ابن علي محبوب عن محمد بن الحسين بن محبوب عن عمر بن يزيد قال : سمعت رجلا من أهل الجبال يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها وأكرى نهرها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤديه الى الامام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه (1).
  وما رواه علي بن الحسن بن فضال عن جعفر بن محمد بن حكيم عن عبد الكريم بن عمر الخثعمي عن الحارث البصري قال : دخلت على أبي جعفر فجلست عنده فأذن نجية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال : جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار ، فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال : يا نجية : سلني فلا تسألني اليوم إلا أخبرتك به ، فقال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان فقال : يا نجية لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال ، هما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله وأول من حمل الناس على رقابنا ودمائنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، وان الناس يتقلبون في حرام الى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، فقال نجية : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ثلاث مرات ، هلكنا ورب الكعبة ، فرفع فخذه عن الوسادة واستقبل القبلة ودعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلا أنا سمعنا في آخر دعائه يقول : اللهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا ، قال : ثم أقبل إلينا بوجهه وقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا. فان قال قائل : إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين ولم يدل على أنه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع ، فاذا لم

الكافي هكذا ( طسق ما كان في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم فان كسبهم ... إلخ ) ولعله سقط من قلم الناسخ في التهذيب وإلا فهو أنسب في المقام ، انتهى كلام معلق التهذيب.
(1) تهذيب الأحكام ج 4 ص 145 باب 39 الزيادات حديث : 26 ـ 404 وفيه اختلاف يسير.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 47
  يصح الشراء والبيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف والنحلة والهبة وما يجري مجرى ذلك ، قيل : قد قسمنا الأرض فيما مضى على ثلاثة أقسام : أرض يسلم أهلها عليها فهي تترك في أيديهم وهي ملك لهم ، فما يكون حكمه هذا الحكم صح لنا شراؤها وبيعها ، وأما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها وبيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين ، فهذا القسم مما يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه ، وأما الأنفال وما يجري مجراها فليس تصح تملكها بالشراء وإنما أبيح لنا التصرف حسب ، والذي يدل على القسم الثاني ما رواه محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى قال : حدثني أبو بردة بن رجا قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف تراني شراء أرض الخراج ؟ قال : ومن يبيع ذلك في أرض المسلمين ؟ قال : قلت يبيعها الذي في يديه ، قال : ويصنع بخراج المسلمين ما ذا ؟ ثم قال : لا بأس اشتر حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ولعله يكون أقوى عليه وأمين بخراجهم منه (1).
  وروى علي بن الحسين بن فضال عن إبراهيم بن هشام عن حماد بن عيسى عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى قال : ليس به بأس ، قد ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل خيبر فخارجهم على أن تترك الأرض بأيديهم يعملونها ويعمرونها فلا أدى به بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا ، وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعملوها فهم أحق بها وهي لهم (2).
  وعنه عن علي بن حماد عن حريز عن محمد ابن مسلم وعمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن ذلك فقال : لا بأس بشرائها ، فإنها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم يؤدى عنها كما يؤدي

(1) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 146 ـ باب 39 في الزيادات ـ حديث : 2 ـ 406 ، وفيه اختلاف يسير.
(2) من لا يحضره الفقيه ـ ج 3 ـ كتاب المعيشة ـ باب احياء الموات والأرضين ـ ص 239 ـ حديث : 3876 ، وتهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 146 ـ باب 39 في الزيادات حديث : 29 ـ 407 ، وفيها اختلاف يسير.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 48
  عنها (1).
  وعنه عن علي بن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن أبي زياد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض الجزية قال : فقال : اشترها فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك (2).
  وبهذا الاسناد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا كان كذلك كنتم الى أن تزادوا أقرب منكم الى أن تنقصوا (3).
  وبهذا الاسناد عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل اشترى أرضا من أرض الخراج ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : له ما لنا وعليه ما علينا مسلما كان أو كافرا له ما لأهل الله وعليه ما عليهم (4).
  يقول الفقير الى الله المنان إبراهيم بن سليمان : الى هنا كلام الشيخ في التهذيب (5) ولا يخفى على ناظرة أنه قد اشتمل على أمرين :
  ( الأول ) إباحة التصرف للشيعة في الخمس والأراضي الى يقوم قائم آل محمد عليهم‌السلام.
  ( الثاني ) إباحة البيع والشراء للأراضي من غير تقييد بزمن الغيبة ولا يكون البائع شيعيا بل ولا مسلما ولا بكون البيع يختص بآثار التصرف ، نعم ربما فهم منهما سواء له الاختصاص لكن بتوجه ( بتوجيه ظ ) لأن الجواز مطلقا يقتضي الجواز للشيعة في جملة من يجوز لهم.
  والدليل دل على الجواز مطلقا فلا شبهة ، وها هو قد تجلى لناظره ، فليطالعه بعين البصيرة ، وقد اشتمل على أحكام وأنظار لولا الخروج عن المقصود لأشرنا إليها.
  قوله : ووجه من حيث المعنى أن التصرف في المفتوحة عنوة انما يكون بإذن الامام ، وقد حصل منهم الإذن لشيعتهم حال الغيبة فتكون آثار تصرفهم محترمة

(1) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 147 ـ باب 39 في الزيادات ـ حديث : 30 ـ 408 وفيه اختلاف يسير.
(2) تهذيب الأحكام ج 4 ص 147 باب 39 الزيادات حديث : 31 ـ 409 وفيه اختلاف يسير.
(3) تهذيب الأحكام ج 4 باب 39 الزيادات حديث : 32 ـ 410 وفيه اختلاف يسير.
(4) تهذيب الأحكام ج 4 ص 147 باب 39 في الزيادات حديث : 32 ـ 410 وفيه اختلاف يسير.
(5) تهذيب الأحكام : ج 4 من ص 142 الى ص 147.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 49
  بحيث يمكن ترتب البيع ونحوه (1).
  أقول : هذا كلام في نهاية الركاكة والسقوط عن درجة الاعتبار لا يخرج من لحيي متأمل ، وذلك أن مطلوب المؤلف كما هو ظاهر منه صريح أن التصرف بالبيع ونحوه تبعا للآثار إنما يصح زمان الغيبة ، فلا يصح إثباته إلا بأمرين : الصحة مع الغيبة ، وعدم الصحة لا معها ، وكلامه هنا دلالته على الصحة زمن الغيبة فلا يصح دليلا على المدعى ، على أن المقصود بالذات تخصيص الصحة بزمن الغيبة لأن الصحة قد ثبتت على جهة العموم بما مضى من الأدلة ، وأشار إليه أيضا من الأحاديث ، ولا دلالة فيما ذكره عليه أصلا ، هذا والصحة لا تتوقف على إباحة الإذن كما قررناه سابقا ونبهنا على أنه أشار إليه فيما سبق أيضا فلا مدخل لتوسط قوله : إن التصرف انما يكون بإذن الإمام (2) فهذا الكلام عند التأمل لا حقيقة له ، ويحسن التمثيل فيه بقوله تعالى ( وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى ) (3) .
  قوله : وكلام شيخنا في الدروس أيضا يرشد الى ذلك (4).
  أقول : ظاهر كلامه في الدروس (5) غير مقيد بآثار التصرف وحمله عليه تكلف غير حسن ، وقد أشرنا إليه سابقا ، وفي خلال كلام الشيخ في التهذيب ما يدل عليه.
  قوله : وأطلق في المبسوط (6) أن التصرف لا ينفذ أي لا يقيد بحال الظهور ولا عدمه (7).

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 55.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 55.
(3) طه : 69 :
(4) راجع خراجيته (ره) ، ص 55.
(5) الدروس : كتاب احياء الموات ص 292 ـ ط الحجرية ـ قم.
(6) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ ص 29 ـ كتاب الجهاد.
(7) راجع خراجيته (ره) ، ص 55.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 50
  أقول : مسلم أنه أطلق ، لكن مراده بالإطلاق عدم النفوذ على الاستقرار لا عدم نفوذ البيع تبعا لآثار التصرف لأن ذلك جائز لا يختلف فيه أحد من الأصحاب فيما علمته.
  قوله : ثم قال : وقال ابن إدريس (1) : ( إنما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرفنا لا نفس الأرض ) ، ومراده بذلك أيضا أن ابن إدريس أطلق جواز التصرف في مقابل إطلاق الشيخ ( رحمه‌الله ) عدم جوازه (2).
  أقول : أسند إلى نفسه بصيغة الجمع والى أهل زمنه ظاهر أو هو زمن الغيبة فلا إطلاق بالنسبة إليها ولو شوحح في ذلك مع فساد المشاحة كما لا يخفى ، قلنا : ظاهر كلامه فيما سوى الأرض وظاهر الشهيد الإطلاق وإلا لم يكن لا يراده قول ابن إدريس ( لا نفس الأرض ) فائدة ، وكلام الشهيد يقتضي نفوذ التصرف مطلقا في الغيبة ، وكلام الشيخ يقتضي المنع ، وكلام ابن إدريس يقتضي تخصيص الجواز بما سوى نفس الأرض ، فمن أين علم أن كلام الشهيد يرشد الى كون البيع لآثار التصرف مخصوص بالغيبة مع أنه خلاف ظاهره كما حررناه وأزلنا اللبس عنه والحمد لله.
  قوله : في المقدمة الثالثة في بيان أرض الأنفال والآجام وبطون الأدوية ورءوس الجبال (3).
  أقول : لا نقض يتعلق بهذا إلا أن فيه نكتة أحببت الإشارة إليها حيث أهملها ، إما لاختياره الإطلاق كغيره أو لغير ذلك ، وهي أن المراد بما ذكر كل ما كان كذلك أو ما كان في ملكه أعني ما ليس في يد مسلم من الأرض التي أسلم

(1) السرائر ـ كتاب الزكاة ص 110 ـ الطبعة الحجرية في طهران.
(2) راجع خراجيته (ره) ، ص 55.
(3) إلا أنه ( قده ) ذكر هذا الأمر في المقدمة الثالثة راجع خراجيته (ره) ، ص 55.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 51
  أهلها عليها طوعا وجهان في قوة التعادل ، قال العلامة في المختلف لما نقل القولين : والأقرب الإطلاق. لنا ما رواه محمد بن مسلم في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول : الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خراب أو بطون أو دية فهذا من الفي‌ء ، والأنفال لله وللرسول ، فكما كان لله فهو للرسول صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم يضعه حيث يجب (1).
  وما رواه محمد بن مسلم أيضا بسند آخر عن الباقر عليه‌السلام وفي حديث سماعة بن مهران وقد سأله عن الأنفال ـ الى أن قال ـ الطسق للمالك والشهرة عليه (2) (3).
  فيتعين الحمل على ما ذكرناه فتم الاستدلال والرد ، ثم احتج لهما بما هو دليلهما ولا إشكال ولا شك في دلالته على مطلوبهما والتئامه مع مقالتهما لأن الرواية دلت على أن من عمر أرضا خربة لها مالك يكون له وليس للمالك إذا طلبها أن ينزعها منه ، فدلت بعمومها على أرض من أسلم أهلها عليها طوعا مع خرابها لدخولها تحت اسم الأرض الخربة ونظائرها على خروجها عن ملكه ، ولهذا احتاج العلامة إلى حملها على ما ذكره ، ولو لا ظهور دلالتها على الدعوى لم يحتج الى الحمل ، فإن الحمل لا يكون إلا ممن يريد خلاف ظاهر المحمول ، وهذا واضح ثم أورد سندا على حمله ما هو بعينه صالح للاستدلال على شق كلام الشيخ الثاني الذي هو الفتوى المشهور بين أصحابنا ، فتم مطلوبه ودليله ، ولم يقصر عن مدعاه ولا أورد إلا ما هو دليل منتج للمدعي.
  فانظر أيها المنصف كيف اجترأ هذا الرجل على إمام المجتهدين وعماد الدين حتى قال : ثم احتج لهما برواية لا تدل

(1) تهذيب الأحكام ج 4 ص 133 حديث : 4 ـ 370 من باب 38 في الأنفال وص 149 حديث : 38 ـ 416 ـ من باب 39 في الزيادات.
(2) وسائل الشيعة ـ ج 13 و ـ ص 22 ـ حديث 8 ـ باب 11 من أبواب بيع الثمار الا انها تغاير ما في الكتاب بتفاوت يسير ولعله نقل بالمعنى.
(3) مختلف الشيعة ـ ج 1 ـ ص 206 ـ المقصد السادس من كتاب الزكاة في الخمس ـ الفصل الثالث في الأنفال ـ مع تفاوت

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 52
  على مطلوبهما بل ولا تلتئم مع مقالتهما (1) فاذا كان هذا قوله في هذا الرجل الذي هو علم التحقيق والتدقيق فكيف لا يشنع على غيره ووجب أن يتمثل بهما بقول الشاعر :
وكم من عائب قولا صحيحا      ii
وآفـته مـن الـفهم iiالسقيم
  وأي شناعة على العالم أكبر من أنه لا يفهم عدم انطباق الدليل على المدعى حتى يستدل بما يدل ولا يلتئم مع المداول ، وليت شعري كيف توهم أن الدليل لا يدل ولا يلتئم ، فإن كان سببه ذكر الغياب في الرواية فلا يخفى قصوره لأنه قال وتركها وأخربها ، فالعلة هي الترك والخراب ولو شوحح بأن الرواية دلت على أن العلة المجموع ، والتقي والقاضي زعما أن العلة الخراب مطلقا ، أجبنا بوجهين
  ( أحدهما ) أنه لا قائل بمدخلية الغياب مع الخراب ، فاعتباره خارج عن الأقوال ، فخصوصية قيد الغياب ملغى بلا خلاف ، وحينئذ فذكره في السؤال وقع للتنبيه على سبب الخراب نظرا الى الغالب لا أنه شرط.
  ومثل هذا كثير في الروايات يعلمه من طالعها.
  ( وثانيهما ) أن الغيبة هنا محمولة على عدم ملاحظته ومراعاته ، فان مثل ذلك يسمى غيبة ، فإن من توجه إلى شي‌ء ببدنه ولم يكن متوجها إليه بقلبه يقال أنه غائب القلب عنه ، أقول : وبنحو هذا الخيال الواهي تحيري على مثل هذا الفاضل بأنه يستدل على ما يدل على المطلوب ولا يلتئم مع المقالة ، وليس لقائل أن يقل إن العلامة حاك ، فالقصور في استدلال التقي والقاضي لأنه سلم الدلالة وأجاب عنها بالحمل ، ولو لم يكن الدليل دالا كان سوء الفهم منسوبا إليه ، وحاشاه بل حاشاهما أيضا منه ، فانظر أيها الناظر سمت الحق متجنبا لغيره ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ) (2).

(1) راجع خراجيته (ره) ص 43.
(2) ص : 26.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 53
  قوله : في خلال كلامه وكلام شيخنا الشهيد في الدروس قريب من كلامهما فإنه قال يقبلهما الامام بما يراه ويصرفه في مصالح المسلمين وابن إدريس منع من ذلك كله ، وقال إنها باقية على ملك الأول ولا يجوز التصرف فيها إلا باذنه وهو متروك (1).
  أقول : كان الخطأ والسهو لازم هذا الرجل فلا ينفك عنه حتى أنه لو نقل عبارة لم ينقلها صحيحا لا أدري لأي شي‌ء ، فان كان يقول : لأن الرواية تجوز بالمعنى ، قلنا : فلا بد من مراعاة عدم الاختلاف وهذه عبارة الدروس ، فليتأمل هل هي مخالفة لما نقله أو موافقة ، قال : ولو تركوا عمارتها فالمشهور في الرواية أن الامام يقبلها بما يراه ويصرفه في مصالح المسلمين .
  وفي النهاية يدفع من حاصله طسقها لأربابها والباقي للمسلمين (2) وابن إدريس منع من التصرف بغير إذن أربابها وهو متروك (3) ولا شك أن الشهيد في هذه العبارة اقتصر على كون المشهور في الرواية ما ذكره وحكى الطسق عنه النهاية وهي كتاب خبر حذفت أسانيده ، وكأنه أشار الى مقتضى رواية الحلبي السابقة (4) وذكر قول ابن إدريس وهو المنع من التصرف بغير إذن أربابها وأنه متروك ، وما حكاه المؤلف يفهم منه بغير ارتياب لو كان هو عبارة الدروس أنه مفت بتقبيلها وصرف الحاصل في المصالح من غير إشارة الى غير ذلك إلا قول ابن إدريس ، وقد ذكر أنه متروك ، فأين عبارته مما حكاه ؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار وإن أردت زيادة الإيضاح فبين ما نقله ، وبين عبارة الدروس فرق من وجود : ( الأول ) أن عبارته تدل على الفتوى وعبارة الدروس لا تدل عليه بل على أن المشهور في الرواية ذلك ( الثاني ) أن عبارته لا

(1) راجع خراجيته (ره) ص 42.
(2) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ـ كتاب الزكاة ـ ص 194.
(3) تهذيب الأحكام ج 7 ص 148 ، ومسلسل الحديث : 7 ـ 658 من هذا الجزء ـ باب 11 ـ في أحكام الأرضين.
(4) الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ ص 163 ـ كتاب الجهاد الطبعة الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 54
  إشعار فيها بالإشارة إلى الرواية وهو يدل على عدم قول ما حكاه عن ابن إدريس ، فإذا كان متروكا تعين الحمل به وعبارة الدروس (1) تدل على نقل الخلاف بل الرواية لأن النهاية كتاب خبر في الحقيقة ( الثالث ) أن عبارته تدل صريحا على نقل بقاء الملك الأول ويفهم منه أن ما سبق يدل على عدمه ، وليس في عبارة الشهيد ما يدل على عدم الملك أصلا ، بل ربما كان في نقله بكلام ابن إدريس إشعار بأنها باقية على الملك على القولين حيث اقتصر على نقل اشتراط الاذن من أربابها ( الرابع ) أن عبارته تقيد كون البقاء على الملك متروكا لأنه قول ابن إدريس المتروك ، وعبارة الشهيد لا احتمال فيها لذلك ، وكيف يكون البقاء على الملك متروكا وهو فتوى الأكثرين من أصحابنا ؟ نعم اشتراط الاذن ـ كما قاله الشهيد ـ متروك ، فهذا كلام من لا يحقق شيئا ، اللهم إلا أن يكون نقل كلام الدروس من حضورها عنده لظنه أنه متوهم لم ينظر هو ولا غيره بعد في ذلك ، ومثل هذا التصنيف يجري مجرى التلاعب بالعلوم ونقل أقوال الفقهاء بالخيال الموهوم نعوذ بالله من ذلك.
  قوله : المقدمة الثانية في حكم المفتوحة عنوة ... إلخ (2).
  أقول : لا نزاع لنا ولا ورد على حكم المفتوحة عنوة ، فإن حكمها مشهور متداول بين الأصحاب ، وقد ذكر المؤلف عبارة بعضهم بعينها ، نعم لنا في هذا الباب الذي ذكره نكت : ( الاولى ) لم يذكر من حكم المفتوحة عنوة إخراج الخمس منها أو من حاصلها ، بل ظاهره عدم ذلك حيث أطلق الحكم بتقبيلها وإخراج حاصلها فيما ذكر ، ولا وجه حسنا له فإن الله تعالى يقول ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) (3) الآية ، وهي عامة ، والشيخ قال في صدر كلامه الذي

(1) الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ ص 163 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.
(2) راجع خراجيته (ره) ص 46.
(3) الأنفال : 41.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 55
  نقله : والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة أن يكون خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة للغانمين وغير الغانمين في ذلك سواء ويكون للإمام ... (1) إلى آخر ما ذكره عنه.
  وقال الفاضل ابن إدريس في سرائره : والضرب الثاني من الأرضين ما أخذ عنوة بالسيف ـ بفتح العين ـ وهو ما أخذ عن خضوع وتذلل قال الله تعالى ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) (2) أي خضعت وذلت ، فإن هذه الأرض تكون للمسلمين بأجمعهم المقاتلة وغير المقاتلة ، وكان على الامام أن يقبلها لمن يقوم بعمارها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك ، وكان على المتقبل إخراج ما قبل به من حق الرقبة يأخذه الامام فيخرج منه الخمس فيقسمه على مستحقه والباقي منه يجعل في بيت مال المسلمين يصرف في بيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم من سد الثغور وتجهيز الجيوش (3) ، وربما أهمل ذلك بعض الأصحاب إنكالا على ما سبق منهم قبل ، فالمنفرد للبحث لا بد وأن يتعرض لذلك لئلا يتوهم عموم الحكم في المفتوحة عنوة بل هو الظاهر خصوصا عند غير العالم بالأحكام الثانية.
  قوله : وهذا الحديث وإن كان من المراسيل إلا أن الأصحاب تلقوه بالقبول ولم نجد له رادا وقد عملوا بمضمونه.
  واحتج به على ما تضمن من مسائل هذا الباب العلامة في المنتهى (4) وما هذا شأنه فهو حجة بين الأصحاب (5).
  أقول : ما ذكره لا غبار عليه ، إلا أنه سنورد ما هو أبلع شهرة منه مع أنه رده

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ ص 28 ـ كتاب الجهاد ـ فصل في حكم ما يغنم وما لا يغنم ـ مع تفاوت يسير.
(2) طه : 111.
(3) السرائر ـ ص 110 ـ باب حكم الأرضين ـ الطبعة الحجرية.
(4) منتهى المطلب ـ ج 1 ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ ص 553 ـ المسألة الأولى ـ الطبعة الحجرية.
(5) راجع خراجيته (ره) ص 48.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 56
  برد ليس بشي‌ء ومنه أنه مرسل ، فكلامه هنا يكون حجة عليه هناك ، فذكرنا هذا للتنبيه على اختلاف قوليه وعدم ضبطه للقانون وعدم وقوفه بحسب مقتضى الدليل ( الثالثة ) قال في آخر كلامه : بقي هنا شي‌ء وهو أنه ـ يعني الخبر المرسل الذي استدل به ـ تضمن وجوب الزكاة قبل حق الأرض وبعد ذلك يؤخذ أهل الأرض ، والمشهور بين الأصحاب أن الزكاة بعد المؤن ، نعم هو قول الشيخ رحمه‌الله.
  وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (1) عليه‌السلام قال : وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بما يرى كما صنع رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم بخيبر قبل أرضها ونخلها والناس يقولون لا يصح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد ، وقد قبل رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر.
  وفي معناه ما رواه أيضا مقطوعا عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر (2).
  أقول : ظاهر إيراده للخبر وما في معناه الاستدلال على كون الزكاة بعد المؤن ولا دلالة في ذلك بوجه من الوجوه إلا بالمفهوم على وجه بعيد كما لا يخفى ولا حجة فيه ، فالاستدلال ساقط والمعتمد في الاستدلال على عدم وجوب الزكاة في مجموع الحاصل كما تضمنه الخبر أن شرط الزكاة ملك النصاب لمالك واحد ، ولا كلام أن ارتفاع الأرض للمسلمين فلا يبلغ نصيب كل واحد منهم قطعا فلا يجب فيه الزكاة لاختلال شرط الوجوب وهو ملك النصاب لمالك متفرد.
  وبهذا يتم الاستدلال وإن قلنا أن الزكاة تقدم على المؤن ، وما دل على الوجوب في الخبر لا يصح

(1) تهذيب الأحكام ج 4 ص 119 حديث : 2 ـ 342 ـ من باب 34 ـ باب الخراج وعمارة الأرضين وفيها اختلاف. (2) تهذيب الأحكام ج 4 ص 119. حديث : 1 ـ 341 ـ باب 34 في الخراج وعمارة الأرضين.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 57
  الاعتماد عليه إلا بسبب الاعتضاد بالشهرة ، ولا شهرة هنا ، فسقط الاستدلال به على هذا الحكم.
  قوله : الثانية : موات هذه الأرض أعني المفتوحة عنوة وهو ما كان وقت الفتح مواتا للإمام ـ عليه‌السلام ـ خاصة لا يجوز إحياؤه إلا بإذنه إن كان ظاهرا ، ولو تصرف فيها متصرف بغير إذنه كان عليها طسقها ، وحال الغيبة يملكها المحيي من غير إذن ، ويرشد الى بعض هذه الأحكام ما أوردناه في الحديث السابق عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام. وأدل منه ما رواه ... إلخ.
  وروى الشيخ أيضا عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى فقال : ليس به بأس ـ الى أن قال ـ أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعملوها فهم أحق بها وهي لهم (1) (2).
  أقول : لا نزاع لنا في أن موات المفتوح عنوة من الأنفال يختص به الامام عليه‌السلام ، لكن لنا في كلام المؤلف نكتتان :
  ( الاولى ) أنه سلم أن المحيي يملكها إذا كان الامام غير ظاهر من غير إذن ولا غبار عليه ، إلا أنه يقول عن قريب في رسالته : إن ما في يد غير الشيعة من ذلك حرام ، وهو خلاف ما سلمه هنا وخلاف ما أقام الدليل عليه هنا من العموم ، وسنشير الى الدليل هناك أيضا بما يظهر به خطاؤه ولولاه لأمكن أن يجاب عنه بأنه أراد الخاص بقرينة ما يأتي من كلامه.
  ( الثانية ) أنه استدل بخبر محمد بن مسلم (3) الذي ذكرناه عنه ولا دلالة فيه بل هو دال على ملك المحيي من غير تفصيل ، ولولا خصوص ما دل من

(1) تهذيب الأحكام ج 4 ص 146 حديث 29 ـ 407 ـ باب 39 في الزيادات ، والفقيه ج 3 ص 240 وفيهما اختلاف يسير.
(2) راجع خراجيته (ره) ص 49 ـ 50.
(3) تهذيب الأحكام ج 4 ـ ص 146 ـ حديث : 29 ـ 407 ـ باب 39 في الزيادات : والفقيه ـ ج 3 ـ ص 240 حديث 3876 مع اختلاف يسير في الرواية والراوي عما في التهذيب.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 58
  الأحاديث أمكن الاستدلال به على العموم فلا يليق ذكره دليلا على ما ادعاه لأنه لا يدل على شي‌ء منه. وقد يعتذر عنه انه أراد الاستدلال على كون الموات بالاحياء تملك في الجملة وهو عام فيدخل فيه ملكه في زمن الغيبة وغيره دل على عدم الملك في زمن الظهور ، وهذا لا يخلو من تكلف.
  قوله : الثالثة : قال الشيخ في المبسوط (1) والنهاية (2) : وكافة الأصحاب لا يجوز بيع هذه الأرض ... إلخ (3).
  أقول : قد ثبت أن الناقل يجب عليه تصحيح ما نقله ، وقد نقل عن كافة الأصحاب ذلك ، فعليه تصحيح نقله على أنا نقول : قال الشهيد رحمه‌الله في الدروس : ولا يجوز التصرف في المفتوح عنوة إلا بإذن الإمام سواء بالوقف أو بالبيع أو غيرهما ، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك (4).
  وهو يدل بظاهره على خلاف ما نقله عن الكافة ، وربما فهم المؤلف من كلام الشهيد هذا شيئا غير ما هو معناه ، وسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى ، على أن هذا كله بحث في المسألة من حيث هي ، وإلا فلا فائدة للمؤلف في ذلك ، نظرا الى ما هو مقصوده إذ لا يلزم من كون هذا حكم المفتوح عنوة حل القرية إلا مع دعاء ( ادعاء ـ خ ل ) وستسمع ع تقريب بطلانها.
  قوله : وفي التذكرة (5) رواه كذا قال : يود بالواو بدلا عن الراء من الأداء مجزوما بأنه أمر للغائب محذوف اللام وما ذكرناه أولى (6).
  أقول : الأولوية هنا لا معنى لها أصلا بل النظر يتعلق بتصحيح الرواية ولا بد

(1) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 34.
(2) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص 195 ـ كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 50.
(4) كتاب الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ كتاب الجهاد ـ ص 163 ـ الطبعة الحجرية.
(5) تذكرة الفقهاء ـ ج 1 ـ ص 428 ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.
(6) راجع خراجيته (ره) ، ص 51.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 59
  للمجتهد من أصل مصحح عليه يعتمد ، فإن كان فيه الواو وجب اتباعه ، وإن كان فيه الراء اتبع ، وليس للأولوية في نقل ألفاظ الأخبار مدخل.
  قوله : فإن قلت : إذا جوزتم البيع ونحوه تبعا لآثار التصرف فكيف يجوز أولي الأمر أخذها من المشتري ؟ وكيف يسترد رأس ماله مع أنه قد أخذ عوضه أعني تلك الآثار ؟ قلت : لا ريب أن ولي الأمر له أن ينتزع أرض الخراج من متقبلها إذا انقضت مدة القبالة ، وإن كان له فيها شي‌ء من الآثار فانتزاعها من يد المشتري أولى بالجواز ، وحينئذ فله الرجوع برأس ماله لئلا يفوت الثمن والمثمن (1).
  أقول : نفي الريب عن جواز الانتزاع من المتقبل مع انقضاء مدة القبالة مسلم لا غبار عليه ، أما كون انتزاعها من يد المشتري مساويا له فضلا عن كونه أولى بالجواز ممنوع أشد المنع بل في المبسوط (2) ظاهر البطلان لأن يد المشتري يد معاوضة بذل فيها جزء من ماله ويد المتقبل ليس كذلك بل هي في معنى المزارعة والمساقاة يستحق جزء السبب بسبب عمله والآخر للمالك ، فأين هذا من ذاك ؟ وهل يستجيز محصل أن يسطر في تصنيف تظفر به الأذكياء مثل هذا لولا قلة التأمل وعدم إمعان النظر ؟ ومن العجائب والغرائب قوله : وكيف يسترد رأس ماله مع أنه قد أخذ عوضه ، أعني تلك الآثار أنه قبل الابتياع فليس من الأخذ في شي‌ء وإن أراد أن ملكها مع انتزاعها الامام باق له لم يزل ، فلا معنى لرد الثمن ، ولا لقوله لئلا يفوت الثمن والمثمن ، وإن أراد غير ذلك فهو غير معقول إلا أن يكون من مخترعات اجتهاده فلا بأس.
  قوله : لكن الذي يرد الثمن يحتمل أن يكون هو الامام عليه‌السلام لانتزاعه ذلك ، يحتمل أن يكون البائع لما في الرد من الاشعار بسبق الأخذ (3).

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 52.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ 35 ـ كتاب الجهاد.
(3) راجع خراجيته (ره) ، ص 52.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 60
  أقول : لا يحتمل أن يكون المراد إلا الإمام عليه‌السلام لأن البائع باع ما هو جائز له شرعا بمعاوضة صحيحة ثبت جوازها بالنص ، فاستحق العوض ، فلا وجه لرده ، وكيف يحتمل أن يرده مع أن المنتزع الامام عليه‌السلام وهي في يده ؟ ولو احتمل أن يرد البائع وجب الحكم بعود يده كما كانت ما لم يعاوضه الإمام لأن من آثار التصرف ما هو مملوك للبائع كالبناء والغرس وغيرهما ، ومن العجب أن المؤلف ما فارق قوله الأول إلا بقليل ، ثم احتمل ما لا يجتمع معه وقوله الأول ، وإذا تصرف فيها أحد بالبناء والغرس صح وله بيعها على أنه يبيع ماله فيها من الآثار وخص الاختصاص التصرف ، ثم قال بعده بما سطر ، وهذا تصريح في جواز بيعه حقه أعني آثار التصرف ، قلت : فاذا كان ما باعه حقا له والامام عليه‌السلام له الانتزاع من حيث إن الأرض لم تنتقل كيف يحتمل أن يرد البائع ثمن ما هو حق له ، وقد عاوض عليه بعقد صحيح لازم ، ولعل هذا من مخترعات اجتهاد المؤلف في المسائل الفقهية ، وبعد هذا بأسطر قال : قلت : هذا واضح لا غبار عليه يدل عليه ما تقدم من قول الصادق عليه‌السلام ( اشتر حقه منها ) (1) ، وأنه أثر محترم مملوك لم يخرج عن ملك مالكه بشي‌ء من الأسباب الناقلة فيكون قابلاً لتعلق التصرفات ، فانظر أيها المتأمل إلى كلام هذا المؤلف سابقا ولا حقا ، وفي الوسط تظفر ببعض الغرائب فيه.
  قوله : في التنبيه الأول ردا على العلامة : ثم نعود الى كلامه في المختلف ، فإنه قال فيه في آخر المسألة في كتاب البيع : ويحمل قول الشيخ على الأرض المحياة دون الموات. قلت : هذا مشكل لأن المحياة هي التي تتعلق بها هذه الأحكام المذكورة.
  وأما الموات فإنها في حال الغيبة مملوكة للمحيي ، ومع وجود الامام لا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، مع أن الحمل لا يلاقي ما قربه من مختار ابن إدريس

(1) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 146 ـ حديث : 28 ـ 406 و ـ ج 7 ـ ص 155 حديث : 35 ـ 686.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 61
  لأن مراده بأرض العراق المعمورة المحياة التي يقال فيها لا يجوز بيعها ولا هبتها لأنها أرض الخراج ، الى هنا كلامه (1).
  وقبل التعرض له نذكر كلام العلامة في المختلف قال : مسألة الأرض المفتوحة عنوة ، قال في المبسوط : لا يصح بيع شي‌ء من هذه الأرض ولا أن تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف التي تتبع الملك ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل ، وقال ابن إدريس : فإن قيل : نراكم تبيعون وتشرون وتقفون أرض العراق وقد أخذت عنوة ، قلنا : إنما نبيع ونقف تصرفنا وتحجيرنا وبناءنا ، فأما نفس الأرض فلا يجوز ذلك. وهو يشعر بجواز البناء والتصرف وهو أقرب ، ويحمل قول الشيخ على الأرض المحياة دون الموات (2) الى هنا.
  أقول : لا يخفى على الناظر أن الشيخ أطلق المنع من غير تقييد بالمحياة ولا الموات ، وأن ابن إدريس أطلق الجواز من غير تقييد (3).
  وأن العلامة قد جمع بين القولين بحمل كلام الشيخ على المحياة دون الموات ، وقرب كلام ابن إدريس مع الحمل المذكور وهو عين جعله مخصوصا بالموات ، ولا يرد أن ابن إدريس منع من جواز البيع في الأرض ، فإذا حمل كلام العلامة على الموات لا وجه للمنع لأنا نجيب أن العلامة لم يتعرض إلا لتقريب جواز البناء والتصرف لا غير كما لا يخفى ، فاستشكال المؤلف سببه قلة التدبر في كلام الفضلاء وسرعة التهجم عليهم بالطعن كما هو دأبه كثيرا.
  وليت شعري كيف لم يتفطن في كلام هذا الفاضل حتى قال : لا يلاقي ما قربه ، فإنه لم يقرب إلا الجواز المقابل للمنع المطلق ، وحمل كلام الشيخ على المحياة فعلم تفصيل مذهبه ، نعم لم يتعرض لكلام ابن إدريس

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 53.
(2) مختلف الشيعة ـ كتاب الجهاد ـ ص 333.
(3) السرائر ـ ص 111 ـ باب حكم الأرضين ـ الطبعة الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 62
  في منع بيع نفس الأرض لعدم تعلق غرضه به في المسألة التي ساقها ، وبالجملة فهذا الرجل لم يعض بضرس قاطع على العلم ليعرف مقاصده وينال مطالبه فلو مشى الهوينا وتأخر حيث أخره القدر كان أنسب بمقامه.
  قوله : نعم يحمل كلام الشيخ (ره) على حال وجود الامام وظهوره لا مطلقا (1).
  أقول : هذا من غرائبه وعجائبه ، فإن كلام الشيخ عنده مخصوص بالمحياة وقت الفتح فاذا حمل المنع على حال ظهوره عليه‌السلام لا مطلقا جاز ذلك في غيبته ، وإذا جاز بيع الأرض ونحوه في الغيبة كان ذلك منافيا لما سبق منه مما نقله عن الكافة ، ولمطلوبه الذي هو بصدده ، ولأجله ألف رسالته ، فإن التزمه فيا حبذا ، لكنه لا يلزمه بل هو لغفلته لا يدري بتنافي كلامه ، ويمكن أن سبب حمل توهمه أن كلام الشيخ مخصوص بالمنع من البيع تبعا لآثار التصرف وهو بمعزل عن كلام الشيخ لأن صريح كلامه المنع من بيع نفس الأرض حيث قال : لا يجوز بيع شي‌ء من هذه الأرض ولا أن تبنى ... إلخ (2) مع انا سنبين أن بيع الآثار لا يختص بزمن الغيبة ، فانظر أيها المتأمل الى رده لكلام العلامة وحمله.
  أقول : ومن مختلطات رسالته قوله : الثانية : نفوذ هذه التصرفات ... إلخ ، فلنورده بعينه بلفظه ثم نتكلم عليه.
  قال : الثاني نفوذ هذه التصرفات التي ذكرناها هو في غيبة الإمام ، أما في حال ظهوره فلا ، لأنه إنما يجوز التصرف فيها مطلقا بإذنه ، وعلى هذا فلا ينفذ شي‌ء من التصرفات المتصرف فيها استقلالا ، وقد أرشد الى هذا الحكم كلام الشيخ في التهذيب فإنه أورد على نفسه سؤالا وجوابا محصلهما مع رعاية ألفاظه

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 53. (2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 2 ـ كتاب الجهاد ـ ص 34.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 63
  بحسب الإمكان ـ الى أن قال : ـ ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (1).
  [ وما رواه حسن بن راشد عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ... وله رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام الحديث (2).
  احتج ابن إدريس بأن الأصل إباحة ذلك للمسلم وعدم تخصيص الامام عليه‌السلام فلا يعدل عنه بمثل هذه الأخبار الضعيفة (3) ، والجواب المنع من أصالة الإباحة ، بل الإمام أولى لأنه قائم مقام الرسول عليه وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وبالجملة ففي المسألة نظر (4) الى هنا كلام العلامة رحمه‌الله ] (5).
  أقول : لا يخفى أن جوابه الذي أجاب به عن حجة ابن إدريس غير ناهض لأنه لا يلزم من كونه قائماً مقام الرسول عليه‌السلام وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم أن لا يكون الأصل الإباحة للمسلمين ، وأن ما في يد المسلم إذا أسلم عليه لا يكون له ويختص به عليه‌السلام بل يستحب البحث في الرسول عليه‌السلام بالنسبة الى ذلك ، قال المحقق في المعتبر (6) : قال الشيخان : رءوس الجبال والآجام من الأنفال ، وقيل : المراد به ما كان من الأرض المختصة به ، وظاهر كلامهما الإطلاق ، ولعل مستند ذلك رواية الحسن بن راشد عن أبي الحسن الأول قال : وله رءوس من الجبال وبطون الأودية والآجام (7) ، والراوي ضعيف.

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 53 ـ 56.
(2) تهذيب الأحكام ج 4 ص 130 ضمن الحديث الثاني عن باب قسمة ـ الغنائم ـ وأول الرواية في ص 128 ـ حديث 2 ـ 366 ـ باب 37 في قسمة الغنائم.
(3) السرائر ـ كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين ـ ص 110 ـ الطبعة الحجرية.
(4) مختلف الشيعة ـ ج 1 ـ ص 207 ـ المقصد السادس من كتاب الزكاة في الخمس الفصل الثالث في الأنفال ـ ط الحجرية.
(5) ما بين المعقوفتين لم توجد في كلام المحقق الثاني : ( قدس‌سره ).
(6) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص 296 ـ الطبعة الحجرية.
(7) تهذيب الأحكام : ج 4 ص 130 وفيه ( رءوس الجبال ) حديث : 2 ـ 366 ـ ( وأول الحديث في ص 128 ) ـ باب 37 في قسمة الغنائم.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 64
  قوله : وفي مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان الخمس للإمام.
  ومضمون هذه الرواية مشهور بين الأصحاب مع كونها مرسلة وجهالة بعض رجال أسنادها وعدم إمكان التمسك بظاهرها ، إذ من غزا بإذن الإمام لا يكون خمس غنيمته كلها للإمام عليه‌السلام (1).
  أقول : هذا الكلام من المؤلف عجيب غريب ، لأنه إن أراد بما ذكر من الإرسال وغير بيان صورة الحال مع كونها حجة فلا مزيد فيه.
  وان أراد الطعن في العمل بالرواية فهو ساقط بالكلية لا يحتاج الى جواب طائل بعد كونها في الاشتهار بين الأصحاب بالغة حدا لا يذكرون الإشارة إلى خلاف عند الفتوى بمضمونها ، ولم أسمع لها رادا من الأصحاب ، وما هذا حاله في الاشتهار حجة بلا اشكال ، وقد سلم نحو ذلك فيما مضى بقوله : وهذا الحديث وإن كان من المراسيل إلا أن الأصحاب تلقوه بالقبول ولم نجد له رادا وقد عملوا بمضمونه.
  واحتج به على ما تضمن من مسائل هذا الباب العلامة في المنتهى (2) وما هذا شأنه فهو حجة بين الأصحاب ، وأن ما فيه من الضعف ينجبر بهذا القدر من الشهرة.
  انتهى كلامه ، ولا شك أن شهرة هذا الخبر كاد أن لا يلحقه شهرة شي‌ء من المراسيل بل صرح بعض الأصحاب بنقل الإجماع على مضمونها.
  قوله ( وعدم إمكان التمسك بظاهرها إذ من غزا بإذن الإمام لا يكون خمس غنيمة كلها للإمام ) أعجب من الأول لوجهين.

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 56.
(2) منتهى المطلب ـ ج 1 ـ ص 554 ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ الطبعة الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 65
  ( أحدهما ) ما هو مقرر مذكور مشهور متواتر بين الأصحاب يعرفه كل من خالط الاستدلال بالحديث ، وهو أن الخبر إذا اشتمل على ما هو معمول به إما لاشتهاره أو لعدم المعارض له جاز الفتوى به ، وإن كان مشتملا على شي‌ء له معارض أو شاذ لا يصح الفتوى به ولا يقدح في جواز العمل بما ليس فيه ذلك ، ولو لا خوف الإطالة أوردت من ذلك جملة ، وكأن المؤلف لم يلاحظ ما ورد في ذلك في منزوحات البئر (1) وغيره من الأحكام الشرعية ولا وصيته المعتبر في ذلك. والدليل العقلي يساعد على ذلك فإن المعارضة والتخصيص قد يختص ببعض ما دل عليه الخبر فيكون الباقي سليما من المعارض فيكون راجح الدلالة فيجب العمل به.
  ( وثانيهما ) أن استناد الخمس إليه عليه‌السلام لأنه القابض له والمتصرف فيه والحاكم فيه بما شاء كيف لا والإضافة تصدق بأدنى ملابسة على أن قائلاً لو قال : الخمس كله له للرواية لم يكن رد كلامه إلا بثبوت الدليل على عدم الاختصاص ، فلا بد من الجمع ، ولا جمع إلا بأن إسناده إليه بكونه له من حيث إنه يرفع إليه أو يأخذ ما يصطفيه ويقسمه فيأخذ نصفه ويقسم النصف على الأصناف ، وما يفضل عن كفايتهم في السنة فهو له وما يعوز فهو عليه ، فكأنه له وكأنهم واجبوا النفقة عليه. ليت شعري كيف كان مثل هذا الذي يفهم تطبيقه بأدنى تأمل يقتضي عدم إمكان التمسك بظاهرها حتى يكون قدحا فيها ؟ وهل مثل هذا يصدر من فقيه تكلف الجمع بين الأخبار المختلفة والنظر في دقائق معانيها ولاورد ما يحقق شهرة العمل بالرواية ويدفع احتمال الرد عليها بالإرسال ونحوه فيما ذكرناه من الحكم ؟.
  قال الشيخ في المبسوط (2) الأنفال هي كل أرض خربة باد أهلها ـ الى أن

(1) راجع الوسائل الباب 14 الى 24 من أبواب الماء المطلق في ج 1 ص 125 الى ص 144.
(2) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج 1 ـ ص 263 ـ كتاب الزكاة.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 66
  قال : ـ قال قوتل قوم من أهل حرب بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام خاصة دون غيره ، فجميع ما ذكرناه كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة وهي لمن قام مقامه من الأئمة في كل عصر ، فلا يجوز التصرف في شي‌ء من ذلك إلا بإذنه ... إلخ ، ولم يذكر فيه لا قولا ولا خلافا.
  وقال في النهاية (1) : وإذا غزا قوم أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصة دون غيره ، وليس لأحد أن يتصرف في شي‌ء مما يستحقه الامام من الأنفال والأخماس إلا بإذنه ... إلخ.
  وقال في الخلاف (2) : مسألة : إذا دخل قوم دار الحرب وقاتلوا بغير إذن الامام فغنموا كان ذلك للإمام خاصة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (3).
  وقال ابن إدريس في باب ذكر الأنفال ومستحقها : ولو قاتل قوم من أهل الحرب بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة خاصة للإمام دون غيره ، فجميع ما ذكرناه كان للنبي عليه‌السلام خاصة وهو لمن قام مقامه من الأئمة في كل عصر لأجل المقام لا ورائه ... (4) إلخ.
  قلت : ومن مذهب ابن إدريس عدم جواز العمل بخبر الواحد وإن صح مستنده مطلقا فضلا عن الضعيف ، فضلا عن كونه مخصصا لعموم الكتاب ، وأفتى بمضمون الرواية فلو لا أنها عنده من المشاهير التي يجب العمل بها لم يفت بمضمونها ، بل الظاهر أنه لا خلاف عنده في مضمونها لأن مجرد الشهرة مع ضعف المستند لا يقوم حجة عنده خصوصا في تخصيص الكتاب العزيز ، وكلام المحقق الآتي

(1) النهاية : ص 200 ، وفيه اختلاف يسير.
(2) الخلاف ـ ج 2 ـ كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم ـ ص 332 ـ مسألة 16.
(3) إلى هنا كلام الشيخ الطوسي (ره) في الخلاف.
(4) السرائر ـ كتاب الخمس ـ ص 116 ـ الطبعة الحجرية.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 67
  ذكره صريح في أنه انما اعتمد على الإجماع على مضمونها ، وقد سبق نقل الشيخ في الخلاف (1) الإجماع عليه ، وقال العلامة في المنتهى وإذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام ، ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى رحمهم‌الله وأتباعهم.
  وقال الشافعي ... إلخ ـ ثم قال : ـ احتج الأصحاب بما رواه العباس الوراق عن رجل سماه ... (2) إلخ.
  قلت : ظاهره أن مضمونها متفق عليه حيث لم يذكر الخلاف إلا عن المخالفين ، وقال ( احتج الأصحاب " والجمع المحلى للعموم ، وقد يمكن أن يقال الألف واللام للعهد فلا يرجع إلا الى الثلاثة وأتباعهم لكنه لا يقدح إلا في الدلالة على الإجماع ولا يخلو من مشاحة لا حاجة الى الإطالة بها. وقال في التحرير في الفصل الثالث في الأنفال : وإذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام عليه‌السلام خاصة (3) ولم يشر الى قوم ولا خلاف ولا احتمال الى غير ذلك من تصانيفه كالقواعد (4) والإرشاد (5) وغيرهما وعبارات سائر الأصحاب مما يخرج تعداده الى الإطناب ، لا يقال قد قال المحقق رحمه‌الله في النافع ، وقيل : إذا غزا قوم بغير إذنه فغنمتم له ، والرواية مقطوعة فحكاه قولا وأشار الى ضعفه بكون الرواية مقطوعة (6).
  وقال في المعتبر : الثانية : قال الثالثة : إذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا فالغنيمة للإمام.
  وقال الشافعي ... إلخ ـ ثم قال : ـ وما ذكره الأصحاب ربما عولوا ، فيه على روية العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه ‌السلام قال :

(1) الخلاف ـ ج 2 ـ ص 332 ـ مسألة 16 ـ كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم.
(2) منتهى المطلب ـ ج 1 ـ ص 553 ـ كتاب الخمس ـ الطبعة الحجرية.
(3) تحرير الأحكام ـ ج 1 ـ ص 75 ـ كتاب الخمس ـ الطبعة الحجرية.
(4) قواعد الأحكام ـ ج 1 ـ ص 62 ـ كتاب الزكاة ـ الطبعة الحجرية.
(5) إرشاد الأذهان ـ ج 1 كتاب الزكاة ـ النظر الثالث في الخمس ص 293.
(6) المختصر النافع في فقه الإمامية ـ ص 64 ـ كتاب الخمس.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 68
  إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام وإن غزوا بأمره كان للإمام الخمس (1) وبعض المتأخرين يستكشف صحة الدعوى مع إنكاره العمل بخبر الواحد فيحتج بدعوى إجماع الإمامية ، وذلك مرتكب فاحش إذ هو يقول : إن الإجماع أنما يكون حجة إذا علم أن الامام في الجملة ، فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه فلا يكون علمه حجة على من لا يعلم (2) الى هنا كلامه ، ويظهر منه إنكار الفتوى.
  فنقول : كلامه في النافع (3) لا يظهر منه غير أنه حكاه قولا وأشار الى ضعف مستنده وغاية ما يلزم منه عدم قطعه به على أن المعلوم من قاعدته في النافع أن ما يقول فيه وقيل هو ما إذا لم يكن مستنده مقطوعا به عنده وهو لا يدل على اختياره فلأنه مع أنه صرح في شرائعه بالفتوى من غير إشارة إلى خلاف ولا ضعف حيث قال في آخر المقصد الأول من الأنفال : وما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له عليه‌السلام (4) فلو كان مخالفا في النافع صريحا لم يقدح خلافه في الاتفاق لسبق دخوله مع الجماعة وكلامه في المعتبر (5) لم يرد على ما ذكره في النافع (6) إلا بتعيين الثلاثة وبإنكاره الإجماع لا على طريق نقل الخلاف بل على طريق عدم ثبوته عنده ، وهو مرتكب لا يخلو من نظر لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عنده ، وابن إدريس من أجلاء الأصحاب ولو قدح فيه فلا قدح في الشيخ وقد نقله في الخلاف (7) وهو رئيس الطائفة وإمامهم ومعتمدهم في الأقوال والروايات ، على أنا نقول من العجب تردد المحقق أو عدم جزمه بالفتوى ، وقد اعتمد في غير ذلك على ما هو أقل

(1) تهذيب الأحكام ـ ج 4 ـ ص 135 ـ حديث : 12 ـ 378 ـ باب 38 في الأنفال ـ وفيه اختلاف يسير.
(2) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص 296 ـ الطبعة الحجرية.
(3) المختصر النافع ـ ص 64 ـ كتاب الخمس.
(4) شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ـ القسم الأول ـ ص 137 من كتاب الخمس ـ في مسائل قسمة الخمس.
(5) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص 296.
(6) مختصر النافع ـ كتاب الخمس ـ ص 64.
(7) الخلاف ـ ج 2 ـ ص 332 ـ مسألة 16 ـ كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم.

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 69
  شهرة مع ضعف مستنده حيث يقول : رواية يجبر ضعفها الشهرة وهذه أشد شهرة ، وأيضا فقد جزم بالفتوى في شرائعه (1) ولا مستند له إلا هذه الرواية فلو لا انجبارها بالشهرة أو الاتفاق لم يجز له الفتوى بحال ، وعلى كل حال فلا محيص ولا مناص عن الشهرة التي يتحقق معها صحة الاستدلال بالخبر وإن كان مرسلا.
  قال الفاضل المقداد في تنقيحه في شرح قول المحقق في النافع : وقيل إذا غزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له والرواية مقطوعة والقائل الثلاثة وأتباعهم ، والرواية رواها عباس الوراق عن الصادق عليه‌السلام وهي مشهورة بين الأصحاب وعليها عملهم (2).
  وقال الفاضل ابن فهد في مهذبه في شرح كلامه في الرواية إشارة الى ما رواه العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ( طاب ثراه ) : إذا غزا قوم إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإن غزوا بأمره كان الخمس للإمام (3).
  وعليها عمل الأصحاب ، ويؤيدها أن ذلك معصية فلا يكون وسيلة إلى الفائدة ولأنه ربما كان نوع مفسدة فالمنع أو عزلهم الى تركه فيكون لطفا فضعفها بإرسالها تؤيد بعمل الأصحاب وبما وجهناه (4).
  قلت : وفي كلاهما (5) ما يدل على الاتفاق ، وفي هذا القدر كفاية شافية ووقاية رافية والله الفتاح.
  قوله : وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الأرض المعدودة من الأنفال إما أن تكون محياة أو موات ، وعلى التقديرين فإما أن يكون الواقع يده عليها من الشيعة أو لا ، فهذه أقسام أربعة وحكمها أن كلما كان بيد الشيعة من ذلك فهو حلال عليهم مع

(1) شرائع الإسلام ، في مسائل الحرام والحرام ـ القسم الأول ـ ص 137 ـ من كتاب الخمس ـ في مسائل قسمة الخمس.
(2) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ـ ج 1 ـ كتاب الخمس ـ ص 343.
(3) تهذيب الأحكام : ج 4 ـ ص 135 حديث : 12 ـ 378 ـ باب 38 في الأنفال وفيه اختلاف يسير.
(4) المهذب البارع في شرح المختصر النافع ـ ج 1 ـ كتاب الخمس ـ ص 567.
(5) كذا ، والصواب ( كليهما ).

السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج 70
  اختصاص كل من المحياة والموات بحكمه لأن الأئمة عليهم‌السلام أحلوا ذلك لشيعتهم حال الغيبة وأما غيرهم فإنه عليهم حرام (1).
  أقول : في هذه نوع قصور ، والأنسب أن يقال : إما أن يكون محياة أو موات وحكمها أن كل ما بيد الشيعة ... إلخ ، والأمر سهل في هذا ، لكن قوله ( وأما غيرهم فإنه عليهم حرام وباطل ) فإن ظاهر المذهب أن الموات من الأنفال يصح إحياؤه لجميع المسلمين ولا تحرم على أحد منهم في زمن الغيبة ، فيد كل مسلم عليه يد إباحة ، وهو مدلول إطلاق الروايات وفتاوى الأصحاب ، حيث حكموا بجواز إحياء الموات من غير تقييد لها بكونها من غير الأنفال ، بل في الحقيقة عند التأمل أكثر موات الأرضين من الأنفال ، ويدل عليه أيضا إطلاق إحياء ما ترك عمارته غائبا كان المالك أو حاضرا. نعم الكلام في الكسب فإنه لا يحل على الإطلاق على معنى عدم وجوب شي‌ء على المكتسب إلا للشيعة في وجه حسن ، وبين ذلك وبين حريم وضع اليد على الأرض بون بعيد ، والمؤلف لم يلتفت الى ذلك لأنه من المجازفين ، ولهذا استدل على مدعاه بقول أبي عبد الله في رواية عمر بن يزيد : وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون يحل لهم ذلك الى أن يقوم قائمنا فيحسبهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فإن كسبهم من الأرض حرام حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم (2).
  ولم يتفطن لعدم دلالة الحديث على تحريم وضع اليد واختصاصه بالتكسب ، وبخبر نجية ، ولا دلالة فيه إلا من حيث المفهوم ، والتحقيق أن مفهوم خبر نجية (3) لا دلالة فيه أصلا لأنه عليه‌السلام قال :

(1) راجع خراجيته (ره) ، ص 57.
(2) التهذيب : ج 4 ص 144 حديث : 25 ـ 403 ـ باب 39 في الزيادات ، وفيه اختلاف يسير وفي هامشه : ( في الكافي هكذا : طسق ما كان في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم ... إلخ ولعله سقط من قلم الناسخ في التهذيب وإلا فهو أنسب بالمقام ).
(3) تهذيب الأحكام : ج 4 ص 145 ـ حديث : 27 ـ 405 باب 39 الزيادات.