الفهرس العام

بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس الرابع  : من اليوم الثالث عشر :
المجلس الخامس  : من اليوم الثالث عشر :
القسم الثاني : المجالس العامة لعشرة محرم :
المجلس الأوّل :
المجلس الثاني :



  المفضل بن عمر الجعفي  ، عن جعفر بن محمد الصادق  ، عن أبيه  ، عن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) قال : لما قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه  ، ثمَّ تمرَّغ  ، ثمَّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ـ وهي الصغرى ـ فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاء شديداً  ، وأنشأت تقول :
نَعَبَ  الغُرَابُ  فقلتُ  iiمَنْ       تَنْعاهُ   ويلكَ   يَا  iiغُرَابْ
قال : الإمامُ فقلتُ : مَنْ ؟       قال  :  الموفَّقُ  للصَّوَابْ
إنَّ     الحسينَ    iiبكربلا       بينَ   الأسنَّة  iiوالضِّرَابْ
فابكي    الحسينَ   iiبعَبْرَة       ترجى  الإلهَ  مَعَ iiالثَّوَابْ
قلتُ  :  الحسينُ فقال iiلي       حقّاً   لَقَدْ   سَكَنَ  iiالتُّرَابْ
ثمَّ   استقلَّ   به   iiالجَنَاحُ       فَلَمْ   يُطِقْ   رَدَّ  iiالْجَوَابْ
فبكيتُ    ممَّا   حَلَّ   بي         بَعْدَ  الدُّعَاءِ  iiالمُسْتَجَابْ
  قال محمد بن علي : فنعته لأهل المدينة  ، فقالوا : قد جاءتنا بسحر عبدالمطلب فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (1) .
  قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وروي من طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) أنه لمّا استشهد الحسين ( عليه السلام ) بقي في كربلاء صريعاً  ، ودمه على الأرض مسفوحاً  ، وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسَّح بدمه  ، وجاء والدم يقطر منه فرأى طيوراً تحت الظلال على الغصون والأشجار  ، وكلٌّ منهم يذكر الحبَّ والعلف والماء  ، فقال لهم ذلك الطير المتلطِّخ بالدم : يا ويلكم  ، أتشتغلون بالملاهي  ، وذكر الدنيا والمناهي  ، والحسين في أرض كربلاء  ، في هذا الحرّ  ، ملقىً على الرمضاء  ، ظامىء مذبوح  ، ودمه مسفوح ؟ فعادت الطيور كلٌّ منهم قاصداً كربلاء  ، فرأوا سيِّدنا الحسين ( عليه السلام ) ملقىً في الأرض جثَّته بلا رأس ولا غسل ولا كفن  ، قد سفت عليه السوافي  ، وبدنه مرضوض قد

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/171 ح 19  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 70/24 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 477 _

  هشَّمته الخيل بحوافرها  ، زوَّاره وحوش القفار  ، وندبته جنّ السهول والأوعار  ، قد أضاء التراب من أنواره  ، وأزهر الجوّ من أزهاره .
  فلمَّا رأته الطيور تصايحن وأعلنَّ بالبكاء والثبور  ، وتواقعن على دمه يتمرَّغن فيه  ، وطار كلّ واحد منهم إلى ناحية يُعلمُ أهلهَا عن قتل أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام )   ، فمن القضاء والقدر أن طيراً من هذه الطيور قصد مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله )   ، وجاء يرفرف  ، والدم يتقاطر من أجنحته  ، ودار حول قبر سيِّدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يُعلن بالنداء : ألا قتل الحسين بكربلا  ، ألا ذبح الحسين بكربلا! فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون. فلمَّا نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح  ، وشاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر  ، حتَّى انقضت مدّة من الزمان  ، وجاء خبر مقتل الحسين ( عليه السلام ) علموا أن ذلك الطير كان يُخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل ابن فاطمة البتول  ، وقرَّة عين الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) .
  ومن كتاب العوالم للسيد البحراني عليه الرحمة عن بعض كتب الأصحاب رضي الله عنهم قال : حُكي عن رجل أسدي قال : كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر  ، عسكر بني أمية  ، فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلاَّ بعضها  ، منها أنه إذا هبَّت الرياح تمرّ عليَّ نفحات كنفحات المسك والعنبر  ، وإذا سكنت أرى نجوماً تنزل من السماء إلى الأرض  ، ويرقى من الأرض إلى السماء مثلها  ، وأنا منفرد مع عيالي ولا أرى أحداً أسأله عن ذلك  ، وعند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة فأولّي عنه إلى منزلي  ، فإذا أصبح وطلعت الشمس وذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهباً .
   فقلت في نفسي : إن هؤلاء خوارج قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم  ، وأرى منهم ما لم أره من سائر القتلى  ، فوالله هذه الليلة لابد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا ؟

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/191 / 192 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 478 _

  فلمَّا صار عند غروب الشمس فإذا به أقبل  ، فحقَّقه فإذا هو هائل المنظر فارتعدتُ منه  ، وخطر ببالي : إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني  ، وأنا أحاكي نفسي بهذا فمثَّلته وهو يتخطَّى القتلى حتى وقع على جسد كأنه الشمس إذا طلعت  ، فبرك عليه  ، فقلت : يأكل منه  ، وإذا به يمرِّغ وجهه عليه وهو يهمهم ويدمدم  ، فقلت : الله أكبر! ما هذه إلاَّ أعجوبة  ، فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام  ، وإذا بشموع معلَّقة ملأت الأرض  ، وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع  ، فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض  ، ففهمت من ناع فيهم يقول : واحسيناه! وا إماماه! فاقشعرَّ جلدي  ، فقربت من الباكي وأقسمت عليه بالله وبرسوله مَن تكون ؟ فقال : إنّا نساء من الجنّ  ، فقلت : وما شأنكنَّ ؟ فقلن : في كل يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحسين الذبيح العطشان . . . (1) .
  إذن ما حال العقيلة زينب ( عليها السلام ) لمَّا مروا بها مع النساء  ، ورأت حِماها مجدَّلا على الصعيد  ، فعزَّ عليها أن تتركه بلا مواراة  ، تسفي عليه ريح الصَّبا  ، ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول على لسانها تخاطب الحسين ( عليه السلام ) :
أَخِي سَائِقُ الأظعانِ عَجَّلَ iiبالسُّرَى       ولم  يَشْفَ  بالتوديعِ  منكَ  iiفُؤَاديا
أَخِي  إِنَّ  هذا  آخِرُ  الْعَهْدِ  iiباللِّقَا       ولستُ   أرى  بَعْدَ  الفِرَاقِ  iiتَلاَقيا
وقد صِرْتُ في أمري بأَعْظَمِ حَيْرَة       وَمَنْ ذا ابتُلِي في الدَّهْرِ مِثْلَ iiبَلاَئيا
أَأَمْشي وَمَا وَارَيْتُ جَسْمَكَ أَمْ iiتَرَى       أُقيمُ   ومنك  الرَّأْسُ  سَارَ  iiأَمَاميا
ولو  خَيَّروني في المُقَامِ أو السُّرَى        أَقَمْتُ ولم أَخْشَ السِّبَاعَ iiالضَّوَاريا
فَأَوْدَعْتُكَ   الرَّحْمَنُ   يابنَ   محمَّد       عليكَ    سَلاَمُ   اللهِ   ثُمَّ   iiسَلاَميا
تَرَحَّلْتُ   فَاسْوَدَّ  النَّهارُ  iiبناظري       وَمِنْ   بَعْدِكَ  الأَيَّامُ  صِرْنَ  iiلياليا
فلم  يَهْنَ  لي  عيشٌ وَلاَ لَذَّ iiمَطْعَمٌ       عليكَ   حَنِيني  مَشْرَبي  iiوَطَعَاميا

---------------------------
(1) العوالم  ، الإمام الحسين ( عليه السلام )   ، البحراني : 512  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/193 / 194 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 479 _

بقيتَ  على وَجْهِ البسيطةِ iiثاوياً       ولو لم تُظَلِّلْكَ القَنَا كُنْتَ ضَاحيا (1)

المجلس الرابع  : من اليوم الثالث عشر :

  حضور النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفن خديجة بنت خويلد وفاطمةبنت أسد ( عليهما السلام ) وحضور الأئمة ( عليهم السلام ) جنائز شيعتهم روي أنه لمَّا توفيت خديجة أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تجهيزها وغسلها وحنطها  ، فلمَّا أراد أن يكفِّنها هبط الأمين جبرئيل وقال : يا رسول الله  ، إن الله يقرئُك السلام  ، ويخصُّك بالتحيَّة والإكرام  ، ويقول لك : يا محمَّد  ، إن كفن خديجة وهو من الجنة أهدى الله إليها  ، فكفَّنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بردائه الشريف أولا  ، وبما جاء به جبرئيل ثانياً  ، فكان لها كفنان : كفن من الله  ، وكفن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
  أقول : ألم يبذل الحسين ( عليه السلام ) جميع ماله وعياله وأولاده في سبيل الله ؟ بقيت جنازته ثلاثة أيام بلا غسل ولا كفن .
مَا   غَسَّلُوه   ولا   لَفُّوه  في  iiكَفَن       يومَ  الطفوفِ  وَلاَ  مَدُّوا عليه iiرِدَا
عَار   تَجُولُ   عليه  الخيلُ  عَادِيةً        حَاكَتْ له الرِّيْحُ ضَافِي مِئْزَر وَرِدَا
  قال الراوي : دفنت خديجة ( عليها السلام ) بالحجون  ، ونزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في قبرها  ، ولم تكن يومئذ سنّة الجنايز والصلاة عليها . . .
  ولمَّا توفيت خديجة ( عليها السلام ) جعلت فاطمة تلوذ بأبيها وتقول : أين أمّي ؟ فنزل جبرئيل وقال : إن الله يقرأ على فاطمة السلام  ، ويقول لها : أمّكِ في بيت من قصب  ، كعابه من ذهب  ، وعمده من ياقوت أحمر  ، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران  ،

---------------------------
(1) ديوان العلامة الجشي : 222 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 480 _

  فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : إن الله هو السلام  ، ومنه السلام  ، وإليه السلام .
  وكان الله قد عزَّاها وعزَّاها جبرئيل بأمِّها  ، ولكن لما توفِّي أبوها هل عزَّاها أحد ؟ نعم  ، هجموا على باب دارها وأحرقوا الباب . . .
  ولمَّا توفيت خديجة ( عليها السلام ) اشتدَّ البلاء على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وتراكمت عليه الهموم والغموم بحيث احتجب عن الناس مدّة مديدة  ، وسمى ذلك العام عام الحزن; لأنه فقد في ذلك العام عمَّه أبا طالب وزوجته خديجة في سنة واحدة  ، بل في شهر واحد  ، ثمَّ هاجر إلى الطائف شهراً  ، ورجع إلى مكة ليقيم بها فلم يستطع; لأن مشركي قريش همُّوا بقتله  ، واجتمعوا في دار الندوة  ، واستشاروا فيما بينهم في دفعه وسفك دمه (1) .
  وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حضر أيضاً جنازة فاطمة بنت أسد وشيَّعها ( عليها السلام )   ، وقيل : لمَّا ماتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أقبل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) باكياً  ، فقال له النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : ما يبكيك ؟ لا أبكى الله عينك  ، قال : توفِّيت والدتي يا رسول الله  ، قال له النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : بل ووالدتي يا علي  ، فلقد كانت تُجوِّع أولادها وتشبعني  ، وتشعث أولادها وتدهنني  ، والله لقد كان في دار أبي طالب نخلة  ، فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط  ، ثم تجنيه ـ رضي الله عنها ـ فإذا خرجوا بنو عمّي تناولني ذلك  ، ثمَّ نهض ( صلى الله عليه وآله ) فأخذ في جهازها  ، وكفَّنها بقميصه ( صلى الله عليه وآله )   ، وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدماً ويتأنَّى في رفع الآخر  ، وهو حافي القدم  ، فلمَّا صلَّى عليها كبَّر سبعين تكبيرة  ، ثمَّ لحدَّها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها  ، ولقَّنها الشهادة  ، فلمَّا أُهيل عليها التراب  ، وأراد الناس الانصراف جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لها : ابنك  ، ابنك  ، ابنك  ، لا جعفر  ، ولا عقيل  ، ابنك  ، ابنك : علي بن أبي طالب  ، قالوا : يا رسول الله  ، فعلت فعلا ما رأينا مثله قط :

---------------------------
(1) شجرة طوبى  ، الشيخ محمد مهدي الحائري : 2/236 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 481 _

  مشيك حافي القدم  ، وكبَّرت سبعين تكبيرة ونومك في لحدها  ، وقميصك عليها  ، وقولك لها : ابنك  ، ابنك  ، لا جعفر  ، ولا عقيل .
  فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أمَّا التأني في وضع أقدامي ورفعها في حال التشييع للجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة  ، وأما تكبيري سبعين تكبيرة فإنها صلَّى عليها سبعون صفَّاً من الملائكة  ، وأمَّا نومي في لحدها فإنّي ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت : واضعفاه  ، فنمت في لحدها لأجل ذلك حتى كفيتها ذلك  ، وأمَّا تكفيني لها بقميصي فإني ذكرت لها في حياتها القيامة وحشر الناس عراة فقالت : واسوأتاه  ، فكفَّنتها به لتقوم يوم القيامة مستورة  ، وأمَّا قولي لها : ابنك  ، ابنك  ، لا جعفر  ، ولا عقيل فإنها لمَّا نزل عليها الملكان وسألاها عن ربِّها فقالت : الله ربي  ، وقالا : من نبيُّك ؟ قالت : محمّد نبيّي  ، فقالا : من وليُّك وإمامك ؟ فاستحيت أن تقول : ولدي  ، فقالت لها : قولي : ابنك علي ابن أبي طالب ( عليه السلام )   ، فأقرَّ الله بذلك عينها (1) .
  واعلم أيُّها الموالي ـ ثبَّتنا الله وإياك على موالاتهم والبراءة من أعدائهم ـ أن بعض الأخبار الشريفة تنصُّ على أن أهل البيت ( عليهم السلام ) حضروا بعض جنائز شيعتهم الموالين المخلصين لهم  ، فمنهم شطيطة رضي الله تعالى عنها  ، فقد روي أنها كانت امرأة مؤمنة محبّة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت في نيسابور  ، ولمَّا بعثت شيعة نيسابور الأموال إلى الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بعثت هي درهماً  ، وشقّة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم  ، فقبل الإمام ( عليه السلام ) ما بعثته دون بقيَّة الأموال  ، وقال للحامل : أبلغ شطيطة سلامي  ، وأعطها هذه الصرّة ـ وكانت أربعين درهماً ـ ثمَّ قال : وأهديت لها شقّة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا قرية فاطمة ( عليها السلام )   ، وغزل أختي حليمة رضي الله تعالى عنها (2) .

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 6/241 .
(2) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/411  ، الكنى والألقاب  ، القمي : 1/267 / 268 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 482 _

  وفي رواية ابن حمزة الطوسي عليه الرحمة في الثاقب قال : وأقامت شطيطة تسعة عشر يوماً  ، وماتت رحمها الله  ، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها  ، فرأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) على نجيب  ، فنزل عنه وأخذ بخطامه  ، ووقف يصلي عليها مع القوم  ، وحضر نزولها إلى قبرها  ، ونثر في قبرها من تراب قبر أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام )   ، فلمَّا فرغ من أمرها ركب البعير  ، وألوى برأسه نحو البريَّة  ، وقال : عرِّف أصحابك واقرأهم عنّي السلام  ، وقل لهم : إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابدَّ لنا من حضور جنائزكم في أيِّ بلد كنتم  ، فاتقوا الله في أنفسكم  ، وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم  ، وفكِّ رقابكم من النار .
  قال أبو جعفر : فلمَّا ولَّى ( عليه السلام ) عرَّفت الجماعة  ، فرأوه وقد بَعُدَ والنجيب يجري به  ، فكادت أنفسهم تسيل حزناً إذ لم يتمكَّنوا من النظر إليه (1) .
  ومنهم سلمان الفارسي رضوان الله تعالى عنه  ، حضره أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وهو خبر مشهور  ، وروي أن الخليفة المستنصر العباسي خرج يوماً إلى زيارة قبر سلمان الفارسي سلام الله عليه  ، ومعه السيّد عز الدين ابن الأقساسي  ، فقال له الخليفة في الطريق : إن من الأكاذيب ما يرويه غلاة الشيعة من مجيء علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من المدينة إلى المدائن لمّا توفِّي سلمان  ، وتغسيله إيّاه ومراجعته في ليلته إلى المدينة  ، فأجابه ابن الأقساسي بالبديهة بقوله :
أنكرتَ   ليلةَ  إِذْ  صار  iiالوصيُّ         أرضِ  المدائنِ  لمَّا أَنْ لَهَا iiطَلَبَا
وَغَسَّلَ  الطُّهْرَ  سَلْماناً  وَعَادَ iiإلى       عِرَاصِ يَثْرِبَ والإِصباحُ مَا وَجَبَا
وقلتَ  :  ذلك من قولِ الغُلاَةِ iiوَمَا       ذَنْبُ  الغُلاَةِ  إذَا لَمْ يُورِدوا كَذِبا ؟
فَآصِفٌ  قَبْلَ  رَدِّ الطَّرْفِ من iiسَبَأ       بِعَرْشِ بلقيسَ وَافَى يَخْرُقُ iiالحُجُبا
فأنت  في  آصف لَمْ تَغْلُ فيه بلى      في ( حَيْدَر ) أَنَا غَال إِنَّ ذَا iiعجبا

---------------------------
(1) الثاقب في المناقب  ، ابن حمزة الطوسي : 445 / 446 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 483 _

إن  كان  أَحْمَدُ خَيْرَ المرسلينَ فَذَا       خَيْرُ الوصيِّين أَوْ كُلُّ الحديثِ هبا(1)
  وقال الأُزري عليه الرحمة :
مَنْ  تَوَلَّى  تغسيلَ سَلْمَانَ iiإِلاَّ       ذَاتُ   قُدْس  تَقَدَّسَتْ  iiأسماها
ليلةٌ قَدْ طَوَى بها الأَرْضَ طيّاً       إِذْ   نَأَتْ  دَارُهُ  وَشَطَّ  iiمَدَاها (2)
  روى ابن شهر آشوب عليه الرحمة  ، عن جابر الأنصاري قال : صلَّى بنا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صلاة الصبح  ، ثمَّ أقبل علينا فقال : معاشر الناس  ، أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان  ، فقالوا في ذلك  ، فلبس عمامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودرَّاعته  ، وأخذ قضيبه وسيفه  ، وركب على العضباء  ، وقال لقنبر : عدّ عشراً  ، قال : ففعلت فإذا نحن على باب سلمان  ، قال زاذان : فلمَّا أدركت سلمان الوفاة قلت له : من المغسِّل لك ؟ قال : من غسَّل رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقلت : إنك بالمدائن وهو بالمدينة  ، فقال : يا زاذان  ، إذا شددت لحييَّ تسمع الوجبة  ، فلمّا شددت لحييه سمعت الوجبة  ، وأدركت الباب فإذا أنا بأمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، فقال : يا زاذان  ، قضى أبو عبدالله سلمان ؟ قلت : نعم يا سيدي  ، فدخل وكشف الرداء عن وجهه  ، فتبسَّم سلمان إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : مرحباً يا أبا عبدالله  ، إذا لقيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقل له ما مرَّ على أخيك من قومك  ، ثمَّ أخذ في تجهيزه  ، فلمَّا صلَّى عليه كنّا نسمع من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تكبيراً شديداً  ، وكنت رأيت معه رجلين  ، فقال : أحدهما جعفر أخي  ، والآخر الخضر ( عليهما السلام )   ، ومع كل واحد منهما سبعون صفّاً من الملائكة  ، في كلّ صف ألف ألف ملك (3) .
  وجاء في رواية شاذان بن جبرئيل القمي عليه الرحمة في موت سلمان ( رضي الله عنه )

---------------------------
(1) الغدير  ، الشيخ الأميني : 5/14 / 15  ، مجالس المؤمنين : 212 .
(2) الأزرية  ، الشيخ الأزري : 79 ـ 80 .
(3) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب 2/131  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 22/372 ح  10 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 484 _

  قال : قال الأصبغ بن نباتة : فبينا نحن كذلك إذ أتى رجل على بغلة شهباء متلثِّماً  ، فسلَّم علينا فرددنا السلام عليه  ، فقال : يا أصبغ  ، جدّوا في أمر سلمان  ، فأخذنا في أمره  ، فأخذ معه حنوطاً وكفناً فقال : هلمّوا  ، فإن عندي ما ينوب عنه  ، فأتيناه بماء ومغسل  ، فلم يزل يغسِّله بيده حتى فرغ  ، وكفَّنه وصلّينا عليه ودفنّاه ولحدّه بيده  ، فلمَّا فرغ من دفنه وهمَّ بالانصراف تعلَّقنا به وقلنا له : من أنت ؟ فكشف لنا عن وجهه ( عليه السلام ) فسطع النور من ثناياه كالبرق الخاطف  ، فإذا هو أمير المؤمنين  ، فقلت له : يا أمير المؤمنين  ، كيف كان مجيئك ؟ ومن أعلمك بموت سلمان ؟
  قال : فالتفت ( عليه السلام ) إليَّ وقال : آخذ عليك يا أصبغ عهد الله وميثاقه أنك لا تحدِّث بها أحداً ما دمت في دار الدنيا  ، فقلت : يا أمير المؤمنين  ، أموت قبلك ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا يا أصبغ  ، بل يطول عمرك  ، قلت له : يا أمير المؤمنين  ، خذ عليَّ عهداً وميثاقاً ـ فإني لك سامع مطيع ـ أني لا أحدِّث به أحداً حتى يقضي الله من أمرك ما يقضي  ، وهو على كل شيء قدير .
  فقال : يا أصبغ  ، بذا عَهِد إليَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، إني قد صلّيت هذه الساعة بالكوفة  ، وقد خرجت أريد منزلي  ، فلمَّا وصلت إلى منزلي اضطجعت  ، فأتاني آت في منامي وقال : يا عليّ  ، إن سلمان قد قضى  ، فركبت بغلتي وأخذت معي ما يصلح للموتى  ، فجعلت أسير  ، فقرَّب الله لي البعيد  ، فجئت كما تراني  ، وبهذا أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ إنه دفنه وواراه فلم أدر أصعد إلى السماء أم في الأض نزل  ، فأتى المدينة والمنادي ينادي لصلاة المغرب  ، فحضر عليٌّ عندهم في المسجد (1) .
  يا أمير المؤمنين! يعزّ علينا ـ معشر المحبين ـ أن توافي سلمان من المدينة إلى المدائن  ، وتغسِّله بيدك وتحنِّطه وتكفِّنه وتدفنه  ، ويبقى ولدك الحسين طريحاً جريحاً  ، ملقىً على الرمضاء بلا غسل ولا كفن ثلاثة أيام. ولقائل أن يقول : إن لم

---------------------------
(1) الفضائل  ، شاذان بن جبرئيل القمي : 91 / 92 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 485 _

  يحضره أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد حضره ولده السجّاد زين العابدين ( عليه السلام )   ، لكن ما غسَّله  ، ولا كفَّنه  ، ولا حنَّطه  ، بل اكتفى بدلا عن ذلك ببارية حمل عليها جسد أبيه الحسين ( عليه السلام ) (1) ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
يَا   مَنْ  إِذَا  عُدَّت  مَنَاقِبُ  iiغيرِهِ          رجحت  مَنَاقِبُه  وكان  الأفضلا
إنّي  لأَعْذُرُ  حاسديك  عَلَى  iiالذي      أَوْلاَكَ   ربُّك  ذو  الجَلاَلِ  وفضَّلا
إنْ   يَحْسُدُوك  على  عُلاَك  iiفإنَّما       مُتَسَافِلُ  الدَّرَجَاتِ  يَحْسُدُ  مَنْ iiعَلا
إحياؤُك   الموتى   وَنُطْقُكَ  iiمُخْبِراً       بِالغائباتِ  عَذَرْتُ  فيك  لمن  iiغَلاَ
وَبَرَدِّكَ   الشَّمْسَ  المنيرةَ  بَعْدَ  iiمَا       أَفَلَتْ  وقد  شَهِدَتْ  بِرَجْعَتِها  iiالمَلاَ
وَنُفُوذُ  أَمْرِكَ  في الفُرَاتِ وَقَدْ iiطَمَا       مَدّاً    فأَصبحَ    مَاؤُه    iiمُسْتَسْفِلا
وبليلة    نَحْوَ    المدائنِ    iiقاصداً      فيها     لسلمان    بُعِثْتَ    iiمُغَسِّلا
وَقَضيَّةُ   الثُّعْبَانِ   حين  أتاكَ  في       إيضاحِ   كَشْفِ  قضيَّة  لن  iiتُعْقَلا
فَحَلَلْتَ    مُشْكِلَها    فَآبَ    iiلِعِلْمِهِ       فَرِحاً   وقد  فَصَّلْتَ  فيها  iiالُمجْمَلا
والليثُ  يومَ  أتاكَ حينَ دَعَوْتَ iiفي      عُسْرِ   الَمخَاضِ   لِعُرْسِه  iiفَتَسَهَّلا
وعلوتَ  من  فَوْقِ البِسَاطِ iiمُخَاطِباً      أَهْلَ    الرقيمِ   فخاطبوكَ   معجَّلا
أمُخَاطِبَ   الأذْيَابِ   في   iiفَلَوَاتِها      وَمُكلِّمَ  الأمواتِ  في  رَمْسِ  iiالبِلَى
يا ليتَ في الأحياءِ شَخْصَكَ حَاضِرٌ       وحسينُ  مطروحٌ  بعَرْصَةِ  iiكربلا
عُرْيَانُ   يكسوه   الصعيدُ  iiمَلاَبِساً      أفديه   مَسْلُوبَ   اللِّبَاسِ   iiمُسَرْبَل
مُتَوسِّداً    حَرَّ   الصُّخُورِ   iiمُعَفَّراً      بِدِمَائِهِ    تَرِبَ    الجبينِ   iiمُرَمَّلا
ظَمْآنَ  مَجْرُوحَ  الجَوَارِحِ  لم iiيَجِدْ          مما   سِوى  دَمِه  المبدَّدِ  iiمَنْهَلا
وَلِصَدْرِهِ   تَطَأُ   الخُيُولُ   iiوَطَالَما      بسريرِهِ    جبريلُ    كان   iiموكَّلا(2)

---------------------------
(1) شجرة طوبى  ، الحائري : 74 .
(2) الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/388 ـ 389 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 486 _


المجلس الخامس  : من اليوم الثالث عشر :

  خصائص الدفن عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
  قال الشيخ بن أبي الحسن الديلمي في كتاب إرشاد القلوب : روي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : الغريّ قطعة من الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى تكليماً  ، وقدَّس عليه عيسى تقديساً  ، واتّخذ عليه إبراهيم خليلا  ، ومحمداً ( صلى الله عليه وآله ) حبيباً  ، وجعله للنبيين مسكناً .
  وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نظر إلى ظهر الكوفة فقال : ما أحسن منظرك! وأطيب قعرك! اللهم اجعل قبري بها (1) .
  وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : بين قبره والكوفة دار السلام  ، محشر أرواح المؤمنين  ، وكأني بأناس منهم على منابر من نور يتنعَّمون إلى يوم القيامة (2) .
  وروى إبراهيم بن محمد الثقفي  ، عن عبدالله بن حازم قال : خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة وهو يتصيَّد  ، فصرنا إلى ناحية الغريّين والثوية  ، فرأينا ظباءاً  ، فأرسلنا عليها الصقور والكلاب  ، فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فوقفت عليها  ، فرجعت الصقور ناحية من الأكمة  ، ورجعت الكلاب  ، فتعجَّب الرشيد. ثم إن الظباء هبطت من الأكمة  ، فسقطت الصقور والكلاب  ، فرجعت الظباء إلى الأكمة  ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور  ، ففعلت ذلك ثلاثاً  ، فقال هارون : اركضوا  ، فمن لقيتموه فأتوني به  ، فأتيناه بشيخ من بني أسد  ، فقال له الرشيد : ما

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 97/232 .
(2) وفيات الأئمة ( عليهم السلام )  ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 75 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 487 _

  هذه الأكمة ؟ قال : إن جعلت لي الأمان أخبرتك  ، فأعطاه الأمان  ، قال : حدَّثني أبي عن آبائه أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) جعله الله حرماً  ، لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن (1) .
  وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
يا  برقُ  إن جئت الغري فقل iiله       أتراك  تعلم  من  بأرضِك  مودعَ
فيك   ابنُ  عمران  الكليم  iiوبعده       عيسى    يقفيه    وأحمد    iiيتبعُ
بل   فيك  نورُ  الله  جلَّ  iiجلاله      لذوي  البصائر  يستشفُ  iiويلمعُ
فيك الإمام المرتضى فيك الوصي       المجتبى   فيك   البطينُ  iiالأنزعُ
هذا  ضميرُ  العالمِ  الموجودِ iiمن       عدم   وسرُ   وجودهِ   iiالمستودَعُ
هذي   الإمامة  لا  يقومُ  iiبحملِها       خلقاء   هابطة   وأطلس   iiأرفعُ
تأبى  الجبال  الشم  عن  iiتقليدها       وتضجُ    تيهاء   وتشفق   iiبرقعُ
هذا   هو   النورُ   الذي  iiعذباتهُ       كانت     بغرةِ     آدم    iiتتطلعُ
ما   العالَمُ   العلوي   إلاّ   iiتربةُ       كانت   لجثتهِ   الشريفةِ  iiموضعُ (2)
  قال الديلمي عليه الرحمة : ومن خواصّ تربته ( عليه السلام ) إسقاط عذاب القبر  ، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك  ، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) (3) .
  قال الشيخ محمد حسن الجواهري عليه الرحمة بعدما نقل الخبر المذكور آنفاً : وفي بالي أني سمعت من بعض مشايخي ناقلا له عن المقداد أنه قال : قد تواترت الأخبار أن الدفن في سائر مشاهد الأئمة ( عليهم السلام ) مسقط لسؤال منكر

---------------------------
(1) الغارات  ، إبراهيم بن محمد الثقفي : 2/862 .
(2) الهاشميات والعلويات  ، قصائد الكميت وابن أبي الحديد : 136 / 139  ، وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) من علماء البحرين والقطيف : 78 .
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 97/232  ، مدينة المعاجز  ، السيد هاشم البحراني : 3/133 ح 792 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 488 _

  ونكير (1) .
  وروى الشيخ الكليني عليه الرحمة عن حبَّة العرني قال : خرجت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الظهر ـ أي ظهر الكوفة ـ فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام  ، فقمت بقيامه حتى أعييت  ، ثمَّ جلست حتى مللت  ، ثمَّ قمت حتى نالني مثل ما نالني أولا  ، ثمَّ جلست حتى مللت  ، ثمَّ قمت وجمعت ردائي  ، فقلت : يا أمير المؤمنين  ، إني أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة .
  ثمَّ طرحت الرداء ليجلس عليه  ، فقال لي : يا حبّة  ، إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته  ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين  ، وإنهم لكذلك ؟ قال : نعم  ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون  ، فقلت : أجسام أم أرواح ؟ فقال : أرواح  ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلاَّ قيل لروحه : الحقي بوادي السلام  ، وإنها لبقعة من جنة عدن .
  وعن أحمد بن عمر رفعه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : إن أخي ببغداد  ، وأخاف أن يموت بها  ، فقال : ما تبالي حيثما مات  ، أما إنّه لا يبقى مؤمن شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام  ، قلت له : وأين وادي السلام ؟ قال : ظهر الكوفة  ، أما إنّي كأني بهم حلق حلق قعود يتحدَّثون (2) .
  قال البرسي عليه الرحمة : روى الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يجلس للناس في نجف الكوفة  ، فقال يوماً لمن حوله : من يرى ما أرى ؟ فقالوا : وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده ؟ فقال : أرى بعيراً يحمل جنازة  ، ورجلا يسوقه  ، ورجلا يقوده  ، وسيأتيكم بعد ثلاث  ، فلمّا كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه والرجلان معه  ، فسلَّم على الجماعة  ، فقال لهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد

---------------------------
(1) جواهر الكلام  ، الجواهري : 4 / 346 .
(2) الكافي  ، الكليني : 3 / 243 ح 1 و 2 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 489 _

  أن حيَّاهم : من أنتم  ؟ من أنتم ؟ ومن أين أقبلتم ؟ ومن هذه الجنازة ؟ ولماذا قدمتم ؟ فقالوا : نحن من اليمن  ، وأمَّا الميِّت فأبونا  ، وإنه عند الموت أوصى إلينا فقال : إذا غسَّلتموني وكفَّنتموني وصلَّيتم عليَّ فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق  ، وادفنوني هناك بنجف أهل الكوفة .
  فقال لهما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : هل سألتماه لماذا ؟ فقالا : أجل قد سألناه  ، فقال : يُدفن هناك رجل لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف لشفِّع فقام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : صدق  ، أنا والله ذلك الرجل  ، أنا والله ذلك الرجل (1) .
  وروي عن القاضي بن بدر الهمداني الكوفي ـ وكان رجلا صالحاً ـ قال : كنت في جامع الكوفة ذات ليلة  ، وكانت ليلة مطيرة  ، فدقَّ باب مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) جماعة ففتح لهم  ، وذكر بعضهم أن معهم جنازة  ، فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه مسلم بن عقيل ( عليه السلام )   ، ثمَّ إن أحدهم نعس فرأى في منامه قائلا يقول لآخر : ما تبصره حتى نبصر هل لنا معه حساب ؟ وينبغي أن نأخذه منه عجلا قبل أن يتعدَّى الرصافة فما يبقى لنا معه طريق  ، فانتبه وحكى لهم المنام  ، فقال : خذوه عجلا  ، فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف .
  وروى جماعةٌ من صلحاء المشهد الشريف الغروي أنه رأى كل واحد من القبور التي في المشهد الشريف وظاهره قد خرج منه حبل ممتدّ متّصل بالقبّة الشريفة صلوات الله على مشرِّفها (2) ولله درّ من قال من الشعراء :
إذا   مِتُّ  فادفنّي  مُجَاوِرَ  حَيْدَر       أبي   شُبَّر   أَكْرِمْ   به   iiوشبيرِ
فَتَىً لاَ يَخَافُ النَّارَ مَنْ كان جَارَهُ       وَلاَ   يختشي  من  مُنْكَر  iiونكيرِ
جِوَارَ    عليًّ    فادفنوني   iiفإنَّه       أميري  وَمِنْ حَرِّ الجحيم مُجيري

---------------------------
(1) مدينة المعاجز  ، السيّد هاشم البحراني : 3/134 / 135 ح 793  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 97/68 ح 5 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 87/232 / 233 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 490 _

أَأَظْمَأُ   وهو   العَذْبُ   في  كُلِّ  مَوْرِد       وَأُظْلَمُ    بينَ   الناسِ   وهو   iiخَفِيري
فَعَارٌ على حامي الحِمَى وهو في الحمى      إذَا   ضَلَّ   في   البيدا   عِقَالُ   iiبَعِيرِ (1)

---------------------------
(1) وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) : 75 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 491 _


القسم الثاني : المجالس العامة لعشرة محرم :

  وتقرأ أيضاً في طيلة أيام السنة وهي تحتوي على عدة مجالس في مصائب الإمام الحسين وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
المجلس الأوّل :

   إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) بشهادة الحسن ( عليه السلام )بالسم والحسين ( عليه السلام ) بالقتل وعزاؤه لها جاء في زيارة الناحية المروية عن الإمام الحجة ( عليه السلام ) قال : لقد قتلوا بقتلك الإسلام  ، وعطلوا الصلاة والصيام  ، ونقضوا السنن والأحكام  ، وهدموا قواعد الإيمان  ، وحرفوا آيات القرآن  ، وهملجوا في البغي والعدوان. لقد أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) موتورا  ، وعاد كتاب الله عزّ وجلَّ مهجورا  ، وغودر الحق إذ قُهرت مقهورا  ، وفُقد بفقدك التكبير والتهليل  ، .. إلى أن قال : وفُجعت بك أمك الزهراء  ، واختلفت جنود الملائكة المقربين  ، تعزي أباك أمير المؤمنين  ، وأُقيمت لك المآتم في أعلا عليين  ، ولطمت عليك الحور العين  ، وبكت السماء وسُكانها  ، والجنان وخزانها  ، والهضاب وأقطارها  ، والأرض وأقطارها  ،

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 492 _

  والبحار وحيتانها  ، ومكة وبنيانها  ، والجنان وولدانها  ، والبيت والمقام  ، والمشعر الحرام  ، والحل والإحرام (1) .
  روى محمد بن جرير الطبري بالإسناد عن موسى بن جعفر  ، عن أبيه  ، عن جده ( عليهم السلام ) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري  ، وساق الحديث في خبر تزويج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وليلة الزفاف إلى أن قال : قال علي ( عليه السلام ) : فبت بليلة لم يبت أحد من العرب بمثلها  ، فلما أن كان في آخر السَحَر أحسست برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) معنا فذهبت لأنهض  ، فقال لي : مكانك يا علي أتيتك في فراشك رحمك الله. فأدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) رجليه معنا في الدثار  ، ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة ( عليها السلام )   ، فاستيقظت فاطمة  ، فبكى وبكت  ، وبكيت لبكائهما  ، فقال لي : ما يبكيك يا علي ، فقلت : فداك أبي وأمي  ، بكيت وبكت فاطمة  ، فبكيت لبكائكما ؟
  قال : نعم أتاني جبرئيل ( عليه السلام )   ، فبشرني بفرخين كريمين يكونان لك  ، ثم عزيت بأحدهما وعرفت أنه يقتل غريباً عطشانا  ، فبكت فاطمة حتى علا بكاؤها. ثم قالت : يا أبت لِمَ يقتلوه وأنت جده  ، وعلي أبوه  ، وأنا أمه ؟! قال : يا بنية  ، طلب المُلك  ، أما إنه ليعلن عليهم سيف لا يُغمد إلا على يدي المهدي من ولدك  ، يا علي  ، من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني  ، ومن أحبني فقد أحبه الله  ، ومن أبغضك وأبغض ذريتك لقد أبغضني  ، ومن أبغضني فقد أبغضه الله وأدخله النار (2) .
  وروى الصدوق عليه الرحمة بالإسناد عن ابن عباس ـ وساق الحديث في ولادة الحسين ( عليه السلام ) إلى أن قال : فهبط جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهنأه كما أمره الله عز وجل وعزاه  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : تقتله أمتي ؟ قال : نعم  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما هؤلاء بأمتي  ، أنا بريء منهم  ، والله بريء منهم قال جبرئيل : وأنا بريء منهم يا محمد .

---------------------------
(1) المزار  ، المشهدي : 505 / 506 .
(2) نوادر المعجزات  ، محمد بن جرير الطبري : 95 / 96 ح 14  ، دلائل الإمامة  ، محمد بن جرير : 102 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 493 _

  فدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة وهنأها وعزاها  ، فبكت فاطمة ( عليها السلام ) وقالت : يا ليتني لم ألده قاتل الحسين في النار  ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا أشهد بذلك يا فاطمة  ، ولكنه لا يُقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده . . .قال : فسكنت فاطمة من البكاء (1) .
  وروى أبو العرب محمّد بن أحمد التميمي : بإسناده عن الهيثم البكاء قال : نزل جبرئيل على النبيّ ( صلى الله عليه وآله )   ، وفاطمة في الحجرة  ، أو قال : خرجت فاطمة إلى الحجرة ومعها حسين يومئذ إلى النبيّ ( صلى الله عليه وآله )   ، وكان يشق عليه بكاؤه  ، فسرحته فحبا  ، أو مشى  ، حتى بلغ باب البيت  ، فخشيت أن يدخل عليهما فاستدنت فأخذته فسكت  ، فرجعت به إلى مكانها  ، فبكى فسرحته  ، فسكت حتى بلغ الباب فاستدنت حتى أخذته  ، فسكت فرجعت به إلى مكانها  ، فبكى فسرحته حتى بلغ الباب فاستدنت فأخذته  ، ففعلت ذلك مراراً  ، فدخل فأخذه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فجعله في حجره فقال له جبرئيل : أتحب ابنك يا محمّد ؟ قال : نعم  ، أما إن اُمَّتك ستقتله  ، ثم مال بجناحيه إلى أرض كربلاء  ، فقال : بأرض هذه تربتها .
  ثم صعد جبرئيل وخرج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) من البيت وهو حامل حُسيناً على عنقه  ، وبيده القبضة وهو يبكي  ، فقالت فاطمة : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال : ابني تقتله اُمتي بأرض هذه تربتها  ، أخبرني به جبرئيل (2) .
  وروى محمد بن سليمان الكوفي : بالإسناد عن أنس بن مالك في حديث له في خبر رؤيا فاطمة ( عليها السلام ) في المنام أن الحسن والحسين ماتا فأخبرت بذلك فاطمة أباها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : التفت النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى فاطمة ( عليها السلام ) فقال : أجزعت إذ رأيت موتهما ؟ فكيف لو رأيت الأكبر مسقيا بالسم  ، والأصغر ملطخا بدمه في قاع

---------------------------
(1) كمال الدين وإتمام النعمة  ، الصدوق : 1/283 / 284 ح 36  ، بحار الأنوار : 43/249 ـ 250  ، ح  24 .
(2) كتاب المحن  ، التميمي : 152 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 494 _

  من الأرض يتناوبه السباع ؟ !
  قال : فبكت فاطمة وبكى علي وبكى الحسن والحسين فقالت فاطمة صلوات الله عليها : يا أبتا أكفار يفعلون ذلك أم منافقون ؟ قال : بل منافقوا هذه الأمة  ، ويزعمون أنهم مؤمنون ! ! ! قالت : يا أبتا فلا ندعو الله عليهم ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : بلى .
  فقام في القبلة وقام علي والحسن والحسين وقامت فاطمة خلفهم ثم قنت بهم وقال في دعائه : اللهم اخذل الفراعنة والقاسطين والمارقين والناكثين  ، ثم اجمعهم جميعا في عذابك الأليم  ، ثم أنزل الله : « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى » (1) (2) .
  وفي جاء الخبر الذي رواه سعد بن عبدالله عن القائم ( عليه السلام ) أن زكريا قال : وإذا ذكرت الحسين ( عليه السلام ) تدمع عيني وتثور زفرتي  ، فأخبره الله تعالى بقصة الحسين ( عليه السلام ) ومصيبته فلما علم بذلك ( لم يفارق مسجده ثلاثة أيام  ، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه  ، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ) (3) .
  ويقول الشيخ عبد الحسين الأعسم رحمه الله تعالى في مصيبة الحسين ( عليه السلام ) :
مصابٌ  له  السبعُ  السماواتِ  iiأسبلتْ       دموعَ    دم   والجنُّ   بالنّوحِ   iiتهتفُ
وهل كيفَ لا يشجي السماواتِ قَتْلُ مَن       بخدمتهِ         أملاكُها        iiتتشرَّفُ
وقطَّعَ     أحشائي    انقطاعُ    iiكرائم       لأحمدَ   يستعطِفْنَ   مَن  ليسَ  iiيعطِفُ

---------------------------
(1) سورة الضحى  ، الآية : 5 .
(2) مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، الكوفي : 2/278 ـ 280 ح 746 .
(3) الإحتجاج  ، الطبرسي : 2/272 / 273  ، كمال الدين وتمام النعمة  ، الصدوق : 461 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 495 _

وجفَّتْ  منَ العينِ الدموعُ وإن iiبكتْ       فما  هي  إلاَّ  من  دَمِ القَلْبِ iiتَرْعُفُ
برغم   العلى   تُسبى  بنات  iiمُحمّد       على  هُزّل  يحدو  بها  البيدَ مُعنِفُ
بنفسي  من استجلى لهُ الرمحُ iiطلعةً       كبدرِ  الدجى بل تلكَ أبهى iiوأشرفُ
أحاملَ ذاكَ الرأسِ قُل لي برأسِ مَن       تَمَايلَ    هذا    السَمْهَريّ   iiالمُثقَّفُ

المجلس الثاني :

  إحياء أمر أهل البيت ( عليهم السلام ) وإقامة العزاءعليهم والبكاء على الحسين ( عليه السلام ) :
  جاء وجاء في بعض زيارات الأئمة ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ  ، فلو عاينكم المصطفى  ، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم  ، ورماحهم مشرعة في نحوركم  ، وسيوفها مولغة في دمائكم  ، يشفي أبناء العواهر غليلَ الفُسقِ من ورعكم  ، وغيظ الكفر من إيمانكم  ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته  ، وشهيد فوق الجنازة قد شكَّت بالسهام أكفانه  ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمّ أمعاؤه  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم .
  وقال بعض الشعراء يرثي الحسين ( عليه السلام ) :
لَقَدْ  هَدَّ  جِسْمي رُزْءُ آلِ iiمحمَّد       وتلك  الرزايا والخُطُوبُ iiعِظَامُ
وأبكت جُفُوني بالفُرَاتِ مَصَارِعٌ       لآلِ  النبيِّ  المصطفى  iiوَعِظَامُ
عِظَامٌ   بأَكْنَافِ  الفُرَاتِ  iiزكيَّةٌ      لَهُنَّ    علينا    حُرْمَةٌ    iiوَذِمَامُ
فكم    حُرَّة    مسبيَّة   iiفاطميَّة      وكم  من  كريم  قد  عَلاَه حُسَامُ

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 496 _

لآلِ  رسولِ  اللهِ  صلَّت عليهِمُ      ملائكةٌ   بِيْضُ   الوُجُوهِ  كِرَامُ
أَفَاطِمُ  أشجاني بنوكِ ذوو العُلاَ      فَشِبْتُ   وَإِنّي   صَادِقٌ   لَغُلاَمُ
وأصبحتُ لا ألتذُّ طِيْبَ iiمَعِيشَة      كأنَّ   عليَّ   الطَّيِّبَاتِ   iiحَرَامُ
يقولونَ لي صبراً جميلا وسِلْوةً       ومالي إلى الصَّبْرِ الجميلِ مَرَامُ
فكيف اصطباري بَعْدَ آلِ iiمحمَّد       وفي  القلبِ  منهم لَوْعَةٌ iiوَسِقَامُ(1)
  روي عن ابن عمارة  ، عن أبيه  ، عن الصادق  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله تعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فضائل لا يحصي عددها غيره  ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين  ، ومن كتب فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم  ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع  ، ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر  ، ثمَّ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : النظر إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عبادة  ، وذكره عبادة  ، ولا يُقبل إيمان عبد إلاَّ بولايته والبراءة من أعدائه (2) .
  وروى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لو أن الرياض أقلام  ، والبحر مداد  ، والجنّ حُسَّاب  ، والإنس كُتَّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (3) .
  وفي الأمالي للشيخ الصدوق عليه الرحمة : روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جاءه رجل فقال : يا رسول الله  ، أما رأيت فلاناً ركب البحر ببضاعة يسيرة  ، وخرج إلى

---------------------------
(1) تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 14/260 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 38/196 .
(3) المناقب  ، الخوارزمي : 32 ح 1 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 497 _

  الصين فأسرع الكرَّة  ، وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل ودّه  ، وأوسع قراباته وجيرانه ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن مال الدنيا كلّما ازداد كثرة وعظماً ازداد صاحبه بلاء  ، فلا تغتبطوا أصحاب الأموال إلاَّ بمن جاد بماله في سبيل الله  ، ولكن ألا أخبركم بمن هو أقلّ من صاحبكم بضاعة  ، وأسرع منه كرّة  ، وأعظم منه غنيمة  ، وما أعدَّ له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمان ؟ قالوا : بلى يا رسول الله  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : انظروا إلى هذا المقبل إليكم  ، فنظرنا فإذا رجل من الأنصار رثّ الهيئة  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلوّ من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والأرض لكان نصيب أقلّهم منهم غفران ذنوبه ووجوب الجنة له  ، قالوا : بماذا يا رسول الله ؟ فقال : سلوه يخبركم عمَّا صنع في هذا اليوم .
  فأقبل عليه أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا له : هنيئاً لك ما بشَّرك به رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فماذا صنعت في يومك هذا حتى كُتب لك ما كُتب ؟ فقال الرجل : ما أعلم أني صنعت شيئاً غير أني خرجت من بيتي  ، وأردت حاجة كنت أبطأت عنها  ، فخشيت أن تكون فاتتني  ، فقلت في نفسي : لأعتاضنَّ منها بالنظر إلى وجه علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، فقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : النظر إلى وجه عليٍّ عبادة  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إي والله  ، عبادة وأيُّ عبادة  ، إنك ـ يا عبدالله ـ ذهبت تبتغي أن تكتسب ديناراً لقوت عيالك ففاتك ذلك  ، فاعتضت منه بالنظر إلى وجه عليٍّ  ، وأنت له محبّ  ، ولفضله معتقد  ، وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلّها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله  ، ولتشفعن بعدد كل نفس تنفَّسته في مصيرك إليه في ألف رقبة  ، يعتقهم الله من النار بشفاعتك (1) .
  وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

---------------------------
(1) الأمالي  ، الصدوق : 444  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 38/199 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 498 _

  يقول : ما قوم اجتمعوا يذكرون فضل علي بن أبي طالب إلاَّ هبطت عليهم ملائكة السماء حتى تحفَّ بهم  ، فإذا تفرَّقوا عرجت الملائكة إلى السماء  ، فيقول لهم الملائكة : إنا نشمُّ من رائحتكم ما لا نشمُّه من الملائكة  ، فلم نر رائحة أطيب منها  ، فيقولون : كنّا عند قوم يذكرون محمداً وأهل بيته  ، فعلق فينا من ريحهم فتعطَّرنا  ، فيقولون : اهبطوا بنا إليهم  ، فيقولون : تفرَّقوا ومضى كل واحد منهم إلى منزله  ، فيقولون : اهبطوا بنا حتى نتعطَّر بذلك المكان .
  وعن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : زيِّنوا مجالسكم بذكر علي ابن أبي طالب  ، ومن مناقب ابن المغازلي عن عائشة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ذكر عليٍّ عبادة (1) .
  وروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا  ، واختار لنا شيعة ينصروننا  ، ويفرحون لفرحنا  ، ويحزنون لحزننا  ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا  ، أولئك منّا وإلينا (2) .
  وفي الكافي عن عبّاد بن كثير  ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : إني مررت بقاصّ يقصُّ وهو يقول : هذا المجلس الذي لا يشقى به جليس  ، قال : فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : هيهات هيهات  ، أخطأت أستاههم الحفرة  ، إن لله ملائكة سيَّاحين سوى الكرام الكاتبين  ، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمداً وآل محمد ( عليهم السلام ) فقالوا : قفوا فقد أصبتم حاجتكم  ، فيجلسون فيتفقَّهون معهم  ، فإذا قاموا عادوا مرضاهم  ، وشهدوا جنائزهم  ، وتعاهدوا غائبهم  ، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس .
  وعن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : شيعتنا الرحماء بينهم  ، الذين إذا خلوا ذكروا الله  ، إنّا إذا ذُكرنا ذُكر الله  ، وإذا ذُكر عدوُّنا ذُكر

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 38/199 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/287 ح 26 عن الخصال .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 499 _

  الشيطان .
  وعن يزيد بن عبد الملك  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : تزاوروا فإن في زيارتكم إحياءً لقلوبكم  ، وذكراً لأحاديثنا  ، وأحاديثنا تعطِّف بعضكم على بعض  ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم  ، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم  ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم .
  وعن المستورد النخعي  ، عمّن رواه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن من الملائكة الذين في السماء ليطّلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، قال : فتقول : أما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم وكثرة عدوِّهم يصفون فضل آل محمد ؟ قال : فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء  ، والله ذو الفضل العظيم .
  وعن ميسر  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال لي : أتخلون وتتحدَّثون وتقولون ما شئتم ؟ فقلت : إي والله  ، إنّا لنخلو ونتحدَّث ونقول ما شئنا  ، فقال : أما والله لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن  ، أما والله إني لأحبُّ ريحكم وأرواحكم  ، وإنكم على دين الله ودين ملائكته  ، فأعينوا بورع واجتهاد. وعن أبي المغرا قال : سمعت أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول : ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض  ، وقال : وإن المؤمنيَنِ يلتقيان فيذكران الله  ، ثمَّ يذكران فضلنا أهل البيت  ، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلاّ تخدَّد  ، حتى إن روحه لتستغيث من شدّة ما تجد من الألم  ، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان فيلعنونه  ، حتى لا يبقى ملك مقرَّب إلاَّ لعنه  ، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً (1) .
  وعن علي بن الحسن بن فضال  ، عن أبيه قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : من تذكَّر

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 71/258 ـ 263 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 500 _

  مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون  ، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .
  وعن بكر بن محمد  ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : سمعته يقول لخيثمة : يا خيثمة  ، أقرأ موالينا السلام  ، وأوصهم بتقوى الله العظيم عزَّ وجلَّ  ، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم  ، وأن يتلاقوا في بيوتهم  ، فإن لقياهم حياة أمرنا  ، قال : ثمَّ رفع يده ( عليه السلام ) فقال : رحم الله امرءاً أحيى أمرنا .
  وعن المفيد  ، عن جميل بن درّاج  ، عن معتب مولى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول لداود بن سرحان : يا داود  ، أبلغ مواليَّ عنّي السلام  ، وأني أقول : رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكر أمرنا  ، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما  ، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلاَّ باهى الله تعالى بهما الملائكة  ، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر  ، فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا  ، وخير الناس مِنْ بعدنا مَنْ ذَاكرَ بأمرنا ودعا إلى ذكرنا .
  وروي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : تلاقوا وتحادثوا العلم  ، فإن بالحديث تجلى القلوب الرائنة  ، وبالحديث إحياءُ أمرنا  ، فرحم الله من أحيى أمرنا (1) .
  وعن الهروي قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) يقول : رحم الله عبداً أحيى أمرنا  ، فقلت له : وكيف يحيي أمركم ؟ قال : يتعلَّم علومنا ويعلِّمها الناس  ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا  ، قال : قلت : يا ابن رسول الله  ، فقد روي لنا عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : من تعلَّم علماً ليماري به السفهاء  ، أو يباهي به العلماء  ، أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار .
  فقال ( عليه السلام ) : صدق جدّي ( عليه السلام )   ، أفتدري من السفهاء ؟ فقلت : لا يا ابن رسول الله  ، قال : هم قصّاص مخالفينا  ، وتدري من العلماء ؟ فقلت : لا يا ابن رسول الله  ،

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 1/200 ـ 202 .