الأحاديث أمكن الاستدلال به على العموم فلا يليق ذكره دليلا على ما ادعاه لأنه لا يدل على شيء منه. وقد يعتذر عنه انه أراد الاستدلال على كون الموات بالاحياء تملك في الجملة وهو عام فيدخل فيه ملكه في زمن الغيبة وغيره دل على عدم الملك في زمن الظهور ، وهذا لا يخلو من تكلف.
قوله : الثالثة : قال الشيخ في المبسوط
(1) والنهاية
(2) : وكافة الأصحاب لا يجوز بيع هذه الأرض ... إلخ
(3).
أقول : قد ثبت أن الناقل يجب عليه تصحيح ما نقله ، وقد نقل عن كافة الأصحاب ذلك ، فعليه تصحيح نقله على أنا نقول : قال الشهيد رحمهالله في الدروس : ولا يجوز التصرف في المفتوح عنوة إلا بإذن الإمام سواء بالوقف أو بالبيع أو غيرهما ، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك
(4).
وهو يدل بظاهره على خلاف ما نقله عن الكافة ، وربما فهم المؤلف من كلام الشهيد هذا شيئا غير ما هو معناه ، وسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى ، على أن هذا كله بحث في المسألة من حيث هي ، وإلا فلا فائدة للمؤلف في ذلك ، نظرا الى ما هو مقصوده إذ لا يلزم من كون هذا حكم المفتوح عنوة حل القرية إلا مع دعاء ( ادعاء ـ خ ل ) وستسمع ع تقريب بطلانها.
قوله : وفي التذكرة
(5) رواه كذا قال : يود بالواو بدلا عن الراء من الأداء مجزوما بأنه أمر للغائب محذوف اللام وما ذكرناه أولى
(6).
أقول : الأولوية هنا لا معنى لها أصلا بل النظر يتعلق بتصحيح الرواية ولا بد
|
(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 34.
(2) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص 195 ـ كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 50.
(4) كتاب الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ كتاب الجهاد ـ ص 163 ـ الطبعة الحجرية.
(5) تذكرة الفقهاء ـ ج 1 ـ ص 428 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.
(6) راجع خراجيته (ره) ، ص 51.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
59
للمجتهد من أصل مصحح عليه يعتمد ، فإن كان فيه الواو وجب اتباعه ، وإن كان فيه الراء اتبع ، وليس للأولوية في نقل ألفاظ الأخبار مدخل.
قوله : فإن قلت : إذا جوزتم البيع ونحوه تبعا لآثار التصرف فكيف يجوز أولي الأمر أخذها من المشتري ؟ وكيف يسترد رأس ماله مع أنه قد أخذ عوضه أعني تلك الآثار ؟ قلت : لا ريب أن ولي الأمر له أن ينتزع أرض الخراج من متقبلها إذا انقضت مدة القبالة ، وإن كان له فيها شيء من الآثار فانتزاعها من يد المشتري أولى بالجواز ، وحينئذ فله الرجوع برأس ماله لئلا يفوت الثمن والمثمن (1).
أقول : نفي الريب عن جواز الانتزاع من المتقبل مع انقضاء مدة القبالة مسلم لا غبار عليه ، أما كون انتزاعها من يد المشتري مساويا له فضلا عن كونه أولى بالجواز ممنوع أشد المنع بل في المبسوط (2) ظاهر البطلان لأن يد المشتري يد معاوضة بذل فيها جزء من ماله ويد المتقبل ليس كذلك بل هي في معنى المزارعة والمساقاة يستحق جزء السبب بسبب عمله والآخر للمالك ، فأين هذا من ذاك ؟ وهل يستجيز محصل أن يسطر في تصنيف تظفر به الأذكياء مثل هذا لولا قلة التأمل وعدم إمعان النظر ؟ ومن العجائب والغرائب قوله : وكيف يسترد رأس ماله مع أنه قد أخذ عوضه ، أعني تلك الآثار أنه قبل الابتياع فليس من الأخذ في شيء وإن أراد أن ملكها مع انتزاعها الامام باق له لم يزل ، فلا معنى لرد الثمن ، ولا لقوله لئلا يفوت الثمن والمثمن ، وإن أراد غير ذلك فهو غير معقول إلا أن يكون من مخترعات اجتهاده فلا بأس.
قوله : لكن الذي يرد الثمن يحتمل أن يكون هو الامام عليهالسلام لانتزاعه ذلك ، يحتمل أن يكون البائع لما في الرد من الاشعار بسبق الأخذ (3).
|
(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 52.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ 35 ـ كتاب الجهاد.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 52.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
60
أقول : لا يحتمل أن يكون المراد إلا الإمام عليهالسلام لأن البائع باع ما هو جائز له شرعا بمعاوضة صحيحة ثبت جوازها بالنص ، فاستحق العوض ، فلا وجه لرده ، وكيف يحتمل أن يرده مع أن المنتزع الامام عليهالسلام وهي في يده ؟ ولو احتمل أن يرد البائع وجب الحكم بعود يده كما كانت ما لم يعاوضه الإمام لأن من آثار التصرف ما هو مملوك للبائع كالبناء والغرس وغيرهما ، ومن العجب أن المؤلف ما فارق قوله الأول إلا بقليل ، ثم احتمل ما لا يجتمع معه وقوله الأول ، وإذا تصرف فيها أحد بالبناء والغرس صح وله بيعها على أنه يبيع ماله فيها من الآثار وخص الاختصاص التصرف ، ثم قال بعده بما سطر ، وهذا تصريح في جواز بيعه حقه أعني آثار التصرف ، قلت : فاذا كان ما باعه حقا له والامام عليهالسلام له الانتزاع من حيث إن الأرض لم تنتقل كيف يحتمل أن يرد البائع ثمن ما هو حق له ، وقد عاوض عليه بعقد صحيح لازم ، ولعل هذا من مخترعات اجتهاد المؤلف في المسائل الفقهية ، وبعد هذا بأسطر قال : قلت : هذا واضح لا غبار عليه يدل عليه ما تقدم من قول الصادق عليهالسلام ( اشتر حقه منها ) (1) ، وأنه أثر محترم مملوك لم يخرج عن ملك مالكه بشيء من الأسباب الناقلة فيكون قابلاً لتعلق التصرفات ، فانظر أيها المتأمل إلى كلام هذا المؤلف سابقا ولا حقا ، وفي الوسط تظفر ببعض الغرائب فيه.
قوله : في التنبيه الأول ردا على العلامة : ثم نعود الى كلامه في المختلف ، فإنه قال فيه في آخر المسألة في كتاب البيع : ويحمل قول الشيخ على الأرض المحياة دون الموات. قلت : هذا مشكل لأن المحياة هي التي تتعلق بها هذه الأحكام المذكورة.
وأما الموات فإنها في حال الغيبة مملوكة للمحيي ، ومع وجود الامام لا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، مع أن الحمل لا يلاقي ما قربه من مختار ابن إدريس
|
(1) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 146 ـ حديث : 28 ـ 406 و ـ ج 7 ـ ص 155 حديث : 35 ـ 686.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
61
لأن مراده بأرض العراق المعمورة المحياة التي يقال فيها لا يجوز بيعها ولا هبتها لأنها أرض الخراج ، الى هنا كلامه (1).
وقبل التعرض له نذكر كلام العلامة في المختلف قال : مسألة الأرض المفتوحة عنوة ، قال في المبسوط : لا يصح بيع شيء من هذه الأرض ولا أن تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف التي تتبع الملك ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل ، وقال ابن إدريس : فإن قيل : نراكم تبيعون وتشرون وتقفون أرض العراق وقد أخذت عنوة ، قلنا : إنما نبيع ونقف تصرفنا وتحجيرنا وبناءنا ، فأما نفس الأرض فلا يجوز ذلك. وهو يشعر بجواز البناء والتصرف وهو أقرب ، ويحمل قول الشيخ على الأرض المحياة دون الموات (2) الى هنا.
أقول : لا يخفى على الناظر أن الشيخ أطلق المنع من غير تقييد بالمحياة ولا الموات ، وأن ابن إدريس أطلق الجواز من غير تقييد (3).
وأن العلامة قد جمع بين القولين بحمل كلام الشيخ على المحياة دون الموات ، وقرب كلام ابن إدريس مع الحمل المذكور وهو عين جعله مخصوصا بالموات ، ولا يرد أن ابن إدريس منع من جواز البيع في الأرض ، فإذا حمل كلام العلامة على الموات لا وجه للمنع لأنا نجيب أن العلامة لم يتعرض إلا لتقريب جواز البناء والتصرف لا غير كما لا يخفى ، فاستشكال المؤلف سببه قلة التدبر في كلام الفضلاء وسرعة التهجم عليهم بالطعن كما هو دأبه كثيرا.
وليت شعري كيف لم يتفطن في كلام هذا الفاضل حتى قال : لا يلاقي ما قربه ، فإنه لم يقرب إلا الجواز المقابل للمنع المطلق ، وحمل كلام الشيخ على المحياة فعلم تفصيل مذهبه ، نعم لم يتعرض لكلام ابن إدريس
|
(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 53.
(2) مختلف الشيعة ـ كتاب الجهاد ـ ص 333.
(3) السرائر ـ ص 111 ـ باب حكم الأرضين ـ الطبعة الحجرية.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
62
في منع بيع نفس الأرض لعدم تعلق غرضه به في المسألة التي ساقها ، وبالجملة فهذا الرجل لم يعض بضرس قاطع على العلم ليعرف مقاصده وينال مطالبه فلو مشى الهوينا وتأخر حيث أخره القدر كان أنسب بمقامه.
قوله : نعم يحمل كلام الشيخ (ره) على حال وجود الامام وظهوره لا مطلقا (1).
أقول : هذا من غرائبه وعجائبه ، فإن كلام الشيخ عنده مخصوص بالمحياة وقت الفتح فاذا حمل المنع على حال ظهوره عليهالسلام لا مطلقا جاز ذلك في غيبته ، وإذا جاز بيع الأرض ونحوه في الغيبة كان ذلك منافيا لما سبق منه مما نقله عن الكافة ، ولمطلوبه الذي هو بصدده ، ولأجله ألف رسالته ، فإن التزمه فيا حبذا ، لكنه لا يلزمه بل هو لغفلته لا يدري بتنافي كلامه ، ويمكن أن سبب حمل توهمه أن كلام الشيخ مخصوص بالمنع من البيع تبعا لآثار التصرف وهو بمعزل عن كلام الشيخ لأن صريح كلامه المنع من بيع نفس الأرض حيث قال : لا يجوز بيع شيء من هذه الأرض ولا أن تبنى ... إلخ (2) مع انا سنبين أن بيع الآثار لا يختص بزمن الغيبة ، فانظر أيها المتأمل الى رده لكلام العلامة وحمله.
أقول : ومن مختلطات رسالته قوله : الثانية : نفوذ هذه التصرفات ... إلخ ، فلنورده بعينه بلفظه ثم نتكلم عليه.
قال : الثاني نفوذ هذه التصرفات التي ذكرناها هو في غيبة الإمام ، أما في حال ظهوره فلا ، لأنه إنما يجوز التصرف فيها مطلقا بإذنه ، وعلى هذا فلا ينفذ شيء من التصرفات المتصرف فيها استقلالا ، وقد أرشد الى هذا الحكم كلام الشيخ في التهذيب فإنه أورد على نفسه سؤالا وجوابا محصلهما مع رعاية ألفاظه
|
(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 53.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 34.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
63
بحسب الإمكان ـ الى أن قال : ـ ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (1).
[ وما رواه حسن بن راشد عن أبي الحسن الأول عليهالسلام ... وله رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام الحديث (2).
احتج ابن إدريس بأن الأصل إباحة ذلك للمسلم وعدم تخصيص الامام عليهالسلام فلا يعدل عنه بمثل هذه الأخبار الضعيفة (3) ، والجواب المنع من أصالة الإباحة ، بل الإمام أولى لأنه قائم مقام الرسول عليه وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وبالجملة ففي المسألة نظر (4) الى هنا كلام العلامة رحمهالله ] (5).
أقول : لا يخفى أن جوابه الذي أجاب به عن حجة ابن إدريس غير ناهض لأنه لا يلزم من كونه قائماً مقام الرسول عليهالسلام وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم أن لا يكون الأصل الإباحة للمسلمين ، وأن ما في يد المسلم إذا أسلم عليه لا يكون له ويختص به عليهالسلام بل يستحب البحث في الرسول عليهالسلام بالنسبة الى ذلك ، قال المحقق في المعتبر (6) : قال الشيخان : رءوس الجبال والآجام من الأنفال ، وقيل : المراد به ما كان من الأرض المختصة به ، وظاهر كلامهما الإطلاق ، ولعل مستند ذلك رواية الحسن بن راشد عن أبي الحسن الأول قال : وله رءوس من الجبال وبطون الأودية والآجام (7) ، والراوي ضعيف.
|
(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 53 ـ 56.
(2) تهذيب الأحكام ج 4 ص 130 ضمن الحديث الثاني عن باب قسمة ـ الغنائم ـ وأول الرواية في ص 128 ـ حديث 2 ـ 366 ـ باب 37 في قسمة الغنائم.
(3) السرائر ـ كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين ـ ص 110 ـ الطبعة الحجرية.
(4) مختلف الشيعة ـ ج 1 ـ ص 207 ـ المقصد السادس من كتاب الزكاة في الخمس الفصل الثالث في الأنفال ـ ط الحجرية.
(5) ما بين المعقوفتين لم توجد في كلام المحقق الثاني : ( قدسسره ).
(6) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص 296 ـ الطبعة الحجرية.
(7) تهذيب الأحكام : ج 4 ص 130 وفيه ( رءوس الجبال ) حديث : 2 ـ 366 ـ ( وأول الحديث في ص 128 ) ـ باب 37 في قسمة الغنائم.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
64
قوله : وفي مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان الخمس للإمام.
ومضمون هذه الرواية مشهور بين الأصحاب مع كونها مرسلة وجهالة بعض رجال أسنادها وعدم إمكان التمسك بظاهرها ، إذ من غزا بإذن الإمام لا يكون خمس غنيمته كلها للإمام عليهالسلام (1).
أقول : هذا الكلام من المؤلف عجيب غريب ، لأنه إن أراد بما ذكر من الإرسال وغير بيان صورة الحال مع كونها حجة فلا مزيد فيه.
وان أراد الطعن في العمل بالرواية فهو ساقط بالكلية لا يحتاج الى جواب طائل بعد كونها في الاشتهار بين الأصحاب بالغة حدا لا يذكرون الإشارة إلى خلاف عند الفتوى بمضمونها ، ولم أسمع لها رادا من الأصحاب ، وما هذا حاله في الاشتهار حجة بلا اشكال ، وقد سلم نحو ذلك فيما مضى بقوله : وهذا الحديث وإن كان من المراسيل إلا أن الأصحاب تلقوه بالقبول ولم نجد له رادا وقد عملوا بمضمونه.
واحتج به على ما تضمن من مسائل هذا الباب العلامة في المنتهى (2) وما هذا شأنه فهو حجة بين الأصحاب ، وأن ما فيه من الضعف ينجبر بهذا القدر من الشهرة.
انتهى كلامه ، ولا شك أن شهرة هذا الخبر كاد أن لا يلحقه شهرة شيء من المراسيل بل صرح بعض الأصحاب بنقل الإجماع على مضمونها.
قوله ( وعدم إمكان التمسك بظاهرها إذ من غزا بإذن الإمام لا يكون خمس غنيمة كلها للإمام ) أعجب من الأول لوجهين.
|
(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 56.
(2) منتهى المطلب ـ ج 1 ـ ص 554 ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ الطبعة الحجرية.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
65
( أحدهما ) ما هو مقرر مذكور مشهور متواتر بين الأصحاب يعرفه كل من خالط الاستدلال بالحديث ، وهو أن الخبر إذا اشتمل على ما هو معمول به إما لاشتهاره أو لعدم المعارض له جاز الفتوى به ، وإن كان مشتملا على شيء له معارض أو شاذ لا يصح الفتوى به ولا يقدح في جواز العمل بما ليس فيه ذلك ، ولو لا خوف الإطالة أوردت من ذلك جملة ، وكأن المؤلف لم يلاحظ ما ورد في ذلك في منزوحات البئر (1) وغيره من الأحكام الشرعية ولا وصيته المعتبر في ذلك. والدليل العقلي يساعد على ذلك فإن المعارضة والتخصيص قد يختص ببعض ما دل عليه الخبر فيكون الباقي سليما من المعارض فيكون راجح الدلالة فيجب العمل به.
( وثانيهما ) أن استناد الخمس إليه عليهالسلام لأنه القابض له والمتصرف فيه والحاكم فيه بما شاء كيف لا والإضافة تصدق بأدنى ملابسة على أن قائلاً لو قال : الخمس كله له للرواية لم يكن رد كلامه إلا بثبوت الدليل على عدم الاختصاص ، فلا بد من الجمع ، ولا جمع إلا بأن إسناده إليه بكونه له من حيث إنه يرفع إليه أو يأخذ ما يصطفيه ويقسمه فيأخذ نصفه ويقسم النصف على الأصناف ، وما يفضل عن كفايتهم في السنة فهو له وما يعوز فهو عليه ، فكأنه له وكأنهم واجبوا النفقة عليه. ليت شعري كيف كان مثل هذا الذي يفهم تطبيقه بأدنى تأمل يقتضي عدم إمكان التمسك بظاهرها حتى يكون قدحا فيها ؟ وهل مثل هذا يصدر من فقيه تكلف الجمع بين الأخبار المختلفة والنظر في دقائق معانيها ولاورد ما يحقق شهرة العمل بالرواية ويدفع احتمال الرد عليها بالإرسال ونحوه فيما ذكرناه من الحكم ؟.
قال الشيخ في المبسوط (2) الأنفال هي كل أرض خربة باد أهلها ـ الى أن
|
(1) راجع الوسائل الباب 14 الى 24 من أبواب الماء المطلق في ج 1 ص 125 الى ص 144.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 1 ـ ص 263 ـ كتاب الزكاة.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
66
قال : ـ قال قوتل قوم من أهل حرب بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام خاصة دون غيره ، فجميع ما ذكرناه كان للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة وهي لمن قام مقامه من الأئمة في كل عصر ، فلا يجوز التصرف في شيء من ذلك إلا بإذنه ... إلخ ، ولم يذكر فيه لا قولا ولا خلافا.
وقال في النهاية (1) : وإذا غزا قوم أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصة دون غيره ، وليس لأحد أن يتصرف في شيء مما يستحقه الامام من الأنفال والأخماس إلا بإذنه ... إلخ.
وقال في الخلاف (2) : مسألة : إذا دخل قوم دار الحرب وقاتلوا بغير إذن الامام فغنموا كان ذلك للإمام خاصة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (3).
وقال ابن إدريس في باب ذكر الأنفال ومستحقها : ولو قاتل قوم من أهل الحرب بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة خاصة للإمام دون غيره ، فجميع ما ذكرناه كان للنبي عليهالسلام خاصة وهو لمن قام مقامه من الأئمة في كل عصر لأجل المقام لا ورائه ... (4) إلخ.
قلت : ومن مذهب ابن إدريس عدم جواز العمل بخبر الواحد وإن صح مستنده مطلقا فضلا عن الضعيف ، فضلا عن كونه مخصصا لعموم الكتاب ، وأفتى بمضمون الرواية فلو لا أنها عنده من المشاهير التي يجب العمل بها لم يفت بمضمونها ، بل الظاهر أنه لا خلاف عنده في مضمونها لأن مجرد الشهرة مع ضعف المستند لا يقوم حجة عنده خصوصا في تخصيص الكتاب العزيز ، وكلام المحقق الآتي
|
(1) النهاية : ص 200 ، وفيه اختلاف يسير.
(2) الخلاف ـ ج 2 ـ كتاب الفيء وقسمة الغنائم ـ ص 332 ـ مسألة 16.
(3) إلى هنا كلام الشيخ الطوسي (ره) في الخلاف.
(4) السرائر ـ كتاب الخمس ـ ص 116 ـ الطبعة الحجرية.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
67
ذكره صريح في أنه انما اعتمد على الإجماع على مضمونها ، وقد سبق نقل الشيخ في الخلاف (1) الإجماع عليه ، وقال العلامة في المنتهى وإذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام ، ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى رحمهمالله وأتباعهم.
وقال الشافعي ... إلخ ـ ثم قال : ـ احتج الأصحاب بما رواه العباس الوراق عن رجل سماه ... (2) إلخ.
قلت : ظاهره أن مضمونها متفق عليه حيث لم يذكر الخلاف إلا عن المخالفين ، وقال ( احتج الأصحاب " والجمع المحلى للعموم ، وقد يمكن أن يقال الألف واللام للعهد فلا يرجع إلا الى الثلاثة وأتباعهم لكنه لا يقدح إلا في الدلالة على الإجماع ولا يخلو من مشاحة لا حاجة الى الإطالة بها. وقال في التحرير في الفصل الثالث في الأنفال : وإذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام عليهالسلام خاصة (3) ولم يشر الى قوم ولا خلاف ولا احتمال الى غير ذلك من تصانيفه كالقواعد (4) والإرشاد (5) وغيرهما وعبارات سائر الأصحاب مما يخرج تعداده الى الإطناب ، لا يقال قد قال المحقق رحمهالله في النافع ، وقيل : إذا غزا قوم بغير إذنه فغنمتم له ، والرواية مقطوعة فحكاه قولا وأشار الى ضعفه بكون الرواية مقطوعة (6).
وقال في المعتبر : الثانية : قال الثالثة : إذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا فالغنيمة للإمام.
وقال الشافعي ... إلخ ـ ثم قال : ـ وما ذكره الأصحاب ربما عولوا ، فيه على روية العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
|
(1) الخلاف ـ ج 2 ـ ص 332 ـ مسألة 16 ـ كتاب الفيء وقسمة الغنائم.
(2) منتهى المطلب ـ ج 1 ـ ص 553 ـ كتاب الخمس ـ الطبعة الحجرية.
(3) تحرير الأحكام ـ ج 1 ـ ص 75 ـ كتاب الخمس ـ الطبعة الحجرية.
(4) قواعد الأحكام ـ ج 1 ـ ص 62 ـ كتاب الزكاة ـ الطبعة الحجرية.
(5) إرشاد الأذهان ـ ج 1 كتاب الزكاة ـ النظر الثالث في الخمس ص 293.
(6) المختصر النافع في فقه الإمامية ـ ص 64 ـ كتاب الخمس.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
68
إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام وإن غزوا بأمره كان للإمام الخمس (1) وبعض المتأخرين يستكشف صحة الدعوى مع إنكاره العمل بخبر الواحد فيحتج بدعوى إجماع الإمامية ، وذلك مرتكب فاحش إذ هو يقول : إن الإجماع أنما يكون حجة إذا علم أن الامام في الجملة ، فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه فلا يكون علمه حجة على من لا يعلم (2) الى هنا كلامه ، ويظهر منه إنكار الفتوى.
فنقول : كلامه في النافع (3) لا يظهر منه غير أنه حكاه قولا وأشار الى ضعف مستنده وغاية ما يلزم منه عدم قطعه به على أن المعلوم من قاعدته في النافع أن ما يقول فيه وقيل هو ما إذا لم يكن مستنده مقطوعا به عنده وهو لا يدل على اختياره فلأنه مع أنه صرح في شرائعه بالفتوى من غير إشارة إلى خلاف ولا ضعف حيث قال في آخر المقصد الأول من الأنفال : وما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له عليهالسلام (4) فلو كان مخالفا في النافع صريحا لم يقدح خلافه في الاتفاق لسبق دخوله مع الجماعة وكلامه في المعتبر (5) لم يرد على ما ذكره في النافع (6) إلا بتعيين الثلاثة وبإنكاره الإجماع لا على طريق نقل الخلاف بل على طريق عدم ثبوته عنده ، وهو مرتكب لا يخلو من نظر لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عنده ، وابن إدريس من أجلاء الأصحاب ولو قدح فيه فلا قدح في الشيخ وقد نقله في الخلاف (7) وهو رئيس الطائفة وإمامهم ومعتمدهم في الأقوال والروايات ، على أنا نقول من العجب تردد المحقق أو عدم جزمه بالفتوى ، وقد اعتمد في غير ذلك على ما هو أقل
|
(1) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 135 ـ حديث : 12 ـ 378 ـ باب 38 في الأنفال ـ وفيه اختلاف يسير.
(2) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص 296 ـ الطبعة الحجرية.
(3) المختصر النافع ـ ص 64 ـ كتاب الخمس.
(4) شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ـ القسم الأول ـ ص 137 من كتاب الخمس ـ في مسائل قسمة الخمس.
(5) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص 296.
(6) مختصر النافع ـ كتاب الخمس ـ ص 64.
(7) الخلاف ـ ج 2 ـ ص 332 ـ مسألة 16 ـ كتاب الفيء وقسمة الغنائم.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
69
شهرة مع ضعف مستنده حيث يقول : رواية يجبر ضعفها الشهرة وهذه أشد شهرة ، وأيضا فقد جزم بالفتوى في شرائعه (1) ولا مستند له إلا هذه الرواية فلو لا انجبارها بالشهرة أو الاتفاق لم يجز له الفتوى بحال ، وعلى كل حال فلا محيص ولا مناص عن الشهرة التي يتحقق معها صحة الاستدلال بالخبر وإن كان مرسلا.
قال الفاضل المقداد في تنقيحه في شرح قول المحقق في النافع : وقيل إذا غزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له والرواية مقطوعة والقائل الثلاثة وأتباعهم ، والرواية رواها عباس الوراق عن الصادق عليهالسلام وهي مشهورة بين الأصحاب وعليها عملهم (2).
وقال الفاضل ابن فهد في مهذبه في شرح كلامه في الرواية إشارة الى ما رواه العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ( طاب ثراه ) : إذا غزا قوم إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإن غزوا بأمره كان الخمس للإمام (3).
وعليها عمل الأصحاب ، ويؤيدها أن ذلك معصية فلا يكون وسيلة إلى الفائدة ولأنه ربما كان نوع مفسدة فالمنع أو عزلهم الى تركه فيكون لطفا فضعفها بإرسالها تؤيد بعمل الأصحاب وبما وجهناه (4).
قلت : وفي كلاهما (5) ما يدل على الاتفاق ، وفي هذا القدر كفاية شافية ووقاية رافية والله الفتاح.
قوله : وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الأرض المعدودة من الأنفال إما أن تكون محياة أو موات ، وعلى التقديرين فإما أن يكون الواقع يده عليها من الشيعة أو لا ، فهذه أقسام أربعة وحكمها أن كلما كان بيد الشيعة من ذلك فهو حلال عليهم مع
|
(1) شرائع الإسلام ، في مسائل الحرام والحرام ـ القسم الأول ـ ص 137 ـ من كتاب الخمس ـ في مسائل قسمة الخمس.
(2) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ـ ج 1 ـ كتاب الخمس ـ ص 343.
(3) تهذيب الأحكام : ج 4 ـ ص 135 حديث : 12 ـ 378 ـ باب 38 في الأنفال وفيه اختلاف يسير.
(4) المهذب البارع في شرح المختصر النافع ـ ج 1 ـ كتاب الخمس ـ ص 567.
(5) كذا ، والصواب ( كليهما ).
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
70
اختصاص كل من المحياة والموات بحكمه لأن الأئمة عليهمالسلام أحلوا ذلك لشيعتهم حال الغيبة وأما غيرهم فإنه عليهم حرام (1).
أقول : في هذه نوع قصور ، والأنسب أن يقال : إما أن يكون محياة أو موات وحكمها أن كل ما بيد الشيعة ... إلخ ، والأمر سهل في هذا ، لكن قوله ( وأما غيرهم فإنه عليهم حرام وباطل ) فإن ظاهر المذهب أن الموات من الأنفال يصح إحياؤه لجميع المسلمين ولا تحرم على أحد منهم في زمن الغيبة ، فيد كل مسلم عليه يد إباحة ، وهو مدلول إطلاق الروايات وفتاوى الأصحاب ، حيث حكموا بجواز إحياء الموات من غير تقييد لها بكونها من غير الأنفال ، بل في الحقيقة عند التأمل أكثر موات الأرضين من الأنفال ، ويدل عليه أيضا إطلاق إحياء ما ترك عمارته غائبا كان المالك أو حاضرا. نعم الكلام في الكسب فإنه لا يحل على الإطلاق على معنى عدم وجوب شيء على المكتسب إلا للشيعة في وجه حسن ، وبين ذلك وبين حريم وضع اليد على الأرض بون بعيد ، والمؤلف لم يلتفت الى ذلك لأنه من المجازفين ، ولهذا استدل على مدعاه بقول أبي عبد الله في رواية عمر بن يزيد : وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون يحل لهم ذلك الى أن يقوم قائمنا فيحسبهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فإن كسبهم من الأرض حرام حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم (2).
ولم يتفطن لعدم دلالة الحديث على تحريم وضع اليد واختصاصه بالتكسب ، وبخبر نجية ، ولا دلالة فيه إلا من حيث المفهوم ، والتحقيق أن مفهوم خبر نجية (3) لا دلالة فيه أصلا لأنه عليهالسلام قال :
|
(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 57.
(2) التهذيب : ج 4 ص 144 حديث : 25 ـ 403 ـ باب 39 في الزيادات ، وفيه اختلاف يسير وفي هامشه : ( في الكافي هكذا : طسق ما كان في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم ... إلخ ولعله سقط من قلم الناسخ في التهذيب وإلا فهو أنسب بالمقام ).
(3) تهذيب الأحكام : ج 4 ص 145 ـ حديث : 27 ـ 405 باب 39 الزيادات.
|