|
الانصاري قدّس سره ، الكذب ، ص 160 ، الطبعة الجديدة ... وقال في التعليقة : راجع احياء العلوم للغزالي ، الجزء 3 ، ص 135 ، سطر 12 ، وفي المصدر : ألا انبئكم ، بدل ألا اخبركم .
4 ـ وفيه ( اي كتاب الجعفريات ) عنه (صلى الله عليه وأله وسلّم) : من اكبر الكبائر : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ... ذرايع البيان ، تكملة الآفة الثامنة ، ص 200 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 129 ـ
الجبن
من الصفات الرذيلة صفة الجبن ، وهي من اخس الرذائل ، وأن تمكّنت ـ والعياذ بالله ـ من الانسان ، تجعله يهرت من كل شيء ، حتى ممّا له الخير ، وحتى من أعز الناس عليه وهو الأب مثلاً ، فيا أبنائنا نوصيكم أن لا تكونوا جبناء ، فتهربوا من المسؤلية ، ولا تكونوا متهوّرين فتعثوا في الأرض الفساد ، فخيرالأمور اواسطها ، واختار الوسط وكونوا شجعان لا تهربوا من الطاعة ولا تركبوا المعصية .
1 ـ حدّثنا محمد بن الحسن ( رض ) قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن القاسم بن يوسف أخي احمد بن يوسف بن القاسم الكاتب عن حنان بن سدير الصيرفي ، عن سدير الصيرفي قال : قال ابو جعفر (عليه الصلاة والسلام) : لا تقارن ولا تواخي اربعة : الأحمق ، والمبخيل ، والجبان ، والكذّاب / أما الأحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك .
وأما البخيل فانه يأخذ منك ولا يعطيك . وأما الجبان فانه يهرب عنك وعن والديه .
وأما الأحمق فانّه يصدق ولا يصدق ... الخصال ، باب الاربعة ، ص 198 ، الحديث 100 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 130 ـ
سنن عبد المطلب
ان الله في خلقه شئون ، كان قبل البعثة رجال عظماء ، يدينون لله تعالى بأحسن وجه ، والناس تائهون في وديان الجهالة والضلالة ، وهؤلاء المتدينون قد تمسّكوا بالعروة الوثقى ، أي تمسّكوا بارادة السماء والله سبحانه وتعالى هداهم الى اصوب الطرق والحبها ، فسنّواسننا كبيرة وعظيمة بين الناس ، فأمضاها رب الأرباب تعالى وتقدّس ، وبقيت حتى البعصة وبعدها والى يوم القيامة ، ما كان لله ينمو .
هكذا و الاّ فلا .
فمن هؤلاء العظماء جدّنا شيخ بني هاشم ، عبد المطلـب رضوان الله تعالى عليه ، وجزاه عنّا خيراً .
1 ـ حدثنا محمد بن علي بن الشاة ، قال : حدثنا ابو حامد ، قال حدثنا ابو يزيد ، قال : حدثنا محمد بن احمد بن صالح التميمي ، عن ابيه قال : حدثنا أنس بن محمد ابو مالك ، عن ابيه ، عن جعفر بن محمد عن ابيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، أنه قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : في وصيته له ، يا علي ان عبد المطلب سنّ في الجاهليه خمس سنن أجراها الله له في الاسلام
أ ـ حرّم نساء الآباء ، على الأبناء فأنزل الله عزّوجلّ ( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ )
ب ـ و وجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به فأنزل الله عزوجلّ ( واعلموا أن ما
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 131 ـ
غنمتم من شيئ فان لله خمسه ... الى آخره .
ج ـ ولمّا حفر زمزم سمّاها سقاية الحاج ، فأنزل الله عزّوجلّ ( اجعلتم سقاية الحاج و عماره المسجد كمن آمن بالله واليوم الآخر ... الآيه .
د ـ وسنّ في القتل مائة من الابل ، فأجري الله عزوجل ذلك في الاسلام .
هـ ولم يكن الطواف عدد عند قريش ، فسنّ فيهم عبد المطلب سبعة اشواط ، فأجري الله تعالى ذلك في الاسلام ... يا علي ان عبد المطلب كان لا يقسم بالازلام ، ولا يعبد الأصنام ، ولايأكل ما ذبح على النصب ويقول : أنا على دين أبي ابراهيم على نبينا وآله وعليه السلام ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 254 ، الحديث 90 .
2 ـ قال سيد الموحّدين وقائد الغزّ المحجّلين امير المؤمنين فداه روحي وارواح العالمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى ابنائه الطاهرين الى يوم الدين : عقّوا عن اولاد كم يوم السابع وتصدقوا بوزن شعرهم فضّة على مسلم ، وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحسن والحسين عليهما السلام وسائر ولده (عليهم السلام) ... المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص 294 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 132 ـ
ذبح الولد
من العجيب الذي لا يكاد يصدّق ـ لو لا الايمان ـ أن نبيّا من اولى العزم يرى في المنام أنه يذبح ولده ، ثم يقصد تصديق منامه ، وتلّه للجبين ، وناديناه ان يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا .
وهكذا سيّد قريش عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه ينذر ذبح ولده العاشر وهو عبد الله أبو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، فيفدي بمائة من الابل كما أفدي اسماعيل بذبح عظيم فبهذه وذلك يدفع عنها الذبح ويبقى الفحر مدي الزمان حتى يقول الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين .
1 ـ حدثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : اخبرنا احمد بن محمد سعيد الكوفي ، قال : علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابيه قال : سألت ابا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه الصلاة والسلام) عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انا ابن الذبيحين ، قال (عليه السلام) : يعني اسماعيل بن ابراهيم الخليل (عليه السلام) ، وعبد الله بن عبد المطلب .
أما اسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشّر الله به ابراهيم ، فلما ابلغ معه السعي ، قال يابني اني أرى في المنام أني اذبحك ، فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ، ولم يقل له يا ابت افعل ما رأيت ، ستجدني ان شاء الله من الصابرين ، فلّما عزم
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 133 ـ
على ذبحه فداه الله بذبح عظيم ، بكبش املح يأكل في سواد ، ويشرب في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة اربعين عاماً ، وما خرج من رحم انثى ، وانّما قال الله جلّ وعزّ له كن فكان ليفدي به اسماعيل ، فكلما يذبح بمنى فهو فديه لا سماعيل الى يوم القيامة ، فهذا احد الذبيحين .
وأمّا الآخر ، فان عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عزوجلّ أن يرزقه عشرة بنين ، ونذرالله عزوجلّ ان يذبح واحداً منهم متى اجاب الله دعوته ، فلما بلغوا عشرة ( اولاد ) قال قد وفي الله لي ، فلأوفّين لله عزوجل ، فأدخل ولده الكعبة ، واسهم بيتهم ، فخرج سهم عبج الله أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان احبّ ولده اليه ، ثم اجالها ثانيه ، فخرج سهم عبد الله ، ثم اجالها ثالثه ، فخرج سهم عبد الله ، فأخذه وحبسه ، وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش وقنعته من ذلك ، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين و يصحن ، فقالت له ابنته عاتكه ، يا ابتاه اعذر فيما بينك وبين الله عزّ و جلّ في قتل ابنك ، قال فكيف اعذر يا بنيّة فانك مباركة ؟ .
قالت اعمد الى تلك السوائم التى لك في الحرم ، فاضرب باقداح على ابنك وعلى الابل ، واعط ربك حتى يرضى ، فبعث عبد المطلب الى ابله ، فأحضرها وعزل منها عشراً ، وضرب بالسهام فخرج سهم عبد الله ، فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مائة ، فضرب فخرج السهم على الابل ، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة ، فقال عبد المطلب لا ، حتى اضرب بالقداح ثلاث مرّاة ، فضرب ثلاثا ، كل ذلك يخرج السهم على الابل ، فلمّا كان في الثالثة ، اجتذبه الزبير وابو طالب واخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلده خدّه الذي كان على الارض ، واقبلوا
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 134 ـ
يرفعونه ، ويقبّلونه ، ويمسحون عنه التراب ، وأمر عبد المطلب ان تنجر الابل بالخروره ، ولا يميع احد منها ، وكانت مائة .
وكانت لعبد المطلب خمس سنن اجراها الله عزوجل في الاسلام : حرّم نساء الآباء على الابناء ، وسن الديه في القتل من الابل ، وكان يطوف بالبيت سبفة اشواط ، ووجد كنز فاخرج منه الخمس ، وسمي زمزم كما حفرها سفايه الحاج .
ولو ان عبد المطلب كان حجه ، وأنّ عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم ابراهيم علىنبينا وآله وعليه على ذبح ابنيه اسماعيل لما افتخر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالانتساب اليهما لأجل أنهما الذبيحان ، في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) انا ابن الذبيحين ، والعلة التى من اجلها رفع الله عزوجلّ الذبح عن اسماعيل هي العلّة التى من اجلها رفع الله الذبح عن عبد الله ، وهي كون النبي صلى الله وآله وسلّم والأئمّة عليهم السلام في صلبيهما فببركة النبي والأئمّة عليهم السلام رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنه في الناس بقتل اولادهم ولو لا ذلك لوجب علىالناس كل اضحى التقرّب الى الله تعالى ذكره بقتل اولادهم ، وكلّما يتقّرب الناس به الى الله عزّوجّل من اضحيى فهو فداه لا سماعيل الى يوم القيمة ... الخصال ، باب الاثنين ، ص 45 ، الحديث 78 .
2 ـ حدثنا احمد بن هارون الفاصي ، وجعفر بن محمّد بن مسرور ( رض ) قالا : حدّثنا محمد بن جعفر بن بطة ، عن محمّد بن حسن الصفار ، عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عمن اخره ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أول من سوهم عليه مريم بنت عمران ، وهو قول الله عزوجل ( وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 135 ـ
أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) ( آل عمران ـ 44 ) ، والسهام ستة ثم استهموا في يونس لما ركب مع القوم ، فوقفت السفينة في اللجّة ، فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرّات ، قال : فمضى يونس الى صدر السفينة ، فاذا الحوت فاتح فاه ، فرمي بنفسه .
ثم كان عبد المطلب ولد له تفسعة فنذر في العاشر ، ان يرزقه الله تعالى غلاماً أن يذبحه ، قال (عليه السلام) : فلمّا ولد عبد لم يكن يقدر أن يذبحه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) صلبه ، فجاء بعشر من الابل وساهم عليها وعلى عبد الله ، فخرج السهام علي عبد الله ، فزاد عشرا ، فلم يزل السهام يخرج على عبد الله ويزيد عشرا ، فلما ( لأن ) بلغت مائة خرجت السهام على الابل ، فقال عبد المطلب ما انصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الابل ، فقال الآن علمت أن ربي قد رضى ، فنحرها ... الخصال ، باب الثلاثة ، ص 124 ، الحديث 198 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 136 ـ
المصائب
الدنيا دار محفوفة باليلاء والمصائب ، فلا يسلم نزّالها ، ولا بد لكل انسان عاش وجه البسيطه أن يصاب بها ، فمن صبر ضفر ، ومن لجّ كفر .
1 ـ قال الحسن بن على عليهما السلام : مصائب الدنيا اربع منها موت الوالد وهو قاصم الظهر ، وموت الولد وهو صدع الفوآد ... معدن الجواهر ، باب ذكرماء في اربعة ، ص 42 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 137 ـ
الفقدان
لاشك ولا ريب أن الولد قطعة من الكبد ، فهو اذ يمشي على الأرض يتحرك كبد والديه بتحرك قدميه ، وما من ابوين الاّ ويعقدان آمالاً على ولدهما ، متى يجنيا ثمره ، ويرو أثره .
فالله الله من ساعة يدنوا اليه هادم اللذات ومفرّق الجماعات ، الملك المقرب عند الملك العلاّم ، فسسترّد الأمانه ، وعندها تشب النيران في قلوب الأهل و الأحبة والاخوان ، فتحرق كبد الأبوين بلهب الفقد والفرقة .
1 ـ قال أمير المؤمنين عليه صلوة رب العالمين ، فقد الولد محرّق الكبد ، جاء في درر الكلم حرف الفاء ، ص 209 .
2 ـ حدثنا ابو احمد محمد بن جعفر البنداد ، قال : حدثنا أبو العباس الحمادي ، قال : حدثنا محمد بن علي الصايغ ، قال : حدّثنا عمرو بن سهلو بن زنجله الرازي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الاوزاعي ، عن أبي سلام الاسود ، عن ابي سالم راعي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول خمس ما أثقلهنّ في الميزان : سبحان الله .
والحمد لله ولا اله الاّ الله ، والله اكبر ، والولد الصالح يتوفّى لمسلم فيصبر ويحتسب ... الخصال ، باب الخمسة ، ص 217 ، الحديث 1 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 138 ـ
3 ـ ( أقول ) كان خمسة من المشركين قد استهزؤا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، فأنزل الله تعالى بلاء عليهم في آن واحد ، و نزلت الآيه الكريمه ( انّا كفيناك المستهزئين ) .
حدثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : حدثنا ابوالقاسم عبد الرحمن بن محمد الحسني ، قال : حدّثنا ابو العباس محمد بن على الخراساني ، قال : حدثنا ابو سعيد سهل بن صالح العياشي ، عن ابيه ، وابراهيم بن عبد الرحمن الأبلي ، قال حدثنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام ، قال : حدثني أبي جعفربن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بي علي قال : حدثنى أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن على عليهم السلام جميعا ، أن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام ، قال : ليهودي من يهود الشام ـ الى أنّ قال ـ وأما الاسود بن عبد يغوث .... الى آخر في القصّه ... قال مصنّف الكتاب ـ يعني الخصال ـ ويقال في خبر آخر في الأسود قول آخر ، يقال أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد دعا عليه ان يعمي الله بصره ، وأن يثكله ولده ، فلّما كان في ذلك اليوم ـ اي يوم نزول البلاء على النفرات الخمس ـ جاء حتى صار الى كدا ـ وهو جبل في اسفل مكة عن طريق اليمن ـ فأتاه جبرئيل (عليه السلام) بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه فعمي ، وبقى حتى اشكله الله عزّوجلّ ولده يوم بدر ، ثم مات ( عليه ما يستحق من العذاب ) .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 139 ـ
التعزية
لابد من تعزية من يصاب بمصيبة ، وأي مصيبة أدهي وأشد من فقد الولد فلقلبه الله وعظّم الله تعالى اجره ، وأجزل ثوابه ، وأجمل صبره ، وأخذ بيده يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ان شاء الله تعالى وتقّدس .
1 ـ عزّى أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) من ربّ الأنام رجلا مات له ولد : ورزق ولد فقال (عليه السلام) : عظم الله اجرك فيما اباد ، و بارك لك فيما افاد ، جاء في كتاب درر الكلم ، في حرف العين ص 205 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 140 ـ
الاحتساب
ينبغي بل يجب على كل مسلم فطن أن يعلم أن كل ما عنده هو من عند الله تعالى ، وأنّ الله حق في كل ما ملّكه وسلّطه عليه ما دام في قيد الحياة ، فلا يبخل بمال ولا ولد ولا أهل ولا نفس ، ويعطي ، وان كان الجميع ، في سبيل الله ولا تأخذه في الله شح نفس ، اوغلّ يد ، فان العبد وما في يده كان امولاه .
1 ـ قال رسول الله صلى عليه وآله وسلّم بوما : أيها الناس مالرقوب فيكم ؟ .
قالوا : الرجل يموت ولم يترك ولداً .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : بل الرقوب حق الرقوب رجل مات ولم يقدّم من ولده احداً يحتسبه عند الله تعالى ، وان كانوا كثيرا بعده ... تحف العقول ، مواعظ النبي ، ص 33 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 141 ـ
قانون الوراثة
ان حكم قانون الوراثة يجري في الآباء والابناء بمعنى أنّه اذا كان في الوالد طبيعة أوعيب يرثه الولد ، ولو كان بعد عدة أظهر ، وقد جّرب هذا المعنى وثبت علميا .
لذا كان أئّمتنا عليهم السلام يخبرون عن أفراد أشياء وأمرون شيعتهم بانتظارها فيهم اولادهم .
وهكذا يكون العكس ، بعنى أنه ينسب لشخص أمر ولا يكون فيه ولكن كان في أبيه او أحد آبائه .
1 ـ محمد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : اذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه ، وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك فان الله تعالى يفعل ما شاء ، الكافي ج 1 ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص 450 ، الحديث 2 .
2 ـ الحسين بن علي ، عن معلي بن محمد ، عن الوشاء ، عن احمد بن عائذ ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : قد يقوك الرجل بعدل او بجور ، وينسب اليه ، ولم يكن قام به ، فيكون ذلك ابنه او ابن ابنه من بعده ، فهو هو ، الكافي ج 1 ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص 450 ، الحديث 3 .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 142 ـ
السلطة الماليّة
ان سلطة الأب على الولد مما لا يتنازع فيه اثنان ، ولمّا كان الأب هو السبب المباشر ظاهرا في كينونه ابنه كان له حق التصرّف في امواله ومع عدم علمه ، لذا جاء في شرايع الاسلام :
1 ـ في قطع يد السارق : أن لا يكون والداُ من ولده ، ويقطع يد الولد لو سرق من الوالد .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 143 ـ
ارث الوالدين
كما أنّ الوالدين يوثان الابناء ، كذلك الابناء تورث ـ في بعض الأحايين ـ الوالدين والمشرّع الجليل جلّت عظمته لم يهمل حقّا لأحد مهما صغرأ وكبر .
1 ـ قال تعالى في محكم كتابه الكريم : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) ( النساء ـ 11 ) .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 144 ـ
الارث للولد
لا بد للآباء توربث أبنائهم ، أما المال فليس بمهم والمهم الادب والحكمة والمعرفة وما اشبه ، والخير كل الخير في توريث العلم .
1 ـ قال ابو ذرجمهر : ما ورّثت الآباء الابناء خيرا من ثلاثة اشياء : الادب النافع ، والاخوان الصالحون ، والثناء الجميل ... معدن الجواهر ص 36 .
2 ـ من كلمات اميرالمؤمنين (عليه الصلاة والسلام) : اين من جمع فأكثر ، اعتقب ، واعتقد ونظر ، بزعمه للولد ... في كتاب درر الكلم في حرف الألف ، بألف الاستفهام .
3 ـ وقال تعالى بالنسبة للمال : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ .... ) ( النساء آيه 7 ) .
4 ـ وقال تعالى : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ .... ) ( النساء آية 11 ) .
5 ـ وقال القدير جلّت قدرته : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ .... ) ( النساء الآية 33 ) .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 145 ـ
ارث الانثى
ان الانسان يوّرث والتوريث له افراد متنوعة ، فبعض يورث العلم والأدب ، وبعض يورث الشرّفي الورثه كما رأيناه بأم اعيننا في زماننا هذا ، فان قبل اعوام مات احدهم و اوصا ابنه الاكبر بأنه يبعد عن العلماء فانهم يتجيّلون عليه وعلى اخوته ويأخذون بعض اموالهم باسم الحقوق الشرعية ، وهو مات ولم يؤدى فلسا واحدا لاولاده هكذا زرع التباغض و التباعد في قلوب اولاده بالنسبة للعلماء ولأهل الدين ولكن ربك بامرصاد فما مضت الليالي والأيام الاّ وقضى على ولده الاكبر بالسرطان وتشتب التاقون هداهم الله تعالى .
اما بالنسبه لتوريث المال فقد حدّد الله تعالى للذكور والاناث كل حسب ما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة .
1 ـ قال عزّ من قائل : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ... ) ( النساء آية 7 ) .
2 ـ وقال تبارك وتعالى : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 146 ـ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) ( النساء ـ 11 ) .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 147 ـ
ختامه مسك
هذا ما وجدته لوالدي قدس سره من كتابه ( الاثر الخالد ) ، وقد طبعته على ما وجدته ، وقد طبعه بيده بالتايب ـ ولكي يكون ختامه مسك ارتأيت ان اختمه بدعائين من الصحيفة السجادية لمولانا وامامنا الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) ، ولكي تعم الفائدة ، نقلتها من كتاب ( في ظلال الصحيفة السجادية ) للكاتب الشهير الشيخ محمد جواد مغنية ( قدّس سره ) ثم أردفتهما بلمحة من حياة السيد الوالد من كتاب ( الكوكب الدّري في حياة السيد العلوي ) .
أملي من القراء الكرام ان يذكروه بالدعاء وبفاتحة وسورة مباركة من كتاب الله الكريم ، ولهم من الله الاجر و الثواب ، ومن أسرته ألف شكر ، ودمتم بخير .
العبد عادل العلوي
ايران ـ قم ـ ص ب 3634
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 149 ـ
الدعاء لأبويه
أللهمّ صَلّ عَلى محُمّدٍ عَبْدكَ وَرَسُولكَ ، وأهْلِ بيْته الطاهِرين ، واخْصُصْهمْ بأفْضَل صَلواتك وًرَحْمتك وَبَركاتك وَ سَلامكَ ، وَاخْصُصِ اللهُمّ والديّ بالكَرامة لديْكَ ، وَالصّلاةِ منْكَ يَا أرْحَمَ الرّاحمينَ .
أللْهُمّ صَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآله ، وَ اْلهْمْني علْم مَا يًجبُ لهَمًا عَلَيّ ألْهَاماً ، وَاجْمَعْ لي علْمَ ذَلكَ كُلّهُ تمَاماً ، ثُمّ اسْتعْملنْي بمَا تُلهْمُني منْهُ ، وَوَفَقْني للنُفوذ فيمَا تُبْصّرُني مِنْ علُمِهِ ، حَتّى لا يفُوتني استْعْمًالُ شيء عَلًمتِْنيِه ، ولا تثَْقُل أرْكاني عَنِ الْحَفُوفِ فيماَ ألْهّمْتِنيه .
( وألهمني علم ما يجب لهما ... ) العلم بالحلال والحرام لا ينبع من داخل الانسان وأوهامه ، وانما يؤخذ من الوحي أو من يمضيه الوحي ويقره ، ولذا طلب الامام من الله سبحانه أن يرشده ويهديه الى ما يجب عليه لوالديه ، ويتلخص هذا الواجب بطاعتهما في كل شيء الا في معصية الله حيث طاعة
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 150 ـ
لمخلوق في معصية الخالق ، وبهذا نجد تفسير الآية 8 من العنكبوت : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) وغيرها من آيات هذا الباب وأحاديثه .
وبالمناسبة أشير ، لمجرد التنبيه والتحذير ، أني أعرف شيخاً باسمه وشخصه يحلل و يحرم ويحكم بالفروج والأموال بوحي من فهمه ووهمه ، أما الدرس والمراجعة والمطالعة فهي للذين يسيرون على الطريق لا لمن يطفر بلا رابطة وواصلة ! ومع هذا يؤمن ويوقن أنه ألمع من تخرج من مدرسة الامام جعفر الصادق (عليه السلام) ! أعاذنا الله من مضع هذا الهواء .
( واجمع لي علم ذلك ... ) اشارة الى واجبات الوالدين بالكامل ، والمعنى إجعلني عالماً بكل ما علي لهما ( ثم استعملني بما تلهمني ، ووفقني للنفوذ ...) بعد أن طلب الامام من الله الهداية الى العلم بالواجبات سأله التوفيق الى العمل بموجب العلم ، لأن الهدف الاساس من كل علم هو التفيذ والتطبيق ، وبتعبير فيلسوف معاصر : ( ليست المعرفة ـ أو بناءات ـ تبني بالذهن ليتعلمها الانسان ، ثم يأوي الى مخدعه ليسريح ) وكفي .
( ولا تثقل أركاني عن الحفوف ...) المراد بالثقل هنا الكسل والفتور وبالأركان الأعضاء التي يتركب منها البدن ، وبالحفوف الخدمة ، من حفف الخدم حوله أي أحدقوا به ، والمنى : هب لي من لذنك قوة ونشاطاً في طاعة والدي ومرضاتهما .
أللّهمّ صَلّ عَلى مُحَمّد وَآلهِ ، كَمَا شرَفْتَنَا بهِ ، وَصَلّ على مُحمّد وَآله ، كَمَا أوْجَبْت لنَا الحْقّ عَلى الْخَلْقِِ بِسَببِه .
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 151 ـ
أللّهُمّ اجْعَلْني أهَابُهُما هيَبْةَ السّلْطَانِ الْعسُوفِ ،
وَأبَرهُما بْر الأمّ الرّؤوفِ ، وَاجمْعل طَاعتني لِوالدَيّ
وَبِرّي بهِمَا أقَرّ لِعيْني من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شَربة الظّمآنِ ، حَتّى الوْسْنانِ ، وَأستكثْر بِرّهُمَا بي وإن قَلّ ، وَأستْقِلّ بِرّي بِهِمَا
وَأنْ كثُرَ .
( اللهم صل على محمد وآله كما شرفتنا به ) أي بميراثنا لعلمه ، وعملنا بسنته ، وسيرنا على طريقته ، لا بمجرد الانتساب اليه ، قال سبحانه : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ) ( 101 المؤمنون ) ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ( 13 الحجرات ) .
وسئل الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن أحب الناس الى الله ؟ فقال : ( أنفعهم للناس ) ، ويأتي في الدعاء 42 : ( لترفعنا فوق من لم يطق حمله ) أي حمل علم الكتاب والسنة ( كما اوجبت لنا الحق على الخلق بسببه ) يشير بهذا الى الآية 23 من الشورى : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) وما وجبت هذه المودة الا لأن أهل البيت (عليهم السلام) امتداد لجدهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) علماً وعملا وسيرة وسريرة .
( أللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف ) : الظلوم ، يهاب والديه على دنوه منهما وعلمه بأنهما أرأف به من نفسه ، ولا غرابة ، ايها هيتة التعظيم والتقدير ، لاهيبة الخوف من العقاب العسير ، هيبة الأبوة التي لا يشعر بها الا العارفون .
كانت فاطمة (عليها السلام) بضعة من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، وأحب الخلق الى قلبه ومع هذا كانت تقول : ما استطعت أن أكلم أبيمن هيبته ( وأبرهما
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 152 ـ
بر الأم ... ) ولا شيء عند الأبوين أغلى وأثمن من بر الابن بهما ، علماً بأنه وفاء لدين سابق ... ومع هذا يسعدان به سعادة الغارس بثمرات غرسه ، وبهذه السعادة نفسها يشعر الابن البار اذا تأكد من سعادة أبويه به ، ورضاهما عنه .
( الوسنان ) : من أخذ النعاس ( واستكثر برهما بي وان قل ، واستقل بري بهما وان كثر ) الخير منه ضئيل وصغير بالغاً ما بلغ ، ومنهما جليل وكبير وان كان حبة من خردل ؟! وليس هذا تواضعاً ، بل ايماناً وعظمة نفس ، وشعوراً حياً بمسؤولية التكليف ، وهو أمره تعالى : ( ان اشكر لي ولوالديك ـ 14 لقمان ) وكل شيء قليل في جنب الله والشكر له لمن قرن شكره بشكره .
وهكذا العظيم يستصغر الحسنة منه وان كبرت ، ويستكبر السيئة وان صغرت على العكس تماماً من الحقير ، وفي الحديث الشريف : ( المؤمن يرى ذنبه فوقه كالجبل ، يخاف ان يقع عليه ، والنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره ) .
وقال قائل لأحد المتقين حقاُ : رأيت في منامي أنك في الجنة .
فقال له : ويحك أما وجد الشيطان من يخرمنه غيري وغيرك ؟ .
أللّهُمّ خَفَض لهُمَا صوتي ، وَأطبْ لَهمُا كَلامي ، وَألنْ لَهمَا عرَيكتي ، وَاعطفْ عَليهْما قلْبي ، وَصَيرّني بهِما رَفيقاً ، وَعليْهما شفيقاً ، أللّهُمّ اشْكُرْ لَهُما تربِيَني ، وأثِبْهُما عَلى تَكْرِمتي ، وَاحْفظ لَهُما مَا حَفظَاه مِنّي في صِغَري .
أللّهُمّ وَمَا مَسّهُمَا مِنّي مِنْ أذىّ ، أوْ خَلَصَ اليَهْماَ عنّي مِنْ مَكْرُوهٍ ، أوْ ضاعَ قِبَلي لَهمُمَا مِنْ
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 153 ـ
حَقّ ... فاجْعَلْهُ حِطّةّ لِذُنوبِهِمَا ، وَعَلُوّا في دَرَجَاتِهِمَا ، وَزياَدَةً في حَسَناَتِهِماَ ، يَا مُبَدّلَ السّيئّاتِ بأضْعَافِهَا مِنَ الحْسَناَتِ .
( أللهم خفّض لهما صوتي ) غض الصوت وخفضه من الآدب الشرعية والعرفية ، بخاصة عند مخاطبة الكبار وأهل المكانة .
وفي الآية 19 من لقمان : ( واغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير ) ( وأطب لهما كلامي ) قال سبحانه : ( فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريماً ) ( 23 الأسراء ( على أن الكلمة الطيبة بوجه عام كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين ) ( 25 ابراهيم ) ( عريكتي ) طبيعي ( رفيقاً ) : لطيفاً لا فظاً غليظاً .
( أللهم واشكر لهما ... ) أجزهما بالاحسان احساناً ، وبالسيئات غفواً وغفراناً ( واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري ) أجزل لهما الأجر والثواب على ما لقيا من التعب والعناء في سبيلي رضيعاً وصبياً .
وقال رجل للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : ان أبوي بلغا من الكبر عتياُ ، وأنا أولي منهما ـ أباشر ـ ما وليا مني في الصغر فهل قضيت حقهما ؟ قال : لا ، فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحتان بقاءك ، وأنت تفعله ، وتريد موتهما ( أللهم وما مسهما مني من أذى ...) كل ما أصابهما بسبي من مكروه ( فاجعله حطة ) : محواً ( لذنوبهما وعلواً ) لمقامهما عندك بحيث يكون شقاؤهما بي في الدنيا سبباً لسعادتهما في الآخرة .
( يا مبدل السيئات بأضعافها حسنات ) لمحو السيئات العديد من الطرق منها التوبة ، ومنها اصلاح ذات البين وكل عمل نافع مفيد للفرد والجماعة ، ومنها المرض فانه يحط السيئات ، ويحتها حت الأوراق ، على حد تعبير
H3>الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 154 ـ
نهج البلاغة ، ومنها العدوان حيث يتحمل المعتدي سيئات المعتدى عليه ، وأيضاً يأخد هذا حسنات ذاك ، وسبقت الاشارة الى ذلك في الدعاء 22 عند تفسير ( تقاضي به من حسناتي وتضاعف به من سيئاتي ) .
أللّهُمَّ وَمَا تَعَدّيَا عَلَيّ فيِه مِنْ قَوْل ، أوْ أسْرَفا عِلِيّ فِيٍه مِنْ فعٍل ، أوْ ضَيَّعاهُ لي مِنْ حَقّ ، أوْ قَصّرا بي عنَْهُ مِنْ واجِبٍ ... فَقَدْ وهَبْئُهُ لَهُمَا ، وَجُدْتُ بِهِ علَيْهِمَا ، وَرَغبتُ اليَك في
وَضْع تبَعتِه عَنْهمَا ، فانّي لا أتهّمُهُمَا ، عَلى نَفْسي ، وَلا أستْبْطئُهُمَا في بِرّي ، وَلا أكْرهُ مَا تَولَياَهُ مِنْ أمرْي يَارَبّ ، فهُمًا أوجبُ حَقاً عَلَيّ ، وَأقْدم احْساناً الَيّ ، وأعظَمً منّةً لَدَيّ ... مِنْ أنْ أقاَصّهُمَا بِعَدلٍ ، أوْ أجَازِيهُمَا عَلى سِئْلٍ .
أيْن اذاً يَا الَهي طُولُ شُغْلِهِما بترَبيَني ؟ وأيْنَ شِدُةُ تَعَبهِمَا في حِراستي ؟ وأيْنَ اقْتَارُهُمَا عَلى أنفْسِهمَا للتَوْسِعَة عَلَيّ ؟ ، هًيْهَاتَ مَا يسَتْوفِيَانِ مِنّي حَقّهُمَا ، وَلا أدْركُ مَا يَحِبُ
عَلَيّ لَهُمَا ، وَلا أنَا بِقَاضٍ وَظيفَةَ خِدْمَتِهِمَا .
( أللهم وما تعديا علي فيه ... ) كما أوجب سبحانه حقوقاً للوالدين على والولد ، أوجب أيضاَ حقوقاً له عليهما ، ومن أهمل وقصّر استحق اللوم والعقاب والداً كان أو ولداً ، والامام السجاد (عليه السلام) يتجاور ويتنازل عما
الأثر الخالد في الولد والوالد ـ 155 ـ
الكبائر
افترضه الله له على أبويه ، وحملهما من حقه أياً كان نوعه ويكون ، وعبّر عن هذا التسامح والتجاوز بقوله : ( وهبته لهما ... ) أسألك اللهم أن لا تؤاخذ أبوي على أي شيئ يتصل بي من قريب أو بعيد ( فاني لا أتهمهما على نفسي ... ) هما عندي وفي عقيدتي من الناصحين المخلضين لا تواني منهما في ولا تقصر ( ولا أكره ما توليا من أمري ) مهما أبي من المحبوب محبوب ، والعكس بالعكس .
( فهما أوجب حقا علي واحساناً الي ... ) لي حق ولهما حق ، ولكن حقهما اقدم وأعظم ( من أن أقاصهما بعدل ... ) لا مقاصة عادلة الامع المساواة ، ولا مكان لها بين المنعم والمنعم عليه ، ومن هنا يُقتل الولد بوالده ، ولا يُقتل الوالد بالولد .
( أين اذن يا الهي طول شغلهما ... ) لقد تحملا الضيق والشدة لاعيش في سعة ، والتعب والعناء لأكون في راحة ، والذل والهوان من أجل سعادتي ( هنهات ) بفتح التاء وكسرها وضمها : اسم فعل بمعنى بعد ( ما يستوفيان حقهما ...) أقر وأعبرف بالعجز عن القيام بحقهما مهما اجتهدت وبالغت ، لأنه جسيم وعظيم .
وبعدُ ، فمن أراد أن يستدرك ما فرط من حق أبويه بعد موتهما ، فليستغفر الله لهما ، ويقض دينهما ، ان كان عليهما شيء منه الله أو للناس والا تصدق عنهما بما يستطيع ، وفي الحديث : من الابرار يوم القيامة رجل برّ والديه بعد موتهما .
فَصَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآلِه ، وَأعِنّي يَا خيْرمَنْ أسْتَعينُ بِهِ ، وَوَ فقْني يَا أهْدى مَنْ رُغبَ الَيْهِ ،
| |