الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 139 ـ
قال رسول الله (ص) : ( لا يخدم العيال إلا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة ) .
وقال (ع) : ( اتّقوا الله في الضعيفين : اليتيم والمرأة ، فإن خياركم خياركم لأهله ) .
وقال (ص) : ( من حسن برّه بأهله زاد الله في عمره ) .
ويعبر الإمام علي (ع) عن المرأة أنها ريحانة وليست قهرمانة .
إن الإسلام يأمرنا بمداراة المرأة والإحسان إليها وغض النظر عن بعض أخطائها .
العقاب الإلهي :ٍ
لا يختلف النزاع في الحياة الزوجية عن أي نزاع آخر إن لم يكن أسوأ منه ، وهو يعني وجود قضية معينة ووجود ظلم وظالم وبريء . وفي هذه الحالة فإن للشرع القول الفصل في ذلك .
الحق هو أسمى قيم الإسلام الحنيف كما أن القوة لا تبرر أبداً تجاوز المرء حدّه والاعتداء على الآخرين بالضرب والشتم .
فهذا رسول الله (ص) ، يحذّر من الإساءة والعدوان على المرأة : ( ألا وأنّ الله ورسوله بريئان ممن أضرّ بامرأة حتى تختلع منه ) .
وفيما يخص عدوان المرأة على زوجها قال رسول الله (ص) : ( من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها ) .
وإضافة إلى كل ذلك فإن الظلم يتسبب في تعذيب الضمير وقلق الوجدان وهو أمر يسلب من المرء إحساسه وبالسعادة وراحة البال واطمئنان الخاطر .
الاكتشاف :
وإذا كان للنزاع الزوجي من حسنات فإنها تكمن في وضع الزوجين
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 140 ـ
على المحك في اختبار دقيق يكشف أخلاقهما وتوجهاتهما وقيمهما وما تنطوي عليه من دوافع ، فالرجل يكتشف امرأته ، والمرأة تكتشف زوجها وتعرف إلى أي مدىّ يمكنها الثقة به والاعتماد عليه واللجوء إليه .
وما أكثر النزاعات التي تهبّ كأنّها عاصفة مدمّرة ولكنها تغادر بسرعة ، وتسفر عن استقرار نفسي مدهش ، حيث يولد حب عنيف يربط الزوجين بعلاقات وعرى وثيقة ، ولا ننسى ـ أيضاً ـ أن النزاع يساعد الزوجين على ترتيب مواقعها وإعادة حساباتهما ، ومن ثم التصرف بقدر من الحكمة أكثر ، مما يوفّر فرصة للتفاهم في المستقبل .
في طريق الإصلاح :
إنني أوصي جميع الأزواج رجالاً ونساءً بعدم الاختلاف والتنازع ولكن لو حصل ذلك فإني أؤكد على عدم توسيع رقعة النزاع لما في ذلك من الأضرار المدمّرة التي تؤثر في البناء العائلي من الأساس .
فإذا حصل وتأزّمت الأوضاع وتوتّرت الأجواء في البيت الزوجي فليحاول المرء أن يجعل من تلك البروق والرعود ، ومن تلك الغيوم مطر من الرحمة ، يغسل بمياهه آثار تلك العاصفة .
علينا أن نسعى دائماً لرفع الاختلاف وأن نصلح ذات بيننا ونرسي دعائم الحب وأن نرفع من شخصيتنا ونسمو بها إلى مراتب الكمال ، وهل هناك ما هو أعظم من الإسلام طريقاً ومن الإسلام مدرسة تعلمنا أسلوب العيش وطرق الحياة .
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 141 ـ
الفصل الثالث : الطلاق :
الإنسان كائن اجتماعي بالطبع ، وهو يشعر بالحاجة إلى فرد من نفس نوعه يبثه همه ويرافقه في رحلته عبر الحياة أو يقف إلى جانبه وقت الشدائد فيحس فيها بالراحة والطمأنينة ، وهو بعد كل هذا حاجة طبيعية للتكامل الإنساني ، وبدون ذلك يراوح الإنسان في مكانه أو يتراجع إلى الوراء .
وعلى هذا ، فإن حياة المرأة أو الرجل ستكون في غاية الصعوبة بدون الزواج ، فحالة العزوبية هي حالة القلق وعدم الاستقرار ، ولذا فإن نداء الزواج نداء ينبعث من أعماق الإنسان وأن الإقدام عليه هو تلبية لحاجة فطرية وطبيعية موجودة في التكوين البشري .
وبالرغم من كل ذلك فإن التعايش في الحياة المشتركة للزوجين قد تخلق بعض التصادم وعدم الانسجام ، ولذا فينبغي إرساء العلاقة على أساس من معادلة الحقوق والواجبات المتبادلة ، كما أن عقد الزواج يختلف عن غيره من العقود فهو يمتاز بقدسية خاصة تجعله في منزلة سامية حتى أن العرش الإلهي ليهتز لدى إلغاء هذا العقد بالطلاق لما في ذلك من الآثار والأضرار والخسائر المدمّرة التي تنجم عنه أو تترتب عليه .
مسألة الطلاق :
يؤدي النزاع بين الزوجين في بعض الأحيان إلى التفكير بالإنفصال والطلاق ، وقد يحدث أحياناً أن يكون التفكير في ذلك من جانب الرجل أو المرأة أو باتفاق الاثنين معاً .
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 142 ـ
ولو كانت الحياة المشتركة عقداً غير قابل للفسخ إلى الأبد فإن حالة النزاع المستمرة وغياب الانسجام سوف يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، وعندها سوف يجد أحد الطرفين نفسه محطماً تعصب بآماله وأحلامه رياح الزمن فتبددها هنا وهناك وستحيله إلى إنسان خاو خال من العاطفة والإحساس ، وقد تتصاعد حدّة الاختلاف والتوتر إلى موت أحد الطرفين عمداً أو خطأ أو بطيئا ، مما يوسع من دائرة الألم لتتعدى محيط الأسرة إلى المعارف والأقرباء ، حيث تبقى آثار ذلك مدّة من الزمن .
هواجس الطلاق :
قد يكون الطلاق في بدايته حلاً جذرياً للعديد من المشاكل الزوجية ، ولكن الطلاق ينطوي على شرور ومآس لا يمكن إسقاطها من الحساب .
إن اعتبار الطلاق حلاً مثالياً هو خطأ كبير يرتكبه العديد من الأزواج حتى بعد إقدامهم على الزواج مرّة أخرى ، وقد أشار مسح ميداني أجري على مئة حالة طلاق اعتبر الغالبية فيها الطلاق أكبر خطأ ارتكبوه في حياتهم وأكد أكثرهم أيضاً على أنهم شعروا بالارتياح قد خامرهم في الأيام الأولى من الطلاق ولكن سرعان ما تبدد ذلك ليحل محله شعور عميق بالندم ، ذلك أن الطلاق لم يحل المشكلة أبداً حتى مع تجدد زواجهم .
وساوس الانفصال :
وبعد أن يتم الطلاق ويفترق الزوجان تبدأ مراجعة النفس ، ويبدأ تأنيب الضمير والتفكير في العوامل التي أدّت إلى انهيار ذلك البناء ، وفي أولئك الذين حوّلوا الأسرة إلى مجرد أنقاض ، وعندها تصبّ اللعنات تلو اللعنات على الذين وسوسوا لهما بذلك وحببوه إليهما .
حتى أولئك الذين اندفعوا لحماية الزوجة أو الزوج ومن نوايا حسنة ، لن يسلموا من تحمل المسؤولية وتحسين الطلاق في ذهن المرأة أو الرجل ، خاصة إذا كانت الحالة في زيجة عمرها شهور فقط ، فالشباب مهما بلغوا من النضج ليست لديهم التجربة الكافية ، فلا ينبغي لأيّ كان أن يتدخل في
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 143 ـ
شؤونهم الخاصّة ويشجعهم على اتخاذ قرار خطير كالطلاق .
ومسكينة تلك الفتاة وذلك الشاب عندما تصور الوساوس لهما بأن الطلاق فكاك من القيود وتتحول كلمات الآخرين المسمومة في خيالهم إلى طريق للحل ونافذة للخلاف .
تنطوي الاستهانة بالزواج كرباط مقدس إلى استسهال الطلاق ومن ثم ضرب كل الاعتبارات الإنسانية عرض الجدار ، ولذا فإن مثل هؤلاء الافراد لا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم دون أدنى اهتمام بالآخرين ، ناهيك عن أن جنوحهم نحو الطلاق سيلحق الضرر بانفسهم هم أيضاً بالرغم من عدم إدراكهم ذلك إلاّ بعد فوات الأوان .
إن الإقدام على الطلاق إنطلاق من الأهواء النفسية فقط ، لا يتناقض مع الدين والعقل فحسب بل مع النمو والتكامل الإنساني ، ذلك أن الأهواء النفسية لا يمكن أن تكون طريقاً لبناء شخصية الإنسان .
مبغوضية الطلاق :
قال رسول الله (ص) : ( ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ) .
وبالرغم من حلّية الطلاق إلا أن الأحاديث والروايات تحذر من الطلاق وتعتبره عملاً شائناً لا ينبغي القيام به حتى لو تم الأمر برضا الزوجين . وإذن فإن الحسابات الإليهة لا دخل لها برضا الطرفين أو عدمه ، فالطلاق يبقى إجراء لا يحظى برضا الله سبحانه أبداً ، ذلك أن الزواج يعني اتحاداً كاملاً بين الرجل والمرأة ... اتحاداً يصل حد الاندماج والانصهار في بوتقة واحدة .
ولذا فإن إجراء أو عملا يفكك من هذا الاتحاد المقدس ويقضي عليه سوف يكون مبغوضاً ومؤلماً .
آثار الطلاق :
قد يبدو الطلاق في نظر الزوجين بابا للخلاص من الجحيم الذي صنعاه بأيديهم ، ولذا نراهما يتنفسان الصعداء عند افتراقهما ، ولكن هل يمكن أن تمضي الأمور بهذه السهولة ؟ هل يمكن للزوجين أن ينسيا كل
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 144 ـ
تلك الذكريات واللحظات الجميلة التي عاشاها معاً والأماكن التي زاراها معاً ؟!
إن الحياة الزوجية ليست تجربة عادية ، إنها تجربة شاملة يعيشها الإنسان بكل جوارحه ومشاعره .
وإضافة إلى كل ذلك فإن الطلاق لا يمكن اعتباره شأنا شخصياً كما هو الزواج الذي تم بمباركة وسعي العديد من الأصدقاء والأقرباء ، وإذن فإن الطلاق سوف يمسهم جميعاً ولا يمكن ضرب عواطف ومشاعر من يهمهم الأمر عرض الجدار .
إن الطلاق يضع المرء أمام المسؤولية وجهاً لوجه ، وعليه أن يقدم جواباً مقنعاً لأبنائه ، وهو الضحية الأولى لقرار كهذا .
ولا ننسى ـ أيضاً ـ أن الطلاق لا يضع خاتمة للمشاكل بل إنه في أغلب الأحيان بداية سيئة لمشاكل ومتاعب أكثر تعقيداً من ذي قبل .
وصايا في ترك الطلاق :
تزخر الروايات والأحاديث الشريفة بالنهي عن الطلاق ، ويصب أغلبها في نصح الرجل بعدم الإقدام على الطلاق ودعوته إلى مداراة المرأة والإحسان إليها وعدم الإساءة في معاملتها .
قال رسول الله (ص) : ( إن الله يبغض ـ أو يلعن ـ كل ذوّاق من الرجال وكل ذوّاقة من النساء ) .
ولا يقتصر هذا الحديث ، كما هو واضح ، على الرجال فحسب بل ويشمل النساء أيضاً .
إن هذا التشديد الذي نلمسه في الإسلام بعدم الطلاق يعود إلى الاعتقاد بقدرة الزوجين على تجاوز خلافاتهما وقلب صفحة الماضي والبدء بحياة جديدة ... حياة مفعمة بالحب والتفاهم والإيمان ، إن الإسلام يؤمن بقابلية الإنسان وانطوائه على قدرات لا محدودة في حل ما يواجهه من
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 145 ـ
المشاكل والمتاعب ، فكيف إذا كانت المسألة تخص الأسرة وقد أودع الله في هذا الرباط المقدس نبعاً من المودة والحب ؟!
حلّية الطلاق :
بالرغم من التشديد الذي نلمسه في الشريعة الإسلامية بعدم الطلاق ، إلا أنها لم تحرّمه أبداً وأبقت الباب مفتوحاً إذا تعذرت الحلول وعجزت العلاجات ، ذلك أن الإسلام يمنح الآصالة لكرامة الإنسان امرأة كانت أو رجلاً ، وإذن فإن جميع تلك النواهي والتحذيرات تتوقف إذا تعلقت المسألة بالدين لأنه القيمة العليا في حياة الإنسان ، فإذا كان استمرار الزواج يعني انهياراً اخلاقياً وسقوطاً دينيّاً فإن الباب مفتوح للخلاص والنجاة ، وإذن فإن الطلاق يعني هنا نوعاً من العمليات الجراحية التي لا بد من إجرائها وبتر العضو الفاسد من أجل حماية الجسد من سراية المرض .
ومهما بلغ الزواج من قدسية فإنه لا يعني قدراً محتوماً لا يمكن لإنسان الخلاص منه ، فعندما يشعر المرء باستحالة الحياة الزوجية وأنه لسبب أو لآخر لا يمكنه الاستمرار في ذلك فإن الله سبحانه قد فتح الباب لمن يعيش مثل هكذا حالة أعلن أن ذلك لا يبرر للرجل أو المرأة انتهاج الأساليب الملتوية لحمل الطرف الآخر على طلب الطلاق ، فأما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
وإذن فلا يسوغ للرجل أو المرأة أن يؤذي أحدهما الآخر أو محاربته أو التشهير به من أجل حمله على الطلاق ، وفي مثل هكذا حالة على المرء أن يتحلى بالشجاعة والشهامة والإنسانية .
المرأة والطلاق :
إذا كانت حلاوة الزواج قابلة للوصف فإن مرارة الطلاق أمر لا يمكن إدراكه إلاّ من قبل أولئك الذين خاضوا تلك التجربة المرّة .
لقد أصبح الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد أمن وسعادة المجتمعات اليوم ، ولذا نرى اهتماماً بمعالجة هذه المشكلة من كافّة
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 146 ـ
المستويات ، فالدول والحكومات تسعى من أجل وضع حدّ لتنامي هذه الظاهرة لما لها من الآثار السيئة في البناء الاجتماعي ، ذلك أن الأسرة هي حجر الأساس في هذا البناء وعليها تتوقف متانته واستقامته .
فالطلاق هو بداية الانحراف والسقوط في الهاوية المخيفة ، حيث الفساد الأخلاقي والأمراض النفسية والضياع الشامل للإنسان .
وما أكثر أولئك الذين سقطوا وتاهوا في دروب الحياة فعاشوا الضياع وبقوا على هامش الحياة إلى أن لفظتهم كما يلفظ البحر البحثث الهامدة .
وإذا كان الجميع خاسرين في الطلاق فإن المرأة تعتبر الخاسر الأكبر ذلك أنها أكثر عاطفة ، فهي مرهفة الإحساس ، عميقة المشاعر ، تحتاج إلى من يمنحها الشعور بالأمن والسلام .
ولذا فإن على المرأة أن تكون أكثر وعياً لهذه المسألة وأن تكون أكثر صبراً ومقاومة وسعياً من أجل استمرار الحياة الزوجية بأي ثمن ، وعليها يتوقف أمن أطفالها وضمان تربيتهم تربية صالحة .
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 147 ـ
الفصل الرابع : الأطفال :
يعتبر الجانب العاطفي من أعظم الجوانب في علاقة الطفل بوالديه ، والطفل لا يمكن اعتباره فرداً عادياً من أفراد المجتمع يمكن التعامل معه بطريقة عادية ، إنه أمانة إلهية أودعها الله الوالدين ، ولذا فإن من واجبهما قبول هذه الأمانة العظيمة وتحملهما المسؤولية في ذلك .
إن الزواج ومن ثم إنجاب الأطفال لا يمكن اعتباره فخراً للمرء ، وإذا كان هناك ما يفتخر به فهو تربية هؤلاء الأطفال تربية حسنة وتقديمها إلى المجتمع كافراد صالحين لائقين بمقامهم كخلفاء لله في الأرض .
ويعتبر المحيط العائلي أفضل وأعظم مدرسة لتربية النشء حيث يتلقى فيها الأطفال أولى دروس الحياة ، في حين يتحول سلوك الوالدين وتصرفاتهم ومواقفهم إلى نماذج ملهمة لهم ، ولذا فإن كل يوم يمر عليهم هو في الحقيقة درس لهم ، ولذا فإن على الوالدين مراعة هذا الجانب والابتعاد عن كل ما يسيء إلى هذا الجو ومراقبته فكرياً وأخلاقيا .
الطفولة والمحيط العائلي :
يعتبر الأطفال الأسرة عالمهم الكبير ودنياهم الواسعة حيث يسبحون في عوالمهم الزاخرة بالأماني والأحلام الوردية ، ولذا فإن الأسرة بالنسبة للطفل تعتبر القاعدة الأساسية للانطلاق نحو المستقبل ، وفيها تتحدد توجهاته وترتسم ملامح شخصيته .
فإذا حصل اضطراب في محيط الأسرة انعكست آثاره مباشرة في نفس
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 148 ـ
الطفل وروحه :
وما أكثر الاطفال الذين ذهبوا ضحية للنزاعات الزوجية ، ذلك أن عدم الاستمرار والاضطراب يدمّر أول ما يدمر شعور الاطفال بالأمن ويزرع في قلوبهم الخوف ، الأمر الذي يزلزل شخصيتهم ، وبالتالي يعرضهم إلى الضياع .
إن مرحلة الطفولة هي أحلى وأجمل المراحل في حياة الإنسان ، وأنه مما يدعو إلى الاسف أن يقوم الوالدان ، ومن خلال نزاعاتهما ، بالإساءة إلى أطفالهم والقضاء على تلك البسمات البريئة التي ترتسم على شفاههم ليحلّ محلّها القلق والخوف والضياع .
النموذج السّيء :
يتعلم الأطفال منا أولى دروس الحياة ، كما تعتبر حياة الأسرة بالنسبة لهم مدرسة يتعلمون فيها كل شيء ، حيث تتراكم في نفوسهم القيم والمواقف والمشاعر والعواطف من خلال سلوكنا وتصرفاتنا ، ولذا فإننا سنكون نماذج وأمثلة يقتدون بها ويقلدونها ، حتى لو حاولنا منعهم عن ذلك .
وفي هذه السن الحرجة فإن الأطفال سيكونون أشبه بأجهزة تسجيل دقيقة تضبط كل أقوالنا ومواقفنا ولذا فإننا سنكون نماذج سيئة إذا أسأنا التصرف قولاً وعملاً .
إن الحياة الزوجية التي يسودها الاضطراب والنزاع وعدم الاستقرار ستخلق أطفالاً مضطربين ومهزوزين نفسياً ، وفي هذه الحالة يتحمل الوالدان مسؤولية ما ينشأ عن ذلك من أضرار في بناء وتكوين شخصية أبنائهم .
آلام الاضطراب :
يعاني الأطفال الذين يترعرعون في محيط مضطرب آلاماً عنيفة ، فتختفي تلك النظرات البريئة والابتسامات المشرقة ليحل محلها إحساس بالحزن الممزوج بالخوف والقلق والدموع ، ولهذا يرتفع صوت الأطفال بالبكاء كلما اشتعل النزاع بين الوالدين ، إن حركاتهم هي بمثابة استغاثة للخلاص من الخطر المحدق بهم .
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 149 ـ
إن أولى حاجات الصغار في هذه المرحلة الحساسة هي الشعور بالأمن والطمأنينة ، ولهذا فهم يتلمسون خطاهم نحو المحيط الدافىء المفعم بالحنان والحب ، وأن ما يثير فزعهم ورعبهم هو رؤيتهم مظاهر العنف أو النزاع في المنزل ، الذي ينبغي أن يكون عشاً دافئاً يضمّ قلوبهم الصغيرة ويلفها بالعطف والمحبة والصفاء .
إن الطفل ليشعر بالألم يعتصر قلبه لدى رؤية والده وهو يصرخ أو لدى رؤية أمّه وهي تنتحب ، وكم رأينا بعضهم يشكو ذلك بالرغم من سنّه الصغيرة التي قد لا تتجاوز الأربع أو الخمس سنوات ، ومع ذلك فهو يتمتم : ليتني لم أكن موجوداً ... ليتني كنت ابناً لفلان ... وغير ذلك .
إن النزاع في الحياة الزوجية هو بمثابة خنجر مسموم يطعن قلب الطفل ويسبب له آلاماً مبرحة ، وعندها تنطفىء آماله وتنتهي أحلامه .
مسألة الإنفصال :
قد تصل الأمور في نظر أحد الزوجين أو كلاهما إلى الطريق المسدود ويحدث الطلاق ، وعندما ينفرط عقد الأسرة ويذهب كلّ في طريقه في حين يقف الأطفال في مفترق الطريق لا يعرفون أين ستكون وجهتهم ومع من يذهبون ! عيونهم على الأب وقلوبهم مع الأم ، وفي تلك اللحظة المشؤومة ، لحظة الطلاق ، يحدث ذلك التمزق العاطفي في أعماق الأطفال .
ولا يقتصر الطلاق والانفصال بين الزوجين فقط ، بل إن الأمر يتعدى إلى الأطفال أيضاً ، فلا بد أن يعرف الوالدان بأن شيئاً قد مسّ العلاقة بينهما وبين أبنائهما ، ولا بد أن يشعر الأب أو الأم بأن أطفالهما لم يعودا ملكاً خاصاً بهما فلكلٍّ نصيبه في ذلك .
أما الأطفال فإنهم ينتظرون لقاءهم مع الوالدين كما لو كانوا في مهمة رسمية ، حيث تتولى المحاكم ترتيب هكذا لقاءات . ولا ينبغي أن نعتبر ذلك أمراً طبيعياً لدى الطفل يمر دون أن يحدث آثاره في نفسيته ، بل لا بد وأن تظهر في المستقبل .
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق
ـ 150 ـ
الآثار النفسية :
ليس من الإنصاف أن يحترق الأطفال بنار نزاعاتكم ، وليس من العدل أبداً أن يشعروا بالمرارة والحرمان وهم في هذه السنّ المبكّرة حيث كل شيء بالنسبة لهم هو مجرد عالم وردي جميل وأطياف ملوّنة .
إن الأطفال الذين ينشأون في أسرة مضطربة قلقة يسودها النزاع لا بد وأن يشبّوا مهزوزين نفسياً ، يطل من عيونهم البريئة إحساس بالرعب وشعور بالحرمان حتى لو حاول الوالدان تقديم النصائح لهم فإن ذلك سوف يكون عديم الجدوى .
الابتعاد عن الأم :
ربما يتحمل الطفل بُعده عن والده ، أما أن يجد نفسه بعيداً عن أمّه ، ذلك الحضن الدافىء والصدر الحنون ، فإن ذلك سيكون بالنسبة له كارثة لا يمكن تحملها أبداً ، ذلك أن الطفل يهرع إلى أحضان أمّه لدى أقل إحساس بالخطر وعندها يشعر بالأمن والطمأنينة تغمران قلبه .
وعندما يواجه الطفل عدواناً ما فإنه يسرع باللجوء إلى والدته وتقديم شكواه ضد ذلك الظلم الذي حاق به ، إذن لا يمكن للطفل أن يتحمل بُعده عن أمّه وافتقاده لحنانها ، ولو حصل ذلك جرّاء حادث ما فإنه سوف يعكس في نفسه آثاراً وتراكمات ومضاعفات تؤثر تأثيراً بالغاً في تكوينه الأخلاقي والروحي .
ولقد أثبتت الدراسات بأن أكثر من 80% من الاضطرابات العاطفية والنفسية لدى الاطفال أنما نشأت بسبب بعدهم أو فقدهم لامهاتهم سواء أكان موتاً أو طلاقاً بل وحتى سفراً طويلاً .
نعم ، إن المشكلة الكبرى هي الطلاق ، ذلك أنها تحرم الطفل من ذلك النبع الفياض بالحب والحنان .
وإنه لنوع من الأنانية أن يسعى كل من الزوجين إلى حل مشكلاتهما عن طريق الطلاق دون أن يحسبا أي حساب للمشاكل المعقدة التي سوف تواجه أطفالهما من جرّاء ذلك .