السمعة وبالغيبة ، لأن الأولى علامة المرائي ، والرّياء يصيّر الطاعات معاصي ، والثانية تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، وقد ورد فيها ما لا يحصى ، ومنه عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام الغيبة إدام كلاب النار (1).
  وعنه أيضا : كذب من زعم أنه ولد من الحلال ويأكل لحوم الناس (2).
  وزيّن أيضا لهم ما وجب عليه التنزّه عنه من أعمال الحيل والشبه في الدين ليسقط أمانتهم عند الله ومحلّهم عند قلوب الأتقياء ، فإن تميّز المقتدي أنما يكون بما ينفرد به عن أبناء النوع ، فكيف إذا فعل ما يتعفّف عنه أكثر أفرادهم ؟ لا جرم يسقط محلّه فلا يركن إليه في الدين لأنّه ظالم لنفسه فيدخل تحت عموم قوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) (3).
  الخامسة :
  الحيل الشرعيّة على أقسام : منها ما لا ينافي الأمانة ، ومنها ما ينافيها ولهما ضابط هو أن ما أخلّ بالمطلوب الشرعي الناشئ عن حكمة ربّانية بها يتمّ صلاح النوع وأحوال معاشهم فلا شك في كونه منافيا للأمانة ، وما ليس كذلك لا ينافيها لكن منه ما يكون التنزّه عنه أولى ، ومنه ما لا يوصف بذلك ، ولنفرض صورا يتّضح للناظر بها جليّة الحال.
  الأولى : إذا باع الإنسان موزونا أو مكيلا بمثله جنسا متفاضلا فهو ربا ، فجاز أن يتحيّل بما يخرجه عن الربا إمّا بضمّ غير الجنس إليه أو غير ذلك من الصور المذكورة شرعا ، وهذا غير مناف للحكمة بل موافق لها وليس تركه أولى ، وذلك لأنّ تحريم الربا أمر تعبّدي لا يتعلّق بمصلحة المتعاوضين أصلا بل مصلحتهما نظرا الى عمل المعاش في جعل التعاوض تابعا لتراضيهما ، ومن ثم أجاب تعالى

(1) وسائل الشيعة ـ ج 5 ـ كتاب الحج ـ ص 600 ـ حديث 16 من باب 152 في تحريم اغتياب المؤمن ولو كان صدقا من أبواب أحكام العشرة.
(2) وسائل الشيعة ـ ج 5 ـ كتاب الحج ـ ص 600 ـ حديث 16 من باب 152 في تحريم اغتياب المؤمن ولو كان صدقا من أبواب أحكام العشرة.
(3) هود : 113.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 23
  المنكرين حيث قال حكاية عنهم ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) (1) بقوله ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) (2) فغرض الشارع يتمّ بالتخلّص منه بأيّ وجه اتفق ، إذ لا غرض له منوطا إلا بعدم التفاضل مع التساوي ، ومثل هذه الحيلة لإسقاط الشفعة فإن الأمثل إن نزع المال من المالك لا يكون إلا عن رضاه خرج منه ما كلّف به الشارع عند وقوع البيع دون سائر العقود في الأراضي التي يمكن قسمتها من ثبوت حق الشريك وهو الأخذ بالشفعة ، وليس بلازم على المشتري أن يوقع البيع ليشفع منه بل له أن يوقع الصلح ليسلم من التكليف بالحكم الشرعي ، والحقّ تعالى إنّما أوجب حكم الشفعة مع البيع ولم يوجب البيع.
  الثانية : إذا دفع الى فقيه مالا ليصرفه على المحاويج ويأخذ منه لنفسه إن كان محتاجا وهو غير محتاج فملّك ماله من يثق به كولده وزوجته ليكون محتاجا وأخرجه على نفسه ثم استعاد ماله كان ذلك من الحيل المنافية للأمانة لمنافاته حكمة طلب إخراج الزكاة لأن الغرض مساواة الفقراء ودفع ضروراتهم بدفع الحقّ المفروض لهم وقد ورد استحباب نقلها الى الفقهاء لأنهم أعلم بمواقعها ، وربما قيل بالوجوب ، فاذا فعل الفقيه ذلك كان خائنا لأمانته غير موثوق بديانته وهو ممّن نصب للدين فخّا يصطاد به ، ومثل هذا من أتى الى مال مسلم يده عليه فتسلّط باليد الغالبة حتى أخافه ، وعلم منه أنّه إن لم يوافقه اضطرّه الى ما هو أبلغ ممّا يلتمس منه ، ثم طلب منه أن يبيعه نصف نخيله وبساتينه التي يكون قيمة الواحد منها ألف دينار وهي خمسون مثلا بدينار ليتملّك نصف ذلك ويأخذه منه ، وذلك لأنه مناف لمطلوب الشارع من عدم أكل المال بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض ، الناشئ عن حكمة تسلّط المسلمين على أموالهم إلا عن طيب من

(1) البقرة : 275.
(2) البقرة : 275.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 24
  أنفسهم ليتمّ نظامهم ويتوفّر دواعيهم الى حاجاتهم المتفرّعة عن غناهم ، ونحو ذلك من أمره ظالم بمال على عامل لا يستحقّ عنده شيئا كعشار مثلا فأخذ رطل إبريسم مثلا فباعه عليه باثني عشر تومانا وقيمة الرطل أضعافه والمأمور عليه لا يقدر أن يمتنع لخوف من الظالم فإن ذلك خيانة وإعانة على منكر وهو أمر الظالم على المظلوم بما لا يستحقّ وعدم انزجار العامل عن عمله ، فانظر أيّها العاقل اللبيب كم بين الصورتين اللتين في المسألة من ألف ألف جريب ، وبعض قاصري النظر عادمي الفكر يتسلّط على جواز الصور بورودها في مثل دفع الربا والشفعة ، وليس إلّا من غلبة حبّ الدّنيا المقتضي لعدم البصيرة ، ونعوذ بالله من ذلك.
  الثالثة : إذا كان على فقير من السادة أو العوام دين لرجل وعلى الآخر حقّ من الخمس أو الزكاة ، وعلم كلّ منهما أنّ المدين لا يتمكّن من أداء الدين لإعساره ، فصالح ذو الحقّ ـ صاحب الدين ـ على ما في ذمّته الفقير بشي‌ء نذر رضي به صاحب الدين لعلمه بعدم تمكّنه من الاستيفاء ، ثم احتسب ذو الحق ما يستحقّه في ذمّة الفقير من حق الله تعالى عليه فإنّه يصح ولا ينافي الحكمة ، لكن احتساب قدر ما دفع وإبراء الفقير أو إنظاره بالباقي ودفع باقي ما في ذمّته من الحقّ إلى الفقراء أولى ، ولهذا ورد في الشرع المطهّر كراهة صرف الصدقات الواجبة الى من يعتاد صلته من الاخوان (1) ، وربما كان من هذا الباب الصور الشرعية في دفع القرض بزيادة عليه ، وحكى لي من أثق بدينه إنّ الشهيد ابن مكّي ـ تغمّده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنّته ـ سئل لمّا قدم المدينة حاجّا عن المائة يزاد عليها عشرون فقال ربا والله ربا والله ، فقالوا له : ليس كما تذهب لكن نحن نقرض المائة ونستوهب عشرين منها ثم نقرض العشرين ، فقال : حيلة حيلة لا أدري.
  فانظر الى تورّع هذا الفقيه واحتياطه في عدم الحيلة المحتملة ، وما نال الفقهاء

(1) علل الشرائع ـ ص 371 ـ الباب 94.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 25
  المرتبة عند الله تعالى والزلفة لديه إلّا بالورع ، وما حكاه السعيد عن والده في طبخ الزبيب فيه كفاية لكل لبيب أريب ، وحيث أتينا على ما أوردناه من المقدّمات فلنرجع الى المقصود بالذات.
  قوله : حيث إنّا لزمنا الإقامة ببلاد العراق وتعذّر علينا الانتشار في الآفاق لم نجد بدّا من التعلّق بالغربة لدفع الأمور الضروريّة من لوازم مهمّات (1) المعيشة (2).
  أقول : لا يخفى على كلّ ناظر أنّ هذا العذر لا ينهض على مخالفة الشرع القويم والطريق المستقيم ، فالتعلّق بالغربة إمّا أن يكون مشروعا خاليا عمّا يدنس غرض أهل الشريعة أو لا يكون ، فإن كان الأول لم يفتقر إلى توطئة العذر بما ذكر على وجه هو إظهار عدم حبّ الزيادة وطبيعة بعض المكلّفين مشعوفة بها كما لا يخفى ، وإن كان الثاني فالعذر غير مقبول ، فكيف يستجير من ادّعى الارتقاء في العلم أن يتكلّم بنحو هذا بعد سماعه قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (3)، وبعد قوله عليه‌ السلام : من طلب العلم يكفل له برزقه (4).
  وقوله عليه‌السلام : الرزق كالموت يأتيك وإن هربت منه (5).
  وغير ذلك من الآثار ، على أن الناظر بعين البصيرة يرى ما قاله غير واضح ، فإنّ إقامته في العراق لم تكن لازمة خصوصا حينئذ وعدم وجدانه بدّا من التعلّق غير واقع ، فإنّه لم يقم فيها وفي مثلها إلّا ريب ما يطرح الإعياء ، ثم أخذت منه وهو مستقيم في الحالين ولا تفاوت عليه

(1) في النسخة الأخرى لكتاب ( كلمات المحققين ) والرسالة الخراجية للمحقق الثاني ( قده ) المطبوعة في ضمنها ( متمّمات ).
(2) رسالة ( قاطعة اللجاج في حلّ الخراج ) للمحقق الثاني ( قده ) ص 37.
(3) الذاريات : 8.
(4) كنز العمّال ـ ج 10 ـ حديث رقم 28701 ـ ص 139 ـ ط ـ بيروت والرواية عن رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومتنها هكذا : من طلب العلم تكفّل الله له برزقه.
(5) لم نجد ما يطابق هذا التعبير تماما وفي الكافي ـ ج 2 ـ ص 57 في ذيل حديث 2 من باب 30 من كتاب 1 بما هذا نصّه ( ولو أنّ أحدكم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ) ، وفي ج 5 من الكافي ص 304 في ذيل حديث 2 من باب 159 من كتاب المعيشة هكذا ( لو أن أحدكم هرب من رزقه لتبعه حتى يدركه كما أنّه إن هرب من أجله تبعه حتى يدركه ) وتنبيه الخواطر ـ ج 2 ـ ص 107 ما هذا نصّه : ولو أنّ أحدكم يتربص رزقه لطلبه كما يطلبه الموت.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 26
  فيهما ، فالعذر إذن مزيّف إلا على من ران على قلبه ممّا كسب.
  قوله : مقتفين في ذلك أثر كثير من العلماء وجمّ غفير من الكبراء الأتقياء (1).
  أقول : لم يرض هذا المعتذر أن يرتكب ما ارتكب إلّا بأن ينسب مثل فعله إلى الأتقياء على قاعدة قوله تعالى وقول رسوله المعلومين لأهل العلم وتركنا ذكره بعينه حذرا من خبط الجهّال في المثال ، وليت شعري أيّ تقي ارتكب ما ارتكبه من أخذ قرية يتسلّط فيها بالسلطان من غير سبق العياء ولا غيره من الأسباب المملّكة ، فإن كان وهمه يذهب الى مثل العلّامة جمال الملّة والدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ـ قدّس الله سرّه ـ فهذا من الذي يجب عنه الاستغفار ويطهر القسم بتكراره بعد المضمضة ، فإن الذي كان له من القرى حفر أنهارها بنفسه وأحياها بماله لم يكن لأحد فيها من الناس تعلّق أبدا ، وهذا مشهور بين الناس ، ويدلّ عليه ونزيده بيانا أنّه وقف أكثر قرأه في حياته وقفا مؤبّدا ، ورأيت خطّه عليه وخطّ الفقهاء المعاصرين له من الشيعة والسنّة ، ومنه الى الآن ما هو في يد ينسب إليه بقبضه بسبب الوقف الصحيح ، وفي صدر سجل الوقف أنّه أحياها وكانت مواتا ، والوقف الذي عليه خطّه وخطّ الفقهاء موجود الآن ومع ذلك فالظنّ بمثله لما علم من تقواه وتورّعه يجب أن يكون حسنا مع أنّه يتمكّن من الأمور على ما في نفسه ، ولو لم يكن من تقواه ، إلّا أن أهل زمانه فيه بين معتقد فيه ما لا يذكر وآخر يعتقد فيه الأمر المنكر ويبالغون في نقضه ويعملون بنقل الميّت دون قوله كما صرّح به هو عن نفسه وهو في أعلى مراتب القدرة عليهم ، ولم يتعرّض لغير الاشتغال باكتساب الفضائل العلمية والأحكام النبوية وإحياء دارس الشريعة المحمّدية لكان كافيا في كمال ورعه وجمال سيرته ، ونحو ذلك يقال في مثل علم الهدى وأخيه ـ رضوان الله عليهما ـ على أنّ الذي يجب على هذا المستشهد

(1) راجع خراجيته (ره) ص 37.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج27
  نظرا الى طريقة العلم وآدابه واقتفاء آثار المستشهدين أنّه ينقل عنهم ولو بخبر واحد أنهم أخذوا القرية الفلانية أو قرية ما لغيرهم تعلّقوا بها لأمر السلطان لهم بذلك حتى ثبت استشهاده ، أمّا مجرّد أن يكون لهم قرى وأموال ونحو ذلك لا يدلّ على أنهم فعلوا كمثل فعله ليصحّ استشهاده ، فهذا أيضا مزيّف ، وحسن أن يتمثل له بقول الشاعر :
وأفحش  عيب المرء أن يدفع الفتى      ii
توى النقص عنه بانتقاص الأفاضل
  قوله : اعتمادا على ما ثبت بطريق أهل البيت عليهم‌السلام من أنّ أرض أهل العراق ونحوها ممّا فتح عنوة بالسيف لا يملكها مالك مخصوص بل هي للمسلمين قاطبة يؤخذ منها الخراج أو المقاسمة ويصرف في مصارفه ... إلخ (1).
  أقول : سيأتي الجواب إن شاء الله تعالى عن هذا في محلّه مفصّلا ، بحيث يكشف عن غمام التباسه ويعرّف المستضي‌ء بنور الحقّ موضع اقتباسه.
  قوله : وفي حال غيبته عليه‌السلام قد أذن أئمتنا عليهم‌السلام لشيعتهم في تناول ذلك من سلاطين الجور (2).
  أقول : الذي أذن أئمّتنا عليهم‌السلام لشيعتهم في زمن الغيبة المناكح وفي وجه قوي له شاهد من الأثر المساكن والمتاجر وهو في الأرضين مختصّ بما كان حقّهم عليهم‌السلام كالأنفال ، أمّا الأرض المفتوحة عنوة فهي للمسلمين قاطبة ، فتصرّفهم فيها جائز مع عدم ظهور الامام ، ويدلّ عليه ما يأتي من الأحاديث ما أشار إليه بعض الأصحاب كالشيخ في التهذيب (3) وغيره ، والظاهر سقوط الخراج زمن الغيبة عن الشيعة لظاهر الأخبار.
  ويؤيّده أنه لم ينقل عن السلف منهم والخلف عزل قسط من شي‌ء من الأراضي وإن لم يؤخذ منهم الخراج مع اعتنائهم

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 37 ـ 38.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 37 ـ 38.
(3) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ص 146 ـ باب 39 ـ في الزيادات وبعدها يذكر الأخبار الدالّة على مورد الاستشهاد.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 28
  بالتقوى والتحرّز عن الاشتغال بالحقوق ، وقد يستدلّ على سقوط الخراج عن المسلمين كافّة مع عدم ظهور الامام بظاهر بعض الأحاديث ، وسيأتي ، نعم الظاهر أنّه يستقرّ الضمان على غير الشيعة لظاهر حديث عمر بن يزيد (1).
  إذا عرفت هذا فقوله ( وفي حال غيبته عليه‌السلام قد أذن أئمّتنا عليهم‌السلام لشيعتهم في تناول ذلك من سلاطين الجور ) (2) إن أراد به أنهم إذ أذنوا في تناول الأراضي فهو ممنوع ، ولا نعرف قائلاً به ولا أثرا من الحديث يدلّ عليه ، وهو قد سلّم ذلك في رسالته حيث اعترض بعد ذكر الحديث التي تدلّ في زعمه على إباحة الخراج باعتراضين.
  أحدهما : أن الأحاديث في الابتياع فلا يجوز غيره.
  والثاني : أنها في التناول لما يأخذه الجائر فلا يتسلّط على الأخذ من دون أخذه سابقا ، لأنه غير مدلول الأحاديث وقصاراه في الجواب عن الثاني المساواة ، وعن الأول المساواة مع التنبيه الدالّ على الأولوية.
  وستسمعها مع ما عليهما مفصّلا إن شاء الله تعالى.
  وإن أراد أنهم أذنوا في ابتياع ما يأخذه الجائر فليس مخصوصا بالخراج فإنهم أذنوا في ابتياع ما يأخذه من زكاة من أسلم طوعا من الأراضي بل ومن الأنعام ولا بالشيعة ، ومع أنه لا يدلّ على ما هو فيه من حلّ القرية بشي‌ء من الدلالات وستسمعه عن قريب إن شاء الله تعالى.
  قوله : فلهذا تداوله العلماء (3) ... إلخ.
  أقول : إن أراد بما تناولوه ما أجازه الأئمّة عليهم‌السلام لشيعتهم من حلّ الثلاثة أو ابتياع ما يأخذه السلطان فقد بيّنا أنه لا دلالة فيه على مطلوبه ، وإن أراد أنهم تداول أخذ قرى المسلمين ووضع يديهم عليها فنحن لا نسلّم فعل واحد

(1) سيأتي الحديث مفصّلا.
(2) راجع خراجيته ، (ره) ص 38.
(3) نفس المصدر ، ص 38.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 29
  منهم له أو إشارته إلى إباحته فضلا عن تداولهم له ، وعلى طريق آداب البحث على المدّعي هنا تصحيح النقل بما ثبت به شرعا ولو بخير واحد أنهم تداولوا ذلك ، أمّا الدعوى المجرّدة فلا تقبل في مواضع النزاع.
  هذا وقد يمنع دلالة التداول ما لم يتحقّق إجماع أو ما يقوم مقامه من الأدلّة التي يصحّ الاعتماد عليها.
  قال السيّد التقيّ الورع ابن طاوس الحسني مجيبا لمن أورد عليه ـ لما ترك التقدم والنقابة الاعتراض بفعل المرتضى علم الهدى وأخيه بعد أن قال : إن أولئك قد يتملّكون في زمانهم ممّا لا نقدر عليه (1) ـ ما معناه : إني قلت بذلك على سبيل التأدّب معهما وإلّا فلست براض عليهما ولا على فعلهما وليسا معصومين حتى يكون فعلهما حجّة ، فهما داخلان تحت من يردّ عليه مثل هذه الأفعال.
  قوله : مع أني لم أقتصر فيما أشرت إليه على مجرّد ما نبّهت عليه بل أضفت الى ذلك من الأسباب التي يثمر الملك ويفيد الحلّ ما لا يشوبه شك ولا يلحقه لبس من شراء حصّة من الأشجار والاختصاص بمقدار معيّن من البذر فقد ذكر أصحابنا طرقا للتخلّص من الربا (2).
  أقول : هذا لا يحتاج الى بيان طائل بعد ما حقّقناه في المقدّمة ، وذلك لأنه إن بنى الحلّ على الملك فالصورة حيلة تنافي الأمانة بل غير جائزة لأن أهلها مقهورون مخافون ، ولهذا لمّا أخذت القرية منه لم يمكنه أن يدّعي عليهم ولا أن يطالبهم بما ابتاعه منهم لأنهم يجيبوه بأنا إنما فعلنا ذلك خوفا ولو كان عن رضي وإيثار لاستقرّ ملكه عليه كسائر الأملاك المبتاعة ، وإن لم يبن عليه فوجوده كعدمه بل عدمه أولى ، ومن هنا علم أنّ الاحتياط لا بدّ فيه من المعرفة والتقوى والورع. ومن العجب أنّ الخراج عنده ليس من الشبهات ولا من المشتبهات ، وظاهره أنّ القرية

(1) كشف المحجّة ـ ص 112 نقلا بالمضمون.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 38.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 30
  مساوية للخراج ، والاحتياط إنّما بكون المقتضي من الخلاف والشبهة وهذا خلف ، على أنّ الصورة التي عليها مقتضى دخوله تحت الملاك والزراريع الذين يلزمهم الخراج ، فظاهره كما استشهد به آخر رسالته إن كتم الخراج وسرقته والحيلة عليه لا يجوز ، وحينئذ يلزمه الخراج لدخوله تحت أهله هذا خلف فرجع ما عمله على أصله بالإبطال.
  قوله : المقدّمة الاولى في أقسام الأرضين وهي في الأصل على قسمين :
  أحدهما : أرض بلاد الإسلام ، وهي عامر وموات ، فالعامر ملك لأهله لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والموات إن لم يجر عليه ملك مسلم فهو لإمام المسلمين يفعل به ما يشاء ، وليس هذا القسم من محلّ البحث المقصود.
  القسم الثاني : ما ليس كذلك وهو أربعة أقسام :
  أحدهما : ما يملك بالاستغناء ... إلخ.
  وثانيهما : أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ... إلخ ، ومنه قوله : إذا عرفت هذا فاعلم أن العلّامة في المختلف احتجّ بهاتين الروايتين (1) قلت : يعني ما يذكره عن قريب على مختار الشيخ والجماعة ، وهما في الدلالة على مختار ابن حمزة وابن البرّاج أظهر ثم احتجّ لهما برواية لا يدلّ على مطلوبهما بل ولا يلتئم مع مقالتهما ... إلخ (2).
  أقول : لا يخفى على ممّن عرف الشريعة بأعلى مراتب المعرفة أو وسطها أو أدناها أن هذا كلام من لا يحقّق شيئا ومن ليس له اطّلاع على هذا الفنّ ولا على اصطلاح أهله ، وذلك لأن أصحابنا في باب إحياء الموات يقسّمون الأراضي إلى قسمين : أرض بلاد الإسلام ولا يخرج عنها ويقابلها أرض بلاد الشرك ، وفي

(1) سيأتي الكلام فيه.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 41 ـ 43.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 31
  باب الجهاد يذكرون للأراضي أقساما أربعة : المفتوحة عنوة ، وأرض الصلح ، والتي أسلم أهلها عليها طوعا ، والأنفال ، فقسمته هنا الأراضي في الأصل على قسمين : أحدهما أرض بلاد الإسلام ، وثانيهما ما ليس كذلك ، وهو أربعة عن التحقيق بمعزل ، فإن أرض الإسلام لا يخلو إمّا أن يكون ما أسلم أهلها عليها طوعا أو ما قابل بلاد الشرك ، وما قابل بلاد الشرك ينقسم الى المفتوح عنوة وما أسلم أهلها عليها طوعا وغيرهما ، وليت شعري كيف جعل أرض بلاد الإسلام قسما يقابل الأربعة ؟ وكيف حصر ما ليس أرض بلاد الإسلام في الأربعة المذكورة ؟
  ثم ليت شعري كيف جعل القسم الذي هو أرض بلاد الإسلام ليس من محلّ البحث المقصود ؟ فليت شعري ما المقصود بالبحث حتى لا يكون منه ؟ ومن أيّ وجه ، اختصّ ما سواء بأنّه المقصود بالبحث بحيث لا يشاركه فيه فيساويه ؟ ويمكن الجواب بأن هذا من مخترعات اجتهاده ومعناه في نفسه ويظهر بعد السؤال عنه ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
  تنبيه وإيقاظ : إن كنت في شكّ ممّا أشرنا إليك فاستمع لما يتلى عليك.
  قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط (1) فصل : في حكم أراضي الزكاة وغيرها ، الأرضون على أربعة أقسام حسب ما ذكرناه في النهاية ، (2) فضرب منها يسلم أهلها عليها ... إلخ ، والضرب الآخر من الأرضين ما أخذ عنوة بالسيف ، والضرب الثالث كلّ أرض صالح أهلها عليها وهي أرض الجزية ... إلخ ، والضرب الرابع كلّ أرض انجلى أهلها أو كانت مواتا ... إلخ ، وإنما لم نذكر تتمّة كلامه في الأرضين لعدم تعلّق غرضنا به ، ولأنّ نحوه آت في كلام التحرير (3)

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 1 ـ كتاب الزكاة ـ في حكم أراضي الزكاة وغيرها ـ ص 234.
(2) النهاية : في مجرّد الفقه والفتاوى ـ كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين ص 195 و 196.
(3) تحرير الأحكام : ج 2 كتاب إحياء الموات ص 129.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 32
  الذي نقشه المؤلف فلا فائدة في تكراره.
  وقال في كتاب إحياء الموات (1) والبلاد على ضربين : بلاد الإسلام وبلاد الشرك ، فبلاد الإسلام على ضربين : عامر وغامر ، فالعامر ملك لأهله لا يجوز لأحد الشروع فيه والتصرّف فيه إلّا بإذن صاحبه ... إلخ ، وأمّا الغامر على ضربين : غامر لم يجر عليه ملك لمسلم ، وغامر جرى عليه ملك مسلم ... إلخ ، وأمّا بلاد الشرك فعلى ضربين : عامر وغامر ، فالعامر ملك لأهله ، وكذلك كلّ مكان به صلاح العامر من الغامر ، فان صاحب الغامر أحقّ به كما قلنا في العامر في بلاد المسلمين ، ولا فرق بينهما أكثر من أن العامر في بلاد الإسلام لا يملك بالقهر والغلبة ، وأمّا الغامر فعلى ضربين.
  وقال ابن إدريس في السرائر (2) باب أحكام الأرضين وما يصحّ التصرّف فيه بالبيع والشراء وما لا يصحّ ، الأرضون على أربعة أقسام : ضرب منها أسلم أهلها عليها طوعا ... إلخ ، والضرب الثاني من الأرضين ما أخذ عنوة بالسيف ، والضرب الثالث كلّ أرض صالح أهلها وهي أرض الجزية ... إلخ ، والضرب الرابع كلّ أرض انجلى أهلها .. إلخ ـ ثم قاله : ـ والبلاد على ضربين ... وساق البحث على نحو ما ذكر الشيخ في المبسوط.
  وقال العلّامة في الإرشاد (3) المطلب الرابع في الأرضين وهي أربعة ... إلخ ـ ثم قال سياقة : ـ لا يجوز إحياء الغامر ولا ما به صلاح العامر كالشرب والطريق في بلاد الإسلام والشرك إلّا أن ما في بلاد الشرك نعيم بالغلبة ، ونحو ذلك قال في القواعد (4) وقال المحقّق في الشرائع (5) وغير ذلك من كتب الأصحاب من أرادها

(1) المبسوط في فقه الإمامية : ج 3 كتاب إحياء الموات ص 268 و 269.
(2) السرائر ـ ص 110 ـ كتاب الزكاة ـ ط طهران الحجريّة.
(3) الّا انّ في المصدر ( المطلب الثالث ) راجع : ج 1 ص 348 ط مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.
(4) قواعد الأحكام ج 1 ـ ص 62 ـ كتاب الخمس ـ ط الحجريّة في قم.
(5) شرائع الإسلام للمحقّق الحلي ( قده ) ـ الجزء الرابع ص 791 ـ كتاب احياء الموات ـ ط بيروت.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 33
  وقف عليها فلا حاجة الى سطرها مفصّلة وفيما ذكرناه كفاية.
  قوله : القسم الثاني ... إلخ (1).
  أقول : هذه الأقسام التي ذكرها هو كلام العلّامة في تحريره (2) إلّا ما شذّ ، فليس الكلام منسوبا اليه لتكون الجناية فيه إن كانت عليه إلّا ما أشار إليه من الدليل فإنّه كلام المختلف ، وأنا الآن أذكر كلام التحرير بعينه ليعرف الناظر أنه أخذه منه نقشا من غير تغيير ، وأذكر كلام العلّامة في المختلف (3) وأشار الى ما ينبغي الإشارة إليه.
  قال العلّامة في تحريره (4) الثالث في الأرضين وفيه ثمانية مباحث : الأول : الأرضون على أربعة أقسام ( أحدها ) ما يملك بالاستغنام ويؤخذ قهرا بالسيف فإنها للمسلمين قاطبة لا يختصّ بها المقاتلة ولا يفضلون على غيرهم ، ولا يتخيّر الامام بين قسمتها ووقفها وتقرير أهلها بالخراج ، ويقبّلها الامام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث وعلى المتقبّل إخراج مال القبالة وحقّ الرقبة وفيما يفضل في يده إذا كان نصابا العشر أو نصف العشر ، ولا يصحّ التصرّف في هذه الأرض بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك ، وللإمام أن ينقله من متقبّل الى غيره إذا انقضت مدة القبالة ، وله التصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين ، وارتفاع هذه الأرض تنصرف الى المسلمين بأجمعهم ، وليس للمقاتلة فيها إلّا مثل ما لغيرهم من النصيب في الارتفاع ( الثاني ) أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال فتترك في أيديهم ملكا لهم

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 40.
(2) تحرير الأحكام ج 1 ـ ص 141 ـ كتاب الجهاد ـ أحكام الأسارى ـ الطبعة الحجريّة ، قم.
(3) مختلف الشيعة ج 2 ص 332 ـ كتاب الجهاد ـ في ضمن الفصل الخامس ـ الطبعة الحجريّة ـ طهران.
(4) تحرير الأحكام ج 1 ، ص 141 ـ كتاب الجهاد ـ في أحكام الأسارى ـ القسم الثالث ـ الطبعة الحجرية ـ افست قم ـ آل البيت.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 34
  يصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرّف إذا عمروها وقاموا بعمارتها ، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر زكاة إذا بلغ النصاب ، فان تركوا عمارتها وتركوها خرابا كانت للمسلمين قاطبة ، وجاز للإمام أن يقبلها ممّن يعمرها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع ، وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض إذا بقي معه النصاب العشر ، وعلى الامام أن يعطى أربابها حقّ الرقبة.
  ( الثالث ) أرض الصلح وهي كلّ أرض صالح أهلها عليها ، وهي أرض الجزية ، بلزمهم ما يصالحهم الامام عليه من نصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك ، وليس عليهم غير ذلك ، وإذا أسلم أربابها كان حكم أرضهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء ، ويسقط عنهم الصلح لأنه جزية ، ويصحّ لأربابها التصرّف فيها بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك ، وللإمام أن يزيد وينقص ما يصالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصلح بحسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها ، ولو باعها المالك من مسلم صحّ وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع ، هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم ، أمّا لو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين وعلى أعناقهم الجزية كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين ومواتها للإمام .
  ( الرابع ) أرض الأنفال وهي كلّ أرض انجلى أهلها عنها وتركوها ، أو كانت مواتا لغير مالك فأحييت ، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فاستحدثت مزارع فإنها كلّها للإمام خاصّة لا نصيب لأحد معه فيها ، وله التصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشراء بحسب ما يراه ، وكان له أن يقبلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع ، ويجوز له نزعها من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة الزمان إلّا ما أحييت بعد موتها ، فإن من أحياها أولى بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يقبلها غيره ، فإن أبى كان للإمام نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه ، وعلى المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل في حصّة العشر أو نصف العشر الثاني ، قال الشيخ : كلّ موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين إذا أخرج

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 35
  الإنسان مئونته ومئونة عياله لسنته وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لأهله.
  أقول : إلى هنا كلام التحرير وهو قريب من عبارة الشيخ في المبسوط التي ذكرها في آخر فصول كتاب الزكاة (1).
  ولا يخفى أنّ المؤلّف قد أخذها بعينها ويتعلّق بها فوائد :
  ( منها ) أنّ الشيخ والعلّامة اقتصرا على قول وللإمام أن ينقلها من متقبّل الى آخر إذا انقضت مدّة القبالة ، وزاد المؤلّف ( أو اقتضت المصلحة ذلك ) وظاهره أن اقتضاء المصلحة يتخيّر النقل قبل انقضاء المدّة وهو غلط ، لأن الإمام يجب عليه إلّا الوفاء بما عاقد عليه إذا كان مصلحة حينئذ وهو لا ينقل إلّا ذلك.
  ( ومنها ) قول العلّامة رحمه‌الله (2) ولو باعها المالك من مسلم صحّ وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع.
  قلت : خالف في ذلك التقي محتجّا بأنه قد ثبت في الأرض فإذا بيعت فلا ضمان ، وأجاب العلّامة بأنها جزية على المالك متعلّقة بشي‌ء من ماله فاذا خرج منه المال استقرّت في ذمته كالدين الذي عليه رهن ، والمشهور ما قاله العلّامة.
  ( ومنها ) قول الشيخ (3) وتبعه العلّامة (4).
  أو كانت مواتا لغير مالك فأحييت أو كانت آجاما ممّا لا يزرع فاستحدثت مزارع ، قلت : هذا القيد ـ أعني الأحياء والاستحداث ـ ليس بشي‌ء لأن الموات التي لا مالك لها والآجام للإمام أحييت واستحدثت أم لا ، بل القيد لا يخلو من نظر لأن الأحياء والاستحداث إن كان للإمام فهو ليس بشرط لأنّه مالك قبله ، وان كان من غيره أمكن القول بأن ذلك الغير يملكها لأن الموات يملكها المحيي على وجه ، وقد يحمل على الأحياء مع

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 1 ـ ص 263 كتاب الزكاة.
(2) تحرير الأحكام ـ ج 1 ـ كتاب الجهاد ـ ص 142 ـ الطبعة الحجريّة ( في ضمن القسم الثالث من أقسام الأرضين ).
(3) المبسوط في فقه الإمامية ج 2 ـ ص 29 ـ كتاب الجهاد ـ ط ـ الحيدرية ـ طهران.
(4) تحرير الأحكام ج 1 ص 142 ـ كتاب الجهاد ـ ط الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 36
  ظهوره ، ولا شعور في الكلام به فحذف القيد أولى ، ومنها قول الشيخ (1) والعلّامة (2) : إلّا ما أحييت بعد مواتها فإن من أحياها أولى بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره.
  أقول : لا يجب على الامام تقريرها في يدها لأنها ملكه وهو مخيّر في وضع من شاء عليها وأحيا المحيي إن أفاد ملكا لم يجز رفع يده وإلّا جاز مطلقا ، نعم يستحبّ ذلك للإمام ، فإن أراد الاستحباب فلا بحث فيه إلّا أنهما قالا : فإن أبى كان للإمام نزعها ، وظاهر ذلك أنّه إن لم يأت لم يكن له النزع عملا بمفهوم الشرط الذي هو حجّة عند المحقّقين ، وقولهما سابقا ( أولى ) لا يدلّ على الاستحباب لأنّ أولوية اليد قد تفيد الوجوب كما في أولوية المحجر ، هذا ممّا يتعلّق بكلام التحرير الذي نسخه المؤلّف في رسالته ، (3) اما ما قال العلّامة رحمه‌الله في مختلفه (4) فهذه عبارته : مسألة : أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ملك لهم يتصرّفون فيها كيف شاءوا ، فان تركوا عمارتها يقبّلها الامام ممّن يعمرها ويعطي صاحبها طسقها وأعطى المتقبّل حصّة وما يبقى فهو متروك لصالح المسلمين في بيت مالهم ، قاله الشيخ رحمه‌الله وأبو الصلاح ، وقال ابن حمزة : إذا تركوا عمارتها صارت للمسلمين أمرها الى الامام (5) وقال ابن البراج (6) وإن تركوا عمارتها حتى صارت خرابا كانت حينئذ لجميع الإسلام يقبّلها الامام عليه‌السلام ممّن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع وعلى متقبّلها بعد إخراج مئونة الأرض وحقّ القبالة فيما يبقى في خاصّة من عليها إذ بقي خمسة أوسق أو أكثر من

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 1 ـ ص 263 ـ كتاب الزكاة.
(2) تحرير الأحكام ـ ج 1 ـ ص 142 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية قم.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 42.
(4) مختلف الشيعة ـ ص 332 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية ـ هذا أول كلام العلّامة في المختلف المنقول عنه ههنا.
(5) الوسيلة إلى نيل الفضيلة ـ كتاب الزكاة ـ فصل في بيان أحكام الأرضين ص 132.
(6) المهذّب ـ ج 1 ـ ص 182 ـ كتاب الخمس ـ ط مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 37
  ذلك العشر أو نصف العشر ، وقال ابن إدريس (1) الأولى ترك ما قاله الشيخ فإنّه مخالف للأصول والأدلّة العقليّة والسمعيّة ، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه ولا التصرّف فيه بغير إذنه واختياره ، فلا يرجع عن الأدلّة بأخبار الآحاد ، والأقرب ما قاله الشيخ لنا أنّه أنفع للمسلمين وأعود عليهم فكان سائغا ، وأيّ عقل يمنع من الانتفاع بأرض ترك أهلها عمارتها وإيصال أربابها حقّ الأرض مع أنّ الروايات متضافرة بذلك.
  وروى صفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : ذكرنا الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته ، فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ممّا سقت السماء والأنهار ، ونصف العشر ممّا كان بالرشاء فيما عمروه منها ، وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممّن يعمره وكان للمسلمين ، وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر أو نصف العشر. (2)
  وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا الخراج وما سار به أهل بيته فقال : العشر ونصف العشر فيما عمر منها وما لم يعمر أخذه الوالي فقبله ممّن يعمره وكان للمسلمين وليس فيها أقل من خمسة أوسق شي‌ء وما أخذ بالسّيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر (3).
  لا يقال السؤال وقع عن أرض الخراج ولا نزاع فيها بل في أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ، لأنّا نقول الجواب وقع أولا عن أرض من أسلم أهلها ، ثم إنّه عليه‌السلام أجاب عن أرض العنوة.
  واحتجّ ابن حمزة وابن البرّاج بما رواه معاوية بن وهب في الصحيح قال :

(1) السرائر ـ كتاب الزكاة ـ ص 110 ـ الطبعة الحجريّة ـ طهران.
(2) تهذيب الأحكام ص 119 حديث 4 ـ 342 ـ باب 34 ـ في الخراج وعمارة الأرضين وفيهما اختلاف.
(3) تهذيب الأحكام ص 119 حديث 4 ـ 342 ـ باب 34 ـ في الخراج وعمارة الأرضين وفيهما اختلاف.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 38
  سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيّما رجل أتى خربة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله عزوجل ولمن يعمرها (1).
  والجواب أنّه محمول على أرض الخراج أو على أنّ المحيي أحقّ ما دام يقوم بعمارتها وأداء حقّها من مالكها إذ أراد خرابها لما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ـ الى أن قال ـ : وعن الرجل يأتي الأرض الخربة الميتة فيستخرجها ويكري أنهارها ويعمرها ويزرعها ماذا عليه ؟ فيها الصدقة ، قلت : فإن كان يعرف صاحبها ؟ قال : فليؤدّ إليه حقّه (2) الى هنا كلامه ، (3) وهو كلام فقيه متمكّن في فقه عالم بأغواره فطن في دقائقه ، وذلك لأنه حيث علم أنّ كلام الشيخ رحمه‌الله مركب من دعويين : أحدهما جواز التصرّف وهو موافق لمذهب الشيخ ، وعدم دفع الطسق ، وظاهرهما أنها تخرج عن ملك المالك وهو مخالف لمذهب الشيخ ، وكلام ابن إدريس يقتضي المنع من التصرّف مطلقا وهو مخالف لمذهب الشيخ والتقي والقاضي وهو ـ أعني العلّامة ـ مختار مذهب الشيخ ، استدلّ أولا على صحّة دعواه من جواز التصرّف وهو مشترك بينه وبين التقي والقاضي ردّا على ابن إدريس بقوله : إنّه أنفع للمسلمين وأعود عليهم فكان سائغا ، قال : وأيّ عقل يمنع من الانتفاع بأرض ترك أهلها عمارتها ... (4) متعجّبا من قول ابن إدريس بالمنع ، وأردفه بقوله : وإيصال أربابها حقّ الأرض (5) إذ لا عجب من

(1) الكافي : ج 5 ص 279 ح 2 ، التهذيب : ج 7 ص 153 من باب 11 من أحكام الأرضين ـ والحديث 21 ـ 672 من المسلسل في ج 7 وفيهما اختلاف.
(2) تهذيب الأحكام : ج 7 ص 148 من باب 11 من أحكام الأرضين ـ حديث 7 ـ 658 ـ الاستبصار : ج 3 ص 110 وفيهما اختلاف يسير.
(3) مختلف الشيعة ـ ج 1 ـ ص 332 ـ كتاب الجهاد ـ في حكم أرض أسلم صاحبها مع اختلاف يسير ـ وهذا آخر ما نقل عن المختلف في هذه المسألة هنا.
(4) مختلف الشيعة ـ ج 1 ـ كتاب الجهاد ـ ص 332.
(5) مختلف الشيعة ـ ج 1 ـ كتاب الجهاد ـ ص 332.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 39
  المنع إذا لم يصل المالك نفع لأنها ملكه ، ومجرّد ترك العمارة ليس من الأسباب الناقلة للملك عن مالكه قطعا ، بل الأعراض بقصد عدم للملك لا يخرج الملك عن المالك وإن كان الملك حيوانا يخرج الى الامتناع كالصيد ، وقد صرّح به الأصحاب في محلّه مستدلّين بعدم تحقّق سبب الإزالة شرعا فكيف بغيره ، ثم أكّد الاستدلال بتضافر الروايات ، وأورد منها روايتين ، فبطل مذهب ابن إدريس فصار الحال مشتركا بين الشيخ والتقي والقاضي إلّا ما يفهم من إطلاق قوله في الرواية ( وكان للمسلمين ) والمراد ليس إلّا مال القبالة وأطلق اللفظ لذلك.
  وأيضا فدليل ابن إدريس لا غبار عليه لولا الشهرة التي عضدت خبر الواحد بجواز الانتفاع ، ولا تصريح في الروايات بخروج الملك عن المالك لإمكان حمل ما يحتمل منها ذلك على النماء والارتفاع ، فدليله بالنسبة إلى بقاء الملك لا معارض له أصلا ، ويؤيّده ما دلّ من الروايات على لزوم أنّه إن قال قائل : إذا كان الأمر في أموال الناس ما ذكرتم من لزوم الخمس فيها وكذا الغنائم وكان أحكام الأرضين ما بيّنتم من وجوب اختصاص التصرّف فيها بالأئمة عليهم‌السلام ، إما لاختصاصهم بها كالأنفال أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل والتضمين لهم مثل أرض الخراج فيجب أن لا يحلّ لكم منكح ولا تخلص لكم متجر ولا يسوغ لكم مطعم على وجه من الوجوه. قيل له : إن الأمر وان كان كما ذكرت من اختصاص الأئمة عليهم‌السلام بالتصرّف في هذه الأشياء فإن لنا طريقا الى الخلاص ، ثم أورد الحديث التي وردت بالإذن للشيعة في حقوقهم عليهم‌السلام حال الغيبة ـ ثم قال : ـ إن قال قائل إن ما ذكرتموه إنما يدلّ على إباحة التصرّف في هذه الأرضين ولا يدلّ على صحّة تملّكها بالشراء والبيع ، ومع عدم صحتهما لا يصحّ ما يتفرّع عليهما ، قيل له : قد قسمت الأرضين على ثلاثة أقسام : أرض يسلم أهلها عليها فهي ملك لهم يتصرّفون فيها ، وأرض تؤخذ عنوة وتصالح أهلها عليها وقد أبحنا شراءها وبيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين وهذا

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 40
  القسم أيضا يصحّ الشراء والبيع فيه على هذا الوجه ، وأمّا الأنفال وما يجري مجراها فليس يصحّ تملّكها بالشراء وانما أبيح لنا التصرّف حسب (1).
  ثم استدلّ على حكم أراضي الخراج برواية أبي بردة بن رجا السابقة (2) الدالّة على جواز بيع آثار التصرّفات دون رقبة الأرض ، وهذا كلام واضح السبيل وجهه من حيث المعنى أن التصرّف في المفتوحة عنوة إنما يكون بإذن الامام ، وقد حصل منهم الاذن لشيعتهم حال الغيبة ، فيكون آثار تصرّفهم محترمة بحيث يمكن ترتّب البيع ونحوه عليها ، وعبارة شيخنا في الدروس (3) أيضا يرشد الى ذلك حيث قال : ولا يجوز التصرّف في المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام سواء كان بالوقف أو غيرها ، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك ، وأطلق في المبسوط (4) أنّ التصرف فيها لا ينفذ أي لا يقيّد بحال ظهور الامام ولا عدمه ، ـ ثم قال ـ وقال ابن إدريس (5) إنما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرّفنا لا نفس الأرض ، ومراده بذلك أنّ ابن إدريس أيضا أطلق جواز التصرّف في مقابل إطلاق الشيخ عدم جوازه ، والصواب التقييد بحال الغيبة لينفذ ، وعدمه بعدمه ، وهذا ظاهر بحمد الله. الى هنا كلامه.
  يقول الفقير الى الله المنّان إبراهيم بن سليمان : إن هذا التنبيه الثاني من كرامات القرن العاشر حيث أظهر أنّ من يسعى بالعلم ويوصف به ويجلس منتصبا للفتوى يبسط مثل هذا في مصنف ، وليس أعجب من ذلك إلّا سماع أهل القرن لهذا التأليف من غير أن ينكره منكر منهم إنكارا يروع مثل هذا المؤلّف أن يؤلّف مثله ، ولا أعرف جوابا من هذين إلّا ما قاله عليه‌السلام : إن

(1) نقل قول الشيخ بالمعنى ، راجع التهذيب ج 4 ص 145 و 146 ـ من باب 38 ـ في الزيادات.
(2) تهذيب الأحكام ج 4 ـ ص 146 ـ حديث 28 ـ 406 باب 39 في الزيادات.
(3) الدروس الشرعيّة في فقه الإمامية ـ ص 163 ـ كتاب الجهاد ـ في آخر ( درس في اللواحق ) ـ ط افست ـ قم.
(4) المبسوط في فقه الإمامية ج 2 ـ ص 28 ـ كتاب الجهاد ـ في حكم ما يغنم وما لا يغنم ـ ط الحيدرية ـ طهران.
(5) السرائر ـ كتاب الزكاة ـ ص 110 ـ ط الحجرية ـ طهران.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 41
  الله لا يفيض العلم انتزاعا (1) ... إلخ وها أنا ذا انفة على الدين ورعاية للحجج والبراهين أبيّن ما فيه على وجه يظهر لكلّ متأمّل.
  قوله : نفوذ هذه التصرّفات التي ذكرناها إنما هو في غيبة الإمام عليه‌السلام أما في حال ظهوره فلا ، لأنه إنما يجوز التصرّف فيها مطلقا بإذنه ، وعلى هذا فلا ينفذ شي‌ء من تصرفات المتصرّف فيها استقلالا (2).
  أقول : لا خفي أنه أراد بالتصرفات التي أشار إليها البناء والغرس ونحو ذلك ، ولا شبهة في أن نفوذه على معنى كون البيع مثلا يصح فيه لا يتعلق بظهور الامام ولا غيبته لأن علّة النفوذ كون الآثار المذكورة مملوكة للمتصرف وهي أعيان لا يخرج عن ملكه الا بسبب شرعي ، وهذا لا يختلف الأمر فيه بين غيبة الامام وظهوره ، وهذا المؤلف قد سلم ذلك حيث علل في التنبيه الأول الجواز بقوله ( قلت : هذا واضح لا غبار عليه يدل عليه ما تقدم من قول الصادق عليه‌السلام : اشتر حقه فيها (3) وأنه محرم لم يخرج عن ملك مالكه شي‌ء من الأسباب الناقلة فيكون قابلاً لتعلق التصرفات ).
  فانظر أيها المتأمل الى تناقض كلام هذا الرجل وخبطه وعدم ضبطه ثم لا يرضى أن يتأخر حيث أخره القدر ، بل لا يزال يدعي الفضل والعلو فيه ، لكن هذا من ذاك كما في المثل السائر : السفينة في الدجلة كالملاح ، وقوله في التعليل ( لأنه إنما يجوز التصرف فيها بإذنه مطلقا فلا ينفذ شي‌ء من تصرفات المتصرف فيها استقلالا ) كلام غير مربوط لأن عدم جواز التصرف لا يقتضي عدم جواز آثار التصرف ، فإن الغاصب لو غرس أو بنى جاز مع غرسه وبنائه ولا يزيد مرتبة ، هذا عن كون غاصبا ، ثم إن كلامه هذا يبطله

(1) بحار الأنوار ـ ج 2 ـ ص 83 ـ كتاب العلم حديث 8 من الباب 14 ـ نقلا عن تفسير العسكري ( عليه‌السلام ) وفي المصدر لا يقبض ، بدل : لا يفيض.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 53 ـ 54.
(3) تهذيب الأحكام ج 4 ص 146 ضمن حديث من باب 39 في الزيادات ـ حديث 28 ـ 406 وفيه اختلاف يسير.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 42
  ما صرح به العلامة في المنتهى (1) وغيره من الأصحاب من إطلاق جواز بيعها تبعا لآثار التصرف من غير تعيين لكون التصرف وقع مباحا أم لا ، والروايات صريحة بذلك أيضا ، وفي بعضها عن علي (2) عليه‌السلام هكذا : رفع اليه رجل اشترى أرضا من أرض الخراج ... إلخ فكيف [ تكون ] مخصوصة بحال الغيبة ؟ والدليل الشرعي الذي قدمناه وسلمه هو يؤيد ذلك ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
  قوله : وقد أرشد الى هذا الحكم كلام الشيخ في التهذيب (3) ... إلخ (4).
  أقول : ليت شعري كيف أرشد كلام الشيخ في التهذيب الى ما ذكره ، ثم ليت شعري ثانيا وثالثا كيف وكلام الشيخ الأول إنما وقع لفائدة جواز نفي التصرف على معنى عدم تحقق الإثم فيه وليس من البيع والشراء ونحوهما في شي‌ء ، وقد صرح به عند استيفاء الاستدلال على إباحة غير الأرضين بقوله : وأما أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها فأنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام مستترا ، فاذا ظهر يرى هو في ذلك رأيه ، فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين (5).
  فانظر كيف ساوي في الأمر أرض الخراج وبالأنفال ؟ فلو لا أن المراد بالتصرف هو نفس الانتفاع لافترقا لافتراقهما في الأحكام بالنسبة إلى البيع ونحوه كما لا يخفى ، وسيأتي من المؤلف ما يدل عليه ومما يؤيد ما ذكرناه ويزيده بيانا أن الشيخ لما استوفى غرضه من بيان جواز التصرف بالانتفاع قال ( فإن قال قائل : إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين ولم يدل على أنه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع ، فاذا لم يصح الشراء

(1) منتهى المطلب ـ ج 2 ـ ص 936 ـ كتاب الجهاد ـ ط الحجرية.
(2) وسائل الشيعة ـ ج 11 ـ ص 119 ـ حديث 6 ـ باب 71 ـ كتاب الجهاد.
(3) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 147.
(4) راجع خراجيته (ره) ، ص 54.
(5) تهذيب الأحكام ج 4 ص 143 ـ 24 ـ 402 ـ باب 39 في الزيادات.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 43
  والبيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف والنحلة والهبة وما يجري مجرى ذلك (1) .
  قلت : وهذا صريح في أن ما تقدم ليس إلا في إباحة نفس التصرف ولهذا بقوله ( إنما ) الدالة على الحصر ، ثم لم يجب بأن البيع ونحوه يجوز في زمن الغيبة بل أجاب بما نقله عن المؤلف ، وحاصله جواز البيع والشراء في الأرض التي أسلم عليها طوعا ، وجواز بيع أرض العنوة والصلح لان المبايع (2) فيها سهما لأنها أراضي المسلمين فيجوز بيعه وشراؤه على هذا الوجه وعدم جواز بيع أراضي الأنفال بل يجوز التصرف فيها حسب ، ولا يخفى على من له تأمل ومسكة من عقل النظر أن ما ذكره الشيخ لا يدل على مدعى هذا المؤلف بأحد الدلالات ولا ينطبق عليه لأن الشيخ علل أو لا إباحة التصرف بالجواز حال الغيبة وليس من المدعى المراد في شي‌ء ، وعلل جواز البيع والشراء بقرار الملك فيما أسلم أهله عليه وبالشركة في أرض المفتوحة عنوة ، فلا مدخل لظهور الامام ولا غيبته بوجه من الوجوه ، ولا أعرف من أين تخيل لهذا المؤلف كون كلام الشيخ يرشد الى ما ذكره !! وقول المؤلف ( ثم استدل على حكم الخراج برواية أبي بردة ) كلام لا يرتبط بالمقصود أصلا لأن رواية أبي بردة عامة بالنسبة إلى الظهور والغياب والى كون التصرف فيها جائزا وغير جائز ، وكون المتصرف شيعيا وغير شيعي ، فانظر أيها المتأمل بعين البصيرة إلى كلام هذا الرجل تجد العجب العجاب.
  وقد أجببت أن أورد كلام الشيخ في التهذيب من أوله الى آخره تبركا وتيمنا وتعريفا يخرج من الإجمال إلى التفصيل وينتبه الناظر على سواء السبيل ، قال رحمه‌الله (3) ( فان قال قائل : إذا كان الأمر في أموال الناس ما ذكرتم من لزوم الخمس فيها وكان أحكام الأرضين ما بينتم من وجوب اختصاص التصرف فيها بالأئمة عليهم‌السلام إما لأنها مما يختصون برقبتها دون سائر الناس مثل الأراضي التي ينجلي

(1) إلى هنا كلام الشيخ في التهذيب ج 4 ، ص 145.
(2) والصحيح للبائع.
(3) راجع التهذيب : ج 4 من ص 142 الى ص 147.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 44
  أهلها عنها ، أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل والتضمين لهم مثل أرض الخراج وما يجري مجراها ، فيحب أن لا يحل لكم منكح ولا يتخلص لكم متجر ولا يسوغ لكم مطعم على وجه من الوجوه وسبب من الأسباب قيل له : إن الأمر وإن كان على ما ذكرتموه من السؤال من اختصاص الأئمة عليهم‌السلام بالتصرف في هذه الأشياء فإن لنا طريقا الى الخلاص مما ألزمتمونا.
  أما الغنائم والمتاجر والمناكح وما يجري مجراها مما يجب للإمام فيها الخمس فإنهم عليهم‌السلام قد أباحوا ذلك لنا وسوغوا التصرف فيه وقد قدمنا فيما مضى ذلك ، ويؤكده أيضا ما رواه سعد ابن عبد الله عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عمارة عن الحارث بن مغيرة البصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أن لك فيها حقا ، قال : فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ؟!! وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيدينا فليبلغ الشاهد الغائب (1).
  وعنه عن أبي جعفر عن علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب بخطه : من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل (2).
  وما رواه محمد ابن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشاء عن القاسم بن يزيد عن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم ، قال : قلت : جعلت فداك ما أول النعم ؟ قال : طيب الولادة ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام : أحلي نصيبك من ألفي لآباء شيعتنا ليطيبوا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا (3).
  وما رواه محمد

(1) تهذيب الأحكام ج 4 ص 143 باب 39 الزيادات حديث : 21 ـ 399.
(2) تهذيب الأحكام ج 4 ص 143 باب 39 الزيادات حديث : 22 ـ 400 ، الفقيه : ج 2 ص 44 ح 1660 ، وفيهما اختلاف.
(3) تهذيب الأحكام ج 4 ص 143 باب 39 في الزيادات حديث : 23 ـ 401.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 45
  ابن الحسن الصفار عن الحسن بن الحسن ومحمد بن علي وحسن بن علي بن يوسف جميعا عن محمد بن سنان عن حماد بن طلحة صاحب السابري عن معاذ كثير بياع الأكسية عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف ، فاذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به يستعين به ، فاما الأرضون فكل أرض تعين لنا أنها مما قد أسلم أهلها فإنه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم والمعاوضة وما يجري مجراها ، وأما أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها فإنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام مستترا ، فاذا ظهر يرى وفي ذلك رأيه فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين (1) وقد قدمنا ما يدل على ذلك ، والذي يدل عليه أيضا ما رواه سعيد بن عبد الله عن أبي جعفر عن الحسن بن محبوب عن عون بن يزيد قال : رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة وقد كان حمل الى أبى عبد الله عليه‌السلام مالا في تلك السنة فرده عليه ، فقلت له : لم رد عليك أبو عبد الله عليه‌السلام المال الذي حملته إليه ؟ فقال : إني قلت حين حملت إليه المال أني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أحبس عنك أو أعرض لها وهي حقك الذي جعلها الله تعالى لك في أموالنا ، فقال : وما لنا من الأرض لها وما أخرج الله منها إلا الخمس ، يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا ، قال : قلت له : أنا أحمل إليك المال كله ، فقال لي : يا أبا سيار الأرض قد طيبناه لك فضم إليك مالك ، وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون ، محلل لهم ذلك الى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة (2) وما رواه محمد

(1) تهذيب الأحكام ج 4 ص 143 ـ 144 باب 39 الزيادات وفيه اختلاف ومسلسل الحديث 24 ـ 402.
(2) تهذيب الأحكام : ج 4 ص 144 باب 39 الزيادات حديث 25 ـ 403 وفيه اختلاف يسير قال معلق كتاب التهذيب : في