الشيعة في العصرين : الأموي و العباسي
  لا نأت بجديد إذا ذهبنا إلى القول بأن الهجمة الشرسة التي كانت تستهدف استئصال الشيعة و القضاء عليهم قد أخذت أبعادا خطيرة و دامية إبان الحكمين الأموي و العباسي ، فما أن لبى الإمام دعوة ربه في ليلة الحادي و العشرين من رمضان على يد أشقى الأولين و الآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، و هو يصلي في محراب عبادته ، حتى شرع أعداء الإمام و أنداد التشيع إلى التعرض الصريح بالقتل و التشريد لأنصار هذا المذهب و المنتسبين إليه ، و إذا كان استشهاد الإمام علي يشكل في حد ذاته ضربة قاصمة في هيكلية البناء الإسلامي ، إلا أن هذا لم يمنع البعض ممن وقفوا موقفا باطلا و منحرفا من الإمام علي في حياته من التعبير عن سرورهم من هذا الأمر الجلل كما نقل ذلك ابن الأثير عن عائشة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه و آله وسلم ) حيث قالت عند ما وصلها النبأ : فألقت عصاها و استقر بها النوى‏ كما قر عينا بالاياب المسافر ثم قالت : من قتله ، فقيل رجل من مراد ، فقالت :
  فان يك نائيا فلقد نعاه‏ نعي ليس في فيه التراب فقالت زينب بنت أبي سلمة : أتقولين هذا لعلي ؟ فقالت : إني أنسى ، فإذا نسيت فذكروني ... !! (1) .
  و أما معاوية فلا مناص من القول بأنه أكثر المستبشرين بهذا الأمر ، حيث إنه قال لما بلغه : إن الأسد الذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه ، ثم أنشد :

---------------------------
(1) الكامل لابن الاثير 3/394 طبع دار صادر.

الشيعة في موكب التاريخ _ 56 _

  قل للأرانب ترعى أينما سرحت‏ و للظباء بلا خوف و لا وجل (1) و في الجانب الآخر نرى أن الإمام الحسن الابن الأكبر للإمام علي (عليهم السلام) و ورثيه ينعى أباه بقوله في مسجد الكوفة : (ألا إنه قد مضى في هذه الليلة ، رجل لم يدركه الأولون ، و لن ير مثله الآخرون ، من كان يقاتل و جبرئيل (عليه السلام ) عن يمينه و ميكائيل (عليه السلام) عن شماله ، و الله لقد توفي في هذه الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران ، و رفع فيها عيسى (عليه السلام ) بن مريم ، و انزل القرآن ، ألا و إنه ما خلف صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله) (2) .
  ثم بويع الحسن في نهاية خطبته ، و كان أول من بايعه قيس بن سعد الأنصاري ، ثم تتابع الناس على بيعته ، و كان أمير المؤمنين (عليه السلام ) قد بايعه أربعون‏ألفا من عسكره على الموت ، فبينما هو يتجهز للمسير قتل( عليه السلام ) ، فبايع هؤلاء ولده الحسن (عليه السلام ) ، فلما بلغهم مسير معاوية في أهل الشام إليه ، تجهز هو و الجيش الذين كانوا قد بايعوا عليا (عليه السلام ) ، و سار عن الكوفة إلى لقاء معاوية (3) .
  بيد إن الأمور لم تستقم للإمام الحسن (عليه السلام ) لجملة من الأسباب المعروفة ، أهمها تخاذل أهل العراق أولا ، و كون الشيوخ الذين بايعوا عليا (عليه السلام ) و التفوا حوله كانوا من عبدة الغنائم و المناصب ، و لم يكن لهؤلاء نصيب في خلافة الحسن (عليه السلام ) إلا ما كان لهم عند أبيه من قبل ثانيا ، و ان عددا غير قليل ممن بايع الحسن (عليه السلام ) كانوا من المنافقين ، يراسلون معاوية بالسمع و الطاعة ثالثا .
  كما أن لفيفا من جيشه كانوا من الخوارج أو أبنائهم رابعا ، إلى غير ذلك من الأسباب التي دفعت الإمام إلى قبول الصلح مع معاوية تحت شروط خاصة تضمن لشيعة علي الأمن و الأمان ، إلا أن معاوية و بعد أن وقع على صلحه مع الإمام الحسن (عليه السلام ) لم يتردد من الإعلان عن سريرته بكل صراحة و وضوح على منبر الكوفة : إني و الله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا ، و لا لتحجوا و لا لتزكوا ، ـ و انكم لتفعلون ذلكـو لكن قاتلتكم لأتأمر عليكم ، و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون ، ألا و أني قد كنت منيت الحسن (عليه السلام ) أشياء ، و جميعها تحت قدمي لا أفي بشي‏ء منها له (4) .

---------------------------
(1) ناسخ التواريخ ، القسم المختص بحياة الإمام 692 .
(2) تاريخ اليعقوبي 2/ 213 .
(3) الكامل 3/404 طبعة دار صادر .
(4) الإرشاد للشيخ المفيد : 191.


الشيعة في موكب التاريخ _57 _

  و كان ذلك التصريح الخطير ، و المنافي لا بسط مبادى‏ء الشريعة الإسلامية ، يمثل الإعلان الرسمي لبدء الحملة الشرسة و المعلنة لاستئصال شيعة علي (عليه السلام ) و أنصاره تحت كل حجر و مدر ، و توالت المجازر تترى بعدمعاوية إلى آخر عهد الدولة الأموية ، فلم يكن للشيعة في تلك الأيام نصيب سوى القتل و النفي و الحرمان ، و هذا هو الذي نستعرضه في هذا الفصل على وجه الإجمال ، حتى يقف القارى‏ء على أن بقاء التشيع في هذه العصور المظلمة كان معجزة من معاجز الله سبحانه ، كما يتوضح له مدى الدور الخطير الذي لعبه الشيعة في الصمود و الكفاح و الرد على الظلمة و أعوانهم منذ عصر الإمام إلى يومنا هذا ، و إليك بعض الوثائق من جرائم معاوية .
  1 ـ رسالة الإمام الحسين (عليه السلام ) إلى معاوية :
  (أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور لم تكن تظنني بها رغبة بي عنها ، و أن الحسنات لا يهدي لها و لا يسدد إليها إلا الله تعالى ، و أما ما تذكرت أنه رمي إليك عني ، فإنما رقاه الملاقون المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الجمع ، و كذب الغاوون المارقون ، ما أريد لك حربا و لا خلافا و أني لأخشى الله في ترك ذلك منك و من حزبك القاسطين حزب الظلمة و أعوان الشيطان الرجيم ، ألست قاتل حجر و أصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ، و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ، فقتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة و العهود المؤكدة جرأة على الله و استخافا بعهده ، أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت و أبلت وجهه العبادة ؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من سقف الجبل.
  أو لست المدعي زيادا في الإسلام ، فزعمت أنه ابن أبي سفيان ، و قدقضى رسول الله ( صلى الله عليه و آله وسلم ) ان الولد للفراش و للعاهر الحجر ، ثم سلطته على أهل الإسلام يقتلهم و يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و يصلبهم على جذوع النخل ؟

الشيعة في موكب التاريخ _ 58 _

  سبحان الله يا معاوية ! لكأنك لست من هذه الأمة ، و ليسوا منك ، أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك في زياد انه على دين علي كرم الله وجهه ، و دين علي هو دين ابن عمه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، و لو لا ذلك كان أفضل شرفك و شرف آبائك تجشم الرحلتين : رحلة الشتاء و الصيف ، فوضعها الله عنكم بنا منة عليكم ، و قلت فيما قلت : لا تردن هذه الأمة في فتنة و إني لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها ، و قلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك و لامة محمد ، و اني و الله ما أعرف فضلا من جهادك ، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربي ، و إن لم أفعله فأستغفر الله لديني ، و أسأله التوفيق لما يحب و يرضى ، و قلت فيما قلت : متى تكدني أكدك ، فكدني يا معاوية ما بدا لك ، فلعمري لقديما يكاد الصالحون و إني لأرجو أن لا تضر إلا نفسك و لا تمحق إلا عملك فكدني ما بدا لك ، و اتق الله يا معاوية ، و اعلم ان لله كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ، و اعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظنة ، و أخذك بالتهمة ، و إمارتك صبيا يشرب الشرب و يلعب بالكلاب ، ما أراك إلا قد أو بقت نفسك ، و أهلكت دينك ، و أضعت الرعية و السلام) (1) .
  و لعل المتأمل في جوانب هذه الرسالة و المتدبر لمفرداتها ليدرك‏و بوضوح مدى الدور المنحرف الذي وقفه الأمويون و على رأسهم معاوية في محاربة أنصار مذهب التشيع و رواده ، كما تتوضح له الصورة عن حجم المحنة التي مر بها الشيعة أبان تلك الحقبة الزمنية.
  و لكي تتوضح الصورة في ذهن القاري‏ء الكريم ندعوه إلى قراءة رسالة الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام ) لأحد أصحابه ، حيث قال :
  (إن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم ) قبض و قد أخبر إنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه و احتجت على الأنصار بحقنا و حجتنا ، ثم تداولتها قريش ، واحد بعد واحد ، حتى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا و نصبت الحرب لنا ، و لم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتى قتل ، فبويع الحسن (عليه السلام ) ابنه و عوهد ثم غدر به و أسلم و وثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ، و نهبت عسكره ، و عولجت خلاخيل أمهات أولاده ، فوادع معاوية و حقن دمه و دماء أهل بيته ، و هم قليل حق قليل ، ثم بايع الحسين (عليه السلام ) من أهل العراق عشرون ألفا ، ثم غدروا به ، و خرجوا عليه ، و بيعته في أعناقهم و قتلوه.

---------------------------
(1) الإمامة و السياسة 1/164 ، جمهرة الرسائل 2/67 ، و رواه الكشي في رجاله 48ـ51 و المجلسي في البحار 44/212ـ 214.

الشيعة في موكب التاريخ _ 59 _

  ثم لم نزل ـ أهل البيت (عليهم السلام ) ـ نستذل و نستضام ، و نقصى و نمتهن ، و نحرم و نقتل ، و نخاف و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا ، و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم و جحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم و قضاة السوء و عمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، و رووا عنا ما لم نقله و لم نفعله ، ليبغضونا إلى الناس ، و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسن ( عليه السلام ) ، فقلت شيعتنا بكل بلدة ، و قطعت الأيدي و الأرجل على الظنة ، و كان من يذكر بحبنا و الانقطاع إلينا سجن أونهب ماله ، أو هدمت داره ، ثم لم يزل البلاء يشتد و يزداد إلى زمان عبيد الله ابن زياد قاتل الحسين ( عليه السلام ) ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، و أخذهم بكل ظنة و تهمة ، حتى ان الرجل ليقال له : زنديق أو كافر ، أحب إليه من أن يقال : شيعة علي ، و حتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ و لعله يكون ورعا صدوقا ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة ، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة و لم يخلق الله تعالى شيئا منها ، و لا كانت و لا وقعت و هو يحسب أنها حق الكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب و لا بقلة ورع) (1) .
  بل و إليك ما أورده ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة :
  كان سعد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس من شيعة علي بن أبي طالب ، فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها أخافه فطلبه زياد ، فأتى الحسن بن علي (عليهم السلام ) ، فوثب زياد على أخيه و ولده و امرأته ، فحبسهم و أخذ ماله و هدم داره ، فكتب الحسن (عليه السلام ) إلى زياد : ( من الحسن بن علي (عليهم السلام ) إلى زياد ، أما بعد : فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم ، و عليه ما عليهم ، فهدمت داره و أخذت ماله و عياله فحبستهم ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فابن له داره ، و أردد عليه عياله و ماله ، فاني قد أجرته فشفعني فيه ).
  فكتب إليه زياد : من زياد بن أبي سفيان !!إلى الحسن بن فاطمة (عليهم السلام ) ، أما بعد : فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي و أنت طالب حاجة ، و أنا سلطان و أنت سوقة ، كتبت إلي في فاسق لا يؤبه به ، و شر من ذلك توليه أباك و إياك ، و قد علمت أنك أدنيته إقامة منك على سوء الرأي و رضى منك‏بذلك ، و أيم الله لا تسبقني به و لو كان بين جلدك و لحمك ، و إن نلت بعضك فغير رفيق بك و لا مرع عليك ، فإن أحب لحم إلي أن آكل من اللحم الذي أنت منه ، فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك ، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه ، و إن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك الفاسق ، و السلام (2) .
  ( كان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي أو البراءة منه ، فملأ منهم المسجد و الرحبة ، فمن أبي ذلك عرضه على السيف ) (3) .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 11/43ـ 44.
(2) شرح بن أبي الحديد 4/
(3) مروج الذهب 3/ 26.


الشيعة في موكب التاريخ _60 _

  و عن المنتظم لابن الجوزي : إن زيادا لما حصبه أهل الكوفة و هو يخطب على المنبر قطع أيدي ثمانين منهم ، و هم أن يخرب دورهم و يحرق نخلهم ، فجمعهم حتى ملأ بهم المسجد و الرحبة يعرضهم على البراءة من علي ، و علم أنهم سيمتنعون ، فيحتج بذلك على استئصالهم و إخراب بلدهم (1) .
  بيان معاوية إلى عماله :
  روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب ( الأحداث) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة!! : ( أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب و أهل بيته ) فقامت الخطباء ، في كل كورة ، و على كل منبر ، يلعنون عليا و يبرأون منه ، و يقعون فيه‏و في أهل بيته ، و كان أشد الناس بلاءا حينئذ أهل الكوفة ، لكثرة من بها من شيعة علي ( عليه السلام ) فاستعمل عليها زياد بن سمية ، و ضم إليه البصرة ، فكان يتبع الشيعة و هو بهم عارف ، لأنه كان منهم أيام علي ( عليه السلام ) ، فقتلهم تحت كل حجر و مدر ، و أخافهم ، و قطع الأيدي و الأرجل ، و سمل العيون ، و صلبهم على جذوع النخل ، و طردهم و شردهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم .
  و كتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق : ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل بيته شهادة ، و كتب إليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه و أهل ولايته ، و الذين يروون فضائله و مناقبه فادنوا مجالسهم و قربوهم و أكرموهم ، و اكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم ، و اسمه و اسم أبيه و عشيرته.
  ففعلوا ذلك ، حتى أكثروا في فضائل عثمان و مناقبه ، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة و الكساء و الحباء و القطائع ، و يفيضه في العرب منهم و الموالي ، فكثر ذلك في كل مصر ، و تنافسوا في المنازل و الدنيا ، فليس يجي‏ء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية ، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه و قربه و شفعه ، فلبثوا بذلك حينا.
  ثم كتب إلى عماله : أن الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل مصر و في كل وجه و ناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة و الخلفاء الأولين ، و لا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا و تأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحب إلي و أقرلعيني ، و أدحض لحجة أبي تراب و شيعته ، و أشد إليهم من مناقب عثمان و فضله.

---------------------------
(1) المنتظم 5/263 طبعة بيروت.

الشيعة في موكب التاريخ _ 61 _

  فقرأت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، و جد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، و ألقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم و غلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه و تعلموه كما يتعلمون القرآن ، و حتى علموه بناتهم و نساءهم و خدمهم و حشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
  ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته ، فامحوه من الديوان ، و أسقطوا عطاءه و رزقه ، و شفع ذلك بنسخة اخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم ، فنكلوا به ، واهدموا داره.
  فلم يكن البلاء أشد و لا أكثر منه بالعراق ، و لا سيما بالكوفة ، حتى ان الرجل من شيعة علي ( عليه السلام ) ليأتيه من يثق به ، فيدخل بيته فيلقي إليه سره ، و يخاف من خادمه و مملوكه ، و لا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه ، فظهر حديث كثير موضوع ، و بهتان منتشر ، و مضى على ذلك الفقهاء و القضاة و الولاة ، و كان أعظم الناس في ذلك بلية القراء و المراؤون و المستضعفون ، الذين يظهرون الخشوع و النسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند و لاتهم ، و يقربوا مجالسهم ، و يصيبوا الأموال و الضياع و المنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار و الأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب و البهتان ، فقبلوها و رووها ، و هم يظنون أنها حق ، و لو علموا أنهاباطلة لما رووها ، و لا تدينوا بها.
  و ذكر ابن أبي الحديد : فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي (عليه السلام ) فازداد البلاء و الفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا و هو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض.
  ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) و ولي عبد الملك بن مروان ، فاشتد على الشيعة ، و ولى عليهم الحجاج بن يوسف ، فتقرب إليه أهل النسك و الصلاح و الدين ببغض علي و موالاة أعدائه ، و موالاة من يدعي من الناس أنهم أيضا أعداؤه ، فأكثروا في الرواية في فضلهم و سوابقهم و مناقبهم ، و أكثروا من الغض من علي ( عليه السلام ) و عيبه ، و الطعن فيه ، و الشنان له ، حتى ان انسانا وقف للحجاج ـ و يقال انه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب ـ فصاح به : أيها الأمير ان أهلي عقوني فسموني عليا ، و اني فقير بائس ، و أنا إلى صلة الأمير محتاج ، فتضاحك له الحجاج ، و قال : للطف ما توسلت به ، قد وليتك موضع كذا.

الشيعة في موكب التاريخ _ 62 _

  و قد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ و هو من أكابر المحدثين و أعلامهم ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر ، قال : إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم (1) .
  و لعل المرء يصاب بالذهول و هو يتأمل أسماء الصحابة و التابعين ذوي المنازل الرفيعة و المكانة السامية و الدور الجليل في خدمة الإسلام‏و أهله ، كيف سقطوا صرعى بسيف الأمويين لا لشي‏ء إلا لأنهم شيعة علي ( عليه السلام ) ، و من هؤلاء :
  1 ـ حجر بن عدي : الذي قبض عليه زياد بعد هلاك المغيرة سنة (51 ه) و بعثه مع أصحابه إلى الشام بشهادة مزورة ، و فرية ظالمة ، كان يراد منها قتله و توجيه ضربة قوية لشيعة علي و تصفيتهم .
  يقول المسعودي :
  (في سنة ثلاث و خمسين قتل معاوية حجر بن عدي الكندي ـ و هو أول من قتل صبرا في الإسلام ـ و حمله زياد من الكوفة و معه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة و أربعة من غيرها ، فلما صار على أميال من الكوفة يراد به دمشق أنشأت ابنته تقول ـ و لا عقب له من غيرهاـ :
تـرفع  أيـها القمر iiالمنير      لـعلك ان ترى حجرا يسير
يسير  إلى معاوية بن حرب‏      لـيقتله ، كذا زعـم iiالأمـير
و  يصلبه على بابي iiدمشق      ‏ و تأكل من محاسنة النسور

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 11/ .46

الشيعة في موكب التاريخ _ 63 _

  فقتله مع أصحابه في مرج العذراء (1) بصورة بشعة يندى لها الجبين و هي مذكورة في جميع كتب التأريخ ، فراجع.
  2 ـ عمرو بن الحمق : ذلك الصحابي العظيم الذي وصفه الإمام الحسين سيد الشهداء بأنه : أبلت وجهه العبادة ، قتله معاوية بعد ما أعطاه الأمان (2) .
  3 ـ مالك الأشتر : ملك العرب ، و أحد أشرف رجالاتها و أبطالها ، كان شهما مطاعا و كان قائد القوات العلوية ، قتله معاوية بالسم في مسيره إلى مصر بيد أحد عماله (3) .
  4 ـ رشيد الهجري : كان من تلاميذ الإمام و خواصه ، عرض عليه زياد البراءة و اللعن فأبى ، فقطع يديه و رجليه و لسانه ، و صلبه خنقا في عنقه (4) .
  5 ـ جويرية بن مسهر العبدي : أخذه زياد و قطع يديه و رجليه و صلبه على جذع نخلة (5) .
  6 ـ قنبر مولى أمير المؤمنين : روي ان الحجاج قال لبعض جلاوزته : أحب أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب!! فقالوا : ما نعلم أحدا كان أطول صحبة له من مولاه قنبر .فبعث في طلبه ، فقال له : أنت قنبر ؟ قال : نعم ، قال له : إبرأ من دين علي ، فقال له : هل تدلني على دين أفضل من دينه ؟ قال : إني قاتلك فاختر أي قتلة أحب إليك ، قال : أخبرني أمير المؤمنين : ان ميتتي تكون ذبحا بغير حق . فأمر به فذبح كما تذبح الشاة (6) .

---------------------------
(1) مروج الذهب 3/3ـ4 ، سير أعلام النبلاء 3/462 ـ 466 برقم 95.
(2) سير أعلام النبلاء 4/34ـ35 برقم 6.
(3) شذرات الذهب 1/ 91.
(4) شرح نهج البلاغة 2/294 ـ 295.
(5) شرح نهج البلاغة 2/290 ـ 291.
(6) رجال الكشي 68ـ69 برقم 21 ، الشيعة و الحاكمون 95.

الشيعة في موكب التاريخ _ 64 _

  7 ـ كميل بن زياد : و هو من خيار الشيعة و خاصة أمير المؤمنين ، طلبه الحجاج فهرب منه ، فحرم قومه عطاءهم ، فلما رأى كميل ذلك قال : أنا شيخ كبير و قد نفذ عمري و لا ينبغي أن أكون سببا في حرمان قومي ، فاستسلم للحجاج ، فلما رآه قال له : كنت أحب أن أجد عليك سبيلا ، فقال له كميل : لا تبرق و لا ترعد ، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل الغبار ، فاقض فإن الموعد الله عز و جل ، و بعد القتل الحساب ، و قد أخبرني أمير المؤمنين انك قاتلي ، فقال الحجاج : الحجة عليك إذن ، فقال : ذلك إن كان القضاء لك ، قال : بلى ، اضربوا عنقه (1) .
  8 ـ سعيد بن جبير : التابعي المعروف بالعفة و الزهد و العبادة ، و كان يصلي خلف الإمام زين العابدين (عليه السلام ) ، فلما رآه الحجاج قال له : أنت شقي ابن كسير ، فقال : أمي أعرف بإسمي منك ، ثم بعد أخذ ورد أمر الحجاج بقتله ، فقال سعيد : وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين ، فقال الحجاج : شدوه إلى غير القبلة ، فقال : أينما تولوا فثم وجه الله ، فقال : كبوه على وجهه ، قال : منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى ، ثم ضربت عنقه (2) .
  و سيوافيك ما جرى على زيد بن علي من الصلب أيام خلافة هشام ابن عبد الملك عام (122 ه) عند الكلام عن فرقة الزيدية إن شاء الله تعالى.
  هذا غيض من فيض و قليل من كثير مما جناه الأمويون في حق الشيعة طوال فترة حكمهم و توليهم لدفة الأمور و زمام الحكم ، و تالله ان المرء ليصاب بالغثيان و هو يتأمل هذه الصفحات السوداء التي لا تمحى من ذاكرةالتاريخ و كيف لطخت بالدماء الطاهرة المقدسة و التي أريقت ظلما و عدوانا و تجنيا على الحق و أهله.

الشيعة في خلافة العباسيين :
  دار الزمان على بني أمية ، و قامت ثورات عنيفة ضدهم أثناء خلافتهم ، إلى أن قضت على آخر ملوكهم (مروان الحمار) : فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين (3) و امتطى ناصية الخلافة بعدهم العباسيون ، و الذين تسربلوا بشعائر مظلومية أهل البيت للوصول إلى سدة الخلافة و إزاحة خصومهم الأمويين عنها ، بيد أنهم ما أن استقر بهم المقام و ثبتت لهم أركانه حتى انقلبوا كالوحوش الكاسرة في محاربتهم للشيعة و تشريدهم و تقتيلهم ، فكانوا أسوء من أسلافهم الامويين و أشد اجراما ، و الله در الشاعر حين قال :

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17/149 ، الشيعة و الحاكمون 96.
(2) سير أعلام النبلاء 4/321ـ328 ، الجرح و التعديل 4/9 برقم 29.
(3) الأنعام/ .45

الشيعة في موكب التاريخ _65 _

  و الله ما فعلت أمية فيهم‏ معشار ما فعلت بنو العباس
  1 ـ فكان أول من تولى منهم أبو العباس السفاح ، بويع سنة (132 ه) و مات سنة (136 ه) ، قضى وقته في تتبع الامويين و القضاء عليهم ، و هو و إن لم يتعرض للعلويين ، لكنه تنكر لهم و لشيعتهم ، بل و أوعز إلى الشعراء أن يتعرضوا لأولاد علي و أهل بيته في محاولة مدروسة للنيل من منزلتهم و تسفيه الدعوة المطالبة بإيكال أمر الخلافة الإسلامية إليهم ، هذا محمد أحمد براق يقول في كتابه ( أبو العباس السفاح ) : ( إن أصل الدعوة كان‏لآل علي ، لأن أهل خراسان كان هواهم في آل علي لا آل العباس ، لذلك كان السفاح و من جاء بعده مفتحة عينوهم لأهل خراسان حتى لا يتفتى فيهم التشيع لآل علي ... و كانوا يستجلبون الشعراء ليمدحوهم ، فيقدمون لهم الجوائز ، و كانوا الشعراء يعرضون بأبناء علي و ينفون عنهم حق الخلافة ، لأنهم ينتسبون إلى النبي عن طريق ابنته فاطمة ، أما بنو العباس فإنهم أبناء عمومة ) (1) .
  2 ـ ثم جاء بعده أبو جعفر المنصور ، و بالرغم مما أثير حوله من منزلة و مكانة و ذكاء ، إلا أن في ذلك مجافاة عظيمة للحق و ابتعادا كبيرا عن جادة الصواب ، نعم حقا إن هذا الرجل قد ثبت أركان دولته و أقام لها أسسا قوية صلبة ، إلا أنه أسرف كثيرا في الظلم و القسوة و الاجرام بشكل ملفت للأنظار ، و يكفي للإلمام بجرائمه و قسوته ما كتبه ابن عبد ربه في العقد الفريد عن ذلك حيث قال : إن المنصور كان يجلس و يجلس إلى جانبه واعظا ، ثم تأتي الجلاوزة في أيديهم السيوف يضربون أعناق الناس ، فإذا جرت الدماء حتى تصل إلى ثيابه ، يلتفت إلى الواعظ و يقول : عظني !فإذا ذكره الواعظ بالله ، أطرق المنصور كالمنكسر!!!ثم يعود الجلاوزة إلى ضرب الأعناق ، فإذا ما أصابت الدماء ثياب المنصور ثانيا قال لواعظه : عظني!! (2) .
  فما ذا يا ترى يريد المنصور من قوله للواعظ عظني ، و ما ذا يعني باطراقه بعد ذلك و سكوته ، هل يريد الاستهزاء بالدين الذي نهى عن قتل النفس و سفك الدماء ، أو يريد شيئا آخر ، و ليت شعري أين كان المؤرخون‏و أصحاب الكلمات الصادقة المنصفة من هذه المواقف المخزية التي تقشعر لها الأبدان ، و هم يتحدثون عن هذا الرجل الذي ما آلوا يشيدون بذكره و يمجدون بأعماله ، و هلا تأمل القراء في سيرة هذا الرجل ليدركوا ذلك الخطأ الكبير.

---------------------------
(1) أبو العباس السفاح 48 ، كما في الشيعة و الحاكمون 139.
(2) العقد الفريد 1/ 41.

الشيعة في موكب التاريخ _66 _

  بلى أن هذا الرجل أسرف في القتل كثيرا ، و كان للعلويين النصيب الأكبر ، و حصة الأسد من هذا الظلم الكبير.
  يقول المسعودي : جمع المنصور أبناء الحسن ، و أمر بجعل القيود و السلاسل في أرجلهم و أعناقهم ، و حملهم في محامل مكشوفة و بغير وطاء ، تماما كما فعل يزيد بن معاوية بعيال الحسين (عليه السلام) ، ثم أودعهم مكانا تحت الأرض لا يعرفون فيه الليل من النهار ، و اشكلت أوقات الصلاة عليهم ، فجزأوا القرآن خمسة أجزاء ، فكانوا يصلون على فراغ كل واحد من حزبه ، و كانوا يقضون الحاجة الضرورية في مواضعهم ، فاشتدت عليهم الرائحة ، و تورمت أجسادهم ، و لا يزال الورم يصعد من القدم حتى يبلغ الفؤاد ، فيموت صاحبه مرضا و عطشا وجوعا (1) .
  و قال ابن الأثير : دعا المنصور محمد بن عبد الله العثماني ، و كان أخا لأبناء الحسن من أمهم ، فأمر بشق ثيابه حتى بانت عورته ، ثم ضرب مائة و خمسون سوطا ، فأصاب سوط منها وجهه فقال : و يحكك اكفف عن وجهي ، فقال المنصور للجلاد : الرأس الرأس ، فضربه على رأسه ثلاثين سوطا ، و أصاب إحدى عينيه فسالت على وجهه ، ثم قتله ـ ثم ذكر ـ و أحضرالمنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن ، و كان أحسن الناس صورة ، فقال له : أنت الديباج الأصفر ، لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحدا ، ثم أمر به ، فبني عليه اسطوانة و هو حي ، فمات فيها (2) .
  3 ـ ثم ولي بعده المهدي ولد المنصور ، و بقي في الحكم من سنة (158 ه) إلى سنة (169 ه) و كفى في الإشارة إلى ظلمه للعلويين ، انه أخذ علي ابن العباس بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام ) ، فسجنه فدس إليه السم فتفسخ لحمه و تباينت أعضاؤه.
  4 ـ و لما هلك المهدي بويع ولده الهادي ، و كانت خلافته سنة و ثلاثة أشهر ، سار فيها على سيرة من سبقه في ظلم العلويين و التضييق عليهم ، و كفى في الإشارة إلى ذلك ما ذكره أبو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين حيث قال : ان ام الحسين صاحب فخ هي زينب بنت عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام ) ، قتل المنصور أباها و اخوتها و عمومتها و زوجها علي بن الحسن ، ثم قتل الهادي حفيد المنصور ابنها الحسين ، و كانت تلبس المسوح على جسدها ، لا تجعل بينها و بينه شيئا حتى لحقت بالله عز و جل (3) .

---------------------------
(1) مروج الذهب 3/310 طبع 1948.
(2) الكامل 4/ 375.
(3) مقاتل الطالبيين 285 طبعة النجف.


الشيعة في موكب التاريخ _ 67 _

  5 ـ ثم تولى بعده الرشيد سنة (170 ه) و مات (193 ه) و كان له سجل أسود في تعامله مع الشيعة تبلورت أوضح صورة في ما لاقاه منه الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهم السلام ) ، و هو ما سنذكره لاحقا إن شاء الله تعالى ، و إليك‏واحدة من تلك الأفعال الدامية التي سجلها له التأريخ و رواها الاصبهاني عن إبراهيم بن رباح ، قال : إن الرشيد حين ظفر بيحيى بن عبد الله بن الحسن ، بنى عليه اسطوانة و هو حي ، و كان هذا العمل الاجرامي موروثا من جده المنصور (1) .
  6 ـ ثم جاء بعده ابنه الأمين ، فتولى الحكم أربع سنين و أشهرا ، يقول أبو الفرج : كانت سيرة الأمين في أمر آل أبي طالب خلاف من تقدم لتشاغله بما كان فيه من اللهو ثم الحرب بينه و بين المأمون ، حتى قتل فلم يحدث على أحد منهم في أيامه حدث.
  7 ـ و تولى الحكم بعده المأمون ، و كان من أقوى الحكام العباسيين بعد أبيه الرشيد.فلما رأى المأمون إقبال الناس على العلويين و على رأسهم الإمام الرضا ، ألقى عليه القبض بحيلة الدعوة إلى بلاطه ، ثم دس اليه السم فقتله.
  8 ـ مات المأمون سنة (210 ه) و جاء إلى الحكم ابنه المعتصم فسجن محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام )إلا أنه استطاع الفرار من سجنه.
  9 ـ ثم تولى الحكم بعده الواثق الذي قام بسجن الإمام محمد بن علي الجواد ( عليه السلام ) و دس له السم بيد زوجته الأثيمة أم الفضل بنت المأمون.
  10 ـ و ولي الحكم بعد الواثق المتوكل ، و إليك نموذجا من حقده على‏آل البيت و هو ما ذكره أبو الفرج قال : كان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظا في جماعتهم ، شديد الغيظ و الحقد عليهم ، و سوء الظن و التهمة لهم ، و اتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسي‏ء الرأي فيهم ، فحسن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله ، و كان من ذلك أن كرب (2) قبر الحسين (عليه السلام ) و عفى آثاره ، و وضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحدا زاره إلا أتوه به و قتله أو أنهكه عقوبة.

---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين 320 طبع النجف ، و روى في مقتله أمرا آخر.
(2) الكرب : إثارة الأرض للزرع.


الشيعة في موكب التاريخ _ 68 _

  و قال : بعث برجل من أصحابه (يقال له ( الديزج ) و كان يهوديا فأسلم) إلى قبر الحسين (عليه السلام) و أمره بكرب قبره و محوه و إخراب ما حوله ، فمضى ذلك فخرب ما حوله و هدم البناء و كرب ما حوله مائتي جريب ، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد ، فأحضر قوما من اليهود فكربوه ، و أجرى الماء حوله ، و وكل به مسالح ، بين كل مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلا أخذوه و وجهوا به إليه .
  و قال أيضا : حدثني محمد بن الحسين الأشناني : بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام ، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، و ساعدني رجل من العطارين على ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار و نسير الليل ، حتى أتينا نواحي الغاضرية ، و خرجنا نصف الليل ، فصرنا بين مسلحتين ، و قد ناموا ، حتى أتينا القبر فخفي علينا ، فجعلنا نشمه(نتسمه)و نتحرى جهته حتى أتيناه ، و قد قلع الصندوق الذي كان حواليه ، و أحرق و أجري الماء عليه ، فانخسف موضع اللبن و صار كالخندق ، فزرناه و أكببنا عليه ـ إلى أن قال : ـ فودعناه و جعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع ، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين و الشيعة حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات و أعدناه إلى ما كان عليه.
  و قال أيضا : و استعمل على المدينة و مكة عمر بن الفرج ، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس و منع الناس من البر بهم ، و كان لا يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشي‏ء و إن قل إلا أنهكه عقوبة ، و أثقله غرما ، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرقعنه و يجلسن على مغازلهن عوارى حواسر ، إلى أن قتل المتوكل فعطف المنتصر عليهم و أحسن إليهم بمال فرقه بينهم ، و كان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله و مضادة مذهبه (1) .
  و ولي بعده المنتصر ابنه ، و ظهر منه الميل إلى أهل البيت و خالف أباهـكما عرفتـفلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه فيما بلغنا.
  و أول ما أحدثه أنه لما ولي الخلافة عزل صالح بن علي عن المدينة ، و بعث علي بن الحسين (عليهم السلام ) مكانه فقال له ـ عند الموادعة ـ : يا علي : إني أوجهك إلى لحمي و دمي فانظر كيف تكون للقوم ، و كيف تعاملهم ـ يعني آل أبي طالب ـ فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين ـ أيده اللهـفيهم ، إن شاء الله .قال : إذا تسعد بذلك عندي (2) .

---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين 597ـ 599.
(2) مقاتل الطالبيين 636.

الشيعة في موكب التاريخ _69 _

  و قام بعده المستعين بالأمر ، فنقض كلما عزله المنتصر من البرو الإحسان ، و من جرائمه انه قتل يحيى بن عمر بن الحسين ، قال أبو الفرج : و كان ( رضي الله عنه ) رجلا فارسا شجاعا شديد البدن ، مجتمع القلب ، بعيدا من رهق الشباب و ما يعاب به مثله ، و لما أدخل رأسه إلى بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكارا له ، و دخل أبو هاشم على محمد بن عبد الله ابن طاهر ، فقال : أيها الأمير ، قد جئتك مهنئا بما لو كان رسول الله (صلى الله عليه واله و سلم ) حيا يعزى به.
  و أدخل الأسارى من أصحاب يحيى إلى بغداد و لم يكن روي قبل ذلك من الأسارى لحقه ما لحقهم من العسف و سوء الحال ، و كانوا يساقون و هم حفاة سوقا عنيفا ، فمن تأخر ضربت عنقه.
  قال أبو الفرج : و ما بلغني أن أحدا ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب رثي بأكثر مما رثي به يحيى ، و لا قيل فيه الشعر بأكثر مما قيل فيه.
  أقول : إن العباسيين قد أتوا من الجرائم التي يندى لها الجبين و تقشعر منها الجلود في حق الشيعة بحيث تغص بذكرها المجلدات الكبيرة الواسعة ، بل و فاقوا بأفعالهم المنكرة ما فعله الأمويون من قبل ، و لله در الشاعر حيث قال :
تالله   إن  كانت  أمية  قد  iiأتت‏      قتل   ابن  بنت  نبيها  iiمظلوما
فلقد    أتاه   بنو   أبيه   iiبمثلها      هذا    لعمرك    قبره   iiمهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا      في     قتله    فتتبعوه    iiرميما

الشيعة في موكب التاريخ _70 _

  و من أراد أن يقف على سجل جرائم الدولتين (الأموية و العباسية) و ملف مظالمهم فعليه قراءة القصائد الثلاث التي نظمها رجال مؤمنون‏مخلصون ، عرضوا أنفسهم للمخاوف و الأخطار طلبا لرضى الحق :
  1 ـ تائية دعبل الخزاعي الشهيد عام 246 هـ ، فإنها وثيقة تاريخية خالدة تعرب عن سياسة الدولتين تجاه أهل البيتـعليهم السلامـ ، و قد أنشدها الشاعر للإمام الرضا ، فبكى و بكت معه النسوة .
  أخرج الحموي عن أحمد بن زياد عن دعبل الخزاعي قال : أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا( رضي الله عنه) :
مدارس  آيات خلت من iiتلاوة      و منزل وحي مقفر العرصات‏
  قال دعبل : ثم قرأت باقي القصيدة ، فلما انتهيت إلى قولي :
خروج  إمام  لا  محالة iiواقع‏      يقوم على اسم الله و البركات
  بكى الرضا بكاءا شديدا.

الشيعة في موكب التاريخ _71 _

  و من هذه القصيدة قوله :
هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه‏      و  ما  حكمه بالزور و iiالشبهات‏
تراث بلا قربى ، و ملك بلا iiهدى      ‏  و  حكم بلا شورى ، بغير iiهداة
  و فيها أيضا قوله :
لآل  الرسول  بالخيف من iiمنى‏      و البيت و التعريف و iiالجمرات‏
ديار  علي  و  الحسين و iiجعفر      و  حمزة  و السجاد ذي iiالثفنات‏
ديار   عفاها  جون  كل  iiمبادر      و  لم  تعف  بالأيام و iiالسنوات‏
منازل  كانت  للصلاة  و iiللتقى‏      و للصوم و التطهير و الحسنات‏
منازل  وحي  الله  معدن  iiعلمه‏      سبيل  رشاد  واضح  iiالطرقات‏
منازل  وحي  الله  ينزل iiحولها      على أحمد الروحات و iiالغدوات

الشيعة في موكب التاريخ _72 _

  إلى أن قال :
ديار  رسول الله أصبحن iiبلقعا      و  دار  زياد أصبحت iiعمرات‏
و  آل  رسول الله غلت رقابهم‏      و   آل  زياد  غلظ  القصرات‏
و آل رسول الله تدمى نحورهم‏      و  آل  زياد  زينوا  iiالحجلات
  و فيها أيضا :
أفاطم  لو  خلت  الحسين  iiمجدلا      و  قد  مات  عطشانا بشط iiفرات‏
إذا   للطمت   الخد   فاطم  iiعنده‏      و  أجريت دمع العين من iiوجنات‏
أفاطم قومي يا ابنة الخير و اندبي‏      نجوم   سماوات   بأرض  (1) iiفلات


---------------------------
(1) لاحظ للوقوف على هذه القصيدة : المناقب لابن شهر آشوب 2/394 ، و روضة الواعظين للفتال النيسابوري 194 ، و كشف الغمة للأربلي 3/112ـ117 ، و قد ذكرها أكثر المؤرخين.

الشيعة في موكب التاريخ _ 73 _

  2 ـ ميمية الأمير أبي الفراس الحمداني (320ـ357 هـ) ، و هذه القصيدة تعرف بالشافية ، و هي من القصائد الخالدة ، و عليها مسحة البلاغة ، و رونق الجزالة ، و جودة السرد ، و قوة الحجة ، و فخامة المعنى ، أنشدها ناظمها لما وقف على قصيدة ابن سكرة العباسي التي مستهلها :
بني    علي    دعوا    iiمقالتكم‏      لا ينقص الدر وضع من وضعه
  فقال الأمير في جوابه ميميته المعروفة و هي :
الحق مهتضم و الدين مخترم‏      و فيى‏ء آل رسول الله مقتسم
  إلى أن قال :
يا للرجال أما لله منتصر      من الطغاة ؟ أما لله iiمنتقم ؟

الشيعة في موكب التاريخ _ 74 _

  بنو علي رعايا في ديارهم‏ و الأمر تملكه النسوان و الخدم! (1)
  3 ـ جيمية ابن الرومي التي رثى بها يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد ، و منها :
أمامك  فانظر  أي  نهجيك iiتنهج‏      طريقان  شتى  مستقيم  و iiأعوج‏
ألا  أي هذا الناس طال ضريركم‏      بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا
أكل     أوان     للنبي    iiمحمد      قتيل    زكي   بالدماء   iiمضرج
(2)   و كم من الانصاف في ما كتبه الاصبهاني عن مدى العب الذي تحمله أهل البيت و شيعتهم من أجل كلمة الحق ، و موقف الصدق ، و ما ترتب على ذلك من تكالب لا يعرف الرحمة من قبل الحكومات الجائرة المتلاحقة للقضاء على هذا الوجود المقدس و اجتثاثه من أصله ، حيث ذكر :

---------------------------
(1) نقلها في الغدير برمتها و أخرج مصادرها ، لا حظ 3/399ـ 402.
(2) مقاتل الطالبيين 639ـ 646.


الشيعة في موكب التاريخ _ 75 _

  (و الله لا يعرف التاريخ أسرة كأسرة أبي طالب بلغت الغاية من شرف الارومة ، و طيب النجار ، ضل عنها حقها ، و جاهدت في سبيل الله حق الجهاد من الأعصار ، ثم لم تظفر من جهادها المرير إلا بالحسرات ، و لم تعقب من جهادها إلا العبرات ، على ما فقدت من أبطال أسالوا نفوسهم في ساحة الوغي ، راضية قلوبهم مطمئنة ضمائرهم ، و صافحوا الموت في بسالة فائقة ، و تلقوه في صبر جميل يثير في النفس الاعجاب و الاكبار ، و يشيع فيها ألوان التقدير و الاعظام ، و قد أسرف خصوم هذه الأسرة الطاهرة في محاربتها ، و أذاقوها ضروب النكال ، و صبوا عليها صنوف العذاب ، و لم يرقبوا فيها إلا و لا ذمة ، و لم يرعوا لها حقا و لا حرمة ، و أفرغوا بأسهم الشديد على النساء و الأطفال ، و الرجال جميعا ، في عنف لا يشوبه لين ، و قسوة لا تمازجها رحمة ، حتى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال ، في فضاعة النكال ، و قد فجرت هذه القسوة البالغة ينابيع الرحمة و المودة في قلوب الناس ، و أشاعت الأسف الممض في ضمائرهم ، و ملأت عليهم أقطار نفوسهم شجنا ، و صارت مصارع هؤلاء الشهداء حديثا يروى ، و خبرا يتناقل ، و قصاصا تقص ، يجد فيها الناس إرضاء عواطفهم و إرواء مشاعرهم ، فتطلبوه و حرصوا عليه) (1) .
  نعم لقد اقترن تاريخ الشيعة بأنواع الظلم و النكال ، و القتل و التشريد ، بحيث لم تشهده أي طائفة أخرى من طوائف المسلمين ، بلى لم ير الأمويون و العباسيون و لا الملوك الغزانوة و لا السلاجقة و لا من أتى بعدهم أي حرمة لنفوسهم و أعراضهم و علومهم و مكتباتهم ، فحين كان اليهود و النصارى يسرحون و يمرحون في أرض الإسلام و المسلمين ، و قد كفل لهم الحكام حرياتهم باسم الرحمة الإسلامية ، كان الشيعة يؤخذون تحت كل حجر و مدر ، و يقتلون بالشبهة و الظنة ، و تشرد أسرهم ، و تصادر أموالهم ، و لا يجدون بدا من أن يخفوا كثيرا من عقائدهم خوف النكال و القتل ، و بأيدي و قلوب نزعت منها الرحمة ، فلا تثريب إذن على الشيعي أمام هذه الوحشية المسرفة من أن يتعامل مع أخيه المسلم بالتقية ، و أن يظهر خلاف ما يعتقده ، بل اللوم أجمعه يقع على من حمله على ذلك ، بعد أن أباح دمه و عرضه و ماله ، هذا هو طغرل بيك أول ملك من ملوك السلاجقة ورد بغداد سنة 447 هـ ، و شن على الشيعة حملة شعواء ، و أمر بإحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير ، وزير بهاء الدولة البويهي ، و كانت من دور العلم المهمة في بغداد بناها هذا الوزير الجليل في محلة بين السورين في الكرخ سنة 381 هـعلى مثال بيت الحكمة الذي بناه هارون الرشيد ، و كانت من الأهمية العلمية بمكان ، حيث جمع فيها هذا الوزير ما تفرق من كتب فارس و العراق ، و استكتب تآليف أهل الهند و الصين و الروم ، كما قاله محمد كرد علي ، و نافت كتبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار و مهام الأسفار ، و أكثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلفين (2) .

---------------------------
(1) مقدمة مقاتل الطالبيين ، بقلم السيد أحمد صفر : الصفحة يـك ، طبع دار المعرفة.
(2) خطط الشام 3/ 185.


الشيعة في موكب التاريخ _76 _

  قال يا قوت الحموي : و بها كانت خزانة الكتب التي أوقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة ، و لم يكن في الدنيا أحسن كتابا منها ، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة و أصولهم المحررة (1) .
  و كان من جملتها مصاحف بخط ابن مقلة على ما ذكره ابن الأثير (2) .
  و لما كان الوزير سابور من أهل الفضل و الأدب ، فقد أخذ العلماء يهدون إليه مصنفاتهم المختلفة ، فأصبحت مكتبته من أغنى دور الكتب ببغداد ، و قد أحرقت هذه المكتبة العظيمة في جملة ما احترق من محال الكرخ عند مجي‏ء طغرل بيك ، و توسعت الفتنة حتى اتجهت إلى شيخ الطائفةو أصحابه فأحرقوا كتبه و كرسيه الذي كان يجلس عليه للكلام.
  قال ابن الجوزي في حوادث سنة 448 ه : و هرب أبو جعفر الطوسي و نهبت داره ، ثم قال في حوادث سنة 449 هـ : و في صفر هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة في الكرخ ، و أخذ ما وجد من دفاتره و كرسي يجلس إليه للكلام ، و أخرج إلى الكرخ أضيف إليه ثلاث سناجيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديما يحملونها معهم إن قصدوا زيارسة الكوفة ، فأحرق الجميع (3) .
  و اخيرا فلعل القارى‏ء الكريم إذا تأمل بتدبر و تأن إلى جملة ما كتب و ألف من المراجع التاريخيةـو حتى تلك التي كتبت في تلك العصور التي شهدت هذه المجازر المتلاحقة ، و التي بلا أدنى شك كان أغلبها يجاري أهواء الأسر الحاكمة آنذاك ـ فانه سيجد بوضوح إن بقاء الشيعة حتى هذه الأزمنة من المعاجز و الكرامات و خوارق العادات ، كيف و ان تاريخهم كان سلسلة من عمليات الذبح ، و القتل ، و القمع ، و الاستئصال ، و السحق ، و الإبادة ، قد تضافرت قوى الكفر و الفسق على إهلاكهم و قطع جذورهم ، و مع ذلك فقد كانت لهم دول و دويلات ، و معاهد و كليات ، و بلدان و حضارات ، و أعلام و مفاخر ، و عباقرة و فلاسفة ، و فقهاء ، و محدثون ، و وزراء و سياسيون ، و يشكلون اليوم خمس المسلمين أو ربعهم.

---------------------------
(1) معجم البلدان 2/ .342
(2) التاريخ الكامل 10/ .3
(3) المنتظم 8/173ـ179 ، نقلنا ما يتعلق بمكتبة أبي نصر سابور و الشيخ الطوسي عن مقدمة شيخنا الطهراني على التبيان و ذكرنا المصادر التي أومأ هو إليها في الهامش ، لا حظ الصفحة هـو : من المقدمة.


الشيعة في موكب التاريخ _77 _

  نعم إن ذلك من فضله سبحانه لتعلق مشيئته على إبقاء الحق‏و إزهاق الباطل في ظل قيام الشيعة طيلة القرون بواجبها و هو الصمود أمام الظلم ، و التضحية و التفدية للمبدأ و المذهب و قد قال سبحانه : إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين و إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون (1) .
  و لا يفوتنك أخي القارى‏ء الكريم ان ثوراتهم المتعاقبة على الحكومات الظالمة الفاسدة الخارجة عن حدود الشريعة الإسلامية العظيمة هي التي أدت إلى تشريدهم و قتلهم و الفتك بهم ، و لو أنهم ساوموا السلطة الأموية و العباسية ، لكانوا في أعلى المناصب و المدارج ، لكن ثوراتهم لم تكن عنصرية أو قومية أو طلبا للرئاسة ، بل كانت لإزهاق الباطل و رفع الظلم عن المجتمع ، و الدعوة إلى اعلاء كلمة الله و غير ذلك مما هو من وظائف العلماء العارفين .

---------------------------
(1) الأنفال/ .65