إن هذه النصوص ، تزودنا بالكثير حول ( اقامته الطويلة في بلاد الشام ) ، فقد كانت اقامته هذه تقضّ مضاجع الحكام آنذاك ، فقد استطاع هذا الصحابي الجليل ، أن يستقطب الاكثرية من الناس ، يعضهم ويرشدهم ، ويذكرهم بأيام الله .
   وينوّه بمقام أهل البيت عليهم السلام ، ومكانتهم وفضلهم ، وما ورد فيهم على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى غير ذلك مما جلب على معاوية المتاعب ، فكتب فيه الى عثمان .
   وهنا سؤال يفرض نفسه :
   أترى ، كان باستطاعته أن يقوم بهذه الادوار الخطيرة ، خلال أشهر أو سنة !؟ كما يدعي أكثر الكتَّاب والمؤرخين .
   فهل أن تغيير ذهنية مجتمع بكامله ، كان يتعاطف مع الامويين ، ولم يعرف غيرهم ، وتزويده بذهنية جديدة ذات طابع معيَّن ، من السهولة بمكان ؟؟ كما ربما يتصور البعض ، إن تصور هذا من البعد بمكان .
   فان عملية إفساد المجتمع الشامي على معاوية ومن ولاَّه ، لا بد وأنها استغرقت سنين عديدة ، لأن تغيير المرتكزات الذهنية السائدة لدى أي مجتمع كان ، لا يمكن أن يتم في خلال أشهر معدودة .
   من هنا ، ومما ذكرنا آنفا ، يسهل علينا الوصول الى الحقيقة التاريخية الهامة التي أغفلها المؤرخون القدماء ، وتكتم فيها كثيرون .
   أغفلها المؤرخون ، إما إستخفافا بأهلها ، أو فرقا من الحكام الذين كانوا في زمانهم .
   وتكتم فيها كثيرون ، خوفا على دمائهم وأموالهم .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 77 _

   هذه الحقيقة ، هي صلة التشيع في ( جبل عامل ) بأبي ذر ( رض ) .
  فان مما توارثه أهل هذا الجبل عن الاباء والاجداد ، أن تشيعهم لمذهب أهل البيت عليهم السلام كان على يد هذا الصحابي الجليل ، عندما كان مقيما في بلاد الشام .
   وهنا يجدر بنا أن نستعرض كلمات بعض كبار الباحثين حول هذا الموضوع .
   قال السيد الامين في أعيان الشيعة : ( ومن المشهور ان تشيع جبل عامل كان على يد أبي ذر ، وأنه لما نفي الى الشام ، وكان يقول في دمشق ما يقول ، أخرجه معاوية الى قرى الشام ، فجعل ينشر فيها فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) فتشيع أهل تلك الجبال على يده ، فلما علم معاوية ، أعاده الى دمشق ، ثم نفي الى المدينة ..) ثم قال : وهذا ، وان لم يرد به خبر مسند ، لكنه قريب غير مستبعد (1).
   وذكر الشيخ الوالد مد ظله في كتابه ( جبل عامل في التأريخ ) ، كلمات لبعض كبار الباحثين حول هذا الموضوع ، وبدوري أقتطف بعضا من كلماتهم .
   قال الاستاذ الشيخ أحمد رضا : ( إن التشيع في بلاد الشام هو أقدم منه في كل البلاد ، غير الحجاز ، وهذا من العجيب ، أن يقوم أول ركن ، وتنتشر أول دعوة للشيعة في بلاد محكومة لأعدى الناس لهم .
   ثم استطرد في كلامه عن أبي ذر ، ونشره مذهب التشيع في بلاد الشام فقال : ثم كان يخرج الى الساحل ، فكان له مقام في قرية الصرفند

---------------------------
(1) أعيان الشيعة 16 / 358 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 78 _

   القريبة من صيدا ، ومقام آخر في قرية ميس ، المشرفة على غور الاردن ، وكلتاهما من قرى جبل عامل ، والمقامان الى الآن معروفان ، الى آخر ما قال .
   ولقد عقبه الامير شكيب ارسلان ، فقال :
   أما كون التشيع في جبل عامل هو أقدم منه في العجم ( ايران ) بل في كل قطر حاشا الحجاز ، فمن الحقائق التي لا خلاف فيها ، ثم استطرد عارضا ظهور التشيع في ايران ، ثم ذكر انه في العرب وبلاد الشام لم يكن ظاهرا ، وأن الشيعة كانت تستمسك بحبال التقية خوفا على أنفسهم ، ولذا تجد المؤرخين يتجانفون عن نسبة علماء الشيعة الى التشيع ..ثم ذكر حادثة جرت بين الشيخ البهائي وبعض علماء السنة في الشام ـ راجع .
   وقد ذكر الاستاذ الشيخ سليمان ظاهر ما يقرب من كلام صاحبيه ، قائلا : إن قدم التشيع في هذا القطر ، ( يعني جبل عامل ) يمتد الى خلافة عثمان ( رض ) والى عهد نفي أبي ذر .
   ثم عقب سماحة الشيخ مدظله ، فقال :
   هؤلاء أعلام ثلاثة من ثقات أهل الاستقراء والتدقيق ، يشهدون شهادة جازمة بقدم التشيع في بلاد عاملة ، وأنه من عهد نفي أبي ذر الغفاري ، كما يشهدون بسبق تشيع الحجاز .
   ثم ذكر كلمة الحر العاملي ( قدس سره ) وهو من أعظم الثقات ومن أجلاء أهل زمانه وهو أقدم من هؤلاء جميعا .
   كان يقول : إن تشيعهم ( يعني العامليين ) أقدم تشيع ، فقد روي أنه لما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن من شيعة علي ( عليه السلام ) إلا أربعة مخلصون : سلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمَّار ، ثم تبعهم جماعة قليلون إثنا عشر ،

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 79 _

   وكانوا يزيدون ويكثرون بالتدريج حتى بلغوا ألفا وأكثر .
   ثم في زمن عثمان ، لما أخرج أبا ذر الى الشام ، بقي أياما ، فتشيع جماعة كثيرة ، ثم أخرجه معاوية الى القرى ، فوقع في جبل عامل ، فتشيعوا من ذلك اليوم (1)الى آخر ما ذكره .
   بعد هذا العرض ، يتضح لنا أن هذا متفق عليه ، لا مكان للغموض فيه ، ولكن يمكننا النقاش في عملية الطرح لهذا المضمون ، فنقول :
   مما لا شك فيه ، أن أبا ذر ( رض ) هو أول من بذر هذه البذرة الطيبة في جبل عامل ( قرى الشام ) بفضل إقامته فيها .
   ولكن إقامته الطويلة الأمد التي استغرقت من عمره سنوات ، والتي كان مرتاحا فيها ـ على الاقل ـ بادئ الامر ، كما قدمنا ، لا منفيا ، هذا أولا .
   وثانيا : انه أقام أولا في قرى الشام خلال هذه المدة الطويلة ، بدليل قوله ( كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم ..) راجع ص 68 .
   والثغر لا يعني قلب العاصمة ، بل على العكس ، يعني حدود المنطقة التي يمكن للعدو أن ينفذ منها ، ثم بعد ذلك ـ يمكننا القول ـ بأن معاوية حين خشي منه أن يفسد الناس عليه ، جلبه الى الشام ليكون تحت رقابته ، ورقابة جلاوزته ، فلما رأى انه لايكف عن ذلك ، كتب فيه الى عثمان .
   أما القول بأن معاوية ، نفاه الى قرى الشام أولا ، ثم جلبه اليه ، فبعيد جدا ، ولا يتلائم مع دهاء معاوية وحذره ، إذ كيف يعقل أن ينفيه معاوية من الشام بسبب اثارته الناس عليه ، وهو فيها تحت قبضته وسلطانه ، الى قرى

---------------------------
(1) جبل عامل في التاريخ ج 1 / 49 الى 54 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 80 _

   الشام ، النائية عن العاصمة ، والتي يجد فيها أبو ذر حرية أكبر ـ بطبيعة الحال ـ ومجالا أوسع لنشر أفكاره ، بعيدا عن الرقباء والجلاوزة ؟؟
   ومجمل القول :
   فان نسبة التشيع في جبل عامل لأبي ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) مما توارثه أبناء هذه المنطقة ، أباً عن جد ، وحبهم لآل البيت ( عليهم السلام ) ، واعتناقهم مذهبهم ، هما الصفة المميزة لأهل هذا الجبل ، وعلى مر العصور والاعوام ، وجدنا جبل عامل ، منبتاً لفحول علماء المسلمين من أتباع مذهب أهل البيت ، عليهم السلام ، وستبقى هذه السلسلة الذهبية ، مستمرة لامعة في دنيا الاسلام ، مهما حاول المغرضون ، بترها .
   وسيبقى طهر أبي ذر ( رضي الله عنه ) وشفافية نفسه الزكية ، يطيفان على أهل هذا الجبل ، بركة وخيرا ، وايمانا مستمدا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الميامين .
   رحم الله أبا ذر حامل مشعل الهداية والكرامة .
   رحم الله تلك الروح الزاكية التي تشبعت بحب النبي وآل النبي ، حتى فاضت ، وفاضت ، فشملت أهل هذا الجبل ( جبل عامل ) بالبركات .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 83 _

الفَـصْـل الثَّـاني

   * بينَ أبي ذَرّ وَعثمان
   * حُـلمُ الأمـَويّـين
   * الإمَـــامَـــة
   * فـي السَّـقيـفَـة
   * إثَـارَة الـفِـتَـن
   * رقَـابَـة المُسلمين
   * فِـقدان الهيَبة في خِلافة عثمان
   * سيَاسَة عثمان في إختِيار الولاة
   * سياستهُ في المـال
   * معـارضة أبـي ذرّ
   * مَوقف أبي ذَرّ من مُعَاوِية
   * ودَاع أهـل الشّام لَه

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 85 _

   يـا أبـا ذر ! انـك غَضِبـتَ للهِ ، فـارجُ مَـن غَضِبـتَ لـه ، إنَّ القـومَ خـافوكَ على دُنيـاهـم ، وخِفتهـم على دِينـك ، فاتـرُك فـي أيـديِـهم مـا خـافـوكَ عليـه ، واهـرب مِنهـم بمـا خفتـهـم عليـه ! فـمـا أحـوَجـَهـُم الـى مـا مـنعـتـهـم ، ومـا أغـنـاكَ عـمَّـا منعـوك .
   الإمام علي ( عليه السلام )

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 87 _

حُـلمُ الأمـوَيّين

   حَلم الأمويين طويلا ، بالحكم والرياسة والمجد ، قبل البعثة النبوية المباركة ، لأن المسألة ـ بنظرهم ـ لا تعدو المفخارة بالإيلام ، والإطعام ، ونحر الجزر ، على مرأى من الحَكَمِ الذي يختارونه للبتِّ فيما بينهم ، والحكم إمَّا لهم ، وإمَّا عليهم .
   لكن هذا الحلم الطويل ، بترته البعثة النبوية المباركة ، فعاد سراباً بِقيعة .
   يظهر ذلك ، من خلال ما قاله بعض قادتهم وزعمائهم ، قال :
   ( تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، حتى اذا تحاذينا على الرُكب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك مثل هذا ؟ واللات لا نؤمن به ولا نصدقه ) (1).
   لقد كانت نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مفاجأة رهيبة بالنسبة للفكر العربي المتخلف ـ آنذاك ـ كما كانت ضربة قاصمة في صميم العصبية الجاهلية ، لذلك ، رأينا قريشا ، وقد تألبت وأجمعت على حرب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومكافحة رسالته ، وان الأمويين ـ أبناء العم ـ هم الذين اضطلعوا بذلك ، فكانوا

---------------------------
(1) حياة الامام الحسن 1 / 21 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 88 _

   على رأس الحملات المضادة للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولرسالته السمحاء ، سيَّما وأنهم يعتبرون أنفسهم غرماء مجد للهاشميين .
   وأظهر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على قريش وكافة من ناهضه من المشركين ، فانتصر المسلمون انتصارات متتالية ، انتصر فيها الحق على الباطل ، والخير على الشر ، وأخذ الاسلام يشق طريقه نحو القمة ، ويأخذ مكانه في النفوس ، بروحيته السمحة ، ومبادئه العالية ..
   ولا غرو في ذلك ، ولا عجب ، فقد استصفى الله الانسان من دون سائر مخلوقاته ، واستصفى للانسان دين الاسلام ، فقال تعالى :
   ( إنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسلامُ ومَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلام دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وهوَ في الآخِرة مِن الخَاسرين ) .
   لقد أرسى النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قواعد الرسالة الكريمة ، وأحكم دعائمها ووطد أركانها وأعاد للانسانية شرفها وكيانها ، بعد أن كانت ضحية أهواء الجبابرة وأرباب السلطان ، من شذاذ الآفاق الذين لا همَّ لهم إلا إشباع رغباتهم ونزواتهم على حساب الضعفاء من عامة الناس .
   والتحق صلى الله عليه وآله وسلم بربه راضيا مرضيا ، وظل حُلمُ الامويين محالا في قاموس الاسلام ، ولكن ما ان مضت فترة من الزمن وجيزة ، حتى عاد هذا الحلم يراود أهله من جديد ، فقد بدأ يتمطى عن رقدة طويلة ، عادت بعدها آمالهم خضراء مورقة .
   فها هي إمارات ( ملك بني أمية ) تلوح من قريب ، بعد ان كانت بعيدة عن دنيا الاسلام .
   إنه ( الملك ) في مفهوم بني أمية و ( الخلافة ) في مفهوم الاسلام ، وما أبعد ما بينهما ، إنه كالبعد بين الحق ، والباطل ، خطان متوازيان ، ذاك يدعو الى الجنة ، وهذا يجر الى النار ، وذاك ينصر المظلوم ـ في الله ـ

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 89 _

   وهذا يقرّ الظالم ، وذاك يطارد المفسدين والقتلة ، وهذا يقتل أولاد الأنبياء ، ويمثِّل بالأبرار ، ويطارد المؤمنين .
   ويأتي السؤال هنا : كيف تسنى لهذه الفئة التي جهدت في حرب الرسول والرسالة ، أن تخلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مقعده ، وأن تتسلط على مقدرات الامة الاسلامية ، زهاء ثمانين سنة ؟ !
   كيف تسنى لهم استغلال نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للاستيلاء على العالم الاسلامي ، وبسط نفوذهم فيه ، وتحويل الخلافة بالتالي الى ملك عضوض يتوارثه الأبناء ؟ ومن المسؤول عن ذلك ؟
   وسواء تجاهلنا الامر ، أو تجاهله غيرنا ، فان ذلك لا يترك لنا مندوحة للتهرب من إدراكنا للظروف الصعبة التي عاشها المسلمون السابقون في فترات مختلفة ، أو التهرب من الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون اليوم بشكل عام ، والذي حدث نتيجة للانحراف القديم .
   إن هذا السؤال يفرض نفسه ، ويتطلب منا جوابا واضحا لا إلتواء فيه ، ولا مواربة .
   ويجدر بنا ـ ونحن نتلمس الإجابة عن هذا السؤال ـ أن نتناول بعض النصوص التأريخية وننظر فيها نظرة تمحيص وتحليل ، نسلط خلالها الأضواء الكاشفة على خفاياها ـ إن كانت غامضة ـ ونتأملها طويلا ، فهي تحكي وتجلو لنا حقبة تأريخية معينة ، عاشها المسلمون وتفاعلوا معها، وأوصلتهم بالتالي الى ما وصلوا اليه من تفكك وانهيار ، أفقدهم شخصيتهم المميزة عبر التأريخ .
   نتأمل تلك النصوص ـ بموضوعية وعمق ـ كي نصل الى نقطة الارتكاز الرابطة بين ما عاناه المسلمون في السابق ، وما يعانونه اليوم ، وبين الاسباب الحقيقية لذلك ، محاولين قدر الإمكان أن نبتعد بضمائرنا

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 90 _

   وتفكيرنا ، عن كل الحساسيات ، والتشنجات النفسية ، لنوفر للعقل وحده فرصة الانتصار .
   والذي يبدو جليا واضحا ، أن المسلمين الأوائل يتحملون شطرا من المسؤولية حول هذا الامر ، لكن من المتيقن ان القيادة بدورها تتحمل الشطر الاكبر من تلك المسؤولية ، اذ إنها كانت محط الثقة الكاملة لدى المسلمين ، ومعقد آمالهم ، فكانوا يرون في الخلافة مصدرا يمدهم بالقوة والثقة اذا ضعفوا أو وهنوا ، ومصدرا تنبعث منه كل الطاقات التي تمكنهم من الثبات والاستمرار ، ويضمن لهم السلامة والرقي ، لذلك ، فانهم كانوا يتركون للخليفة كلمة الفصل في أحرج الظروف ، ويشاركهم هو في ذلك ، ومن ثَمَّ يضحُّون بكل شيء في سبيل انجاح مقرراته طائعين غير مكرهين ، حفاظا على الاسلام .
   وهذه الرؤية ـ بالذات ـ نجدها قد تبددت في عهد عثمان ، لما لمسه المسلمون من انحراف واضح في مسلكه ، سواء في ذلك مسلكه السياسي مع كبار الصحابة كأبي ذر الغفاري ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر ، والأشتر النخعي وأصاحبه .
   أو مسلكه المالي ، في اغداقه على المقربين من ذوي رحمه ، وحرمانه الآخرين من أعطياتهم المفروضة ، فنفى أبا ذر الى ( الربذة ) حتى مات فيها غريبا .
   وسيَّر عبد الرحمن بن حنبل صاحب رسول الله ، الى القموس من خيبر ، وهمَّ بتسيير عمار بن ياسر ، فحال علي ( عليه السلام ) وبنو مخزوم دون ذلك .
   وأمر بعبد الله بن مسعود ، فجُرّ برجله ، حتى كسر له ضلعان ، ووطئ جوفه ، حتى صار لا يعقل صلاة الظهر ، ولا العصر ، ومنعه عطائه

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 91 _

   ـ على حد تعبير ابن مسعود (1)ـ حتى مات .
   وسيَّر جماعة من صلحاء الكوفة ، من بينهم مالك ابن الأشتر النخعي وصعصعة بن صوحان وأخوه زيد ، وعدي بن حاتم لكلام جرى بينهم وبين عامله على الكوفة سعيد بن العاص ، فسيًّرهم أولا الى الشام ، ثم بعد ذلك أعادهم ، ثم سيَّرهم الى حمص وكان العامل فيها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وكان هذا الاخير يغلظ لهم ، فكان من جملة ما يقول لهم : لا أهلا بكم ولا سهلا ..جزى الله عبد الرحمن إن لم يؤذكم (2).. الى غير ذلك .
   لقد كانت هذه الفترة ، من أشد الفترات حساسية في الاسلام ، فمنها كانت بداية الشر ، فقد كان المسلمون قبلها يلجأون في مخاصماتهم الى الخليفة نفسه للنظر فيها والاستماع الى رأيه العادل في ذلك ، أو ـ على الاقل ـ كان يستمع منهم ويأخذ بآرائهم .
   أما ، وقد اختلت القاعدة ، وانعكست الموازين ، حيث أصبح الخليفة طرفا في الخصومة ، أو منحازا الى فئة معينة ، فانه لم يعد بالامكان ضبط الامور ، ولم تعد مخاصماتهم لتقتصر على الملاسنة والحجاج ، بل تعدتها الى استعمال القوة ، واللجوء الى القتل والفتك .
   هذه الفترة الصعبة ، بدأت مواسمها تمرع في السنة السادسة من خلافة عثمان ، فكان مقتله بداية الحصاد ، ثم استمر وطال أعواما وقرونا ، خلَّف فيما بعد الجسم الاسلامي ، جسما هزيلا مفككا ، بعد ان كان صلبا قويا لا تعادله قوة .
   ومن هذه الفترة ، تولدت الفترات المظلمة في تأريخ الاسلام ، والتي

---------------------------
(1) اليعقوبي 2 / 170 و 173 .
(2) الغدير : 9 / من 30 الى 46 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 92 _

   وصف بعضها عمر بن عبد العزيز بقوله : ( الوليد في الشام ، والحجاج في العراق ، ومحمد بن يوسف في اليمن ، وعثمان بن حيان في الحجاز ، وقرة بن شريك في مصر ، ويزيد بن مسلم في المغرب ، إمتلأت الارض والله جورا ! ) .
   وعلينا الآن ـ لكي نقف على حقائق تلك الفترة ـ أن نستعرض النصوص الكافية التي تعطينا صورة واضحة عن مواقف عثمان وسياسته ، وقبل أن نتحدث عن ذلك ، يجدر بنا ان نمر مرورا سريعا بالظروف التي مهدت لعثمان ، والتي كانت سببا في تسلط الأمويين ، والتي بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 93 _

الإمَــامَــة

   ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) 28 ـ 68 .
   من غير الوارد ـ بالمفهوم العقلي ـ أن تترك أمة دون قيادة ، ولا رعاية ، لأن ذلك سيؤدي ـ ولا شك ـ الى انهيارها ، وترديها في مهاوي المجهول .
   والاسلام دين ونظام لكل الناس على حد تعبير القرآن الكريم : ( وَمَا أرسَلناكَ إلاَّ كَافَّة للناسِ بشيراً ونَذيِراً ـ 34 ـ 28 ) فمن الاولى ، أن لا يُترك دون صيانة ورعاية ، بل لا بد وأن يسند الى شخص مَّا من المسلمين ـ طبعا ـ ، القيام بهذه المهمة .
   وطريق ذلك ، منحصر بالنص عليه ، إما من الله تعالى ، أو من النبي المعصوم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو الإمام الذي ينصبه النبي .
   ويشترط في الإمام ما يشترط في النبي من كونه معصوما عن الخطأ ، من هنا ، فان قضية الخلافة ـ في المفهوم الديني ـ تأخذ معنى آخر غير المعاني الاخرى المتسالم عليها عند أكثرية المسلمين ، فهي تأخذ معنى شرعيا يبقى ضمن ( النص ) .
   فالإمام ـ بعد النبي ـ مصدر للتشريع لا يمكن الاستغناء عنه بحال من الاحوال ، فقوله وفعله وتقريره سُنَّة .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 94 _

   وبهذا نادى أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وعلى هذا بنوا كل أمورهم الدينية .
   فالدين فوق كل الميول والاتجاهات ، لا يقاس بالعقول ، وصاحب الرسالة أدرى وأعلم بمن يقوم بمهماتها .
   أما أن يقوم هذا الامر على التخمين والظن والاختيارات الشخصية ، فهذا عين الخطأ ، ولا قاعدة فيه من المشرع الحكيم ، بل القاعدة على عكس ذلك ، قال تعالى :
   ـ ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ في ذلك ) .
   هذا بالاضافة الى كون النتائج في هذا الحال مجهولة ، ومتى ما كان الامر كذلك ، فان الخسارة حينئذ تكون أقوى في ميزان الاحتمال .
   ولا يبعد أن يكون ما حصل للمسلمين من قبل وما يعانونه اليوم ، إنما هو نتيجة للتصرفات الفردية في هذا الامر الخطير ، فانه منذ أن فقدت القيادة الاسلامية مقوماتها الحقيقية بدأ الكيان الاسلامي يهتز ، ويدخل مراحل الانهيار .
   فالملاحظ ، أن الجسم الاسلامي ـ بكل أبعاده وأشكاله ـ كان ينتقل ضمن دائرة النمو ، من طور الى طور أكبر ، بشكل متكامل متين لا يعرف الانتكاس ولا الجمود .
   وما ذلك إلا بفضل الرعاية الحكيمة من النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد كانت قوة المسلمين تتكامل ، وعددهم يتزايد ، بشكل مستمر ملحوظ ، ووحدتهم متينة لا يزعزعها شيء ، على الرغم من الأخطار التي كانت تحدق بهم ، سواء من بقايا الشرك في الوسط العربي ، أو من المنافقين الذين كانوا بين ظهرانيهم يتربصون بهم الدوائر .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 95 _

فـي الـسَّـقيفَـة

   ما ان التحق الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بربه ، حتى بدأ العد العكسي يأخذ مجراه ، فبدأت النوازع العصبية تبرز على الساحة بكل ما تحمل من أخطار ، تشتت الوحدة ، وتفرق الكلمة ، وهذا ما جرى في سقيفة بني ساعدة ، فقد تنازع المهاجرون والانصار في الامر من جهة ، وثارت ثائرة الاوس والخزرج ـ التي أطفأ الاسلام نائرتها ـ من جهة أخرى .
   واليك لقطات سريعة عن ذلك ـ كما في شرح النج :
   قال سعد بن عبادة ـ سيد الخزرج ـ في خطبته : ( فشدوا يدْيكم بهذا الامر ، فانكم أحق الناس ، وأولاهم به ! )
   وقال الحباب بن المنذر : ( فمنا أمير ومنهم أمير !! )
   فقال عمر : ( هيهات ! لا يجتمع سيفان في غمد ، إن العرب لا ترضى أن تؤمركم ونبيها من غيركم ! ) .
   فقام الحباب ، وقال : ( لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من الامر ) .
   فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ، ما اجتمعت عليه الانصار من تأمير سعد بن عبادة ـ وكان حاسدا له ـ قال : إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رجل من قريش ، وقومه أحق بميراث أمره .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 96 _

   فقام أبو بكر ، وقال : هذا عمر وابو عبيدة ، بايعو أيهما شئتم .
   فقالا : والله لا نتولى هذا الامر عليك ..أبسط يدك حتى نبايعك .
   فلما بسط يده ، وذهبا يبايعانه ، سبقهما بشير بن سعد فبايعه ، فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير ، عقَّك عَقاق * والله ما اضطرك الى هذا الامر ، إلا الحسد لابن عمك ، ( يعني سعداً ) .
   ولما رأت الأوس ، أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع ، قام أسيد بن حضير ـ وهو رئيس الأوس ـ فبايع حسداً لسعد أيضا ، ومنافسة له ان يلي الامر ، فبايعت الأوس كلها لما بايع أُسَيد .
   وحُمل سعد بن عبادة ـ وهو مريض ـ فأدخل الى منزله ، فامتنع عن البيعة في ذلك اليوم وفيما بعد (1).
   قال البراء بن عازب ـ وكان خارج السقيفة ـ في حديث له : فلم ألبث ، واذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر ، وأبو عبيدة ، وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزُرِ الصنعانية ، لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه ، فمدوا يده ، فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك ، أو أبى ، فانكرت عقلي ! ورأيت في الليل ، المقداد ، وسلمان ، وأبا ذر ، وعبادة بن الصامت ، وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة ، وعمارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الامر شورى بين المهاجرين (2).
   هذه صورة مختصرة أخذناها من شرح النهج ، وفيها تعبير واضح عن الطريقة التي استخدمت في عقد البيعة لأبي بكر ، وانها لم تكن عن طريق الاختيار ـ كما يدعى ـ بل تدخَّل فيها عنصر القوة والإجبار .

---------------------------
* من العقوق : وهو شق عصا طاعة الوالد وكل ذي رحم .
(1) شرح النهج 6 / من ص 6 الى 10 .
(2) نفس المصدر 1 / 219 / 220 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 97 _

إثَـارَة الفِـتَن

   ولكن مع ذلك ، فان الفتنة لم تنته بعد ، فقد كانت خيوطها تنسج في أقبية النفاق والضلال من قبل أدعياء الاسلام ، فقد حاولوا غير مرة ، جاهدين ، في إشعالها .
   من ذلك : أن أبا سفيان أقبل الى علي ( عليه السلام ) قائلا له :
   ( اني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم ، يا آل عبد مناف ، فيم يلي أبو بكر من أموركم ؟ أين المستضعفان أين الأذلاّن عليّ والعباس ؟ ما بال هذا الامر في أقل حيّ من قريش ؟ ) .
   ثم قال لعلي ( عليه السلام ) : أبسط يدك أبايعك ، فوالله لئن شئت ، لأملأنها عليه خيلا ورجِلا ، فأبى علي عليه السلام ، ( وقال : إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه ، وقد عهد الي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عهدا ، فأنا عليه ) (1).
   فتمثل أبو سفيان بشعر المتلمس :
ولـن  يقيم على خسف يراد iiبه      إلا الأذلاّن عـير الـحي iiوالوتد
هذا على الخسف معكوس برمته      وذا يـشج فـلا يـبكي له iiأحد

---------------------------
(1) هذه الفقرة موجودة في شرح النهج 6 / 18 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 98 _

   فزجره علي ( عليه السلام ) ، وقال : والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة ، وانك والله طالما بغيت للاسلام شرا ، لا حاجة لنا في نصيحتك (1).
   لقد كان هذا الرد طبيعيا من الإمام علي ( عليه السلام ) أخ النبي ، ووصيه ، ووزيره ـ كما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ فلقد كان ( عليه السلام ) يرمي من وراء ذلك الى الحفاظ على وحدة المسلمين ووحدة كلمتهم ليبقى الاسلام ويستمر في مسيرته .
   وحاول آخرون إيقاع الفتنة بين المهاجرين والانصار مرة ثانية ، فكان أمير المؤمنين علي عليه السلام يقف سدا منيعا في وجوههم ، لا يترك لهم في ذلك فرصة تمر .
   فقد حاول عمرو بن العاص من خلال كلام قاله في محضر من المهاجرين والانصار ، أن يثير حفيظة المهاجرين على الانصار ، حيث انتقص من مكانتهم ، وأتهمهم بأنهم : إنما أووا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طمعا بالملك أو الإمرة من بعده ، وفي ذلك يقول :
تمنيتم الملك في iiيثرب      فأنزلت القدر لم تنضج

   في أبيات ، أجابه عليه فيما بعد ، شاعر الأنصار ، النعمان بن العجلان : بعد كلام له ، منها :
فـقل لـقريش نـحن أصحاب iiمكة      ويـوم  حـنين والفوارس في iiبدر
وكـان هـواناً فـي عـليّ iiوإنـه      لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

   وعاود بن العاص الكرة ، بتحريض من سفهاء قريش ،

---------------------------
(1) الكامل 2 / 326 وفي الطبري 3 / 202 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 99 _

   فبلغ الخبر علياً ( عليه السلام ) ، فغضب ، وشتم عَمراً ، وقال : أذى الله ورسوله .
   ثم قام ، فأتى المسجد ، فاجتمع إليه كثير من قريش ، وتكلم مغضبا فقال :
   ( يا معشر قريش ، إن حُبَّ الانصارِ ، إيمان ، وبغضهم نفاق ، وقد قضوا ما عليهم ، وبقي ما عليكم ، واذكروا أن الله رَغِب لنبيكم عن مكة ، فنقله الى المدينة ، وكرِهَ له قريشاً ، فنقله الى الانصار ، ثم قد منا عليهم دارَهُم ، فقاسمونا الاموالَ ، وكفونا العمل ، فَصِرنا منهم بين بذل الغني ، وايثار الفقير ، ثم حاربَنا الناس ، فوقونا بأنفسهم ، وقد أنزل الله تعالى فيهم آية من القرآن ، جمع لهم فيها بين خمس نِعَم فقال : ( والذِينَ تبوّؤا الدّار والإيمانَ مِنْ قَبلِهم يُحِبُّون مَنْ هاجَر اليهم ولا يَجِدُونَ في صُدورهِم حاجَة مِمَّا أُوتوا ويُؤثِرونَ على أنفُسهِم ولو كانَ بهِم خَصَاصة وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأولئِك هم المفلحِون ) 58 ـ 9 .
   ألا وان عمرو بن العاص قد قام مقاماً أذى فيه الميت والحي ، ساء به الواتر ، وسر الموتور ، فاستحق من المستمع الجواب ، ومن الغائب المَقت ، وانه : مَن أحب الله ورسوله ، أجب الأنصار ، فليكفف عمرو عنا نفسه .
   فمشت قريش عند ذلك الى عمرو بن العاص ، فقالوا : أيها الرجل ، أما اذا غضب عليّ فاكفُف .
   وقال حسان بن ثابت في ذلك أبياتاً ، منها :
جـزى  الله عنا والجزاء iiبكفِّه      أبا  حسن عنا ومن كأبي iiحَسنْ
سـبقت قريشاً بالذي أنت iiأهله      فصدرك مشروح وقلبُكَ ممتحنْ

---------------------------
(1) متن اللغة 4 / مادة : ع م ل / 209 .
(2) شرح النهج 8 / 254 .

أبـُو ذَرّ الـغـفَـاري رَمز اليَقظة في الضَمير الإنسَاني _ 100 _

   وترك عمرو بن العاص المدينة ، وخرج عنها حتى رضي عليّ والمهاجرون (1).
   ولم يقف الامر عند هذا الحد ، فقد أخذت أخطار الرِدَّة تهدد المسلمين ، فكان ما كان من أمر مسيلمة الكذاب ، وطليحة النمري ، وسجاح ، وبقايا فلول الشرك في شبه الجزيرة العربية ، فوقعت معارك بينهم وبين المسلمين إستشهد فيها من المسلمين عدد كبير .
   ففي وقعة اليمامة وحدها خسر المسلمون ( من المهاجرين والانصار من أهل المدينة ، ثلاثمائة وستين ، ومن غير المدينة ثلاثمائة رجل ) (2).

---------------------------
(1) شرح النهج 6 / 30 الى 35 .
(2) الكامل 2 / 365 .