( الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ) وما كتب لهن هو ما أنزله الله من آيات المواريث التي سبق وان تقدمت في أوائل السورة وهي سورة النساء :
ومضافاً إلى جريمة التجاوز على الحقوق المالية من عدم اعطائهن ما كتب لهن من الميراث ، فإنهم كانوا يرغبون في الزواج منهن لاجل ذلك المال ، وطمعاً فيه .
أما إذا راعى الولي ، أو الوصي فحفظ لليتيمة من ميراث وتزوجها لاجل الاقتران لا لمالها فان هذا العمل منه خير .
( وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) .
وهو الرقيب عليكم يعلم حركاتكم ، وسكناتكم ، وما تنطوي عليه نفوسكم إن خيراً ، أو شراً .
وقد نقل السدي أن جابر بن عبدالله الانصاري كانت له بنت عم عمياء ذميمة قد ورثت من أبيها مالاً فكان جابر يرغب في نكاحها ، ولا ينكحها مخافة أن يذهب الزوج بمالها فسأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال :
أترث إذا كانت عمياء فقال ( صلى الله عليه وآله ) :
نعم : فأنزل الله فيه هذه الآية : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ )
(1) الخ
ومن مجموع ما جاء في تفسير هذه الآية يتضح لنا أن القرآن الكريم حرص على تكريم المرأة ، وندد بهؤلاء المتجاوزين على حقوقها سواءً المالية ، أو الاجتماعية .
أما الآية الثانية : فهي ما جاء في قوله تعالى :
( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
**************************************************************
(1) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 96 ـ
النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )
(1) .
وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة .
أنها نزلت في اليتيمة التي تكون في حجر وليها ، فيرغب في مالها وجمالها يريد أن ينكحها بدون صداق مثلها ، فنهو أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لها صداق مهر مثلها ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب مما سواهن إلى الأربع من النساء ، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة ممن سواهن أو ما ملكت أيمانكم
(2) .
أن اليتيمة كغيرها من النساء لها الحرية الكاملة في إختيار من تشاء من الازواج ، وتهب له ما قرر لها من مهر المثل إذا كان ذلك نابعا من رغبتها ، وإرادتها ، أما أنها تقهر على ذلك فهذا ما لايريده الشارع لها .
والوصي كأحد الخاطبين لا تمنعه الشريعة المقدسة من الإقدام على الخطبة لليتيمة ، أو غيرها لو كان مستكملاً للشروط التي يقررها الشارع في الزوج .
ولكن النفوس غير المؤمنة تأبى أن تخضع للواقع ، وتترك الاثرة جانباً ، بل كانت تصر على أن تكون اليتيمة العوبة يتلاقفها من هي تحت يده من دون أن يكون لها أي إختيار في أمرها ، وفي صداقها .
إن الشارع المقدس : وهو الرحيم الودود لا يترك الباب مفتوحاً أمام الاقوياء ليتجاوزوا على الضعفاء دون أن يردعهم ، ويوجههم إلى ما فيه خير الامة ، وصلاحها .
**************************************************************
(1) سورة النساء : آية ( 3 ) .
(2) تفسير التبيان في تفسيره لهذه الآية الكريمة .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 97 ـ
يتامى بني هاشم :
ويشمل اللطف الإلهي طائفة خاصة من الايتام هم أيتام ( بني هاشم ) فيميزهم عن بقية اليتامى ، فيخصص لهم سهماً معيناً في الخمس الذي فرضه الله في موارد معينة من أموال الناس .
ولا بد لنا وقبل الدخول في طلب الموضوع من بيان بعض الايضاحات التي لها مساس في بحثنا وهي :
1 ـ الخمس . . . ما هو ؟
2 ـ الموارد التي يجب فيها الخمس .
3 ـ من يستحق الخمس ؟
4 ـ الخمس . . . تشريعه .
1 ـ الخمس ما هو ؟ :
الخمس : حق مالي فرضه الله سبحانه على عباده في موارد مخصوصة فكلفهم بإخراج سهم واحد من كل خمسة سهام مما يحصلون عليه من تلك الموارد المالية ، والتي سنتعرض لبيانها في ضمن البحث ، وإيصالها الى المستحقين ، والفقراء ممن تكتمل فيهم الشروط التي أخذت في أولئك الذين عينتهم الشريعة مصرفاً للخمس ، ومورداً له .
2 ـ الموارد التي يجب فيها الخمس :
لقد فرض الله الخمس في الموارد الاتية :
1 ـ غنائم دار الحرب .
2 ـ المعادن .
3 ـ الغوص .
4 ـ الكنوز .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 98 ـ
5 ـ أرباح المكاسب .
6 ـ الحرام المختلط بالحلال .
7 ـ أرض الذمي المنتقلة إليه من المسلم .
ومن الإجمال في هذه العناوين إلى التفصيل .
أما الغنيمة : فهي ما يحوزه المسلمون بإذن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الإمام (ع) من أموال أهل الحرب بغير سرقة ، ولا غيلة وهي الأخذ بغتة ، وإختلاساً من منقول ، وغيره ، ومن مال البغاة ، وهم : الذين يخرجون على الإمام المعصوم (ع) .
وأما المعادن : فهي ما يستخرج من الارض مما كانت الارض أصلاً له ، ثم اشتمل على خصوصية يعظم الإنتفاع كالجواهر من العقيق ، والزبرجد ، والفيروز ، والملح ، وما شاكل ذلك .
وأما الغوص : فهو ما يؤخذ من داخل الماء من اللؤلؤ والمرجان والذهب ، والفضة ، والعنبر ، وما شاكلها مما تخبئه البحار ، والانهار بشرط أن لا تكون على الذهب ،
والفضة .
وأما الكنوز : فهي الأموال المذخورة تحت الارض في دار الحرب من غير تقييد بوجود أثر للاسلام عليه ، أو في دار الاسلام وليس عليه أثر الاسلام أما إذا كان أثر الإسلام عليه فيعتبر لقطة وللقطة أحكامها الخاصة .
وأما أرباح المكاسب : فهي ما يربحه الإنسان ويحصل عليه من تجارة أو زراعة بل كلما يكتسب به ولو بنماء أو تولد وما شاكل .
وأما الحلال المختلط بالحرام : فهو ما يختلط عند الانسان من أمواله الحلال بأموال حرام بحيث يكون الاختلاط مانعاً من تمييز أحدهما عن الآخر وإلا فان أمكن التمييز كان المال الحرام حكمه حكم المال المجهول
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 99 ـ
مالكه ، وفي صورة عدم التمييز يكون إخراج الخمس منه موجباً لتطهير ، وحلية الجميع .
وأما أرض الذمي المنتقلة إليه من المسلم : وتصويرها :
أن الذمي والذي هو ـ الكافر الذي يدخل في ضمان المسلمين وعهدتهم على شروط مذكورة في مباحث الجهاد من كتب الفقه ـ إذا انتقلت إليه أرض من المسلم سواءً بشرائها من المسلم أو بكل نوع من أنواع الإنتقال على الخلاف بين علمائنا في ذلك فإن في تلك الأرض الخمس ، ولا بد أن يدفع الذمي هذه الضريبة كبقية الضرائب التي يتقرر عليه دفعها بموجب بنود عقد الذمة ودخوله في حماية المسلمين وتختلف هذه الصورة عن الصور الستة السابقة فان الخمس في تلك كانت على المسلم يخرجه من ماله أما في هذه
الصورة فان على الذمي دفع الخمس كضريبة عليه يقول الإمام الصادق (ع) :
( الذمي إذا إشترى من المسلم الارض فعليه فيها الخمس )
(1) .
هذه هي الاصناف السبعة التي يجب فيها الخمس وإنما تعرضنا لها على سبيل الايجاز كعرض لما يجب فيه الخمس الذي كان للايتام من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) حصة فيه ، أما الشروط في كل صنف والخلافات بين العلماء في كل منها فقد تجنبنا التطرق له لخروجه عن موضوعنا المبحوث عنه ، والذي هو ـ كما قلنا ـ وجود حصة ليتامى آل البيت
المحمدي .
3 ـ من يستحق الخمس :
يقسم الخمس بنص الآية الكريمة ، والاخبار الواردة عن أهل البيت (ع) إلى ستة أقسام :
**************************************************************
(1) وسائل الشيعة : الباب ( 9 ) من أبواب ما يجب فيه الخمس / حديث ( 2 ) .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 100 ـ
قال تعالى :
( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )
(1) .
وبمثل هذا التقسيم جاء مكرراً في الاخبار الكريمة أن الخمس يقسم إلى هذه الاقسام الستة
(2) .
وقد صنفت هذه الأقسام الستة إلى قسمين :
ويشمل الأول : سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذوي القربى .
أما الثاني : فهو سهم اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل .
أما القسم الاول : فهو في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) له بأقسامه الثلاثة ، وذلك لان سهمه له ( صلى الله عليه وآله ) بالاصالة ، وأما سهم الله فهو لوليه أيضاً ، والسهم الثالث ، والذي هو لذوي القربى فإنه للإمام (ع) حال حياته ولا إمام غيره وأما بعد وفاة النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) فهو لخلفائه الأئمة الاثني عشر (ع) بدءاً بالإمام علي أمير المؤمنين (ع) وختاماً بالحجة محمد المهدي (ع) وقد خصوا هؤلاء بهذه السهام الثلاثة ، وفي زمن غيبة الإمام هذه تختص هذه السهام بالامام الحجة صاحب الزمان (ع) .
يقول الامام الرضا (ع) في تفسير هذه الآية الشريفة بعد أن سئل ( فما كان لله فلمن هو ؟ فقال :
لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما كان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فهو للإمام .
وبعد ثبوت هذه السهام الثلاثة فعلاً للإمام (ع) فإنه في زمن غيبته ، وعدم تمكننا من الوصول إليه فعلاً فيرجع أمره إلى نائبه ، وهو
**************************************************************
(1) سورة الانفال : آية ( 41 ) .
(2) وسائل الشيعة : الباب ( 1 ) من أبواب قسمة الخمس / حديث ( 8 ) .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 101 ـ
المجتهد الجامع للشراط ، وليس بوسعنا التطرق بشكل أوسع إلى الاقوال في تعيين الوظيفة بالنسبة إلى سهمه (ع) في زمن غيبته فإنها كثيرة ـ وفي الوقت نفسه ـ ضعيفة المدرك إلا أن ما يذهب إليه الفقهاء ممن لهم الكلمة في مجال الفتوى من الامامية هو القول برجوع أمر هذا النصف وهو :
الذي يطلق عليه إسم ( سهم الامام ) إلى نواب الامام في غيبته وهم ـ كما قلنا ـ المجتهد الجامع للشرائط من الامامية الإثنا عشرية .
أما القسم الثاني فقد صرحت الآية الكريمة بأنه :
إلى اليتامى والمساكين ، وابن السبيل .
ولم توضح بأكثر من ذلك .
ولكن فقهائنا إستفادوا من الاخبار الواردة عن أهل البيت (ع) تخصيص هؤلاء الطوائف الثلاث :
بالايتام ، والمساكين ، وأبناء السبيل من بني هاشم ، وهو جد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وذريته محصورة في ولده : عبد المطلب وإسمه ( شيبة الحمد ) وأولاده عشرة وهم :
عبدالله ، أبو طالب ، العباس ، حمزة ، الزبير ، أبو لهب ، ضرار ، الغيداق ، مقوم ، الحارث .
وقد إنحصر نسل عبد المطلب في عبدالله ، وأبي طالب ، والعباس ، وحمزة ، والزبير .
ولولا حظنا ملياً لرأينا : أن نسل عبد المطلب إنحصر في الأربعة غير عبدالله ، وذلك :
لان عبدالله ليس له إلا النبي ( صلى الله عليه وآله ) والنبي إنحصر نسله في سيرة
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 102 ـ
النساء فاطمة (ع) وأمير المؤمين علي بن أبي طالب (ع) فدخل نسله في أبي طالب
(1) .
وإعطاء ذرية هؤلاء الأربعة هو المشهور بين فقهاء الإمامية بل عليه الإجماع
(2) .
وهكذا الاخبار تصرح بذلك فقد جاء عن الامام الكاظم (ع) قوله :
( وهؤلاء الذين جعل اكلهم الخمس هم : قرابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذين ذكرهم الله فقال : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) .
وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر ، والأنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد )
(3) .
وقد صرحت روايات عديدة بأن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب ، أو لا تحل الصدقة لولد العباس ، ولا لنظرائهم من بني هاشم ، أو بابني عبد المطلب ، أو بابني هاشم ، إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم
(4) .
وعن الامام الصادق (ع) قوله :
( إن الله لا إله هو لما حرم علينا الصدقة أبدل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام ، والخمس لنا فريضة ) .
ومن الخبر الاخير يفهم أن الخمس إنما هو بدل الصدقة فحيث منعهم الله من الصدقة فقد عوضهم الخمس ، ومن الاخبار المتقدمة نرى أن بني هاشم ممن منعوا من الصدقات فكان لهم الخمس ومن هنا يرى فقهائنا بأن بني عبد المطلب جميعهم يستحقون الخمس وقد صرحوا بذلك يقول الشيخ صاحب الجواهر :
**************************************************************
(1 ، 2) جواهر الكلام : 16 / 104 / طبعة دار الكتب الإسلامية / طهران .
(3) وسائل الشيعة : باب ( 1 ) من أبواب قسمة الخمس / حديث ( 8 ) .
(4) وسائل الشيعة : باب ( 29 ) من أبواب المستحقين للزكاة .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 103 ـ
( لم يعرف منهم ـ أي من ذرية عبد المطلب ـ إلا المنتسب إلى الأولين . . . وهم ذرية أبي طالب ، والعباس ، بل لم يبارك الله إلا في ذرية الأول منهما ، وان كان لا خلاف في إستحقاق الجميع الخمس )
(1) .
وقد يقف الباحث مع هذا الإطباق من الفقهاء على استحقاق بني عبد المطلب الخمس على بعض الاخبار التي يظهر منها حصر المستحق بآل محمد ، وأهل بيته ، أو ذريته (ع) وما شاكل من هذه العبارات التي لا يظهر منها التعميم لكل من ولده هاشم حتى ولو كان من غير أبي طالب .
ومن تلك الاخبار ما جاء مرفوعاً في قوله :
( الخمس على خمسة اشياء ـ إلى قوله ـ والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد (ع) الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس )
(2) .
ومنها : ما عن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (ع) .
قال فيها : ( نحن والله عنى ( الله ) بذي القربى الذين قرننا بنفسه وبرسوله ـ إلى أن قال : ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً أكرم الله رسوله ، وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس )
(3) .
وبمثل هذا جاءت بعض الروايات الأخرى .
وقد أجيب عن هذه الروايات ، وبالإمكان تلخيص الاجوبة على النحو التالي :
أولا : أن بعض الاخبار مما يفيد ظاهرها الاختصاص بآل محمد ( صلى الله عليه وآله )
**************************************************************
(1) جواهر الكلام : 6/104 طبعة دار الكتب الاسلامية / طهران .
(2) وسائل الشيعة : باب ( 1 ) من أبواب قسمة الخمس / حديث ( 9 ) .
(3) وسائل الشيعة : باب ( 1 ) من أبواب قسمة الخمس / حديث ( 7 ) .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 104 ـ
ضعيف السند كما في مثل هذين الخبرين المذكورين
(1) .
وثانيا : أن هذا النوع من الإختصاص محمول على نوع من التغليب لان أهل البيت هم السبب في تشريع الخمس
(2) .
وثالثا : أنه لا منافاة بين كثير من هذه الاخبار ، وتلك الاخبار التي يظهر منها التعميم فان هذه محمولة على أن بعض الخمس لهم وهم ينوهون عن ذلك
(3) .
ورابعاً : أنه لا منافاة بين ما يظهر من بعض هذه الاخبار أنها مختصة بهم بإعتبار أن الصدقة محرمة عليهم تكريماً منه تعالى لهم (ع) وبين تحريمها على غيرهم من سائر بني هاشم أيضاً لاقتضاء تكريمهم (ع) عموم التحريم لاقربائهم
(4) على أن بعض الاخبار تعبر عن أن الخمس لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والقرابة تشمل غير أهل بيته من أولاد عمومته .
4 ـ الخمس : تشريعه :
من مجموع ما تقدم بيانه حيث عرضنا التقسيم الثنائي للخمس وتنصيفه بين حق الله ، ورسوله ، وقرباه من جهة ، وبين اليتامى والمساكين ، وأبناء السبيل من بني هاشم ، ومن الاخبار التي مرت علينا يتضح لنا أن فكرة الخمس في الموارد المالية يتوخى من ورائها تحقيق الأمور التالية :
**************************************************************
(1 ـ 2 ) ـ لاحظ مستند العروة الوثقى : ص ( 319 ـ 320 ) مطبعة الأداب / النجف الأشرف .
(3) لاحظ مستمسك العروة الوثقى : 9/576/ مطبعة الأداب النجف الأشرف .
(4) مستند العروة الوثقى / 320 مطبعة الأداب ، النجف الأشرف .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 105 ـ
الأمر الاول :
أن الخمس فكرة حية للتكافل الاجتماعي .
الامر الثاني :
دعم المركز المالي للسلطة التشريعية .
الامر الثالث :
تكريم البيت الهاشمي أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وذوي قرابته .
1 ـ الخمس والتكافل الإجتماعي :
وإذا ما عدنا إلى النصف الثاني من الخمس ، ورأينا تخصيصه بهذه الطوائف الثلاث : الايتام ، والمساكين ، وابن السبيل ، اتضح لدينا أن هذه العملية لا تخرج عن كونها صورة حية من صور التكافل الاجتماعي الذي يتوخاه الإسلام ، ويحرص على تطبيقه لينشد الضعيف الى الغني فلا يتركه يعاني ويلات الفقر ، بل يبقى مواكباً مسيرته الحياتية يتحسس مشاكله المالية ، ويفكر فيه ، ويأخذ بيده ليدفع عنه شبح العوز والفاقة .
وبطبيعة الحال إن هذا التوجه من الغني ، والتودد منه نحو الفقير يوجب تعاطفه معه ، وجعله يتحين الفرص ليرد الجميل إليه بكل ما يستطيع من وسائل العرفان ، والإعتراف بهذا التعاطف الذي لمس حنانه منه يوم كان يتيماً لا أب له ، أو كان فقيراً لا كافل له ، أو كان ابن سبيل انقطع به الطريق في بلد لا معين له فيه .
وبذلك تتصل الحلقات التي يتكون منها هذا المجتمع بما يحتوي عليه من جنسيات عديدة ، ومذاهب عديدة ، وآراء مختلفة .
2 ـ تمويل السلطة التشريعية :
نصف الخمس ـ كما بينٌاه ـ يختص بالله ، والرسول ، وذوي قرباه ،
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 106 ـ
وكانت هذه السهام في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيده يديرها ، ويتصرف فيها بنظره .
أما بعد النبي فقد انحصر أمر هذه السهام بالأئمة الإثنا عشر بدءاً بأمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع) وختاماً بالإمام الحجة محمد المهدي المنتظر .
أما بعد الأئمة (ع) فإن أمر هذا النصف فيعود إلى حكام الشرع والذين هم أمناء الله في خلقه إلى أن يختار الله لهذا العالم نهايته .
أن تخصيص هذا القسم بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأوصيائه (ع) وحكام الشرع من بعدهم إنما هو صورة واضحة لما يسمى في العرف الإداري بالميزانية الخاصة ، والتي تتكفل بالصرف الخاص لادارة المنصب الذي يمثلونه في كافة المجالات .
إن الإمام وهو الممثل الأعلى للسلطة التشريعية ، والتنفيذية لا بد له من الإعتماد على المال لصرفه فيما يتطلبه منصبه في كافة الشؤون لذلك خصصت له الشريعة الاسلامية هذه الأموال نصف الخمس ، وكذلك ما يفضل من النصف الثاني ( سهم السادة ) لو اكتفوا منه ، وفضل من المال شيء وهكذا الانفال وغيرها مما منحه الله في الموارد الخاصة والتي يتعرض لها الفقهاء في كتبهم .
ان الشريعة الاسلامية أخذت بعين الاعتبار المنصب الاعلى وما يتطلبه من شؤون خاصة تتوقف على صرف المال لتدعيم مثل هذا المركز المرموق .
ولا مجال لسحب مثل هذه المصروفات من بيت مال المسلمين وان كان الامام والحكام من بعده هم القيمون على الادارة المالية في الامة ، وهم الذين يتولون تقسيم ما فيه وتوزيع ما يجتمع فيه من المال إلا أن بيت
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 107 ـ
مال المسلمين له مصارفه الخاصة في تمويل المشاريع العامة ، والتي تحتاجها الامة من قبيل انشاء الجسور ، وشق الانهر ، والطرق ، والمستشفيات والمساجد ، والمعاهد العلمية ، والإجتماعية ، وكذلك الصرف على الجيوش ، والحراس الداخليين ، وكافة الموظفين الذين يعملون في الجهاز الذي تتشكل منه الدولة في كافة مرافقها العامة ، والخاصة .
إن احداث الميزانية الخاصة ، وتخويل الامام في الصرف الخاص لدعم مركز الامامة ، والحكومة في جميع الادوار إنما لتخفيف الضغط على بيت المال ليتوفر بذلك على المعوزين نصيبهم ، وبذلك يتمكن بيت المال من تلبية كافة الطلبات التي تتوجه إليه من جميع مرافق الدولة ، وأجهزتها الادارية ، والإجتماعية .
وقد التفت المعنيون بالامور المالية إلى ضرورة إحداث مثل هذه المخصصات أكثرية ، أو تخصيص الميزانية الخاصة لكل رئيس دولة ، أو رئيس إدارة ليتمكن بذلك من تصريف الامور على نحو لا تزاحم هذه المصارف الخاصة المصدر الذي يمول مرافق الدولة بالمال وهو الخزانة العامة ان التشريع الإسلامي قد سبق المشرعين إلى إحداث مثل هذه الميزانية ، وتخصيص المال للنثريات التي يحتاجها الرئيس الاعلى لدعم المركز الذي يمثله ، ولذلك جاءت التشريعات العرفية متأخرة عنه في هذا المجال .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 108 ـ
عود على بدء :
تكريم البيت الهاشمي
وبعد هذه اللمحة عن الخمس نعود لنقول :
أن القرآن الكريم كرم اليتامى من آل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) بنحو خاص حيث جاء ذلك في آية الخمس من قوله تعالى :
( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) .
ومظاهر التكريم في الآية الكريمة تأتي مستوحاة من التدرج في تقديم اليتامى على المساكين ، وأبناء السبيل في إعطائهم حصة من الخمس وان كان الكل من بني هاشم .
ولا خلاف في عدم إشتراط الفقر في ابن السبيل وهو :
المنقطع به الطريق في غير بلده سواءً بسرقة ماله ، أو غير ذلك مما يجعله محتاجاً ، ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاستغناء في مثل هذا الحال ببيع شيء من ماله ، أو الإفتراض أو غيرهما فيعطي حصة من الخمس بمقدار ما يليق بحاله من المأكول ، والملبوس ، والمركوب إلى أن يصل الى بلده ، أو إلى بلدٍ يمكنه تحصيل المال فيه فيمنع حينئذٍ من الصرف عليه ولا يختلف فقهاء الشيعة في ذلك .
وأما المسكين فهو الفقير ، أو أنه الاسوأ منه حالاً كما جاء ذلك عن الإمام الصادق (ع) في قوله :
( الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه )
(1) .
**************************************************************
(1) وسائل الشيعة : كتاب الزكاة : باب ( 1 ) من أبواب أصناف المستحقين للزكاة / حديث ( 3 ) .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 109 ـ
ولكن الضابط في المسكين والفقير هو الذي لا يملك مؤونة سنته فعلاً ، أو قوة له ، ولعياله الواجبي النفقة بحسب حاله في الشرف ، وما دونه ، وليكن المسكين أسوأ حالاً من الفقير ، أو مساوياً له .
وإذا ما وصل الدور إلى اليتيم رأينا الخلاف في فقره من قبل فقهاء الشيعة فهل يعطى حصة من الخمس ، وان كان غنياً أم لا بد من فقره ؟
المشهور بين فقهائنا هو إشتراط فقره ، بينما يقول البعض منهم بعدم إشتراط الفقر فيه .
ولتوضيح وجهة نظر المشهور يقال : بإن العلة في تشريع الخمس هو تأمين احتياجات بني هاشم في قبال غيرهم حيث شرعت لهم الزكاة ، فكما أن الغني يمنع من الزكاة من غير بني هاشم كذلك يمنع بنو هاشم من الخمس لو كانوا أغنياء وغير محتاجين من غير فرق بين يتاماهم ، وغيرهم من المساكين .
أما من يقول بعدم إشتراط الفقر فيهم فيستدل على مدعاه بأن سياق الآية الكريمة والاخبار يقتضي أن يمنح يتامى بني هاشم وان كانوا أغنياء لخصوصية في اليتيم الذي لحقهم ولذلك جاءت الآية الكريمة فجعلتهم في قبال المساكين بل ومقدمين عليهم ، ولو كان الفقر شرطاً فيهم لما كان داع للتنصيص عليهم ، بل يكفي ذكر المساكين لشمول هذا العنوان لليتامى الفقراء ، فان الفقير داخل في المسكين بحسب العنوان وعليه فذكرهم في قبال المساكين دليل على عدم إشتراط الفقر فيهم .
وهكذا جاءت الاخبار لتقابل بينهما .
ومن هنا نرى القرآن الكريم يكرم هؤلاء اليتامى على كل تقدير سواءً إشترط فيهم الفقر ، أم لم يشترط .
أما على القول بعدم إشتراط الفقر ، فان إعطاء هؤلاء اليتامى يعتبر
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 110 ـ
في غاية التكريم والتجليل حيث أعطوا حصة من الخمس ولو كانوا أغنياء ، فهو حق من حقوقهم يقتضيه مقامهم وإنتسابهم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وأما على القول بإشتراط الفقر في اليتامى ، فان تميزهم عن المساكين ، والتنصيص عليهم بالذكر لهو دليل على إهتمام القرآن ، والسنة بهؤلاء الصغار الضعفاء ، وإلا فان عنوان المساكين يشملهم ، وبه يحصلون على حصه من الخمس .
وإذاً فالتنصيص عليهم هو تكريم لهم على كل حال سواءً أشترط فيهم الفقر أم لا .
إن هذه العملية التكريمية إنما قصد بها أن يصان هذا البيت الرفيع من الالتجاء الى الصدقات ، ومديد الإستجداء إلى الآخرين فقد عوضهم عن كل ذلك بالخمس يستحقونه في أموال الاغنياء في الموارد الخاصة على نحو الحق ، والإستحقاق لا على نحو المن من المعطي كما هو الحال في التصدق على الفقير أو الهبة إليه يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) .
وإنما جعل هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيهاً لهم لقرابتهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل ، والمسكنة ، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض ، وهؤلاء الذين ذكرهم الله فقال :
( وانذر عشيرتك الاقربين ) وهم بنو عبدالمطلب أنفسهم : الذكر منهم ، والأنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ، ولا من العرب أحد )
(1) .
**************************************************************
(1) وسائل الشيعة : الباب ( 1 ) من أبواب قسمة الخمس / حديث ( 8 ) .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 111 ـ
ويظهر هذا المعنى جلياً في موقف بطلة كربلاء الثانية السيدة الجليلة ( أم كلثوم ) بنت الإمام علي أمير المؤمنين (ع) في الكوفة عندما وصل إليها موكب السبي الحسيني .
فقد ذكرت المصادر التأريخية أن إحدى المتفرجات أشفقت على الأطفال من الذين ضمهم موكب السبي لما رأت عليهم من آثار الجوع ، والإرهاق فجاءت لهم بطعام وتمر وأخذت تلقيه عليهم وهي تقول :
( إن الصدقة حرام علينا أهل البيت )
(1) .
ويرمي الصبيان ما بأيديهم ، وافواههم من الطعام ، وهم يرددون مقالة عمتهم :
( إن الصدقة حرام علينا أهل البيت ) .
إن يتامى البيت المحمدي أجل من أن يتناولوا الصدقات وهي أوساخ الناس ما بأيدي الناس من المال ، ولذلك جعل الله الخمس لهم خاصة كما يقول الامام الكاظم (ع) في الحديث المتقدم .
ويذهب فقهائنا إلى أن نصف الخمس لو زاد عن كفاية آل البيت المحمدي يرجع إلى الإمام ، أو نائبه ، وان حصل العوز ولم يكتفوا بما يصل إليهم من ذلك النصف أكمله الإمام أو نائبه وأبعد عنهم شبح الفقر .
حصة اليتامى من الفيء :
ولم تقتصر الشريعة الإسلامية على هذا المقدار من إعطاء بني هاشم نصف الخمس ، وليتاماهم على الخصوص تكريماً لهم ، ووفاءً لنبيه
**************************************************************
(1) حياة الامام الحسين بن علي للقرشي : 3/334 .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 112 ـ
الكريم في تجليل ذوي قرباه ، بل كرمهم في مجال آخر حيث خصص لهم قسماً من الفيء فقال تعالى :
( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ )
(1) .
والفيء هو الرجوع ، يقال : فاء يفيء فيئاً إذا رجع ، وأفأته عليه إذا رددته عليه .
أما في المصطلح الفقهي فانه أيضاً لوحظ فيه رجوع ما للكفار إلى المسلمين ، أو إلى النبي خاصة على تفصيل يتعرض إليه الفقهاء ، وملخص ما ورد في هذا الخصوص هو :
أن القرآن الكريم ، تعرض إلى ذكر الفيء في آيتين الأولى قوله تعالى :
( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
(2) .
والآية الثانية :
( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ )
(3) .
والآيتان وردتا في سورة واحدة ، وإحداهما بعد الثانية على نحو الإتصال ، وبدون عاطف بينهما ، وفي كليهما جاء لفظ الفيء إلا أنه في
**************************************************************
(1) سورة الحشر : آية ( 7 ) .
(2 و 3 ) سورة الحشر : الآية : 6/7 .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 113 ـ
الأولى جعل ذلك الفيء وهو المأخوذ من الكفار بغير أن يقاتل عليه بخيل وركاب إلى الله ، ورسوله فقط ، أما في الآية الثانية فقد جاء الفيء فيها بغير قيد أنه لم يوجف عليه بخيل ، وركاب ، وقد خصص إلى الله ورسوله ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل .
ولا إشكال في أن الآية الأولى وردت في قضية بني النضير وهم اليهود حيث صالحوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أن يتجنبوا أمر المسلمين فلا يقاتلوا معه ، ولا يقاتلوه فقبل ذلك منهم ، ثم أنهم نقضوا العهد ، وتحالفوا مع كفار قريش على أن تكون كلمتهم واحدة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبعد ذلك أرادوا قتل النبي لذلك حاربهم ، وسار اليهم مشيا من
غير خيل ، وركاب لان مواقع بني النضير كانت في ناحية من نواحي المدينة فتحصنوا فحاصرهم ( صلى الله عليه وآله ) حتى بلغ منهم كل مبلغ ، فصالحهم على أن يحقن دمائهم ، وأن يخرجهم من أرضهم ، وأوطانهم وفعلاً فقد خرجوا وأخذ كلما خلفوه والان تبين لنا أن ما خلفه اليهود بعد خروجهم من ديارهم من الأموال هي فيء لله ، وللرسول بنص هذه الآية الأولى الكريمة ، ولايشاركهما أحد من شركائهما في آية الخمس وأما الآية الثانية ( فالفيء لم يحكي بظاهره قضية بني النضير بل جاء مطلقاً ومستحقه ـ كما قلنا ـ هو
الله. ورسوله ، وشركائهم في آية الخمس ، ومنهم اليتامى .
والتساؤل يقع في أن هاتين الآيتين هل الموضوع فيهما واحد ، وأن الآية الثانية بيان للأولى ، أم أنهما تختلفان من حيث الموضوع فكل منهما أفادت موضوعاً يختلف عن الآخر ؟
قيل بالأول : وان الآية الأولى جاءت لتبين الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب ، وهو أموال بني النضير ، ويعم الحكم غيرهم من الكفار ، وأنه لله ، وللرسول ، وجاءت الآية الثانية لتبين موارد مصرف الفيء المذكور في الآية الأولى.
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 114 ـ
ذهبت إلى ذلك الشيخ الطوسي في التبيان ، والفيض في تفسيره ، والفاضل المقداد في كنز العرفان ، والكشاف وغيرهم
(1) .
وأما القول الثاني : فيذهب إلى أن الموضوع في الآيتين مختلف فموضوع الآية الأولى : الفيء ، وهو الأموال التي تؤخذ من الكفار بغير خيل ، ولا ركاب ، ومعناه بغير قتال ، بل بالصلح ، أو انجلاء أهله قبل أن تقع الحرب بين الطرفين وهذا يرجع إلى النبي خاصة بنص هذه الآية .
أما موضوع الآية الثانية : فهو الفيء أي المال المأخوذ من الكفار بالقتال ، والغلبة ، وهذا يقسم إلى خمسة أقسام ، أو خمسة حصص وحصة واحدة إلى الرسول ، ولذي القربى واليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل من بني هاشم ، أما بقية الحصص فهي تقسم بين المقاتلة ، ومن حضر ، ولو لم يقاتل ، وكذا من اتصل بالمقاتلين من المدد على تفصيل تتعرض اليه المصادر الفقهية في كتاب الجهاد .
ومن الواضح أن هذا القول الثاني يعتمد على دعوى أن الفيء في الآية الثانية : هو المأخوذ بعد القتال ، والغلبة ، أما في الأولى : فهو المأخوذ بغير حرب ، ومن يذهب إلى هذا القول لا يحتاج إلى سوق الدليل على أن الآية الأولى مسوقة لبيان كون الفيء فيها هو المأخوذ بغير حرب ، وقتال لان الآية نفسها تصرح بذلك .
نعم : يحتاج هذا القائل لإقامة الدليل على الفيء الذي جاء في الآية الثانية ـ مع أنه مطلق لم يقيد أنه يؤخذ بحرب ، أو بغير حرب ـ هو الفيء الذي يؤخذ بعد الحرب ، والقتال .
وقد اعتمد القائل بذلك على دليلين :
**************************************************************
(1) لاحظ لهؤلاء تفاسيرهم لآية الفيء من سورة الحشر .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 115 ـ
الأول : ان نفس مقابله الآية الثانية بالأولى يعطينا إعتبار الفيء في الثانية مأخوذاً بعد الحرب ، والقتال لأن موضوعها كما هو صريحها المأخوذ بغير قتال ، فطبيعي أن الثانية تكون قد وردت لبيان حكم ما أخذ بعد الحرب ، والقتال .
الدليل الثاني : ما جاء عن الامام الباقر (ع) في الخبر الصحيح قوله :
( الفيء : والانفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء وقوم صولحوا ، وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة أو بطون ، أودية فهو كله من الفيء فهذا لله ، ولرسوله وأما قوله : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) .
فهذا بمنزلة المغنم كان أبي يقول ذلك ، وليس لنا فيه غير سهمين سهم الرسول ، وسهم القربى ، ثم نحن شركاء الناس فيما بقي
(1) .
ولا يخفى الفرق بين هذين القولين :
أما القول الأول : فحيث كان المراد من الفيئين في الآيتين واحداً فمعناه : أن ما يتركه الكفار ، وما يؤخذ منهم كله لرسول الله ، وشركائه الذين ذكرتهم الآية الثانية .
وأما القول الثاني : فانه يعطي الفيء موضوع الآية الأولى الذي لم يؤخذ بقتال كله لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فالمال كله له يصنع به ما يشاء .
أما الفيء الذي يؤخذ بالقتال ، والغلبة ، فان لرسول الله وشركائه
**************************************************************
(1) لاحظ للخبر المذكور وسائل الشيعة حديث ( 12 ) من الباب ( 1 ) من الأنفال وهذا القول الثاني ذهب إليه سيدنا الاستاذ الإمام السيد الخوئي ، ( دام ظله ) لاحظ مستند العروة الوثقى / كتاب الخمس ( 350 ـ 353 ) لزيادة التوضيح .
اليتيم في القرآن والسنة
ـ 116 ـ
الخمس منه أما الاربعة أخماس الباقية ، فهي تقسم على ما فرضه الله في آية الخمس ـ كما سبق أن بينٌاه ـ حيث يقسم على المقاتلة على تفصيل في ذلك .
الخاتمة :
والآن ونحن نودع هذا البحث فنقول :
إن الشريعة الاسلامية مرة أخرى عطفت على اليتامى فجعلت لهم حصة من الفيء على الخلاف بين القولين :
حصة كبيرة على القول الأول.
وحصة أقل على القول الثاني .
والمهم هو ما يناله اليتيم ، وإهتمام القرآن به ، وتقديمه على المسكين ، وابن السبيل .
وإلى الله العلي القدير نضرع داعين أن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه الخير ، والصلاح ، وأن يوفقنا لخدمة المجتمع في أبنائه من يتامى ، وغيرهم :
إنه سميع مجيب .