روي أنه قيل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : سيدي جعلت فداك ، إن الميت يجلسون له بالنياحة بعد موته أو قتله ، وأراكم تجلسون أنتم
وشيعتكم من أول الشهر بالمأتم ولاعزاء على الحسين ( عليه السلام ) فقال ( عليه السلام ) : يا هذا إذا هل هلال محرم نشرت الملائكة
ثوب الحسين ( عليه السلام ) وهو مخرق من ضرب السيوف ، وملطخ بالدماء فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر ، فتنفجر دموعنا
.
عظَّم الله لكم الأجر أيها المؤمنون ، وأحسن الله لكم العزاء بمصاب سيِّد شباب أهل الجنة ، فهذا شهر المحرَّم قد أقبل عليكم بأحزانه فحقَّ لكم أن
تندبوا الحسين ( عليه السلام ) وتبكوه بالدموع الجارية ، وتظهروا الأحزان ، وتتركوا الأفراح ، وتجتمعوا لإقامة المآتم كما أوصى بذلك سيِّدُ
شباب أهل الجنة ( عليه السلام ) فقد روي أنه ( عليه السلام ) أوصى ابنه الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قائلا له : يا ولدي ،
بلِّغ شيعتي عني السلام ، وقل لهم : إن أبي مات غريباً فاندبوه ، ومضى شهيداً فابكوه
.
ويروى أن سكينة ( عليها السلام ) اعتنقت أباها الحسين ( عليه السلام ) بعد مقتله الشريف وجعلت تمرِّغ وجهها على جسده ، وهي تبكي
حتى غشي عليها ، ثمَّ جاء أعداء الله فجذبوها منه وأبعدوها عنه وأركبوها ، قالت سكينة : سمعت أبي ( عليه السلام ) يقول وأنا مغشى عليَّ :
ولله درّ الشيخ عبدالكريم الفرج رحمه الله تعالى إذ يقول في هلال شهر المحرم الحرام :
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن ابن عباس ، قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (
عليه السلام ) فلمَّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليَّ يا بني ، فما زال يُدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى ، ثم أقبل الحسين ( عليه السلام ) ،
فلمَّا رآه بكى ، ثمَّ قال : إليَّ يا بني ، فما زال يُدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثم أقبلت فاطمة ( عليها السلام ) ، فلمَّا رآها بكى ،
ثمَّ قال : إليَّ بابنية فأجلسها بين يديه ، ثمَّ أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلمّا رآه بكى ، ثمَّ قال : إليَّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتى
أجلسه إلى جنبه الأيمن ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء إلاَّ بكيت ، أو ما فيهم من تسرُّ برؤيته! ؟ فقال ( صلى
الله عليه وآله ) : والذي بعثني بالنبوة ، واصطفاني على جميع البرية ، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزَّ وجلَّ ، وما على وجه الأرض نسمة
أحبّ إليَّ منهم .
أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي ، وصاحب الأمر بعدي ، وصاحب
---------------------------
(1) شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 273 / 274 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 14 _
لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كل مسلم ، وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وهو وصيي وخليفتي على أهلي
وأمتي في حياتي وبعد مماتي ، محبُّه محبي ، ومبغضُه مبغضي ، وبولايته صارت أمتي مرحومة ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ، وإني
بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي ، وقد جعله الله له بعدي ، ثم لا يزال الأمر به حتى يُضرب على قرنه ضربة
تخضب منها لحيته في أفضل الشهور
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (1) .
وأما ابنتي فاطمة ، فإنها سيِّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي
بين جنبي ، وهي الحوراء الإنسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربِّها جلَّ جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ،
ويقول الله عزَّ وجلَّ لملائكته : يا ملائكتي ، انظروا إلى أمتي فاطمة سيِّدة إمائي ، قائمةً بين يدي ، ترتعد فرائصُها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها
على عبادتي ، أُشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار ، وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتُهكت حرمتها ،
وغصبت حقَها ، ومُنعت إرثها ، وكُسر جنبُها ، وأُسقطت جنينها ، وهي تنادي : يا محمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي
محزونة مكروبة باكية ، تتذكِّر انقطاع الوحي عن بيتها مرَّة ، وتتذكَّر فراقي أخرى ، وتستوحش إذا جنَّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا
تهجَّدتُ بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت
عمران ، فتقول : يا فاطمة
( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ، يا فاطمة
( اقْنُتِي لِرَبِّكِ
---------------------------
(1) سورة البقرة ، الآية : 185 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 15 _
وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) .
ثم يبتدىء بها الوجع فتمرض ، فيبعث الله عزَّ وجلَّ إليها مريم بنت عمران ، تمرِّضها وتؤنسها في علّتها ، فتقول عند ذلك : يا رب ، إني قد
سئمت الحياة ، وتبرَّمت بأهل الدنيا ، فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عزَّ وجلَّ بي ، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليَّ محزونة مكروبة
مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وأذِلَّ من أذلَّها ، وخلِّد في نارك من ضرب جنبها حتى
ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين. وللهِ درّ السيِّد صالح الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
قد أسقطوا جنينَها iiواعترى من لطمةِ الخدِّ العيونَ احمرارْ فما سقوطُ الحملِ ما iiصدرُها مالطمُها ما عصرُها بالجدار ما وكزُها بالسيفِ في ضلعِها وما انتثارُ قُرْطِها iiوالسوار ما دفنُها بالليل سِرّاً iiوما نَبْشُ الثرى منهم عناداً iiجِهَارْ(1) |
وقال آخر :
ولأي الأمور تدفن iiليلا ابنة المصطفى ويعفى ثراها |
تتمة الحديث قال : قال ( صلى الله عليه وآله ) : وأمَّا الحسن فإنه ابني وولدي ، ومني ، وقرّة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة فؤادي ،
وهو سيِّد شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الأمة ، أمره أمري ، وقوله قولي : من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما نظرت إليه
تذكَّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي ، فلا يزال الأمر به حتى يُقتل بالسم ظلماً وعدواناً ، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ، ويبكيه كل
شيء حتى الطير في جوّ السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب
، ومن زاره في بقيعه
---------------------------
(1) رياض المدح والرثاء ، القديحي : 309 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 16 _
ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام .
ولله درّ الشيخ عبدالحسين شكر عليه الرحمة إذ يقول في رثاء الإمام الحسن ( عليه السلام ) :
من مبلغُ المصطفى والطهرِ فاطمة أن الحسينَ دماً يبكي على الحَسَنِ يدعوه يا عضدي في كلِّ iiنائبة ومُسْعِدي إن رماني الدهرُ iiبالوَهَنِ قد كنتَ لي من بني العليا iiبقيَّتَهم وللعدوِّ قناتي فيك لم تَلِنِ فاليومَ بعدَك أضحت وهي iiليِّنةٌ لغامز وهنيُّ العيشِ غيرُ iiهني لهفي لزينبَ تدعوه iiومقلتُها عبرى وأدمعُها كالعارضِ الهَتِنِ(1) |
تتمة الحديث قال ( صلى الله عليه وآله ) : وأمَّا الحسين فإنه مني ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ، وهو إمام المسلمين ،
ومولى المؤمنين ، وخليفة ربّ العالمين ، وغياث المستغيثين ، وكهف المستجيرين ، وحجة الله على خلقه أجمعين ، وهو سيد شباب أهل الجنة ،
وباب نجاة الأمة ، أمره أمري ، وطاعته طاعتي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما رأيته تذكَّرت ما يصنع به بعدي ، كأني به
وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، فأضمُّه في منامه إلى صدري ، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي ، وأبشِّره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض
مقتله وموضع مصرعه ، أرض كرب وبلاء وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، كأني أنظر إليه وقد
رمي بسهم فخرَّ عن فرسه صريعاً ، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً.
ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، ثمَّ قام ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو
يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثم دخل منزله
(2)
---------------------------
(1) رياض المدح والرثاء ، القديحي : 318 .
(2) الأمالي ، الشيخ الصدوق : 174 / 177 ح 2 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 17 _
ولله درّ الحجة الشيخ حسن علي البدر عليه الرحمة إذ يقول :
ألـم تـر آلَ اللهِ كـيف iiتـراكمت عـليهم صـروفُ الدهرِ أيَّ تراكمِ أمـا شـرقت بـنتُ الـنبىِّ بريقِها وجـرَّعها الأعـداءُ طَـعْمَ iiالعلاقمِ أمـا قُـتِلَ الـكرَّارُ بغياً بسيفِ iiمَنْ بـغى وطـغى فـيما أتى من iiمآثم عـدوِّ إلـهِ الـعالمين ابـنِ iiمُلجم وأشـقى جـميعِ الناسِ من دورِ آدم ألـم يَـعُدِ الـزاكي ابنُه وهو iiمُلْجأٌ إلـى سِـلْمِ حرب وهو غيرُ iiمُسَالِمِ أمـا هـجموا فـسطاطَه iiوتناهبوا بـه رَحْـلَه نَـهْبَ الـغُزاةِ iiالغنائمِ أمـا دسَّـت الأعـدا له السمَّ iiغيلةً فـألقى به في الطشتِ قَلْبَ iiالمكارم أمـا رشـقوه الـنبلَ وهـو iiجنازةٌ عـلى النعشِ لا بل فوقَ هامِ iiالنعائمِ ضـاقـت بــه سِـعَـةُ iiالـفضا فـضاق لـه شـجواً فضاءُ iiالعوالم قـضى وهو حرَّانُ الفؤادِ من iiالظما على غُصَص فيها قضى كلُّ هاشمي فـمـا لـنـزار لا تـقومُ بـثارِها فـترضع حرباً من ضروعِ iiاللهاذم وتـملأُها خـيلا تـسابقُ طـرفَها عـلى آلِ حرب تحت أُسْد iiضراغمِ فـتوطىءُ هـاتيك الـسنابك iiهامَهم كـما أوطـأوها صَـدْرَ سيِّدِ هاشمِ(1) |
روى الراوندي عليه الرحمة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يوماً جالساً وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام )
فقال لهم : كيف بكم إذا كنتم صرعى ، وقبوركم شتى ؟ فقال الحسن ( عليه السلام ) : أنموت موتاً أو نُقتل قتلا ؟ فقال : يا بني ، بل تقتل
بالسم ظلماً ويقتل أخوك ظمأ ، ويُقتل أبوك ظلماً ، وتُشرَّد ذراريكم في الأرض.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : ومن يقتلنا ؟ قال : شرار الناس، قال : فهل يزورنا أحد ؟ قال : نعم ، طائفة من أمتي يريدون
بزيارتكم برّي وصلتي ، فإذا كان يوم القيامة
---------------------------
(1) شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون ، القسم الأول : 171 / 172 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 18 _
جئتهم وأخلصهم من أهواله
(1) .
وجاء في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) أنه قال في قوله تعالى :
( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ـ الى قوله تعالى : ـ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ
الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (2) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ لما نزلت هذه الإية في اليهود ، هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله
، وكذَّبوا رسل الله ، وقتلوا أولياء الله ـ : أفلا أنبِّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : قوم من أمتي
ينتحلون أنهم من أهل ملتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب أرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولديَّ الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء
اليهود زكريا ويحيى ، ألا وإن الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهدياً من ولد الحسين المظلوم ، يحرفهم بسيوف
أوليائه إلى نار جهنم
(3) .
ولله درّ السيد الرضيّ عليه الرحمة إذ يقول :
يا رسولَ اللهِ لو iiعاينتهم وَهُـمُ ما بين قتل iiوسبا لرأت عيناك منهم منظراً للحشا شجواً وللعينِ iiقذى |
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي ، نقلا من خطّ الشهيد رفع الله درجته ، نقلا من مصباح الشيخ أبي
منصور طاب ثراه ، قال : روي أنه دخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوماً إلى فاطمة ( عليها السلام ) فهيَّأت له طعاماً من تمر وقرص
وسمن ، فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، فلمَّا أكلوا سجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وأطال سجوده ، ثمَّ بكى ، ثم ضحك ، ثم جلس ، وكان أجرأهم في الكلام علي ( عليه السلام ) فقال : يا رسول الله ، رأينا
---------------------------
(1) الخرائج والجرائح ، الراوندي : 2/491 ح 4 ، الإرشاد ، المفيد : 2/131 ، روضة الواعظين ، النيسابوري : 75 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 84 / 86 .
(3) تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) : 368 ـ 369 ح 258 تأويل الآيات ، الحسيني : 1/75 ح 52 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 19 _
منك اليوم ما لم نره قبل ذلك ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم واجتماعكم ، فسجدت لله تعالى شكراً ، فهبط جبرئيل ( عليه
السلام ) يقول : سجدت شكراً لفرحك بأهلك ؟ فقلت : نعم ، فقال : ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك ؟ فقلت : بلى يا أخي يا جبرئيل ،
فقال : أما ابنتك فهي أول أهلك لحاقاً بك بعد أن تظلم ، ويؤخذ حقها وتمنع إرثها ويظلم بعلها ويكسر ضلعها .
وأما ابن عمك فيظلم ويمنع حقه ويقتل ، وأما الحسن فإنه يظلم ويمنع حقه ويقتل بالسم ، وأما الحسين فإنه يظلم ويمنع حقه وتقتل عترته ، وتطؤه
الخيول ، وينهب رحله ، وتسبى نساؤه وذراريه ، ويدفن مرمّلا بدمه ، ويدفنه الغرباء ، فبكيت وقلت : وهل يزوره أحد ؟ قال : يزوره الغرباء
، قلت : فما لمن زاره من الثواب ؟ قال : يكتب له ثواب ألف حجة ، وألف عمرة كلها معك فضحكت
(1) .
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في مرض النّبي ( صلى الله عليه وآله ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما أغمي عليه جاء الحسن
والحسين ( عليهما السلام ) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأراد علي ( عليه السلام ) أن ينحّيهما
عنه ، فأفاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : يا علي ، دعني أشمّهما ويشماني ، وأتزوّد منهما ويتزوّدان مني ، أما إنهما سيظلمان
بعدي ويقتلان ظلماً ، فلعنة الله على من يظلمهما ، يقول ذلك ثلاثاً
(2) .
وفي رواية الأربلي : عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : دخلت فاطمة ( عليها السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وهو في سكرات الموت فانكبّت عليه تبكي ، ففتح عينه وأفاق ، ثمّ قال : يا بنيّة ، أنت المظلومة بعدي ، وأنت المستضعفة بعدي ، فمن آذاك فقد
آذاني ، ومن غاضك فقد غاظني ، ومن سرّك فقد سرّني ، ومن برّك فقد برّني ،
---------------------------
(1) بحار الأنوار المجلسي : 98/44 ح 84 .
(2) الأمالي الشيخ الصدوق : 736 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 20 _
ومن جفاك فقد جفاني ، ومن وصلك فقد وصلني ، ومن قطعك فقد قطعني ، ومن أنصفك فقد أنصفني ، ومن ظلمك فقد ظلمني ، لأنك منّي وأنا منك ،
وأنت بضعة منّي وروحي الّتي بين جنبيّ ، ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : إلى الله أشكو ظالميك من أمّتي ، ولله در الشيخ الأزري عليه
الرحمة إذ يقول :
وهـي العروةُ التي ليس iiينجو غـيرُ مـستعصم بحبلِ iiوِلاها لـم يـرَ اللهُ لـلرسالةِ iiأجـراً غـيرَ حفظِ الزهراءِ في iiقرباها فمضت وهي أعظمُ الناسِ وجداً فـي فَم الدهرِ غصّةٌ من جَوَاها لأيِّ الأُمــور تُـدفن iiسُـراً بضعةُ المصطفى ويُعفى iiثراها وثوت لا يرى لها الناسُ iiمثوىً أيَّ قــدس يـضمُّه iiمـثواها(1) |
ثمّ دخل الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فانكَّبا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما يبكيان ويقولان : أنفسنا لنفسك الفداء يا
رسول الله ، فذهب عليّ ( عليه السلام ) لينحّيهما عنه فرفع رأسه إليه ، ثمّ قال : دعهما ـ يا أخي ـ يشمّاني وأشمّهما ، ويتزوّدان منّي وأتزودّ
منهما ، فإنهما مقتولان بعدي ظلماً وعدواناً ، فلعنة الله على من يقتلهما ، ثمّ قال : يا عليّ ، أنت المظلوم بعدي ، وأنا خصم لمن أنت خصمه يوم
القيامة
(2)
ولله درّ من قال من شعراء الحسين ( عليه السلام ) :
جاشت على آلِهِ ما ارتاح iiواحدُهم من قهر أعداه حتى مات iiمقهورا قضى أخوه خضيبَ الرأس وابنتُه غضبى وسبطاه مسموماً iiومنحورا(3) |
ولله درُّ شاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) ابن حماد ( رحمه الله ) تعالى إذ يقول :
لا زلتُ أبكي دماً ينهلُّ منسجماً لـلسيدينِ الـقتيلينِ iiالشهيدينِ |
---------------------------
(1) الأزرية ، الشيخ الأزري : 143 .
(2) كشف الغمة الأربلي : 2/119 ـ 120 ، بحار الأنوار المجلسي : 28/76 ح 34 .
(3) المجالس السنية ، السيد محسن الأمين : 1 / 13 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 21 _
الـسيدين الشريفين اللذين iiهما خـيرُ الورى أبوي مجد iiوجدّينِ الـضارعين إلـى الله iiالمنيبين الـمسرعين إلى الحقِّ iiالشفيعين نورين كانا قديماً في الظلالِ iiكما قـال الـنبيُّ لعرشِ اللهِ iiقُرْطَينِ تُـفاحتي أحمدَ الهادي وقد iiجُعلا لـفاطم وعـليَّ الـطهرِ iiنسلين صلَّى الإلهُ على روحيهما وسقى قـبريهما أبـداً نـوءُ iiالسماكين(1) |
روي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله بالسيف على رأسه الشريف وخرَّ ( عليه السلام ) في محرابه هبَّت
ريح سوداء مظلمة ، والملائكة تنعاه في السماء وأقبل الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وبقية أولاده فوجدوه مشقوق الرأس ، وقد علته الصفرة من
انبعاث الدم وشدة السم ، والناس من حوله في النياحة والعويل والبكاء المحرق للأكباد ، فأخذ الحسن رأسه ووضعه في حجره ، فأفاق وقال : هذا
ما وعد الله ورسوله ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم ، ثمَّ نظر إلى أولاده فرآهم تكاد أنفسهم تزهق من النوح والبكاء ، فجرت دموعه على
خدّيه ممزوجة بدمه ، قال ( عليه السلام ) : أتبكيا عليَّ ؟ ابكيا كثيراً واضحكا قليلا ، أمَّا أنت يا أبا محمد ستقتل مسموماً مظلوماً مضطهداً ،
وأمَّا أنت يا أبا عبدالله فشهيد هذه الأمة ، وسوف تذبح ذبح الشاة من قفاك ، وترضُّ أعضاؤك بحوافر الخيل ، ويُطاف برأسك في مماليك بني أمية ،
وحريم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تسبى ، وإن لي ولهم موقفاً يوم القيامة
(2) .
وروي أيضاً أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال للحسن والحسين ( عليهما السلام ) ليلة وفاته بعدما أوصاهما بوصاياه الشريفة : يا
أبا محمد ويا أبا عبدالله ، كأني بكما وقد خرجت عليكما الفتن من ها هنا وها هنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير
---------------------------
(1) الغدير ، الشيخ الأميني : 4 / 162 .
(2) وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 57
.
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 22 _
الحاكمين .
ثمَّ قال : أمَّا أنت يا أبا محمد ستقتل مسموماً مضطهداً ، وأمّا أنت يا أبا عبدالله فشهيد هذه الأمة ، فعليك بتقوى الله والصبر الجميل
(1) .
ويقول العلاّمة الشيخ علي المرهون في استنهاض الإمام الحجّة عجَّل الله فرجه الشريف :
فـمتى تـنهضنْ فداؤُك iiنفسي كـلُّ قـلب لـما جرى iiمألومُ جدُّك المصطفى قضى iiبسموم أمُّـك الـطهرُ خـدُّها iiملطوم وأبـوك الوصيُّ أضحى iiقتيلا وفـؤادُ ابـنِهِ عَـرَتْه iiسموم وبأرضِ الطفوفِ أمسى حسينٌ عـافراً والـفؤادُ مـنه iiكلوم حـوله صـحُبُه وأبناؤه iiالغرُّ ضـحـايا وصـبيةٌ iiوفـطيم وعـلى النيبِ نسوةٌ iiحاسراتٌ وعـليلٌ مـما عـراه iiسـقيم(2) |
المجلس الثاني : من اليوم الأول :
وقوف فاطمة ( عليها السلام ) في المحشر ومعها قميص الحسين ( عليه السلام )
اعلموا أيّها المؤمنون أحسن الله لكم العزاء في مصاب سيِّد شباب أهل الجنة أن مواساة الزهراء البتول ( عليها السلام ) في ابنها المقتول قرّة
عينها سبط الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حق لها علينا يقتضيها فرض الموالاة والمحبة التي أمر الله بها في محكم كتابه إذ يقول تعالى :
( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ولكنّ هذه الأمة لم ترع حرمة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في ذرّيّته الطاهرة ، فبقتل
الحسين ( عليه السلام ) فُجع الدين ، وضيِّعت
---------------------------
(1) وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 64 .
(2) شعراء القطيف الشيخ علي المرهون القسم الأول : 171 / 172 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 23 _
فيه وصية سيِّد المرسلين ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليِّ العظيم .
روي عن سيِّد العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أنه قال : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ، ازدلف إليه ثلاثون ألف
رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً... .
(1) .
ولله درّ الشيخ عبدالكريم الفرج عليه الرحمة إذ يقول :
مـا لـلبسيطةِ زُلـزلت iiأقطارُها والـشمس قد خُسفت بها iiأموارُها وعـلا الضجيجُ من العوالمِ iiكلِّها وكـذا الـمجالسُ سُوِّدت iiأستارُها قـد أُبـدلت بـعد السرورِ iiمآتماً والـخلقُ حُزناً أُقرحت iiأبصارُها أفـهل دهى الأكوانَ خطبٌ iiمهلكٌ فـأزيل من عَطَب بها iiاستقرارُها قـالوا أمـا تـرنو هلالَ iiمحرَّم قـد هـلَّ فـانهلَّت لـه iiأنظارها فالبس ثيابَ الحزنِ واجلسْ iiللعزا فـالحزنُ لـلأطهارِ فيه iiشعارُها مـتفكِراً فـيما جـرى فيه iiعلى آلِ الـرسولِ وما جنت iiأشرارُها ظـنَّت عـلوجُ أمـية من iiجهلِها أن الـعبيدَ تُـطيعُهم iiأحـرارُها خابت وخاب رجاؤُها الخاطي وقد فَـشِلَت وبـان إلى البريَّة iiعارُها |
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن الإمام علي بن موسى الرضا ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) : تحشر ابنتي فاطمة ( عليها السلام ) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء ، تتعلَّق بقائمة من قوائم العرش ، تقول : يا عدل ،
احكم بيني وبين قاتل ولدي ، قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويحكم الله لابنتي وربِّ
الكعبة
(2)
---------------------------
(1) الأمالي الشيخ الصدوق : 547 ح 10 .
(2) بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 43/220 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 24 _
وروى الصدوق عليه الرحمة عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في
صعيد واحد ، فينادي مناد : غضّوا أبصاركم ونكِّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) الصراط ، قال : فتغضّ
الخلائق أبصارهم ، فتأتي فاطمة ( عليها السلام ) على نجيب من نجب الجنة ، يشيّعُها سبعون ألف ملك ، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة ،
ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي ( عليه السلام ) بيدها مضمَّخاً بدمه ، وتقول : يا رب ، هذا قميص ولدي وقد علمت ما صنع به
، فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا فاطمة ، لك عندي الرضا ، فتقول : يا ربّ ، انتصر لي من قاتله ، فيأمر الله تعالى عنقاً من النار
فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي ( عليه السلام ) كما يلتقط الطير الحبَّ ، ثم يعود العنق بهم إلى النار ، فيعذَّبون فيها بأنواع العذاب ،
ثم تركب فاطمة ( عليها السلام ) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيِّعون لها ، وذريتها بين يديها ، وأولياؤهم من الناس عن يمينها
وشمالها
(1) ولله در الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
لـيت شـعري أَوَ تسلو iiفاطمٌ رُزءَ مَـنْ كـان لها قرَّةَ عينْ أَوَ قَـبْلَ الـحملِ تبكي iiجزعاً ولـها السلوانُ يرجى بعد iiحينْ كيف تسلو وهي شجواً خضَّبت شـعرَها من دمِ أوداجِ iiالحسينْ(2) |
وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنَّه قال : إذا كان يوم القيامة ينصب الله سرادقاً من نور بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) ، والخلائق كلّهم حاضرون ، ثمَّ ينادي مناد : يا معشر الناس ، غضّوا أبصاركم ، فإن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى تريد أن
تجوز السرادق ، فيغضّو أبصارهم ، فإذا هي مقبلة ، فإذا وضعت رجلها في السرادق نوديت : يا فاطمة ، فتلتفت فترى ولدها الحسين واقفاً بجانبها
من غير
---------------------------
(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 43 / 224 .
(2) الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 50 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 25 _
رأس ، فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرَّب ، ولا نبيّ مرسل إلاَّ جثى على ركبتيه وخرّ مغشياً عليه ، ثم إنها تفيق من غشيتها فتجد الحسين يمسح
وجهها بيديه ، ورأسه قد عادت إليه ، فعند ذلك تدعو على قاتله ومن أعانه ، فيؤمر بهم إلى جهنم ولا شفيع لهم
(1) .
وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : إذا كان يوم القيامة تقبل فاطمة على ناقة من نياق الجنة وبيدها قميص الحسين ملطَّخ
بدمه ، فتصرخ وتزجّ نفسها عن الناقة ، وتخرّ ساجدة لله عز وجل ، وتقول : إلهي وسيدي ومولاي ، احكم بيني وبين من قتل ولدي الحسين ،
فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا حبيبتي وابنة حبيبي ، ارفعي رأسك ، فوعزتي وجلالي لأنتقمن اليوم ممن ظلمك وظلم ولدك ، ثم يأمر بجميع
من حضر قتل الحسين ومن شارك في قتله إلى النار
(2) .
وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة ( عليها السلام ) في جماعة من نسائها ، فيقال لها
: ادخلي الجنة ، فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صنع ولدي الحسين ، فيقال لها : انظري عن يمينك ، فتلتفت فإذا الحسين قائم وليس عليه رأس
، فتصرح صرخة ، فتصرخ النساء لصراخها والملائكة أيضاً ، ثم تنادي : واولداه ، واثمرة فؤاداه ، فعند ذلك يغضب الله ويأمر ناراً قد أوقد عليها
ألف عام حتى اسوّدت ولا تدخلها ريح ولا يخرج منها أبداً ، فيقال لها : التقطي من حضر قتل الحسين ، فتلقطهم ، فإذا صاروا في جوفها صهلت بهم
وصهلوا بها ، وشهقت بهم وشهقوا بها ، وزفرت بهم وزفروا بها ، ثم ينطقون بألسنة ذلقة ناطقة : يا ربَّنا ، لم أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟
فيأتيهم الجواب عن الله أن من عَلِم ليس كمن لا يعلم
(3) .
---------------------------
(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 43/224 ، نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام ) ، الاسفرايني : 81 .
(2) نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام ) الإسفرايني : 82 .
(3) نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام ) ، الإسفرايني : 82 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 26 _
وروي عن آل البيت ( عليهم السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : إذا كان يوم القيامة تأتي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) على ناقة من نياق الجنة ، خطامها من لؤلؤ رطب ، وقوائمها من زمرد أخضر ، وذنبها من مسك أذفر ، وعيناها من ياقوت أحمر ، وعليها قبّة من النور ، يرى باطنها من ظاهرها ، داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله ، وعلى رأسها تاج من النور ، وله سبعون ركناً ، كل ركن مرصَّع بالدر والياقوت ، يضيء كما يضيء الكوكب في أفق السماء ، وعن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن يسارها مثلهم ، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة وهو ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة ، فيغضّون أبصارهم حتى تجاوز عرش ربها وتزجّ نفسها عن ناقتها ، وتقول : إلهي وسيِّدي ومولاي ، احكم بيني وبين من ظلمني وقتل ولدي ، فإذا النداء من قبل الله تعالى : يا حبيبتي وابنة حبيبتي ، سليني تعطي واشفعي تشعفي ، فوعزّتي وجلالي لا يجاوزني ظلم ظالم ، فتقول : إلهي وسيّدي ومولاي ، ذريّتي وشيعتي وشيعة ذريّتّي ، فإذا النداء من قبل الله تعالى : أين ذرية فاطمة وشيعتها وشيعة ذريتها ومحبّوها ومحبّو ذرّيّتها ؟
فيقولون ـ وقد أحاطت بهم ملائكة الرحمن ـ : ها نحن يا ربَّنا ، فتقودهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة ، وهي آخذة بقميص الحسين ، وهو ملطَّخ بالدم ، وقد تعلَّقت بقوائم العرش وهي تقول : يا رب ، احكم بيني وبين قاتل ولدي الحسين ، فيؤخذ لها بحقِّها كما قال القائل :
ويلٌ لمن شفعاؤُه iiخصماؤُه والصورُ في بَعْثِ الخلائقِ iiيُنْفَخُ لابدَّ أن تَرِدَ القيامةَ فاطمٌ وقميصُها بدمِ الحسينِ ملطَّخُ فتقولُ ربِّي إنني لك iiأشتكي قَتْلَ الحسينِ ابني وها أنا iiأصرخُ واللهُ يأمرُ بالجميعِ iiلنارِهِ ويلٌ لمن قتلوا الحسينَ iiيؤرَّخُ(1) |
---------------------------
(1) نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام ) ، أبو إسحاق الإسفرايني : 82 / 83 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 27 _
وسئل سبط ابن الجوزي في يوم عاشوراء زمن الملك الناصر صاحب حلب أن يذكر للناس شيئاً من مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، فصعد المنبر وجلس طويلا لا يتكلَّم ، ثمَّ وضع المنديل على وجهه وبكى شديداً ، ثمَّ أنشأ يقول وهو يبكي :
ويلٌ لمن شفعاؤُه iiخصماؤُه والصورُ في نشرِ الخلائقِ ينفخُ لابدَّ أن تَرِدَ القيامةَ فاطمٌ وقميصها بدم الحسينِ iiملطَّخُ |
ثمَّ نزل عن المنبر وهو يبكي ، وصعد إلى الصالحية وهو كذلك
(1) .
ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
فويلَ يزيد من عذابِ iiجهنم إذا أقبلت في الحشرِ فاطمةُ iiالطهرُ ملابسُها ثوبٌ من السمِّ iiأسودٌ وآخرُ قان من دمِ السبطِ iiمحمَرُّ تنادي وأبصارُ الأنامِ iiشواخصٌ وفي كلِّ قلب من مَهَابتِها iiذُعْرُ وتشكو إلى اللهِ العليِّ iiوصوتُها عليٌّ ومولانا عليٌّ لها iiظَهْرُ فلا ينطقُ الطاغي يزيدُ بما iiجنى وأنّى له عذرٌ ومن شأنِهِ iiالغدرُ فيؤخذُ منه بالقصاصِ فيحرمُ ال نعيمَ ويُخلىَّ في الجحيمِ له iiقصرُ ويشدو له الشادي فيطربُهُ iiالغنا ويُسْكَبُ في الكأسِ النضارِ له iiخمرُ فذاك الغنا في البعثِ تصحيفُهُ iiالعنا وتصحيفُ ذاك الخمرِ في قلبِهِ الجمرُ أيقرُع جهلا ثغرَ سبطِ iiمحمد وصاحبُ ذاك الثِغريُحمى به iiالثغر (2) |
---------------------------
(1) البداية والنهاية ، ابن كثير : 13/227 .
(2) الغدير ، الأميني : 17/7 .
المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
_ 28 _
المجلس الثالث : من اليوم الأول :
بكاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحزنه على الإمام الحسين ( عليه السلام )
روي عن سيِّد العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ... .
(1)
فلهفي عليهم ما قضى حَتْفَ أنفِهِ كريمٌ لهم إلاَّ بسمٍّ وصارمِ تجنَّت عليهم آلُ حرب iiتجرُّماً وجالت عليهم باحتباءِ iiالجرائم فكم جَزَروا بالطفِّ منهم iiأماجداً على ظمأ بالبيضِ جَزْرَ iiالسوائم (2) |
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) قال : حدَّثتني أسماء بنت عميس الخثعمية ، قالت : قبلت جدَّتك فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالحسن والحسين ، قالت : فلمَّا ولدت الحسن جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا أسماء ، هاتي ابني ، قالت : فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها وقال : ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء ، ودعا بخرقة بيضاء فلفَّه بها ، ثم أذَّن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى ، وقال لعلي ( عليه السلام ) : بم سمَّيت ابني هذا ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، قال : وأنا ما كنت لأسبق ربي عزَّ وجلَّ ، قال : فهبط جبرئيل فقال : إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمد ، علي منك بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدك ، فسمِّ ابنك باسم ابن
---------------------------
(1) الأمالي ، الشيخ الصدوق : 547 ح 10 .
(2) مثير الأحزان ، الجواهري : 155 .