و في رواية أخرى وصف الإمام الصادق عليه السلام هذا الأمر بالمحو و الاثبات و قال : ( ما بعث نبيا قط حتى يأخذ عليه ثلاثا : الإقرار لله بالعبودية و خلع الأنداد ، و أن الله يمحو ما يشاء و يثبت ما يشاء )
.
و في رواية ثالثة سمى المحو و الإثبات بالبداء ، و قال ما موجزه : (ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله تعالى ... بالبداء ) الحديث
.
و عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : ( ما بعث نبيا قط إلا بتحريم الخمر ، و أن يقر له بالبداء )
.
البداء
ـ 25 ـ
وفي رواية أخرى أخبر الإمام الصادق عليه السلام عن زمان المحو و الاثبات و قال : ( اذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة و الروح و الكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة ، فإذا أراد الله ان يقدم شيئا أو يؤخره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد )
(1) .
و أخبر الإمام الباقر عليه السلام عن ذلك و قال ما موجزه : ( تنزل فيها الملائكة و الكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة و ما يصيب العباد فيها ) .
قال : ( و أمر موقوف لله تعالى فيه المشيئة يقدم منه ما يشاء و يؤخر ما يشاء ، و هو قوله تعالى : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) )
(2) .
و في حديث آخر له قال : في قول الله: ( وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا ) :
( إن عند الله كتبا موقوتة يقدم منها ما يشاء و يؤخر ، فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شيء يكون الى ليلة مثلها ، و ذلك قوله : ( وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا ) إذا أنزل ، و كتبه كتاب السماوات و هو الذي لا يؤخره )
(3) .
**************************************************************
(1) البحار 4 : 99 عن تفسير علي بن ابراهيم .
(2) البحار 4 : 102 نقلا عن أمالي الشيخ المفيد .
(3) البحار 4 : 102 نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم .
البداء
ـ 26 ـ
و روى المجلسي في هذا الباب خبر هبة آدم عليه السلام أربعين سنة من عمره لداود عليه السلام الذي أوردناه آنفا في روايات مدرسة الخلفاء
(1) .
هذا هو البداء في أخبار أئمة أهل البيت عليهم السلام .
و أما البداء بمعنى أن الله جد له رأي في الأمر لم يكن يعلمه ـ معاذ الله ـ فقد قال أئمة أهل البيت عليهم السلام فيه ما رواه المجلسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( من زعم أن الله عز و جل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرأوا منه )
(2) .
**************************************************************
(1) المصدر نفسه ، عن علل الشرائع .
(2) البحار 4 : 111 ، نقلا عن اكمال الدين .
البداء
ـ 27 ـ
أثر الاعتقاد بالبداء :
لو اعتقد الإنسان أن من الناس من كتب في السعداء فلن تتبدل حاله و لن يكتب في الأشقياء ، و منهم من كتب في الأشقياء فلن تتبدل حاله و لن يكتب في السعداء ، و جف القلم بما جرى لكل إنسان ، عندئذ لا يتوب العاصي من معصيته ، بل يستمر في ما هو عليه ، لاعتقاده بأن الشقاء قد كتب عليه و لن تتغير حاله ، و من الجائز أن يوسوس الشيطان الى العبد المنيب أنه من السعداء و لن يكتب في الأشقياء و تؤدي به الوسوسة الى التساهل في الطاعة و العبادة ، و عدم استيعاب بعض المسلمين معاني الآيات و الروايات المذكورة في المشيئة ، اعتقد بعضهم أن الإنسان مجبور على ما يصدر منه ، و آخرون على أن الأمر كله مفوض للإنسان ، كما سندرسه في البحث الآتي لنعرف الحق في ذلك بإذنه تعالى .