الفهرس العام

بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس الثاني عشر :
المجلس الثالث عشر :
المجلس الرابع عشر :
المجلس الخامس عشر :
المجلس السادس عشر :



مِنْ بَعْدِ أَنْ نَصَرُوه يَا طُوْبَى لهم        عِنْدَ ازدحامِ الجَيْشِ يومَ iiصِيَاحِ
واستقبلوا  عنه الظبا iiبصُدُورِهِمْ       وبأَوْجُه   مِثْلِ   البُدُورِ  iiصِبَاحِ(1)

المجلس الثاني عشر :

  فضل التربة الحسينية :
  جاء في الأمالي للشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقولان : إن الله تعالى عوَّض الحسين ( عليه السلام ) من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته  ، والشفاء في تربته  ، وإجابة الدعاء عند قبره  ، ولا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : هذه الخلال تنال بالحسين ( عليه السلام ) فما له في نفسه ؟ قال : إن الله تعالى ألحقه بالنبيِّ ( صلى الله عليه وآله )   ، فكان معه في درجته ومنزلته  ، ثمَّ تلا أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الآية (2) (3) .
  وروى ابن قولويه عليه الرحمة عن محمد بن مسلم  ، قال : خرجت إلى المدينة وأنا وجع  ، فقيل له : محمد بن مسلم وجع  ، فأرسل إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) شراباً مع الغلام مغطَّى بمنديل  ، فناولنيه الغلام وقال لي : اشربه  ، فإنّه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه  ، فتناولته فإذا رائحة المسك منه  ، وإذا شراب طيِّب الطعم بارد .
  فلمَّا شربته قال لي الغلام : يقول لك مولاي : إذا شربت فتعال  ، ففكَّرت فيما قال لي  ، وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي  ، فلمَّا استقرَّ الشراب في جوفي

---------------------------
(1) وسيلة المشتاق  ، الشيخ فرج العمران : 349 .
(2) سورة الطور  ، الآية : 21 .
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 89/69 ح 2 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 552 _

  فكأنما نشطت من عقال  ، فأتيت بابه فاستأذنت عليه  ، فصوَّت بي : صحَّ الجسم  ، ادخل  ، ادخل  ، فدخلت عليه وأنا باك  ، فسلَّمت عليه  ، وقبَّلت يده ورأسه .
  فقال ( عليه السلام ) لي : وما يبكيك يا محمّد ؟ فقلت : جعلت فداك  ، أبكي على اغترابي وبُعد الشقّة وقلّة القدرة على المقام عندك والنظر إليك  ، فقال لي : أمّا قلّة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودّتنا  ، وجعل البلاء إليهم سريعاً  ، وأمّا ما ذكرت من الغربة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب  ، وفي هذا الخلق المنكوس  ، حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله  ، وأمّا ما ذكرت من بُعد الشقّة فلك بأبي عبدالله ( عليه السلام ) أسوة  ، بأرض نائية عنّا بالفرات  ، وأمّا ما ذكرت من حبِّك قربنا والنظر إلينا  ، وأنك لا تقدر على ذلك  ، فالله يعلم ما في قلبك  ، وجزاؤك عليه .
  ثمَّ قال ( عليه السلام ) لي : هل تأتي قبر الحسين ؟ قلت : نعم  ، على خوف ووجل  ، فقال : ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف  ، فمن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربِّ العالمين  ، وانصرف بالمغفرة  ، وسلَّمت عليه الملائكة  ، وزاره النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودعا له  ، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء  ، واتبع رضوان الله .
  ثمَّ قال لي ( عليه السلام ) : كيف وجدت الشراب ؟ فقلت : أشهد أنكم أهل بيت الرحمة  ، وأنّك وصيُّ الأوصياء  ، لق أتاني الغلام بما بعثت وما أقدر على أن أستقلَّ على قدمي  ، ولقد كنت آيساً من نفسي  ، فناولني الشراب فشربته  ، فما وجدت مثل ريحه  ، ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه  ، ولا أبرد منه  ، فلمَّا شربته قال لي الغلام : إنه أمرني أن أقول لك : إذا شربته فأقبل إليَّ  ، وقد علمت شدّ ما بي فقلت : لأذهبنَّ إليه ولو ذهبت نفسي  ، فأقبلت إليك وكأني نشطت من عقال  ، فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم .
  فقال ( عليه السلام ) : يا محمد! إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي  ، وهو

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 553 _

  أفضل ما استشفي به  ، فلا تعدلن به  ، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كل خير  ، فقلت له : جعلت فداك  ، إنّا لنأخذ منه ونستشفي به ؟
  فقال : يأخذه الرجل  ، فيخرجه من الحير وقد أظهره  ، فلا يمرُّ بأحد من الجنّ به عاهة  ، ولا دابّة ولا شيء به آفة إلاَّ شمَّة  ، فتذهب بركته  ، فيصير بركته لغيره  ، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا  ، ولولا ما ذكرت لك ما تمسَّح به شيء ولا شرب منه شيء إلاَّ أفاق من ساعته  ، وما هو إلاَّ كالحجر الأسود  ، أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية  ، وكان لا يتمسَّح به أحد إلاَّ أفاق  ، قال : وكان كأبيض ياقوتة  ، فاسودَّ حتى صار إلى ما رأيت .
  فقلت : جعلت فداك  ، وكيف أصنع به ؟ فقال : أنت تصنع به مع إظهارك إيّاه ما يصنع غيرك  ، تستخفّ به فتطرحه في خرجك وفي أشياء دنسة  ، فيذهب ما فيه مما تريد به  ، فقلت : صدقت جعلت فداك .
  قال ( عليه السلام ) : ليس يأخذه أحد إلاَّ وهو جاهل بأخذه  ، ولا يكاد يسلم بالناس  ، فقلت : جعلت فداك  ، وكيف لي أن آخذه كما تأخذ ؟ فقال لي : أعطيك منه شيئاً ؟ فقلت : نعم  ، قال : فإذا أخذته فكيف تصنع به ؟ قلت : أذهب به معي  ، قال : في أيِّ شيء تجعله ؟ قلت : في ثيابي  ، قال : فقد رجعت إلى ما كنت تصنع  ، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله  ، فإنه لا يسلم لك  ، فسقاني منه مرّتين  ، فما أعلم أني وجدت شيئاً مما كنت أجد حتى انصرفت (1) .
  وروي عن محمد بن عيسى  ، عن رجل قال : بعث إليَّ أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) من خراسان ثياب رزم  ، وكان بين ذلك طين  ، فقلت للرسول : ما هذا ؟ قال : هذا طين قبر الحسين ( عليه السلام )   ، ما كاد يوجِّه شيئاً من الثياب ولا غيره إلاَّ ويجعل فيه الطين  ، فكان يقول : هو أمان بإذن الله .

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 98/120 ـ 122 ح 9 عن كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 463 / 465 ح 7 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 554 _

  وروي عن الحسين بن أبي العلا قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : حنِّكوا أولادكم بتربة الحسين  ، فإنه أمان (1) .
  وعن أبي عمرو شيخ من أهل الكوفة  ، عن الثمالي  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كنت بمكة ـ وذكر في حديثه ـ قلت : جعلت فداك  ، إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين يستشفون به  ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء ؟ قال : قال : يستشفي بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال  ، وكذلك طين قبر جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد ( عليهم السلام ) ، فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم  ، وجُنَّة مما تخاف  ، ولا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفي بها إلاَّ الدعاء  ، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلَّة اليقين لمن يعالج بها  ، فأمَّا من أيقن أنها له شفاء إذ تعالج بها كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به  ، ويفسدها الشياطين والجنّ من أهل الكفر منهم يتمسَّحون بها  ، وما تمرَّ بشيء إلاَّ شمها  ، وأمَّا الشياطين وكفَّار الجنّ فإنهم يحسدون ابن آدم عليها  ، فيتمسَّحون بها فيذهب عامة طيبها  ، ولا يخرج الطين من الحير إلاَّ وقد استعدَّ له ما لا يُحصى منهم  ، والله إنّها لفي يَدَيْ صاحبها وهم يتمسَّحون بها  ، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحير  ، ولو كان من التربة شيء يسلم ما عولج به أحد إلاَّ برىء من ساعته .
  فإذا أخذتها فاكتمها  ، وأكثر عليها ذكر الله عزَّ وجلَّ  ، وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخفّ به  ، حتى إن بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار  ، أو في وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام والخرج والجوالق  ، فكيف يستشفي به مَنْ هذا حاله عنده ؟ ولكنَّ القلب الذي ليس فيه اليقين من المستخفّ بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله (2) .

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 98/124 عن كامل الزيارات : 466 ح 1 و 2 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي 98/126 ح 32 عن كامل الزيارات : 470 ـ 471 ح 5 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 555 _

  وروي عن أبي بكار  ، قال : أخذت من التربة التي عند رأس الحسين بن علي ( عليه السلام ) طيناً أحمر  ، فدخلت على الرضا ( عليه السلام ) فعرضتها عليه  ، فأخذها في كفّه  ، ثمَّ شمَّها  ، ثمَّ بكى حتى جرت دموعه  ، ثمَّ قال : هذه تربة جدّي. وروي عن جابر الجعفي  ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : طين قبر الحسين ( عليه السلام ) شفاء من كل داء  ، وأمان من كل خوف  ، وهو لما أخذ له (1) .
  وروي عن بعض أصحاب أبي الحسن موسى ( عليه السلام )   ، قال : دخلت إليه فقال : لا تستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها  ، وخاتم يتختَّم به  ، وسواك يستاك به  ، وسبحة من طين قبر أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام )   ، فيها ثلاث وثلاثون حبَّة  ، متى قلَّبها ذاكراً لله كتب له بكل حبة أربعون حسنة  ، وإذا قلَّبها ساهياً يعبث بها كتب الله له عشرون حسنة .
  وعن محمّد الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله : هل يجوز أن يُسبِّح الرجل بطين القبر ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : تسبِّح به  ، فما من شيء من التسبيح أفضل منه  ، ومن فضله أن المسبِّح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح .
  قال : وكتبت إليه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره  ، هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره  ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله (2) .
  وروى مؤلّف المزار الكبير باسناده  ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي  ، عن أبيه  ، عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانت سبحتها من خيط صوف مفتَّل معقود عليه عدد التكبيرات  ، وكانت ( عليها السلام ) تديرها

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي 98/131 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي 98/132 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 556 _

  بيدها  ، تكبِّر وتسبِّح  ، حتى قتل حمزة بن عبد المطلب  ، فاستعملت تربته  ، وعملت التسابيح  ، فاستعملها الناس  ، فلمَّا قتل الحسين صلوات الله عليه عدل بالأمر إليه  ، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية .
  وقال أيضاً في المزار الكبير : وروي أن الحور العين إذا أبصرن بواحد من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين منه السُبح والتربة من طين قبر الحسين ( عليه السلام ) .
  وروى معاوية بن عمار  ، قال : كان لأبي عبدالله ( عليه السلام ) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، فكان إذا حضرت الصلاة صبَّه على سجّادته  ، وسجد عليه  ، ثمَّ قال ( عليه السلام ) : السجود على تربة الحسين ( عليه السلام ) يخرق الحجب السبع .
  وروى جعفر بن عيسى أنه سمع أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول : ما على أحدكم إذا دفن الميت وسدَّه بالتراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين ( عليه السلام )   ، ولا يضعها تحت رأسه (1) .
  ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
حبِي   بثلاث   مَا   أَحَاطَ   iiبِمِثْلِها       وَلِيٌّ  فَمَنْ  زيدٌ  هناك  وَمَنْ عَمْرُو
له    تُرْبةٌ    فيها   الشِّفَاءُ   iiوَقُبَّةٌ       يجابُ  بها  الداعي  إذا مسَّه الضُرُّ

وذرِّيَّةٌ      دُرِّيَّةٌ     منه     iiتسعةٌ      أئمَّةُ   حَقٍّ   لاَ   ثمان  ولا  iiعَشْرُ
أيُقْتَلُ    ظَمآناً    حُسَيْنٌ    iiبكربلا      وفي  كُلِّ  عُضْو  من  أناملِهِ  بَحْرُ
وَوَالِدُهُ الساقي على الحوضِ في غَد      وفاطمةٌ   مَاءُ   الفُرَاتِ   لها  iiمَهْرُ (2)
  وقال آخر عليه الرحمة :
مولىً بِتُرْبَتِهِ الشفاءُ وَتَحْتَ قُبَّ       تِهِ  الدُّعَا  مِنْ  كُلِّ  داع iiيُسْمَعُ

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي 98/133 / 136 .
(2) الغدير  ، الأميني : 7/15 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 557 _

فيه الإمامُ أبو الأئمَّةِ والذي       هو  للنبوَّةِ والإمامةِ iiمَجْمَعُ

المجلس الثالث عشر :

  الإمام الحسين ( عليه السلام ) ويحيى بن زكريا ( عليه السلام ) :
  جاء في زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري ( رضي الله عنه ) يوم زار الحسين ( عليه السلام ) أنه قال في زيارته : فأشهد أنَّك ابن خاتم النبيين  ، وابن سيِّد المؤمنين  ، وابن حليف التقوى  ، وسليل الهدى  ، وخامس أصحاب الكساء  ، وابن سيِّد النقباء  ، وابن فاطمة سيِّدة النسا  ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذَّتك كفّ سيِّد المرسلين  ، وربيت في حجر المتقين  ، ورضعت من ثدي الإيمان  ، وفطمت بالإسلام  ، فطبت حياً وطبت ميتاً  ، غير أن قلوب المؤمنين غير طيِّبة لفراقك  ، ولا شاكّة في الخيرة لك  ، فعليك سلام الله ورضوانه  ، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا (1) .
  روي عن داود بن فرقد  ، قال : احمرَّت السماء حين قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) سنة  ، ثمَّ قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي ويحيى ابن زكريا ( عليهما السلام )   ، وحمرتها بكاؤها (2) .
  وعن عبد الخالق بن عبد ربه قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول في قول الله عزَّ وجلَّ : ( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ) (3) قال : ذلك يحيى بن زكريا لم يكن من قبل له سمياً  ، وكذلك الحسين ( عليه السلام ) لم يكن له من قبل سمياً  ، ولم تبك السماء إلاَّ عليهما أربعين صباحاً  ، قلت : فما بكاؤها ؟ قال : تطلع الشمس حمراء ( وتغرب حمراء ) (4) .

---------------------------
(1) بشارة المصطفى  ، محمد بن علي الطبري : 125 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي 14/184 عن كامل الزيارات .
(3) سورة مريم  ، الآية : 7 .
(4) كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 182 ح 10 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 558 _

  وعن جابر  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاَّ بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا ( عليهما السلام ) (1) .
  وروي عن علي بن الحسين ( عليه السلام )   ، قال : خرجنا مع الحسين ( عليه السلام )   ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلاَّ وذكر يحيى بن زكريا  ، وقال يوماً : من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني اسرائيل (2) .
  وعن أبي بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن الحسين صلوات الله عليه بكى لقتله السماء والأرض واحمرَّتا  ، ولم تبكيا على أحد قط إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي صلوات الله عليهم .
  وعن عبدالله بن هلال قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إن السماء بكت على الحسين بن علي ( عليه السلام ) ويحيى بن زكريا  ، ولم تبك على أحد غيرهما  ، قلت : وما بكاؤها ؟ قال : مكثوا أربعين يوماً تطلع الشمس بحمرة  ، وتغرب بحمرة  ، قلت : فذاك بكاؤها ؟ قال : نعم .
  وعن محمّد الحلبي  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ) قال : لم تبك السماء أحداً منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين ( عليه السلام )   ، فبكت عليه .
  وعن داود بن فرقد  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : احمرَّت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة  ، ثمَّ قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي سنة  ، وعلى يحيى بن زكريا  ، وحمرتها بكاؤها .
  وعن جابر  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاَّ على الحسين بن علي صلوات الله عليهما  ، فإنها بكت عليه أربعين يوماً .

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/301 ح 9 عن ثواب الأعمال .
(2) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/237  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/89 ح 28 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 559 _

  وعن عمرو بن ثبيت  ، عن أبيه  ، عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : إن السماء لم تبك منذ وضعت إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، قلت : أيُّ شيء بكاؤها ؟ قال : كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم .
  وعن حنّان عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في حديث له عن زيارة الحسين ( عليه السلام ) قال : ولكن زُرْهُ ولا تجفُه  ، فإنّه سيِّد شباب الشهداء  ، وسيِّد شباب أهل الجنَّة  ، وشبيه يحيى بن زكريا  ، وعليهما بكت السماء والأرض .
  وعن الحسن بن زياد  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا  ، وقاتل الحسين ولد زنا  ، ولم تبك السماء على أحد إلاَّ عليهما  ، قال : قلت : وكيف تبكي ؟ قال : تطلع الشمس في حمرة  ، وتغيب في حمرة .
  وعن كثير بن شهاب الحارثي قال : بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الرحبة  ، إذ طلع الحسين عليه فضحك عليٌّ حتى بدت نواجده  ، ثمَّ قال : إن الله ذكر قوماً فقال : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ) والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ليقتلن هذا  ، ولتبكين عليه السماء والأرض (1) .
  ولله درّ الشيخ كاظم الأزري عليه الرحمة إذ يقول :
رزءٌ إذا اعتبرته شَمْسُها انكسفت       فَمِثْلُها   العِبْرةُ   الكبرى  لمُعْتَبِرِ
وإن بكى الْقَمَرُ الأعلى iiلِمَصْرَعِهِ      فما   بكى   قَمَرٌ  إلاَّ  على  قَمَرِ
أيُّ  الَمحَاجِرِ  لا تبكي عليكَ iiدماً      أبكيتَ  واللهِ حتَّى مَحْجَرَ iiالحَجَرِ
يا دهرُ مالك ترمي كلَّ ذي خَطَر       وتُنْزِلُ  الْقَمَرَ  الأعلى إلى الحُفَرِ
جَرَرْتَ  آل  عليٍّ  بالقُيُودِ  iiفهل       للقومِ  عِنْدَك  ذَنْبٌ  غَيْرُ  iiمُغْتفَرِ
تركتَ   كلَّ   أبيٍّ   من  iiلُيُوثِهِمُ       فريسةً  بينَ  نَابِ الكَلْبِ iiوالظُّفُرِ

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/209 ـ 212 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 560 _

لَمْ  أَنسَ من عِتْرَةِ الهادي iiجَحَاجِحَةً       يُكْسَونَ  من  عِثْيَر يُسْقونَ من iiكَدَرِ
قَدْ  غَيَّر  الطَّعْنُ  منهم  كُلَّ iiجَارِحَة       إلاَّ   المكارِمَ   في  أَمْن  من  الغِيَرِ
إنْ  أصبحَ  الدَّهْرُ ينعاهُم فَلاَ iiعَجَبٌ        يحقُّ للروضِ أَنْ يبكي على المَطَرِ (1)

المجلس الرابع عشر :

  انتقام الله من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأتباعهمعلى يد الإمام الحجة عجَّل الله فرجه الشريف جاء في دعاء الندبة : أينَ محيي معالَم الدينِ وأهله  ، أينَ قاصمُ شوكةِ المعتدين  ، أينَ هادمُ أبنيةِ الشركِ والنفاق  ، أينَ مبيدُ أَهلِ الفسقِ والعصيانِ  ، أينَ حاصدَ فروعِ الغيِّ والشقاقِ  ، أينَ طامسُ آثارِ الزيغِ والأهواء  ، أينَ قاطعُ حبائلَ الكذبِ والافتراء  ، أينَ مبيدُ أهلِ العنادِ والمردة  ، أينَ معزُّ الأولياء ومذلُّ الأعداء  ، أينَ جامعُ الكلمةِ على التقوى  ، أينَ بابُ اللهِ الذي منه يؤتى  ، أينَ وجهُ اللهِ الذي إليه تتوجَّه الأولياء  ، أينَ السببُ المتّصلُ بين الأرضِ والسماء  ، أينَ صاحبُ يوم الفتحِ وناشرُ رايةِ الهدى  ، أين مؤلِّفُ شملِ الصلاح والرضا  ، أينَ الطالبُ بذحولِ الأنبياء وأبناءِ الأنبياء  ، أينَ الطالبُ بدمِ المقتولِ بكربلاء (2) .
  وجاء في الزيارة الناحية المرويَّة عن الإمام الحجَّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف قال ( عليه السلام ) : فلئن أخَّرتني الدهور  ، وعاقني عن نصرك المقدور  ، ولم أكن لمن حاربك محارباً  ، ولمن نصب لك العداوة مناصباً  ، فلأندبنَّك صباحاً ومساءً  ، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً  ، حسرةً عليك  ، وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهُّفاً  ،

---------------------------
(1) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 267 .
(2) المزار  ، محمد بن المشهدي : 578 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 561 _

  حتى أموت بلوعةِ المُصاب وغصةِ الاكتئاب (1) .
يا  صاحبَ  العَصْرِ أدركنا فليس iiلنا       وِرْدٌ   هَنِيءٌ   وَلاَ  عيشٌ  لنا  iiرَغَدُ
طَالَتْ   علينا  ليالي  الانتظارِ  iiفَهَلْ       يابنَ   الزكيِّ   لِلَيلِ   الانتظارِ  iiغَدُ
فَاكْحَلْ   بَطَلْعَتِكَ   الغَرَّا   لنا   iiمُقَلا       يَكَادُ   يأتي   على   إنسانِها   iiالرَّمَدُ
ها  نحنُ  مَرْمىً  لِنَبْلِ النائباتِ وَهَلْ       يُغْنِي اصطبارٌ وَهَى من درعِهِ الزَّرَدُ
وكم  ذا  يُؤلفُ  شملَ  الظالمينَ  لكم      وشملكم     بيدي     أعدائكم    iiبددُ
فانهض   فَدَتكَ  بقايا  أنفُس  iiظفرت      بها    النوائب   لمَّا   خانَها   iiالجَلدُ
هَبْ   أَنَّ  جُنْدَكَ  معدودٌ  فجدُّكَ  iiقَدْ       لاقى   بسبعين   جيشاً   ماله   iiعَدَدُ
  روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنَّه قال ـ في حديث له مع المفضل بن عمر في خروج الإمام الحجة ( عليه السلام ) ـ : فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم ( عليه السلام )   ، فإذا قام القائم وافوا فيما بينهم الحسين ( عليه السلام ) حتى يأتي كربلاء  ، فلا يبقى أحد سماويٌّ ولا أرضيٌّ من المؤمنين إلاَّ حفَّ به  ، يزوره ويصافحه ويقعد معه على السرير. يا مفضل! هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيء ولا دونها شيء  ، ولا وراءها لطالب مطلب (2) .
  وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله! لم سمِّي علي ( عليه السلام ) أمير المؤمنين  ، وهو اسم ما سُمِّي به أحد قبله  ، ولا يحلُّ لأحد بعده ؟ قال : لأنه ميرة العلم  ، يُمْتَارُ منه ولا يَمْتَارُ من أحد غيره  ، قال : فقلت : يا بن رسول الله! فلم سمِّي سيفه ذوالفَقَار ؟ فقال ( عليه السلام )   ، لأنه ما ضرب به أحداً من خلق الله إلاَّ أفقره في هذه الدنيا من أهله وولده  ، وأفقره في الآخرة من الجنّة .
  قال : فقلت : يا بن رسول الله! فلستم كلكم قائمين بالحقّ ؟ قال : بلى  ، قلت :

---------------------------
(1) المزار  ، المشهدي : 501 .
(2) دلائل الإمامة  ، محمد بن جرير الطبري : 189 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 562 _

  فلم سُمِّي القائم قائماً ؟ قال : لما قُتل جدّي الحسين ( عليه السلام ) ضجَّت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب  ، وقالوا : إلهنا وسيِّدنا! أتغفل عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك  ، وخيرتك من خلقك ؟! فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليهم : قرَّوا ملائكتي  ، فوعزّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين  ، ثمَّ كشف الله عزَّ وجلَّ عن الأئمة من ولد الحسين ( عليه السلام ) للملائكة  ، فسرَّت الملائكة بذلك  ، فإذا أحدهم قائم يصلّي  ، فقال الله عزَّ وجلَّ : بذلك القائم انتقم منهم (1) .
  وروي عن الهروي قال : قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله! ما تقول في حديث روي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين ( عليه السلام ) بفعال آبائها ؟ فقال ( عليه السلام ) : هو كذلك  ، فقلت : وقول الله عزَّ وجلَّ : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (2) ما معناه ؟ قال : صدق الله في جميع أقواله  ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم  ، ويفتخرون بها  ، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه  ، ولو أن رجلا قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزَّ وجلَّ شريك القاتل  ، وإنما يقتلهم القائم ( عليه السلام ) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم  ، قال : قلت له : بأيِّ شيء يبدأُ القائم منكم إذا قام ؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم; لأنهم سرَّاق بيت الله عزَّ وجلَّ (3) .
  وروي عن سماعة بن مهران  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوله تبارك وتعالى : ( فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (4) قال : أولاد قتلة الحسين ( عليه السلام ) (5) .
  ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :

---------------------------
(1) علل الشرائع  ، الصدوق : 1/160 ح 1 .
(2) سورة الأنعام  ، الآية : 164 .
(3) علل الشرائع  ، الصدوق : 1/229 ح 1 .
(4) سورة البقرة  ، الآية : 193 .
(5) كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 136 ح 6 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 563 _

فليسِ     لأَخْذِ     الثارِ    إلاَّ    iiخليفةٌ       يكونُ   لِكَسْرِ   الدينِ   من  عَدْلِهِ  iiجَبْرُ
تحفُّ   به   الأملاكُ   من   كلِّ  جانب      وَيَقْدمُهُ     الإقبالُ    والعِزُّ    iiوالنصرُ
عَوَامِلُهُ     في     الدَّارِعِينَ    iiشَوَارِعٌ      وَحَاجِبُهُ    عيسى    وناظِرُهُ   iiالخِضْرُ
تُظَلِّلُه       حقّاً       عِمَامَةُ       iiجدِّه      إذا   ما   مُلُوكُ   الصِّيْدِ   ظَلَّلها  الجبرُ
محيطٌ    على    عِلْمِ    النبوَّةِ   iiصَدْرُهُ      فطوبى    لعلم    ضَمَّه   ذلك   iiالصَّدْرُ
هو  ابنُ  الإمامِ  العسكريِّ  محمَّدُ  iiالت       قيُّ    النقيُّ    الطاهرُ    العَلَمُ   iiالحبْرُ
سليلُ   عَلِي  الهادي  وَنَجْلُ  محمَّدِ  iiال      جَوَادِ  وَمَنْ  في  أرضِ  طُوس  له iiقَبْرُ
عليِّ الرِّضا وهو ابنُ موسى الذي قَضَى       فَفَاحَ   على   بغدادَ   مِنْ  نَشْرِهِ  iiعِطْرُ
وَصَادِقِ    وَعْد    إنَّه   نَجْلُ   iiصادق       إمام    به   في   العِلْمِ   يَفْتَخِرُ   الفَخْرُ
وَبَهْجَةِ      مولانا      الإمامِ     iiمحمَّد      إِمَامٌ     لعلمِ     الأنبياءِ     له     iiبَقْرُ
سُلاَلةُ    زينِ    العابدينَ   الذي   iiبكى       فَمِنْ   دَمْعِهِ   يبسُ  الأعاشيبِ  iiمُخْضَرُّ
سليلِ   حسينِ   الفاطميِّ   وحيدرِ   iiال       وَصِيِّ   فَمِنْ   طُهْر   نمى ذلك  iiالطُّهْرُ
له   الحَسَنُ   المسمومُ   عمٌّ  فحبَّذا  iiال       إمامُ   الذي   عَمَّ  الوَرَى  جودُهُ  iiالْغَمْرُ
سَمِيُّ    رسولِ    اللهِ    وَارِثُ   iiعِلْمِهِ           إمامٌ    على    آبائِهِ   نزل   iiالذِّكْرُ(1)
  وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن الريان بن شبيب ـ في حديث له عن مولانا الإمام الرضا ( عليه السلام ) ـ أنه قال له : يا ابن شبيب ! إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فإنه ذُبح كما يذبح الكبش  ، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون  ، ولقد بكت السموات السبع والأرضون لقتله  ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم  ، فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ إلى أن يقوم القائم ( عليه السلام ) فيكونون من أنصاره  ،

---------------------------
(1) الغدير  ، الأميني : 7/17 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 564 _

  وشعارهم : يا لثارات الحسين ( عليه السلام ) ... (1) .
  وجاء في كتاب المزار لمحمد بن المشهدي طيَّب الله ثراه  ، في زيارة الإمام الحجة ( عليه السلام ) : السلام على الإمام العالم الغائب عن الأبصار  ، والحاضر في الأمصار  ، والغائب عن العيون الحاضر في الأفكار  ، بقيَّة الأخيار  ، الوارث ذا الفقار  ، الذي يظهر في بيت الله ذي الأستار  ، وينادي بشعار يا لثارات الحسين أنا الطالب بالأوتار  ، أنا قاصم كلِّ جبَّار  ، أنا حجَّة الله على كل كفور ختَّار  ، القائم المنتظر ابن الحسن عليه وآله أفضل السلام  ، اللهم عجِّل فرجه  ، وسهِّل مخرجه  ، وأوسع منهجه  ، واجعلنا من أنصاره وأعوانه الذابّين عنه  ، والمجاهدين في سبيله  ، والمستشهدين بين يديه (2) .
  ولله درّ السيد جعفر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
فَيَا      قريباً     شفَّنا     iiهَجْرُهُ        والهَجْرُ صَعْبٌ من قريبِ iiالمَزَارْ
متى    نرى    بِيْضَكَ   مَشْحوذةً       كالماءِ   صاف  لَوْنُها  وهي  iiنَارْ
متى    نرى    خَيْلَكَ    موسومةً       بالنَّصْرِ    تعدو    فَتُثِيرُ   iiالغُبَارْ
متى    نرى   الأعلامَ   iiمَنْشوُرةً      على   كُمَاة   لم   تَسَعْها   iiالقِفَارْ
متى    نرى   وَجْهَكَ   ما   بينَنَا      كالشَّمْسِ ضَاءَتْ بَعْدَ طُولِ استتارْ
متى   نرى   غُلْبَ   بني  iiغالب       يَدْعُونَ   لِلْحَرْبِ   البِدَارَ   الْبِدَارْ (3)
  وعن الفضيل بن يسار  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال في حديث له عن صاحب الزمان ( عليه السلام ) : له كنز بالطالقان ما هو بذهب  ، ولا فضة  ، وراية لم تُنشر منذ طُويت  ، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد  ، لا يشوبها شك في ذات الله  ، أشدّ من الحجر  ، لو

---------------------------
(1) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )   ، الصدوق : 2/268 ح 58 .
(2) المزار  ، محمد بن المشهدي : 107 .
(3) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 226 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 565 _

  حملوا على الجبال لأزالوها  ، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاَّ خرَّبوها  ، كأن على خيولهم العقبان  ، يتمسَّحون بسرج الإمام ( عليه السلام ) يطلبون بذلك البركة  ، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب  ، ويكفونه ما يريد فيهم  ، رجال لا ينامون الليل  ، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل  ، يبيتون قياماً على أطرافهم  ، ويصبحون على خيولهم  ، رهبان بالليل  ، ليوث بالنهار  ، هم أطوع له من الأمَة لسيِّدها  ، كالمصابيح  ، كأن قلوبهم القناديل  ، وهم من خشية الله مشفقون  ، يدعون بالشهادة  ، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله  ، شعارهم : يا لثارات الحسين  ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر  ، يمشون إلى المولى إرسالا  ، بهم ينصر الله إمام الحق ( عليه السلام ) (1) .
  ولله درّ السيد صالح الحلي عليه الرحمة إذ يقول أيضا :
فَاشْحَذْ شَبَا عَضْبِكَ وَاسْتَأْصِلِ ال          كُفْرَ   به  قَتْلا  صِغَاراً  كِبَارْ
عَجِّلْ  فَدَتْكَ  النَّفْسُ  وَاشْفِ  iiبه      من  غَيْضِ  أَعْدَاكَ  قُلُوباً iiحِرَارْ
قَدْ  ذَهَبَ  الْعَدْلُ  وَرُكْنُ  iiالْهُدَى      قَدْ  هُدَّ  والجَوْرُ على الدينِ iiجَارْ
أَغِثْ   رَعَاكَ   اللهُ  من  iiنَاصِر       رَعِيَّةً    ضَاقَتْ   عليها   القِفَارْ
فَهَاكَ    قَلِّبْها    قُلُوبَ   iiالوَرَى       أذابها    الوَجْدُ   من   iiالانتظار
متى  تَسُلُّ  البيضَ  من  iiغمدِهَا      وتُشْرِعُ  السُّمْرَ  وتحمي  iiالذِّمَارْ
في    فِتْيَة   لها   التُقَى   iiشِيمةٌ      وَيَالِثَارَاتِ    الحسينِ    iiالشِّعَارْ
كأنَّما     الموتُ     لها    iiغَادةٌ      والْعُمْرُ  مَهْرٌ  والرؤوسُ  iiالنِّثَارْ (2)

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 52/307 / 308 ح 82 .
(2) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 308 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 566 _


المجلس الخامس عشر :

  في انتقام الله تعالى من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) :
  روي عن عطاء بن مسلم  ، قال : قال السدّي : أتيت كربلاء أبيع البرَّ بها  ، فعمل لنا شيخ من طيّء طعاماً  ، فتعشَّينا عنده  ، فذكرنا قتل الحسين ( عليه السلام )   ، قلت : ما شرك في قتله أحد إلاَّ مات بأسوأ ميتة  ، فقال : ما أكذبكم يا أهل العراق! فأنا ممن شرك في ذلك  ، فلم نبرح حتى دنا من المصباح ليصلحه وهو يتّقد  ، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه  ، فأخذت النار فيها  ، فأخذ يُطفئُها بريقه  ، فأخذت النار لحيته  ، فعدا فألقى نفسه في الماء  ، فرأيته كأنه فحمة (1) .
  وروى المدائني عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة  ، قال : رأيت رجلا من بني أبان ابن دارم أسود الوجه  ، وكنت أعرفه جميلا شديد البياض  ، فقلت له : ما كدت أعرفك  ، قال : إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين  ، بين عينيه أثر السجود  ، فما نمت ليلة منذ قتلته إلاَّ أتاني  ، فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنَّم فيدفعني فيها  ، فأصيح  ، فما يبقى أحد في الحيّ إلاَّ سمع صياحي  ، قال : والمقتول العباس بن علي ( عليه السلام ) (2) .
  وقال موسى بن عامر : وبعث ( أي المختار ) معاذ بن هانىء بن عدي الكندي ابن أخي حجر  ، وبعث أبا عمرة صاحب حرسه  ، فساروا حتى أحاطوا بدار خولي بن يزيد الأصبحي  ، وهو صاحب رأس الحسين ( عليه السلام ) الذي جاء به  ، فاختبأ في مخرجه  ، فأمر معاذ أبا عمرة أن يطلبه في الدار  ، فخرجت امرأته إليهم  ، فقالوا لها : أين زوجك ؟ فقالت : لا أدري أين هو ؟ وأشارت بيدها إلى المخرج  ، فدخلوا

---------------------------
(1) تذكرة الحفاظ  ، الذهبي : 3/909  ، ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب  ، ابن العديم : 180 ـ 181 ح 163 .
(2) مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصفهاني : 78 ـ 79 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 567 _

  فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة  ، فأخرجوه  ، وكان المختار يسير بالكوفة  ، ثمَّ إنَّه أقبل في أثر أصحابه  ، وقد بعث أبو عمرة إليه رسولا  ، فاستقبل المختار الرسول  ، عند دار أبي بلال ومعه ابن كامل  ، فأخبره الخبر .
  فأقبل المختار نحوهم  ، فاستقبل به فردَّده حتى قتله إلى جانب أهله  ، ثمَّ دعا بنار فحرقه بها  ، ثُمَ لم يبرح حتى عاد رماداً  ، ثمَّ انصرف عنه  ، وكانت امرأته من حضرموت  ، يقال لها : العيوف بنت مالك بن نهار بن عقرب  ، وكانت نصبت له العداوة حين جاء برأس الحسين ( عليه السلام ) (1) .
  ومما جاء في سوء عاقبة بحر بن كعب لعنه الله تعالى ـ وهو الذي سلب ثوب الحسين ( عليه السلام ) ـ قال بعض الرواة في ذلك : ولمَّا بقي الحسين ( عليه السلام ) في ثلاثة رهط أو أربعة دعا بسراويل محقّقة  ، يلمع فيها البصر  ، يمانيّ محقّق  ، ففزره ونكثه لكيلا يسلبه  ، فقال له بعض أصحابه : لو لبست تحته تبَّاناً  ، قال ( عليه السلام ) : ذلك ثوب مذلّة ولا ينبغي لي أن ألبسه  ، قال : فلمَّا قُتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجرَّداً  ، قال محمد بن عبد الرحمن : إن يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء  ، وفي الصيف كأنهما عود (2) .
  وقال عمارة بن عمير : لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه  ، فنصبت في المسجد في الرحبة  ، فانتهيت إليهم وهم يقولون : قد جاءت  ، فإذا حيَّة قد جاءت تتخلَّل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد  ، فمكثت هنيهة ثمَّ خرجت  ، فذهبت حتى تغيب  ، ثمَّ قالوا : قد جاءت  ، قد جاءت  ، ففعلت ذلك مرَّتين أو ثلاثاً (3) .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري : 4/531 .
(2) تاريخ الطبري : 4/345 .
(3) سنن الترمذي : 5/325 / 326 ح 3869  ، البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/208  ، المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/112 ح 2832  ، سير أعلام النبلاء : 3/548 ـ 549  ، تأريخ دمشق : 37/461 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 568 _

  وروي عن زرارة  ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث له ـ : يا زرارة! وما اختضبت منّا امرأة  ، ولا ادّهنت  ، ولا اكتحلت ولا رجَّلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنه الله  ، وما زلنا في عبرة بعده  ، وكان جدّي إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته  ، وحتى يبكي لبكائه رحمةً له مَنْ رآه (1) .
  وروى اليعقوبي  ، قال : وجَّه المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) في المدينة مع رجل من قومه  ، وقال له : قف بباب علي بن الحسين  ، فإذا رأيت أبوابه قد فُتحت ودخل الناس فذلك الذي فيه طعامه  ، فادخل إليه  ، فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين ( عليهما السلام )   ، فلمَّا فُتحت أبوابه  ، ودخل الناس للطعام  ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوّة  ، ومعدن الرسالة  ، ومهبط الملائكة  ، ومنزل الوحي  ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد  ، معي رأس عبيد الله بن زياد  ، فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلاَّ صرخت  ، ودخل الرسول فأخرج الرأس  ، فلمَّا رآه علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : أبعده الله إلى النار .
  وروى بعضهم قال : إن عليَّ بن الحسين ( عليه السلام ) لم ير ضاحكاً قطّ منذ قُتل أبوه إلاّ في ذلك اليوم  ، وإنَّه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام  ، فلمَّا أُتي برأس عبيد الله بن زياد أمر بتلك الفاكهة فَفُرِّقت بين أهل المدينة  ، وامتشطت نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، واختضبن  ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت مُنذ قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (2) .
  وممَّا جاء في انتقام الله تعالى من شمر بن ذي الجوشن لعنه الله : قال أبو مخنف : فحدَّثني مسلم بن عبدالله  ، قال : وأنا والله مع شمر تلك الليلة  ، فقلنا : لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فإنّا نتخوَّف به  ، فقال : أو كل ذا فَرَقاً من هذا الكذّاب  ،

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 45/206 ح 13 .
(2) تاريخ اليعقوبي : 2/259 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 569 _

  والله لا أتحوَّل منه ثلاثة أيام  ، ملأ الله قلوبكم رعباً  ، قال : وكان بذلك المكان الذي كنَّا فيه دبا كثير  ، فوالله إني لبين اليقظان والنائم إذ سمعت وقع حوافر الخيل  ، فقلت في نفسي : هذا صوت الدبا  ، ثم إني سمعته أشد ذلك  ، فانتبهت ومسحت عيني وقلت : لا والله ما هذا بالدبا  ، قال : وذهبت لأقوم فإذا أنا بهم قد أشرفوا علينا من التل فكبَّروا  ، ثم أحاطوا بأبياتنا  ، وخرجنا نشتدّ على أرجلنا  ، وتركنا خيلنا .
  قال : فأمرُّ على شمر وإنه لمتّزرٌ ببرد محقّق  ، وكان أبرص فكأني أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد  ، فإنه ليطاعنهم بالرمح قد أعجلوه أن يلبس سلاحه وثيابه فمضينا وتركناه  ، قال : فما هو إلاَّ أن أمعنت ساعة إذ سمعت : الله أكبر قُتل الخبيث (1) .
  وقال القندوزي الحنفي في قصة المختار وانتقامه من قتلة الحسين ( عليه السلام ) : فتبعوا المختار  ، فملكوا الكوفة  ، وقتلوا الستة آلاف الذين قاتلوا الحسين ( عليه السلام )   ، وقُتل رئيسهم عمر بن سعد  ، وخصَّ شمر بمزيد نكال  ، وأوطأ الخيل صدره وظهره لأنه فعل ذلك بالحسين ( عليه السلام ) (2) .
  وعن ابن عياش  ، عن الكلبي قال : رأيت سنان بن أنس الذي قتل الحسين ( عليه السلام ) يَحدِث في المسجد  ، شيخ كبير قد ذهب عقله (3)   ، وفي سنان لعنه الله يقول الشاعر :
وأيُّ رزيَّة عَدَلَتْ حُسيناً       غَدَاةَ  تبيرُهُ  كفّا  iiسِنَانِ(4)
  قال أبو مخنف : وإن رجلا من كندة ـ يقال له : مالك بن النسر من بني بداء ـ أتى الحسين ( عليه السلام ) فضربه على رأسه بالسيف  ، وعليه برنس له  ، فقطع البرنس

---------------------------
(1) تاريخ الطبري : 4/525 / 526  ، تأريخ دمشق  ، ابن عساكر : 23/191 / 192 .
(2) ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/28 .
(3) ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب  ، ابن العديم : 182 ح 166 .
(4) الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ( عليهم السلام )  ، البري : 45  ، الاستيعاب  ، ابن عبد البر : 1/395 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 570 _

  وأصاب السيف رأسه  ، فأدمى رأسه  ، فامتلأ البرنس دماً  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا أكلت بها ولا شربت  ، وحشرك الله مع الظالمين  ، قال : فألقى ذلك البرنس  ، ثمَّ دعا بقلنسوة فلبسها  ، واعتمَّ وقد أعيى وبلد  ، وجاء الكندي حتى أخذ البرنس  ، وكان من خز  ، فلمَّا قدم به بعد ذلك على امرأته أمِّ عبدالله ـ ابنة الحر أخت حسين بن الحرّ البدي ـ أقبل يغسل البرنس من الدم  ، فقالت له امرأته : أسلب ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تُدخل بيتي ؟ أخرجه عنّي  ، فذكر أصحابه أنه لم يزل فقيراً بشرٍّ حتى مات (1) .
  قال أبو مخنف : لمَّا أخذ الكندي عمامة الحسين ( عليه السلام ) قالت زوجة الكندي : ويلك  ، قتلت الحسين وسلبت ثيابه  ، فوالله لا جمعت معك في بيت واحد  ، فأراد أن يلطمها فأصاب مسمارٌ يدَه  ، فقُطعت يده من المرفق ولم يزل كان فقيراً (2) .
  وروى أحمد بن حنبل في العلل  ، عن عثمان بن أبي سليمان قال : لما بعث المختار برأس عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى المدينة ألقي بين يدي علي بن الحسين ( عليهما السلام )   ، فخرَّ ساجداً (3) .
  وروى ابن عساكر  ، عن سليمان بن مسلم صاحب السقط  ، عن أبيه قال : كان أول من طعن في سرادق الحسين ( عليه السلام ) عمر بن سعد  ، قال : فرأيته هو وابنيه ضربت أعناقهم  ، ثمَّ عُلِّقوا على الخشب  ، وألهب فيهم النيران .
  وعن أبي المُعلى العجلي قال : سمعت أبي أن الحسين ( عليه السلام ) لمَّا نزل كربلاء فأوَّل من طعن في سرادقه عمر بن سعد  ، فرأيت عمر بن سعد وابنيه قد ضربت أعناقهم  ، ثمَّ علِّقوا على الخشب  ، ثمَّ ألهب فيهم النار  ، وقال غيره : بعث المختار بن

---------------------------
(1) تاريخ الطبري : 4/342 .
(2) ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/82 .
(3) العلل  ، أحمد بن حنبل : 1/133 ح 11 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 571 _

  أبي عبيد إلى عمر بن سعد مولاه أبا عمر فقتله  ، وقتل حفص بن عمر بن سعد (1) .
وعن رباح بن مسلم  ، عن أبيه قال : قال ابن مطيع لعمر بن سعد بن أبي وقاص : اخترت همذان والريّ على قتل ابن عمِّك ؟ فقال عمر : كانت أمور قضيت من السماء  ، وقد أعذرت إلى ابن عمي قبل الوقعة فأبى إلاَّ ما أتى  ، فلمَّا خرج ابن مطيع وهرب من المختار سار المختار بأصحابه إلى منزل عمر بن سعد فقتله في داره  ، وقتل ابنه أسوأ قتلة (2) .
  وروى ابن عساكر عن عمران بن ميثم قال : كنت جالساً عند المختار عن يمينه  ، والهيثم بن الأسود عن يساره  ، فقال : والله لأقتلن غداً رجلا يرضي قتله أهل السماء وأهل الأرض  ، قال : وقد كان أعطى عمر بن سعد أماناً على أن لا يخرج من الكوفة إلاَّ بإذنه .
  قال : فأتى عمر بن سعد رجل  ، فقال : إن المختار حلف ليقتلن غداً رجلا  ، والله ما أحسبه يعني غيرك  ، قال : فخرج حتى نزل حمام عمر  ، فقيل له : أترى هذا يخفى على المختار ؟ فرجع فدخل داره  ، فلمَّا كان من الغد غدوت فدخلت على المختار  ، وجاء الهيثم بن الأسود فقعد  ، قال : فجاء حفص بن عمر  ، فقال للمختار : يقول لك أبو حفص : أتفي لنا بالذي كان بيننا وبينك ؟ قال : اجلس  ، قال : فجلس  ، ودعا المختار أبا عمرة  ، فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فسارَّه  ، ثمَّ دعا رجلين  ، فقال : اذهبا معه  ، قال : فذهب  ، فوالله ما أحسبه بلغ دار عمر حتى جاء برأسه  ، فقال حفص : إنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، فقال المختار : اضرب عنقه  ، وقال : عمر بالحسين ( عليه السلام )   ، وحفص بعلي بن الحسين ( عليهما السلام )   ، ولا سواء (3) .

---------------------------
(1) تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/54 .
(2) تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/54 / 55  ، الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/148 .
(3) تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/55 / 56 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 572 _

  وعن موسى بن عامر أن المختار قال ذات يوم وهو يحدِّث جلساءه : لأقتلن غداً رجلا عظيم القدمين  ، غائر العينين  ، مشرف الحاجبين  ، يسرُّ قتله المؤمنين والملائكة المقربين .
  قال : وكان الهيثم بن الأسود النخعي عند المختار حين سمع هذه المقالة  ، فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص  ، فلمَّا رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال : الق ابن سعد الليلة  ، فخبِّره بكذا وكذا  ، وقل له : خذ حذرك  ، فإنه لا يريد غيرك  ، قال : فأتاه فاستخلاه  ، ثمَّ خبَّره الخبر  ، فقال له ابن سعد : جز الله بالإخاء أباك خيراً  ، كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق ؟ وكان المختار أول ما ظهر أحسن شيء سيرةً وتألُّفاً للناس  ، وكان عبدالله بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق الله على المختار لقرابته بعليّ  ، فكلَّم عمر بن سعد عبدالله بن جعدة وقال له : إني لا آمن هذا الرجل ـ يعني المختار ـ فخذ لي منه أماناً  ، ففعل  ، قال : فأنا رأيت أمانه وقرأته وهو : بسم الله الرحمن الرحيم  ، هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص  ، إنك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك ومالك وأهل بيتك وولدك  ، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك  ، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وغيرهم من الناس فلا يعرض له إلاَّ بخير  ، شهد السائب بن مالك  ، وأحمر بن شميط  ، وعبدالله بن شدَّاد  ، وعبدالله بن كامل وجعل المختار على نفسه عهد الله وميثاقه ليفين لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان إلاَّ أن يحدث حدثاً  ، وأشهد الله على نفسه وكفى بالله شهيداً .
  قال : وكان أبو جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام ) يقول : أمَّا أمان المختار لعمر بن سعد إلاَّ أن يحدث حدثاً فإنه كان يريد به إذا دخل الخلاء فأحدث .
  قال : فلمَّا جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمَّامه  ، ثمَّ قال في

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 573 _

  نفسه : أنزل داري  ، فرجع فعبر الروحاء  ، ثمَّ أتى داره غدوة  ، وقد أتى حمَّامه  ، فأخبر مولى له بما كان من أمانه وبما أريد منه  ، فقال له مولاه : وأيُّ حدث أعظم مما صنعت  ، إنك تركت رحلك وأهلك  ، وأقبلت إلى ها هنا  ، ارجع إلى رحلك ولا تجعل للرجل عليك سبيلا  ، فرجع إلى منزله فأُتي المختار بانطلاقه  ، فقال : كلا  ، إن في عنقه سلسلة ستردّه  ، لو جهد أن ينطلق ما استطاع .
  قال : وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة  ، وأمره أن يأتيه به  ، فجاءه حتى دخل عليه  ، فقال : أجب  ، فقام عمر فعثر في جبّة له  ، ويضربه أبو عمرة بسيفه  ، فقتله  ، وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار  ، فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد ـ وهو جالس عنده ـ أتعرف هذا الرأس ؟ فاسترجع  ، وقال : نعم  ، ولا خير في العيش بعده  ، قال له المختار : صدقت فإنك لا تعيش بعده  ، فأمر به فقُتل فإذا رأسه مع رأس أبيه .
  ثمَّ إن المختار قال : هذا بحسين  ، وهذا بعلي بن حسين رحمهما الله  ، ولا سواء  ، والله لو قتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامله  ، فلمَّا قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي  ، وظبيان بن عمارة التميمي حتى قدما به على محمد بن الحنفية  ، وكتب إلى ابن الحنفية في ذلك كتاباً (1) .
  وأمَّا حرملة بن كاهل فقد انتقم الله تعالى منه شرَّ انتقام  ، فهو قاتل عبدالله الرضيع  ، وهو الذي رمى العباس بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بسهم فأصاب عينه  ، وهو الذي حمل رأس الحسين ( عليه السلام )   ، وقد انتقم الله منه على يد المختار الثقفي  ، روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة  ، عن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) منصرفي من مكة  ، فقال لي : يا منهال  ، ما صنع حرملة بن كاهلة الأسدي ؟ فقلت : تركته حيّاً بالكوفة  ، قال : فرفع يديه جميعاً  ، فقال : اللهمَّ أذقه حرَّ الحديد  ، اللهمَّ

---------------------------
(1) تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/56 / 58  ، تاريخ الطبري : 4/531 / 532 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 574 _

  أذقه حرَّ الحديد  ، اللهمَّ أذقه حرَّ النار. قال المنهال : فقدمت الكوفة  ، وقد ظهر المختار بن أبي عبيد  ، وكان لي صديقاً  ، قال : فكنت في منزلي أياماً حتى انقطع الناس عنّي  ، وركبت إليه فلقيته خارجاً من داره  ، فقال : يا منهال  ، لم تأتنا في ولايتنا هذه  ، ولم تهنِّنا بها  ، ولم تُشركنا فيها ؟ فأعلمته أني كنت بمكة  ، وأني قد جئتك الآن  ، وسايرته ونحن نتحدَّث حتى أتى الكناس  ، فوقف وقوفاً كأنه ينتظر شيئاً  ، وقد كان أُخبر بمكان حرملة ابن كاهلة  ، فوجَّه في طلبه  ، فلم نلبث أن جاء قوم يركضون  ، وقوم يشتدّون حتى قالوا : أيُّها الأمير  ، البشارة  ، قد أُخذ حرملة بن كاهلة  ، فما لبثنا أن جيء به  ، فلما نظر إليه المختار قال لحرملة : الحمد لله الذي مكَّنني منك  ، ثمَّ قال الجزّار الجزّار  ، فأتي بجزّار  ، فقال له : اقطع يديه  ، فقُطعتا  ، ثمَّ قال له : اقطع رجليه  ، فقُطعتا  ، ثم قال : النار النار  ، فأتي بنار وقصب فأُلقي عليه واشتعلت فيه النار .
  فقلت : سبحان الله! فقال لي : يا منهال  ، إن التسبيح لحَسن  ، ففيم سبَّحت ؟ فقلت : أيُّها الأمير  ، دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فقال لي : يا منهال  ، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي ؟ فقلت : تركته حيَّاً بالكوفة  ، فرفع يديه جميعاً فقال : اللهم أذقه حرَّ الحديد  ، اللهم أذقه حرَّ الحديد  ، اللهم أذقه حرَّ النار .
  فقال لي المختار : أسمعت علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول هذا ؟ فقلت : والله لقد سمعته  ، قال : فنزل عن دابته  ، وصلَّى ركعتين فأطال السجود  ، ثمَّ قام فركب  ، وقد احترق حرملة  ، وركبت معه وسرنا  ، فحاذيت داري  ، فقلت : أيُّها الأمير  ، إن رأيت أن تُشرِّفني وتُكرمني وتنزل عندي وتحرم بطعامي  ، فقال : يا منهال  ، تعلمني أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي  ، ثمَّ تأمرني أن آكل! هذا يومُ صوم شكراً لله عزَّ وجلَّ على ما فعلته بتوفيقه (1) .

---------------------------
(1) الآمالي  ، الطوسي : 238 ـ 239 ح 15 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 575 _

  فلعنة الله على حرملة بن كاهل الذي فجع أهل البيت ( عليهم السلام ) بقتله عبدالله الرضيع  ، فلم تكن في قلبه شفقة ولا رحمة على رضيع الحسين ( عليه السلام ) فبأي ذنب قتله  ، ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول في مقتل عبدالله الرضيع ومصيبة الفاطميات في السبا :
وَمُنْعَطِف    أهوى    لتقبيلِ   iiطِفْلِهِ      فَقَبَّلَ    منه    قَبْلَه   السَّهْمُ   iiمَنْحَرا
لقد   وُلِدَا   في  سَاعَة  هو  iiوالرَّدَى       وَمِنْ   قَبْلِهِ  في  نَحْرِه  السَّهْمُ  iiكبَّرا
وفي السَّبْيِ مما يصطفي الخِدْرُ iiنِسْوَةٌ       يعزُّ    على    فتيانِها   أن   iiتُسَيَّرا
حَمَتْ  خِدْرَها  يَقْظَى  وودَّت iiبنومِهَا       تَرُدُّ  عليها  جَفْنَها  لا  على  iiالكَرَى
فَأَضْحَتْ  ولا  من  قَوْمِها ذو iiحفيظة          يقومُ  وَرَاءَ  الخِدْرِ  عنها  iiمُشَمِّرا
مشى الدَّهْرُ يومَ الطفِّ أعمى فلم يَدَعْ       عِمَاداً     لها    إلاَّ    وفيه    تَعَثَّرا
وَجَشَّمَها    الْمَسْرَى    بِبَيْدَاءَ   iiقَفْرَة      وَلَمْ  تَدْرِ قَبْلَ الطفِّ ما البيدُ iiوالسُّرَى
وَلَمْ  تَرَ  حتَّى  عينُها  ظِلَّ  شَخْصِها         إِلَى  أَنْ  بَدَت في الغاضريَّةِ حُسَّرَا (1)

المجلس السادس عشر :

  ظلامات أهل البيت ( عليهم السلام ) واضطهادهموما جرى عليهم من القتل والتشريد جاء في بعض زيارات أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) : وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته  ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه  ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ

---------------------------
(1) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 63 .