الفهرس العام

طرق إثبات الامام المهدي ( عليه السلام )

طرق إثبات الامام المهدي ( عليه السلام )
الرؤية في زمن الغيبة
زواج المهدي المنتظر
عصمة النواب الاربعة
الفرق بين النائب والسفير

  ( اسمعوا له واطيعوا ) ، ثم لا يخفى أن مما يطاع فيه نصه على من بعده ، فقد نص على ولده محمد بن عثمان من بعده.
    فعثمان بن سعيد نصّ عليه الامام العسكري والامام المهدي ( عليهما السلام ).
    ومحمد بن عثمان نص عليه الامام العسكري ( عليه السلام ) في الرواية التي أشرت لها في الاثناء (1) ، وفي نفس الوقت نصّ عليه الامام المهدي ( عليه السلام ) (2) ونصّ عليه أبوه عثمان وقال في حقه أيضاً : اسمعوا له وأطيعوا.
    ومحمد بن عثمان هذا أطول نواب الامام فترة ، فكانت نيابته قرابة أربعين سنة ، يعني من سنة مائتين وأربع وستين إلى سنة ثلاثمائة وأربعة.
    ومن بعده تولّى الامر الحسين بن روح النوبختي أبو القاسم رضوان الله عليه ، نصّ عليه ابو جعفر محمد بن عثمان النائب الثاني ، نص عليه في القضية التي سمعتموها قبل قليل وأمثال هذه القضية.
    والحسين بن روح نصّ أيضاً على أبي الحسن علي بن محمد السمري ، وذلك بأدلة ووثائق ذَكَرَتهَا هذه المصادر المشار إليها.
    ويدعم ذلك أو قل أنّه يدل على نيابتهم فضلاً عن هذه النصوص إجماع الطائفة الحقة والفرقة المحقة.
    فالطريق الاول لاثبات نيابتهم اتفاق ثقات الرواة والعلماء على نص الامام المعصوم ( عليه السلام ) على أولهم ، ثم شهادتهم على نصّ السابق على

---------------------------
(1) الغيبة للطوسي : 356 ح 317.
(2) الغيبة للطوسي : 362.

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 52 _
  اللاحق باعتبار أن مما تجب طاعة النائب واجب الطاعة فيه هو تعيينه لمن يأتي من بعده.
   الطريق الثاني : نقلهم لخط الامام سلام الله عليه المعروف ، وهذا أيضاً أشار إليه الشيخان الصدوق والطوسي رضوان الله عليهما ، قالوا في ضمن كلامهم : ممّا كان يعرف به الناس أنّ هذا سفير الامام سلام الله عليه أنّه كان الوحيد الذي يتصدّى لنقل خط الامام وتوقيعاته المقدسة.
   وخط الامام معروف ، لانّ المسألة متصلة بزمن الحضور ، فخط الامام المهدي ( عليه السلام ) معروف في زمن حياة أبيه الامام ، اطلع شيعته على ولده المهدي وعلى خطه وتوقيعه ، فكان خطه وتوقيعه مألوفاً للناس ، ولهذا عبارة الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق أنّه كانت تخرج التوقيعات بالخط الذي كان في عهد الامام العسكري سلام الله عليه ، يعني خط الامام المهدي سلام الله عليه الذي رئي وشوهد في زمن الامام العسكري ( عليه السلام ).
   فإذن قضية خط الامام وتوقيع الامام الذي كان ينفرد به هذا السفير الصادق الامين ، كانت أيضاً طريقة من طرق الاثبات.
   الطريق الثالث : مضافاً إلى ذلك قضية الكرامات الكثيرة التي كانت تجري على أيديهم لاثبات سفارتهم ، وبعض الكرامات تجري على أيديهم مباشرةً بعنوانهم ، وتارةً كانت تجري على أيديهم منسوبةً إلى موكلهم صلوات الله وسلامه عليه ، يعني هو النائب يقول : أخبرني بذلك سيدي ، كما في القضية المعروفة المنقولة عن أبي علي البغدادي ،

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 53 _   جاءت أمرأة تسأل عن نائب الامام سلام الله عليه في الغيبة الصغرى ، وكانت أيّام نيابة الحسين بن روح النوبختي ، فقال لها رجل من قم : النائب هو الحسين بن روح ، فدخلت على أبي القاسم ، فكانت معها حقيبة أو محفظة فيها جملة من المجوهرات ـ الذهب وما شاكل ذلك ـ فدخلت عليه وسألته ـ أرادت أن ترى منه كرامة حتى تعرف أنّه هو النائب حقاً ـ قالت له : أخبرني بما تحت عباءتي ؟ قال لها : القيه في دجلة ثم اقبلي إلينا لوجهك ، يقول أبو علي البغدادى : والله أنّي شاهد هذه القضية ما زدت فيها ولا نقصت حرفاً ، فذهبت والقتها في دجلة ثم رجعت بسرعة إلى الحسين بن روح ، وإذا بها تجد محفظتها بين يدي الحسين بن روح وبعدها على قفلها لم تفتح ، قال : أو أخبرك بما فيها ؟ قالت : وما ؟ قال : فيها كذا مجوهرات ، كذا حلقات ذهب ، كذا سوار ، كذا خصوصيات إلى آخره ، يقول : فوالله لقد دهشت أنا والمرأة وعجبنا وسألناه ممّ علمت ذلك ؟ قال : دلّني على ذلك سيدي صاحب الامر صلوات الله عليه (1) .
  هذه قضية ، وقضية أخرى ترتبط بمحمد بن شاذان بن نعيم ، وإن كانت كرامته تأتي في قضية كرامات الامام سلام الله عليه ، لكن فيها جانب يرتبط بالنيابة ، وستأتي بعد قليل.

---------------------------
(1) كمال الدين : 519 ، الثاقب في المناقب : 602 ح 14.

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 54 _   أو قضية الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه الشريف مع محمد بن علي الاسود القمي رضوان الله عليه الذي كان من أجلاء الطائفة في قم ، هذا الرجل كلّفه أو طلب منه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ـ يعني والد الشيخ الصدوق رحمه الله ـ قال : أطلب منك أن تلتمس لي الحسين بن روح أبا القاسم أن يطلب من سيدي صاحب الامر ( عليه السلام ) أن يرزقني الله ولداً ، بالفعل طلب منه هذا المعنى وأبو القاسم نقله لصاحب الامر سلام الله عليه ، يقول بعد ثلاثة أيام واف الجواب ، قال إنّه ( عليه السلام ) يقول : إنّ الله تعالى سيرزقك ولداً ينفع الله به الناس ، يقول محمد بن علي : أنا شخصيّاً أيضاً كنت أتمنى الولد ، وقلت لابي القاسم : آتيني بالجواب ، يقول : جاءني بالجواب أنّه عن الامام سلام الله عليه أن الله تبارك وتعالى له أمر هو بالغه فيك ، يعني أنا كأنّه ما استجيبت دعوتي في قضية الولد ، لكن علي بن حسين استجيبت دعوته بتوسل الامام وببركة الامام ـ طبعاً الذي يرزق هو الله سبحانه وتعالى ـ بالفعل يقول والد الشيخ الصدوق والشيخ الصدوق نفسه يروي القضية في إكمال الدين وإتمام النعمة : وولد الشيخ الصدوق ببركة دعاء الامام صاحب الامر سلام الله عليه وبواسطة أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، يقول الشيخ الصدوق : فكنت إذا حضرت مجلس ابن الوليد أستاذي محمد بن الحسن بن الوليد في قم كانت له حلقة دراسيّة كبيرة في قم كنت أحضر وأنا صغير ، فإذا رأى علمي وأجوبتي أعجب بها وقال : لا غرو وأنت دعاء صاحب

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 55 _   الامر (1) ، يعني لا عجب أن تنبغ وأنت ولدت بفضل دعاء صاحب الامر صلوات الله وسلامه عليه.
  وهناك كرامات كثيرة من هذا القبيل ذكرت ، هذه الكرامات كانت تعزّز صدق نيابة هؤلاء النواب وسفارتهم عن الامام سلام الله عليه.

---------------------------
(1) كمال الدين : 502 ح 31 ، بتصرف.

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 57 _
طرق إثبات الامام المهدي ( عليه السلام )

  وجوده الحسّي في الغيبة الصغرى
  أما طرق إثبات الامام سلام الله عليه لوجوده الحسي في زمن الغيبة الصغرى ، فهناك طرق عديدة ، طبيعي هذا غير بحث أصل ولادته ووجوده ( عليه السلام ) ، وإنما هو بحث في طرق إثبات وجوده الحسّي في زمن الغيبة الصغرى في الخصوص.
  الطريق الاوّل :
  تمكين عدد من الخاصة من مشاهدته عياناً ، كما أشرنا له في الرواية الواردة عن الامام الصادق سلام الله عليه ، والتي افتتحنا بها صدر البحث ، وايصاؤهم بتبليغ ما شاهدوه إلى الناس وخاصة القواعد الشعبيّة الموالين للامام سلام الله عليه مع إيصائهم بالكتمان.
  الطريق الثاني :
  إقامة المعجز والكرامة ، حيث كان الامام سلام الله عليه تجري المعجزة والكرامة على يديه تارة عن طريق السفراء وتارة عن طريق بعض الخواص الابدال من الناس ، من قبيل محمد بن شاذان بن نعيم رضوان الله عليه ، يقول :
  اجتمع عندي من الحقوق الشرعيّة خمسمائة درهم إلاّ عشرين

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 58 _   درهماً ، فاستحييت أن أبعث بها للامام ( عليه السلام ) دون أن أتمّها ، فأتممتها بخمسمائة وأوصلتها إلى الامام سلام الله عليه ـ الظاهر عن طريق نائبه ، لانّ القضية في زمن الغيبة ، والمفروض اللقاء المباشر في مثل هذه القضايا عن طريق النواب ، وإن كان يمكن أن يكون التقى به سلام الله عليه مباشرة ـ فجاء الجواب عن الامام : وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً ) (1) .
  مثل هذه الكرامات كانت تظهر للامام سلام الله عليه ، فكانت تعزز وجوده الحسي.
   الطريق الثالث :
   هو عبارة عن الاجوبة على مختلف المسائل ، فكان الامام سلام الله عليه يجيب عليها ، وأنا بيّنت أنّ البحث مبني على الجدولة ، وإلاّ لو أردنا أن نبسط الكلام في تعداد المسائل التي وردت فيها توقيعات الامام سلام الله عليه لكانت كثيرة جداً.
   ونفس هذه المسائل والاجوبة عليها ومتانتها وانسجامها مع أجوبة آبائه الائمة الطاهرين ممّا يعني أنّ العين نفس العين الصافية التي كانت تصدر منها المسائل عن الائمة الاطهار سابقاً ، أنّها صادرة من إمام ، لا من شخص عادي.
   الطريق الرابع :
   هو الخط الخاص للامام سلام الله عليه ، فهنالك للامام كما أشرنا في ثنايا حديثنا خط خاص ، هذا الخط الخاص مألوف ومأنوس في زمن أبيه الامام العسكري ( عليه السلام ) ، وقد نص الصدوق رحمه الله

---------------------------
(1) كمال الدين : 486 ح 5 ، الغيبة للطوسي : 416 ح 394.

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 59 _   بأنّه من جملة الطرق التي كان يعرف الناس بها وجود الامام سلام الله عليه وصدق دعوى سفارة مَن ادّعى السفارة ، كان ذلك من خلال معرفة خطه ( عليه السلام ) ، لانّ الرسائل كانت تصدر بخطّه وتوقيعه مؤرّخة بتأريخها أيضاً ، ممّا كانت تؤكّد لكلّ مَن كان له تماس بالامام سلام الله عليه وبواسطتهم لبقية الطبقات كانت تؤكّد وجوده ( عليه السلام ).
   وهنالك مباحث أيضاً طويلة الذيل كما يقال أخرى ، وتفاصيل عديدة أيضاً في هذا المجال ، ولكن لضيق الوقت نكتفي بهذا المقدار من البحث ، وأترك الباقي من خلال أجوبة الاسئلة.
  ولكن بالمناسبة ، في قضية السفراء الاربعة كان بودّي أن أفيض فيها أطول من ذلك ، ولكن لضيق المقام اكتفيت بما ذكرته.
  وهنالك توقيع من توقيعات الناحية المقدسة أرغب للتبرك أن أختم به ، لا سيما وأنه خاتمة الغيبة الصغرى أيضاً ، حيث جاء في هذا التوقيع من الناحية المقدسة لاخر نائب وهو النائب الرابع وهو السمري ، وهو نص رسالة الامام سلام الله عليه للنائب الرابع ، يوصيه فيها بأن لا يوصي من بعده لشخص آخر فقد انتهت الغيبة الصغرى ، وهذه الرسالة تشهد عباراتها على صدورها من تلك الناحية المقدسة ، يقول :
  ( بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ).
  يعني هذا في حياته ، فالامام سلام الله عليه نعى إليه نفسه في حياته ، وهذه القضية رواها كل من مرّ بها من علماء الطائفة ، كالصدوق والطوسي وأمثال هؤلاء قدس الله اسرارهم.

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 60 _   ( فانّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام ).
  هذا يرتبط بموضوع علم الغيب ، ونحن بيّنا في محاضرات سابقة أن موضوع علم الغيب يختص بالله عزوجل ، ولكن الله يطلع على بعض المعلومات الغيبيّة مَن ارتضى من خلقه.
   ( فاجمع أمرك ولا توصي إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ باذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول المدّة وقسوة القلوب وامتلاء الارض جوراً ) (1) ، إلى آخر توقيعه المقدس صلوات الله وسلامه عليه.
  والحمد لله ربّ العالمين ، ونسأل الله سبحانه وتعالى بحقّ صاحب الامر أن يوفقنا جميعاً أن نكون جنوداً أوفياء له ( عليه السلام ) وأن نكون مقبولين عنده ، فانّه من أهل بيت رضاهم رضا الله وغضبهم غضب الله.
   اللهم ارزقنا رضاه ورأفته ، اللهم قرّ عيوننا بطلعته المباركة ، اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه واجعلنا من أنصاره والشهداء بين يديه. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

---------------------------
(1) كمال الدين : 516 ح 44 ، الغيبة للطوسي : 395 ح 365.

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 61 _   ملحق البحث (1)
الرؤية في زمن الغيبة

   ورد في بعض النصوص : أنّه مَن ادعى الرؤية في زمن الغيبة الكبرى فلا تصدّقوه (2) .
  المقصود من الرؤية في هذا المقام كما يستفيد المحققون باعتبار الجمع بين قضية أنّ الامام سلام الله عليه غيبته غيبة هويّة كما قلنا لا غيبة شخصيّة فبالنتيجة يمكن أن يلتقي مع الناس ، لكي نجمع بين هذا المعنى وبين من ادعى الرؤية فلا تصدّقوه ، هكذا حملوه على أحد محامل :
   المحمل الاوّل : أنّ المقصود من الرؤية مع السفارة والنيابة ، يعني مَن ادعى أنّه رآني وأني وكّلته فلا تصدّقوه ، لانّ المفروض أنّه في زمن

---------------------------
(1) يعقب المركز ندواته العقائدية بالاجابة على الاسئلة ، وتتميماً للفائدة نذكر في هذا الملحق الاجابة على بعض الاسئلة مع الاختصار وحذف الاسئلة والاكتفاء بوضع عنوان لكل سؤال.
(2) كمال الدين : 516 ح 44 ، وفيه : ( ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ).

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 62 _   الغيبة الكبرى لا توجد نيابة شخصيّة كما ذكرنا سابقاً ، يعني الامام سلام الله عليه لم يستنب شخصاً بعينه ، وإنّما النيابة العامة للفقهاء العدول كما سمعتم في التوقيع السابق : ( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ) ، فهنا المقصود بالرؤية ليست الرؤية العاديّة ، بل الرؤية المقرونة بدعوى السفارة والنيابة ، هذا أوّل محمل.
   المحمل الثاني : أنّ المقصود بالرؤية الرؤية التي يراد منها ترتيب آثار معيّنة على قول الرائي ، لانّ هذا أمر مشكل أن يأتي إنسان فيقول رأيت الامام سلام الله عليه وقال لي كذا ، قال لي اصنع كذا ، إفعل كذا ، لا تفعل كذا ، إذا فتحنا الباب أمام هذا المعنى يعني أن نصدّق كلّ مَن يدعي الرؤية في أن ينقل عن الامام ما شاء فانّ ذلك سوف يولد إرباكاً كبيراً في الاحكام وفي عقائد ومفاهيم الشريعة الاسلاميّة.
   فالمقصود هنا بالرؤية ليس مجرد الرؤية للامام سلام الله عليه ، وإنّما المقصود الرؤية المصحوبة إمّا بدعوى النيابة ، أو المقصود بها الرؤية التي يريد بها الرائي ترتيب الاثر على كلامه.
   أنتم تعلمون أنّه في زمن الغيبة الكبرى مَن رأى الامام سلام الله عليه وأيقن في ما بينه وبين الله أنّه رأى الامام ، فرؤيته حجّة عليه ، أمّا سائر الناس فلا يكون ذلك حجّة عليهم.
   فلعلّ الامام يقول لا تصدقوه لا يقصد بأنّه لم ير ، لعلّه يريد : لا ترتّبوا الاثر ، لان هذا قد يجيء يدعي الاحكام الشرعية يقول قال لي الامام أن حكم الشيء الفلاني حرام ، أو أنّ المسألة الفلانية في المكان

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 63 _   الفلاني ، يمكن مَن يدعي الرؤية عادة لها ملازمات ولها لوازم نقل أخبار ونقل وقائع ونقل أحكام ، لا تصدقوه ، يعني لا ترتّبوا الاثر على كلامه.
   هذا من قبيل ما ورد في باب القسامة ، الرواية الواردة في الوسائل : ( ... كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً فصدّقه وكذّبهم ... ) (1)
  ليس المقصود هنا كذّب هؤلاء يعني ترميهم بالكذب بأنّهم واقعاً لم يسمعوا ، لا ، خمسون قسامة ، وكلّ قسامة خمسون ، يعني الفين وخمسمائة ، هؤلاء لا يكذبون عادة ، ربّما مع ذلك الامام يقول كذّب سمعك وبصرك وصدّق أخاك.
   المقصود بلا تصدقوه لا يعني أنّه كذّبوه ، يعني إنّما المقصود لا ترتبوا الاثر على دعواه الرؤية ، فرؤيته له على كل حال ، هذه نقطة.
   المحمل الثالث : ربما أيضاً يمكن أن يقال : أنّه من ادعى الرؤية باعتبار أنّ الذي يدّعي الرؤية يتكلّم عن أنّه متيقّن برؤية الامام سلام الله عليه ، يقول : رأيته هو ، وهذا بحسب الظاهر من كثير من الروايات الواردة أنّه تشخيص يقيني لمن يرى الامام في زمن الغيبة الكبرى ، والتشخيص اليقيني عادة لا يحصل ، والظن القوي يحصل ، حتى العلماء الذين نقلت عنهم قضايا كثيرة وقصص كثيرة أنّهم التقوا بالامام سلام الله عليه ، لم ينقل بعنوان اليقين ، ينقل قضية يظهر من قرائن هذه القضية أنّ الذي رآه هو الامام سلام الله عليه ، أما أن يجزم ، هذا ليس مألوفاً من طريقة علمائنا

---------------------------
(1) الوسائل 12 : 295 ح 16343.

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _64 _   في نقل لقاءاتهم مع صاحب الامر ( عليه السلام ).
زواج المهدي المنتظر

   مسألة زواج المهدي المنتظر ( عليه السلام ) مسألة هامشيّة كما تعلمون ، يعني هي مسألة مثارة ، ولكن مما يهوّن الخطب أنّها مسألة هامشية ، يعني ليست في خطر تلك المسائل الاخرى أو المسألة السابقة ، على العموم للامام سلام الله عليه ظروفه الخاصة كما تعلمون ، مسألة زواجه وعدم زواجه مرهونة بظروفه.
   وموضوع الزواج فيه ذيول كثيرة للحديث يرتبط بعضها بقضية الجزيرة الخضراء ، ويرتبط بعضها بنسب المتنبي ، فإن بعضهم حاول أن يقول بأن المتنبي الشاعر المعروف أحد ذرّية الامام المهدي سلام الله عليه ، يعني فيما يقرنون من بعض القرائن ومن نفسه.
   هذا عالَمٌ في ذاته ، عالَم ظريف طريف ولطيف ، لكن فيه مزالق كثيرة ، ولسنا مسؤولين عنه ، يعني هل تزوج ؟ أين يعيش ؟ كم له ذريّة ؟ هذه مسائل هامشية لسنا مسؤولين عنها وفيها مزالق ، فلهذا مثل هذه المطالب ربما يقال إنّ الاحرى التوقف فيها والسكوت عنها.

عصمة النواب الاربعة

   القاعدة العامة في قضية التوكيل بذاتها إنّها لا تقتضي ولا تستلزم العصمة ، لكن في خصوص النواب الاربعة ، ومن طبيعة التوكيل الذي ورد في حقهم : ( اسمعوا له وأطيعوا فإنّه لا يقول إلاّ عن قولي ) ، مثل هذا النصّ إذا أخذناه باطلاقه نستفيد أن هذا السفير لا يفتري على الامام ولا

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 65 _   يكذب ، وهذا المقدار من صدقه في النقول عن الامام سلام الله عليه ، نحرزه من صيغة توكيل الامام سلام الله عليه ، لا من مطلق التوكيل.
   نحن نعلم أنّ هناك أشخاصاً وكّلهم الائمة سلام الله عليهم ثم خانوا أماناتهم ، من قبيل البطائني ، ومن قبيل أشخاص كانوا ولاة من قبل أمير المؤمنين سلام الله عليه ثم خانوا أماناتهم ، وكّلهم الامام وعينهم ولاة على البلدان :
   فأصل التوكيل لا يقتضي العصمة ، ولكن إذا كانت صيغة التوكيل فيها عناية خاصة من قبيل أنّه لا يقول إلاّ عن قولي ولا يظهر منه ما ينافي الاستقامة ، ولم يرد من الامام سلام الله عليه ما يدلّ على انفساخ عدالته ، فحينئذ نقول بأنّ هذا رجل في تمام نقوله صادق ومطابق للواقع وأنّه أمين ، هذا المقدار نكتفي ونلتزم به.
  التسمية
   فيما يتعلق بقضية التسمية أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والائمة السابقين ( عليهم السلام ) نصّوا على الاسم ، وهذا أمر لا مرية فيه ولا سترة فيه كما يقال ، لكن الكلام أنّ الامام سلام الله عليه في الغيبة الصغرى وفي بدء الغيبة الصغرى كان ينهى عن التسمية في مجالات التقية فقط ، لا في مطلق المجالات ، يعني لا دليل عندنا أنّ الامام ( عليه السلام ) نهى عن مطلق التسمية ، وإنّما نهى عن التسمية لغرض الحفاظ عليه ، بدليل أنّه إذا وقع الاسم مثلا دلّ على المكان ، هذا قرينة ، يعني هو أشبه بالواقع ، بيان العلّة للنهي ، فإذا لم يلزم من ذكر الاسم الدلالة على المكان فلا إشكال ، من قبيل أنه يقال : لا تأكل الرمان لانّه حامض ، المثال الذي يستعمله الاصوليون ، فاذا لم

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 66 _   يكن حامضاً فكله مثلاً.
   ففي هذا المورد الامام إنّما نهى عن التسمية باعتبار قضية الدلالة ، باعتبار أنّ هذه القضية وجدانية الان حتى في زماننا ، فإذا كانت مثلاً السلطة تطلب شخصاً بالدرجة الاولى وتحاول التعرف على اسمه ، ومن بعد المعرفة باسمه تتحرك لمعرفة مكانه ، أما بدون أن تعرف اسمه كيف تشخص مكانه ؟ هذه قضية وجدانية في الواقع ولا سيما في ذلك الزمان ، باعتبار أنّ القضية في أوجها والسلطة العباسية كانت تبحث عن الامام سلام الله عليه وتحاول رصده والقضاء عليه ، وجرت محاولات عديدة لاغتياله ( عليه السلام ) وفشلت ، فلهذا الامام كاجراء في تلك الحالة وفي تلك الظروف كان ينهى عن التسمية فيما يرتبط بالحفاظ عليه وعدم الدلالة على مكانه ، أما إذا لم يلزم منه هذا المحذور فلا بأس بالتسمية ، فقد سمّاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

الفرق بين النائب والسفير

   السفارة كما قرأنا توقيع الامام سلام الله عليه ، بمعنى أنّ الامام ينصّ على شخص معيّن يقول هذا وكيلي وقوله قولي ، هذا المعنى انتهى بالنائب الرابع وهو السمري ، أمّا في زماننا يعبر نائب ، قلنا النائب العام ، المقصود بالعمومية هنا عموميّة دليل التعيين ، يعني دليل التعيين ما جاء باسم شخص ، يقول فلان وكيلي ، إنّما جاء ببيان النوع ، أعطى عنواناً عاماً فقال : ( وأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه

الغيبة الصغرى والسفراء الاربعة _ 67 _   مطيعاً لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه ) (1) ، وإن كان هذا الكلام يرويه الامام العسكري سلام الله عليه عن الامام الصادق ( عليه السلام ).
   وورد في التوقيع : ( أما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة حديثنا فانّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ) (2) ، هذا عنوان عام.
   فالمقصود بالنائب في زماننا هو عبارة عن الفقيه العادل الجامع للشرائط الذي يقوم مقام الامام سلام الله عليه في تبليغ أحكام الدين وفي إدارة شؤون المسلمين وحفظ بيضة الاسلام.
   هذا هو المقدار المقصود ، ولا يدعي هذا النائب بأنّه ينقل عن الامام مباشرة ، ولا يوجد عندنا نائب اليوم من النواب ولا فقيه من الفقهاء أو عالم من العلماء يقول أنا أنقل لكم قول الامام مباشرةً ، أنا سمعت من الامام مباشرة ، وإنّما نرى علماءنا يستندون إلى مصادر التشريع المتعارفة ، مصادر الاستنباط ، الكتاب والسنة والاجماع والعقل ، ولو كان هناك رؤية للامام ( عليه السلام ) مباشرة لاستغنى هذا النائب عن مراجعة بعض هذه المصادر.

---------------------------
(1) الاحتجاج 2 : 511 ح 337.
(2) كمال الدين : 484 ح 4 ، الغيبة للطوسي : 291 ح 247.