<<<
راجع : شرح نهج البلاغة ج 3 ص 114 سطر 27 ط 1 بمصر وأفست بيروت وج 12 ص 79 سطر 3 ط مصر بتحقيق محمد أبوالفضل وج 3 ص 803 ط دار مكتبة الحياة وج 3 ص 167 ط دار الفكر .
( 858 ) حديث الثقلين تقدم تحت رقم ( 28 و 29 و 30 و 31 و 32 و 33 ) فراجع .
المراجعات
_ 636 _
وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبره لو كتب ، فالحكمة ـ والحال هذه توجب تركه ، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى ، والسلام .
ش
العذر في تلك الرزية مع المناقشة فيه
لعله عليه السلام حين أمرهم بإحضار الدواة والبياض ، لم يكن قاصدا لكتابة شيء من الاشياء ، وإنما أراد بكلامه مجرد اختبارهم لا غير ، فهدى الله عمر الفاروق لذلك دون غيره من الصحابة ، فمنعهم من احضارهما . فيجب ـ على هذا ـ عد تلك الممانعة من جملة موافقاته لربه تعالى ، وتكون من كراماته رضي الله عنه ، هكذا أجاب بعض الاعلام ، لكن الانصاف أن قوله عليه السلام : « لا تضلوا بعده » يأبى ذلك ، لانه جواب ثانٍ للامر ، فمعناه أنكم ان أتيتم بالدواة والبياض ، وكتبت لكم ذلك الكتاب لا تضلوا بعده ، ولا يخفى أن الاخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الاختبار انما هو من نوع الكذب الواضح ، الذي يجب تنزيه كلام الانبياء عنه ، ولا سيما في موضع يكون ترك إحضار الدواة والبياض أولى من إحضارهما، على أن في هذا الجواب نظرا من جهات أخر فلا بد هنا من اعتذار آخر ، وحاصل ما يمكن أن يقال :
أن الامر لم يكن أمر عزيمة وإيجاب ، حتى لا تجوز مراجعته ، ويصير المراجع عاصيا ، بل كان أمر مشورة ، وكانوا يراجعونه عليه السلام في بعض تلك الاوامر ، ولا سيما عمر ، فإنه كان يعلم من نفسه أنه موفق للصواب في إدراك المصالح ، وكان صاحب إلهام من الله تعالى ، وقد أراد التخفيف عن
المراجعات
_ 637 _
النبي إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض والوجع ، وقد رأى رضي الله عنه ، أن ترك إحضار الدواة والبياض أولى ، وربما خشي أن يكتب النبي أمورا يعجز عنها الناس ، فيستحقون العقوبة بسبب ذلك لانها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها ، ولعله خاف من المنافقين ان يقدحوا في صحة ذلك الكتاب لكونه في حال المرض فيصير سببا للفتنة ؛ فقال : حسبنا كتاب الله لقوله تعالى :
(
ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وقوله : (
اليوم أكملت لكم دينكم ) وكأنه رضي الله عنه أمن من ضلال الامة حيث أكمل الله لها الدين وأتم عليها النعمة .
هذا جوابهم وهو كما ترى ، لان قوله عليه السلام : لا تضلوا ، يفيد أن الامر أمر عزيمة وإيجاب ، لان السعي فيما يوجب الامن من الضلال واجب مع القدرة عليه بلا ارتياب ، واستياؤه منهم وقوله لهم قوموا ، حين لم يمتثلوا أمره دليل آخر على ان الامر إنما كان للايجاب لا للمشورة .
فإن قلت لو كان واجبا ما تركه النبي عليه السلام ، بمجرد مخالفتهم ، كما انه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين ، قلنا : هذا الكلام لو تم ، فإنما يفيد كون كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي عليه السلام ، وهذا لا ينافي وجوب الاتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي به ، وبين لهم أن فائدته الامن من الضلال ودوام الهداية لهم ، إذ الاصل في الامر انما هو الوجوب على المأمور لا على الآمر ، ولا سيما إذا كانت فائدته إلى المأمور خاصة ، والوجوب عليهم هو محل الكلام لا الوجوب عليه .
على أنه يمكن أن يكون واجبا عليه أيضا ، ثم سقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم ، وقولهم : هجر ، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة كما أفدت .
المراجعات
_ 368 _
وربما اعتذر بعضهم بأن عمر رضي الله عنه ، لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من أفراد الامة من الضلال ، بحيث لا يضل بعده منهم أحد أصلا ، وانما فهم من قوله : لا تضلوا ، أنكم لا تجتمعون على الضلال بقضكم وقضيضكم ، ولا تتسرّي الضلالة بعد كتابة الكتاب إلى كل فرد من أفرادكم ، وكان رضي الله عنه يعلم أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبدا ، وبسبب ذلك لم يجد أثرا لكتابته ، وظن أن مراد النبي ليس إلا زيادة الاحتياط في الامر لما جبل عليه من وفور الرحمة ، فعارضه تلك المعارضة بناء منه على أن الامر ليس للايجاب ، وإنما هو أمر عطفة ورأفة ليس إلا ، هذا كل ما قيل في الاعتذار عن هذه البادرة ، ومن أمعن النظر فيه جزم ببعده عن الصواب ، لان قوله عليه السلام : لا تضلوا ، يفيد أن الامر للايجاب كما ذكرنا ، واستياؤه منهم دليل على أنهم تركوا أمرا من الواجبات عليهم ، فالاولى أن يقال في الجواب : أن هذه قضية في واقعة كانت منهم على خلاف سيرتهم ، كفرطة سبقت ، وفلتة ندرت ، ولا نعرف وجه الصحة فيها على التفصيل ، والله الهادي إلى سواء السبيل ، والسلام عليكم .
ش
تزييف تلك الاعذار
إن من كان عنده فصل الخطاب ، لحقيق بأن يصدع بالحق وينطق بالصواب ، وقد بقي بعض الوجوه في رد تلك الاعذار ، فأحببت عرضه عليكم ، ليكون الحكم فيه موكولا إليكم .
المراجعات
_ 639 _
قالوا في الجواب الاول : لعله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين أمرهم باحضار الدواة لم يكن قاصدا لكتابة شيء من الاشياء ، وإنما أراد مجرد اختبارهم لا غير ، فنقول ـ مضافا إلى ما أفدتم ـ : إن هذه الواقعة إنما كانت حال احتضاره بأبي وأمي ـ كما هو صريح الحديث ، فالوقت لم يكن وقت اختبار ، وإنما كان وقت إعذار وإنذار ، ووصية بكل مهمة ، ونصح تام للامة ، والمحتضر بعيد عن الهزل والمفاكهة ، مشغول بنفسه وبمهماته ومهمات ذويه ، ولا سيما إذا كان نبيا .
وإذا كانت صحته مدة حياته كلها لم تسع اختبارهم ، فكيف يسعها وقت احتضاره ، على أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عنده ـ : قوموا ، ظاهر في استيائه منهم ، ولو كان الممانعون مصيبين لاستحسن ممانعتهم ، وأظهر الارتياح إليها ، ومن ألم بأطراف هذا الحديث ولا سيما قولهم : هجر رسول الله ، يقطع بأنهم كانوا عالمين أنه إنما يريد أمرا يكرهونه ، ولذا فاجأوه بتلك الكلمة ، وأكثروا عنده اللغو واللغط والاختلاف كما لا يخفى ، وبكاء ابن عباس بعد ذلك لهذه الحادثة ، وعدها رزية دليل على بطلان هذا الجواب .
قال المعتذرون : ان عمر كان موفقا للصواب في إدراك المصالح ، وكان صاحب إلهام من الله تعالى ، وهذا مما لا يصغى إليه في مقامنا هذا ، لانه يرمي إلى أن الصواب في هذه الواقعة إنما كان في جانبه لا في جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وان إلهامه كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الامين صلى الله عليه وآله وسلم .
وقالوا : بأنه أراد التخفيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب املاء الكتاب في حال المرض ؛ وأنت
المراجعات
_ 640 _
ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم بأن في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي ، وبرد فؤاده ، وقرة عينه ، وأمنه على امته صلى الله عليه وآله وسلم ، من الضلال . على أن الامر المطاع ، والارادة المقدسة ، مع وجوده الشريف إنما هما له ، وقد أراد ـ بأبي وأمي ـ إحضار الدواة والبياض ، وأمر به ، فليس لاحد أن يرد أمره أو يخالف إرادته (
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )
( 859 ) .
على أن مخالفتهم لامره في تلك المهمة العظيمة ، ولغوهم ولغطهم واختلافهم عنده ، كان أثقل عليه وأشق من إملاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمته من الضلال ، ومن يشفق عليه من التعب بإملاء الكتاب كيف يعارضه ويفاجئه بقوله هجر ؟ !
وقالوا : ان عمر رأى أن ترك احضار الدواة والورق أولى ، وهذا من أغرب الغرائب ، وأعجب العجائب ، وكيف يكون ترك احضارهما ؛ أولى مع أمر النبي باحضارهما ، وهل كان عمر يرى أن رسول الله يأمر بالشيء الذي يكون تركه أولى ؟
وأغرب من هذا قولهم : وربما خشي أن يكتب النبي أمورا يعجز عنها الناس فيستحقون العقوبة بتركها ، وكيف يخشى من ذلك مع قول النبي : لا تضلوا بعده ، أتراهم يرون عمر اعرف منه بالعواقب ، وأحوط منه واشفق على أمته ؟ كلا .
وقالوا : لعل عمر خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب ،
( 859 ) سورة الاحزاب آية : 36 .
المراجعات
_ 641 _
لكونه في حال المرض فيصير سببا للفتنة ، وأنت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم أن هذا محال مع وجود قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تضلوا ، لانه نص بأن ذلك الكتاب سبب للامن عليهم من الضلال ، فكيف يمكن أن يكون سببا للفتنة بقدح المنافقين ؟ وإذا كان خائفا من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب ، فلماذا بذر لهم بذرة القدح حيث عارض ومانع ، وقال هجر .
وأما قولهم في تفسير قوله : حسبنا كتاب الله أنه تعالى قال : (
ما فرطنا في الكتاب من
شيء ) وقال عز من قائل : (
اليوم أكملت لكم دينكم ) فغير صحيح ، لان الآيتين لا تفيدان الامن من الضلال ، ولا تضمنان الهداية للناس ، فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما ؟ ولو كان وجود القرآن العزيز موجبا للامن من الضلال ، لما وقع في هذه الامة من الضلال والتفرق ، مالا يرجى زواله
(1) .
وقالوا في الجواب الاخير : ان عمر لم يفهم من الحديث ان ذلك الكتاب
---------------------------
(1) وانت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم أن النبي ( ص ) لم يقل : ان مرادي ان اكتب الاحكام ، حتى يقال في جوابه حسبنا في فهمها كتاب الله تعالى ، ولو فرض ان مراده كان كتابة الاحكام ، فلعل النص عليها منه كان سببا للامن من الضلال ، فلا وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاء بالقرآن ، بل لو لم يمكن لذلك الكتاب إلا الامن من الضلال بمجرده لما صح تركه والاعراض عنه ، واعتمادا على ان كتاب الله جامع لكل شيء ، وانت تعلم اضطرار الامة إلى السنة المقدسة وعدم استغنائها عنها بكتاب الله تعالى وإن كان جامعا مانعا ، لان الاستنباط منه غير مقدور لكل أحد ، ولو كان الكتاب مغنيا عن بيان الرسول ما أمره الله تعالى ببيانه للناس اذ قال عز من قائل ( وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ) ( منه قدس ) .
المراجعات
_ 642 _
سيكون سببا لحفظ كل فرد من أمته من الضلال ، وانما فهم أنه سيكون سببا لعدم اجتماعهم ـ بعد كتابته ـ على الضلال ( قالوا ) : وقد علم رضي الله عنه ان اجتماعهم على الضلال مما لا يكون ابدا ، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب ، ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة .
وفيه مضافا إلى ما أشرتم إليه : ان عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد عن الفهم ، وما كان ليخفى عليه من هذا الحديث ما ظهر لجميع الناس ، لان القروي والبدوي انما فهما منه ان ذلك الكتاب لو كتب لكان علة تامة في حفظ كل فرد من الضلال ، وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث إلى افهام الناس ، وعمر كان يعلم يقينا ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يكن خائفا على أمته أن تجتمع على الضلال ، لانه رضي الله عنه ، كان يسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تجتمع أمتي على ضلال ، ولا تجتمع على الخطأ ، وقوله : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ... الحديث ( 860 ) وقوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) ( 861 ) إلى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحين بأن الامة لا تجتمع بأسرها على الضلال ، فلا يعقل مع هذا ان يسنح في خواطر عمر أو غيره ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين طلب الدواة
( 860 ) راجع : كنز العمال ج 1 ص 160 ح 910 وص 185 ح 1030 و 1031 ط 2 بحدير اباد ، الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 222 .
( 861 ) سورة النور آية : 55 .
المراجعات
_ 643 _
والبياض ، كان خائفا من اجتماع أمته على الضلال ، والذي يليق بعمر ان يفهم من الحديث ما يتبادر إلى
الاذهان ، لا ما تنفيه صحاح السنة ومحكمات القرآن . على ان استياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم ، المستفاد من قوله : قوموا ، دليل على أن الذي تركوه كان من الواجب عليهم ، ولو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث كما زعموا ؛ لأزال النبي شبهته وأبان له مراده منه ، بل لو كان في وسع النبي أن يقنعهم بما أمرهم به ، لما آثر إخراجهم عنه ، وبكاء ابن عباس وجزعه من أكبر الادلة على ما نقوله .
والانصاف ، ان هذه الرزية لمما يضيق عنها نطاق العذر ، ولو كانت ـ كما ذكرتم ـ قضية في واقعة ، كفرطة سبقت ، وفلتة ندرت ، لهان الامر ، وإن كانت بمجردها بائقة الدهر ، وفاقرة الظهر ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ش
1 ـ الاذعان بتزييف تلك الاعذار
2 ـ إلتماسه بقية الموارد
1 ـ قطعت على المعتذرين وجهتهم ، وملكت عليهم مذاهبهم ، وحلت بينهم وبين ما يرومون ، فلا موضع للشبهة فيما ذكرت ، ولا مساغ للريب في شيء مما به صدعت .
المراجعات
_ 644 _
2 ـ فامض على رسلك حتى تأتي على سائر الموارد التي تأولوا فيها النصوص ، والسلام .
ش
سرية أسامة
لئن صدعت بالحق ، ولم تخش فيه لومة الخلق ، فأنت العذق المرجب ، والجذل المحكك ، وانك لاعلى ـ من أن تلبس الحق بالباطل ـ قدرا ، وأرفع ـ من أن تكتم الحق ـ محلا ، وأجل من ذلك شانا ، وأبر وأطهر نفسا .
أمرتني ـ أعزك الله ـ أن أرفع إليك سائر الموارد التي آثروا فيها رأيهم على التعبد بالاوامر المقدسة ، فحسبك منها سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى غزو الروم ، وهي آخر السرايا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اهتم فيها ـ بأبي وأمي ـ اهتماما عظيما ، فأمر أصحابه بالتهيؤ لها ، وحضهم على ذلك ، ثم عبأهم بنفسه الزكية إرهافا لعزائمهم واستنهاضا لهممهم ، فلم يبق أحدا من وجوه المهاجرين والانصار كأبي بكر وعمر (1) ( 862 )
---------------------------
(1) اجمع أهل السير والاخبار على ان ابا بكر وعمر ( رض ) كانا في الجيش
>>>
أبوبكر وعمر في جيش أسامة
( 862 ) راجع في كون أبي بكر وعمر في جيش أسامة الذي بعثه النبي في مرضه :
>>>
المراجعات
_ 645 _
---------------------------
<<<
وارسلوا ذلك في كتبهم ارسال المسلمات وهذا مما لم يختلفوا فيه . فراجع ما شئت من الكتب المشتملة على هذه السرية ، كطبقات ابن سعد ، وتاريخي الطبري وابن الاثير ، والسيرة الحلبية ، والسيرة الدحلانية وغيرها ، لتعلم ذلك ، وقد أورد الحلبي حيث ذكر هذه السرية في الجزء الثالث من سيرته ، حكاية ظريفة ، نوردها بعين لفظه ، قال : ان الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى أياس بن معاوية الذي يضرب به المثال في الذكاء ، وهو صبي ووراءه اربع مئة من العلماء واصحاب الطيالسة فقال المهدي : اف لهذا العثانين اي ـ اللحى ـ أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ؟ ثم التفت اليه المهدي وقال : كم سنك يا فتى ؟ فقال : سني اطال الله بقاء امير المؤمنين سن اسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله ( ص ) جيشا فيه ابوبكر وعمر ، فقال : تقدم بارك الله فيك ( قال الحلبي ) وكان سنة سبع عشرة سنة . اهـ ( منه قدس ) .
<<<
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190 ، تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 93 ط الغري وج 2 ص 74 ط بيروت ، الكامل لابن الاثير ج 2 ص 317 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 53 وج 2 ص 21 أفست على ط 1 بمصر وج 1 ص 159 وج 6 ص 52 ط مصر بتحقيق محمد أبوالفضل ، سمط النجوم
العوالي لعبد الملك العاصمي المكي ج 2 ص 224 ، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج 3 ص 207 ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 339 .
ونقله في عبدالله بن سبأ للعسكري ج 1 ص 71 عن : كنز العمال ج 5 ص 312 ، ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج 4 ص 180 وأنساب الاشراف ج 1 ص 474 وتهذيب ابن عساكر ج 2 ص 391 بترجمة اسامة .
المراجعات
_ 646 _
وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم ، الا وقد عبأه بالجيش
(1) ( 863 ) وكان ذلك لاربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة للهجرة ، فلما كان من الغد دعا أسامة ، فقال له : سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل ، فقد وليتك هذا الجيش ، فاغز صباحا على أهل أبنى
(2) ، وحرق عليهم ، وأسرع السير لتسبق الاخبار ، فإن أظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم ، وخذ معك الادلاء ، وقدم العيون والطلائع معك . فلما كان اليوم الثامن والعشرون من صفر ، بدأ به صلى الله عليه وآله ، مرض الموت فحم ـ بأبي وأمي ـ وصدع ، فلما أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم مثاقلين ، خرج إليهم فحضهم على السير ، وعقد صلى الله عليه وآله وسلم ، اللواء لاسامة بيده الشريفة تحريكا لحميتهم ، وإرهافا لعزيمتهم ، ثم قال : اغز بسم الله وفي سبيل الله ، وقاتل من كفر بالله . فخرج بلوائه معقودا ، فدفعه إلى بريدة ، وعسكر بالجرف ، ثم
---------------------------
(1) كان عمر يقول لاسامة : مات رسول الله ( ص ) وأنت علي امير ، نقل عنه جماعة من الاعلام كالحلبي في سرية اسامة من سيرته الحلبية ، وغير واحد من المحدثين والمؤرخين ( منه قدس ) .
(2) أبنى ـ بضم الهمزة وسكون الباء ثم نون مفتوحة بعدها الف مقصورة ـ : ناحية بالبلقاء من أرض سوريا بين عسقلان والرملة ، وهي قرب مؤتة التي استشهد عندها زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين في الجنة عليه السلام ( منه قدس ) .
( 863 ) عمر يقول لاسامة : مات رسول الله ( ص ) وأنت علي أمير .
راجع : السيرة الحلبية ج 3 ص 209 ، كنز العمال للمتقي الهندي ج 15 ص 241 ح 710 ط 2 ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 341 .
المراجعات
_ 647 _
تثاقلوا هناك فلم يبرحوا ، مع ما وعوه من النصوص الصريحة في وجوب اسراعهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « أغز صباحا على أهل أبنى » ( 864 ) . وقوله : « وأسرع السير لتسبق الاخبار » ( 865 ) إلى كثير من أمثال هذه الاوامر التي لم يعملوا بها في تلك السرية . وطعن قوم منهم في تأمير أسامة كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقالوا في ذلك فأكثروا ، مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالامارة ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم له يومئذ : « فقد وليتك هذا الجيش » ( 866 ) ورأوه يعقد له لواء الامارة ـ وهو محموم ـ بيده الشريفة ، فلم يمنعهم ذلك من الطعن في تأميره حتى غضب صلى الله عليه وآله وسلم ، من طعنهم غضباً ، غضبا شديدا ؛ فخرج ـ بأبي وأمي ـ معصب الرأس (1) ، مدثرا بقطيفته ، محموما ألما ، وكان ذلك يوم السبت لعشر خلون
---------------------------
( 1 ) كل من ذكر هذه السرية من المحدثين وأهل السير والاخبار ، نقل طعنهم في تأمير أسامة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم ، غضب غضبا شديدا ، فخرج على الكيفية التي ذكرناها ، فخطب الخطبة التي أوردناها ، فراجع سرية
>>>
( 864 ) راجع : المغازي للواقدي ج 3 ص 1117 ، السيرة الحلبية ج 3 ص 207 ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 339 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190 .
( 865 ) راجع : المغازي للواقدي ج 3 ص 1117 و 1123 ، السيرة الحلبية ج 3 ص 207 ، السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 339 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190 .
( 866 ) راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 53 أفست على ط 1 بمصر وج 1 ص 159 ط مصر بتحقيق محمد أبوالفضل ، المغازي للواقدي ج 3 ص 1117 ، السيرة الحلبية ج 3 ص 207 ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 339 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190 .
المراجعات
_ 648 _
من ربيع الاول قبل وفاته بيومين ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ـ فيما أجمع أهل الاخبار على نقله ، واتفق أولوا العلم على صدوره ـ : « أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وايم الله إنه كان لخليقا بالامارة ، وإن ابنه من بعده لخليق بها » ( 867 ) وحضهم على المبادرة إلى السير ، فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف ، وهو يحضهم على التعجيل ، ثم ثقل في مرضه ، فجعل يقول : جهزوا جيش أسامة ، أنفذوا جيش أسامة ، أرسلوا بعث أسامة ، يكرر ذلك وهم مثاقلون ، فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربع الاول دخل أسامة من معسكره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمره بالسير قائلا له : « اغد على بركة الله تعالى » ( 868 ) فودعه وخرج إلى المعسكر ، ثم رجع ومعه عمر وأبوعبيدة ، فانتهوا إليه وهو يجود بنفسه ، فتوفي ـ روحي وأرواح العالمين له الفداء ـ في ذلك اليوم .
---------------------------
<<<
أسامة من طبقات ابن سعد ، وسيرتي الحلبي والدحلاني ، وغيرها من المؤلفات في هذا الموضوع ( منه قدس ) .
( 867 ) راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 53 أفست على ط 1 بمصر وج 1 ص 159 ط مصر بتحقيق محمد أبوالفضل ، عبدالله بن سبأ للعسكري ج 1 ص 70 ، المغازي للواقدي ج 3 ص 1119 ، السيرة الحلبية ج 3 ص 207 ، السيرة النبوية بهامش الحلبية ج 2 ص 339 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190 .
( 868 ) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 53 أفست على ط 1 بمصر وج 1 ص 160 ط مصر بتحقيق محمد أبوالفضل ، المغازي للواقدي ج 3 ص 1120 ، السيرة الحلبية ج 3 ص 208 ، السيرة النبوية بهامش الحلبية ج 2 ص 340 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 191 .
المراجعات
_ 649 _
فرجع الجيش باللواء إلى المدينة الطيبة ، ثم عزموا على إلغاء البعث بالمرة ، وكلموا أبا بكر في ذلك ، وأصروا عليه غاية الاصرار ، مع ما رأوه بعيونهم من اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في إنفاذه ، وعنايته التامة في تعجيل إرساله ، ونصوصه المتوالية في الاسراع به على وجه يسبق الاخبار ، وبذله الوسع في ذلك منذ عبأه بنفسه وعهد إلى أسامة في أمره ، وعقد لواءه بيده إلى أن احتضر ـ بأبي وأمي ـ فقال : اغد على بركة الله تعالى ، كما سمعت ، ولولا الخليفة لاجمعوا يومئذ على رد البعث ، وحل اللواء ، لكنه أبى عليهم ذلك . فلما رأوا منه العزم على إرسال البعث ، جاءه عمر بن الخطاب حينئذ يلتمس منه بلسان الانصار أن يعزل أسامة ، ويولي غيره .
هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجه ، من طعنهم في تأمير أسامة . ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموما معصباً مدثرا ، يرسف في مشيته ، ورجله لا تكاد تقله ، مما كان به من لغوب ، فصعد المنبر وهو يتنفس الصعداء ويعالج البرحاء ، فقال : « أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة ، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وأيم الله انه كان لخليقا بالامارة ، وإن ابنه من بعده لخليق بها » فأكد صلى الله عليه وآله وسلم ، الحكم بالقسم ، وإن واسمية الجملة ، ولام التأكيد ، ليقلعوا عما كانوا عليه ، فلم يقلعوا ، لكن الخليفة أبى أن يجيبهم إلى عزل أسامة ، كما أبى أن يجيبهم إلى الغاء البعث ، ووثب فأخذ بلحية عمر
(1) فقال : « ثكلتك أمك
---------------------------
(1) نقله الحلبي والدحلاني في سيرتيهما ، وابن جرير الطبري في احداث سنة 11 من تاريخه ، وغير واحد من أصحاب الاخبار ( منه قدس ) .
المراجعات
_ 650 _
وعدمتك يا ابن الخطاب ، استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأمرني أن أنزعه » ( 869 ) ولما سيروا الجيش ـ وما كادوا يفعلون ـ ، خرج أسامة في ثلاثة آلاف مقاتل فيهم ألف فرس (1) ، وتخلف عنه جماعة ممن عبأهم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ، في جيشه . وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما أورده الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل : « جهزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلف عنه » ( 870 ) .
وقد تعلم ، انهم إنما تثاقلوا عن السير أولا ، وتخلفوا عن الجيش أخيرا ، ليحكموا قواعد سياستهم ، ويقيموا عمدها ، ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنص ، حيث رأوه أولى بالمحافظة ، وأحق بالرعاية ، إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم عن السير ، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش ، أما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان ـ بأبي وأمي ـ أراد أن تخلو منهم العاصمة ، فيصفوا الامر
---------------------------
(1) فشن الغارة على اهل أبنى ، فحرق منازلهم ، وقطع نخلهم ، وأجال الخيل في عرصاتهم ، وقتل من قتل منهم ، واسر من أسر ، وقتل يؤمئذ قاتل أبيه ، ولم يقتل ، والحمد لله رب العالمين من المسلمين احد ، وكان أسامة يومئذ على فرس أبيه وشعارهم يا منصور امت ـ وهو شعار النبي ( ص ) يوم بدر ـ وأسهم للفارس سهمين ، وللراجل سهما واحدا وأخذ لنفسه مثل ذلك ( منه قدس ) .
( 869 ) راجع : تاريخ الطبري ج 3 ص 226 ، الكامل ج 2 ص 335 ، السيرة الحلبية ج 3 ص 209 ، السيرة النبوية بهامش الحلبية ج 2 ص 340 .
( 870 ) يوجد في : الملل والنحل للشهرستاني الشافعي ج 1 ص 23 أفست دار المعرفة في بيروت على ط مصر تحقيق محمد كيلاني وج 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم أفست دار المعرفة أيضا .
المراجعات
_ 651 _
من بعده لامير المؤمنين علي بن أبي طالب على سكون وطمأنينة ، فإذا رجعوا وقد أبرم عهد الخلافة ، وأحكم لعلي عقدها ، كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد . وإنما أمر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة (1) ليا لاعنة البعض ، وردا لجماح أهل الجماح منهم ، واحتياطا على الامن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمر أحدهم ، كما لا يخفى ، لكنهم فطنوا إلى ما دبر صلى الله عليه وآله وسلم ، فطعنوا في تأمير أسامة ، وتثاقلوا عن السير معه ، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بربه ، فهموا حينئذ بإلغاء البعث وحل اللواء تارة ، وبعزل أسامة اخرى ، ثم تخلف كثير منهم عن الجيش كما سمعت . فهذه خمسة أمور في هذه السرية لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية ، إيثارا لرأيهم في الامور السياسية ، وترجيحا لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه صلى الله عليه وآله وسلم ، والسلام .
ش
1 ـ العذر فيما كان منهم في سرية أسامة
2 ـ لم يرد حديث في لعن المتخلف عن تلك السرية
1 ـ نعم كان رسول الله عليه السلام قد حضهم على تعجيل السير في غزوة أسامة ، وأمرهم بالاسراع كما ذكرت ، وضيق عليهم في ذلك حتى
---------------------------
(1) على الاظهر ، وقيل كان ابن ثمان عشرة سنة ، وقيل ابن تسع عشرة سنة ، وقيل ابن عشرين سنة ، ولا قائل بأن عمره كان اكثر من ذلك ( منه قدس ) .
المراجعات
_ 652 _
قال لاسامة حين عهد إليه : أغز صباحا على أهل أبنى ، فلم يمهله إلى المساء ، وقال له : أسرع السير فلم يرض منه إلا بالاسراع ، لكنه عليه السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل ، فثقل حتى خيف عليه ؛ فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال ، فتربصوا ينتظرون في الجرف ما تنتهي إليه حاله ، وهذا من وفور إشفاقهم عليه ، وولوع قلبهم به ، ولم يكن لهم مقصد في تثاقلهم إلا انتظار احدى الغايتين ، إما قرة عيونهم بصحته ، وإما الفوز بالتشرف في تجهيزه ، وتوطيد الامر لمن يتولى عليهم من بعده ، فهم معذورون في هذا التربص ، ولا جناح عليهم فيه .
وأما طعنهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره ، فلم يكن منهم إلا لحداثته مع كونهم بين شيوخ وكهول ، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى ـ بجبلتها ـ أن تنقاد إلى الاحداث ، وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان ، فكراهتهم لتأميره ليست بدعا منهم ، وإنما كانت على مقتضى الطبع البشري ، والجبلة الآدمية ، فتأمل .
وأما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول ، فقد اعتذر عنه بعض العلماء بأنهم ربما جوزوا ان يوافقهم الصديق على رجحان عزله لاقتضاء المصلحة ـ بحسب نظرهم ـ هكذا قالوا ، والانصاف أني لا أعرف وجها يقبله العقل في طلبهم عزله بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره ، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا ، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة بينهم ، وقد سارت كل مسير ، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه الا الله
تعالى .
وأما عزمهم على إلغاء البعث ، وإصرارهم على الصديق في ذلك ، مع
المراجعات
_ 653 _
ما رأوه من اهتمام النبي في إنفاذه ، وعنايته التامة في تعجيل إرساله ، ونصوصه المتوالية في ذلك ، فإنما كان منهم احتياطا على عاصمة الاسلام أن يتخطفها المشركون من حولهم ؛ إذا خلت من القوة ، وبعد عنها الجيش ، وقد ظهر النفاق بموت النبي عليه السلام ، وقويت نفوس اليهود والنصارى ، وارتدت طوائف من العرب ، ومنع الزكاة طوائف أخرى ، فكلم الصحابة سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبى ، وقال : والله لئن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
هذا ما نقله أصحابنا عن الصديق ، وأما غيره فمعذور من رد البعث ، إذ لم يكن لهم مقصد سوى الاحتياط على الاسلام .
وأما تخلف أبي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة ، فإنما كان لتوطيد الملك الاسلامي ، وتأييد الدولة المحمدية ، وحفظ الخلافة التي لا يحفظ الدين وأهله يومئذ إلا بها .
2 ـ وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ، فقد وجدناه مرسلا غير مسند ، والحلبي والسيد الدحلاني في سيرتيهما قالا : لم يرد فيه حديث أصلا . فان كنت سلمك الله ترى من طريق أهل السنة حديثا في ذلك ، فدلني عليه والسلام .
ش