الفهرس العام




المقدمة



بسم الله الرحمن الرحيم

  يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( التوبة 119)
  الحمد لله رب العالمين المتفضّل علينا بالهداية والعناية والتمكين والمنعم على عباده بكل خير وسعادة ليكونوا صالحين مَنْ تَوكّلَ عليه كفاه وحفظه منْ كيدُ الشياطينْ ومَنْ تنكبَ عَنْ صراطه فهو من المخذولين .
  والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ناصر المستضعفين والمظلومين حبـيب المساكين الذين آمنوا بالله رغبة فيما أعده سبحانه لعباده الصادقين ...
  وعلى آله الطيّبين الطاهرين الذين أعلا الله مقامهم على سائر المخلوقين ليكونوا قدوة العارفين ومنار الهدى وسفينة النجاة التي من تخلّف عنها كان من الهالكين ...
  ... ثم الرضا والرضوان على أصحابه الميامين الذين بايعوه وناصروه ولــم يكونوا من الناكثين وثبتوا بعده على العهد وما بدّلوا وما إنقلبوا وكانوا مـــن الشاكرين وعلى من تبعهم بإحسان وسار على هديهم من الأولين والآخرين الى قيام يوم الدين .

لاكون مع الصادقين _ 6 _

  رب اشرح لي صدري ويَسرْ لي امري وأحللْ عقدةً من لساني يفقه قولي رب وأفتحْ بصيرةَ كل من يقرأ كتابي على الحقيقة التي تهدي بها عبادك المخلصين .
  أما بعد فقد لقيّ كتابي ( ثم إهتديت ) قبولاً حسناً لدى القرّا الأعزّاء الذين أبدوا بعض الملاحظات الهامّة حول موضوعات متفرقة في الكتاب المذكور وطلبوا المزيد من التوضيح في المسائل التي إختلف في فهمها كثيراً من المسلمين سنّةً وشيعة ومن أجل رفع اللَبسْ والغموض عن ذلك لمن أراد التحقيق والوقوف على جَـلّية الأمرِ فقد ألّفتُ هذا الكتاب بنفسِ الأسلوب الذي إتبعته هناك ( ليَسهل على الباحثِ المنصف الوصول الى الحقيقة من أقرب سبلها ) كما وصلـــتُ اليها من خلال البحث والمقارنة ، وقد أسميته ــ على بركة الله ــ ( مع الصادقيـن ) إقتباساً من قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وكونوا مع الصادقين.
  ومَنْ مِنَ المسلمين يرفض أو يزهد في أن يكون مع أولئك الصادقين ؟ !.
  هذا ما إقتنعتُ به شخصياً وما أحاول توضيحه لغيري ما إستعطتُ إلى ذلك سبيلاً دون فرضً لرأيي بل ومع إحترامي لرأي غيري ، فللّه وحده الهادي وهو الذي يتولى الصالحين ...
  وقد إعترض البعض على عنوان الكتاب السابق ( ثم إهتديت ) لإنطوائه على غموض قد بَعَثَ على التأملِ والتساؤلِ حول ما إذا كان الآخرون على ضلالة وما مدلول تلك الضلالة إن قُصد هذا المعنى ؟
  وعلى هذا الإعتراض أجيب موضحاً :
  أولاً : جاء في القران الكريم لفظ الضلالة بمعنى النسيان قال تعالى : ( قال عُلمُها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) (1) وقال عَزّ وَجلّ : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهمـا الأخرى (2) .
  كما ورد في القران الكريم

---------------------------
(1) طه 52 .
(2) البقرة 282 .
لاكون مع الصادقين _ 7 _

  لفظ الضلالة تعبيراً عن حالة التحقيق والبحث والتفتيش قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم : ( ووجدك ضالاً فهدى ) (1) أي وجدك تبحث عن الحقيقة فهداك إليها والمعروف عن سيرته صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قبل نزول الوحي عليه كان يهجر قومه في مكة ليختلي في غار حرّاء الليالي العديدة باحثاً عن الحقيقة .
  ومن هذا المعنى أيضاً قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
  (الحكمةُ ضالّة المؤمن أين ما وجدها أخذها ).
  فعنوان كتابي الأول يتضمن هذا المعنى ...
  ثانياً : وعلى فرض أن العنوان يتضمن معنى الضلالة التي تقابل الهداية فيما نقصده على المستوى الفكري من إصابة النهج الإسلامي الصحيح الذي يضعنا على الصراط المستقيم كما عقّب بعض القرّاء بذلك فليكن كذلك وهو الواقع الذي يتهيّب مواجهته البعض بروحٍ رياضية بنّاءة ، وَنفَسٍ موضوعيً خلاّق ... ينسجم في الفهم مع قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( تركتُ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ).
  فالحديث وا ضح وصريح في ألإشارة الى ضلال من لم يتمسك بهما معاً ( الكتاب والعترة ).
  وعلى كل حال فأنا مقتنع بأنني إهتديت بفضل الله سبحانه وتعالى الى التمسك بكتاب الله وعترة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحق .
  فكتابي الأول والثاني يحملان عناوينَ من القرآن الكريم وهو أصدق الكلام وأحسنه وكل ما جمعته في الكتابين ـ إن لم يكن الحق فهو أقرب مايكون إليه

---------------------------
(1) الضحى 7 .

لاكون مع الصادقين _ 8 _

  لأنه مما إتفق عليه المسلمون سنةً وشيعة وما ثبت عند الفريقين إنّه صحيح ، فكانت النتيجة ولادة هـذين الكتابين بحمد الله ( ثم إهتديتُ ولأكون مع الصّادقين ) .
  والله أسأل أن يهدي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أجمعهم حتى يكونوا خير أمةٍ ويقودوا العالم بأسره الى النور والهداية تحت لواء الإمام المهدي المنتظرالذي وعدنا به جدّه صلى الله عليه وآله وسلم ليملأ الأرض عدلآ وقِسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً وليتم نور الله ولو كره الكافرون .

لاكون مع الصادقين _ 9 _

  بسم الله الرحّمن الرّحيم والصلاة والسلامِ على أشرف المرسلين سيّدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
  أما بعد فإن الدين يعتمد بنحو أساسي على العقائد التي تكون منه مجموعة الإصول والمرتكزات التي يؤمن بها معتنقوا هذا الدين أو ذاك ، والتي لابد أن يقوم إيمانهم بها على الدليل القاطع والبرهان الجلي الذي ينطلق من المسلمات العقلية التي يؤمن بها جميع الناس ليتسنى له إقناعهم بما يدعوهم اليه ورغم ذلك فإنه ثمة أفكار يصعب على العالم تفسيرها ... مثلما يصعب على العقل التصديق بها عند الوهلة الأولى من ذلك مثلاً أن تكون ألـنار ( بَرّداً وسَلاماً ) في حين أن العلم والعقل يتفـقان على إنها حرارةٌ مهلكة ، أو أن تقطَّع الطير الى أجزاء متناثرة فوق الجبال ثم تُدعى فتأتي تسعى في حين أن العلم والعقل يستبعدان ذلك أو أن يُشفى الأعمى والأبرص والأكمه بمجرد مسح عيسى (ع) بل وإحياء الموتى في حين أن العلم والعقل لايجدان تفـسيراً لهذا ... وهي أمور تندرج في باب المعجزات التي أجراها الله تعالى على أيدي أنبيائه (عليهم السلام ) وهي موجودة لدى المسلمين واليهود والنصارى ...

لاكون مع الصادقين _ 10 _

  وإنما أجرى الله سبحانه وتعالى تلك المعجزات والخوارق علي أيدي أنبيائه ورسله عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام ، ليُفهم العباد بأن عُقولهم قاصرة عن الإدراك والإحاطة بكل شيء ، لأنه سبحانه لم يؤتهم من العلم إلا قليلاً ، ولعلّ في ذلك صلاحهم وكمالهم النسبي ، فقد كفر الكثير بنعمة الله وأنكر الكثير وجوده سبحانه ، وأعْنَزَ الكثيرُ منهم بالعلم والعقل حتى عبدوهما من دون الله ، هذا مع قلة العلم والعقل ، فكيف لو أعطاهم علم كل شيء ؟!
  ونظراً لأهمية العقيدة ومركزيتها في إيمان المسلم فإن كتابي هذا قد تناول جملة من العقائد الإسلامية التي وردت في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة والتي كانت مسرحاً لإختلاف فرق المذاهب الإسلامية فَعَقدتُ فصلاََ خاصاََ بمعتقدات أهل السنة والشيعة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ثم تَطرقتُ بعدَ ذلك لسائرِ المسائلْ التي إختلفوا فيها وشنّعَ بعضهم على البعض الآخر بدون مبرر ، هادفاً من ذلك بيانْ ما رأيته الحق ، راغباً في مساعدة من يريد البحث عنه آملاً أن يساهم ذلك في قيام الوحدة الإسلامية على أساسٍ فكريَّ متين ، والله أسأل أنْ يوفقنا جميعاً لما يُحبُ ويرضى ويجمع كلمة المسلمين على الصواب إنه عزيز قدير ...

لاكون مع الصادقين _ 11 _

  القرآن الكريم عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الأمامية ألإثني عشرية هو كلام الله المنزل على رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلّم ، وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو المرجع الأعلى للمسلمين في أحكامهمْ وعباداتهم وعقائدهم ، من شكّ فيه أو أهانه فقد بريء من ذمة الإسلام ، فهم ــ المسلمون كافة ــ متفقون على تقديسه وإحترامه والتعبّد بما ورد فيه ...
  ولكنهم إختلفوا في تفسيره وتأويله ، ومرجع الشيعة في التفسير والتأويل يعود إلى النبي صلىّ الله عليه وآله وسلم وشروحات الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومرجع أهل السنّة والجماعة يعود إلى أحاديث النبي صلىّ الله عليه وآله وسلم أيضاً ولكنهم يعتمدون على الصحابة ــ دون تمييز ــ أو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المعروفة في نقل الأحاديث وشرحها وتفسيرها ...
  وبطبيعة الحال نشأ من ذلك إختلاف في العديد من المسائل الإسلامية وخصوصاََ الفقهية منها ، وإذا كان الإختلاف بين المذاهب الأربعة من مدرسة أهل السنة والجماعة ظاهراً ، فلا غرابة في أن يكون بينهم وبين مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) أظهر ...

لاكون مع الصادقين _ 12 _

  وكما ذكرت في مستهلّ الكتاب فإنني سوف لن أتطرّق إلا إلى بعض الأمثلة بغية الإختصار ، وعلى من يريد البحث والإستزادة أن يغوص في أعماق البحر لإستخراج ما يمكنه من الحقائق الكامنة والجواهر المخفيّة !
  يتفق أهل السنة مع الشيعة في القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بَينَ للمسلمين كل أحْكام القرآن وفَسْرَ كل آياته ، ولكنهم إختلفوا فيمن ينبغي الرجوع إليه بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بغية التعرّف إلى ذلك البيان والتفسير ، فذهب أهل السنة إلى ألإعتماد على الصحابة ــ دون تمييز ــ ومن بعدهم الأئمة الأربعة وعلماء الأمة الإسلامية ، أما الشيعة فقالوا : أن الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤهلون لذلك وصفوة من الصحابة المنتجبين ، فأهل البيت (عليهم السلام ) هم أهل الذكر الذين أمرنا الله تعالى بالرجوع أليهم في قوله عزَّ وجلَّ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (1)
  وهم الذين إصطفاهم الله تعالى وأورثهم علم الكتاب في قوله عزَّ وجَّل ثم أورثنا الكتاب الذين إصطفينا من عبادنا (2) ولكل ذلك جعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عِدْلَ القرآن والثقل الثاني الذي أمر المسلمين بالتمسك به فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( تركت فيكم الثقلين كتاب ألله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ) (3) .
  وفي لفظ مسلم كتاب الله أهل بيتي ـ أذكركم الله في أهل بيتي قالها ثلاث مرات .

---------------------------
(1) النحل : آية 43 تفسير الطبري ج 14 ص 109 وتفسير إبن كثير ج 2 ص 570
(2) فاطر آية 32 .
(3) أخرجه الترمذي في صحيحه ج 2 ص 329 والنسائي والإمام أحمد صحيح مسلم ج 2 ص 362 باب فضائل الإمام علي بن أبي طالب .

لاكون مع الصادقين _ 13 _

  ومن المعلوم أن أهل البيت ( عليهم السلام ) كانوا أعلم الناس وأورعهم وأتقاهم وأفضلهم ، وقد قال فيهم الفرزدق : إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خيرُ أهل الأرض قيل هُمُ وأسوق هنا مثالا واحداً للتذكيرِ بطبيعة الرابطة بين أهلِ البيت ( عليهم السلام ) والقرآن الكريم ، فقد قال تعالى : فلا أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لَقَسم عظيم لو تعلمون عظيم ، إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهّرون (1)
  فهذه الآيات تشير بدون لبس إلى أن اهل البيت ( عليهم السلام ) ــ وعلى رأسهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ــ هم الذين يدركون معاني القرآن الغامضة ، لإنا لو أمعنـّا النظر في ألقَسَم الذي أقسَم به رب العزّة والجلالة لوجدنا مايلي : إذا كان الله تعالى يُقسم بالعصر وبالقلم والتين والزيتون فعظمة ألقَسَم بمواقع النجوم بينه لما تنطوي عليه من أسرار وتأثير على الكون بأمره سبحانه ، ونلاحظ تعزيز القسم في صفة النفي والإثبات ، فبعد القسم يؤكد سبحانه : إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون ، والمكنون ما كان باطناَ ومستتراً ، ثم يقول عّز وجـلّ : ( لا يمسه إلا المطهّرون ) ، و ( لا ) هنا للنفي ، ويمسه تعني يدركه ويفهمه وليس المقصود بها لمس اليد ، فهناك فرقٌ بين اللّمسْ والَمسْ ، قال تعالى إن الذين إتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (2) وقال أيضاً عزّ مَنْ قائل والذين يأكلون إلربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المَسْ (3) ، فالمس هنا يتعلق بالعقل والإدراك لا بِلمْسِ اليد ، وكيف يُقسم الله سبحانه وتعالى بأن لا يلمس القرآن ( باليد ) إلا من تطهّر ، والتاريخ يحدثنا بأن بعض الجبّارين قد عبثوا به ومزّقوه ، وقد شاهدنا الإسرائيليين يدوسونه بأقدامهم ــ نستجير بالله ــ ويحرقونه عندما

---------------------------
(1) الواقعة : آية 75 ــ 79
(2) الأعراف : آية 201 .
(3) البقرة آية 275 .

لاكون مع الصادقين _ 14 _

  إحتلّوا بيروت في إجتياحهم سيء الصيت ، وقد نقلت أجهزة التلفزة عن ذلك صوراً بشعة ومذهلة .
  فالمدلول لقوله تعالى وطهّرهم ، أنه معاني القرآن المكنون إلا نخبة من عباده الذين إصطفاهم وطهرهم تطهيراً ، والمطهَّرون في هذه الآية اسم مفعول أي وقع تطهيرهم ، وقد قال عزَّ وجلّ ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (1)
  فقوله تعالى : ( لا يمسّه إلا المطهّرون ) معناه : لا يدرك حقيقة القرآن إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ولذلك قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب إختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (2) .
  وما يذهب إليه الشيعة في ذلك يستند إلى القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه واله وسلم المروية حتى في صحاح أهل السنّة كما وجدنا .

---------------------------
(1) الأحزاب آية 33
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك ج / 149 عن إبن عباس وقال هذا حديث صحيح الإسناد

لاكون مع الصادقين _ 15 _

  السنّة النبوية الشريفة عند أهل السنّة والجماعة وعند الشيعة الأمامية هي كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أو فعله ، أو اقرّه ، وهي المرجع الثاني عندهم بعد القرآن الكريم في أحْكامِهمْ وعباداتهم وعقائدهم .
  يضيفُ أهل السنّة والجماعة إلى السنّة النبوية سنة الخلفاء الراشدين الأربع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وذلك لحديث يروونه :
  ( عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديين من بعدي عِضّوا عليها بالنواجذ ) (1)
  وليس أدلّ على ذلك من إتباعهم سنّة عمر بن الخطاب في صلاة التراويح التي نهى عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (2) والبعض منهم يضيفون إلى سنة الرسول سنة الصّحابة بأجمعهم ( أي صحابي كان ) وذلك لحديث ــ يروونه :

---------------------------
(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 / 126 .
(2) صحيح البخاري 7 / 99 ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله .

لاكون مع الصادقين _ 16 _

  ( أصحابي كالنجوم بأيّهم إقتديتم إهتديتم ) وحديث ( أصحابي أمنةٌ لأمتي ) (1) .
  أما حديث أصحابي كالنجوم فهو لا ينسجم مع العقل والمنطق والحقيقة العلمية إذ أن العرب لم يكونوا ليهتدوا في مسيرهم الصحراوي لمجرد إقتدائهم بأي نجم من النجوم وإنما كانوا يهتدون بإتباع نجوم معيّنة محدّدة معروفة لهم أسماؤها ، كما أن هذا الحديث لا تؤيده الأحداث اللاحقة والممارسات التي بدت من بعض الصحابة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فإن منهم من إرتد (2) كما إنهم إختلفوا في كثير من الأمور ألتي سببت الطعن ( بعضهم في بعض ) (3) ، ولعن بعضهم بعضاً (4) ، وقتل بعضهم بعضاً (5) وأقيم الحد على بعض ( الصحابة ، ) لشرب الخمر والزنا والسرقة وغير ذلك ، فكيف يقبل عاقلٌ بهذا الحديث الذي يأمر بالإقتداء بمثل هؤلاء ؟ وكيف يكون من يقتدي بمعاوية الخارج على إمام زمانه أمير المؤمنين في حربه للأمام علي ( عليه السلام ) مهتدياً ؟ وهو يعلم أن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم سّماه إمام الفئة الباغية (6) ؟ وكيف يكون من المهتدين من يقتدي بعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة وقد قتلوا الأبرياء لتدعيم ملك الأمويين ، وأنت أيها القاريء اللبيب إذا قرأت حديث أصحابي كالنجوم يتبينّ لك أنه موضوع لأنه موجّه إلى الصحابة فكيف يقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يا أصحابي إقتدوا بأصحابي ؟ ! ...
  أما حديث يا أصحابي عليكم بالأئمة من أهل بيتي فهم يهدونكم من بعدي فهو أقرب إلى الحق لأنه له شواهد عديدة تؤيده في السنة النبوية ...

---------------------------
(1) صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة ومسند أحمد بن حنبل 4 / 398 .
(2) كالذين حاربهم أبو بكر وسُمّوا بأهل الردة .
(3) كما طعن أكثر الصحابة في عثمان حتى قتلوه
(4) كما فعل ذلك معاوية الذي كان يأمر بلعن علي .
(5) كحروب الجمل وصفين والنهروان وغيرها .
(6) حديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) .

لاكون مع الصادقين _ 17 _

  والشيعة الإمامية يقولون بأنّ المقصود بحديث ( عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديين من بعدي ) هم الأئمة الإثنا عشر من أئمة أهل البيتْ سلام الله عليهم وهم الذين أوجب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، على أمّته أن تتمسّك بهم وتتبعهم كما تتمسّك وتتبع كتاب الله (1)
  ولمَّا آليتُ على نفسي فإني لا أستدلُ إلا بما يَحتجّ به الشيعة من صحاح أهل السنة والجماعة فإني قد إقتصرت على ذلك ، وإلا فإن في كتب الشيعة أضعاف ذلك وبعبارات أكثر صراحة ووضوحاً (2) .
  على إن الشيعة لا يقولون بأن أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم لهم حقّ التشريع بمعنى أن سنّتهم هي إجتهادٌ منهم ، بل يقولون بأن كل أحكامهم هي من كتاب الله وسنة رسوله التي علّمها رسول الله علياً وعلّمها علي أولاده فهو علمٌ يتوارثونه ولهم في ذلك أدلّةٌ كثيرة نقلها علماء أهل السُنّة والجماعة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم . ويبقى السؤال دائما يعود بإلحاح : لماذا لم يعمل أهل السنة والجماعة بمضمون هذه الأحاديث الصحيحة عندهم ... ؟؟؟
  ثم بعد ذلك يختلفُ الشيعة والسنّة في تفسير الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسَلم كما سبق لنا توضيحه في فقرة إختلافهم في تفسير القرآن ، بالنسبة لمعنى الخُلفاء الرّاشدين الذي ورد في حديثه صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحّحه كلٌ من الفريقين ، ولكن يفسّره السنّة على إنهم الخلفاء الأربعة

---------------------------
(1) صحيح الترمذي 5 /326 صحيح مسلم 2 /362 النسائي في الخصائص كنز العمال ج 1 / 44 ــ مسند أحمد بن حنبل 5 / 189 الحاكم في المستدرك ج 3 /148 الصواعق المحرقة لأبن حجر ص 148 الطبقات الكبرى لإبن سعد ج 2 / 194 الطبراني ج 1 / 131
(2) أضرب لذلك مثلا واحدا : أخرج الصدوق في الإكمال بسنده الى الإمام الصادق عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله (ص) الأئمة من بعدي إثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم القائم ، هم خلفائي وأوصيائي .

لاكون مع الصادقين _ 18 _

  الذين إعتلوا منصّة الخلاَفة بعد رسول الله ، ويفسّره الشيعة على إنّهم الخلفاء الإثنا عشر وهم أئمة أهل البيت سلام الله عليهم .
  ذلك إنا نرى هذا الإختلاف شائعاً في كل ما يتعلّق بالأشخاص الذين زكّاهم القرآن والرسول أو أمر بإتباعهم ، مثال ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
  ( علماء أمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل ) أو ( العلماء ورثةُ الأنبياء ) (1) .
  فأهل السنّة والجماعة يعمّمون هذا الحديث على كل علماء الأمة بينما يخصّصهُ الشيعة بالأئمة الأثني عشر ومن أجل ذلك يفضلونهم على الأنبياء ماعدا أُولي العزم من الرسل .
  والحقيقة أن العقل يميل الى هذا التّخصيص .
  اولاً : لأن القرآن أورث علم الكتاب للذين إصطفى من عباده وهو تخصيص ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصّ أهل بيته بأمور لم يُشركهم فيها بأحد ، حتى سَّماهم سفينة النجاة وسمّاهم أئمة الهدى ومصابيح الدّجى والثقل الثاني الذي يعصم من الضلالة .
  فظهر من هذا ، أن قول أهل السنّة والجماعة يعارض هذا التخصيص الذي أثبته القرآن والسنة النبوية ، وإن العقل لا يرتاح إليه لما فيه من الغموض وعدم المعرفة بالعلماء الحقيقيينّ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم ، وعدم تمييزهم عن العلماء الذين فرضهم على الأئمّة الحكّام الأمويّون والعّباسيّون ، وما أبعـد الفرق بين اولئك العلماء وبين الأئمة من أهل البيت الذين لايذكر التاريخ لهم إستاذاً تتلمذوا على يديه سوى أن يتلقّى الإبن عن أبيه ومع ذلك فقد روى علماء أهل السنة في علومهم روايات عجيبة وخصوصاً الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الرضا الذي أفحم بعلومه أربعين قاضياً جمعهم إليه المأمون وهو

---------------------------
(1) صحيح البخاري ج 1 كتاب العلم ، صحيح الترمذي كتاب العلم أيضا .

لاكون مع الصادقين _ 19 _

  لايزال صبيّاً (1) .
  ومما يؤكد تميز أهل البيت عن غيرهم مايظهر لنا من إختلاف أصحاب المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة في كثير من المسائل الفقهية بينما لا يختلف الأئمة الإثنا عشر من أئمة أهل البيت في مسألة واحدة .
  ثانياً : لو أخذنا بقول أهل السنة والجماعة في تعميم هذه الآيات والأحاديث على كلّ علماء الأمّة لوجب أن تتعدّد الآراء والمذاهب على مرّ الأجيال و لأصبح هناك الآف المذاهب ولعلّ علماء أهل السنة والجماعة تفطّنوا لما لهذا الرأي من سخافة وتفريق لوحدة العقيدة فأسرعوا الى غلق باب الإجتهاد منذ زمن بعيد .
  أمّا قول الشيعة فهو يدعو الى الوحدة والإلتفاف حول أئمة معروفين خصّهم الله تعالى والرسول بكل المعارف التي يحتاجها المسلمون في كل العصور ، فلا يمكن لأي مدّع بعد ذلك أن يتقوْل على الله وعلى الرسول ويبتدع مذهباً يُلزم الناس بإتّباعه ، فإختلافهم في هذه المسألة كإختلافهم في المهدي الذي يؤمن به الفريقان ، ولكنّ المهدي عند الشيعة معلوم معروف أبوه وجدّه ، وعند أهل السنّة والجماعة لايزالُ مجهولاً وسيولد في آخر الزمان ولذلك ترى كثيراً منهم أدّعى المهدية ، وقد قال لي شخصياً الشيخ إسماعيل صاحب الطريقة المدنية بأنّه هو المهدي المنتظر ، وقالها أمام صديق لي كان من أتباعه ثم إستبصر فيما بعد .
  أمّا عند الشيعة فلا يمكن لأي مولود عندهم أن يدّعي ذلك وحتّى لو سَمّى أحدهم إبنه بالمهدي فهو تيمُّناً وتبرّكاً بصاحب الزمان كما يُسمّي أحدُنا إبنهُ محمداً أو علياً ، وإن ظهور المهدي عندهم هو حدّ في ذاته معجزة لأنّه وُلِد منذ إثني عشر قرناً وتغيّبَ .
  ثم بعد كل هذا قد يختلف أهل السنة والجماعة في معنى الحديث الثابت

---------------------------
(1) العقد الفريد لإبن عبد ربّه ــ والفصول المهمة لإبن الصباغ المالكي 3 / 42

لاكون مع الصادقين _ 20 _

  الصحيح عند الفريقين حتى لو كان الحديث لا يتعلّق بالأشخاص ومن ذلك مثلاً حديث : ( إختلاف أمّتي رحمة ) .
  الذي يفسّره أهل السنة والجماعة : بأنّ إختلاف الأحكام الفقهية في المسألة الواحدة هو رحمة للمسلم الذي بإمكانه أن يختار أي حكم يناسبه ويتماشى مع الحلّ الذي يرتضيه ففي ذلك رحمة به ، لأنّه إذا كان الإمام مالك مثلاً متشدّداً في مسألة ما ، فإن بامكان المسلم أن يُقلدْ أبا حنيفة المتساهل فيها .
  أمّا عند الشيعة فهم يفسّرون الحديث على غير هذا المعنى ويرون أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) لّما سُئل عن هذا الحديث ( إختلاف أمّتي رحمة ) قال صدق رسول الله ! فقال السائل إذا كان إختلافهم رحمة فاجتماعهم نقمة ! فقال الصادق : ليس حيثُ ذهبت ويذهبون ( يعني في هذا التفسير ) إنّما قصد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إختلاف بعضهم إلى بعض يعني يسافر بعضهم الى بعض وينفر اليه ويقصده لأخذ العلم عنه وأستدلّ على ذلك بقول الله تعالى : ( فلولا نَفر من كل فرقة منهم آية طائفة ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلّهم يحذرون ) (1)
  ثم أضاف قائلاً فإذا إختلفوا في الدّين صاروا حزب إبليس .
  وهو كما نرى تفسير مقنعٌ ولأنّه يدعو لوحدة العقيدة لا للإختلاف فيها (2) .
  ثم إن الحديث بمفهوم أهل السنة والجماعة غير معقول لأنّه يدعو للإختلاف والفُرقة وتعدّد الآراء والمذاهب وكل هذا يعارض القرآن الكريم الذي يدعونا للوحدة والإلتفاف حول شيء واحدٍ : يقول سبحانه : وإن هذه أمتكم أمةً

---------------------------
(1) سورة التوبة : آية 122
(2) البسملة في الصلاة مكروهة عند المالكية وواجبة عند الشافعية ومستحبة عند الحنفية والحنابلة قالوا : بإ خفاتها صلّى في الصلاة الجهرية

لاكون مع الصادقين _ 21 _

  واحدة وأنا ربكم فاتقونِ (1) ويقول وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا (2) ويقول : ولا تنازعو فتفشلوا وتذهب ريحكم (3) .
  فاي نزاع وأية تفرقة هي أكبر من تقسيم الأمّة الواحدة الى مذاهب وأحزاب وفرق يخالف بعضهم بعضاّ ويسْخر بعضهم من بعضٍ بل ويكفّر بعضهم بعضاً حتى يستحلّ بعضهم دم البعض الآخر ، وهو ماوقع بالفعل على مرّ العصور ، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك ، هذا وقد حذّرنا سبحانه من النتائج الوخيمة التي تصير إليها أمّتنا إذا تفرّقت فقال سبحانه : ولا تكونوا كالذين تفرّقوا وإختلفوا من بعد ما جاءهم البينات (4) إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء (5) ولاتكونوا من المشركين ، من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً ، كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون (6)
  وتجدر الإشارة هنا بأن معنى شيعاً لا علاقة لها بالشيعة كما توهّم بعض البُسطاء عندما جاءني ينصحني على زعمه قائلاً : يا أخي بالله عليك دعنا من الشيعة فان الله يمقُتهم وحذّر رسوله أنْ يكون منهم ! قلتُ وكيف ذلك ؟ قال : إن الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لستَ منهم في شيء وحاولتُ إقْناعهُ بأن شِيَعاً معناها أحزاباً ولاعلاقة لها بالشيعة ولكنّه ومع الأسف الشديد لم يقتنع لأن سيّده إمام المسجد هكذا علّمه وحذّره من الشيعة فلم يعدْ يتقبّل غير ذلك أعود إلى الموضوع فاقول بأني كنتُ في حيرة قبل إستبصاري عندما أقرأ حديث ( إختلاف أمّتي رحمة ) وأقارنه مع حديث :

---------------------------
(1) سورة المؤمنون آية 52 .
(2) سورة آل عمران آية 103
(3) سورة الأنفال آية 46
(4) سورة آل عمران آية 105
(5) سورة الأنعام آية 159
(6) سورة الروم أية 21 ـ 22 .

لاكون مع الصادقين _ 22 _

  ( ستفترق أمّتي إلى إثنتين وسبعون فرقة كلها في النار إلا واحدة ) (1) .
  وأتسائل كيف يكون إختلاف الأمة رحمة في نفس الوقت يوجب دخول النار ؟؟
  وبعد قرائتي لتفسير الإمام جعفر الصادق (عليه السلام ) بهذا الحديث زالت الحيرة وإنحلّ اللّغْزُ وعرفتُ بعد ذلك بأن الأئمة من أهل البيت ، هم أئمة الهدى ومصابيح الدْجى وهم بحق ترجمان القرآن والسنه وحقيق بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أن يقول في حقهم : ( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تتخلّوا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) (2) .
  وكان حقيق بالإمام علي ( عليه السلام ) أن يقول :
  ( إنظروا أهل بيت نبيكم فإلزموا سمتهم وإتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ولا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا ) (3) .
  وقال ( عليه السلام ) في خطبة أخرى يعرف بها قدر أهل البيت ( عليهم السلام ) : ( هم عيش العلم وموتُ الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم

---------------------------
(1) سنن إبن ماجة كتاب الفتن ج 2 / رقم الحديث 3993 مسند أحمد ج 3 ص 120 والترمذي في كتاب الإيمان .
(2) الصواعق المحرقة لإبن حجر ص 139 وص 227 الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 132 مسند أحمد بن حنبل ج3 ص 17 وج 4 ص 366 حلية الأولياء ج 4 ص 309 مستدرك الحاكم ج 3 ص 115 تلخيص الذهبي ـ المعجم الصغير للطبراني ج 2 ص 22 .
(3) نهج البلاغة للإ مام علي ج 2 ص 190 .

لاكون مع الصادقين _ 23 _

  عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لايخالف الحق ولا يختلفون فيه هم دعائم الإسلام ، وولائج الإعتصام ، بهم عاد الحق الى نصابه ، وإنزاح الباطل عن مقامه ، وإنقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدّين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل ) (1) .
  نعم ، صدق الإمام علي فيما بيّنه فهو باب مدينه العلم ، فهناك فرق كبير بين من عقل الدين عقل وعاية ورعاية وبين من عقله عقل سماع ورواية .
  والذين يسمعون ويروون كثيرون ، فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أوْ علم فيتغيّر معنى الحديث وقد يؤدّي الى العكس الذي قصده الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وقد يؤدّي بعض الأحيان الى الكفر لصعوبة إدراك الصحابي للمعنى الحقيقي (2) .
  أمّا الذين يعون العلم ويرعونه فقليلون جدَّاً وقد يُفني الإنسانُ عمره في طلب العلم ولايحصل منه إلاّ على اليسير ، وقد يتخصّص في باب من أبواب العلم أو فنّ من فنونه ولا يمكنه أن يحيط بكل أبوابه ، ولكن المعروف أن أئمه أهل البيت ( عليه السلام ) كانوا مُلمّين وعارفين بشتّى العلوم ، وهذا ماأثبته الإمام علي كما يشهد المؤرخون وكذلك محمد الباقر وجعفر الصادق الذي تتلمذ على يده الآف الشيوخ من شتى العلوم والمعارف من فلسفة وطب وكيمياء وعلوم طبية وغيرها .

---------------------------
(1) نهج البلاغة للإمام علي 3 / 439 .
(2) مثال ذلك مارواه أبو هريرة من ( إن الله خلق آدم على صورته ) ولكن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أوضح الأمر فقال إن رسول الله صلّى الله عليه آله وسلم سمع رجلين يتسابان فقال أحدهما للآخر قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ( إن الله خلق آدم على صورته ) أي إنك بسبك من يشبهه قد سببت آدم لأنه يشبهه .