الفهرس العام

المجلس الثالث :
المجلس الرابع :
المجلس الخامس :
المجلس السادس :
المجلس السابع :



  فقال : هم علماء آل محمد ( عليهم السلام ) ، الذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودّتهم  ، ثمَّ قال : وتدري ما معنى قوله : أو ليقبل بوجوه الناس إليه ؟ قلت : لا  ، قال : يعني والله بذلك ادّعاء الإمامة بغير حقّها  ، ومن فعل ذلك فهو في النار (1) .
  وعن خيثمة الجعفي قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) وأنا أريد الشخوص فقال : أبلغ موالينا السلام  ، وأوصهم بتقوى الله  ، وأن يعود غنيُّهم فقيرَهم  ، وقويُّهم ضعيفَهم  ، وأن يعود صحيحُهم مريضَهم  ، وأن يشهد حيُّهم جنازةَ ميِّتهم  ، وأن يتلاقوا في بيوتهم  ، وإن لقاء بعضِهم بعضاً حياة لأمرنا  ، رحم الله عبداً أحيى أمرنا  ، يا خيثمة! إنّا لا نُغني عنكم من الله شيئاً إلاَّ بالعمل  ، إن ولايتنا لا تنال إلاَّ بالورع  ، وإن أشدَّ الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمَّ خالفه إلى غيره (2) .
  وعن الأزدي  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال لفضيل : تجلسون وتحدَّثون ؟ قال : نعم جعلت فداك  ، قال : إن تلك المجالس أحبُّها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا  ، يا فضيل! من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر (3) .
  ولله درّ من قال :

إليكم  وإلاَّ  لا  تُشَدُّ iiالرَّكَائِبُ       ومنكم  وإلاَّ  فَالمُؤَمَّلُ  خَائِبُ
وفيكم وإلاَّ فالحديثُ مُزَخْرَفٌ       وعنكم  وإلاَّ  فَالُمحَدِّثُ كَاذِبُ
  قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : رأيت في بعض تأليفات بعض الثقات من المعاصرين : روي أنه لمَّا أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ابنته فاطمة ( عليها السلام ) بقتل ولدها الحسين ( عليه السلام ) ،

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 2/30 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 68/187 عن بشارة المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) .
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/282 ح 14 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 502 _

  وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديداً  ، وقالت : يا أبتِ! متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال منّي ومنك ومن علي  ، فاشتدَّ بكاؤها وقالت : يا أبت! فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة! إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي  ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي  ، ويجدِّدون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة  ، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال  ، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة  ، يا فاطمة! كل عين باكية يوم القيامة إلاَّ عين بكت على مصاب الحسين  ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة (1) .
  ولله درّ السيد جعفر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
بِقَتْلِهِ   فَاحَ   للإِسلامِ   نَشْرُ   iiهُدَىً       فكلَّما     ذَكَرَتْهُ    المسلمون    iiذَكَا
نفسي   الفِدَاءُ   لِفَادً   شَرْعَ   iiوَالِدهِ       بِنَفْسِهِ      وبأهليه     وَمَا     iiمَلَكا
فَإِنْ   تَجِدْ  ضاحكاً  منّا  فَلاَ  عَجَبٌ       فَرُبَّما   بَسَمَ   المغبونُ   أَو  iiضِحِكَا
في   كُلِّ   عام  لنا  بالعَشْرِ  iiوَاعِيَةٌ       تُطَبِّقُ   الدُّوْرَ   وَالأَرْجَاءَ  iiوالسُّكَكا
وَكُلُّ     مُسْلِمَة    تِرمي    iiبِزِيْنَتِهَا      حَتَّى السَّمَاءُ رَمَتْ عَنْ وَجْهِهَا الحُبُكا
يَا    ميِّتاً    تَرَكَ   الألبابَ   حَائِرَةً      وَبِالْعَرَاءِ     ثَلاَثاً    جِسْمُهُ    iiتُرِكَا
وَيْلٌ  لهم  مَا  اهتدوا  منه iiبِمَوْعِظَة      كالدُّرِّ    مُنْتَظِماً    والتِّبْرِ   iiمُنْسَبِكَا (2)
  ومما روي من الحديث الشريف في حثّ أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) شيعتهم على البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ما روي عن معاوية بن وهب  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كل الجزع والبكاء مكروه  ، سوى الجزع والبكاء على الحسين ( عليه السلام ) (3) وفي رواية

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/292 ح 37 .
(2) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 232 .
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/280 ح 9 عن أمالي المفيد عليه الرحمة .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 503 _

  أخرى قال ( عليه السلام ) : إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع  ، ما خلا البكاء على الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فإنه فيه مأجور (1) .
  وعن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن يوم الحسين أقرح جفوننا  ، وأسبل دموعنا  ، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء  ، أورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء  ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحطُّ الذنوب العظام (2) .
  وعن الريّان بن شبيب قال : دخلت على الرضا ( عليه السلام ) في أوّل يوم من المحرَّم  ، فقال لي : يا ابن شبيب! أصائم أنت ؟ فقلت : لا  ، فقال : إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربَّه عزَّ وجلَّ فقال : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) فاستجاب الله له  ، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلّي في المحراب أن الله يبشِّرك بيحيى  ، فمن صام هذا اليوم ثمَّ دعا الله عزَّ وجلَّ استجاب الله له كما استجاب لزكريا ( عليه السلام ) .
  ثمَّ قال : يا ابن شبيب! إن المحرَّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهليّة فيما مضى يحرِّمون فيه الظلم والقتال لحرمته  ، فما عرفت هذه الأمّة حرمة شهرها  ، ولا حرمة نبيِّها  ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذرّيّته  ، وسبوا نساءه  ، وانتهبوا ثقله  ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً  ، يا ابن شبيب! إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) فإنه ذبح كما يذبح الكبش  ، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا  ، ما لهم في الأرض شبيهون  ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله  ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره  ، فوجدوه قد قُتل  ، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم  ، فيكونون من أنصاره  ، وشعارهم : يا لثارات

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/291 ح 32 عن كامل الزيارات .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/283 ح 17 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 504 _

  الحسين .
  يا ابن شبيب ! لقد حدَّثني أبي  ، عن أبيه  ، عن جدّه أنه لما قُتل جدّي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر  ، يا ابن شبيب! إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلَّ ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً  ، قليلا كان أو كثيراً .
  يا ابن شبيب! إن سرَّك أن تلقى الله عزَّ وجلَّ ولا ذنب عليك فزر الحسين ( عليه السلام )   ، يا ابن شبيب  ، إن سرَّك أن تسكن الغرف المبنيَّة في الجنّة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) فالعن قتلة الحسين! يا ابن شبيب إن سرَّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً  ، يا ابن شبيب! إن سرَّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا  ، وافرح لفرحنا  ، وعليك بولايتنا  ، فلو أنّ رجلا تولَّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة (1) .
  ولله درّ الحجة المقدس العابد الزاهد الشيخ عبدالله بن معتوق التاروتي عليه الرحمة إذ يقول في وحدة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وغربته :
وبقي    مُفْرَداً    يُكَابِدُ   iiضَرْباً       بَعْدَها   من   أُميَّة  شِبْلُ  iiطاها
بأبي    عِلَّةَ    الوُجُودِ   iiوَحِيداً      يصطلي في الحُرُوبِ نَارَ iiلَظَاها
إِنْ  غَدَا في العِدَى يَكُرُّ تَخَالُ ال       موتَ   يَسْعَى   أَمَامَهُ   iiوَوَرَاها
حَالَفَ   المَشْرَفِيَّ  أَنْ  لاَ  iiيَرَاهُ       في سوى الرُّوسِ مُغْمَداً إِذْ يَرَاها
وَحَمَى     دِيْنَهُ     فلمَّا    iiأتَتْهُ       دَعْوَةُ    الحقِّ    طائعاً    iiلَبَّاها
فَرَمَاهُ   الضَّلاَلُ   سهْماً   iiولكنْ       حَلَّ   في  أَعْيُنِ  الهدى  iiفَعَمَاها
فَهَوَتْ  مُذْ  هَوَى  سَمَاءُ iiالمَعَالِي       وَجِبَالُ    المِهَادِ    هُدَّ    iiذُرَاهَا

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/285 ح 23 عن عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) : 2/268 ح 58 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 505 _

وَادْلَهَمَّ النَّهَارُ وَانْخَسَفَ iiالْبَدْرُ       وَنَالَ الكُسُوفُ شَمْسَ ضُحَاها(1)

المجلس الثالث :

  في أن مصيبة الحسين ( عليه السلام ) أعظم المصائب :
  جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : فهل المحن يا ساداتي إلاَّ التي لزمتكم  ، والمصائب إلاَّ التي عمَّتكم  ، والفجائع إلاَّ التي خصَّتكم  ، والقوارع إلاَّ التي طرقتكم  ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسامكم ورحمة الله وبركاته  ، بأبي وأمي يا آل المصطفى  ، إنّا لا نملك إلاَّ أن نطوفَ حولَ مشاهِدكم  ، ونُعزّي فيها أرواحَكم  ، على هذه المصائب العظيمة الحالّة بفنائكم  ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم  ، التي أثبتت في قلوب شيعتِكم القروح  ، وأورثت أكبادَهم الجروح  ، وزرعت في صدورِهم الغُصص  ، فنحن نُشهِدُ الله أنّا قد شاركنا أولياءَكم وأنصارَكم المتقدِّمين  ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين  ، وقتلة أبي عبدالله سيِّد شباب أهل الجنة يوم كربلاء  ، بالنيَّات والقلوب  ، والتأسُّف على فوت تلك المواقف  ، التي حضروا لنصرتكم  ، والله وليّي يُبلِّغكم منّي السلام (2) .
فَيَا  وَقْعَةً  لَمْ  يُوْقِعِ  الدَّهْرُ  iiمِثْلَها       وَفَادِحَةً    تُنْسَى   لديها   iiفَوَادِحُهْ
مَتَى ذُكِرَتْ أَذْكَتْ حَشَى كُلِّ مؤمن       بِزَنْدِ  جَوَىً  أَوْرَاهُ  لِلْحَشْرِ iiقَادِحُهْ
  روي عن ثابت بن أبي صفية  ، قال : نظر علي بن الحسين سيِّد العابدين ـ صلَّى الله عليه ـ إلى عبيدالله بن عباس بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فاستعبر  ، ثمَّ قال : ما من يوم أشدّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يوم أحد  ، قُتل فيه عمّه حمزة بن عبد

---------------------------
(1) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 510 .
(2) المزار  ، محمد بن المشهدي : 299 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 506 _

  المطلب أسد الله وأسد رسوله  ، وبعده يوم مؤتة  ، قُتل فيه ابن عمِّه جعفر بن أبي طالب  ، ثمَّ قال ( عليه السلام ) : ولا يوم كيوم الحسين صلى الله عليه  ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمّة  ، كلٌّ يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه  ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتعظون  ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً (1) .
  وعن عبدالله بن الفضل قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله! كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ واليوم الذي ماتت فيه فاطمة ( عليها السلام ) ؟
  واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟ واليوم الذي قتل فيه الحسن ( عليه السلام ) بالسمّ ؟ فقال : إن يوم قتل الحسين ( عليه السلام ) أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام  ، وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله كانوا خمسة  ، فلما مضى عنهم النبيُّ بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة  ، فلمَّا مضت فاطمة ( عليها السلام ) كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين ( عليهم السلام ) للناس عزاء وسلوة  ، فلمَّا مضى عنهم أمير المؤمنين كان للناس في الحسن والحسين ( عليهما السلام ) عزاء وسلوة  ، فلمَّا مضى الحسن ( عليه السلام ) كان للناس في الحسين عزاء وسلوة ، فلمَّا قتل الحسين صلى الله عليه لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد الناس فيه بعده عزاء وسلوة  ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم  ، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم  ، فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة .
  قال عبدالله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله! فلِمَ لمْ يكن للناس في علي بن الحسين ( عليهما السلام ) عزاءٌ وسلوة  ، مثلَ ما كان لهم في آبائه ( عليهم السلام ) ؟ فقال : بلى  ، إن علي بن الحسين كان سيِّد العابدين  ، وإماماً وحجَّة على الخلق بعد آبائه الماضين  ، ولكنّه لم يلقَ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ولم يسمع منه  ، وكان علمه وراثة عن أبيه

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/274 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 507 _

  عن جدّه عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله )   ، وكان أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) قد شاهدهم الناس مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أحوال تتوالى  ، فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكَّروا حاله من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) له وفيه : فلمَّا مضوا فَقدَ الناس مشاهدةَ الأكرمين على الله عزَّ وجلَّ  ، ولم يكن في أحد منهم فَقدَ جَميعهِم إلاَّ في فَقدِ الحسين ( عليه السلام ) لأنّه مضى في آخرهم  ، فلذلك صار يومه أعظمَ الأيامِ مصيبةً .
  قال عبدالله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله! فكيف سمَّت العامة يوم عاشوراء يوم بركة ؟ فبكى ( عليه السلام ) ثمَّ قال : لما قُتل الحسين ( عليه السلام ) تقرَّب الناس بالشام إلى يزيد  ، فوضعوا له الأخبار  ، وأخذوا عليها الجوائز من الأموال  ، فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم  ، وأنّه يوم بركة  ، ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن  ، إلى الفرح والسرور والتبرُّك والاستعداد فيه  ، حكم الله بيننا وبينهم (1) .
  ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
ولكنْ  شَجَتْني وَقْعَةُ الطفِّ iiفَانْبَرَى       لَهَا بالحَشَى وَجْدٌ يَضِيْقُ به iiالصَّدْرُ
فَيَا   وَقْعَةَ  الطَّفِّ  التي  iiبمُصابِها       تَزَلْزَلَ  رُكْنُ  الدِّيْنِ وَاعْتَصَمَ الكُفْرُ
لَسَوَّدْتِ  وَجْهَ  الدَّهْرِ  خِزْياً  iiوَإِنَّما      أَتَيْتِ  بمالَمْ  يَأْتِ  في  مِثْلِهِ iiالدَّهْرُ
مَلأْتِ   بها  صَدْرَ  الْفَضَاءِ  iiمرنَّةً       فَأَصْبَحَتِ  الدُّنْيا  وفي  سَمْعِها iiوَقْرُ
مُصَابٌ أَصَابَ المصطفى منه فَادِحٌ      بَكَتْ  حَزَناً  مِنْ رُزْئِهِ فَاطِمُ iiالطُّهْرُ(2)
  وعن عمر بن بشر الهمداني قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذلَّ الناس ؟ قال :

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/269 .
(2) مثير الأحزان  ، الجواهري : 114 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 508 _

  حين قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وادّعي زياد  ، وقُتلَ حجرُ بن عدي (1) .
  وعن أبي بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ما من شهيد إلاَّ وهو يحبُّ لو أن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) حيٌّ حتى يدخلون الجنة معه (2) .
  روى البلاذري قال : لمّا قتل الحسين ( عليه السلام ) كتب عبدالله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : أمَّا بعد  ، فقد عظمت الرزيَّة  ، وجلَّت المصيبة  ، وحدث في الإسلام حدث عظيم  ، ولا يوم كيوم الحسين  ، فكتب إليه يزيد : أمَّا بعد يا أحمق  ، فإننا جئنا إلى بيوت منجَّدة  ، وفرش ممهَّدة  ، ووسائد منضَّدة  ، فقاتلنا عنها  ، فإن يكن الحقّ لنا فعن حقَّنا قاتلنا  ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أولُ من سنَّ هذا  ، وابتزَّ واستأثر بالحق على أهله (3) .
  وهو ( عليه السلام ) قتيل العبرة  ، فهو عبرة كلّ مؤمن ومؤمنة  ، روي عن ابن خارجة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال الحسين بن علي : أنا قتيل العبرة  ، قتلت مكروباً  ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط إلاَّ ردَّه الله أو أقلبه إلى أهله مسروراً (4) .
  وعن أبي يحيى الحذَّاء  ، عن بعض أصحابه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نظر أمير المؤمنين إلى الحسين ( عليهما السلام ) فقال : يا عبرة كل مؤمن  ، فقال : أنا يا أبتاه ؟ فقال : نعم يا بنيَّ (5)   ، وعن أبي بصير  ، عن الصادق  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال أبو عبدالله الحسين بن علي ( عليهما السلام ) : أنا قتيل العبرة  ، لا يذكرني مؤمن إلاَّ استعبر (6) .
  وعن الحسن بن أبي فاختة قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : إني أذكر الحسين

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/271 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/298 .
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/328 .
(4) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/279 .
(5) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/280 .
(6) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/284 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 509 _

  ابن علي ( عليهما السلام ) فأيَّ شيء أقول إذا ذكرته ؟ فقال : قل : صلَّى الله عليك يا أبا عبدالله  ، تكرِّرها ثلاثاً ... (1) .
  وعن داود الرِّقّي قال : كنت عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) إذا استسقى الماء  ، فلمَّا شربه رأيته قد استعبر  ، واغرورقت عيناه بدموعه  ، ثمَّ قال لي : يا داود! لعن الله قاتل الحسين ( عليه السلام )   ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلاَّ كتب الله له مائة ألف حسنة  ، وحطَّ عنه مائة ألف سيئة  ، ورفع له مائة ألف درجة  ، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة  ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد (2) .
  عظَّم الله أجوركم أيُّها المؤمنون  ، وأحسن الله لكم العزاء في مصيبة إمامنا الحسين ( عليه السلام ) التي تتفطَّر لها القلوب  ، وتتصدع لها النفوس  ، قال ابن الدمشقي ـ في فظاعة مقتل الحسين ( عليه السلام ) ومصيبته ـ : وبالجملة والتفصيل فما وقع في الإسلام قضيةٌ أفظعَ منها  ، وهي ما ينبو الأسماع عنها  ، وتتفطَّرُ القلوبُ عند ذكرِها حُزناً وأسىً وتأسُّفاً  ، وتنهلُّ لها المدامع  ، كالسحب الهوامع  ، هذا والعهد بالنبيِّ قريب  ، وروض الإيمان خصيب  ، وغصن دوحته غضّ جديد  ، وظلُّه وافرٌ مديد  ، ولكنَّ الله يفعل ما يريد ، وما أظن أن من استحلَّ ذلك  ، وسلك مع أهل النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) هذه المسالك  ، شمَّ ريحة الإسلام  ، ولا آمن بمحمَّد عليه وآله الصلاة والسلام  ، ولا خالطَ الإيمانُ بشاشةَ قلبه  ، ولا آمن طرفَة عين بربِّه  ، والقيامة تجمعهم  ، وإلى ربِّهم مرجعهُم .
ستعلمُ ليلى أيَّ دَيْن iiتَدَايَنَتْ       وأيَّ غريم للقاضي غَرِيمُها
  ولقد قرأ قارىءٌ بين يدي الشيخ العالم العلاّمة أبي الوفاء علي بن عقيل رحمه الله قوله تعالى : ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) (3) .

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/301 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/304 .
(3) سورة سباء ، الآية : 20 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 510 _

  فبكى وقال : سبحان الله! غاية ما كان طَمَعُه فيما قال : ( فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الاَْنْعَامِ ) (1) جاوزوا والله الحدَّ الذي طمع فيه ! !
ضَحَّوا بأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ به       يُقَطِّعُ   الليلَ   تسبيحاً   iiوَقُرْآنا
  إي والله  ، عمدوا إلى علي بن أبي طالب بين صفّيه فقتلوه  ، ثمَّ قتلوا ابنه الحسين ابن فاطمة الزهراء  ، وأهل بيته الطيِّبين الطاهرين بعد أن منعوهم الماء! هذا والعهد بنبيِّهم قريب  ، وهم القرن الذي رأوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ورأوه ( صلى الله عليه وآله ) يقبِّل فمه  ، ويرشف ثناياه  ، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب!! تذكَّروا والله أحقاد يوم بدر وما كان فيه ! .
  وأين هذا من مطمع الشيطان  ، وغاية أمله بتبكيت آذان الأنعام ؟ هذا مع قرب العهد  ، وسماع كلام ربّ الأرباب : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) ستروا والله عقائدهم في عصره مخافة السيف  ، فلمَّا صار الأمر إليهم كشفوا عن قناع البغي والحيف ( سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) (3) (4) .
   وقال القلقشندي في صبح الأعشى : ويعدُّون ـ أي الشيعة  ـ من العظائم فعل شمر بن ذي الجوشن  ، وهو الذي احتزَّ رأس الحسين ( عليه السلام )   ، وأنّ من ساعده على ذلك مرتكب أعظمَ محظورات بأشدّ بلية  ، وحقيقٌ ذلك أن يستعظموه  ، فأيُّ جريمة أعظم من قتل سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (5) .
  قال دعبل بن علي الخزاعي ـ يحثُ صاحب المصيبة على التسلّي بمصائب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وما جرى عليهم  :

---------------------------
(1) سورة النساء ، الآية : 119 .
(2) سورة الشورى  ، الآية : 23 . (3) سورة الأنعام  ، الآية : 139 .
(4) جواهر المطالب  ، ابن الدمشقي : 2/311 / 313 .
(5) صبح الأعشى : 13/234 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 511 _

تَعَزَّ   فَكَمْ  لك  من  سلوة      تُفرِّجُ  عنك  غليلَ الحَزَنْ
بموتِ النبيِّ وَقَتْلِ الوصيِّ       وَقَتْلِ الحسينِ وَسَمِّ iiالحَسَنْ (1)
  وزاد بعضهم :
وَجَرِّ الوصيِّ وَغَصْبِ التُّرَاثِ       وَأَخْذِ  الحُقُوقِ  وَكَشْفِ iiالإِحَنْ
وَهَدْمِ   المَنَارِ   وَبَيْتِ   iiالإِلَهِ       وَحَرْقِ  الكِتَابِ  وَتَرْكِ iiالسُّنَنْ
  وقال دعبل الخزاعي أيضاً :
مِحَنُ الزمانِ سَحَائبٌ مُتَرَاكِمَه      هي بالفَوَادِحِ فَالفَوَاجِعِ iiسَاهِمَه
فإذا  الهُمُومُ  تَراكَبَتْكَ  iiفَسَلِّها      بمُصَابِ  أولادِ البتولةِ iiفَاطِمَه (2)
  وقال بعضهم :
إذا  ذَكَرَ  القَلْبُ  رَهْطَ iiالنبيِّ       وَسَبْيَ  النِّسَاءِ  وَهَتْكَ iiالسُّتُرْ
وَذَبْحَ  الصبيِّ وَقَتْلَ iiالوصيِّ       وَقَتْلَ   الشبيرِ  وَسَمَّ  iiالشُّبَرْ
تَرَقْرَقَ  في العينِ مَاءُ iiالفُؤَادِ       وتجري على الخَدِّ منه الدُّرَرْ
فَيَا  قَلْبُ صبراً على iiحُزْنِهِمْ         فَعِنْدَ  البَلاَيا  تكونُ  iiالعِبَرْ
  ويقول عبيدالله بن عبدالله بن طاهر :
إذَا  مَا المَرْءُ لم يَعْطَ مُنَاهُ       وَأَضْنَاهُ  التفكُّرُ iiوالنُّحُولُ
ففي آلِ الرَّسُولِ له عَزَاءٌ       وَمَا  لاَقَتْهُ  فاطمةُ iiالبتولُ (3)
  وقال بعضهم :
أَنْسَتْ  رَزِيَّتُكُمْ  رَزَيَانَا  iiالتي       سَلَفَتْ  وهوَّنت الرزايا iiالآتيه
وَفَجَائعُ   الأَيَّامِ   تبقى   iiمُدَّةً       وتزولُ وَهِيَ إلى القِيَامةِ باقيه

---------------------------
(1) الغدير  ، الأميني : 11/11  ، درر السمط في خبر السبط  ، ابن الأبار : 90  ، مروج الذهب  ، المسعودي : 3/6 .
(2) روضة الواعظين  ، الفتال النيسابوري : 169 .
(3) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 2/52 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 512 _

  وقال آخر :
كُلُّ  الرزايا  دُوْنَ  وَقْعَةِ  iiكربلا       تُنْسَى وَإِنْ عَظُمَت تهونُ عِظَامُها
  ويقول الشيخ يوسف أبو ذيب الخطي عليه الرحمة :
وَإِذَا     تَعَاوَرَكَ    الزَّمَانُ       وَهَاجَ    نَحْوَكَ   iiبالنَّوَائِبْ
فَاذْكُرْ     مُصِيبَتَهُمْ    iiبِعَرْ       صَةِ كَرْبَلا تَنْسَى الْمَصَائِبْ (1)

المجلس الرابع :

  إنكار أهل الأديان على قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون  ، وإيَّاهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ الصارخون  ، ويضجَّ الضاجون  ، ويعجَّ العاجون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (2) .
  فلم ترعَ هذه الأمّة حقّاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حفظ عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وما فعلته هذه الأمّة في حقّ أبناء وذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم تفعله أيُّ أمّة من الأمم السالفة  ، فقد كان أولاد الأنبياء وذراريهم عند الأمم السالفة معزَّزين مكرَّمين  ، وأمَّا ذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتركتهم هذه الأمّة بين قتيل ومسموم ومقهور قد شرِّد

---------------------------
(1) شعراء القطيف  ، الشيخ علي المرهون  ، القسم الأول : 39  ، وقد نسبها الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة في الروضة الندية : 71 للشيخ عبد النبي بن مانع رحمه الله تعالى .
(2) المزار  ، محمد بن المشهدي : 578 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 513 _

  عن بلده .
  روى القندوزي الحنفي من مقتل أبي مخنف أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لمَّا وصل من الأسر إلى المدينة خطب في أهل المدينة  ، وقال ( عليه السلام ) في خطبته : أيُّها الناس  ، أصبحنا مشرَّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان  ، من غير جرم اجتمرناه  ، ولا مكروه ارتكبناه  ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها  ، ولا فاحشة فعلناها  ، فوالله لو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (1) .
أَبَادُوهُمُ  قَتْلا  وسُمّاً  iiوَمِثْلَةً       كأنَّ رَسُولَ اللهِ ليس لهم أبُ
  ولله درّ من قال من الشعراء :
مَنْ مُبْلِغُ المصطفى سِبْطَاه قَدْ قَضَيَا       بالسُّمِّ   هذا  وذا  بالسيفِ  منحورا
أَوْصَى   وأكَّدَ  في  الدنيا  iiوَصِيَّتَهُ       فَأَوْسَعُوا    عَهْدَه    نَكْثاً   iiوتغييرا
لو  كان  جَدُّهما  أوصى  iiبظُلْمِهِمَا      لَمَا  اسْتَطَاعُوا  لِمَا  جَاؤُوهُ  iiتكثيرا (2)
  ويقول السيد الحميري عليه الرحمة :
أليس   عجيباً   أنَّ  آلَ  iiمحمَّد          قتيلٌ   وَبَاق   هَائِمٌ  iiوأسيرُ
تنامُ الحَمَامُ الورقُ عِنْدَ هُجُوعِها       ونومُهُمُ    عندَ   الرُّقَادِ   iiزفيرُ (3)
  وقد استنكر فعالَ هذه الأمّة  ، بعترة نبيِّهم ( صلى الله عليه وآله ) بعضُ أهل الكتاب من النصارى وغيرهم  ، وتعجَّبوا من سوء فعالهم وصنيعهم في ذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، قال الخوارزمي في مقتل الحسين ( عليه السلام ) : قال بعض العلماء : إن اليهود حرَّموا الشجرة التي كان منها عصا موسى أن يخبطوا بها  ، وأن يوقدوا منها النار  ، تعظيماً لعصا

---------------------------
(1) ينابيع المودة لذوي القربى  ، القندوزي : 3/93 .
(2) المجالس السنية  ، السيد محسن الأمين : 19 .
(3) ديوان السيد الحميري : 208 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 514 _

  موسى  ، وإن النصارى يسجدون للصليب لاعتقادهم فيه أنه من جنس العود الذي صلب عليه عيسى  ، وإن المجوس يعظِّمون النار لاعتقادهم فيها أنها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم بنفسها  ، وهذه الأمّة قد قتلت أبناء نبيِّها  ، وقد أوصى الله تعالى بمودَّتهم وموالاتهم  ، فقال عزَّ من قائل : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) (2) .
  وذكر ابن حبان في كتاب الثقات أنه لمَّا مروا بالأسارى من أهل البيت ( عليهم السلام ) على الديراني النصراني في طريقهم إلى الشام  ، ورأى رأس الحسين الشريف ( عليه السلام )   ، ورأى السبايا في الأسر  ، سألهم : رأس من هذا ؟ فقالوا : رأس الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، فقال لهم : بئس القوم أنتم  ، لو كان لعيسى ولد لأدخلناه أحداقنا (3) .
  وقال ابن حجر : ولمَّا فعل يزيد برأس الحسين ( عليه السلام ) ما مرَّ كان عنده رسول قيصر  ، فقال متعجِّباً : إن عندنا في بعض الجزائر في دير حافر حمار عيسى ( على نبيِّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ) فنحن نحجُّ إليه كلَّ عام من الأقطار  ، وننذر النذور ونعظِّمه كما تعظِّمون كعبتكم  ، فأشهد أنكم على باطل (4) .
  وقال الشفهيني عليه الرحمة في ذلك :
يَا  أُمَّةً  نَقَضَتْ  عُهُودَ iiنبيِّها       أَفَمَنْ إلى نَقْضِ الْعُهُودِ دَعَاكِ
يا  تَيْمُ  لا تمَّت عليكِ iiسَعَادَةٌ       لكنْ  دَعَاكِ إلى الشقاءِ iiشَقَاكِ
يا  أُمَّةً  بَاءَتْ  بِقَتْلِ  iiهُدَاتِها       أَفَمَنْ  إلى  قَتْلِ  الْهُدَاةِ هَدَاكِ
أَمْ  أَيُّ  شيطان  رَمَاكِ iiبِغَيِّهِ      حَتَّى عَرَاكِ وَحَلَّ عَقْدَ عُرَاكِ
بئس  الجَزَاءُ  لأحمد في iiآلِهِ       وبنيه يومَ الطفِّ كان iiجَزَاكِ

---------------------------
(1) سورة الشورى  ، الآية : 23 .
(2) مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/114/ 115 ح 46 .
(3) كتاب الثقات  ، ابن حبان : 2/313 / 314  ، الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 302 .
(4) الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 301 / 302 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 515 _

لاَ تَفْرَحي فَبِكِثْرِ مَا اسْتَعْذَبْتِ في       أُوْلاَكِ   قَدْ  عُذِّبْتِ  في  iiأُخْرَاكِ
لهفي  عَلَى  الخَدِّ  التريبِ iiتَخُدُّهُ       سَفَهاً   بأطرافِ   القَنَا   iiسُفَهَاكِ
لهفي  لآلِكَ  يَا  رَسُولَ  اللهِ iiفي       أَيْدي   الطُّغَاةِ   نَوَائِحاً  وبواكي (1)
  وروى ابن أعثم الكوفي : قال : التفت حبر من أحبار اليهود ـ وكان حاضراً  ، يعني في مجلس يزيد  ، وقد رأى رأس الحسين ( عليه السلام ) بين يديه ـ فقال : من هذا الغلام يا أمير المؤمنين ؟ فقال : هذا  ، صاحب الرأس أبوه  ، قال  ، ومن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين ؟ قال : الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام )   ، قال : فمن أمّه ؟ قال : فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال الحبر : يا سبحان الله! هذا ابن بنت نبيِّكم قتلتموه في هذه السرعة ؟ بئس ما خلفتموه في ذرّيّته  ، والله لو خلَّف فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لكنّا نعبده من دون الله  ، وأنتم إنما فارقكم نبيُّكم ( صلى الله عليه وآله ) بالأمس  ، فوثبتم على ابن نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) فقتلتموه  ، سوأةً لكم من أمّة! قال : فأمر يزيد فَوجِىء في حلقه  ، فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرِّروني  ، فإني أجد في التوراة أنّه من قتل ذرّيّة نبيٍّ لا يزال مغلوباً أبداً ما بقي  ، فإذا مات يصليه الله نار جهنم (2) .
  قال بعض الشعراء :
عَبْدُ شَمْس قَدْ أَضْرَمَتْ لبني iiها         شِمَ  حرباً  يشيبُ  فيها iiالوليدُ
فابنُ حَرْب للمصطفى وابنُ هِنْد       لعليٍّ       ولِلْحُسَينِ       يزيدُ(3)
  عن ابن لهيعة : عن أبي الأسود قال : لقيت رأس الجالوت فقال : إن بيني وبين داود ( عليه السلام ) سبعين أباً  ، وإن اليهود إذا رأوني عظَّموني  ، وعرفوا حقّي  ، وأوجبوا

---------------------------
(1) راجع : الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/380 ـ 381 .
(2) كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5/132 .
(3) النزاع والتخاصم  ، المقريزي : 62 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 516 _

  حفظي  ، وإنه ليس بينكم وبين نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) إلاَّ أب واحد  ، قتلتم ابنه (1) .
  وقال ابن حجر : قال ذمّيٌّ : بيني وبين داود ( على نبيِّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ) سبعون أباً  ، وإن اليهود تعظِّمني وتحترمني  ، وأنتم قتلتم ابن نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) ؟ (2) .
  ويقول دعبل الخزاعي رحمه الله تعالى في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
كَمْ  مِنْ  ذراع  لهم  بالطفِّ iiبَائِنة       وَعَارِض  بصعيدِ  التُّرْبر  مُنْعَفِرِ
أنسى  الحسينَ  وَمَسْرَاهُمْ  iiلِمقَتَلِهِ       وهم  يقولون  :  هذا  سَيِّدُ iiالبَشَرِ
يا أُمَّةَ السَّوْءِ مَا جَازَيْتِ أحمدَ iiفي       حُسْنِ البَلاَءِ على التنزيلِ والسُّوَرِ
خَلَفْتُموه  على الأبناءِ حين iiمضى       خِلاَفَةَ  الذِّئْبِ  في  إنفاذِ ذي iiبَقَرِ
لم  يبقَ  حيٌّ  من  الأحياءِ iiنَعْلَمُهُ       من  ذي يَمَان وَلاَ بَكْر وَلاَ iiمُضَرِ
إلاَّ   وَهُمْ   شُرَكاءٌ   في  iiدِمَائِهِمُ       كَمَا   تَشَارَكَ  أيسارٌ  على  جُزُرِ
قتلا   وأسراً   وتخويفاً   iiومَنْهَبَةً       فِعْلَ الغُزَاةِ بأَرْضِ الرومِ iiوالخَزَرِ (3)
  روى النطنزي في الخصائص  ، قال : لمَّا جاؤوا برأس الحسين ( عليه السلام )   ، ونزلوا منزلا يقال له : قنسرين  ، اطلع راهب من صومعته إلى الرأس  ، فرأى نوراً ساطعاً يخرج من فيه إلى السماء  ، فأتاهم بعشرة آلاف درهم  ، وأخذ الرأس وأدخله صومعته  ، فسمع صوتاً ولم ير شخصاً قال : طوبى لك  ، وطوبى لمن عرف حرمته  ، فرفع الراهب رأسه وقال : يا ربّ  ، بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلُّم معي  ، فتكلَّم الرأس وقال : يا راهب  ، أيَّ شيء تريد ؟ قال : من أنت ؟ قال : أنا ابن محمد المصطفى  ، وأنا ابن علي المرتضى  ، وأنا ابن فاطمة الزهراء  ، أنا المقتول بكربلاء  ، أنا

---------------------------
(1) العقد الفريد  ، الأندلسي : 5/132  ، الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 8/68  ، عيون الأخبار  ، ابن قتيبة : 1/212 .
(2) الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 302 .
(3) الغدير  ، الشيخ الأميني : 2/375 / 376 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 517 _

  المظلوم  ، أنا العطشان  ، وسكت  ، فوضع الراهب وجهه على وجهه  ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة  ، فتكلَّم الرأس وقال : ارجع إلى دين جدّي محمّد  ، فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاَّ الله  ، وأشهد أن محمداً رسول الله  ، فقبل له الشفاعة  ، فلمَّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم  ، فلمَّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة (1) ولله درّ بعض الشعراء إذ يقول :
جاؤوا بِرَأْسِكَ يا ابنَ بنتِ محمد       مترمِّلا      بدِمَائِهِ      iiترميلا
وكأنَّما  بِكَ  يا  ابنَ بنتِ iiمحمَّد       قتلوا   جِهَاراً  عامدين  iiرَسُولا
قتلوك   عَطْشَاناً   ولم  iiيترقَّبوا       في   قَتْلِكَ   التنزيلَ  iiوالتأويلا
ويُكَبِّرون   بأَنْ   قُتِلْتَ   iiوإنَّما       قَتَلُوا   بك   التَّكْبِيرَ   iiوالتَّهْلِيلا

المجلس الخامس :

  بكاء أمير المؤمنين ( عليه السلام )وحزنه على الإمام الحسين ( عليه السلام ) روى القدَّاح  ، عن جعفر بن محمد  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : مرَّ عليٌّ بكربلاء في اثنين من أصحابه  ، قال : فلمَّا مرَّ بها ترقرقت عيناه للبكاء  ، ثمَّ قال : هذا مناخ ركابهم  ، وهذا ملقى رحالهم  ، وههنا تهراق دماؤهم  ، طوبى لك من تربة  ، عليك تهراق دماء الأحبّة (2) .
  وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن ابن عباس قال : كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خرجته إلى صفّين  ، فلمَّا نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلى

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 45/303 .
(2) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/258 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 518 _

  صوته : يا ابن عباس  ، أتعرف هذا الموضع ؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين  ، فقال ( عليه السلام ) : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي .
   قال : فبكى طويلا حتى اخضلَّت لحيته  ، وسالت الدموع على صدره  ، وبكينا معاً  ، وهو يقول : أوه أوه  ، مالي ولآل أبي سفيان ؟ مالي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر ؟ صبراً يا أبا عبدالله  ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم (1) .
  قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وروي في بعض الكتب المعتبرة عن عبدالله بن قيس قال : كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في صفّين  ، وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس  ، فشكا المسلمون العطش  ، فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين  ، فضاق صدره  ، فقاله له ولده الحسين ( عليه السلام ) : أمضي إليه يا أبتاه ؟ فقال : امض يا ولدي  ، فمضى مع فوارس فهزم أبا أيوب عن الماء  ، وبنى خيمته  ، وحطَّ فوارسه  ، وأتى إلى أبيه وأخبره  ، فبكى علي ( عليه السلام )   ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا أول فتح ببركة الحسين ( عليه السلام ) ؟ فقال : ذكرت أنه سيقتل عطشاناً بطفِّ كربلا  ، حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول : الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيِّها (2) ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
مَنَعُوهُمُ    مَاءَ    الفُرَاتِ   وَدُوْنَه       بِسُيُوفِهِمْ    دَمُهُم    يُرَاقُ   iiمَحَلَّلا
هَجَرَتْ رُؤُوسُهُمُ الْجُسُومَ فَوَاصَلَتْ       زُرْقَ   الأسنَّةِ   والوشيجَ   iiالذُّبَّلا
يبكي     أسيرُهُمُ    لِفَقْدِ    قتيلِهم       أسفاً   وكلٌّ   في  الحقيقةِ  iiمبتلى
هذا   يميلُ   على  اليمينِ  iiمعفَّراً       بدَمِ   الوريدِ   وذا   يُسَاقُ  iiمُغَلَّلا
وَمِنَ  العجائبِ  أَنْ  تُقَادَ  iiأُسُودُها       أَسراً   وتفترسَ  الكلابُ  iiالأشْبُلا
لهفي   لزينِ   العابدينَ  يُقَادُ  iiفي       ثِقْلِ     الحديدِ    مُقيَّداً    iiومكبَّلا

---------------------------
(1) الأمالي  ، الصدوق : 694 ح 5  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/252 ح 2 .
(2) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/266 ح 23 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 519 _

مُتَقَلْقِلا     في    قَيْدِهِ    مُتَثَقِّلا       مُتَوَجِّعاً     لِمُصَابِهِ     مُتَوَجِّلا
أَفدي الأسيرَ وليت خدّي iiمَوْطِناً       كانت  له  بينَ  الَمحَامِلِ iiمِحْمَلاَ
أقسمتُ  بالرحمنِ  حِلْفَةَ iiصادق       لولا الفَرَاعِنَةُ الطواغيتُ الأُولى
مَا  بَاتَ  قلبُ  محمد في iiسبطِهِ       قَلِقَاً  ولا  قَلْبُ  الوصيِّ  iiمُقَلْقَلاَ
خانوا  مَوَاثِيقَ  النبيِّ  iiوأَجَّجُوا       نيرانَ حَرْب حَرُّها لن iiيُصْطَلَى (1)
  قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الخزانة الصلاحية ـ : فكَّرت ليلة ـ وقد أويت إلى فراشي ـ فيما عامل به آل أبي سفيان لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفي قضية الحسين ( عليه السلام )   ، وقتله وقتل أهل بيته  ، وأسر بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحملهم إيَّاهُنَّ على الأقتاب سبايا  ، ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا!! فبكيت بكاءً شديداً  ، وأرقت  ، ثمَّ نمت فرأيت أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام )   ، فحين رأيته بادرت إليه وقبَّلت يديه وبكيت  ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين  ، تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن  ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن  ، ومن دخل المسجد فهو آمن  ، ثمَّ يُفعل بولدك الحسين وأهل بيتك بالطفِّ ما فُعل ؟ فتبسَّم أمير المؤمنين وقال : ألم تسمع أبيات ابن الصيفي ( سعد بن محمد ) ؟ قلت : لا  ، قال : اسمعها منه فهي الجواب .
  قال : فطالت ليلتي حتى برق الفجر  ، فجئت باب ابن الصيفي فطرقت بابه  ، فخرج إليَّ حاسراً حافي القدمين  ، وقال : ما الذي جاء بك هذه الساعة ؟ فقصصت عليه قصتي  ، فأجهش بالبكاء وقال : والله ما قلتها إلاَّ ليلتي هذه  ، ولم يسمعها بشر منّي  ، ثمَّ أنشدني :
مَلَكْنا   فكانَ   الْعَفْوُ  مِنَّا  iiسجيَّةً       فلمَّا   مَلَكْتُم   سَالَ  بالدَّمِ  iiأَبْطَحُ
وَحللَّلتُمُ   قَتْلَ  الأُسَارى  iiوطالما       غَدَوْنا عن الأسرى نَعُفُّ وَنَصْفَحُ

---------------------------
(1) الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/388 ـ 389 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 520 _

وَحَسْبُكُمُ هذا التفاوتُ iiبَيْنَنا      وكلُّ إناء بالذي فيه يَنْضَحُ (1)
  ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
يا   تَيمُ   لا  تمَّت  عليكِ  iiسَعَادةٌ       لكنْ   دَعَاكِ   إلى  الشَّقَاءِ  شَقَاكِ
لولاكِ   ما  ظَفَرَتْ  عُلُوجُ  iiأُميَّة       يوماً     بِعِتْرَةِ    أحمد    iiلولاكِ
تاللهِ    مَا   نِلْتِ   السعادةَ   iiإنَّما      أَهْوَاكِ   في  نَارِ  الجحيمِ  iiهَوَاكِ
أنَّى  اسْتَقَلْتِ  وقد  عَقَدْتِ  iiلآخر       حُكْماً  فكيف  صَدَقْتِ في iiدَعْوَاكِ
ولأنتِ   أكبرُ   يَا  عديُّ  iiعَدَاوةً       واللهِ   مَا   عَضَدَ  النفاقَ  iiسِوَاكِ
لا  كان  يومٌ  كنتِ  فيه  iiوساعةٌ      فَضَّ   النفيلُ  بها  خِتَامَ  iiصَهَاكِ
وعليكِ   خِزْيٌ   يَا   أُمَيَّةُ  iiدَائِماً       يبقى   كما  في  النارِ  دَامَ  iiبَقَاكِ
هَلاَّ صَفَحْتِ عن الحسينِ وَرَهْطِهِ       صَفْحَ   الوصيِّ  أَبيه  عن  iiآباكِ
وَعَفَفْتِ  يومَ الطفِّ عِفَّةَ جَدَاهِ iiال       مبعوثِ  يومَ  الفَتْحِ  عن  iiطُلَقَاكِ
أَفَهَلْ   يدٌ   سَلَبَتْ  إِمَاءَكِ  iiمثلما       سَلَبَتْ   كريماتِ   الحسينِ  يَدَاكِ
أم  هل  بَرَزْنَ  بفتحِ  مكَّةَ iiحُسَّراً      كَنِسَائِهِ    يومَ   الطفوفِ   iiنِسَاكِ
يا    أُمَّةً   بَاءَتْ   بِقَتْلِ   هُدَاتِها       أَفَمَنْ   إلى   قَتْلِ   الهُدَاةِ  iiهَدَاكِ
أم   أيُّ   شيطان   رَمَاكِ   iiبِغَيِّه       حتَّى  عَرَاكِ  وَحَلَّ  عَقْدَ  iiعُرَاكِ
بئس   الجَزَاءُ   لأحمد   في  آلِهِ       وبنيه   يومَ  الطفِّ  كان  iiجَزَاكِ
فَلَئِنْ  سُرِرْتِ بخدعة أَسْرَرْتِ في       قَتْلِ   الحسينِ  فَقَدْ  دَهَاكِ  iiدَهَاكِ
مَا  كَانَ  في سَلْبِ ابنِ فاطمَ iiمُلْكَهُ       مَا   عَنْهُ   يوماً  لو  كَفَاكِ  iiكَفَاكِ
لهفي   الجَسَدِ   المعرَّى   iiبالعرا           شِلْواً   تُقَبِّلُه   حُدُودُ   iiظُبَاكِ
لهفي  عَلَى  الخدِّ  الترتيبِ  تَخُدُّه       سَفهاً    بأطرافِ   القَنَا   iiسُفَهَاكِ (2)

---------------------------
(1) وفيات الأعيان  ، ابن خلكان : 11/206 في ترجمة أبي الفوارس ابن الصيفي التميمي المعروف بحيص بيص  ، بغية الطلب في تاريخ حلب  ، الحلبي ( في ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) : ح 196 .
(2) الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/381 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 521 _


المجلس السادس :

  فضل إنشاد الشعر في الإمام الحسين ( عليه السلام )ودخول بعض الشعراء على الأئمة ( عليهم السلام ) روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبي عمار المنشد  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال لي : يا أبا عمارة  ، أنشدني في الحسين بن علي  ، قال : فأنشدته فبكى  ، ثمَّ أنشدته فبكى  ، قال : فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار ، قال : فقال : يا أبا عمارة! من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة (1) .
  وروى الكشي عليه الرحمة  ، عن زيد الشحام قال : كنّا عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) ونحن جماعة من الكوفيين  ، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، فقرَّبه وأدناه  ، ثمَّ قال : يا جعفر! قال : لبّيك جعلني الله فداك! قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد  ، فقال له : نعم جعلني الله فداك  ، قال : قل  ، فأنشده صلَّى الله عليه  ، فبكى ومن حوله  ، حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته  ، ثمَّ قال : يا جعفر  ، والله لقد شهدت ملائكة الله المقرَّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين ( عليه السلام )   ، ولقد بكوا كما بيكنا وأكثر  ، ولقد أوجب الله تعالى لك ـ يا جعفر ـ في ساعتك الجنّة بأسرها  ،

---------------------------
(1) الأمالي  ، الصدوق : 205 ح 6  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/282 ح 15 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 522 _

  وغفر الله لك  ، فقال : يا جعفر  ، ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي  ، قال : ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاَّ أوجب الله له الجنّة وغفر له (1) .
  وروى ابن قولويه عليه الرحمة : عن عبدالله بن غالب قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فأنشدته مرثيَّة الحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، فلمَّا انتهيت إلى هذا الموضع :
لبلية     تسقو     iiحسيناً       بمسقاة الثرى غير التراب
  صاحت باكية من وراء الستر : يا أبتاه (2).
  وعن أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقال لي : أنشدني  ، فأنشدته  ، فقال : لا  ، كما تنشدون  ، وكما ترثيه عند قبره  ، فأنشدته :
امرُرْ عَلَى جَدَثِ الحسينِ       فَقُلْ    لأَعْظُمِهِ   iiالزكيَّه
  قال : فلمَّا بكى أمسكت أنا  ، فقال : مرَّ  ، فمررت  ، قال : ثمَّ قال : زدني  ، زدني قال : فأنشدته :
يَا  مَرْيَمُ قُومي وانْدُبي iiمَوْلاَكِ        وَعَلَى الحُسَينِ فأَسْعِدِي ببُكَاكِ
  قال : فبكى وتهايج النساء  ، قال : فلمَّا أن سكتن قال لي : يا أبا هارون  ، من أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنَّة  ، ثمَّ جعل ينتقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنَّة  ، ثمَّ قال : من ذكره فبكى فله الجنَّة  ، وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لكلِّ شيء ثواب إلاَّ الدمعة فينا (3) .
  وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا أبا هارون  ، أنشدني في الحسين ( عليه السلام )   ، قال : فأنشدته  ، قال : فقال

---------------------------
(1) رجال الكشي : 2/574 ح 508  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/282 ح 16 .
(2) كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 209 ـ 210 ح 3  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/286 ح  24 .
(3) كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 210 ـ 211 ح 5  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/286 ح  24 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 523 _

  لي : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقّة ـ قال : فأنشدته :
امرُرْ عَلَى جَدَثِ الحُسَينِ       فَقُلْ    لأَعْظُمِهِ   iiالزكيَّه
  قال : فبكى  ، ثمَّ قال : زدني  ، فأنشدته القصيدة الأخرى  ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر  ، قال : فلمَّ فرغت قال : يا أبا هارون  ، من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنة  ، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزَّ وجلَّ  ، ولم يرض له بدون الجنّة (1) .
  ولله درّ دعبل الخزاعي عليه الرحمة إذ يقول :
سَأَبكيهِمُ   مَا   حَجَّ   للهِ   iiرَاكِبٌ         وَمَا  نَاحَ قَمْرِيٌّ على الشَجَرَاتِ
فَيَا  عَيْنُ  بَكِّيهِمْ  وَجُودي  iiبِعَبْرَة       فَقَدْ    آنَ   للتَّسْكَابِ   والهَمَلاَتِ
بَنَاتُ  زياد  في القُصُورِ iiمَصُونةٌ       وآلُ   رَسُولِ  اللهِ  في  iiالفَلَوَاتِ
دِيَارُ  رَسُولِ  اللهِ  أصبحنَ iiبَلْقَعاً       وآلُ    زياد   تَسْكُنُ   الْحُجُرَاتِ
وآلُ  رسولِ  اللهِ نُحْفٌ iiجُسُومُهُمْ       وآلُ    زياد    غُلَّظُ   القصراتِ
وآلُ  رسولِ  اللهِ  تُدمى نحورُهُمْ       وآلُ    زياد    رَبَّةُ    iiالحجلاتِ
وآلُ  رسول  اللهِ  تُسبى iiحريمُهُمْ      وآلُ    زياد    آمِنُو    السَّرَبَاتِ
إذا   وُتِرُوا  مَدُّوا  إلى  iiوَاتِرِيهِمُ       أَكُفَّاً   عن   الأوتارِ   iiمُنْقَبِضَاتِ
سأبكيهِمُ مَا ذَرَّ في الأرضِ شارقٌ       ونادى  مُنَادي  الخيرِ  iiللصَّلَوَاتِ
وَمَا  طَلَعَتْ شَمْسٌ وحان iiغُرُوبُها       وبالليلِ     أبكيهمُ     وَبِالْغَدَواتِ (2)

---------------------------
(1) ثواب الأعمال  ، الصدوق : 83 / 84  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/288 ح 28 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 54/257 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 524 _


المجلس السابع :

  إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمَّ سلمة بمقتل الحسين ( عليه السلام )وإعطائها تربة من كربلاء يا سادتي يا آل رسول الله  ، إنّي بكم أتقرَّب إلى الله جلَّ وعلا  ، بالخلاف على الذين غدروا بكم  ، ونكثوا بيعتكم  ، وجحدوا ولايتكم  ، وأنكروا منزلتكم  ، وخلعوا ربقة طاعتكم  ، وهجروا أسباب مودّتكم  ، وتقرَّبوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم  ، والإعراض عنكم  ، ومنعوكم من إقامة الحدود  ، واستئصال الجحود  ، وشعب الصدع  ، ولمِّ الشعث  ، وسدّ الخلل  ، وتثقيف الأود  ، وإمضاء الأحكام  ، وتهذيب الإسلام  ، وقمع الآثام  ، وأرهجوا عليكم نقع الحروب والفتن  ، وأنحوا عليكم سيوف الأحقاد  ، هتكوا منكم الستور  ، وابتاعوا بخمسكم الخمور  ، وصرفوا صدقات المساكين إلى المضحكين والساخرين (1) .
  ولله درّ السيِّد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
أين  الحِفَاظُ  وفي الطفوفِ دماؤُكم       سُفِكَت    بسيفِ    أُميَّة   iiوَقَنَاتِها
أين    الحِفَاظُ    وهذه   iiأَشْلاَؤُكُمْ          بقيت  ثلاثاً  في  هَجِيرِ  iiفَلاَتِها
أين     الحِفَاظُ    وهذه    أبناؤُكُمْ       قَتْلَى   تناهبت   السيوفُ  iiطُلاَتِها
أين    الحِفَاظُ    وهذه    iiأطفالُكُمْ      ذُبِحَتْ عُطاشى في ثَرَى عَرَصَاتِها
أين     الحِفَاظُ    وهذه    iiفَتَيَاتُكُمْ       حُمِلَتْ  على  الأقتابِ  بينَ iiعِدَاتِها
حُمِلَتْ  بِرَغْمِ  الدينِ  وهي iiثَوَاكِلٌ       عبرى   تُرَدِّدُ   بالشَّجَى  iiزَفَرَاتِها

---------------------------
(1) المزار  ، محمد بن المشهدي : 295 / 296 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 525 _

فَمَنِ المعزّي بَعْدَ أحمدَ فاطماً        في قَتْلِ أبناها وسَبْيِ iiبَنَاتِها (1)
  روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن أبي الجارود  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أم سلمة  ، فقال لها : لا يدخل عليَّ أحد  ، فجاء الحسين ( عليه السلام ) وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبيّ ( صلى الله عليه وآله )   ، فدخلت أمّ سلمة على أثره  ، فإذا الحسين على صدره  ، وإذا النبيُّ يبكي  ، وإذا في يده شيء يقلِّبه .
  فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : يا أمَّ سلمة  ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول  ، وهذه التربة التي يقتل عليها  ، فضعيها عندك  ، فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي  ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله  ، سل الله أن يدفع ذلك عنه  ، قال : قد فعلت  ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليَّ أنَّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين  ، وأن له شيعة يشفعون فيشفَّعون  ، وأن المهديَّ من ولده فطوبى لمن كان من أولياء الحسين وشيعته  ، هم ـ والله ـ الفائزون يوم القيامة (2) .
  وعن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول الله  ، فقال النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) لأمِّ سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد  ، فجاء الحسين ( عليه السلام ) ليدخل فمنعته  ، فوثب حتّى دخل  ، فجعل يثب على منكبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقعد عليهما  ، فقال له المَلَك : أتحبُّه ؟ قال : نعم  ، قال : فإن أمَّتك ستقتله  ، وإن شئت أريتك المكان الذي يُقتل فيه  ، فمدَّ يده فإذا طينة حمراء ، فأخذتها أمُّ سلمة فصيَّرتها إلى طرف خمارها  ، قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلاء (3) .
  وروي أن أمَّ سلمة قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام وعلى رأسه

---------------------------
(1) مثير الأحزان  ، الجواهري : 113 / 114 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/225 ح 5 عن الأمالي للصدوق : 203 ح 3 .
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/231 ح 14 .