد دخل فقام يصلّي ، فصلى ما شاء الله ثمّ سجد فقلت : رجل صالح من أهل بيت النبوّة لأستمعن إلى دعائه ، فسمعته يقول في سجوده : « عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك » ، قال طاووس : فما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج عنّي (3) .
   وروى أحمد بن محمد الرافعي ، عن إبراهيم بن عليّ ، عن أبيه قال : حججت مع عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) فالتاثت (4) الناقة عليه في مسيرها فاشار إليها بالقضيب ، ثم قال : « آه لولا القصاص » وردّ يده عنها (5) وعنه قال : حجّ عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) ماشياً ، فسارعشرين يوماً من المدينة إلى مكّة (6) .
   وروى أبو محمد الحسن بن محمد العلوي بإسناده قال : وقف على عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) رجلٌ من أهل بيته فأسمعه وشتمه ، فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه : « قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا اُحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه » ، قالوا : نفعل ، فاخذ نعليه ومشى وهو يقول : ( والكاظِمِينَ الغَيْظَ ) (7) الاية ـ فعملوا أنّه لا يقول شيئاً ، قال : فاتى منزل الرجل وصرخ به فخرج الرجل متوثّباً للشرّ فقال عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) : « يا أخي ، إن كنت قد قلت ما فيّ فاستغفر الله منه ، لان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك » ، قال : فقبّل الرجل بين عينيه وقال : بل قلت فيك ما ليس فيك ، وأنا أحق به ، قال الراوي للحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السلامُ ) (8) .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 159 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 78 : 153 | 17 .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنور 78 : 153 | 17 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 143 ، روضة الواعظين : 198 ، كشف الغمة : 201 ، تذكرة الخواص ، 297 ، كفاية الطالب ج 401 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 235 ، سير أعلام النبلاء 4 : 393 ، الفصول المهمة : 201 .
(4) التأثت الناقة : أي أبطات في سيرها . « مجمع البحرين ـ لوث ـ 2 : 262 » .
(5) أرشاد المفيد 2 : 144 ، روضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 155 ، كشف الغمة 2 : 86 ، الفصول المهمة : 203 .
(6) ارشاد المفيد 2 : 144 ، روضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 :155 ، كشف الغمة 2 : 86 .
(7) آل عمران 3 : 134 .
(8) ارشاد المفيد 2 : 146 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 240 ، سيرأعلام النبلاء 4 : 397 وفيها مختصراً .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 328 _

   وروى عن عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) : أنّه دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه ثمّ أجابه في الثالثة ، فقال له : « يا بنيّ ، أما سمعت صوتي ؟ » ، قال : بلى ، قال : « فما بالك لم تجبني ؟ » ، قال : أمنتك ، قال : « الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني » (1) .
   وكانت جارية لعليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) تسكب عليه الماء فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها فقالت الجارية : إنّ الله تعالى يقول : ( والكاظِمِينَ الغَيْظَ ) (2) ، فقال : « كظمت غيظي » ، قالت : ( والعافينَ عَنِ النّاسِ ) (3) ، قال : « عفَوت عنك » ، قالت : ( وَاللهُ يُحِبّ ألمُحسِنِين ) (4) ، قال : « إذهبي فانت حرّة لوجه الله تعالى » (5) .
   وروى عن محمد بن إسحاق بن يسار قال : كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه ، لا يدرون من أين يأتيهم ، فلمّا مات عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) فقدوا ذلك (6) ، والأخبار في هذا المعنى وفيما روي عنه من أنواع العلوم أكثر من أن تحصى ، فلنقتصر على ما ذكرناه .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 147 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ، كشف الغمة 2 : 87 ، مختصر تاريح دمشق 17 : 240 .
(2) آل عمران س : 134 .
(3) أل عمران 3 : 134 .
(4) آل عمران 3 : 134 .
(5)، أمالي الصدوق : 168 | 12 ، ارشاد المفيد 2 : 147 ، ررضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ـ 158 ، كشف الغمة : 2 : 87 ، مختصر تاريخ دمشق 17 .
(6) ارشاد المفيد 2 : 149 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 153 ، كشف الغمة 2 : 87 ، حلية الأولياء 3 : 136 ، تهذيب التهذيب 7 : 270 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 238 ، سير اعلام النبلاء 4 : 393 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 329 _


   له خمسة عشر ولداً : محمّد الباقر ( عليه السلام ) ، اُمّه اُمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، وأبو الحسين زيد ، وعمر ، اُمّهما أمّ ولد ، وعبد الله ، والحسن ، والحسين ، اُمّهما أّم ولد ، والحسين الأصغر ، وعبد الرحمن ، وسليمان ، لاٌمّ ولد ، وعليّ ـ وكان أصغر ولده ( عليه السلام ) ـ وخديجة ، اُمّهما اُمّ ولد ، ومحمّد الأصغر ، أمّه أمّ ولد ، وفاطمة ، وعليّة ، واُمّ كلثوم ، ( اُمهم اُم ولد ) (1) .
   وكان زيد بن عليّ بن الحسين أفضل إخوته بعد أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، وكان عابداً ورعاً شخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يطلب بثارات الحسين ( عليه السلام ) ويدعو إلى الرضا من ال محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فظنّ الناس أنّه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يريدها به ؛ لمعرفته بإستحقاق أخيه الباقر ( عليه السلام ) الإمامة من قبله ، ووصيّته عند وفاته إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) .
   وجاءت الرواية أنّ سبب خروجه ـ بعد الذي ذكرناه ـ : أنّه دخل على هشام بن عبد الملك ، وقد جمع هشام له أهل الشام وأمرأن يتضايقوا له في المجلس حتّى لا يتمكن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد : إنّه ليس من عباد الئه أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله وأنا اُوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتّقه ، فقال له هشام : أنت المؤهل نفسك للخلافة ، وما أنت وذاك لا أمَّ لك ، وإنّما أنت ابن أمة ، فقال له زيد : إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبيّ بعثه وهو ابن أمة ، فلوكان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يُبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم ( عليهما السلام ) ، فالنبوّة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة ؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو ابن عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال : لا يبيتنّ هذا في عسكري ، فخرج زيد وهو يقول : إنّه لم يكره قوم قطّ حرّ السيوف إلاّ ذلّوا (2) .
   وذكر ابن قتيبة بإسناده في كتاب عيون الأخبار : أنّ هشاماً قال لزيد بن عليّ لمّا دخل عليه : ما فعل أخوك البقرة .


---------------------------
(1) انظر ارشاد المفيد 2 : 155 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 176 ، كشف الغمة 2 : 91 ، تذكرة الخواص : 299 ، الفصول المهمة : 209 ، وما بين المعقوفين أثبتناه من الارشاد .
(2) ارشاد المفيد 2 : 172 ، وانظر : عيون الاخبار لابن قتيبة 1 : 312 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 330 _

   فقال زيد : سمّاه رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) باقر العلم وأنت تسمّيه بقرة لقد اختلفتما إذاً (1) ، قال (2) : فلمّا وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها ، فلم يزالوا به حتّى بايعوه على الحرب ، ثمّ نقضوا بيعته وأسلموه ، فقتل وصُلب بينهم أربع سنين لا ينكره أحد منهم ولم يغيّره بيد ولا لسان ، وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة ، وكان سنّه يوم قتل إثنين وأربعين سنة ، ولمّا قتل بلغ ذلك من الصادق ( عليه السلام ) كلّ مبلغ ، وحزن عليه حزناً عظيماً ، وفرّق من ماله في عيال من اُصيب معه من أصحابه ألف دينار (3) .
   وكان عبد الله بن عليّ بن الحسين فقيهاً فاضلاً ، وكان يلي صدقات رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وصدقات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (4) ، وكان عمر بن عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) فاضلاً جليلاً ورعاً ، وكان أيضاً يلي صدقات رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) وصدقات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان الحسين بن علي بن الحسين فاضلاً ورعاً ، وروى أخباراً كثيرة عن أبيه عليّ بن الحسين وعن أخيه أبي جعفر وعن عمته فاطمة بنت الحسين ( عليهم السلام ) (5) .
   وروي عنه أنّه قال : كان إبراهيم بن هشام المخزوميّ والياً على المدينة ، وكان يجمعنا يوم الجمعة قريباً من المنبر ، ثمّ يقع في عليّ ويشتمه ، قال : فحضرت يوماً وقد امتلأ ذلك المكان فلصقت بالمنبر فأغفيت فرأيت القبر قد انفرج وخرج منه رجلٌ وعليه ثياب بياض فقال لي : يا أبا عبد الله ألا يحزنك ما يقول هذا ؟ قلت : بلى والله ، قال : افتح عينك وانظرما يصنع الله به ، فإذا هو قد ذكر علياً ( عليه السلام ) فرمي به من فوق المنبر فمات لعنه الله (6) .

---------------------------
(1) عيون الأخبار لابن قتيبة 1 : 312 .
(2) يظهر ان القائل هو الشيخ المفيد رحمه الله تعالى ، لان المؤلف أورد عين العبارات الواردة في الارشاد هنا كما فعل في المقطع السابق لرواية ابن قتيبة المشار إليها والمنتهية عند الهامش السابق .
(3) ارشاد المفيد 2 : 173 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 169 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 170 .
(6) ارشاد المفيد 2 : 174 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 331 _

   وهو خمسة فصولا :


   ولد ( عليه السلام ) بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة يوم الجمعة غرّة رجب (1) ، وقيل : الثالث من صفر (2) ، وقُبض ( عليه السلام ) سنة أربع عشرة ومائة من ذي الحجّة (3) ، وقيل : في شهر ربيع الأول (4) ، وقد تمّ عمره سبعاً وخمسين سنة ، وأمّه أمّ عبد اللهّ فاطمة بنت الحسن ( عليه السلام ) ، فهو هاشميّ من هاشميّين وعلويّ من علويّين ، وقبره بالبقيع من مدينة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى جانب أبيه زين العابدين ( عليه السلام ) وعمّ أبيه الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) (5) .
   فعاش ( عليه السلام ) مع جدّه الحسين ( عليه السلام ) أربع سنين ، ومع أبيه تسعاً وثلاثين سنة ، وكانت مدّة إمامته ثماني عشرة سنة ، وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك الوليد بن عبد الملك ، وملك سليمان بن عبد الملك ، وعمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام بن عبد الملك ، وتوفي ( عليه السلام ) في ملكه (6) .

---------------------------
(1) انظر : الكافي 1 : 390 ، ارشاد المفيد 2 : 158 ، مصباح المتهجد : 737 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 215 ، دلائل الامامة : 94 .
(2) انظر : المناتب لابن شهرآشوب 4 : 210 ، الفصول المهمة : 211 .
(3) انظر : الكافي 1 : 0 39 ، ارشاد المفيد 2 : 158 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 .
(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 ، دلائل الامامة : 94 .
(5) انظر : الكافي 1 : 395 ، ارشاد المفيد 2 : 158 ، دلائل الامامة : 4 9 .
(6) انظر : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 ، دلائل الامامة : 94 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 332 _


   الدليل على إمامته ( عليه السلام ) ما قدّمناه بعينه في إمامة أبيه ( عليه السلام ) من اعتبار وجوب العصمة وبطلان قول كل من ادّعى حياة الأموات ، على الترتيب الذي تقدّم في الاستدلال ، ودلائل العقول أوكد من دلائل الأخبار لبعدها عن التأويل والاحتمال .
   فأمّا النصوص الدالة على إمامته ، والأثار الواردة في الإشارة إليه ، فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد ابن عبد الجبّار ، عن أبي القاسم الكوفي ، عن محمد بن سهل ، عن إبراهيم ابن أبي البلاد ، عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن عليّ بن الحسين ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « لمّا حضرت عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) الوفاة أخرج سفطاً أو صندوقاً عنده فقال : يا محمد احمل هذا الصندوق ، قال : فحمل بين أربعة ، فلمّا توفّي جاء إخوته يدّعون في الصندوق سهماً ، قال : واللهّ مالكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وكتبه » (1) .
   وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عبد الله بن عيسى عن أبيه عبد الله عن أبيه عيسى ، عن جدّه قال : نظر عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) إلى ولده وهو يجود بنفسه وهم مجتمعون عنده ، ثمّ نظر إلى محمد بن عليّ فقال : « يا محمّد ، خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك » ، وقال : أما إنه لم يكن فيه دينارولا درهم ولكن كان مملوءاً علماً (2) .
   وعنه ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى، عن فضالة بن أيّوب ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : « إنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم أن يرسل إليه بصدقة عليّ وعمر وعثمان ، وإنّ ابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن وكان أكبرهم فسأله الصدقة ، فقال زيد : إنّ الوليّ كان بعد علي الحسن ، وبعد الحسن الحسين ، وبعد الحسين عليّ بن الحسين ، وبعد عليّ بن الحسين محمد بن علي ، فابعث إليه ، فبعث ابن حزم إلى أبي فارسلني أبي بالكتاب فدفعته إلى ابن حزم ، فقال له بعضنا : يعرف هذا ولد الحسن ؟ قال : نعم كما تعرفون أنّ هذا ليل ، ولكن يحملهم الحسد ، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم ولكنّهم يطلبون الدنيا » (3) .
   وأما النصوص المرويّة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في جملة الاثني عشر فكثيرة ، مثل خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من الجنّة فأعطاه فاطمة ( عليها السلام ) (4) ومثل ما روي : أنّ الله تعالى أنزل إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كتابأ مختوماً باثني عشر خاتماً وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويأمره بان يفضّ أول خاتم فيه فيعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند وفاته إلى الحسن ( عليه السلام ) ويأمره بفص الخاتم الثاني ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى الحسين ( عليه السلام ) فيفض الخاتم الثالث ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه الحسين عند وفاته إلى عليّ بن الحسين ويأمره بمثل ذلك ، ثمّ يدفعه عند وفاته إلى ابنه محمد بن عليّ ويأمره بمثل ذلك ، ثم يدفعه إلى ولده حتّى ينتهي إلى آخر الأئمة ( عليهم السلام ) (5) ، وسنورد أكثرما ورد في هذا النوع فيما بعد ان شاء الله تعالى .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 242 | 1 ، وكذا في بصائر الدرجات : 200 | 18 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 230 | 4 .
(2) الكافي 1 : 12 | 24 ، وكذا ني : بصائر الدرجات : 185 | 13 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 229 | 2 .
(3) الكافي 1 : 243 | 3 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 230 | 6 .
(4) تقدمت الإشارة إليه في صفحة : 483 .
(5) الكافي 1 : 122 | 1 ، أمالي الصدوق : 2 | 328 ، كمال الدين : 231 | 35 ، الغيبة للنعماني : 52 | 3 و 4 ، ارشاد المفيد 2 : 160 ، أمالي الطوسي 2 : 56 ، كشف الغمة 2 : 124 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 333 _


   قد روت الشيعة من دلالاته أشياء سوى ما تقدم ذكره من خبر حبابة الوالبيّة منها : ما رواه شعيب العقرقوفي ، عن أبي عروة قال دخلت مع أبي بصير (1) إلى منزل أبي جعفراً وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) قال : فقال لي : أترى في البيت كوّة قريباً من السقف ؟ قال : قلت : نعم ، وما علمك بها ؟ قال : أرانيها أبو جعفر ( عليه السلام ) (2) .
   وروى أحمد بن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) فقلت له : أنتم ورثة رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) ؟ قال : « نعم » ، قلت : رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وارث الأنبياء ، علم كلَ ما علموا ؟ قال لي : « نعم » ، قلت : فانتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤوا الأكمه والأبرص ؟ فقال : « بلى بإذن الله » ثمّ قال : « ادن منّي يا أبا محمد » فمسح على وجهي وعلى عيني فابصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار ، فقال : « أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة ، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً ؟ » ، قلت : أعود كما كنت ، قال : فمسح على عيني فعدت كما كنت ، قال الراوي : فحدّثت به ابن أبي عمير فقّال : أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق (3) .
   وروى حمّاد بن عثمان ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « ان أبي قال ذات يوم : إنّما بقي من أجلي خمس سنين ، فحسبت فما زاد ولا نقص » (4) .

---------------------------
(1) وهو يحيى بن أبي القاسم الكوفي الأسدي ، ولد مكفوفاً ، وكان يُعد من اصحاب الامام الصادق ( عليه السلام ) ، ثقة وجيه ، له كتاب ، مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) .
وذكر العلامة أنه رأى الدنيا مرتين ، حيث مسح أبو عبد الله ( عليه السلام ) على عينيه وقال : أنظر ما ترى ، قال : أرى كوّة في البيت وقد أرانيها أبوك قبلك ، اُنظر: رجال النجاشي : 440 | 1187 ، رجال الطوسي : 330 | 9 ، الخلاصة : 264 | 3 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 184 ، ونقله المجلسي في بحارالأنوار 46 : 268 | 66 .
(3) بصائر الدرجات : 289 | 1 ، الكافي 1 : 391 | 3 ، الهداية الكبرى : 243 ، الخرائج والجرائح 1 : 274 | 5 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 184 ، دلائل الامامة : [ ، الفصول المهمة : 217 و 218 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 237 | 14 .
(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 186 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 67 | 268 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 334 _


   قد اشتهر في العالم تبريزه على الخلق في العلم والزهد والشرف ، فلم يؤثرعن أحد من أولاد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) قبله من علم القرآن والآثار والسنن وأنواع العلوم والحكم والأداب ما اُثر عنه صلوات الله عليه واختلف إليه بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وعرّفه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بباقر العلم على ما رواه نقلة الاثار .
   عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : قال لي رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له : محمد يبقر علم الدين بقراً ، فإذا لقيته فاقرئه منّي السلام » (1) .
   وروى أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله قال : « إن جابر بن عبد الله الأنصاري ( كان ) يقعد في مسجد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو معتجر (2) بعمامة سوداء ، وكان ينادي : يا باقر العلم ، وكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر، فكان يقول : لا والله ما أهجر ولكنّي سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : إنّك ستدرك رجلاً منّي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً ، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول (3) .
   قال : فكان جابر يأتيه طرفي النهار وكان أهل المدينة يقولون : واعجباً لجابر ياتي هذا الغلام طرفي النهار وهو أحد من بقي من أصحاب رسول اللهّ ( صلى اللهّ عليه وآله وسلم ) (4) .
   وروى ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : « دخلت على جابر بن عبد الله فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وقال لي : من أنت ؟ ـ وذلك بعد ما كفّ بصره ـ فقلتَ : محمد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) ، فقال : يا بنيّ ادن منّي ، فدنوت منه فقبّل يدي ثمّ أهوى إلى رجلي يقبّلها فتنحّيت عنه ، ثمّ قال لي : إن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلَم ) يقرئك السلام ، فقلت : وعلى رسول اللهّ السلام ورحمة اللهّ وبركاته ، وكيف ذاك يا جابر ؟ فقال : كنت معه ذات يوم فقال لي : يا جابر ، لعلّك تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له : محمد بن عليّ بن الحسين يهب الله له النور والحكمة ، فأقرئه منّي السلام » (5) .

---------------------------
(1) أمالي الصدوق 289 | 9 ، ارشاد المفيد 2 : 159 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 197 ، مختصر تاريخ دمشق 23 : 78 ، الفصولى المهمة : 211 .
(2) الاعتجار : لف العمامة على الرأس . « الصحاح ـ عجر ـ 2 : 737 » .
(3) تجاوز المؤلف عند نقله لهذهِ الرواية مقطعاً وسطياً بين هذين المقطعين روماً للاختصار ، واتكالاً منه على شهرة الرواية ، نورده نحن لما فيه من توضيح وربط بين هذين المقطعين : قال : فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذلك الطريق كتّاب فيه محمد بن علي ( عليه السلام ) ، فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبلْ ، فاقبَلَ ، ثم قال له : أدبِرْ فادبَرَ ، ثم قال : شمائل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والذي نفسي بيده ، يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي محمد بن علي بن الحسين ، فاقبل عليه يُقبل رأسه ويقول بابي انت واُمي أبوك يقرئك السلام ويقول ذلك ، فرجع محمد بن علي بن الحسين ( عليه السلام ) إلى أبيه وهو ذعر فاخبره الخبر ، فقال له : يا بني وقد فعلها جابر ؟ قال : نعم ، قال : الزم بيتك يا بني .
(4) الكافي 1 : 5 39 | 2 ، الاختصاص : 62 ، روضة الواعظين : 206 ، الخرائج والجرائح 1 2 | 279 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 196 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 158 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 335 _

   وروي عن أبي مالك ، عن عبد الله بن عطاء المكّي قال : ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين ( عليهم السلام ) ، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة ـ مع جلالته في القوم ـ بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه (1) .
   وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عنه قال : حدّثني وصيّ الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن عليّ بن الحسين ( عليهم السلام ) (2) .
   وروى محمد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « إنّ محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أنّ مثل عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) يدع خلفاً لفضل عليّ بن الحسين حتّى رأيت ابنه محمداً ، فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأيّ شيء وعظك ؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمد ابن عليّ ( عليهما السلام ) ـ وكان رجلاً بدينا ـ وهو متّكى على غلامين له أسودين ـ أو موليين له ـ فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ! أشهد لأعظنّه ، فدنوت منه فسلّمت عليه فسلّم عليّ ببهر (3) وقد تصبب عرقآً ، فقلت : أصلحك اللهّ ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ؟ ! لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال ؟ قال : فخلّى عن الغلامين من يده وتساند فقال : لوجاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عزّ وجلّ أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله عزّ وجلّ ، فقلت : يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني » (4) .
   وكان ( عليه السلام ) يقول : « ما ينقم الناس منّا إلاّ أنّا أهل بيت الرحمة ، وشجرة النبوّة ، ومعدن الحكمة ، وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي » (5) ، وكان ( عليه السلام ) يقول : « بليّة الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا » (6) ، وكان ( عليه السلام ) يقول : « نحن خزنة علم الله ، ونحن ولاة أمر الله ، وبنا فتح الله الإسلام ، وبنا يختمه ، فمنا يتعلّموا ، فوالله الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما علم الله في أحد إلاّ فينا ، وما يدرك ما عند الله إلاّ بنا » (7) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 160 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 204 ، حلية الأولياء 3 : 186 ، مختصر تاريخ دمشق 23 : 79 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 165 ، المناقب لابن شهر اشوب 4 : 180 .
(3) البُهر ( بالضم ) : تتابع النفَس ، « الصحاح ـ بهر ـ 2 : 895 » .
(4) الكافي 5 : 73 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 161 ، تهذيب التهذيب 6 : 325 | 894 ، الفصول المهمة : 213 ـ 214 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 168 ، وباختلاف يسير في : بصائر الدرجات 77 | 5 ، الكافي 1 : 172 | 1 .
(6) ارشاد المفيد 2 : 168 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 206 ، واورد صدر الحديث الصفار في : بصائر الدرجات : 76 | 2 .
(7) نحوه في بصائر الدرجات : 82 | 10

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 336 _

   وروى ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن الفضيل ، عنه ( عليه السلام ) قال : « لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فبيّنها لنا » (1) .
   وسئل ( عليه السلام ) عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال : « إذا حدّثت بالحديث فلم اُسنده فسندي فيه أبي زين العابدين ، عن أبيه الحسين الشهيد ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، عن جبرئيل ، عن الله عزّ وجل » (2) .
   وروى عنه معروف بن خربوذ قال : سمعته يقول : « إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسلٌ ، أوعبد امتحن الله قلبه للإيمان » (3) .
  وروى سدير الصيرفي عنه ( عليه السلام ) أنّه قال : « إنّما كلف الله سبحانه الناس معرفة الأئمّة والتسليم لهم في ما أوردوا عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه » (4) .
   وروى سورة بن كليب الأسدي عنه ( عليه السلام ) قال : « والله إنّا لخزّان الله في سمائه وفي أرضه ، لا على ذهب ولا فضّة إلاّ على علمه » (5) .
   وروي عن عبيد الله بن زرارة ، عن أبيه قال : كنّا عند أبي جعفر ( عليه السلام ) فجاء الكميت (6) فاستأذن عليه فأذن له فأنشده :

مـن لقلب متيَّم iiمستهام      . . . . . . . . . . . .
   فلمّا فرغ منها قال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : « يا كميت ، لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ، وقلت فينا » ، وقال الكميت في حديث آخر : فلمّا بلغت إلى قولي :
أخـلـص الله لـي هـواي iiفـما      اُغرق نزعاً ولا تطيش سهامي (7)
   قال ( عليه السلام ) : . . . « وقد اُغرق نزعاً وما تطيش سهامي » ، فقلت : يا مولاي أنت أشعرمنّي في هذا المعنى (8) .

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 319 | 2 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 167 ، ونقلة المجلسي في جار الأنوار 46 : 288 | 1 .
(3) بصائر الدرجات : 41 | 4 ، الكافي 1 : 330 | 1 ، روضة الواعظين : 211 ، المناقب لابن شهرآشوب 206 : 4 .
(4) الكافي 1 : 321 | 1 .
(5) بصائر الدرجات : 123 | 1 ، الكافي 1 : 148 | 1 .
(6) الكميت بن زيد ، شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بايامها ، من شعراء مضر وألسنتها ، كان معروفا بتشيعه لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، لقي ألكثير من الأمويين نتيجة ولائه وموقفه هذا .
(7) من قصيدة يقول في مطلعها :
مـن  لـقلبٍ مـتيمٍ iiمـستهام      غـير مـا صـبوة ولا iiاحلام
طـارقاتٍ  ولا ادكـار iiغوانَ      واضـحاتِ  الـخدود iiكالارامَ
بـل  هواي الذي اجِن iiواُبدي      لـبني  هـاشمً فـروع iiالانام
لـلقريبين مـن ندىً والبعيدي      ن من الجور في عرى الاحكام
والـمصيبين باب ما احطأ النا      سُ ومـرسي قـواعد iiالاسلامَ
والـحماة الكفاةِ في الحرب iiان      لـف  ضِرامأ وقودُها iiبضرامَ
والـغيوثِ الذينَ أن امحلَ iiالَنا      سُ فـمأوى حـواضن iiالايتامِ
« انظر : شرح هاشميات للكميت : 11 » .
(8) الكافي 8 : 215 | 262 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 337 _


   وهم سبعة : أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) ـ وكان يكنى به ـ وعبد الله بن محمد ، واُمّهما اُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وإبراهيم وعبيد الله ، درجا (1) ، اُمّهما اُمّ حكيم بنت اُسيد بن المغيرة الثقفيّة ، وعليّ وزينب ، لاُمّ ولد ، واُمّ سلمة ، لاُمّ ولد (2) ، وقيل : إنّ لأبي جعفر ( عليه السلام ) ابنة واحدة فقط : اُمّ سلمة ، واسمها زينب (3) .

---------------------------
(1) درج الرجل : إذا لم يخلف نسلاً . « الصحاح ـ درج ـ 1 : 313 » .
(2) ارشاد المفيد 2 : 176 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 ، الطبقات الكبرى 5 : 320 ، تذكرة الخواص : 306 .
(3) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 210 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 338 _

   وهو خمسة فصول :


   ولد ( عليه السلام ) بالمدينة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة (1) ، ومضى في النصف من رجب (2) ، ويقال : في شوّال (3) ، سنة ثمان وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة ، أقام فيها مع جدّه وأبيه إثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه بعد جدّه تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أيّام إمامته أربعاً وثلاثين سنة ، وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك هشام بن عبد الملك ، وملك الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وملك يزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقّب بالناقص ، وملك إبراهيم بن الوليد ، وملك مروان ابن محمد الحمار ، ثمّ صارت المسوّدة من أهل خراسان مع أبي مسلم سنة اثنين وثلاثين ومائة ، فملك أبو العبّاس عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله ابن عبّاس الملقّب بالسفّاح أربع سنين وثمانية أشهر ، ثمّ ملك أخوه أبو جعفر عبد الله الملقّب بالمنصور إحدى وعشرين سنة وإحدى عشر شهراً (4) .
   وتوفّي الصادق ( عليه السلام ) بعد عشر سنين من ملكه ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه وعمّه الحسن ( عليهم السلام ) (5) .

---------------------------
(1) تاريخ الأئمة ( ضمن مجموعة نفيسة ) : 10 ، ارشاد المفيد 2 : 179 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 279 ـ 280 .
(2) روضة الواعظين : 212 .
(3) الكافي 1 : 393 ، ارشاد المفيد 2 : 180 .
(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 280 ، دلأئل الامامة : 111 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 180 ، دلائل الامامة : 111 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 339 _


   أما طريقة الاعتبار فمثل ما تقدم ذكره في إمامة آبائه ( عليهم السلام ) فانّا إذا اعتبرنا إمامة من اختلف في إمامته في عصره ( عليه السلام ) وجدنا الاُمّة بين أقوال : قائل يقول : لا إمام في الوقت ، وقوله يبطل بما دلّ على وجوب الإمامة في كل عصر ، وقائل يقول : بإمامة من لا يقطع على عصمته ، وقوله يبطل بمّا دلّ على وجوب العصمة للامام .
   ومن ادّعى العصمة ولم يقل بالنْص من متأخري الزيدية فقوله يبطل بما دلّلنا عليه من أن العصمة لا يمكن أن تعلم إلآ بالنص أو المعجز ، ومن اعتبر الحياة ـ من الكيسانية ـ فقوله يبطل بما علمانه من موت من ادّعي حياته ، وأيضاً فإنَ هذه الفرقة قد انقرضت وخلا الزمان من القائلين بقولها وانعقد الإجماع على خلافها ، فإذا بطلت هذه الاقوال ثبتت إمامته ( عليه السلام ) ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحق عن أقوال الأمّة ، وأما طريقة التواتر فمثل ما ذكرناه فيما تقدم فإن الشيعة قد تواترت خلفاً عن سلف إلى أنّ اتصل نقلهم بالباقر ( عليه السلام ) أنه نصّ على الصادق ( عليه السلام ) ، كما تواترت على أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نصّ على الحسن ، ونصَ الحسن على الحسين ( عليهما السلام ) ، وكذلك كلّ إمام على الإمام الذي يليه ، ثم هكذا إلى أن ينتهى إلى صاحب الزمان ، وكلّ سؤال يٌسئل على هذا الدليل فالجواب عنه مذكور في تصحيح التواتر لنصّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولا يحتمل ذكره هذا الموضع .
   فأما مما جاء في الأخبارمن النص بالإمامة عليه والإشارة بذلك من أبيه إليه فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر محمد بن عليّ ( عليهما السلام ) إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) يمشي فقال : « ترى هذا ، هذا من الذين قال الله سبحانه : ( وَنُرِيدُ اَن نَمُنّ علَى ألذِينَ أستُضعوا فِي الإرض وَنَجعَلَهُم اَئِمّةَ وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ ) (1) (2) .

---------------------------
(1) القصص 28 : 5 .
(2) الكافي 1 : 243 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 180 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 214 ، كشف الغمة 2 : 167 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 13 | 5 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 340 _

   وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله قال : « لمّا حضرت أبي الوفاة قال : يا جعفر اُوصيك بأصحابي خيراً ، قلت : جعلت فداك ، والله لأدعنّهم والرجل منهم يكون في المصر فلا لسال أحداً » (1) .
   وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : أنّه سئل عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ثمّ قال : « هذا والله قائم آل محمد » ، قال عنبسة بن مصعب : فلمّا قبض أبو جعفر ( عليه السلام ) دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فاخبرته بذلك ، فقال : « صدق جابر على أبي » ثمّ قال ( عليه السلام ) : « لعلّكم ترون أن ليس كلّ إمام هو القائم بعد الإمام الذي قبله » (2) ، وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن طاهر قال : كنت قاعداً عند أبي جعفر ( عليه السلام ) فاقبل جعفر ( عليه السلام ) فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « هذا خير البريّة » (3) .
   وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « إنّ أبي استودعني ما هناك ، فلمّا حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً ، فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر ، فقال : اُكتب اُوصيك بما أوصى به يعقوب بنيه : ( يا بُنَيَّ إِنَّ اللهَ أصطفَى لَكُمُ الدّينَ فلا تَمُوتُنَّ إلاّ وَاَنتُم مُّسلِمُونَ ) (4) أوصى أبو جعفر محمد بن عليّ إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفّنه في بُرْدِه الذي كان يصلّي فيه الجمعة ، وأن بعمّمه بعمامته ، وأن يربّع قبره ويرفعه أربع أصابع ، ثمّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله ، فقلت بعدما انصرفوا : ما كان لك في هذا بان تشهد عليه ؟ فقال : إنّي كرهت أن تُغلب وأن يقال : إنّه لم يُوصِ إليه ، فاردت أن تكون لك الحجّة » (5) ، وأشباه هذه الأخبار كثيرة .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 244 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 180 ، روضة الواعظين : 207 ، كشف الغمة 2 : 166 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 12 | 3 .
(2) الكافي 1 : 74 | 24 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 181 ، روضة الواعظين : 07 2 ، كشف الغمة 2 : 167 ، اثبات الوصية : 155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 14 | 11 .
(3) الكافي 1 : 244 | 4 ، وكذا في : الامامة والتبصرة : 199 | 55 ، ارشاد المفيد 2 : 181 كشف الغمة 2 : 167 ، افي أت الوصية : 155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 13 | 7 ضمن ح 7 .
(4) البقرة 2 : 132 .
(5) الكافي 1 : 244 | 8 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 181 ، روضة الواعظين : 208 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 278 ـ 279 ، كثسف الغمة 2 : 167 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 14 | 10 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 341 _


   ما روي من آيات الله الظاهرة على يده والمعجزات المؤيّدة له ، الدالّة على بطلان قول من ادّعى الإمامة لغيره كثيرة ، نحن نذكر منها ما اشتهرت به الرواية فمن ذلك : ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب ( نوادر الحكمة ) بإسناده ، عن عائذ بن نباتة الأحمسيّ قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) وأنا اُريد أن أسأله عن صلاة الليل ونسيت ، فقلت : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال : « أجل والله أنا ولده ، وما نحن بذي قرابة ، من أتي الله بالصلوات الخمس المفروضات لم يُسئل عمّا سوى ذلك » فاكتفيت بذلك (1) ، وعنه ، بإسناده ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن مهزم قال : كنّا نزولاً بالمدينة ، وكانت جارية لصاحب المنزل تعجبني ، وإنّي أتيت الباب فاستفتحت ففتحت الجارية فغمزت ثديها ، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال لي : « يا مهزم ، أين كان أقصى أثرك اليوم ؟ » (2) فقلت له : « ما برحت المسجد » ، فقال ( عليه السلام ) : « أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلآ بالورع » (3) .
   وروى غيره عن أبي بصير قال : دخلت المدينة وكانت معي جويرة لي فاصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمّام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول عليه ، فمشيت معهم حتّى دخلت الدار معهم ، فلمّا مثلت بين يدي أبي عبد الله ( عليه السلام ) نظر إليّ ثمّ قال لي : « يا أبا بصير ، أما علمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب ؟ » فاستحييت وقلت : يا ابن رسول الله إنّي لقيت أصحابنا فخفت أن يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها ، وخرجت (4) .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 225 ، كشف الغمة 2 : 192 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 150 | 207 .
(2) قال العلامة المجلسي رحمه الله في البحار ( 47 : 150 | 207 ) تعليقاً على هذا القول : لعل المعنى : أين كان في الليل اقصى اثرك ، ومنتهى عملك في هذا اليوم ، من التقوى والعبادة ، أو أين كان اليوم آخر فعلك البارحة ، ومهزم لم يفهم كلامه ( عليه السلام ) إلآ بعد إتمامه ، ويحتمل أن يكون قوله اقصى اثرك سؤالاً عن فعله في هذا اليوم ثم أشار إلى ما فعله في الليلة الماضية بقوله : أما تعلم .
(3) بصائر الدرجات : 263 | 2 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، دلائل الامامة : 116 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 72 | 31 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 185 ، روضة الواعظين : 209 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، كشف الغمة 2 : 169 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 342 _

   ومن كتاب ( نوادر الحكمة ) : عن محمد بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : دخل شعيب العقرقوفي على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ومعه صرّة فيها دنانير فوضعها بين يديه ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « أزكاة أم صلة ؟ » فسكت ثمّ قال : زكاة وصلة ، قال : « فلا حاجة لنا في الزكاة » ، قال : فقبض أبو عبد الله ( عليه السلام ) قبضة فدفعها إليه ، فلمّا خرج قال أبو بصير : قلت له : كم كانت الزكاة من هذه ؟ قال : بقدر ما أعطاني ، والله لم يزد حبّة ولم ينقص حبّة (1) .
   وعن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد قاِل : خرجت إلى قبا (2) لأشتري نخلاً فلقيته وقد دخل المدينة فقال : « أين تريد؟ » ، فقلت : لعلّنا نشتري نخلاً ، فقال : « أوقد أمنتم الجراد ؟ » ، فقلت : لا والله لا أشتري نخلة ، فوالله ما لبثنا إلاّ خمساً حتّى جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملاً (3) ، علي بن الحكم ، عن عروة بن موسى الجعفي قال : قال لنا يوماً ونحن نتحدّث : « الساعة انفقأت عين هشام في قبره » ، قلنا : ومتى مات ؟ قال : « اليوم الثالث » ، قال : فحسبنا موته وسألنا عنه فكان كذلك (4).
   أحمد بن محمد ، عن محمد بن فضيل ، عن شهاب بن عبد ربه قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟ » .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 27 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 0 5 1 | 5 0 2 .
(2) قبا : اسم بئر هناك عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الانصار ، وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة . « معجم البلدان 4 : 302 » .
(3) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 228 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 131 | 180 .
(4) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 226 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 151 | ذيل حديث 207 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 343 _

   قال : فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان ، ولا علمت من هو ؟ قال : ثمّ كثر مالي وعرضت تجارتي بالكوفة والبصرة ، فإني يوماً بالبصرة عند محمد ابن سليمان وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً وقال لي : يا شهاب ، أعظم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد ، قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة ، فخرجت فاتيت منزلي وجعلت أبكي على أبي عبد الله ( عليه السلام ) (1) .
   وروىَ عليّ بن إِسماعيل بن عمّار ، عن إِسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) إنّ لنا أموالاً ونحن نعامل الناس ، وأخاف إن حدث حدث أن تفرّق أموالنا ، قال : فقال : « إجمع مالك في كلّ شهر ربيع » ، قال عليّ بن إسماعيل : فمات إسحاق في شهر ربيع (2) .
   وأحمد بن قابوس ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : دخل عليه قوم من أهل خراسان فقال إبتداء من غير مسألة : « من جمع مالاً من مهاوش (3) أذهبه الله في نهابر » (4) ، فقالوا له : جعلنا الله فداك لا نفهم هذا الكلام ، فقال ( عليه السلام ) : « از باد آيد به دم بشود » (5) (6) .
   وروي : أنّ داود بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس قتل المعلّى بن خنيس ـ مولى الصادق ( عليه السلام ) ـ وأخذ ماله ، فدخل عليه وهو يجرّ رداءه فقال له : « قتلت مولاي وأخذت ماله ، أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب ، أما والله لأدعونّ الله عليك » ، فقال له داود : تهددنا بدعائك ، كالمستهزئ بقوله ، فرجع أبو عبد الله ( عليه السلام ) إلى داره ، ولم يزل ليله كلّه قائماً وقاعداً حتّى إذا كان السحر سُمع وهو يقول في مناجاته : « يا ذا القوّة القولّة ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزّة التي كلّ خلقك لها ذليل اكفني ، هذا الطاغية ، وانتقم لي منه » .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 222 ، دلاثل الامامة : 138 ، رجال الكشي 2 : 172 | 781 ، وباختلاف يسير في : بحار الأنوار 47 : 150 | 205 .
(2) رجال الكشي 2 : 709 | 767 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 243 ، كشف الغمة 2 : 197 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 140 | 190 .
(3) مهاوش : ما غُصب وسُرق « القاموس المحيط 2 : 4 29 » .
(4) النهابر : المهالك . « القاموس المحيط 2 : 151 » .
(5) كلام بالفارسية معناه ان الذي يأتي به الهواء يذهب به النسيم .
(6) بصائر الدرجات 356 : 14 ، المناقب لابن شهراشوب 4 : 218 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 84 | 78 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 344 _

   فما كان إلاّ ساعة حتّى ارتفعت الأصوات بالصّياح وقيل : قد مات داود ابن عليّ الساعة (1) ، واشتهر في الرواية : أن المنصور أمر الربيع بإحضار أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فاحضره ، فلمّا بصر به قال : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل ؟ فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « والله ما فعلت ولا أردت ، فإن كان بلغك فمن كاذب ، ولو كنت فعلت لقد ظُلم يوسف فغفر وابتُلي أيّوب فصبر واُعطي سليمان فشكر ، فهؤلاء أنبياء الله تعالى وإليهم يرجع نسبك » ، فقال له المنصور : أجل ارتفع هاهنا ، فارتفع فقال له : ان فلان بن فلان أخبرني عنك بما ذكرت .
   فقال : « أحضره يا أمير المؤمنين ليواقفني على ذلك » ، فأحضر الرجل المذكور ، فقال له المنصور : أنت سمعت ما حكيت عن جعفر ؟ قال : نعم ، قال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « فاستحلفه على ذلك » ، فقال له المنصور : أتحلف ؟ قال : نعم ، فابتدأ باليمين ، فقال أبو عبد الله : « دعني يا أمير المؤمنين اُحلِّفه أنا » ، فقال له : افعل ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) للساعي : « قل : برئت من حول اللهّ وقوّته والتجأت إلى حولي وقوّتي لقد فعل كذا وكذا جعفر » .
   فامتنع منها هنيهة ثمّ حلف بها ، فما برح حتّى اضطرب برجله ، فقال أبو جعفر : جرّوا برجله ، فاخرجوه لعنه الله (2) ، قال الربيع : وكنت رأيت جعفر بن محمد ( عليه السلام ) حين دخل على المنصور يحرّك شفتيه ، فكلّما حرّكهما سكن غضب المنصور حتّى أدناه منه ورضي عنه ، فلمّا خرج أبو عبد الله ( عليه السلام ) من عند أبي جعفر اتبعته فقلت له : إنّ هذا الرجل كان أشدّ الناس غضباً عليك ، فلمّا دخلت عليه وحرّكت شفتيك سكن غضبه ، فبأيّ شيء كنت تحركهما ؟ قال : « بدعاء جدّي الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) » ، فقلت : جعلت فداك ، وما هذا الدعاء ؟

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، ومختصراً في : الفصول المهمة : 226 ، وباخلتاف في ذيل الحديث في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 230 ، ونحوه في : الكافي 2 : 372 | 5.
(2) ارشاد المفيد 2 : 183 ، روضة الواعظين : 208 ـ 209 ، كشف الغمة 2 : 168 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 345 _

   قال : « يا عدّتي عند شدّتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لايرام » ، قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء، فما نزلت بي شدّة قطّ فدعوت به إلاّ فرّج الله عنّي ، قال : وقلت لجعفر بن محمد : لم منعت الساعي أن يحلف بالله تعالى ؟ قال : « كرهت أن يراه الله تعالى يوحّده ويمجّده فيحلم عنه ويؤخّر عقوبته ، فاستحلفته بما سمعت فاخذه الله أخذة رابية (1) » (2) .
   وأمثال ما ذكرناه من الأخبار في آياته ودلالته وإخباره بالغيوب كثيرة يطول تعداده فمن ذلك : ما أورده أبو الفرج عليّ بن الحسين الاصفهاني في كتاب ( مقاتل الطالبيّين ) : ورواه بالأسانيد المتّصلة عن رجاله : أنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء ، منهم : إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن عليّ ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم ، فحمد الله واثنى عليه ثمّ قال : قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهدي ، فهلمّ نبايعه ، فقال أبو جعفر : لأي شيء تخدعون أنفسكم ، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصوَر (3) أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ـ يريد به محمد بن عبد الله ـ ، فبايعوا محمداً جميعاً ومسحوا على يده .
   وأرسل إلى جعفر بن محمد بن عليّ الصادق ( عليهم السلام ) فجاء وأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه ثمّ تكلّم بمثل كلامه فقال جعفر : « لا تفعلوا ، فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد ، إن كنت ترى ـ يعني عبد الله ـ أنّ ابنك هذا هو المهديّ فليس به ، ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر» ، فغضب عبد الله وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ووالله ما اطلعك الله على غيبه ولكنّه يحملك على هذا الحسد لابني .
   فقال : « والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وابناؤهم دونكم » وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس ، ثمّ ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن وقال : « إنّها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم ، وإنّ ابنيك لمقتولان » ثمّ نهض وتوكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهريّ فقال : « أرأيت صاحب الرداء الأصفر ؟ » يعني أبا جعفر .

---------------------------
(1) أخذة رابية : أي أخذة تزيد على الأخذات . « لسان العرب 14 : 305 » .
(2) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، كشف النمة 2 : 168 ، وباختلاف يسير في الفصول المهمة : 225 ، وباختصار في : تذكرة الخواص : 309 ، وكفاية الطالب : 455 .
(3) أصوَر : أميل . « اُنظر الصحاح ـ صور ـ 2 : 716 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 346 _

   فقال له : نعم ، فقال : « أنّا والله نجده يقتله » ، قال له عبد العزيز : أيقتل محمداً ؟ ، قال : « نعم » ، قال : فقلت في نفسي : حسده وربّ الكعبة ، قال : ثم والله ما خرجت من الدنيا حتّى رأيته قتلهما ، قال : فلمّا قال جعفر ذلك نهض القوم فافترقوا وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا : يا ابا عبد الله أتقول هذا ؟ قال : « نعم ، أقرله والله وأعلمه » .
   قال أبو الفرج : وحدّثني علي بن العبّاس قال : أخبرنا بكار بن أحمد قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن عنبسة بن بجاد العابد قال : كان جعفر ابن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله تغرغرت عيناه وقال : « بنفسي هو ، إنّ الناس ليقولون فيه إنّه المهديّ وإنّه لمقتول ، ليس في كتاب عليّ من خلفاء هذ الاُمّة » (1) ، ومن ذلك : ما رواه صاحب كتاب ( نوادر الحكمة ) : عن أحمد بن أبي عبد اللهّ ، عن أبي محمد الحميري ، عن الوليد بن العلاء بن سيابة ، عن زكار ابن أبي زكار الواسطي قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) إذ أقبل رجل فسلّم ثمّ قبّل رأس أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : فمسّ أبو عبد الله ثيابه وقال : « ما رأيت كاليوم ثياباً أشدّ بياضاً ولا أحسن منها » ، فقال : جعلت فداك ، هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه ، قال : فقال : « يا معتّب اقبضها منه » ، ثمّ خرج الرجل فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « صدق الوصف وقرب الوقت ، هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان » ثمّ قال : « يا معتّب ، ألحقه فسله ما اسمه ؟ » ، ثمّ قال لي : « إن كان عبدالرحمن فهو والله هو » ، قال : فرجع معتب فقال : قال : اسمي عبد الرحمن ، قال زكار بن أبي زكار : فمكثت زماناً ، فلمّا ولي ولد العبّاس نظرت إليه وهو يعطي الجند فقلت لأصحابه : من هذا الرجل ؟ فقالوا : هذا عبد الرحمن ، أبو مسلم (2) .

---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين : 206 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 229 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 274 | 15 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 347 _

   وذكر ابن جمهور العمّي في كتاب ( الواحدة ) قال : حدّث أصحابنا : أنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال لأبي عبد الله : والله إنّي لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك ، فقال : « أمّا ما قلت : إنّك أعلم منّي ،فقد أعتق جدّي وجدّك ألف نسمة من كدّ يده فسمّهم لي ، وإن أحببت أن اُسمّهم لك إلى آدم فعلت ، وأما ما قلت : إنّك أسخى منّي ، فوالله ما بتّ ليلة ولله عليّ حقّ يطالبني به ، وأما ما قلت : إنّك أشجع منّي فكأني أرى رأسك وقد جيءَ به ووضع على حجر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا » .
   قال : فصار إلى أبيه فقال : يا أبه كلّمت جعفر بن محمد بكذا فردّ عليّ كذا فقال أبوه: يا بنيّ آجرني الله فيك ، إنّ جعفراً أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير (1) .
   ومن الأخبار الصريحة الدالة على إمامته : ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن جماعة من رجاله ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إنّي رجلٌ صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة أصحابك ، فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «كلامك هذا من كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو من عندك ؟ » ، فقال : من كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعضه ومن عندي بعضه ، فقال له أبو عبد الله: « فأنت شريك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ » ، قال : لا ، قال : « فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك ؟ » ، قال : لا ، قال : « فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟ » ، قال : لا ، فالتفت أبو عبد الله ( عليه السلام ) إليّ فقال : « يا يونس بن يعقوب ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم » ثمّ قال : « يا يونس ، لوكنت تحسن الكلام كلّمته » .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 228 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 275 | 15 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 348 _

   قال يونس :فيا لها من حسرة ، فقلت : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام ، يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله ؟ فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « إنّما قلت : ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون » .
   ثمّ قال : « اُخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فادخله » ، قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين ـ وكان يحسن الكلام ـ ومحمد بن النعمان الأحول ـ وكان متكلّماً ـ وهشام بن سالم وقيس الماصر ـ وكانا متكلّمين ـ فأدخلتهم عليه ، فلمّا استقرّ بنا المجلس ـ وكنّا في خيمة لأبي عبد الله على طرف جبل في طرف الحرم وذلك قبل الحجّ بأيّام ـ أخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ (1) فقال : « هشام وربّ الكعبة » ، قال : فظنّنا أنّ هشاماً رجلٌ من ولد عقيل كان شديد المحبّة لأبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فإذا هو هشام بن الحكم قد ورد ـ وهو أوّل ما اختطّت لحيته وليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّاً منه ـ فوسّع له أبو عبد الله ( عليه السلام ) وقال : « هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده » ثمّ قال لحمران : « كلّم الرجل » ـ يعني الشامي ـ فكلّمه حمران فظهر عليه .
   ثمّ قال : « يا طاقي ، كلمه » فكلمه فظهرعليه محمد بن النعمان ، ثمّ قال : « يا هشام بن سالم كلّمه » فتعارفا ، ثمّ قال لقيس الماصر : لأكلّمه » فكلّمه ، وأقبل أبو عبد الله ( عليه السلام ) يتبسّم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ، ثمّ قال للشامي : « كلّم هذا الغلام » يعني هشام بن الحكم ، فقال : نعم ، ثمّ قال الشامي لهشام : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ـ يعني أبا عبد الله ( عليه السلام ) ـ فغضب هشام حتّى ارتعد ، ثم قال له : خبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟ قال : بل ربّي أنظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال الشامي : كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم .

---------------------------
(1) الخبب : ضرب من العدو. « الصحاح ـ خبب ـ 1 : 117 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 349 _

   فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو رسول الله ( صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ) ، فقال له هشام : فبعد رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) من ؟ قال : الكتاب والسنّة ، قال له هشام : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنّة فيما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف ويمكّنا من الاتّفاق ؟ قال الشامي : نعم ، قال له هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أنّ الرأي طريق الدين ، وأنت مقر بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين ؟ فسكت الشامي كالمفكر ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ما لك لا تتكلّم ؟ » ، قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت لأنّهما يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « سله تجده مليّاً » .
   فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ، ربّهم أم أنفسَهم ؟ قال هشام : بل ربّهم أنظر لهم ، فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع إختلافهم ويبيّن لهم حقّهم من باطلهم ؟ قال هشام : نعم ، قال الشاميّ : من هو ؟ قال هشام : أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأمّا بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فغيره ، قال الشاميّ : ومن هوغير النبيّ القائم مقامه في حجّته ، قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال الشامي : بل في وقتنا هذا ، فقال هشام : هذا الجالس ـ يعني أبا عبد الله ( عليه السلام ) ـ الذي تشدّ إليه الرّحال ، ويخبرنا عن أخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ ، قال الشامي : فكيف لي بعلم ذلك ؟ قال هشام : سله عمّا بدا لك ، قال الشامي : قطعت عذري ، فعليّ السؤال . .
   فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « أنا أكفيك المسالة يا شامي ، اُخبرك عن مسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان طريقك كذا ، ومررت على كذا ، ومرّ بك كذا » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 350 _

   فاقبل الشامي كلّما وصف له شيئاً من أمره يقول : صدقت والله ، ثم قال الشامي : أسلمت الساعة ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « إنّك امنت بالله الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان ، وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون » .
   قال الشامي : صدقت ، فانا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ الأوصياء ، قال : فاقبل أبو عبد الله ( عليه السلام ) على حمران فقال : « يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب » ، والتفت إلى هشام بن سالم فقال : « تريد الأثر ولا تعرف » .
   ثمّ التفت إلى الأحول فقال : « قيّاس روّاغ تكسر باطلاًص بباطل ، إلاّ أنّ باطلك أظهر » ، ثمّ التفت إلى قيس الماصر فقال : تتكلّم وأقرب ما تكون من الخبر عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أبعد ما تكون منه ، تمزج الحقّ بالباطل ، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل ، أنت والأحول قفّازان حاذقان » ، قال يونس بن يعقوب : فظننت والله أنّه يقول لهشام قريباً مما قال لهما ، فقال : « يا هشام لا تكاد تقع ، تلوي رجليك إِذا هممت بالأرض طرت ، مثلك فليكلّم الناس ، اتق الزلّة والشفاعة من ورائك » (1) .
   وهذا الخبر مع ما فيه من المعجز الدالّ على إمامة أبي عبد الله ( عليه السلام ) يتضمّن إثبات حجة النظر ودلالة الإِمامة من طريق النظر والاستدلال .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 130 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 194 ، وباختصار في المنافب لابن شهرآ شوب 4 : 243 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 351 _



   كان ( عليه السلام ) أعلم أولاد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في زمانه بالاتّفاق ، وأنبههم ذكراً ، وأعلاهم قدراً ، وأعظمهم منزلة عند العامّة والخاصة ، ولم يُنقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل .
   روى أبو محمد الحسن بن حمزة الحسيني في كتاب ( التفهيم ) : بإسناده ، عن سدير الصيرفي قال : قال الصادق ( عليه السلام ) : « نحن تراجمة وحي الله ، نحن خزّان علم الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض » (1) .
   وفيه أيضاً : بإسناده ، عن جميل قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « الناس ثلاثة : عالم ، ومتعلّم ، وغثاء، فنحن العلماء ، وشيعتنا المتعلّمون ، وسائر الناس غثاء » .(2)
وكان يقول ( عليه السلام ) : « علمنا غابرومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقرٌ في الأسماع ، وإنّ عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، وإنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه ، فسئل عن تفسير كلامه ( عليه السلام ) ، فقال : « أمّا الغابر : فالعلم بما يكون ، وأمّا المزبور : فالعلم بما كان ، وأمّا النكت في القلوب : فهو الإلهام ، وأمّا النقر في الأسماع : فحديث الملائكة ( عليهم السلام ) نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم .
   وأمّا الجفر الأحمر : فوعاء فيه سلاح رسول اللهّ ( صلَى الله عليه وآله وسلّم ) ولن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت ، وأمّا الجفر الأبيض : فوعاء فيه توراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وزبور داود ( عليهم السلام ) ، وكتب الله المنزلة ، وأمّا مصحف فاطمة ( عليها السلام ) : ففيه ما يكون من حادثٍ ، وأسماء كلّ من يملك إلى أنّ تقوم الساعة .

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 124 | 6 ، الكافي 1 : 212 ذيل الحديث 6 .
(2) بصائر الدرجات : 28 | ح 1 ـ 5 ، الكافي 1 : 4 | 26 ، الخصال 1 : 123 | 115 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 352 _

   وأمّا الجامعة : فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً ، إملاء رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وخطّ عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، وفيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة » (1) ، وكان ( عليه السلام ) يقول : « حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وحديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) حديث الله عزّ وجلّ » (2) .
   وروى عنه محمد بن شريح أنه قال : « لولا أن الله تعالى فرض ولايتنا وأمر بمودّتنا ما وقفناكم على أبوابنا ، ولا أدخلناكم بيوتنا ، والله ما نقول باهوائنا ، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا ، اُصول عندنا نكنزها كما يكنزهؤلاء ذهبهم وفضّتهم » (3) .
   وروى عنه أبو حمزة الثمالي أنه قال : « ألواح موسى ( عليه السلام ) عندنا ، وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين » (4) .
   وروى معاوية بن وهب ، عن سعيد السمّان قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة ؟ قال : فقال : « لا » ، فقالا : قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تقول به ؟ وسمّوا قوماً ، فغضب ( عليه السلام ) وقال : « ما أمرتهم بهذا » ، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا ، فقال لي : « أتعرف هذين ؟ » ، قلت : نعم ، هما من أهل سوقنا ، وهما من الزيديّة ، وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند عبد الله بن الحسن .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 186 ، الاحتجاج 2 : 372 ، روضة الواعظين : 210 ، كشف الغمة 2 : 169 ، وباختلاف يسير في : الكافي 1 : 307 | 3 .
(2) الكافي 1 : 42 | 14 ، ارشاد المفيد 2 : 186 ، روضة الواعظين : 211 ، كشف الغمة 2 : 170 .
(3) بصائر الدرجات : 321 | 10 وباختلاف يسير في 320 | 5 و 7 .
(4) بصائر الدرجات 160 |ذيل ح 4 ، الكافي 1 : 180 | 2 ، ارشاد المفيد 2 : 187 ، روضة الواعظين : 210 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 276 ، كشف الغمة 2 : 170 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 353 _

   فقال : « كذبا لعنهما الله ، والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ، ولا رآه أبوه إلاّ أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين ، فإن كانا صادقين فما علامة فى مقبضه ؟ وما أثر في موضع مضربه ؟ وإنّ عندي لسيف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ورايته ودرعه ولامته (1) ومغفره (2) ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وإن عندي لراية رسول الله المغلّبة ، وإن عندي ألواح موسى وعصا موسى ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست التي كان موسى يقرب بها القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة ، وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في أيّ أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اُوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منّا اُوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فخطّت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله » (3) .
   ووجدت في كتاب ( كمال الدين ) للشيخ أبي جعفر بن بابويه ( رضي الله عنه ) : حدّثنا عبد الواحد بن محمد العطّار قال : حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن حيّان السراج قال : سمعت السيد إسماعيل بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن الحنفيّه زماناً ، فمنّ الله عليّ بالصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) فانقذني من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته ـ بعد ما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنّه حجّة الله على خلقه وأنّه الإمام الذي افترض الله طاعته ـ فقلت له : يا ابن رسول الله ، قد روي لنا أخبار عن آبائك ( عليهم السلام ) في الغيبة وصحّة كونها ، فاخبرني بمن تقع ؟
   فقال ( عليه السلام ) : « إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .

---------------------------
(1) اللأمة : الدرع ، وقيل : السلاح ، ولأمة الحرب : أداتها ، وقد يترك الهمز تخفيفاً ، ويقال للسيف لأمة ، وللرمح لأمة ، وإنما سمي لأمة لأنها تلائم الجسد وتلازمه . « لسان العرب 12 : 532 » .
(2) المغفر : زرد يخج من الدروع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة . « الصحاح ـ غفر ـ 2 : 771 » .
(3) بصائر الدرجات : 194 | 2 ، الكافي 1 : 181 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 187 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 354 _

   قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق ( عليه السلام ) تبت إلى الله تعالى على يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها :
تـجعفرتُ  بـاسمِ اللهِ واللهُ iiأكبرُ      وأيـقنتُ  أن اللهَ يـعفو iiويـغفرُ
ودنـتُ بـدينِ غير ما كنتُ دائناً      بـه ونـهاني سـيّدُ الناس iiجعفرُ
فـقلتُ هب إنّي قد تهوّدت iiبرهة      وإ‎لاّ  فـديني ديـن مـن يتنصّرُ
فـإنّي إلى الرحمن من ذاكَ iiتائبٌ      وإنّـي  قـد أسـلمتُ واللهُ iiأكبرُ
فـلستُ بـغال مـاحييتُ وراجع      إلـى ما عليه كنتُ اُخفي واُضمرُ
ولا  قـائلاً حـيّ برضوى محمد      وإن عـاب جهّالٌ مقالي iiوأكثروا
ولـكنّه  مـمّن مـضى iiلـسبيله      على أفضل الحالاتِ يقفي iiويخبرُ
مع الطيّبين الطاهرين الأولى iiلهم      من المصطفى فرع زكيّ وعنصرُ
   إلى آخرها ، وقلت بعد ذلك أيضاً أبيات شعر وهي :
أيـا راكـباً نـحوَ المدينةِ جسرةً  (1)       عُذافِرَةً (2)  يَطوي بها كلّ سَبسب (3)
إذا مـا هـداكَ اللهُ عـاينتَ iiجـعفراً      فـقـل  لـوليّ اللهِ وابـنِ iiالـمهذَّبِ
ألا يــا أمـيـنَ اللهِ وابـنَ iiأمـينه      أتـوبُ إلـى الـرحمنِ ثـمّ iiتـأوّبي
إلـيكَ  مـن الأمـرِ الذي كنتُ مطنباً      اُحـاربُ  فـيه جـاهداً كـلّ iiمُعرب
وماكان قولي في ابنِ خولةَ (4)  iiمبطناً      مـعـاندةً  مـنّـي لـنسل الـمطيّبِ
ولـكـن  رويـناعن وصـي iiنـبيّنا      ومـاكـان  فـيـما قـاله iiبـالمكذّبِ
بـــأنّ ولــيّ iiالأمـريـفقدُلايُرى      سـتيراً  كـفعل الـخائفِ iiالـمترقّب
فـتـقسمُ أمــوالُ الـفـقيدِ iiكـأنّما      تـغـيّبهُ  بـين الـصفيحِ الـمنصّبَ
فـيمكثُ حـيناً ثـمّ يـشرقُ iiشخصهُ      مـضيئا ًبـنورالعدلِ إشـراق iiكوكبِ
يـسـيربنصرِاللهِ  مـن بـيت iiربّـه      عـلـى  سـؤددٍ مـنه iiوأمـرمسبّب
يـسـير  إلــى أعـدائـهِ iiبـلوائهِ      فـيـقتلهم  قـتلاً كـحرّان iiمـغضبِ
فـلمّارُوي  أنّ ابـن خـولةَ iiغـائب      صـرفـنا  الـيه قـوله لـم نـكذّبِ
وقـلنا  هـو الـمهديّ والـقائم iiالذي      يـعيش  بـه مـن عـدله كلّ مجدبِ
فـإن  قـلت :لا، فالقول قولك iiوالذي      أمــرت فـحتمٌ غـيرما iiمـتعصبِ
وأشـهـد ربّــي أنّ قـولكَ iiحـجّة      عـلى  الـناس مـن مـطيعٍ iiومذنبِ
بـأنّ  ولـيّ الأمـر والـقائم iiالـذي      تـطـلّع نـفـسي نـحوهُ iiبـتطرّبِ
لــه غـيبة لابـدّ مـن أن iiيـغيبها      فـصـلّى  عـليه اللهُ مـن iiمـتغيّبِ
فـيـمكثُ حـيـناً ثـمّ iiيـظهرحينهُ      فـيـملأعدلاً كـلّ شـرقٍ iiومـغربِ
بــذاكَ أديــن اللهَّ سـرّاً iiوجـهرةً      ولـستُ وإن عـوتبتُ فـيه بـمعتبِ
---------------------------
(1) الجسرة : العظيمة من الابل . « الصحاح ـ جسر ـ 2 : 613 ) .
(2) العذافرة : العظيمة الشديدة من الابل . « الصحاح ـ عذفر ـ 2 : 2 74 » .
(3) السبسب : المفازة أو البادية . « الصحاح ـ سبب ـ 1 : 145 » .
(4) ابن خولة : هو محمد بن الحنفية رحمه الله .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 355 _

   قال : وكان حيّان السرّاجِ الراوي لهذا الحديث من الكيسانيّة وكان السيد بن محمد بلا شكّ كيسانيّاَ قبل ذلك يزعم أنّ ابن الحنفيّة هو المهديّ وأنّه مقيم في جبال رضوى وشعره مملوءٌ بذلك فمن ذلك قوله :
ألا  إنّ الأئـمّةَ من قريشٍ      ولاةُ  الأمـرِ أربعةٌ iiسواءُ
عـليّ والـثلاثة من iiبنيه      هـم  أسباطنا iiوالأوصياءُ
فـسبطٌ سـبط إِيمان iiوبرّ      وسـبط غـيّبته iiكـربلاءُ
وسبط لايذوق الموتَ حتّى      يـقودَ الجيشَ يقدمه اللّواءُ
يـغيبُ  لايُرى عنّا iiزماناً      برضوى عنده عسلٌ iiوماءُ
   وقوله أيضاً :
أيـاشِعبَ  رضوى ما لمن بك iiلايُرى      وَبـنا إلـيهِ مِـنَ الصبابةِ أولقُ  (1)
حتى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى ؟      يـا  ابـن الوصيّ وأنتَ حيّ iiترزقُ
إنّــي لآمِــلُ أن أراكَ iiوأنّـنـي      مِـن  أن أموتُ ولا أراكَ لأفرقُ  (2)
   وقوله أيضاً :
ألاحـيّ  المقيمَ بشعب iiرضوى      وأهـد ِلـهُ بـمنزلهِ iiالـسلاما
وقل يا ابن الوصيّ فَدتَكَ iiنفسي      أطـلتَ بـذلكَ الـجبلَ iiالمقاما
فَـمُرَ  بـمعشر والـوكَ iiمـنّا      وسـمّوكَ  الـخليفةَ iiوالإمـاما
فَـما  ذاقَ ابن خولةَ طَعمَ موتٍ      وَلا وارت له أرضٌ عِظاما (3)
   وفي شعره الذي ذكرناه دليل على رجوعه عن ذلك المذهب وقبوله إمامة الصادق ( عليه السلام ) .

---------------------------
(1) الأولق : شبه البنون « الصحاح ـ ولق ـ 4 : 1568 » .
(2) ورد البيتان في إكمال الدين بهذا الشكل :
أيا شعب رضوى ما لمن بك لايرى      فـحتى مـتى يـخفى وأنت قريب
فـلوغاب  عـناعمرنوح iiلأيـقنت      مـنـا  الـنفوس بـانه iiسـيؤوب
(3) كمال الدين : 33 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 356 _

   وفيه أيضاً دليل على أنّه ( عليه السلام ) دعاه إلى إمامته وعلى صحّة القول بغيبة صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، ومما نقل عنه ( صلوات الله عليه ) في الحجّة والبيان والردّ على منكري الحقّ ومخالفي الإيمان ما رواه محمد بن يعقوب الكلينيّ ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العبّاس بن عمرو الفقيمي : أنّ ابن أبي العوجاء ، وابن طالوت ، وابن الأعمى ، وابن المقفّع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم في المسجد الحرام ، وأبو عبد الله جعفر بن محمد إذ ذاك فيه يفتي الناس ويفسّر لهم القران ويجيب عن المسائل ، فقال القوم لابن أبي العوجاء : هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عمّا يفضحه عند هؤلاء المحيطين به ، فقد ترى فتنة الناس به وهو علاّمة زمانه .
   فقال لهم ابن أبي العوجاء : نعم ، ثمّ تقدّم ففرّق الناس وقال : يا أبا عبد الله ، إنّ المجالس أمانات ، ولا بدّ لكلّ من به سعال أن يسعل ، أفتاذن لي في السؤال ؟ فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « سل إِن شئت » ، فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر ، وتلوذون بهذا الحجر ، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر ، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ، من فكر في هذا وقدّر علم أنّه فعل غير حكيم ولا ذي نظر ، فقل إنّك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك اُسّه ونظامه ؟ فقال الصادق ( عليه السلام ) : « إنّ من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحقّ فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليّه وربّه ، يورده مناهل الهلكة ، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثّهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلّين ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال ، خلقه قبل دحو الأرض بألفي عام ، وأحقّ من اُطيع ـ فيما أمر وانتهى عمّا زجر ـ الله المنشئ للأرواح والصور » .
   فقال له ابن أبي العوجاء : ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب ، فقال الصادق ( عليه السلام ) : « كيف يكون غائباً ـ يا ويلك ـ من هومع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويعلم أسرارهم ، لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه من مكان ، تشهد له بذلك اثاره وتدلّ عليه أفعاله ! ! والذي بعثه بالايات المحكمة والبراهين الواضحة محمد ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) جاءنا بهذه العبادة ، فأن شككت في شيء من أمره فاسأل عنه أوضحه لك » .
   قال : فأبلس ابن أبي العوجاء فلم يدرما يقول ، فانصرف من بين يديه وقال لأصحابه : سألتكم أن تلتمسوا لي جمرة فألقيتموني على جمرة .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 357 _

   قالوا له : اُسكت ، فوالله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك ، وما رأينا أحقرمنك اليوم في مجلسه ، فقال : إليّ تقولون هذا ! إنّه ابن من حلق رؤوس مَن تَرون ، وأشار بيده إلى أهل الموسم (1) ، ومن ذلك : ما روي : أنّ أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلسه ( عليه السلام ) فقال له : إنّك لأحد النجوم الزواهر ، كان آباؤك بدوراً بواهر واُمّهاتك عقيلات عباهر (2) ، وعنصرك من أكرم العناصر ، وإذا ذكر العلماء فبك تثنّى الخناصر ، فخبّرنا أيها البحر الخضمّ الزاخر ما الدليل على حدوث العالم ؟
   فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « من أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك » ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته ثمّ قال : « هذا حصن ملموم ، باطنه غِرقئ (3) رقيق يطيف به كالفضّة السائلة والذهبة المائعة ، افتشك في ذلك ؟ » ، قال أبو شاكر : لا شكّ فيه ، قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ثمّ إنه ينفلق عن صورة كالطاووس ، اَدَخله شيء غيرما عرفت ؟ » ، قال : لا ، قال : « فهذا الدليل على حدوث العالم » .
   فقال أبو شاكر : دللت يا أبا عبد الله فاوضحت ، وقلت فاحسنت ، وذكرت فاوجزت ، وقد علمت أنّا لا نقبل إلاّ ما أدركناه بأبصارنا ، أو سمعناه بآذاننا ، أو ذقناه بافواهنا ، أو شممناه باُنوفنا ، أو لمسناه ببشرتنا ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ذكرت الحواس الخمس ، وهي لا تنتفع في الاستنباط إلاّ بدليل ، كما لا تنقطع الظلمة بغير مصباح » (4) ، أراد ( عليه السلام ) أنّ الحواس لا توصل إلى العلم بالغائبات إلاّ بالعقل ، وإنّ الذي أراه من حدوث الصورة معقول يوصل إلى العلم به بالمحسوس .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 98 | 3 و 4 : 197 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 199 ، التوحيد : 253 | 4 ، كشف الغمة 2 : 175 ، ووردت قطعة منه في : أمالي الصدوق : 493 | 4 ، علل الشرائع : 403 | 4 ، ا لاحتجاج 3 : 335 .
(2) العبهرة : التي جمعت الحُسن والجسم والخلُق « لسان العرب 4 : 536 » .
(3) الغرقئ : قثر البيض الرقيق الذي تحت القشر الصلب . « الصحاح ـ غرقا ـ 1 : 61 » .
(4) التوحيد : 292 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 201 ، كشف الغمة 2 : 177 ، ونحوه في الكافي 1 : 63 | ذيل ح 4 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 358 _

   ومن ذلك : ما روي أنّه سئل عن التوحيد والعدل فقال : « التوحيد أن لا تجوز على ربك ما جاز عليك ، والعدل أن لا تنسب إِلى خالقك ما لامك عليه » (1) وهذا يؤول في المعنى إلى قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « التوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا تتّهمه » (2) ، وقيل للصادق ( عليه السلام ) : أنت أعلم أم أبوك ؟ فقال : « أبي أعلم منّي ، وعلم أبي لي » ، وروى عليّ بن أسباط ، عن داود الرقّي قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : كيف أدعو الله أن يرضى عنّي إمامي ، قال : « تقول : اللهم ربّ إمامي وربّي ، وخالق إمامي وخالقي ، ورازق إمامي ورازقي ، ارض عني وارض عنّي إمامي » ، وما حُفظ عنه وتُلقّي منه في أنواع العلوم وفنون الحكم أكثر من أن يحويه كتاب ، أو يحصره حساب ، والاقتصار على ما أوردناه أليق بالباب ، والله الموفّق للصواب .

---------------------------
(1) معاني الأخبار : 11 | 2 ، التوحيد : 96 | 1 .
(2) نهج البلاغة : 264 | 470 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 359 _


   كان له ( عليه السلام ) عشرة أولاد : إسماعيل ، وعبد الله ، واُمّ فروة ، اُمّهم فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، وموسى ( عليه السلام ) ، وإسحاق ، وفاطمة ، ومحمّد ، لاُمّ ولد اسمها حميدة البربريّة ، والعبّاس ، وعليّ ، وأسماء ، لأمّهات أولاد شتّى ، أما إسماعيل : فكان أكبر إخوته ، وكان أبوه شديد المحبّة له والبّر به ، وقد كان يظن قوم من الشيعة في حياة الصادق ( عليه السلام ) أنّه القائم بعده والخليفة له ، لميل أبيه إليه وإكرامه له ، ولأنّه أكبر إخوته سنّاً ، فمات في حياة أبيه الصادق ( عليه السلام ) بالعريض (1) وحُمل على رقاب الناس إلى أبيه بالمدينة ، فجزع عليه جزعاً شديداً ، وتقدّم سريره بغير حذاء ولا رداء ، وكان يأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مراراً كثيرة ويكشف عن وجهه وينظر إليه ، يريد ( عليه السلام ) إزالة الشبهة عن الذين ظنّوا خلافته له من بعده ، وتحقيق أمر وفاته عندهم ، ودفن بالبقيع ( رحمه اللهّ ) .
   ولمّا مات إسماعيل رجع عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك ، وأقام على حياته طائفة لم تكن من خواصّ أبيه بل كانوا من الأباعد ، فلمّا مات الصادق ( عليه السلام ) انتقل جماعة منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وافترق الباقون منهم فرقتين : فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم أنّ الإمامة كانت في أبيه وإنّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ ، وفريق منهم ثبتوا على حياة إسماعيل وهم اليوم شذاذ ، وهذان الفريقان يسمّيان الإسماعيليّة .

---------------------------
(1) العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل . « انظر معجم البلدان 4 : 114 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 360 _

   وأما عبد الله بن جعفر : فإنّه كان أكبر إخوته بعد إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه ( عليه السلام ) منزلة غيره من الأولاد، وكان متّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، وادّعى الإمامة بعد وفاة أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، واتبعه قومٌ ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة موسى ( عليه السلام ) لمّا ظهر عندهم براهين إمامته ، ولم يبق على القول بإمامة عبد الله الاّ طائفة يسيرة تسمّى الفطحيّة ، وإنّما لزمهم هذا اللقب لأنّه كان أفطح الرجلين ، ويقال : لأنّ داعيهم إلى ذلك رجل اسفه عبد الله بن أفطح ، وأما محمد بن جعفر : فكان يرى رأي الزيديّة في الخروج بالسيف ، وكان سخيّاً شجاعاً ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان يذبح كلّ يوم كبشاً للضيافة ، وخرج على المامون في سنة تسع وتسعين ومائة ، فخرج لقتاله عيسى الجلودي فهزم أصحابه وأخذه وأنفذه إلى المأمون ، فوصله وأكرمه ، وكان مقيماً معه بخراسان يركب إليه في موكب بني عمّه ، وكان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمل السلطان من رعيّته .
   وروي : أنّ المأمون أنكر ركوبه إليه في جماعة الطالبيّة التي خرجت عليه معه ، فخرج التوقيع من المأمون إليهم : لا تركبوا مع محمّد بن جعفر واركبوا مع عبيد الله بن الحسين ، فأبوا أن يركبوا ، ولزموا منازلهم ، فخرج التوقيع : إركبوا مع من أحببتم ، فكانوا يركبون مع محمّد بن جعفر إذا ركب إلى المامون ، وينصرفون بإنصرافه .
   وأما إسحاق بن جعفر : فكان ورعاً فاضلاً مجتهداً ، وروى عنه الناس الحديث والأثار ، وكان ابنُ كاسبِ إذا حدّث عنه قال : حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر ، وكان يقول بإمَامة أخيه موسى بن جعفر ، وروى عن أبيه النصّ عليه بالإمامة .
   وأما عليّ بن جعفر : فإنّه كان راوية للحديث ، كثير الفضل والورع ، ولزم أخاه موسى بن جعفر وروى عنه مسائل كثيرة ، وقال بإمامته ، وإمامة عليّ ابن موسى ، ومحمد بن عليّ ( عليهم السلام ) ، وروى من أبيه النصّ على موسى أخيه ( عليهما السلام ) ، وكان العبّاس بن جعفر فاضلاً نبيلاً (1) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 209 .