الفـَارِسُ الشّجَـاع

   الشجاعة أو الجرأة ، موهبة يتمتع بها غالب عظماء الانسانية ، فهي لا تقبل التكلُّفَ ولا تستقيم معها محاكاة ، وهي ايضاً صفة كريمة تميَّز بها العرب بصورة عامة ، والمسلمون بصورة خاصة .
   فالعربي بطبعه ـ غالباً ـ شجاع غير هياب ، يتقحم موارد الهلكة ، إن رأى في ذلك ما يرضي مزاجه ، حتى ولو كانت الخسارة عنده أكبر في ميزان الاحتمال ، ولعل هذه الخصلة الكريمة ، هي احدى معطيات الطبيعة الصحراوية ، وما فرضته من خشونة العيش على هذا الانسان .
   فالمعروف عن العرب القدامى ، أن ظروفهم المعاشية كانت صعبة للغاية ، فكانت جلُّ حياتهم الاقتصادية تقوم على الغزو أو السلب ، أو طَرق الاحياء أو ما شابه ذلك ، مما كان متسالم عليه لديهم آنذاك *، ولا يرون فيه أي إخلال بالشرف أو المكانة الاجتماعية ، بل على العكس من ذلك ، فقد كان هذا العمل يكسب القائم به رفعة وسؤدداً في قبيلته وبني قومه ، فكان المغيرون على الأحياء يتفاخرون بذلك ، وينشدون فيه الأشعار .

---------------------------
* وكانت التجارة احدى الدعامات الاقتصادية الهامة ، لكن يبدو انها كانت مختصة بطبقة معينة من أصحاب السيادة .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 28 _

قال طفيل الغنوي :
وغــارة كـجراد الـريح iiزعـزعها      مخراق حرب كنصل السيف بهلول (1)

   وهم يرون في ذلك ردءاً لهم من الغارات التي يمكن أن تشنها عليهم القبائل الأخرى ، كما يرون في ذلك إظهارا لشجاعتهم وقوتهم حتى لا يفكر الآخرون بغزوهم .
   قال المثقب العبدي :
ونحمي على الثغر المخوف ويتقى      بـغارتنا كيدُ العدى iiوضُيومُها(1)

وقال الآخر :
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه      يُـهدَّم ومن لم يظلم الناس يُظلَم

   والمسلم الحقيقي شجاع ايضا بمقتضى تركيبته الذهنية الخاصة التي صقلها الاسلام ، وروحه الرسالية المستمدة منه ، فهو لا يعرف معنى الخوف من الموت ـ في الله ـ لأنه مؤمن بسلامة المصير ، فلا يرى غير الجنة أعدت للمتقين في الآخرة ، ومتى كان الامر كذلك ، يهون عليه كل شيء في سبيل ذلك حتى نفسه ، وتأريخنا الاسلامي حافل بالبطولات والتضحية كما هو بيِّن وواضح لدى كل من يتتبعه .
   وصاحبنا أبو ذر رضي الله عنه ، الذي هو موضوع بحثنا الآن ، كان ممن اتسم بأعلى معاني البطولة والشجاعة ، في الجاهلية ، وفي الاسلام .

---------------------------
(1) شعر الحرب في العصر الجاهلي 80 و 462 ( البهلول : السيد الجامع لكل خير ) و ( المخراق : الرجل الحسن الجسيم المتصرف بالامور الذي لا يقع في أمر الا خرج منه ) .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 29 _

   ففي الجاهلية كان شجاعاً بطبعه ، بل في طليعة الشجعان المغامرين ، فالمعروف عنه أنه كان فارس ليل ، لا يعرف معنى الخوف ولا الوجل ، يغير على الحي ، وعلى القوافل ، فيصيب منها ، ثم يرجع الى مقره .
   روى بن سعد في الطبقات ، بسنده :
   كان أبو ذر رجلا يصيب الطريق ، وكان شجاعاً يتفرد وحده بقطع الطريق ، ويغير على الصرم * في عماية الصبح على ظهر فرسه ، أو على قدميه ، كأنه السبع ، فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ ، ثم إن الله قذف في قلبه الاسلام (1).
   وهذه الرواية لا تنافي كونه كان متعبداً قبل الاسلام ، يتألَّه ويعبد الله وحده ، فمما لا يخفى على الباحث والمطلع ، أن هناك أموراً كانت سائدة لدى العرب في الجاهلية وكانوا متسالمين على أكثرها فأقرَّ الاسلام بعضها ، ونهى عن بعضها الآخر ، فكان من جملة ما نهى عنه الاسلام هذه الخصال الذميمة وهي قطع الطرق ، والإغارة على الناس في مآمنهم ، فانتهى عنها المسلمون ، ولا مانع من أن يكون أبو ذر متعبداً قبل الاسلام بسنوات ، ويفعل بعض هذه الاعمال ، ثم انتهى عنها حين نهى الاسلام عنها ! إنه لا مانع من ذلك قط ، ولا يُخلُّ هذا بشرفه ومكانته ، هذا ، اذا لم نقل بأنه كان يفعل ذلك مع الفئات والقبائل التي تعبد الأصنام ، استحلالا منه لذلك ، فمن يدري ؟
   وحين اسلم أبو ذر ، زاده الاسلام شجاعة الى شجاعته ، ومنحه زخماً

---------------------------
* الصَّرم : الفرقة من الناس ليس بالكثير .
(1) أعيان الشيعة 16 / 320 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 30 _

   لا تدرك حدوده ، فكان من فرسان الاسلام وأبطالهم ، من أول يوم .
فقد قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم :
   يا رسول الله ، اني منصرف الى أهلي ، وناظر متى يؤمر بالقتال ، فألحق بك ، فاني أرى قومك عليك جميعاً !
   فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أصبت .
   فانصرف ، فكان يكون بأسفل ثنية غزال (1)فكان يعترض لعيرات قريش ، فيقتطعها فيقول : لا أرُدّ لكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله ، وان محمداً رسول الله ! .
   فان فعلوا ، ردَّ ما أخذ منهم ، وان أبوا ، لم يرد عليهم شيئاً ، فكان على ذلك ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومضى بدر ، وأحد ، ثم قدم فأقام بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2).

---------------------------
(1) ثنية غزال موضع بين مكة والمدينة .
(2) أعيان الشيعة 16 / 321 عن الطبقات الكبرى لابن سعد .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 31 _

تعَـبُّـدهُ قبـلَ الإسـلاَم

  قال عبد الله بن الصامت ، قال أبو ذر :
  ( وقد صليت ـ يا ابن أخي ـ قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث سنين .
   قلت : لمن ؟
   قال : لله .
   قلت : فأين توجَّه ؟
   قال : أتوجه حيث يوجهني ربي ، أصلي عشاء ، حتى اذا كان من آخر الليل ، أُلقيت ، كأني خِفَاء * (1)حتى تعلوني الشمس (2)، وكان أكثر عبادته التفكر والاعتبار (3).
   وفي الطبقات الكبرى لابن سعد : كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ، ويقول لا إله إلا الله ، ولا يعبد الأصنام ، فمرَّ عليه رجل من أهل مكة ـ بعدما أوحي الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال : يا أبا ذر ! إن رجلا بمكة يقول مثل ما تقول لا إله إلا الله ، ويزعم انه نبي (4)..

---------------------------
(1) * الخفاء ـ الكساء الذي يغطَّى به السَّقاء .
(2) صحيح مسلم ـ 4 ـ ص 1920 ب 28 ـ فضائل الصحابة .
(3) الخصال ص 42 .
(4) الغدير 8 / 308 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 32 _

إسْـلاَمـه

   حين تناهى الى سمع أبي ذر ، نبأ ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ودعوته الناس الى الاسلام عقد العزم على اللقاء به ، والاستماع منه .
لكنه فضل بادئ الأمر أن يرسل أخاه ـ أنيساً ـ * ليحمل اليه بعض أخباره ، فقال له :

---------------------------
* ومن غريب ما ورد في خبر اسلامه أيضاً :
   أن ذئبا عدى على غنم له من جانب ، فنجش عليه أبو ذر بعصاه ، فتحول الى الجانب الآخر ، فنجش عليه ، فقال : مارأيت ذئبا أخبث منك ؟ فأنطق الله الذئب فقال : أشر مني أهل مكة ! بعث الله اليهم نبيا ، فكذبوه وشتموه .
   فخرج ابو ذر من أهله يريد مكة .. الخ .. هكذا ورد في كتاب الواعظ م 2 ص 146 .
   وهذه الرواية ـ اذا صحت ـ فهي معجزة للنبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد ذكر الدميري في كتاب الحيوان 1 ص 362 قريبا من ذلك بدون أن يذكر الاسم ، قال : عن ابي سعيد الخدري :
   بينما راع يرعى بالحرَّة ، اذ عدا الذئب على شاة ، فحال الراعي بينه وبينها ، فأقعى الذئب على ذنبه ، وقال : يا عبد الله ، تحول بيني وبين رزق ساقه الله الي ؟
   فقال الرجل : واعجبا ! ذئب يكلمني ؟ فقال الذئب : آلا اخبرك بأعجب مني ، هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين الحرتين يخبر الناس بأنباء ما قد سبق !
=

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 33 _

   ( اركب الى هذا الوادي ، واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم انه يأتيه الخبر من السماء ! واسمع من قوله ، ثم إإتني .
   انطلق أنيس ، حتى قدم مكة ، وسمع من قوله .
   ثم رجع الى أبي ذر ، فقال : رأيته يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويأمر بمكارم الأخلاق ، وسمعت منه كلاماً ، ما هو بالشعر !
   فقال له أبو ذر : ما شفيتني فيما أردتُ .
   فتزود وحمل شنَّة له فيها ماء ، حتى قدم مكة ، فأتى المسجد ، فالتمس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و ( هو ) لا يعرفه ، وكره أن يسأل عنه ، حتى أدركه الليل ، فاضطجع ، فرآه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : كأن الرجل غريب .
   قال : نعم .
   قال : انطلق الى المنزل .
   قال أبو ذر : فانطلقت معه ، لا يسألني عن شيء ولا أسأله .
   فلما

---------------------------
= فزوى الراعي شياهه الى زاوية المدينة ، ثم أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبره ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : صدق والذي نفسي بيده .
   ( ثم قال ) : قال ابن عبد البر : وغيره كلم الذئب من الصحابة ثلاثة : رافع بن عميرة ، وسلمة بن الاكوع ، وأهبان بن أوس الاسلمي ، قال : ولذلك تقول العرب : هو كذئب أهبان يتعجبون منه .
   وذلك ، ان أهبان بن أوس المذكور كان في غنم له ، فشد الذئب على شاة منها ، فصاح به أهبان ، فأقعى الذئب ، وقال : أتنزع مني رزقا رزقنيه الله ؟ ! فقال أهبان : ما سمعت ولا رأيت اعجب من هذا ، ذئب يتكلم ؟ .
   فقال الذئب : أتعجب من هذا ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين هذه النخلات ، وأومأ بيده الى المدينة يحدث بما كان وبما يكون ، ويدعو الناس الى الله والى عبادته وهم لا يجيبونه .. الخ (3) .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 34 _

   أصبحت من الغد ، رجعت الى المسجد ، فبقيت يومي حتى أمسيت ، وسرت الى مضجعي ، فمر بي عليّ ، فقال : أما آن للرجل أن يعرف منزله ؟
   فأقامه ، وذهب به معه ، وما يسأل واحد منهما صاحبه .
حتى اذا كان اليوم الثالث ، فعل مثل ذلك ، فأقامه عليّ معه .
   ثم قال له علي ( عليه السلام ) : ألا تحدثني ما الذي اقدمك هذا البلد ؟
   قال : إن اعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني ، فعلت ، ففعل .
   فأخبره علي ( عليه السلام ) عنه أنه نبي ، وأن ما جاء به حق ، وأنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم قال له : فاذا اصبحت ، فاتبعني ، فاني إن رأيت شيئاً أخاف عليك ، قمت كأني أريق الماء ، فان مضيت ، فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي .
   قال : فانطلقت أقفوه ، حتى دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودخلت معه ، وحييت رسول الله بتحية الاسلام ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ـ وكنت أول من حياه بتحية الاسلام ـ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وعليك السلام ، من أنت ؟
   قلت : رجل من بني غفار ، فعرض علي الاسلام فاسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .
   فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ارجع الى قومك ، فأخبرهم ، واكتم أمرك عن أهل مكة فاني أخشاهم عليك .
   فقلت : والذي نفسي بيده ، لأصوِّتن بها بين ظهرانيهم .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 35 _

   فخرج حتى أتى المسجد ، فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
   فثار اليه القوم وضربوه حتى أضجعوه .
   فأتى العباس ، فأكب عليه وقال : ويلكم ألستم تعلمون أنه من بني غفار ، وأن طريق تجارتكم الى الشام عليهم ، وأنقذه منهم .
   ثم عاد من الغد الى مثلها ، وثاروا اليه فضربوه ، فأكب عليه العباس ، فأنقذه ، ثم لحق بقومه (1).
   ومن طريف ما يروى عنه :
   أنه رأى إمرأة تطوف بالبيت ، وتدعو بأحسن دعاء في الأرض ، وتقول : اعطني كذا وكذا ..ثم قالت في آخر ذلك : يا إساف ، ويا نائلة !! ( وهما صنمان لقريش ، زُعم أنهما كانا من أهل اليمن ، أحب أحدهما الآخر ، فقدما حاجين ، فدخلا الكعبة ، فوجداها خلواً من كل أحد ، ففجرا بها ، فمسخا حجرين ، فأصبح الحجاج ، فوجدوهما حجرين ، فوضعوهما الى جانب ليتعظ بهما الناس كي لا يتكرر هذا العمل ، ثم توالت الأيام ، فعبدتهما قريش كبقية الأصنام ) .
   فالتفت أبو ذر الى تلك المرأة ، قائلا : أنكحي أحدهما صاحبه ! .
   فتعلقت به ، وقالت : أنت صابئ ، فجاء فتية من قريش فضربوه ، وجاء ناس من بني بكر ، فنصروه .

---------------------------
(1) اعيان الشيعة ج 16 / 316 ـ 317 نقلا عن : الاستيعاب / باب الكنى ، وفي الاصابة 4 / ص 62 ـ 63 وفي صحيح مسلم قريبا من ذلك .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 36 _

   فجاء الى النبي ، فقال : يارسول الله ، أما قريش ، فلا أدعهم حتى أثأر منهم ... ضربوني !!
   فخرج حتى أقام بعسفان (1)وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام ، ينفِّر بهم على ثنية غزال فتلقي أحمالها ، فيجمعوا الحنط ، ( فيقول أبو ذر لهم ) : لا يمس أحد حبة حتى تقولوا ، لا إله إلا الله ، فيقولون ، لا إله إلا الله ، ويأخذون الغرائر ! (2).
   وحين رجع أبو ذر الى قومه ، نفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدعاهم الى الله عز وجل ونَبذِ عبادة الأوثان والايمان برسالة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكان أول من أسلم منهم أخوه أنيس ، ثم اسلمت أمهما ، ثم أسلم بعد ذلك نصف قبيلة غفار ، وقال نصفهم الباقي : اذا قدم رسول الله المدينة ، أسلمنا .
   جاء في صحيح مسلم : عن أبي ذر قوله :
   فأتيت أنيساً ، فقال : ما صنعت ؟ قلت : صنعت ، أني قد أسلمت وصدَّقت ، قال : ما بي رغبة عن دينك ! فأتينا أمَّنا ، فقالت : ما بي رغبة عن دينكما ! فاني قد أسلمت وصدقت .
   فاحتملنا (3)حتى أتينا قومنا غفاراً ، فأسلم نصفهم .

---------------------------
(1) عسفان : موضع على بعد ستة وثلاثين ميلا ، ( بين مكة والمدينة ) المعجم .
(2) أعيان الشيعة 16 / 320 ـ 321 ، الكلمات التي بين قوسين خارجة عن الأصل .
(3) يعني حملنا انفسنا ومتاعنا .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 37 _

   وقال نصفهم : أذا قدم رسول الله المدينة ، أسلمنا ، فقدم رسول الله المدينة ، فأسلم نصفهم الباقي ، وجاءت أسلم (1)فقالوا : يا رسول الله ! اخوتنا ، نسلم على الذي أسلموا عليه ، فأسلموا .
   فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( غفَار غَفر الله لها ، وأسلَم سالمها الله ) (2).
   ومجمل القول : فان أبا ذر ( رض ) كان من المبادرين الأول لاعتناق الاسلام حتى قيل انه رابع من أسلم ، وقيل خامسهم .
قال في الاستيعاب :
   كان إسلام أبي ذر قديماً ، يقال بعد ثلاثة ، ويقال : بعد أربعة ، وقد روي عنه أنه قال : أنا ربع الاسلام ، وقيل : كان خامساً (3).
   وقال الواقدي : وأسلم أبو ذر ، قالوا رابعاً ، أو خامساً (4)..

---------------------------
(1) اسم قبيلة .
(2) صحيح مسلم 4 / ك الفضائل ص 1922 .
(3) الاستيعاب / حاشية على كتاب الاصابة / م 1 ص 213 .
(4) الكامل 2 / 60 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 38 _

مـعَ الرَسُـول (صلى الله عليه وآله وسلم )

   لم يأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبا ذر ( رض ) باللحاق بقومه ، ودعوتهم الى الاسلام ، إلا لأنه توسم فيه صفات الكمال ، لما يتمتع به من روح عالية ، وثبات لا يتزعزع ، وتفان في العقيدة ، فوجده أهلا لأن يقوم بدور من هذا النوع ، والاسلام يمر بأدق المراحل وأخطرها .
   نحن نعلم أن النبي صلوات الله عليه كان ـ في بدء رسالته المباركة ـ يحتاج الى مزيد من المؤيدين والأعوان في داخل مكة ، وفي خارجها .
   في داخل مكة ، لتقوية الصف فيها ، وليمنع نفسه من قريش ! وفي خارج مكة ، لنشر مبادئ هذا الدين الجديد الحنيف ، واستقطاب أكبر عدد ممكن من الأفراد المسلمين كي ينهض بهذا الأمر جهرة وعلى الصعيد العام ، وتكون لديه القوة الكافية لصد أعدائه الذين يتربصون به الغيلة ويخططون للقضاء عليه وعلى الرسالة في مهدها .
   لقد آثر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إيفاد أبي ذر الى قومه بني غفار ، على بقائه معه ، لثقته العالية بأنه سينجح في نشر الاسلام بينهم .
   وهذا ما حصل ، فقد نجح أبو ذر في ذلك ، فقد أسلم نصف قومه على يده ، وأسلم النصف الباقي عند مجيء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى المدينة كما اسلفنا .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 39 _

   وبقي أبو ذر بينهم فترة طويلة ، لم يحضر في خلالها غزاة بدر ولا أحد ، ولا الخندق ( كما تقول الروايات ) ، بقي بينهم في خندق الجهاد الآخر ، حيث كان يفقههم في دينهم ، ويعلمهم أحكام الاسلام ، وهذا جهاد يحتاج الى عزيمة وحكمة ودراية ونفس طويل .
   وليس من الوارد في ذهن من يعرف أبا ذر ، أن يعتقد بتخلفه عن هذه الغزوات الثلاث بمحض ارادته واختياره ، بل من المؤكد أن تخلفه عنها ، وبقاؤه في قومه إنما كان بايعاز من الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
   والجهاد بالسيف مقرون مع الجهاد في اللسان ، بتعليم الناس أحكام دينهم ، وتفقيههم بها ، بعد تعلمها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
   قال تعالى : ( وما كانَ المؤمنونَ لِينفورا كافِّة فَلولا نَفَر مِن كُل فِرقة مِنهم طَائِفَة لِيَتفقَّهوا في الدِّين وليُنذِروا قَومَهم اذا رَجِعوا اليهم لَعَلَّهم يَحذرون ) 9 ـ 122 .
   قضى أبو ذر ، فترة بين بني قومه ، ثم عاد ليصحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويأخذ عنه العلم والمعارف والحكمة .
   وقد حظي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالاهتمام الكبير ، والعناية الخاصة ، فقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبتدئه بالسؤال والكلام اذا حضر ، ويسأل عنه اذا غاب .
   فعن ابي الدرداء قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبتدئ أبا ذر اذا حضر ، ويتفقده اذا غاب ) (1).
   ويظهر من بعض الأخبار انه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يمازحه ، كما كان هو يمازح

---------------------------
(1) الغدير 8 / 293 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 40 _

   النبي صلوات الله عليه وهذا إن دل على شيء ، فانما يدل على مكانته الخاصة لدى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
   فقد روي انه قدم الى المدينة ، فلما رآه النبي قال له : ( أنت أبو نملة !
   فقال : أنا أبو ذر .
   قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم ، أبو ذر (1).
   وعن الصادق عليه السلام ، قال :
   طلب أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل إنه في حائط ( بستان ) كذا وكذا .
   فتوجه في طلبه ، فوجده نائماً ، فأعظمه أن ينبهه ، فأراد أن يستبرئ نومه من يقظته ، فتناول عسيباً يابساً ، فكسره ليسمعه صوته ، فسمعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرفع رأسه فقال :
   يا أبا ذر ، تخدعني ، أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي ، كما أراكم في يقظتي ! إن عينيَّ تنامان ، ولا ينام قلبي (2)!!
   وكان رضي الله عنه في صحبته للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حريصاً على اقتباس العلوم ، فكان يغتنم الفرصة في ذلك ، ويحدثنا هو عن نفسه ، فيقول :
   لقد سألت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كل شيء حتى سالته عن مس الحصى ( في الصلاة ) ، فقال : مسَّه مرة ، أو دع (3).
   وقال : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء ، إلا ذكَّرنا منه علما (4) .

---------------------------
(1) الاصابة 4 / 63 والاستيعاب ص 64 .
(2) معجم رجال الحديث 4 / 171 .
(3) الغدير 8 / 312 عن مسند أحمد .
(4) الاستيعاب 4 / 64 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 41 _

   وقال : دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مسجده ، فلم أر في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي عليه السلام جالس الى جانبه ، فاغتنمت خلوة المسجد ، فقلت : يارسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أوصني بوصية ينفعني الله بها .
   فقال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم ، واكرم بك يا أبا ذر ، إنك منا أهل البيت (1)..وقد ذكرت وصيته بكاملها في آخر الكتاب ، وهي من عظيم كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وتصلح أن تكون بذاتها موضوعاً مستقلا يدرس .
   وفي ميدان معارفه وعلومه التي اكتسبها من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نذكر ما قاله أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) حين سئل عن أبي ذر ، فروي أنه قال في ذلك :
   وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه ، ثم أوكأ عليه ، فلم يخرج شيئاً منه (2)، وانما أوكأ أبو ذر على ذلك العلم ، ومنعه عن الناس ، لأنه لا تحتمله عقولهم .
   وفي رواية أخرى عن علي عليه السلام ، فيه :
   ( وعى علما عُجز فيه ، وكان شحيحاً حريصاً على دينه ، حريصا على العلم ، وكان يكثر السؤال ، فيُعطى ويَمنع ، أما ان قد ملئ في وعائه حتى امتلأ ) (3).
   وجاء عن كتاب حلية الأولياء : في هذا الصدد :
   كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه ، للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )

---------------------------
(1) تنبيه الخواطر 2 / 300 .
(2) الاستيعاب / حاشية على الاصابة 4 / 64 .
(3) الغدير 8 / 311 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 42 _

   ملازما وجليسا ، وعلى مسائلته والاقتباس منه حريصا ، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا ، سأله عن الأصول والفروع ، وسأله عن الايمان والاحسان ، وسأله عن رؤية ربه تعالى ، وسأله عن أحب الكلام الى الله تعالى ، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء ، أم تبقى ؟ وسأله عن كل شيء حتى مس الحصى في الصلاة (1)الخ .
   وقد منحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوسمة عالية أهمها :
   قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، ومن سرّه أن ينظر الى تواضع عيسى بن مريم ، فلينظر الى أبي ذر (2).
   وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن صحة هذا الحديث ، فصدَّقه .
   ففي معاني الأخبار بسنده ، عن رجل ، قال :
   قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أبي ذر ـ رحمة الله عليه ـ ما أظلَّت الخضراء ، ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة ، أصدق من أبي ذر ؟
   قال : بلى .
   قال : قلت : فأين رسول الله ، وأمير المؤمنين ؟ وأين الحسن والحسين ؟
   قال ، فقال لي : كم السنة شهراً ؟

---------------------------
(1) نفس المصدر 312 .
(2) الاستيعاب / الاصابة 1 / 216 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 43 _

   قلت : إثنا عشر شهراً .
   قال : كم منها حُرُم ؟
   قال : قلت : أربعة أشهر .
   قال : فشهر رمضان منها ؟
   قال : قلت : لا .
   قال ( عليه السلام ) : إن في شهر رمضان ليلة أفضل من ألف شهر ! إنَّا أهلُ بيت لا يقاس بنا أحد ! (1).

فـي غـزوة تبـوك

   في غزوة تبوك ، وقف بأبي ذر جمله ، فتخلف عليه ، فقيل : يا رسول الله : تخلف أبو ذر .
   فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ذروه ، فان يك فيه خير ، فسيلحقه الله بكم ، فكان يقولها لكم من تخلف عنه .
   فوقف أبو ذر على جمله ، فلما أبطأ عليه ، أخذ رحله عنه ، وحمله على ظهره ، وتبع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ماشياً .
   فنظر الناس ، فقالوا : يارسول الله ، هذا رجل على الطريق وحده .
   فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كن أبا ذر ! فلما تأمله الناس ، قالوا : هو أبو ذر !
   فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ويشهده عصابة من المؤمنين (2) .

---------------------------
(1) معاني الاخبار ص 179 .
(2) الكامل 2 / 280 والاصابة ج 4 / 64 بلفظ قريب .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 44 _

الـتشـيُّع ... مَـاهُـوَ ؟

   لكي تنثبت من الحقائق ، ونرفض كل ما يشيعه المغرضون حول عقيدة الشيعة ، ونشوئها في الاسلام ، يلزمنا ـ في هذا الحال ـ الرجوع الى عهود بعيدة ، مضت عليها قرون متعاقبة .
   ولكن ، حينما يتحد المضمون ، تتلاشى عنده كل المواقيت ، وكل مؤشرات القرب والبعد ، فهو لا يتغير ، ولا يتبدل ، ولا يخضع لأي ضوابط ، زمانية كانت أو غيرها .
   المضمون بالنسبة لنا واحد ، ألا وهو ( الاسلام ) فهو في كياننا اليوم ، كما كان بالأمس ، وكما كان قبل قرون ، وكما يكون غداً ، لا يتغير ولا يتبدل .
   والتشيع بالنسبة لنا ، هو من صميم ذلك المضمون ، ليس طارئا ، وليس جديداً على الاسلام ، بل هو أصل من أصوله ، دعا اليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما دعا الى بقية أركان الدين .
   فليس التشيع ، سوى حب أهل البيت عليهم السلام ، ومودتهم ،

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 45 _

   والتمسك بهم ، ومولاة علي عليه السلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخذ معالم الدين من معدنه .
   قال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ المَودَّة في القُربى ) ( 42 ـ 23 ) .
   هذا هو التشيع ببساطة .
   قال الأزهري : الشيعة ، هم الذين يهوون عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويوالونهم (1).
   وقد نشأ التشيع لعلي ( عليه السلام ) في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي أوصى المسلمين في مواطن كثيرة ، بالتمسك بأهل البيت ( عليه السلام ) كما دعاهم الى ولاء علي ( عليه السلام ) ونصَّ على ذلك في حجة الوداع الاخيرة ، حيث جاء في خطبته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
   معاشر المسلمين ، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟
   قالوا : اللهم بلى .
   قال : ( من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله ) .
   وقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة ، وألفاظ متغايرة ، بمضمون واحد .
   فقد رواه من الصحابة اكثر من مائة وعشرة صحابياً .
ومن التابعين

---------------------------
(1) متن اللغة 3 / مادة شيع .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 46 _

   أربعة وثمانون تابعياً ، ورواه من العلماء ، ثلاثمائة وستون عالماً (1)عدا من ألَّف فيه .
   وهذا الحديث هو المسمى بحديث الغدير ، نسبة لغدير خُمّ ، وقد تمسك به الشيعة الإمامية كدليل هام في إثبات الخلافة لعلي عليه السلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بالاضافة الى الأدلة الاخرى الكثيرة ، التي سنذكرها فيما بعد .
   وعرف من الشيعة في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) جماعة ، منهم أبو ذر رضي الله عنه ..
   قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني : ( إن لفظ الشيعة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) كان لقب أربعة من الصحابة ، سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر (2)الى آخره .
   من جهة أخرى ، فقد ورد لفظ الشيعة ( شيعة علي ( عليه السلام ) على لسان النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) في عدة مناسبات ) ، وما علينا الآن إلا أن نعرض بعض الاحاديث النبوية الشريفة المتضمنة لذلك .
   1 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : ( كنا عند النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : قد أتاكم أخي !
   قال جابر : ثم التفت رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) الى الكعبة ، فضربها بيده ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة .. ثم

---------------------------
(1) راجع كتاب الغدير ج 1 من ص 8 الى ص 151 .
(2) الشيعة وفنون الاسلام ص 31 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 47 _

   قال : إنه أولكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله تعالى ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، واعظمكم عند الله مزِّية ، قال : ونزلت فيه ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريَّة ) .
   قال : وكان أصحاب محمد ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أذا أقبل عليهم علي عليه السلام ، قالوا : قد جاء خير البرية ) (1).
   2 ـ أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ( ان هذه الآية لما نزلت ، قال ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ... (2)الخ .
   3 ـ أخرج أحمد في المناقب أنه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) قال لعلي ( عليه السلام ) : أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين ، وذريتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذريتنا ، وشيعتنا عن ايماننا وشمائلنا ) .
   4 ـ واخرج الديلمي : يا علي : ان الله عز وجل قد غفر لك ولذريتك ، ولولدك ، ولأهلك ولشيعتك ، ولمحبي شيعتك .
   5 ـ وأخرج الطبراني عن علي ( عليه السلام ) قال : يا علي : ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه أعداؤك غضابا مُقمَحين (3)..
   6 ـ وأخرج ابن مردويه ، عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول

---------------------------
(1) فرائد السمطين 1 / 156 .
(2) الصواعق المحرقة / 159 .
(3) حق اليقين 1 / 171 و 205 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 48 _

   الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ألم تسمع قول الله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) هم انت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض ، اذا جائت الامم للحساب ، تدعون غُرَّاً محجلين .
   7 ـ وفي النهاية ( لإبن الاثر ـ مادة قمح ) : وفي حديث علي ( عليه السلام ) قال له النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين ، ثم جمع يده الى عنقه يريهم كيف الإقماح .
   8 ـ عن ربيع الأبرار ، يروى عن رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أنه قال : يا علي ، اذا كان يوم القيامة ، أخذتُ بحُجزة *الله تعالى ، وأخذت أنت بحُجزتي وأخذ ولدك بحجزتك ، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم ، فتُرى أين يؤمر بنا ؟ (1).
   وأما الأحاديث الأخرى التي تدعو المسلمين الى التمسك بعلي ( عليه السلام ) وأهل البيت الطاهر فان استقصاءها وذكرها يحتاج الى وضع مجلد ضخم ، لكننا نذكر بعضاً منها هنا ، لأجل التبرك بها من جهة ، ولاطلاع القارئ الكريم على مدى ما تحمل من أهمية ، من جهة أخرى .
   1 ـ روى الجويني بسنده عن ابن عباس ( رض ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ) :
   من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً من بعدي ، وليقتدِ بالأئمة من بعدي ، فانهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ،

---------------------------
* قوله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : اخذت بحجزة الله تعالى : كناية عن التعلق والامتناع به .
(1) أصل الشيعة وأصولها 110 / 111 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 49 _

   القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي (1).
   2 ـ وعن أنس بن مالك قال :
   قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا أنس ، أسكب لي وضوءاً ( قال : ) ثم قام فصلى ركعتين ثم قال : يا أنس ، أول من يدخل عليك من هذا الباب ، أمير المؤمنين ( وسيد المسلمين ) وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين .
   قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الانصار ـ وكتمته ـ اذ جاء علي صلوات الله عليه ، فقال : من هذا يا أنس ؟ فقلت : علي ، فقام ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) مستبشراً ، فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق وجه علي بوجهه .
   فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئا ، ما صنعت بي من قبل ؟
   قال ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : وما يمنعني ، وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي .
   3 ـ وعن ابي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
   أنا خاتم الأنبياء ، وأنت يا علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .

---------------------------
(1) فرائد السمطين / للجويني بسنده / 53 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 50 _

   ولفظ أبي ذر : أنا خاتم النبيين ، كذلك علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .
   4 ـ وعن جابر بن عبد الله ( الأنصاري ) قال :
   قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي عليه السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، ( هذا الحديث رواه الجويني بعدة طرق ، وهو حديث مشهور وهو المسمى بحديث ( المنزلة ) ، ورواه مسلم في صحيحه عن سعد بن ابي وقاص عن أبيه ) راجع فضائل الصحابة / 4 ـ 1870 ) .
   5 ـ وجاء في حديث طويل ، عن أبي أيوب الأنصاري :
   يا عمار ، إن علياً لا يردك عن هدى ، ولا يدلك على ردى ، يا عمار ، طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة الله عز وجل !.
   6 ـ وعن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : علي بن أبي طالب حلقة معلقة بباب الجنة ، من تعلق بها دخل الجنة .
   7 ـ وعن انس بن مالك ، قال :
   إن سائلا أتى المسجد وهو يقول : من يقرض المليّ الوفي ؟ وعلي ـ عليه السلام ـ راكع يقول (1)بيده خلفه للسائل خذه ، أي اخلع الخاتم من يدي ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا عمر ، وجبت ، قال : بأبي انت وأمي يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال وجبت له الجنة ، والله ما خلعه من يده ، حتى خلعه من كل ذنب وخطيئة (2).

---------------------------
(1) يقول : يشير .
(2) فرائد السمطين 1 / 145 و 147 و 123 و 178 و 180 و 188 .