في القَرن الحادي عشر الهجريّ السّابع عشر الميلاديّ، وهو ما أجمعَ عليهِ العُلماءُ الذينَ ترجمُوا له
، الذي يذكرُهُ تارةً بالبصريِّ، وأخرَى بالحلي ، ولعلَهُ وهمٌ منهما ، لما أجمعَ عليهِ العُلماءُ مِن أنّه مِنَ البَصرةِ، ولم يُعرف عنه أنَه هاجرَ لغرضِ الدّراسةِ، أو التدريسِ، أو لتلبيةِ دعوة مِن علماءِ الحلَة ، أو أمرائِها، أو وجهائِها .
يُعدّ مهذَبُ الدّين البصريُّ من العُلماءِ الذينَ امتازوا بمشاركتِهِم في مختلفِ العُلوم، مابينَ التأليفِ والتّدريسِ، فكانَ فقيهاً أصوليَاً، ومحدِّثاً رجاليَاً، ضليعاً في علمِ الكلام، مُتقناً لعلْمَي المعاني والبَديع، وعالماً في الفَلك والرّياضياتِ، وغيرها من العُلوم، كالطبِّ، وعلم النّفسِ، وتجويدِ القُرآن، وفنِّ الخطِّ في العربيّة.
وجُلُّ هذه العلوم قد أتقنَ صنعتَها، وألّفَ فيها، مابين مختصٍر كرسالةٍ، أو إجاباتٍ عن أسئلة، أو كُتُبٍ مبسوطةٍ من عدَةِ أجزاءٍ، ألَّفَ بعضَها بطلبٍ من أهالي البلاد التي سكنَها، ليرتاحَ من عناء السَفرِ الطويل، إذْ تنقَلَ كثيراً في البلاد الإسلاميَة، وبالأخصّ في شرقِها كخُراسان، وكابُل، وقندَهار، وحيدر آباد، وانتهت هذه الرّحلاتُ العلميّةُ في بلاد الهند، إذْ فرَغ مِن تأليف آخرِ كتابٍ له (ريحانةُ روضةِ الآداب) سنة (1090 هـ ـ 1679 م)
.
وكانَ قد ابتدأ رحلتَهُ العلميَةَ في عام (1068 هـ ـ 1657 م) ، فقصدَ بلادَ خراسان
وتنقّل بين مده نا، ومنها أدكان
(1)، وشاه أنديز
(2)، وخاور
(3)، وهَراة
(4)، وفي هذه المدن ألَف مجموعةَ رسائل منذُ عام (1077 هـ أ 1666 م) ، حتى عام (1080 هـ ـ 1669 م)
(5)، وفيها التقى معاصرَهُ العالمَ والمحدّثَ الفقيه الحرَ العامليَ
(6) (ت 1104 هـ ـ 1692 م) ، الذي أجازَ لهُ الرِّوايةَ عنه، وعَدَّ بعضُ مَن ترجَم له أنَه كانَ مِن أجَلّ تلامذتِهِ
(7)، إلَا أنَ العلامة الطّهرانيّ يذكرُ أنَ مهذَب الدِّين كانَ في خُراسان قبلَ قُدُومِ الشّيخِ الحرِّ العامليِّ، وكانَ مِنَ المُصنفّينَ
(8) ولم يدُم به المقامُ طويلاً حتّى قرَر الانتقالَ إلى بلادِ الهند في عام (1080 هـ ـ 1669 م) ، إذْ وصلَ إلى كابل
(9) عام (1081 هـ ـ 1670 م) ، ثمّ إلى حيدر آباد
(10) ، وفي تلكَ البلاد ألَف عدّةَ كُتُبٍ في الأعوام (1082 هـ ـ 1671م) ، و (1085 هـ ـ 1674 م) ، و (1086 هـ ـ
--------------------------------
(1) أدكان : وهي محلّةٌ من محالّ مدينةِ مشهد في خراسان . ينظر : الطهرانيُّ، الذريعة : ج 2، ص 227 .
(2) شاه أنديز : قرية من قرى مشهد في خراسان . ينظر : الطهرانيُّ، الذريعة : ج 5، ص 224 .
(3) خاور : هي أكبر مدينة من كورة كاوار جنوبي فزان . ينظر : الحمويّ، معجم البلدان : ج 2 ، ص 341 .
(4) هَراة : وهي مدينةٌ مشهورةٌ مِن أمّهات مدن خراسان، فيها بساتين كثيرة . ينظر : الحمويّ، معجم البلدان : ج 5، ص 396 .
(5) الأمين، محسن، أعيان الشيعة : ج 4 ، ص 290، الطهرانيُّ، الذريعة : ج 1، ص 380، و ج 2، ص 227 .
(6) الحرُّ العامليُّ : هو محمّد بن الحسن، الحرُّ العامليُّ، كان فقيهاً، محقِّقاً، ومحدِّثاً أصوليّاً، له كتب كثيرة منها : وسائل الشيعة، وكتاب هداية الأمّة، وكتاب بداية الهداية، مات سنة 1104 هـ . ينظر : الأردبيليّ، جامع الرُّواة : ج 2، ص 90، الصّدر، حسن هادي، تكملة أمل الآمل : ص 9 .
(7) التبريزيّ، مرآة الكتب : ص 274، الأمين، محسن، أعيان الشيعة : ج 4، ص 290، الحسينيّ، أحمد، تراجم الرِّجال : ج 1، ص 74، وتلامذة المجلسي : ص 62 .
(8) الذريعة : ج 3، ص 363 ، 362 .
(9) كابُل : بضمِّ الباء، وهو اسمٌ يشملُ الناحيةَ، أو مدينتها العظمى من الهند، وهي ولايةٌ ذاتُ مروجٍ كبيرةٍ بينَ الهند وغَزْنَة، ونسبتها إلى الهند أصحّ . ينظر : الحمويّ، معجم البلدان : ج 4، ص 426 .
(10) حيدر آباد : وهي إحدى أهمّ مدن الهند بعد مدراس . ينظر : محمود بديع، الموسوعة الجغرافيّة لبلدان العالم : ص 198 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_9 _
1675 م) ، وآخر ما ألَفهُ كان في عام (1090 هـ ـ 1679 م) .
ومن المدن الأُخَر في بلادِ الهِندِ التي ارتحلَ إليها، دلهي
(1) ، وقَندهار
(2) .
وقد امتاز مهذَبُ الدّين بذاكرةٍ قويَةٍ جدّاً، وكثرةِ المطالعةِ أيضاً، لذا كانَ يُعدُّ مِن الحُفّاظ، فقدْ ذكرَ في بعضُ كتبِهِ أنَه يحفظُ اثني عشرَ ألفَ حديثٍ مِن دون أسانيدها، وألفاً ومائتي حديثٍ بأسانيدها
(3) .
يذكرُ مهذَبُ الدّين عن نفسِهِ قائلاً : (ابتلائي بصحبةِ الملوك، والسّعي في طلبِ الرّزقِ للعيالِ، وارتكابِ المسافرات البعيدة، وتواي الأمراض، والمصائب، منعني مِن لتحصيلِ الكمالِ كما هُوَ حقُّهُ، ولو بقِيتُ في دِيارِ العَرَبِ لكنتُ رجُلاً كامِلاً)
(4) .
وذكر مَن ترجمَ لهُ مِن العُلماء عَدَداً مِن مؤلَفاته من دونِ ذِكر الإحصائيَة النهائيّة ، لأنَ مؤلّفاتِهِ ما زالت مخطوطةً غيرَ مطبوعةٍ، ما عدا كتابٍ واحدٍ منشورٍ
(5) .
وما زالت هذه المؤلَفاتُ في خزانات المخطوطاتِ، بعضُها كمجموعةِ رسائل في مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء في النجفِ الأشرفِ، وبعضُها في إيران ضمن ممتلكاتِ العُلماء الخاصّة، أو في المكتبةِ المركزيّةِ لجامعةِ طهِران، ومنها الكتابُ الذي قُمنا بتحقيقِهِ (كتابُ المناهج) .
--------------------------------
(1) دَلهي : وهي إحدى مدن بلاد الهند، وتقع في شمالها . ينظر : حسين مؤنس، أطلس تاريخ الإسلام : ص 250 .
(2) قَندهار : وهي من بلاد السِّند، أو الهند. ينظر : الحمويّ، معجم البلدان : ج 4، ص 402، 403 .
(3) مهذّبُ الدّين، فائق المقال : ص 7، التبريزيّ، مرآة الكتب : ص 274، 275، الأمين، محسن، أعيان الشيعة : ج 4، ص 290 .
(4) مرآة الكتب : ص 274، 275 .
(5) مهذّب الدّين، فائق المقال : ص 7 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 10 _
ومِن العُلماء الذين ترجمُوا له، وذكروا بعضاً من مؤلَفاته المخطوطة، التبريزيُّ
(1) (ت 1330 هـ ـ 1911 م) ، ومحسنُ الأمين
(2) (ت 1371 هـ ـ 1951 م) ، والطهرانيُّ
(3) (ت 1389 هـ ـ 1969 م) ، وكحّالة
(4) (ت 1392 هـ ـ 1972 م) ، والزركلي
(5) (ت 1397 هـ ـ 1976 م) ، والمؤلّفاتُ المذكورة هي :
1 ـ آدابُ المناظرة .
2 ـ أخلاقُ مهذَب الدّين .
3 ـ الاعتقاديّةُ .
4 ـ تجويدُ القرآنِ .
5 ـ حتفَةُ ذَخائرِ كنوزِ الأخيار في بيانِ مايحتاجُ إليهِ مِن أخبار .
6 ـ التُّحفَةُ الصَفويّة في الأنباء النَبويَة .
7 ـ التُّحفَةُ العزيزةُ .
8 ـ التُّحفَةُ العلويّةُ في الأحاديثِ النبويّة .
9 ـ جوابُ المسائلِ الشائعةِ .
10 ـ خلاصةُ الزُّبدة في المعاني والبَيان والبديع .
11 ـ خَلْقُ الكافرِ .
------------------------------
(1) مرآة الكتب : ص 274، 275 .
(2) أعيان الشيعة، ج 4، ص 290 .
(3) الذريعة : ج 1، ص 70 و 380، و ج 2، ص 272، و ج 3، ص 362، 363، و ص 433، و ص 448، و 455، و ج 5، ص 224، و ص 270، و ج 7، ص 5 و ص 11، و ص 13، و ص 228، و ص 246، و ج 10، ص 253، و ج 11، ص 231 و ج 12، ص 15، 16، و ج 11، ص 231، و ج 12، ص 15، 16، و ج 15، ص 235، و ج 16، ص 72، و ص 315، و ج 17، ص 222، و ج 18، ص 130، و ج 21، ص 367، و ج 23، ص 160، و ص 367 .
(4) معجم المؤلّفين : ج 1، ص 273 .
(5) الأعلام : ج 1، ص 150 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 11 _
12 ـ الرّسائلُ الكثيرةِ .
13 ـ رسالةٌ في القيافة .
14 ـ رسمُ الخطِّ .
15 ـ الزّبدةُ في المعاني والبيان والبديع .
16 ـ العبرةُ الشّافيةُ والفكرةُ الوافيةُ .
17 ـ العبرةُ العامّةُ والفكرةُ التامّةُ .
18 ـ عمدةُ الاعتماد في كيفيّة الاجتهاد .
19 ـ غوثُ العالم في حدوث العالم وردُّ أدلّةِ القائلين بالقِدَم .
20 ـ الفلكيّةُ في الهيأة .
21 ـ كتابُ الحِساب .
22 ـ كتابُ حِساب العقود .
23 ـ كتابُ الحسد .
24 ـ كتابُ المناهج .
25 ـ كلِّيّاتُ الطبّ .
26 ـ المفردةُ الطبِّيّة .
27 ـ المنهجُ القويمُ في تفضيلِ الصِراِط المستقيم .
28 ـ ريحانةُ روضةِ الآداب .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 12 _
وفاتُهُ
اختلفَ العُلماءُ ممنَ ترجَم له في تاريخ وفاتِهِ، وذلك اعتمادَاً على ما وصلَ إلى أيدِيهم، فمنهم مَن قرأ ما كتبَه في خاتمة مؤلّفاتِه، إذْ كان يذكرُ تاريخ الانتهاء مِن التأليف، وكان المترجَم له يذكرُ تاريخ الفراغِ مِن التأليف بأسلوبٍ كأنّه لغزٌ يصعبُ على القارئ فهمُه، فمثلاً يذكرُ عند الانتهاء من تأليفِ كتابِهِ (رسالة في القيافة) : (في النِّصف الثاني مِن اليوم الثالث من الشهر الأوّل من السّنة الأولى من العشر التاسِع مِن المائةِ الأولى مِن الألف)
(1) = 3 محرّم 1080 هـ ، وكذا في خاتمة كتابِهِ (كلِّيّات الطِّب) : (ألَفهُ في سابع شهر التاسع مِن السَنة الثانية من العشر التاسع من المائة الأولى من الألف)
(2) = 7 رمضان 1081 هـ ، وسيأتي ذكرُ تأريخ الانتهاء مِن هذا الكتاب بهذا الأسلوبِ في محلِّه، ومن العلماء مَن قال كانَ حيّاً سنة (1085 هـ ـ 1674 م) ، وهذا التأريخ هو تأريخُ آخر ما كتب مِن كُتُبِهِ وهو (المنهجُ القويمُ)
(3)، ومنهم مَن ذكرَ أنَه كان حَيَاً في سنة (1086 هـ ـ 1675 م) ، وهو تاريخ فراغِهِ مِن كتابةِ آخرِ رسالةٍ له في أُصول الفِقه، وهي (التُّحفةُ العَزيزةُ)
(4)، ومنهم مَن ذكرَ أنَه كانَ حَيَاً في شهرِ ربيعٍ الأوّل سنة (1090 هـ ـ 1679 م) ، وفيها ختمَ كتابَهُ (ريحانةُ رَوْضةِ الآدابِ)
(5)، وسكتَ آخرونَ عن ذِكرِ تاريخ وفاتِهِ، إذْ لم تثبُت عندَهم حقيقةُ ذلك .
------------------------------
(1) الطهرانيُّ، الذريعة : ج 17، ص 222 .
(2) المصدر نفسه : ج 18، ص 130 .
(3) الأمين، محسن، أعيان الشيعة : ج 4، ص 290، كحّالة، معجم المؤلِّفين : ج 1، ص 273، الزركليّ، الأعلام : ج 1، ص 150 .
(4) مهذّب الدّين، فائق المقال : ص 8 (مقدّمة المحقِّق) .
(5) التبريزيّ، مرآة الكتب : ص 274، 275 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_13 _
المبحثُ الثّاني : البِناءُ المنْهجيُّ والتَّبويبُ الدَّاخليُّ للمخطوطَةِ
عندما تُرجمت الكُتبُ الفلسفيّة في بداية القرن الثاني للهجرة ـ على مشرّفها وآلِهِ آلافُ التَحيّةِ والصّلوات ـ انتقل المنطقُ الأرسطيُّ عبرها إلى الفِكر الإسلاميّ، فاحتضنهُ المسلمونَ من دون انتقاء، وكانت النتيجةُ سيطرةَ هذا المنطق عليهم ردحاً مِن الزّمن، وانتقاله عنهم إلى الغَرب عن طريق الأندلس، وبقاء الغرب عِيالاً عليه إلى القَرن السّادس عشر الميلاديّ، والحقيقة أنَ المحافظينَ على التعاليم الإسلاميّة لم يتأثّروا بالمنطقِ الأرسطيّ، بل بالعكس من ذلك، فإنَ (روجر بيكون) مجدّدَ الفكر الغربيّ في المنهج كان متأثِّراً بالفكر الإسلاميّ، كما أنَ طائفةً من المسلمينَ رفضوا الاكتفاء بالمنطق الشكليّ، وجاوزوه إلى المنطق التجريبيّ، وكانَ للعُلماءِ المسلمينَ مجموعةٌ رصينةٌ ومتماسكةٌ مِن ضوابطِ البحثِ .
كذلك، فإنَ كثيراً مِن العلوم الإسلاميّة لم تكن تنشأ لولا التمسُّك بهدي التعاليم الإسلاميّة في المنطق، البعيدة جدّاً عن المنطق الشكليّ، فمِن ذلكَ : علمُ أصولِ الفِقه، والرِّجالِ، والحديث، والاستنباط، فهذه العلوم تعتمدُ على منهجٍ في البحث أشبه ما يكون بمنهجِ البحثِ الحديث، بل في بعض هذه العلوم بلغَ علماءُ المسلمينَ مَبْلَغاً يفوقُ مَا بلغتْهُ البحوثُ الحديثةُ .
والكتابُ الذي نحنُ بصددِه يُعَدُّ ثمرةً مِن ثمارِ جهود علماء المسلمينَ في الكتابةِ والتأليف، فهو يُعنى بالحديثِ النبويِّ الشريف.
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 14 _
عنوانُ الكتابِ
لعلَ مِن نافلة القول كوْنَ عنوان (المقنعةُ الأنِيسةُ والمُغْنِيةُ النّفيِسةُ) فيه أثرٌ من آثار كُتُبٍ أراد المؤلّفُ محاكاتها، والنّسجَ على منوالها، ككِتاب (المُقْنِع) للشّيخ الصّدوق (ت 381 هـ ـ 991 م) ، المصنّفُ في الفِقه، وكتاب (المقنعةُ) للشيخ المفيد (ت 413 هـ ـ 1022 م) في الفِقه أيضاً، إذْ يُستشفُّ أنَ مهذَب الدّينِ حاكى، أو عارض، هذينِ الكتابَين، جرياً على ما كانَ يحدُث بينَ المؤلِّفينَ، وقد كانت ظاهرة معارضة التأليف شائعةً، تماماً كالمعارضات الشّعريّة، فسَمَّاهُ (المقنعةُ الأنِيسةُ والمُغْنِيةُ النّفيِسةُ) .
وقبلَ الخوض في عالم هذه المخطوطة، يحقُّ لنا ـ ونحنُ نتصفَحُهُ ـ تسجيلَ كلماتِ التبجيل لأسلافِنا صانعي الثقافة الإسلاميَة العربيَّة، وجديرٌ بأنْ نقفَ عندهم وقفةَ إكبار وإجلال، فهم بحقٍّ مصدرُ العِلم الأصيل، ومنبع الحقائق الإنسانيّة، كما عرب رَب شيخ المُحقّقين عبد السّلام هارون، وحين نطالع أيَ كتابٍ، وبالأخصّ كُتُب التراثِ، ينبغي علينا فهمُهُ والتركيزُ عليه من جانبين، الجانبُ الأوَلُ : معرفةُ المادّة التي يبحثُ فيها الكِتاب، وتصنيفه ضمن أيّ بابٍ هو، والرّسالة التي يدعو إليها، و الثاني : معرفةُ اللُّغة والأسلوب، وما هو جنسُ ذلك
(1) ، وبمعنىً آخر معرفةُ البِنية العميقة المتمثِّلة برسالة الكتاب، والبِنية السَّطحيّة له المتمثّلة بالبناءِ الفنّي ومقوّماتِهِ من حيث اللُّغة، والأسلوب، والوصف، ومن خلال تفحُّصِنا الكتابَ الذي بين أيدينا، فإنَه يُصنفَ ضمن الكُتب التي تُعنى بعلمِ دراية الحديث النبويّ الشريف، وهو أحدُ العلوم الجليلة، الذي عني به المتقدِّمونَ والمتأخِّرون على حدٍّ سواء، إذْ اهتمَ رجالُ الحديث بهذا العِلم، وأسَسوا له القواعدَ، ووضعُوا له الضوابطَ، وقد اقترن الاهتمامُ بعلم الحديث ـ ولْنقل نشأته ـ بالاهتمام بسيرة نبيِّنا الأكرمِ محمّد.، ووضعت في ذلك المصنّفات ككِتابِ سيرة ابن هشام (ت 218 هـ ـ 833 م) ، وهو اختصارٌ لسيرة ومغازي محمّد بن إسحاق .
------------------------------
(1) برجستر أسر، أصول نقد النصوص ونشر الكتب : ص 51 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 15 _
(ت 151 هـ ـ 768 م) ، الذي يُعدُّ مؤسّس هذا الباب مِنَ العِلم، وقد جرت محاولاتٌ سبقت جهودَ ابنِ إسحاق في التأسيس لسيرة المصطفى محمّد (ص) ، إذْ كانَ ابتداؤها مبكِّراً، ثمّ كتبَ الكثيرُ مِن العُلماء في السّيرة والمغازي في القرونِ التي تلت، واشتهر بعضُها وحُقِّقَ وطُبِع، ككتاب عيون الأثر في فنونِ المغازي والسِّير ، لابن سيِّد النّاس (ت 734 هـ ـ 1333 م) ، والسّيرة النبويّة للذهبيّ (ت 748 هـ ـ 1347 م) ، وكتاب البداية والنهاية لابن كَثير (ت 774 هـ ـ 1372 م) ، وغير ذلك .
وإلى جانب الاهتمام بسيرةِ النبيّ (ص) ، كانَ الاهتمامُ بالغاً بعلومِ الحديثِ ونقدِه، ومعرفة الرِّجال، والعناية بضبطِ أسمائِهم وألقاهب هبم وكُناهُم، وتبيين المشتبَه منها
(1)، ويُعزى أوَلُ تأليفٍ في هذا العِلم ـ علمُ درايةِ الحديث ـ حسب ما يراهُ المستشرقونَ إلى الحسن بن عبد الرَحمن بن خلاد الرَامْهُرْمُزيّ
(2) (ت 360 هـ ـ 970 م) ، ومن بين المهتمِّين بهذا العِلم، المؤلِّفينَ في بابه، مهذَب الدِّين البصريُّ (ت 1090 هـ ـ 1679 م) مؤلِّف هذا الكتاب، إذْ ترك لنا عدَةَ كُتُبٍ في علم دراية الحديث، كما ألَف كُتُباً في معارف أُخَر، كالمنطق، والفلسفة، واللُّغة، والفلك، وعلم الرِّجال، وغيرها. أمَا كتُبُه في علم الحديث، فمنها : كتاب (فائقُ المقال في الحديث والرِّجال) ، وقد نشره غلام حسين قيصريّة في إيران عام (1422 هـ ـ 2001 م) ، والكتاب الذي بين أيدينا الموسوم (كتابُ المناهج) ، أو (المقنعةُ الأنِيسةُ والمُغْنِيةُ النّفيِسةُ) ، وقد أورد في بعضِ أبوابه شيئاً ممّا ذكرهُ في كتابه فائق المقال، كتعريفِهِ عِلمَ الدِّراية، بأنّهُ : (علمٌ يُبحثُ فيه عن متنِ الحديث وكيفيّة تحمّلِهِ، وآدابِ نقْلِهِ ...)
(3) ، فتداخلُ العِبارات، وتشابُه التعبيِر وتطابقُهُ، يبين يُن لنا تداخلَ المعلومة الواحدة، وتناقلَها في أكثر من كتابٍ من كُتُبِ المؤلّف الواحد ،
----------------------------------
(1) مجلّة معهد المخطوطات، الكويت : ص 168 .
(2) بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ترجمة عبد الحليم النجّار : ج 3، ص 209 (وهذا الرأي فيه نظر) .
(3) مهذّب الدّين، فائق المقال : ص 7 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 16 _
وهذا أمرٌ معروفٌ بينَ المؤلِّفين في هذا الباب، إذْ كثيراً ما تردُ مقطوعاتٌ مِن كتابِ مؤلِّفٍ في كتابٍ آخرَ له .
بناءُ المُقْنِعَة
لقد جرى المؤلّفُ في بناءِ هذا الكتابِ على وَفق عدَةِ مبانٍ، هي :
1 ـ اعتمادُهُ في الأكثر على المؤلّفينَ في علمِ رجالِ الحديثِ، فضلاً عن ذكرِهِ بعضَ الكُتُبِ المهمّة كالاستبصار، ومَن لايحضرُه الفَقيه، وكُتُب أُخَر .
وربّما تأثّرَ المصنّفُ بكتابِ (جامعُ المقالِ فيما يتعلَقُ بأحوالِ الحديثِ والرِّجال) ، لفخر الدِّينِ الطريحيّ (ت 1085 هـ ـ 1674 م) ، إذْ ينقلُ منه كثيراً، كذلك ترجيحُه آراءَ علماءِ الشّيعةِ الإثني عشريَة، إذْ يروي عن علمائِهم، ومؤلّفيهم، مبيّناً أنَ لكلّ واحدٍ منهم آراءَه ومنهجَه، ويصرّحُ بانتمائه إليهم، كقوله عن ابن المطهَر الحيل يل (ت 726 هـ ـ 1325 م) وهو يصفُه (مِن علمائنا المتأخِّرين) ، وحين تحدَثَ عَن القرائنِ الدالّةِ على صحّةِ الخبر، ذكرَ أربعَ قرائن
(1)، (أوَلها : موافقتُها لأدلّةِ العَقْلِ، وما اقتضاهُ ... إلخ) ، ويبدُو جليَاً في منهجِهِ أنَه يُطري على علماءِ الإثني عشريّة، معتذراً عن ذكرِ غيرهم مِن علماءِ المذاهب الأُخَر .
2 ـ اعتمادُهُ مصطلحَ (المنهج) لوحدةٍ بنائيّةٍ، وقد جرى تصنيفُ المخطوطةِ على وَفق هذا التبويب، ومِن المعلوم أنّ مصطلحَ (المنهج) لم يشِعْ بينَ مؤلّفي الكُتُب ومصنِّفيها حين بوَبُوا مؤلّفاتهم، ولم يكن اعتمادُ هذا المصطلح رائجاً بينهم، ماعدا نفرٍ قليلٍ، منهم حازم القرطاجنيّ (ت 684 هـ ـ 1285 م) الذي اعتمدَ المصطلحَ نفسَهُ (المنهج) وحدةً تبويبيَةً إلى جانب مصطلحاتٍ انفردَ بها كـ (إضاءة) ، و (تنوير) ، حين ألَف كتابه (مِنهاجُ البُلغاءِ وسراجُ الأُدباءِ) ، وهو كتابٌ عُني بعلومِ البَلاغة .
ومِن هنا لم يكن مهذَبُ الدِّين البصريُّ مخترعاً أوَلَ لهذا المصطلح، أو بالأحرى منفرداً في التقسيم والتبويب على وفق اعتماد مصطلح (المنهج) بوصفهِ وحدةً بنائيَةً لهذا
----------------------------------
(1) مخطوط (المقنعة الأنيسة والمغنية النّفيسة) : ص 9 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 17 _
الكتاب، إذْ كان المصطلحُ موضوعاً قبلَه معَ نُدرةِ توظيفه في تصنيف الكُتُب، فقد كانت مصطلحاتُ (البَاب) ، و (الفَصْل) ، و (الجزُء) ، و (المقال) ، و (الفَن) ، وغيرها، شائعةً بينَ مصنّفي الكُتُب، ومنهم أهلُ الحديث، كما عُرِف عن العلماءِ تصوُّرُهم المتقَن في رسمِ خريطةِ الكتِاب، وشبّهوه بأشباهٍ حسّيَةٍ ومعنويَةٍ، فحين ألَف ابنُ عبد ربِّه (ت 328 هـ ـ 939 م) كتابَهُ العِقد الفَريد جعلَهُ على هَيْأةِ عقودٍ، وقسَمَ كلَ عِقدٍ إلى فصوصٍ ولآلئ، وهكذا .
و (المنهج) بهذه الدّلالة، يدخلُ في التبويبِ بوصفهِ وحدةً تأليفيّةً لا تقلُّ عَن صفحةٍ، ولا تتجاوزُ الصّفْحَتَينِ، أو الثلاث، وهو قريبُ الشّبَهِ بـ (المبحث) بالمعنى المنهجيّ الحديث، إذْ يتمُّ تقسيمُ الفَصلِ الواحدِ إلى عدّةِ مباحثَ .
ولعلَ مِن المرجَحِ القول بتأثُّر المؤلّف بمصطلحاتِ المناطقة والفلاسفة، فمصطلح (المنهج) أقربُ مايكونُ إلى علوم الفلسفة والمنطق، منه إلى علوم الحديث النبويّ الشريف، ويُقصد به الطريقة، أو المسلك، في توضيحِ المعرفة .
وقد قسَم المؤلّفُ كتابه إلى اثني عشر مَنْهجاً كما ذكر هو، فقد قالَ في خطبةِ الكتاب : (هذه المُقْنِعَةُ الأنِيسةُ والمُغْنِيةُ النّفيِسةُ التي على حقيقةِ هذا العِلم الشريفِ احتوت، وعلى سائرِ أصولِهِ وفصولِهِ انطوَت ... مرتّبةً على اثنَي عشرَ مَنْهَجَاً وخاتمة ... )
(1) جمع المؤلِّفُ ذلك كلَه بمستوى التخصّص العلميّ الرَفيع، وفي صياغةِ الأديبِ الذي خاطبَ القرّاء جميعَهم، فلم يبخسْ قارئاً حظّه، ولا انحدَر بمستوى البحثِ العلميِّ عن حقِّه .
وانطوى الكتابُ على أمورٍ مهمّةٍ مِن ذخائرِ علمِ الحديث، لاغنى لطالبِ المعرفةِ عنها، وتيسيراً لاغتنام فوائدها، وبغية تقديمها بينَ يدي القرّاء والمهتمِّين بفنون المعرفة، أخذنا على عاتقنا إخراجَ الكِتاب بحلَةٍ جديدةٍ مبوَبةٍ كاملةٍ، تبنيَنا ذلك بعدَ تحقيقِها، وتخريج مصادرِها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق .
--------------------------
(1) ينقسمُ الكتاب (المخطوط) إلى أكثر من اثني عشر مِنْهاجاً، كما سيأتي .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 18 _
والحقُّ أنَ حاجتنا إلى هذا الكتاب نابعةٌ مِن احتوائِهِ علوماً مهمّةً من علوم الحديث، وليس مِن تقصيرِ علماءِ الحديثِ المتقدّمينَ، أو تفريطهم في شيء مِن خدمتها، فقد دوَنوا أحاديث المصطفى (ص) ، وآثارَه، وقاموا بكلِّ ما يجبُ عليهم مِن روايةِ الحديثِ وحفظِهِ، ووضعِ موازينَ صحّتِهِ، سواء في علمَي الدّرايةِ أو الرّواية اللَذينِ جعلُوهما عِلماً مستقلًا مدوَناً، أم في غيره من أبوابِ الحديثِ النبويِّ الشريف .
وقد اعتمدنا في إخراجِ هذا الكِتاب النسخةَ المكتوبةَ بخطِّ المؤلّف، ومن المعلوم لدى المحقّقينَ والعاملينَ في هذا المجال أنَ (النُّسخة التي بخطِّ المؤلّف، هي أعلى النُّسخ)
(1) ، ولم يُطبع الكتابُ، ولم يحقَق، سوى ماعمِلَه علي رضا هزار، وهو لاشكَ عملٌ كبيرٌ، يقول : (اعتمدْنا في تحقيقِ الكِتاب على النُّسخةِ الوحيدة التي كانت في مخطوطةِ مكتبةِ ملِك المرقّمَة 2/3572 (ذكرت في فهرستها 6 : 495) ، وإني بعدَ الاستنساخ حاولتُ تخريجَ الأقوالِ والأحاديث الواردة في المتن، وتوضيحَ بعضِ الكلمات والجمَل التي تسبِّبُ الوَهْمَ، وأشرتُ في الهامشِ إلى بيانِ بعضِ الآراءِ المطابقَةِ، والمخالفةِ لآراء المؤلِّف)
(2) ، مكتفياً بنشر المخطوطة على وفق هذا الوصف، دون تحقيقِها تحقيقاً يسايرُ ضوابطَ علمِ التحقيق، وكانَ يعمَد إلى وضعِ بعضِ العناوين، وقد صرَح بذلك، قال: «أضفتُ بعضَ ما رأيتُهُ مناسباً مِنَ العناوين، ووضعتُها بينَ معقوفتين [ ] ، لضبطِ الجانبِ الفنِّيِّ مِن الكِتاب)
(3) .
ومِن هنا فإنَ عملَنا ركَز على تحقيقِها مِن حيثُ إكمالِ المتن باستخراج معاني المفردات، وتخريج الأعلام الوارد ذكرُهم، وتعيين موقِع المعلومةِ في مصادِرِها، إذْ وَجَدْنا نشر هذا
------------------------------
(1) رمضان عبد التوّاب، مناهج تحقيق التراث : ص 70 .
(2) المخطوطة : المقدّمة .
(3) المخطوطة : المقدّمة .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 19 _
الكتاب وتحقيقه أمراً مفيداً استحقَ عنايتَنا به، وهو سببٌ مسوّغٌ في التحقيق والنّشر
(1) .
وصفُ المخطوطة المعتمَدَة
تكوَنت المخطوطةُ مماَ يقرُب مِن إحدى وثلاثينَ صفحةً مِن القَطْع المتوسِّط، بواقع 21 سطراً في الصفحة الواحدة، و 12 كلمةً، وبخطّ واضحٍ (خطّ النسّخ) ، وقد حوت المخطوطةُ مِن التّعاريفِ الخاصَةِ بعلومِ الحديثِ الشيءَ الكثيرَ، وكان منهجُ المؤلّف موسوعيَاً متكامِلاً، فهو يعتمدُ شواهدَ النّحوِ حين يتطلّبُ الأمرُ ذلكَ، ويوظّفُ أقيسةَ المنطقِ والفلسفةِ في بعضِ مواضع الكتاب، إلا أنَه حين يأتي ببعضِ الشواهدِ لا يعرّجُ كثيراً على ذِكْرِ مصادِرِها، أو ينوّهُ بها إلا ما نَدَر، معَ ذلك فإنَه عندما يحتاجُ الموقفُ إلى توضيحٍ تراهُ يوضِّحُ، كحدِيثِه عن كتابِ ابنِ بابويَهِ القمِّيّ، وطريقة ذكرِه الأحاديثَ النبويّةَ الشريفةَ الواردةَ في هذا الكِتاب، كذلكَ يعقدُ مقارناتٍ بينَ بعضِ مصطلحاتِ علمِ الحديثِ، كقولِهِ عن توصيفِ الحديثِ المرسَل : (وقد ينتظمُ المرسَلُ في الصَحيحِ كمراسيلِ محمّدِ بنِ أبي عُمير، وإن روى مِن غير ثقةٍ ، لأنَه قد ذكَرُوا أنَه لا يُرسِلُ إلا عَن ثقِةٍ)
(2) .
والجديرُ بالذكر أنَ مستوى لغتِهِ عالٍ، فهو يمتلكُ ناصيةَ اللُّغة، وأسلوبُهُ بليغٌ جدّاً، يقتصرُ على المفيدِ، وقد مرَ في ترجمتِهِ تضلُّعُه بعلومِ اللُّغة .
-----------------------------
(1) يُنظر : برجستر أسر، أصول نقد النصوص : ص 89 .
(2) المخطوطة : ص 5 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_20 _
المبْحثُ الثالثُ : مَنْهجُ تحقيقِ المخْطُوطةِ:
شرعنا في تحقيقِ المخطوطةِ بعدَ أن حصلْنا على نسختينِ منها، والمخطوطةُ موسومةٌ بـ (كتابِ المنَاهج) ، أو (المُقْنِعةُ الأنِيسةُ والمُغْنِيةُ النّفيِسةُ) ، للشيخ مهذَبِ الدّين أحمد بن عبد الرِّضَا البَصريّ، كان حيّاً سنة (1090 هـ) ، ونَسبَها السّيّد حسن هادي الصّدر إلى المؤلِّفِ .
وبعدَ أنْ بذلْنا ما في وسعِنا لنحصلَ على نسخٍ أُخَر في فهارسِ المخطوطات المنشورةِ في بغداد والنجف، ومفاتحة بعضِ المراكز الثقافيّة العالميّة التي تُعنى بالمخطوطاتِ، والتُّراثِ العلميّ في العالم العربيّ والإسلاميّ، وكذلكَ عن طريقِ شبكةِ الرّبط العالميّة (الإنترنت) ، لم نوفَق، وقد قِيل :
عَلى المرءِ أن يَسعَى بمقدارِ جهدِهِ ولَيسَ عَليهِ أنْ يكونَ مُوَفَقَا
والنُّسختانِ اللَتانِ اعتمدناهما، هما :
1 ـ نسخةُ المكتبةِ المركزيّةِ في جامعة طِهران، وكانَ قد حصل عليها الدّكتور نزار المنصوريّ (مدير مركز البصرة للدِّراسات والبحوث) ، وهي مصوَرةٌ على الوَرقِ، ومحفوظةٌ في المركز المذكور، والنُّسخة تحتَ تسلسل (641 د إلهيّات) . وتحتوي على (31 صفحةً) غير مرقَمةٍ، وفيها تعقيبةٌ، وخاليةٌ مِنَ الأبواب، قَسَمَها المؤلِّفُ على مناهجَ، ورقُها جيِّدٌ، خاليةٌ مِنَ الأخطاءِ، وقد استدركَ المؤلِّفُ النقصَ بالحاشيةِ، وعليها أختامٌ وملاحظاتٌ .
طُولُ المخطوطةِ وعُرضُها : 20 × 28 سم .
طولُ السَطر : 12 سم .
عددُ الأسطر : 21 سطراً .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 21 _
عددُالكلماتِ في السّطر : 12 كلمةً (معدَّل)
2 ـ أمّا النُّسخةُ الثانية فهي من محفوظاتِ مكتبة (مَلِك) في طِهران، وقد حصل عليها مركز تراث البصرة، التابع للعتبةِ العبّاسيِّة المطهَّرة .
وتحتوي على (33 صفحةً) غير مرقَمةٍ، وفيها تعقيبةٌ، وخاليةٌ من الأبواب، قسَمها المؤلِّفُ على مناهجَ، ورقُها جيِّدٌ، ولونُهُ أصفرُ، خاليةٌ مِن الأخطاء إلا ماندر، وقد استدركَ المؤلِّفُ على النقصِ في الحاشية، وبعضُ الأخطاءِ بمسحِها، كما يوجدُ عليها ختمٌ في الصّفحةِ الأخيرةِ ، ويوجدُ نقشٌ ملوَنٌ في الصّفحةِ الأولى .
طولُ المخطوطةِ وعُرضُها : 12 × 21 سم .
طولُ السّطر : 11 سم .
عددُ الأسطر : 19 .
عددُ الكلماتِ في كلِّ سطرٍ : 10 كلمات (معدَل) .
النُّسختانِ بخطِّ المؤلِّفِ، وهو خطٌّ ممتازٌ جدَاً (خطُّ النسَخ) ، لأنَ المؤلِّفَ يجيدُ الخطَ، ولهُ رسالةٌ في رسمِ الخطِّ.مكانُ الفراغِ مِنَ التأليف : هَراة .
تاريخُ الفراغِ مِنَ التأليف، وكما ذكرَهُ المؤلِّف : (ليلةَ الأسبوعِ، ونِصفَ الميقاتِ، مِنَ الشّهْرِ الخامِسِ، مِنَ السَنةِ التاسِعةِ، مِن العشر الثامِنِ مِنَ الهِجرةِ) [= فليلةُ الأسبوع : الخميس، ونصفُ المِيقات : هو حرفُ الياء، ويُقابِلُهُ بحروفِ الجمَل 10، والشهرُ الخامس : هو جمادى الأولى، والسّنةُ التاسعةُ معلومةٌ، والعشر الثامِن : هو العقد 70، فيكونُ تاريخُ الانتهاءِ : الخميس 10 جمادى الأولى 1079 هـ]
(1) ، وهذا مّما تفرّد به المؤلّف عَن غيرِه مِن الأعلام من المتقدّمين والمتأخِّرين، وممّن عاصره أيضاً، وقد نوَه به الطهرانيُّ في الذَريعةِ، كما مرَ في ترجمتِهِ .
---------------------------------
(1) الناشر .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_22 _
واتِّباعاً للمنهجيّةِ العلميّة، مرّ تحقيقُ الكِتاب بعدّة مراحلَ :
1 ـ استخراجُ الآياتِ القرآنيّة .
2 ـ استخراجُ الأحاديثِ النبويّة الشريفة، والرجوع إلى أمّهات كتبِ الحديث الشريف عند الفَريقين، السُّنّة والشِّيعة .
3 ـ تقويمُ النصِّ، وإظهارُه مضبوطاً ليكونَ أقربَ إلى ما كتبَهُ المؤلِّف، إذْ يثبَت النصُّ الصّحيحُ في المتن، ويُشارُ إلى ما عداه في الهامش .
4 ـ مراجعةُ الكِتاب متناً وهامشاً، صوناً من ورود أيِّ خطأ .
5 ـ ضبطُ الاختلافات في مصطلحات علم الرِّجال، وإسناد ذلك إلى المصادِر الرِّجاليّة .
وبوصفٍ آخرَ كانت خطواتُنا المنهجيّة التي اتبعناها في تحقيق هذا الكتاب، التي كنّا هدف من خلالها إلى تقديم نصٍّ صحيحٍ مطابقٍ لما كتبَهُ المؤلّف مبنيّةً على هدي شروطٍ نخمسةٍ ذكرها المؤلِّف عن طبيعةِ الحديث النبويّ الشريف، حيثُ ذَكَر : (ينبغي لمن يدرسُ الحديثَ أن يذكرَ فيه أحكاماً خمسةً كما قيل : أوَلها السّند، وثانيها بيانُ اللُّغة، وثالثُها التصرُّف، ورابعُها الإعراب، وخامسُها الدّلالة، فإنْ وجد الكل من أصلِهِ واضحاً نبَه على وضوحِهِ، وإن كانَ خفِيّاً، أو بعضه، بين خفاءَهُ، ويلزمه الاستمرارُ على هذه الكيفيّة الحسنة، فإنَّ بها تظهرُ ثمرةُ الحديث، ويكثرُ حصولُ فائدتِهِ)
(1) .
ومن هنا كان جهدُنا في التحقيق يتلخَّص بعدّة نقاطٍ :
أوّلا:ً : توخّي ضبطِ النصّ، وتقويمه، ومحاولة قراءتِهِ، وتثبيته على وفق ما أرادَهُ المؤلّف ، وذلك مِن خلال قراءة المخطوطة المودعة في المكتبة المركزيّة في جامعةِ طهران، وتفحّص مفرداتها، وبيانِ دلالاتها، وتوضيحِ الكلماتِ التي شابها الغُمُوض، مع مقابلتها بنسخةِ مكتبةِ ملِك ، لبيان اختلاف النُّسختين ـ وإن كان قليلاً ـ .
وننوِّه ـ أيضاً ـ بأنَ المخطوطةَ قد اشتملَتْ على بعضِ الأخطاءِ الإملائيّة، وقد قمنا
---------------------------
(1) المخطوطة : ص 15 .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 23 _
بتصحيحِها من دونِ الإشارةِ إليها لوضوحِها .
ثانياً : توخِّي وضعِ العباراتِ الصَحيحةِ بعد مقابلتِها معَ النُّسخةِ الأصليَة لها .
ّثالثاً : عَنْونة المطالب لتلافي التداخل الحاصل فيها .
رابعاً : تخريج الآيات القرآنيّة، والأحاديث النبويّة، وتخريج النّصوص، والوقوف عند بعضها، لاسيّما التي احتملنا الخطأ فيها، أو المضطربة السِّياق، وإنْ تركنا تخريج بعضها، فهو إمَا لعدم توفُّر المصدر، أو لعدم العثور على المطلب مع عدم وجود إشكال في النصِّ .
خامساً : ما جاءَ مِن تعليقاتٍ في هوامش الصفحاتِ كانَ لتوضيحِ بعضِ المطالبِ، أو لشرحِ بعضِ العباراتِ المبهمةِ، أو لبيانِ آراءٍ أُخَر تتميماً للفائدَةِ.
سادساً : ترجمنا لكلّ علمٍ من الأعلام الوارد ذكرُهم في المخطوطة ، وذلك بالرّجوع إلى مصادر الكُتُب الرِّجاليّة المشهورة، المعروفة عند الفريقينِ .
سابعاً : التعريفُ بالأماكنِ والمدن الوارد ذكرُها في المخطوطة ، وذلك بالرّجوع إلى الكُتُب المختصّة، والمعروفة بالبلدانيّات .
ثامناً : وضعنا عُضادَتين [ ] لكلِّ كلمةٍ غير واضحةٍ، أو ساقطةٍ، أو خطأ .
تاسعاً : وضعنا أقواساً للآيات الشريفة، والأحاديث النبويّة ، لخلوّ المخطوطةِ منها .
ِعاشراً : وضعنا النقطةَ، والفارزة، ونقطتَي الشّارحة، وغيرها مِنَ العَلامَات لخلوّ المخطوطةِ مِنها .
حادي عشر : استعمل المؤلِّف الياء اللَيْنة (المسهَلة) بدلَ الهمزةِ، ككلمةِ : القراين، فأثبتنا في المتن (القرائن) بدلاً عنها، وكذلك الكلماتُ الأُخَر .
المناهج المقنعة الانيسة والمغنية النفيسة
_ 24 _