لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال ـ ثم قال : ـ اللهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا ومفهومه أنهم لم يحلوا ذلك لغير شيعتهم.
  وذلك إشارة الى ما هو حقهم من الأمور المذكورة ، ولا يلزم من عدم إحلالهم الجميع عدم إحلالهم البعض ، ولو سلمت الدلالة فهي محمولة على الكسب بالنسبة إلى الأرضي جمعا بين الأخبار ، ويمكن أن يحمل أيضا الحل للشيعة على الحل الخاص ، أعني ما يختلف الحال فيه بين الحضرة والغيبة ، بحيث لا يرفع أيديهم عنه بعد الظهور كما دل عليه بعض الأخبار وكلام الأصحاب كالعلامة في المنتهى (1) وغيره.
  أقول : لا يشتبه على من ينظر بعين البصيرة الشافية عن شوب كدر طلب غير الحق أنه لا يكاد يحقق شيئا ولا ورد ما يزيل الشبهة عما ذكرته من الأخبار ومن كلام الأصحاب الدال على الإباحة في الأرضين بإطلاقه ، وقبل ذلك أقدم سؤالا وجوابه ، أما السؤال فهو أن الامام عليه‌السلام أطلق تحريم الكسب من الأرض ، وحملهم بعض الأخبار على ذلك لا يتمشى على أصول قواعد الشريعة من أن الزرع لزارعه ولو في الأرض وغيره وكذا الغرس لغارسه وانما يلزمه الأجرة في الذمة والجواب أن إطلاق التحريم على الكسب باعتبار لزوم الحق للغير به مع عدم إيقائه إياه من باب إطلاق المسبب على السبب ، أو نقول أن حق الامام عليه‌السلام متعين في العين لإطلاق الطسق وهو الرقبة من خراج الأرض ولا يكون ذلك كسائر الحقوق التي يكون المدين فيها بالخيار في جهات القضاء ولنرجع الى ما قلناه فنقول : أما الدلالة من الأخبار فمنه ما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم : من غرس شجرا أو حفر واديا بديا (2) لم يسبقه

(1) منتهى المطلب ـ ج 1 ـ ص 553 ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ الطبعة الحجرية.
(2) البدي : البئر التي حفرت في الإسلام وليست بعادية ( من هامش التهذيب ).

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 72
  إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من الله عزوجل ورسوله (1).
  وعنه عن ابن أبي عمير عن محمد بن حمران عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم (2).
  وعن الحسن بن محبوب عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخر بها ثم جاء بعد فطلبها فإن الأرض لله عزوجل ولمن عمرها (3).
  وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وفضيل وبكير وحمران وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيا أرضا مواتا فهي له (4).
  وعن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه‌ السلام قال : وجدناه في كتاب علي عليه ‌السلام : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام وله ما أكل منها وإن تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي وله ما أكل حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحوبها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم (5).

(1) تهذيب الأحكام : ج 7 ـ ص 151 ـ حديث 19 ـ 670 من الباب 11 في أحكام الأرضين.
(2) تهذيب الأحكام : ج 7 ص 152 وفيه اختلاف يسير حديث : 20 ـ 671 باب 11 في أحكام الأرضين.
(3) تهذيب الأحكام : ج 7 ص 152 حديث : 21 ـ 672 ـ باب 11 في أحكام الأرضين.
(4) تهذيب الأحكام : ج 7 ص 152 حديث : 22 ـ 673 ـ باب 11 في أحكام الأرضين.
(5) تهذيب الأحكام : ج 7 ـ ص 152 ـ حديث : 23 ـ 674 ـ باب 11 في أحكام الأرضين.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 73
  أقول : قطع تفصيل هذه الرواية النزاع وفصح عن المراد وفيها وفيما سبق جملة كافية من الأخبار.
  وأما الدلالة من كلام الأصحاب فأكثر من أن تحصى ، فمنه ما ذكره العلامة في المنتهى وهذه عبارته : وأما الموات منها وقت الفتح فهي للإمام خاصة لا يجوز لأحد إحياؤه إلا بإذنه إن كان موجودا ولو تصرف فيها بغير إذنه كان على المتصرف طسقها ويملكها المحيي عند غيبته من غير إذن ـ الى أن قال : ـ ويدل على أن المحيي للموات في غيبته عليه‌السلام يملكها بالإحياء ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال : سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه ‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا قال : فقال أبو عبد الله عليه ‌السلام كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤديه الى الإمام فهي في حالة الهدنة ، فإذا ظهر القائم عليه‌السلام فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه (1) (2)
  قلت : والمراد بالمؤمنين في الخبر المسلمون لأن الشيعة مأذون لهم اتفاقا فجعل الفاضل الخبر دليلا على الملك من غير إذن يدل على أنه فهم ما ذكرناه من أن المراد المسلمون ، والغرض الاستشهاد بكلام الأصحاب فلا مشاحة في دلالة الخبر وعدم حجية فهم العلامة إذ الدليل قد تقدم في الأخبار.
  وقال في التحرير في كتاب إحياء الموات : ولو كان الإمام غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فزالت آثارها فأحياها غيره كان الثاني أحق ، فإذا ظهر الامام كان له رفع يده عنها (3) وقد سمعت ما ذكره في باب قسمة الأراضي عند ذكر الأنفال في صدر الرسالة.

(1) تهذيب الأحكام : ج 4 ص 145 حديث : 26 ـ 404 ـ باب 39 في الزيادات.
(2) منتهى المطلب ـ ج 2 ـ ص 936 ـ كتاب الجهاد ـ البحث الثالث في أحكام الأرضين ـ الطبعة الحجرية.
(3) تحرير الأحكام ـ ج 2 ـ ص 130 ـ كتاب احياء الموات ـ بيان أقسام الأرضين ـ الرابع ، الطبعة الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 74
  وقال في الإرشاد : ويجوز إحياء الموات بإذن الامام وبدون إذنه مع غيبته ولا يملكه الكافر (1).
  وقال في القواعد : وكل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للإمام ، وما جرى عليها ملك مسلم فهي له وبعده لورثته ، فإن لم يكن لها مالك معين فهي للإمام ولا يجوز إحياؤها إلا بإذنه ، فإن بادر وأحياها بغير إذنه لم يملكها ، فإن كان غائبا كان أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فبادت آثارها فأحياها غيره كان الثاني أحق ، وللإمام بعد ظهوره رفع يده (2).
  وقال الشهيد رحمه‌الله في دروسه : ونعني بالموات ما لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلائه عليه أو لاستيجابه مع خلوة من الاختصاص ، ويشترط في تملكه بالإحياء أمور تسعة :
  ( أحدها ) إذن الامام على الأظهر سواء كان قريبا من العمران أم لا ، وفي غيبة الإمام يكون المحيي أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فزالت آثاره زالت يده ...
  ( وثانيها ) أن يكون المحيي مسلما ... (3) إلخ وعبارات الأصحاب في هذا كثيرة لا يخلو منها سطور ، واشتركت معنى في أن إحياء الموات في حال الغيبة لسائر المسلمين جائز ويقتضي ثبوت اليد وكون المحيي أحق بالأرض ، وهذا مما لا شك فيه ولا شبهة لديه ولا غبار عليه ، وفي هذا القدر كفاية وتقنع والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
  قوله : المقدمة الرابعة : في تعيين ما فتح عنوة من الأرضين ... إلخ (4).
  أقول : لا بحث لنا منوطا بهذه المقدمة إلا في العراق.

(1) إرشاد الأذهان ـ ج 1 كتاب الجهاد ـ المطلب الثالث ـ سياقة ـ ص 348.
(2) قواعد الأحكام ـ ج 1 ـ كتاب احياء الموات ـ ص 220 ـ السبب الأول في الاختصاص الطبعة الحجرية.
(3) الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ ص 292 ـ كتاب احياء الموات ـ الطبعة الحجرية وفيه اختلاف يسير.
(4) راجع خراجيته (ره) ، ص 61.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 75
  والمؤلف قال : وأما أرض العراق التي تسمى بأرض السواد وهي المفتوحة من الفرس التي فتحت في أيام الثاني فلا خلاف في أنها فتحت عنوة (1).
  أقول : إن أراد بقوله ( لا خلاف في أنها فتحت عنوة ) أنه لا خلاف في كونها فتحت بالسيف في الجملة على معنى أن فتحها لم يكن بالصلح ولا بهرب أهلها وتسليمها ولا بإسلامهم طوعا بل بالمحاربة فهو حق اليقين لأنه من المتواترات (2) لكن لا يجديه في مطلوبه نفعا ، وإن أراد أنها بحكم المفتوحة عنوة على معنى أن عامرها للمسلمين وغامرها للإمام على ما سبق من تفصيل الأحكام فهو معلوم البطلان إذ الخلاف متحقق ، بل لو شئت أن أقول : لا خلاف في كونها من الأنفال لأنها غنيمة الغازي بغير إذنه فيكون منها ، لقلت : وما يوجد من بعض الروايات فهو محمول على التقية ، وعبارات الأصحاب لا يخلو عن شي‌ء يمكن تطبيقه على ما ينافي الاتفاق ، والآن فلسنا بصدد دعوى ذلك لنحققه بل بصدد بيان بطلان قوله ( لا خلاف ) ومن أنه لم يأت بدليل على الإجماع أكثر من إيراد عبارتين أو ثلاثة لبعض أصحابنا ورواية أو روايتين من الحديث وليس من الدلالة على الإجماع في شي‌ء ، بل لو كانت دعواه ترجيح أحد المذهبين لم يقم ما ذكره دليلا على مدعاه لأن قول رجلين أو ثلاثة في أصحابنا ليس بدليل ، وخبر الواحد بمجرده قد يمنع دلالته ومع تسليمها فمع الخلو عن المعارض ، والمعارض وهو ما علم من أنها فتحت في زمن الثاني وقد سلمه ـ معلوم وإذن علي عليه‌السلام (3) غير معلوم ، وليس حمل الخبر على ما يقتضي الإذن أولى من حمله على التقية للجزم بأنها فتحت في غير زمن الامام الظاهر اليد ، وكلام الشيخ يدل على أن عدم الاذن محقق وسيأتي.

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 63.
(2) الصحيح المتواترات.
(3) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 145 ـ حديث : 26 ـ 404 ـ باب 39 في الزيادات.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 76
  وأعجب من ذلك أن العلامة في المنتهى (1) والتحرير (2) نقل عن الشيخ ما يدل على أنها من الأنفال فأسقطه حتى أورد الكلامين ، وأورد هو قول الشيخ في المبسوط (3) وجعل آخره إيرادا ثم أجاب عنه بكلام رث ركيك لا يفوه به متأمل وحيث كانت هذه المسألة من المهمات علما وعملا ونقضا وجب إيضاحها على وجه لا يبقى معه اشتباه ، فنقول وبالله التوفيق : ثبت بما لا غبار عليه أن الثاني بعث عسكرا فتح العراق وولي الأمر عندنا وهو علي عليه‌السلام حينئذ مقهور اليد عامل بالتقية متابع خوفا على نفسه للثاني لا يشك فيها أحد من علمائنا ، ومن المعلوم أن عليه‌السلام عند الثاني في ظاهره وعند من يدين بإمامته من الرعية ، لا حكم له من حيث الإمامة ولا أمر ولا إذن ولا غير ذلك وهذا مقطوع به أيضا ، فالغنيمة التي غنمها العسكر غنيمة عسكر ليس من قبل إمام عادل عندنا فهي من الأنفال على الرواية المشهورة بين الأصحاب ، (4) وقد أسلفناها وما يدل على شهرتها ونقل الإجماع عليها ، فالعراق حينئذ من الأنفال ولا يحتمل أن يكون بحكم المفتوحة عنوة إلا على أحد أمرين.
  ( الأول ) كون العسكر أتى بإذن ولي الأمر وهو غير معلوم والأصل عدمه ، بل لو قيل إنه ثابت العدم أمكن لأنه إعانة على اشتهار إمامته وعموم رئاسته وهو إغراء بالقبيح لا يليق من المعصوم إلا على وجه لا يخلو من نظر هو أن ذلك أخف ضررا مع اشتهار اسم الإسلام من البقاء على الكفر ، ولا يخفى على المتأمل ما فيه ، ومما يؤيد عدم تحقق الاذن ويؤكده أمور ستسمعها إن شاء الله تعالى ، ولنورد منها هنا شيئا واحدا هو أن السيد الفاضل الكامل العالم العامل علي بن

(1) منتهى المطلب ـ ج 1 ـ ص 553 ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ الطبعة الحجرية.
(2) تحرير الأحكام ـ ج 1 ـ ص 143 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.
(3) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ ص 34 ـ كتاب الجهاد.
(4) تهذيب الأحكام ـ ج 7 ـ ص 152 ـ حديث 23 ـ 674 ـ من باب 11 في أحكام الأرضين.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 77
  عبد الحميد الحسيني قدس الله سره قال في شرحه الذي بلغ فيه الغاية وتجاوز فيه النهاية للنافع وظاهره أنه حكاية عن شيخه فخر الدين رحمه‌الله ما هذا لفظه : وأما العراق فقيل فتح عنوة فهو للمسلمين كافة لا يباع ولا يوقف ولا يوهب ولا يملك لأن الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا مع الجيش وفتح بإذن علي عليه‌السلام ، وقيل لم يفتح عنوة لأن الفتح عنوة هو الذي يكون بحضور الإمام أو نائب الإمام أو إذن الامام وليس شي‌ء من ذلك معلوما ، وكذا قولهم أن الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا مع الجيش أيضا غير معلوم فلا يكون مفتوحا عنوة فيكون للإمام عليه‌السلام وهو المفتي به ، وكذا قال والده (1).
  الى هنا كلامه رحمه‌الله.
  أقول : ولم أقف على حديث أعتمد عليه ولو خبر واحد في أنه عليه‌السلام أذن في ذلك ، والأصل والظاهر متطابقان على عدمه ، فيكون منفيا وعلى كل تقدير فائدة الإجماع الذي ادعاه مع التصريح بالخلاف كما سمعته.
  ( الثاني ) الشك في مقتضى الرواية وليس بمتوجه لما قررنا سابقا ، ولا ورد عبارات بعض الأصحاب في هذا الباب.
  قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : وأما أرض السواد فهي الأرض المفتوحة من الفرس الذي فتحها عمر وهي سواد العراق فلما فتحت بعث عمر عمار بن ياسر أميرا وابن مسعود قاضيا وواليا على بيت المال وعثمان بن حنيف ماسحا ، فمسح عثمان الأرض ، واختلفوا في مبلغها ، فقال الساجي اثنان وثلاثون ألف ألف جريب ، وقال أبو عبيدة ستة وثلاثون ألف جريب وهي ما بين عبادان والموصل طولا وبين القادسية وحلوان عرضا ، ثم ضرب على كل جريب نخل ثمانية دراهم والرطبة ستة والشجر كذلك والحنطة أربعة والشعير درهمين وكتب الى عمر فأمضاه.
  وروي أن ارتفاعها كان في عهد عمر مائة وستين ألف ألف درهم

(1) لم يتوفر لدينا شرح الحسيني على المختصر.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 78
  فلما ولي عمر بن عبد العزيز رجع الى ثلاثين ألف ألف في أول سنة وفي الثانية بلغ ستين ألف ألف فقال : لو عشت سنة أخرى لرددتها الى ما كان في أيام عمر فمات تلك السنة ، وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام لما اقضي الأمر إليه أمضى ذلك لأنه لم يمكنه أن يخالف ويحكم بما يجب عنده فيه ، والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة أن يكون خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة ، يكون الغانمين وغير الغانمين في ذلك سواء ، ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما يبوء بهم من سد الثغور ومئونة المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك من المصالح ، وليس الغانمين في هذه الأرضين خصوصا شي‌ء بل هم والمسلمون فيه سواء ، ولا يصح بيع شي‌ء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تملكه ولا وقفه ولا إجارته ولا إرثه ، ولا يصح أن نبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف الذي تتبع الملك ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل ، وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل عسر أو فرقة غزت بغير إذن الامام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين إن صح شي‌ء من ذلك يكون للإمام خاصة ويكون من جملة الأنفال التي لا خاصة لا يشركه فيها غيره (1).
  أقول : لا خفاء ولا شبهة أن الشيخ رحمه‌الله بهذا الكلام حاكم أن الفتح كان بغير إذن علي عليه‌السلام لأنه حكم بأنه على الرواية يكون من الأنفال ، والرواية تضمنت أن ما فتح له بغير إذنه يكون له ، فلو لا أن عدم الاذن محقق عنده لم يحكم بأنها من الأنفال على الرواية بلا مرية لأنه لا يلزم من الرواية أن ما فتح بإذنه من

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 33.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 79
  الأنفال بل ما فتح بغير إذنه ، وقد حكم على الرواية بأن العراق وسائر ما فتح في غير أيام علي عليه‌السلام يكون من الأنفال ، وهذا صريح ينادي من له أدنى تأمل بأن غزو العسكر لم يكن بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام وأن مذهب الشيخ أنها من الأنفال لأنه مفت بمقتضى الرواية وجازم بها في كتبه بل ادعى في بعضها الإجماع على مقتضاها كما أسلفنا حكاية عنه.
  إن قلت ما قد قال سابقا والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها ينافي حكمه بكونها من الأنفال على الرواية لأن الرواية عنده محققة مجزوم (1) بها كما ذكرته عند في هذا الكتاب وغيره كالنهاية (2) فما الجمع بين كلاميه ؟
  قلت : وجه الجمع بين كلاميه أن يحمل الكلام الأول على الرد على العامة بتقدير الفتح عنوة ، فإن الذي يقتضيه المذهب في المفتوح عنوة ما ذكره ، وعند الشافعي أن حكمه حكم ما ينقل ويحول ، (3) وبه قال الزبير ، وذهب قوم الى أن الامام مخير فيه بين شيئين بين أن يقسمه على الغانمين وبين أن ينفقه على المسلمين ، ذهب اليه عمر ومعاد الثوري وعبد الله بن المبارك ، وذهب أبو حنيفة وأصحابه الى أن الامام مخير فيه بين ثلاثة أشياء : بين أن يقسمه على الغانمين وبين أن ينفقه على المسلمين وبين أن يقر أهلها عليها ويضرب عليهم الجزية باسم الخراج ، فإن شاء أقر أهلها الذين كانوا فيها ، وإن شاء أخرج أولئك وأتى بقوم آخرين من المشركين وأقمرهم فيها وأضرب عليهم الجزية باسم الخراج ، وذهب مالك الى أن ذلك يصير وقفا على المسلمين بنفس الاغتنام والأخذ من غير إنفاق الامام ، ولا يجوز بيعه ولا شراؤه (4) فلما علم الشيخ أنهم اتفقوا على أنها

(1) تهذيب الأحكام ـ ج 7 ـ ص 152 ـ حديث 23 ـ 674 ـ من باب 11 في أحكام الأرضين.
(2) النهاية في مجرد والفتاوى ـ كتاب الزكاة ـ ص 200.
(3) الام ـ ج 4 ـ ص 140 ـ كتاب الوصايا ـ تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب.
(4) الخلاف ـ ج 2 ـ ص 333 ـ المسألة 18 و19 من كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم ـ ط ( إسماعيليان ).

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 80
  فتحت عنوة وأن أكثر مذاهبهم ليس على ما هو الحق في المفتوح عنوة أشار إلى أن الذي يقتضيه المذهب في المفتوح عنوة ما ذكره بين ذلك للرد عليهم ، ثم أشار الى ما هو مذهب الإمامية واختيارهم وذكر سند اختيارهم وهو الرواية ، فهذا حقيقة كلام الشيخ رحمه‌الله يعرفه من دعاه ومن تدبر مباحثه في كتبه خصوصا المبسوط ، (1) وكيف يليق غير هذا وهو حاكم مفت بمقتضى الرواية وحاكم أن الأمر على مقتضاها أن يكون العراق من الأنفال.
  قال المؤلف في آخر المقدمة : فإن قلت أليس قد قال الشيخ في المبسوط ما صورته : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الامام فغنمت تكون الغنيمة للإمام عليه‌السلام خاصة (2) تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول إلا ما فتح بعد في أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ إن صح شي‌ء من ذلك ـ يكون للإمام خاصة ويكون من جملة الأنفال التي لا يشركه فيها غيره ، (3) وهذا الكلام يقتضي أن لا يكون أرض العراق من المفتوحة عنوة ، قلت : الجواب عن ذلك من وجوه :
  ( الأول ) أن الشيخ قال هذا على صورة الحكاية وفتواه ما تقدم في أول الكلام مع أن جميع أصحابنا مصرحون في هذا الباب بما قاله الشيخ في أول كلامه ، والعلامة في المنتهى (4) والتذكرة (5) أورد كلام الشيخ هذا حكاية وإيرادا بعد أن أفتى بمثل كلامه الأول حيث قال في أول كلامه : وهذه الأرض فتحت عنوة ... إلخ ولم يتعرض لما ذكره أخيرا بشي‌ء.

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد.
(2) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ حديث : 12 ـ 378 ـ الباب 38 في الأنفال ص 135.
(3) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ ص 34 ـ كتاب الجهاد.
(4) منتهى المطلب ـ ج 2 ـ ص 938 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.
(5) تذكرة الفقهاء ـ ج 1 ـ ص 428 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 81
  ( الثاني ) أن الرواية (1) التي أشار إليها ضعيفة الاسناد ومرسلة ، ومثل هذه كيف يحتج به أو يسكن إليه مع أن الظاهر من كلام العلامة في المنتهى ضعف العمل بها ؟
  ( الثالث ) إنا لو سلمنا صحة الرواية (2) المذكورة لم يكن فيها دلالة على أن أرض العراق فتحت عنوة بغير أمر الإمام ، فقد سمعنا أن عمر استشار أمير المؤمنين في ذلك ، ومما يدل على ذلك فعل عمار فإنه من خلصاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ولو لا أمره لما ساغ له الدخول في أمرها (3) إلى هنا.
  أقول : هذا الكلام مما يجب أن يقال منه على ساق وينتصر لدين الله منه فإنه مع بطلانه لا يصل الى مرتبة الشبهة بل هو أوهى من بيت العنكبوت وذلك لأن قوله في الوجه الأول من الأجوبة : إن الشيخ قال ( هذا على صورة الحكاية وفتواه ما تقدم في أول كلامه ) ليس بمعقول لأن الشيخ حكم على تقدير الرواية بأن العراق من الأنفال فهو حكم معلق على تقدير جواز العمل بالرواية ، ويلزم منه أن العسكر الذي افتتح العراق كان بغير إذنه لأن مقتضى الرواية ليس إلا مع ذلك ، فليت شعري كيف يخيل (4) أن يكون هذا حكاية ؟ لا أدري عمن حكى.
  وأما الحكاية التي حكى ليس إلا حكم على تقدير ، فإما أن يمنع الملازمة ردا عليه أو يمنع الأصل الذي يبنى عليه ، وأما كون كلامه حكاية فهو حكاية لا يخلو من نكاية.
  قوله : مع أن جميع أصحابنا يصرحون في هذا الباب ما قاله الشيخ في أول كلامه (5) .

(1) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 135 حديث 12 ـ 378 ـ الباب 38 في الأنفال.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 33.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 67 ـ 68.
(4) الظاهر ( يحتمل ).
(5) راجع خراجيته (ره) ، ص 67 ـ 68.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 82
  أقول : قد سمعت ما حكيناه عن فخر الدين رحمه‌الله والذي أعرفه أن أكثر الأصحاب لم يتعرض لذلك بنفي ولا إثبات نعم ذكره أفراد منهم كالعلامة (1) والشيخ (2) على ما سمعته من قوله الدال على أنها من الأنفال وابن إدريس أشار الى ذلك في سرائره (3) إشارة ، فليت شعري كيف كان قول أفراد قليلين مع عدم التصريح من بعضهم جميع الأصحاب ( إِنَّ هذا لَشَيْ‌ءٌ عُجابٌ ) (4).
  وأعجب منه الصحيح (5) من بعض الأصحاب بالخلاف وباختيار العكس جزما أو معلقا على ما هو مسلم ، فكيف يدخل مثل هذا في الجميع. وأعجب منه التصريح من الجمع.
  قوله : والعلامة في المنتهى والتذكرة أورد كلام الشيخ هذا حكاية وإيرادا بعد أن أفتى بمثل كلامه الأول حيث قال في أول كلامه وهذا الأرض فتحت عنوة لم يتعرض لما ذكره آخرا بشي‌ء (6).
  أقول : إنما كان أعجب لأنه أورد سندا للرد على قول الشيخ بأنه مخالف لما قاله جميع الأصحاب مع أن الذي أشار إليه من الأصحاب لم يسكتوا عن كلام الشيخ بل أورده حكاية ، وفيه دلالة ظاهرة على فهمهم منه ما يخالف فتواهم وعلى اعتبار القول حيث أوردوه بعد فتواهم ، وهذا يؤكد عدم إطلاق فتوى من أفتى من الموردين لكلامه بدون إيراد قوله والإشارة إليه ، فكيف يكون سندا على أن قول الشيخ خلاف الإجماع أو أنه حكاية ؟! نعم ما ذكره العلامة عنه حكاية فاعتبروا يا أولي الأبصار ، هذا وكلام العلامة في المنتهى ليس فيه دلالة على أنه

(1) منتهى المطلب ـ ح 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 938 ـ الطبعة الحجرية ، تذكرة الفقهاء ـ ج 1 ـ كتاب الجهاد ـ ص 428 ـ الطبعة الحجرية.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 34.
(3) السرائر ـ ص 116 ـ كتاب الخمس ـ باب ذكر الأنفال ومن يستحقها ـ الطبعة الثانية الحجرية.
(4) ص : 5.
(5) الصحيح ( التصريح ).
(6) راجع خراجيته (ره) ، ص 67.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 83
  مفت بأنها بحكم المفتوح عنوة بشي‌ء من الدلالات لأنه قال : مسألة : أرض السواد هي الأرض المفتوحة من الفرس التي فتحها عمر بن الخطاب وهي سواد العراق وحده في الأرض من منقطع الجبال الى طرف القادسية المتصل بقريب من أرض العرب ومن تخوم الموصل طولا الى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة.
  فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هو إسلامي مثل شط عثمان بن أبي العاص ما والاها كانت سباخا ومواتا فأحياها عثمان ابن ابي العاص وسميت هذه الأرض سوادا لأن الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سموها السواد لذلك ، وهذه الأرض فتحت عنوة ، فتحها عمر بن الخطاب ، ثم بعث إليها بعد فتحه ثلاثة أنفس عمار بن ياسر على صلاته أميرا ، وابن مسعود قاضيا وواليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، وفرض ، لهم كل يوم شاة شطرها مع السقوط لعمار وشطرها للآخرين وقال : ما أرى ، قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سريع في خرابها ، ومسح عثمان بن حنيف أرض الخراج واختلفوا في مبلغها فقال الساجي اثنان وثلاثون ألف ألف جريب. وقال أبو عبيدة : ست وثلاثون ألف ألف جريب ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين ثم كتب بذلك الى عمر فأمضاه ، وروي أن ارتفاعها كان في عهد عمر مائة وستين ألف ألف درهم ، فلما كان زمان الحجاج رجع الى ثمانية عشر ألف ألف ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رجع الى ثلاثين ألف ألف درهم في أول سنته وفي الثانية بلغ الى ستين ألف ألف درهم ، فقال : لو عشت سنة أخرى لرددتها الى ما كان في أيام عمر ، فمات تلك السنة ، ولما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام أمضى ذلك لأنه لم يمكنه أن يخالف ويحكم بما يجب عنده فيه.
  قال الشيخ (ره) : والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من البلاد

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 84
  للمسلمين قاطبة ـ الغانمين وغيرهم سواء في ذلك ـ ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما يبوء بهم من سد الثغور وتقوية المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك من المصالح ، وليس للغانمين في هذه الأرضين على وجه التخصيص شي‌ء بل هم والمسلمون فيه سواء ، ولا يصح بيع شي‌ء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تملكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجازته ولا إرثه ، ولا يصح أن تبنى دورا ومنازلا ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف التي تتبع الملك ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل ، ثم قال رحمه‌الله : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الامام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ إن صح شي‌ء من ذلك ـ يكون للإمام خاصة ويكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره (1).
  فانظر أيها المتأمل بعين البصيرة إلى قلة تأمل هذا الرجل وجرأته على دعوى الإجماع ونفي الخلاف والنقل عن جميع الأصحاب ، مع أن عبارات أمثالهم كما تلونا عليك ، فإن العلامة قد حكى كلام الشيخ حكاية وهي كما ذكرناه عنه في المبسوط (2) ، وقد ذكر هو فيما سبق حكم المفتوحة عنوة فلو كان أرض السواد مما فتح عنوة عنده لقال به جزما من غير أن يحكيه قولا مع أنه حكاه ولم يتعرض له بنفي أو إثبات ، ثم حكى قول الشيخ وعلى الرواية بعده فان كان حكاية القول وعدم التعرض له دليلا على عدم الاختيار فهو مشترك ، وما هو جوابه هو جوابنا ، ولم يسبق منه شي‌ء غير قوله ( فتحت عنوة فتحها عمر بن الخطاب ) ولا دلالة فيه

(1) منتهى المطلب ـ ج 2 ـ ص 937 ـ كتاب الجهاد ـ في أحكام أرض السواد الطبعة الحجرية.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ ص 33 ـ كتاب الجهاد.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 85
  لأنه من المجزوم به أنها فتحت بالسيف فتحها الثاني ، أما أن لها حكم المفتوحة عنوة شرعا فلا ، بل لو قيل أن قوله ( فتحها ) فيه دلالة على أنها ليست بحكم المفتوحة عنوة عنه كان صوابا لأنه جزم بأن المغنوم بغير إذن للإمام.
  وقوله ( فتحها ) من غير أن يذكر شيئا غير ذلك فيه دلالة على أنها من الأنفال خصوصا إذا انضم إلى جملة كونها بحكم المفتوحة عنده حكاية ، وعبارته في التحرير قريب من هذا حيث قال : أرض السواد وهي الأرض المفتوحة من الفرس التي فتحها عمر وهي سواد العراق وحده من سطح الجبال بحلوان الى طرف القادسية المتصلة بقريب من أرض العرب ومن تخوم الموصل طولها الى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة ، فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هو إسلامي مثل شط عثمان ابن أبي العاص وما والاها كانت شياحا ومواتا وأحياها عمار بن أبي العاص وسميت هذه الأرض سوادا لأن الجيش لما خرجوا من البادية رأوا التفات شجرها فسموها سوادا وبعث عمر إليها بعد فتحها ثلاثة أنفس : عمار بن ياسر على صلاتهم أميرا وابن مسعود قاضيا وواليا على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، قال أبو عبيدة : فبلغ مساحتها ستة وثلاثون ألف ألف جريب فضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين ثم كتب الى عمر فأمضاه وكان ارتفاعها مائة وستين ألف ألف درهم ولما انتهى الأمر الى أمير المؤمنين عليه‌السلام أمضى ذلك ورجع ارتفاعها في زمن الحجاج إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم.
  قال الشيخ : والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأربابه وأربعة الأخماس الباقية للمسلمين قاطبة لا يصح التصرف فيه ببيع ولا هبة ولا إجارة ولا إرث ، ولا يصح أن تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف التي يتبع الملك ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 86
  على الأصل ـ قال ـ وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل عسكر أو فرقة عزت بغير إذن الامام تكون تلك الغنيمة للإمام خاصة تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول عليه‌السلام إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ إن صح شي‌ء من ذلك ـ يكون للإمام خاصة ويكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا شركة فيها غيره (1).
  الى هنا ، فتفطن أيها المنصف ، هل حكم بأنها فتحت عنوة في كلامه هذا أو احترز عنه بقول ( المفتوحة من الفرس التي فتحها عمر ) ثم حكى قول الشيخ ولم يتعرض له مع أنه صرح في باب الخمس بحكم المفتوحة عنوة ولم يذكره هنا إلا قولا ، وهذا بعينه هو كلامه في المنتهى (2) من غير فرق ، وتوهم الفرق بقوله في المنتهى ( فتحت عنوة فتحها عمر ) في غاية الضعف بعد ما ذكرناه ، فأين الدلالة من كلام العلامة فضلا عن كلام جميع الأصحاب ؟ والله يهدي الى طريق الصواب.
  واعلم أن في عبارة الشيخ والعلامة دلالة على أن عليا عليه‌السلام ما أمضى ما فعله عمر إلا تقية ، والظاهر أنه لكونها من الأنفال لأنها غنيمة من غزا بغير إذنه.
  قوله : إن الرواية التي أشار إليها الشيخ ضعيفة الإسناد (3).
  أقول : هذا لا يحتاج الى رد بعد ما أثبتناه وحققناه من أنها معتضدة بعمل الأصحاب مشهورة الفتوى منهم بل مضمونها في الحقيقة إجماع ، وقد تقدم فلا نعيده ، والمؤلف قال سابقا ومضمون هذه الرواية مشهور بين الأصحاب مع كونها مرسلة ولا شك أن الشهرة تعضد الضعف وتحقق جواز العمل جزما.
  قوله : مع أن الظاهر من كلام العلامة في المنتهى (4) ضعف العمل بها (5).

(1) تحرير الأحكام ـ ج 1 ـ ص 142 ـ كتاب الجهاد ـ القسم الثالث في الأرضين ، الرابع الأنفال ـ ( و ) ارض السواد ـ الطبعة الحجرية.
(2) منتهى المطلب ـ ج 2 ـ ص 937 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 67.
(4) منتهى المطلب ـ ج 2 ـ ص 937 ـ كتاب الجهاد.
(5) راجع خراجيته (ره) ، ص 67.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 87
  أقول : لا أدري قوله هذا لأي شي‌ء نشأ ولا أي شي‌ء قصد به وذلك لأنا إذا سلمنا أن ظاهر العلامة في المنتهى (1) ضعف العمل بها لهم يقدح في حجيتها المستندة إلى شهرتها بين الأصحاب بوجه من الوجوه أصلا ، بل لا يقدح في الإجماع لأن العلامة أفتى بها فيما تقدم من المنتهى وما تأخر عنه فلا يقدح خلافه فيه في الإجماع لو كان صريحا فضلا عن أن يكون ظاهرا على أنا لا نسلم أن ظاهر العلامة في المنتهى ضعف العمل بها وهذه عبارته فيه وإذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام ، ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى رحمه‌الله وأتباعهم.
  وقال الشافعي : حكمها حكم الغنيمة مع إذن الامام لكنه مكروه.
  وقال أبو حنيفة : هي لهم ولا خمس ولأحمد ثلاثة أقوال كقول الشافعي وأبي حنيفة وثالثها لا شي‌ء لهم.
  احتج الأصحاب بما رواه العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا غزا قوم بغير إذن الامام كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس (2).
  احتج الشافعي بعموم قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) (3) الآية ، وهو يتناول المأذون فيه وغيره واحتج أبو حنيفة بأنه اكتساب مباح من غير جهاد فكان كالاحتطاب والاحتشاش.
  واحتج أحمد على ثالث أقواله بأنهم عصاة بالفعل فلا يكون ذريعة إلى الفائدة والتملك الشرعي.
  والجواب عن الأول أنه غير دال على المطلوب إذ الآية تدل على إخراج الخمس في الغنيمة إلا على المالك ، وإن كان قول الشافعي فيه قوة ، وعن الثاني بالمنع من المساواة لأنه منهي عنه إلا بإذنه عليه‌السلام ، وعن الثالث بالتسليم فإنه غير دال على المطلوب (4) الى هنا ، ولا أعرف وجه ظهور استعطافه العمل بالرواية من هذا الكلام ، فإن كان

(1) منتهى المطلب ـ ج ـ ص 937 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية
(2) تهذيب الأحكام ج 4 ص 135 حديث : 12 ـ 378 ـ باب 38 ـ في الأنفال وفيه اختلاف يسير.
(3) الأنفال : 41.
(4) منتهى المطلب : ج 1 ـ ص 553 ـ كتاب الخمس ـ الطبعة الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 88
  المؤلف توهم ذلك من قوله ( ذهب إليه الشيخان ... إلخ ) أو من قوله ( احتج الأصحاب ) أو من قوله ( وان كان قول الشافعي فيه قوة ) (1) فليس من الظهور الذي ذكره في شي‌ء كما لا يخفى ، فإن قوله الأول ذهب إليه بعد فتواه ظاهرا ، وقوله ( احتج الأصحاب ) مؤيد في الحقيقة ، وكون قول الشافعي لا يخلو من قوة لا يدل على ضعف العمل بضده مع أنه أورد ذلك بعد جوابه بقصور استدلاله عن الدلالة على مطلوبه.
  قوله : الثالث : لو سلمنا صحة الرواية المذكورة لم يكن فيها دلالة على أن أرض العراق فتحت عنوة بغير إذن الامام عليه‌السلام (2).
  أقول : لم يدع الشيخ ولا غيره ولا فاه به فوه عالم أن الرواية تدل على عدم الاذن حتى يكون ثالث الأجوبة عدم دلالتها على الفتح عنوة بغير إذن ، فهذا الجواب لا ينطبق ولا يبتني على قانون أهل النظر بوجه من الوجوه أصلا ، وحاصل الأمر أن الشيخ حكم بأن العراق من الأنفال على الرواية ، (3) فقضية شرطية بيان ملازمتها لم يتعرض له إلا أنه من كلامه أنه يعتقده ، وقد وجهناه سابقا (4) فجوابه بأن الرواية لا دلالة فيها بغير إذن خبط ظاهر.
  قوله : فقد سمعنا أن عمر استشار أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك (5).
  أقول : السماع لا يكون دليلا إلا إذا ثبت بطريق شرعي ولو آحادا ، ولم يثبت ، والأصل عدم الإذن فيتمسك به الى أن يقوم ما يخالفه.
  قوله : ومما يدل عليه فعل عمار فإنه من خلصاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ولولا أمره لما ساغ له الدخول (6).

(1) إشارة إلى كلام العلامة في المنتهى.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 68.
(3) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 34.
(4) انظر ص 67.
(5) راجع خراجيته (ره) ص 68.
(6) راجع خراجيته (ره) ص 68.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 89
  أقول : هذا من أوهى الأدلة لأن عمر كان في الظاهر إماما تجب متابعته تقية ، وقد بعث عماله الى البلاد وفيهم خواص علي عليه‌السلام فلم يمتنعوا فعدم امتناعهم لا يدل على وجوب اتباعه لأنه أهل لذلك ، ولا على صحة تصرفه على أن عمار لو تمكن من عدم الطاعة له وسلمنا أنه استأذن عليا عليه‌ السلام فأذن له لم يدل ، إلا أن فعل عمار لم يكن معصية لا أن فعل عمر كان صحيحا وفتحه كان صحيحا وتوليته كانت صحيحة ، وكيف يخفى هذا على من له أدنى عقل وفكر ، هذا والصحيح أنها حمله الامام عليه‌السلام لأنها من الأنفال ، فلو أذن لعمار لكان أذن له في ماله ، وإذنه عليه‌السلام في ماله جائز وكذا إذنه في صرفه في مصالح المسلمين ـ لو ثبت ـ وجواز هذا كاف في عدم صحة الاستدلال ولات حين مناص ، وبالجملة فهذا الكلام بعيد عن التحقيق وبالله التوفيق.
  قوله : ومما يقطع النزاع ويدفع السؤال ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين ... إلخ (1) (2).
  أقول : هذا خبر واحد غير معتضد بالإجماع بل ولا شهرة وهو محمول على التقية فلا يعرج على مثله محصل ، وقد مر في خلال كلام الشيخ (3) والعلامة (4) الإشارة إلى التقية في إمضاء علي عليه‌السلام بعد توليته.
  قوله : وروى أيضا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما اختلف فيه ابن أبي ليلى وابن شبرمة في السواد وأرضه فقلت : إن ابن أبي ليلى قال : إنهم إذا أسلموا فهم أحرار وما في أيديهم من أرضهم لهم وأما ابن شبرمة فزعم أنهم عبيد وأن أرضهم التي بأيديهم ليست لهم ، فقال في الأرض

(1) تهذيب الأحكام ج 7 ص 147 ـ حديث : 1 ـ 652 ـ باب 11 في أحكام الأرضين.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 68.
(3) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ ص 34 ـ كتاب الجهاد.
(4) منتهى المطلب ـ ج 2 ـ ص 937 ـ كتاب الجهاد.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 90
  ما قال ابن شبرمة وابن بشير (1) وقال في الرجال ما قال ابن أبي ليلى بأنهم إذا أسلموا فإنهم أحرار (2).
  وهذا قاطع في الدلالة على ما قلناه لا سيما وفتوى الأصحاب وتصريحهم موافق لذلك فلا مجال للتردد (3)
  أقول : هذا عن التحقيق بمعزل لأنا إذا سلمنا الخبر ولم نتعرض لضعف إسناده ، وقلناه بمضمونه لم يلزم أكثر مما دل عليه ، وإنما دل على أن الأرض ليست لهم وكونها لا تدل على أنها فتحت عنوة لأنه أعم ولا دلالة للعام على الخاص ، كيف ونفي كونها لهم يجتمع مع ما هو الحق من كونها من الأنفال ، والأنفال للإمام عليه‌السلام فلا يكون لهم ، فانظر أيها المتأمل إلى كثرة خبط هذا الرجل خبط عشواء فلا يكاد أن يرتب دليلا على محله ، فمن هو بهذا القصور أولى أن يتحذر عن القصور ، ومن العجب أن دليله غير منطبق على مدعاه وهو يقول ( وهذا قاطع في الدلالة على ما قلناه ) وأما قوله ( لا سيما وفتوى الأصحاب وتصريحهم موافق لذلك فلا مجال للتردد ) علم جوابه فيما مضى فلا يحتاج الى بيان طائل.
  قوله : وأما أرض الشام فقد ذكر كونها مفتوحة عنوة بعض الأصحاب ، وممن ذكر ذلك العلامة في كتاب إحياء الموات من التذكرة لكن لم يذكر أحد حدودها (4) ، وأما البواقي فذكر حكمها القطب الراوندي في شرح نهاية الشيخ وأسنده إلى المبسوط وعبارته هذه ( والظاهر على ما في المبسوط أن الأرضين التي هي من أقصى خراسان الى كرمان وخوزستان وهمدان وقزوين وما حواليها أخذت بالسيف ) (5) هذا ما وجدته فيما حضرني من كتب الأصحاب (6)

(1) يبدو ان ( وابن بشير ) زائدة.
(2) تهذيب الأحكام ج 7 ص 155 حديث : 33 ـ 684 ـ باب 11 في أحكام الأرضين وفيه اختلاف يسير.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 68.
(4) تذكرة الفقهاء ـ ج 2 ـ ص 402 ـ كتاب احياء الموات ـ في بيان تقسيم الأراضي ـ الطبعة الحجرية.
(5) لا يوجد عندنا هذا الكتاب.
(6) راجع خراجيته (ره) ، ص 68 ـ 69.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 91
  أقول : هذا كلام لا يحتاج الى نقض لأنه لم يزد فيه على كون بعض الأصحاب ذكر ذلك وهو حكاية حال ، ولا يخفى أن مجرد الفتوى ليس دليلا ، وقد صدر المقام بقوله في تعيين ما فتح عنوة ، فإن أراد أن هذا القدر يقتضي التعيين فلا يخفى فساده وإن أراد أنه يفيد الدعوى فلا نزاع معه ، على أن في المبسوط (1) قد سمعته وسمعت ما ذيله به من قوله ( وعلى الرواية ) ، (2) وإذ قد عرفت ما أفدناه وضعف ما استدل به فاعلم أن هنا أمر إذا نظره المتأمل بعين البصيرة لم يجد معه لهذا الرجل المتحمل في حل هذه الشعرية وجها وأنه وفيما فعل وألف لا يخلو من أمرين قصور في العلم أسقط فيما فعل ، أو شدة فهمه لحب جمع الدنيا لا يبالي معه من أين أصاب ، وذكر ما ذكرتموها لدفع الشناعة من بعض قاصري النظر ، ولعل الثاني هو الوجه ، فإن ولاة العراق قد ألموا أهله بتخريج مال لا شبهة في تحريمه ، ضرب في تحصيله السيد والعامي وبكر من ضيق ذمة الفقير والمسكين وكنت من المشاهدين لذلك ، حتى أن الحائك وغيره من أرباب الصنائع من المؤمنين المكتسبين يؤخذ منهم إلى مرتبة الدرهم والدرهمين وجمعوا ذلك وجعلوه في وجه المعونة للزاد والراحلة وما تبعهما عند توجهنا الى الرضا عليه‌السلام بإشارة من خلدت دولته فبولغت فيه ، فكان جوابي بحضرة هذا المؤلف وحضرات أكبار أهل العراق من السادة والعوام أنه ـ دامت سلطنته ـ بعث إلينا من أقاصي خراسان ونحن في طرف عراق العرب طلبنا لترويج الدين وإظهار فضل التشيع وأهله المستنين بسنته أهل بيت النبوة عليهم ‌السلام فاذا تركنا الدين وأخذنا الحرام كيف نكون أهلا لترويج الدين ، فلم ألبث قليلا وإذا به قد أخذه وصرفه فيما يشاء غير متأثم ولا خائف من موقف العرق ولا مستح من شناعة أهل الإيمان

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 34.
(2) إشارة إلى كلام المحقق الثاني ( قده ) في خراجيته ص 67.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 92
  وأهل الخلاف على دين التشيع نظرا الى فعل من هو مسمى فيهم بالرئاسة وربما زعم أنه عمل حيلة له ، فليت شعري كيف كانت تلك الحيلة مع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي وجوب السعي في رده الى أهله على الفور بجميع أنواع القدرة ، فلو لم يكن على المتحيل في أخذه إلا عدم رده والسعي فيه لكان من موبقات الذنوب بل الرضا والسكوت عنه مع المكنة من موبقاتها ، وإنما ذكرت هذه الحكاية في هذا المحل لأنها مشهورة بلغت مرتبة لا يمكن أحد أن ينازع فيها ولا يمكن من الجواب عنها هو ، وقد زعم أنه قد عمل عليها صورة وجاز أمره مع ذلك عند أهل الدنيا الغافلين عن مصالح المعاد ، فكيف لا يجوز ما يحتمل أن يكون شبهة!! وقد كنت أكره أن أوقعها في مثل هذه الرسالة لولا ما علمته من وجوب التنبيه لأهل الله ليأخذوا الحذر من مثله وليمتنعوا من تقليده لفقد ما يشترط في صحة أخذه من مثل الثقة والأمانة. قال الله في الشهادة ـ ولا شك في كونها دون مرتبة الانتصاب في منصب النبوة للفتوى وتكملة الاستقامة ـ ( فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما ) (1) وأكثر فائدة في ذكرها تعريف أهل الخلاف لنا أن ديننا ومذهبنا لا يقتضي ذلك ، فإنه قد اشتهر عنهم بسبب مثل هذه الأفعال ممن يزعمه أنه من رؤساء المذهب ما لا يكاد يقال ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
  ولنرجع الى ما نحن بصدده فنقول : لا شك ولا خفاء أن المفتوحة عنوة مواتها للإمام وعامرها للمسلمين ، فما علم أنه عامر وقت الفتح فهو للمسلمين ، وما علم أنه موات فهو للإمام ، وما لم يعلم فهو محتمل وكونه عامرا الآن أعلم دلالة فيه على كونه عامرا وقت الفتح ، والأصل عدم العمارة حيث يثبت ، فلا يجوز التسلط على أخذ الخراج من قرية الآن إلا إذا علم أنها كانت وقت الفتح عامرة ، وهو في آخر

(1) المائدة : 107.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 93
  رسالته قال ( وليس لأحد أن يقول : هؤلاء أحيوا هذه البلاد وقد كانت قبل مواتا لأن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل .
  أما ( أولا ) فلأن بلاد العراق على ما حكيناه كانت بتمامها معمورة لم يكن لأحد مجال أن يعمروها في وسط البلاد قرى متعددة ، وما كان بين القريتين والبلدين في البعد قدر فرسخ إلا نادرا ، كيف ومجموع معمورهما من الموصل الى عبادان ستة وثلاثون ألف ألف جريب.
  وأما ( ثانيا ) فلأن عمارة القرى أمر عظيم يحتاج الى زمان طويل وصرف مال جزيل وهم كانوا بعيدين عن هذا الاستعداد مع أن هذه التمحلات بعد ما تلوناه من كلامهم في أحكام هذه الأرضين وأحوال خراجها وحل ذلك من التكلفات الباردة والأمور السامجة ) (1).
  أقول تنبيها لأهل العقول : يا اولي الألباب انظروا يا ذوي البصائر تكفروا كيف جعل الإيراد كون البلاد محياة بعد الموات وهذا لا يعترض به أحد ؟ ومن ثم قال : إنه معلوم البطلان ببديهة العقل ، ثم خبط في توجيه معلوميته بالبديهة بما يشعر بأن مراده أعم من إحياء الجميع والبعض ونحن نفصل الجواب عن كلامه على طريق البحث والنظر.
  فنقول : إما أن يريد بقوله هذه البلاد مجموعها ـ أي مجموع بلاد العراق ـ أو البلاد التي يتعلق بها غرضه كالقرية مثلا ، فإن أراد الأول فمسلم أنه مسلم البطلان بالبديهة فلا حاجة الى الاستدلال عليه ، بل الاستدلال الذي ذكره عليه لا يخلو من قصور إذ قوله ( لم يكن لأحد مجال أن يعمر في وسط البلاد قرى ) (2) ممنوع أشد المنع ، إذ لا شاهد له من الأدلة ، وكون معمورها ما ذكر لا يدل عليه إلا

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 86 ـ 87.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 86 ـ 87.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 94
  إذا تحقق أن ذلك هو قدر مجموع أراضيها طوعا وعرضا ، وهو إن لم يكن معلوم البطلان بالضرورة يفتقر إثباته إلى دليل ، وقوله ( وأما ثانيا ... إلخ ) (1) ركيك جدا لأنه مجرد استبعاد وخطابية ، ومن العجب إسناد ما هو معلوم البطلان بالبديهة مثل هذا ، وإن أراد الثاني فمعلوم أنه ليس معلوم البطلان بالبديهة ودعواه مكابرة ، وما أسنده من الوجهين ظاهر الضعف كما نبهنا عليه آنفا ، ومما يؤكده ويزيده بيانا ما هو في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار من تجدد قرى وبلاد بعد الفتح لم تكن معمورة ، فإن الحلة التي هي اليوم من أقطاب العراق كانت مواتا وقت الفتح وغيرها كثير من أراضي العراق.
  ويؤيد ما ذكرناه أن العلامة الفهامة قطب رحى الدين وإمام المجتهدين وقف قرى متعددة كما أشرنا إليه سابقا ، وفي صدر وقفه أنه أحياها وهي ميتة وعمرها وكانت خرابا ، وعلى وقفه خطوط أماثل العلماء والفقهاء من المذاهب الأربعة ومذهب الخاصة ، وهل يستجيز محصل أن يقول إن أرض العراق يوم الفتح لم يكن فيها شي‌ء من الموات ؟ إلا أن يكون ممن لا يبالي كيف يرمي الكلام على أن معمورها المذكور ليس بطريق ثابت يصح الاعتماد عليها ؟ هذا والمعترض لا يعترض بأنها محياة بعد الممات ، إذ لا حاجة الى ذلك بل يقول لا نسلم أن هذه المعينة من أرض الخراج وكون العراق مفتوحة عنوة لا يدل عليه إلا إذا ثبت أنها كانت بحيث لا موات فيها ، وأن هذه المعينة كانت محياة حينئذ ودونه خرط القتاد بل كون بعضها كان مواتا معلوم بالضرورة. لا يقال لو تم ما ذكرتم لقام الاحتمال في كل شي‌ء من المفتوح عنوة فلا يتحقق حكم الخراج في شي‌ء منه.
  فنقول : إن لم يعلم أن شيئا منه على التعيين كان عامرا وقت الفتح ولا ثبت أنه قد أخذ منه الخراج متصلا من غير انقطاع أو أخذه عادل ونحو ذلك مما يدل

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 87.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 95
  على أنها محياة وقت الفتح التزمنا ذلك ولا ضرورة ولا محذور فيه إذ طريان ما يمنع الحكم بسبب لا حق لا يقتضي نفيه سابقا ، وإن علم على التعيين تعلق الحكم به وترك في غيره الى أن ثبت ، ومن المعلوم أراضي عدة كانت عمارات وقت الفتح ذكر أهل السير وغيرهم وأشار إليها الأصحاب.
  وقال ابن إدريس في السرائر (1) وقد أورد شيخنا المفيد في مقنعه في باب الخراج وعمارة الأرضين خبرا وهو : روى يونس بن إبراهيم عن يحيى بن أشعث الكسري عن مصعب بن مصعب بن يزيد الأنصاري قال : استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على أربعة رساتيق : المدائن والهفتادات [ والبهقباذات ] وبهرسير وشهر جويرب ونهر الملك (2) (3) قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : بهر سير ـ بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة والسين الغير المعجمة ـ وهي المدائن ، الدليل على ذلك أن الراوي قال : استعملني على أربعة رساتيق ثم عد خمسة فذكر المدائن ثم ذكر من جملة الخمسة نهر سير وعطف على

(1) السرائر : كتاب الخمس والغنائم ـ ص 112 وفيه اختلاف كثير.
(2) تهذيب الأحكام ج 4 ص 120 الحديث : 3 ـ 343 ـ باب 34 ـ في الخراج وعمارة الأرضين وسند الرواية فيه هكذا ( سعد ابن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن إبراهيم بن عمران الشيباني عن يونس بن إبراهيم عن يحيى بن أشعث الكندي عن مصعب بن يزيد الأنصاري قال : استعملني إلخ ) ، وأيضا فيه ( البهقباذات وبهرسير ونهرجوير ونهر الملك ) (*) .
(3) المقنعة ـ ص 45 ـ باب الخراج وعمارة الأرضين.
(*) البهقباذات وهي ثلاثة ـ ا ـ الأعلى : ويشمل بابل والفلوجة العليا والسفلى وبهمن أردشير وابزقباذ وعين الثمر ـ ب ـ الأوسط : ويشمل نهر البدأة وسورا وبربيسما وباروسما ونهر الملك ـ ج ـ الأسفل : ويشمل خمسة طساسيج كانت على الفرات الأسفل حيث يدخل البطائح.
نهر سير من طنساسيج كورة أستان أردشير بابكان وهي على امتداد نهر كوئي والنيل.
نهر جوير أيضا من طساسيج كورة أستان أردشير بابكان المتقدم ذكرها.
نهر الملك : وهو أحد الأنهر التي كانت تحمل من الفرات إلى دجلة وأوله عند قرية الفلوجة ومصبة في دجلة أسفل من المدائن بثلاثة فراسخ ( من هامش التهذيب : ج 4 ص 120 ).