واما الحرية الفكرية فهي تعني في الحضارة الغربية : السماح لأي فرد ان يفكر ويعلن افكاره ويدعو اليها كما يشاء ، على ان لا يمس فكرة الحرية والأسس التي ترتكز عليها بالذات ولهذا تسعى المجتمعات الديمقراطية الى مناوأة الأفكار الفاشستية والتحديد من حريتها او القضاء عليها بالذات ، لان هذه الافكار تحارب نفس الافكار الأساسية والقاعدة الفكرية ، التي تقوم عليها فكرة الحرية والاسس الديمقراطية.
   والإسلام يختلف عن الديمقراطية الرأسمالية في هذا الموقف نتيجة لاختلافه عنها في طبيعة القاعدة الفكرية التي يتبناها وهي : التوحيد وربط الكون برب واحد .
   فهو يسمح للفكر الإنساني ان ينطلق ويعلن عن نفسه ، ما لم يتمرد على قاعدته الفكرية التي هي الاساس الحقيقي لتوفير الحرية للإنسان في نظر الإسلام ، ومنحه شخصيته الحرة الكريمة التي لا تذوب امام الشهوات ، ولا تركع بين يدي الاصنام.
   فكل من الحضارة الغربية والإسلام يسمح بالحرية الفكرية بالدرجة التي لا ينجم عنها خطر على القاعدة الاساسية ، وبالتالي على الحرية نفسها .
   ومن المعطيات الثورية للحرية الفكرية في الإسلام : الحرب التي شنها على التقليد وجمود الفكر ، والاستسلام العقلي للاساطير أو لآراء الآخرين ، دون وعي وتمحيص .
   والهدف الذي يرمي اليه الإسلام من ذلك : تكوين العقل الاستدلالي او البرهاني

المدرسة الاسلامية   ـ 127 ـ

   عند الإنسان ، فلا يكفي لتكوين التفكير الحر لدى الإنسان ان يقال له :
   فكر كما يحلوا لك ، كما صنعت الحضارة الغربية لان هذا التوسع في الحرية سوف يكون على حسابها ، ويؤدي في كثير من الاحايين الى ألوان من العبودية الفكرية تتمثل في التقليد والتعصب وتقديس الخرافات ، بل لا بد في رأي الإسلام لانشاء الفكر الحر أن ينشئ في الإنسان العقل الاستدلالي او البرهاني الذي لا يتقبل فكرة دون تمحيص ولا يؤمن بعقيدة ما لم تحصل على برهان ليكون هذا العقل الواعي ضماناً للحرية الفكرية وعاصماً للإنسان من التفريط بها ، بدافع من تقليد او تعصب أو خرافة .
   وفي الواقع ان هذا جزء من معركة الإسلام لتحرير المحتوى الداخلي للإنسان فهو كما حرر الارادة الإنسانية من عبودية الشهوات كما عرفنا سابقاً ، كذلك حرر الوعي الإنساني من عبودية التقليد والتعصب والخرافة .
   وبهذا وذاك فقط اصبح الإنسان حراً في تفكيره وحراً في إرادته.
   « فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ » [ الزمر : 17 ـ 18 ]، « وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » [ النحل : 44 ]، « وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ » [ البقرة : 170 ]، « تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ

المدرسة الاسلامية   ـ 128 ـ

   قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ » [ البقرة : 111 ].

الضمان في الإسلام والماركسية
   يختلف الضمان في الإسلام عن الضمان الاشتراكي القائم على الاسس الماركسية في ملامح عديدة ، مردها الى اختلاف الضمانين في الاسس والاطارات والاهداف .
   ولا يمكننا في هذا المجال إلا استعراض بعض جوانب الاختلاف اكتفاءاً بدراستنا الموسعة لذلك في كتاب « اقتصادنا ».
  1 ـ الضمان الاجتماعي في الإسلام : حق من حقوق الإنسان التي فرضها الله تعالى ، وهو بوصفه حقاً انسانياً لا يتفاوت باختلاف الظروف والمستويات المدنية.
   واما الضمان لدى الماركسية فهو حق الآلة ، وليس حقاً انسانياً ، فالآلة : ( وسائل الانتاج ) متى وصلت الى درجة معينة ، يصبح الضمان الاشتراكي شرطاً ضرورياً في نموها واطراد انتاجها ، فما لم تبلغ وسائل الانتاج هذه المرحلة ، لا معنى لفكرة الضمان.
   ولأجل ذلك تعتبر الماركسية الضمان خاصاً بمجتمعات معينة في دورة محددة من التاريخ.
  2 ـ مفهوم الإسلام عن تطبيق الضمان الاجتماعي : انه نتيجة للتعاطف الأخوي الذي يسود أفراد المجتمع الاسلامي .
   فالاخوة الإسلامية هي الاطار الذي تؤدى فريضة الضمان ضمنه ، وقد جاء في

المدرسة الاسلامية   ـ 129 ـ

   الحديث : « المسلم أخ المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحرمه » فيحق على المسلمين الإجتهاد والتواصل والتعاون والمواساة لأهل الحاجة.
   واما الماركسية فهي : ترى ان ايجاد الضمان الاشتراكي ليس إلا ثمرة لصراع هائل مرير ، يجب إيقاده وتعميقه ، حتى اذا قامت المعركة الطبقية وأفنيت إحدى الطبقتين وتم الإنتصار للطبقة الاخرى ... ساد الضمان الإشتراكي المجتمع. فالضمان عند الماركسية ليس تعبيراً عن وحدة مرصوصة واخوة شاملة ، وإنما يرتكز على تناقض مستقطب وصراع مدمر .
  3 ـ ان الضمان في الإسلام ـ بوصفه حقاً إنسانياً ـ لا يختص بفئة دون فئة ، فهو يشمل حتى أولئك الذين يعجزون عن المساهمة في الانتاج العام بشيء ، فهم مكفولون في المجتمع الإسلامي ويجب على الدولة توفير وسائل الحياة لهم .
   واما الضمان الماركسي فهو يستمد وجوده من الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية ، الذي يكلل بظفر الطبقة العاملة وتضامنها واشتراكها في تلك الثورة.
   لأجل ذلك لا يوجد مبرر ماركسي لضمان حياة اولئك العاجزين الذين يعيشون بعيدين عن الصراع الطبقي ، ولا يساهمون في الإنتاج العام لأنهم لم يشتركوا في المعركة لعدم انتمائهم الى الطبقة العاملة ولا

المدرسة الاسلامية   ـ 130 ـ

   الى الطبقة الرأسمالية ، فليس لهم حق في مكاسب المعركة وغنائمها.
  4 ـ ان الضمان في الماركسية من وظيفة الدولة وحدها ، واما في الإسلام فهو من وظيفة الافراد والدولة معاً ، وبذلك وضع الإسلام المبدأين : أحدهما : مبدأ التكافل العام ، والآخر : مبدأ الضمان الاجتماعي.
   فمبدأ التكافل يعني : أن كل فرد مسلم مسؤول عن ضمان معيشة الآخرين وحياتهم في حدود معينة ، وفقاً لقدرته ، وهذا المبدأ يجب على المسلمين تطبيقه حتى في الحالات التي يفقدون فيها الدولة التي تطبق أحكام الشرع.
   فقد جاء في الحديث : « أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج اليه ، وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره ... أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه مزرقة عيناه ، مغلولة يداه الى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثمّ يؤمر به الى النار » .
   ومبدأ الضمان الاجتماعي يقرر مسؤولية الدولة في هذا المجال ، ويحتم عليها ضمان مستوى من العيش المرفه الكريم للجميع ، من موارد ملكية الدولة والملكية العامة وموارد الميزانية (1) .

**************************************************************
(1) لاجل التفصيل راجع اقتصادنا ( المشكلة الاقتصادية في نظر الإسلام وحلولها ) ص : 328.

المدرسة الاسلامية   ـ 131 ـ

   وقد جاء في الحديث لاستعراض هذا المبدأ : « إنّ الوالي يأخذ المال فيوجهه الوجه الذي وجهه الله له على ثمانية أسهم : للفقراء ، والمساكين ، والعاملين عليها ، والمؤلفة ، وفي الرقاب والغارمين ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل.
   ثمانية اسهم يقسمها بينهم بقدر ما يستغنون في سنتهم ، بلا ضيق ولا تقية ، فان فضل من ذلك شيء رد الى الوالي ، وان نقص من ذلك شيء ولم يكتفوا به ، كان على الوالي ان يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنون » .
  النجف الاشرف
  محمد باقر الصدر

المدرسة الاسلامية   ـ 136 ـ

ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي
بسِم اللّهِ الرحمَنِ الرّحيم

   منذ مدة ، وأنا أواجه طلباً متزيداً على المدرسة الإسلامية والحاحاً من القراء الاعزاء على اصدار حلقات جديدة منها .
   وكنت أتماهل في تلبية هذا الطلب ، رغبة في انجاز الكتاب الثاني من اقتصادنا ، والتوفر على اكماله ، وكان صدور هذا الكتاب سبباً جديداً لازدياد الطلب على اصدار حلقات صغيرة تتناول بحوثه بالتوضيح والتبسيط بقدر الإمكان ، لكي تكون متيسرة ومفهومة لعدد أكبر.
   وعلى هذا الاساس كتبت هذه الحلقة ، متوخياً فيها التبسيط ومتجنباً ذلك المستوى الذي التزمته من الدقة والتعمق في بحوث اقتصادنا. فقد آثرت في عدة مواضع توضيح الفكرة ، على اعطائها صيغتها الدقيقة التي حصلت عليه في كتبنا الموسعة.
   وسوف أحاول هنا ، وأنا أعرّف هذه الحلقة للقراء ، ان ألخص لهم أفكارها ، وأفهرس بحوثها ، ليساعدهم ذلك على فهمها ومتابعة فصولها .

المدرسة الاسلامية   ـ 138 ـ

   ان هذه الحلقة تشتمل على اثارة سؤال واحد ومحاولة الاجابة عليه .
   والسؤال هو : هل يوجد في الإسلام مذهب اقتصادي ؟
   ونجيب في هذه الحلقة ، على هذا السؤال بالإيجاب ، نعم يوجد في الإسلام مذهب اقتصادي.
   ونسير من السؤال الى الجواب ، بتدرج ، فبعد أن نطرح السؤال نشغل بايضاحه ، وتوضيح ما يتصل به ، ثمّ ندرس الجواب ، في ضوء مفهومنا عن الإسلام ، وندعم الجواب بالشواهد ونناقش ما يثار عادة من اعتراضات.
   توضيح السؤال :
   نقصد بالمذهب الإقتصادي ، ايجاد طريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية ، وفقاً للعدالة .
   فنحن حين نتساءل عن المذهب الإقتصادي في الإسلام ، نريد ان نعرف هل جاء الإسلام بطريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية ، كما جاءت الرأسمالية مثلاً ، بمبدأ الحرية الإقتصادية ، واتخذت منه طريقتها العامة ، في تنظيم الحياة الإقتصادية.
   حاجتنا الى هذا السؤال :
   وحاجتنا الى هذا السؤال ، نابعة من اسباب عديدة ، قد يكون من أهمها سلبية الإسلام تجاه الرأسمالية والماركسية ـ

المدرسة الاسلامية   ـ 139 ـ

   النظامين الحاكمين في العالم اليوم ـ ، فان رفض الإسلام لهما يجعل الإنسان المسلم ينتظر من الإسلام الاتيان بطريقة أخرى في تنظيم الحياة الاقتصادية ، لان المجتمع الإسلامي لا يستغني عن طريقة في التنظيم ، مهما كان شكلها .
   الخطأ في فهم السؤال :
   وبعد أن نطرح السؤال ، ونوضحه ، ونشرح أهميته نستعرض الخطأ الذي قد يقع فيه بعض الناس في فهم السؤال اذ لا يميزون بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد في الإسلام مع اننا نريد المذهب الاقتصادي لا علم الاقتصاد.

تصحيح الخطأ بالتمييز بين المذهب والعلم
   ولأجل تصحيح هذا الخطأ في فهم السؤال ، توسعنا في توضيح الفرق بين المذهب الاقتصادي ، وعلم الاقتصاد ، والحقيقة ان الفرق بينهما كبير ، فان المذهب الاقتصادي ، كما عرفنا يتكفل ايجاد طريقة لتنظيم الحياة الاقتصادية ، وفقاً للعدالة وأما علم الاقتصاد ، فهو لا يوجد طريقة للتنظيم ، وانما يأخذ طريقة من الطرق المتبعة في المجتمعات ، فيدرس نتائجها وآثارها كما يدرس العالم الطبيعي نتائج الحرارة وآثارها .

المدرسة الاسلامية   ـ 140 ـ

   مثال على الفرق بين المذهب والعلم
  وقد استعملنا الامثلة العديدة ، لتوضيح الفرق بين المذهب الاقتصادي ، وعلم الاقتصاد.
   فالمذهب الرأسمالي مثلاً ينظم الحياة الإقتصادية ، على أساس مبدأ الحرية الإقتصادية ، ولذلك فهو ينظم السوق ، على أساس حرية البائعين في تعيين أثمان السلع.
   وعلم الإقتصاد لا يحاول الاتيان بطريقة أخرى ، لتنظيم السوق وانما مهمته أن يدرس وضع السوق في ظل الطريقة الرأسمالية ، ويبحث عن حركة الثمن ، وكيف يتحدد ، ويرتفع وينخفض ، في السوق الحرة ، التي نظمت بالطريقة الرأسمالية.
   فالمذهب يوجد طريقة للتنظيم ، وفقاً لتصوره للعدالة ، والعلم يدرس نتائج هذه الطريقة ، حين تطبق على المجتمع.

التأكيد على ان الاقتصاد الإسلامي مذهب
   وبعد أن سردنا الأمثلة العديدة ، لتوضيح الفرق بين المذهب والعلم ، أكدنا على أن المذهب الإقتصادي الذي نتساءل عن وجوده في الإسلام ، ونجيب بالإيجاب ، لا نعني به علم الإقتصاد لأن الإسلام بوصفه ديناً ليس من وظيفته أن يتكلم في علم الإقتصاد ، أو علم الفلك والرياضيات ، وإنما هو عن إيجاد الإسلام ، طريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية ، لا عن قيام الإسلام بدراسة علمية للطرق الموجودة ، في عصره ، ولما ينجم عنها

المدرسة الاسلامية   ـ 141 ـ

   من نتائج ، كما يفعل علماء الإقتصاد.
   وجهة النظر في الجواب :
   وتصل الحلقة ، بعد ذلك ، إلى شرح وجهة النظر في الجواب فتعطي المفهوم الصحيح عن الشريعة ، واستيعابها وشمولها لشتى الميادين ، وتستدل على ذلك ، من طبيعة الشريعة ونصوصها .
   ثمّ نستعرض بعد ذلك ، بعض الشبهات التي تثار في وجه الإيمان بالإقتصاد الإسلامي ، ونجيب عليها. وأخص بالذكر ، الشبهة التي تقول : أن الإسلام جاء بتعاليم أخلاقية ، ولم يجئ باقتصاد ينظم الحياة ، فهو واعظ وليس منظماً ، وقد أوضحنا ، كيف أن هذه الشبهة استغلت الجانب الأخلاقي في الإسلام ، لطمس معالم التنظيم الإجتماعي ، مع أن الشريعة عالجت كلا المجالين.
   فقد مارست الجانب الأخلاقي ، بوصفها ديناً ، لتربية الفرد ومارست التنظيم الإجتماعي ، باعتبارها النظام المختار من السماء للمجتمع البشري.
   هذه صورة عن بحوث الرسالة وموضوعاتها ، واليكم الآن تفصيلات تلك البحوث والموضوعات .

المدرسة الاسلامية   ـ 143 ـ

هَل يُوجَد في الإسلام اقتِصَاد

المدرسة الاسلامية   ـ 145 ـ

   قد يكون من أكثر الأسئلة ، التي تتردد في كل فكر ، وعلى كل لسان ، ومع كل مشكلة تمر بها الأمة في حياتها ، ويزداد الحاحاً باستمرار ، هو السؤال عن المذهب الاقتصادي في الإسلام.
   فهل يوجد في الإسلام اقتصاد ؟
   وهل يمكننا أن نجد حلاً لهذا التناقض المستقطب ، بين الرأسمالية والماركسية ، الذي يسود العالم اليوم.
   في بديل جديد مستمد من الإسلام ، ومأخوذ من طريقته في التشريع وتنظيم الحياة ؟ .
   وما هو مدى قدرة هذا البديل الجديد الإسلامي ، على توفير الحياة الكريمة ، واداء رسالته للامة ، التي تعاني اليوم محنة عقائدية قاسية ، في خضم ذلك التناقض الشديد ، بين الرأسمالية والماركسية .
   وليس التفكير في هذا البديل الجديد ، او التساؤل عن حقيقته ومحتواه الإسلامي ، مجرد ترف فكري ، يمارسه الإنسان المسلم للمتعة ، وانما هو تعبير عن يأس الإنسان المسلم ، من النقيضين المتصارعين ، واحساسه من خلال مختلف التجارب التي

المدرسة الاسلامية   ـ 146 ـ

   عاشها ، بفشلهما ، ـ أي فشل النقيضين المتصارعين وهما الرأسمالية والماركسية ـ ، في ملء الفراغ العقائدي والمبدئي للأمة .
   والتفكير في البديل الإسلامي ، أو التساؤل عنه ، اضافة إلى تعبيره عن يأس الإنسان المسلم ، من النقيضين المتصارعين ، يعبر كذلك أيضاً ، عن بوادر اتجاه جديد إلى الإسلام ، ويعكس وعياً اسلامياً بدأ يتبلور ، ويتخذ مختلف المستويات الفكرية في الأذهان ، تبعاً لمدى استعدادها ، ونوع تجاوبها مع الإسلام. فبذور الوعي الإسلامي ، تعبر عن وجودها في بعض الأذهان على مستوى تساؤل عن الإسلام ، وفي نفوس آخرين على مستوى ميل اليه ، وعاطفة نحوه .
   وفي عقول أخرى ، على مستوى الايمان به ، وبقيادته الرشيدة ، في كل المجالات ، ايمانها بالحياة .
   فالوعي الإسلامي ، الذي يتحرك الآن في عقول الأمة ويتخذ مختلف المستويات ، هو الذي يطرح الأسئلة تارة ، ويوحي بالجواب في صالح الإسلام أخرى ، ويتجسد حيناً آخر ، صرحاً ايمانياً واعياً شامخاً ، في التربة الصالحة من عقول الأمة ، التي تمثل الإسلام بين المسلمين.
   ومن ناحية أخرى ، فان الإسلام بنفسه ، يضطر المسلمين الى القاء هذا السؤال على الإسلام ، أو على علمائه الممثلين له ومطالبتهم بتقديم البديل الأفضل ، للنقيضين المتخاصمين ـ الرأسمالية والماركسية ـ ، لأن الإسلام ، اذ يعلن في قرآنه ، ونصوصه

المدرسة الاسلامية   ـ 147 ـ

   التشريعية ، ومختلف وسائل الإعلان التي يملكها ، وبشكل صريح ، عدم رضاه عن الرأسمالية والماركسية ، معاً ، فهو مسؤول بطبيعة الحال ، أن يحدد للأمة موقفاً إيجابياً ، الى صف ذلك الموقف السلبي ، وأن يأخذ بيدها في طريق آخر يتفق مع وجهة نظره ، وإطاره العام.
   لأن الموقف السلبي ، إذا فصل عن إيجابية بناءة ، ترسم الأهداف ، وتحدد معالم الطريق يعني الإنسحاب من معترك الحياة ، والتميع الإجتماعي نهائياً ، لا المساهمة من وجهة نظر جديدة .
   فلابد للإسلام إذن ، ما دام لا يقر الإندماج في إطارات رأسمالية واشتراكية وماركسية أن يوفر البديل او يرشد اليه ويصبح من الطبيعي ، أن يتساءل المسلمون الذين عرفوا موقف الإسلام السلبي من الرأسمالية والماركسية ، وعدم رضاه عنهما أن يتساءلوا عن مدى قوة الإسلام ، وقدرته على اعطاء هذا البديل ، ومدى النجاح الذي يحالفنا ، إذا أردنا أن نكتفي بالإسلام ذاتياً ، ونستوحي منه نظاماً اقتصادياً.
   وجوابنا على كل ذلك ، ان الإسلام قادر على امدادنا بموقف إيجابي غني بمعالمه التشريعية ، وخطوطه العامة ، وأحكامه التفصيلية التي يمكن أن يصاغ منها إقتصاد كامل ، يمتاز عن

المدرسة الاسلامية   ـ 148 ـ

   سائر المذاهب الإقتصادية ، باطاره الإسلامي ، ونسبه السماوي وانسجامه مع الإنسانية ، كل الإنسانية ، بأشواطها الروحية والمادية ، وأبعادها المكانية والزمانية .
   وهذا ما سوف نراه في البحوث الآتية.