أحد ، فدفنها بغسلها ولم يكشفها أحد ، ولم يغسلها أحد (1) .
  واختلفت الروايات ، فقيل : ( لما توفيت غسلتها أسماء بنت عميس وعلي ( رضي الله عن الجميع ) ودفنها ليلاً (2) .
  ورحم الله القائل :
ولأي  الأمـور تـدفن iiلـيلاً      بضعة المصطفى ويعفى ثراها
  ضاقت الدنيا على علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، واشتد به الحزن على أم الحسنين زوجته فاطمة بنت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وبعد دفنها هاج به الألم ، فوقف على القبر يتحسر ، وقلبه يعتصر اسى ولوعة ثم قال : (3)   ( السلام عليك يا رسول الله ، عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك ، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورق عنها تجلدي ، إلا ان لي في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك فإنا لله وانا اليه راجعون .
  فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم .
  وستنبئك ابنتك بتضافر امتك على هضمها ، فاحفها السؤال ، واستخبرها

*************************************************************************
(1) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ...
(2) مرآة الجنان ـ لليافعي المكي ـ ج ـ 1 ـ ص ـ 60 .
(3) اعلام النساء للاستاذ عمر رضا كحالة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 227 ـ

  الحال ، هذا ولم يطل العهد ولم يخلق منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودع لا قال ، ولا سئم ، فإن انصرف فلا عن ملالة ، وإن اقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين .
  ثم تمثل علي ( عليه السلام ) عند قبرها فقال :
ارى عـلل الدنيا علي iiكثيرة      وصاحبها حتى الممات iiعليل
لكل اجتماع من خليلين iiفرقة      وكل الذي دون الممات iiقليل
وان افتقادي فاطماً بعد احمد      دلـيل على ان لا يدوم خليل
  وخشع الإمام عليه السلام ، ولم يتمالك من البكاء وهو يسوي التراب ، ففاضت عبراته ، وأخذ ينفض يديه بحركة يائسة ، وكأنه قد فرغ من الدنيا بعد ما وارى تحت الثرى ، زوجته الحبيبة ، وشريكة حياته التي ملأت عليه دنياه ووقفت بجانبه تشده وتوآزره في السراء والضراء ، كما كانت أمها ( خديجة ) تناضل وتكافح وتضحي في كل غال ورخيص مجاهدة مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 228 ـ

الذكريات
  وطافت الذكريات بالإمام علي ( عليه السلام ) واستولى عليه الحزن واستسلم لذكريات الماضي الحبيب ، وأخذت تمر هذه الصور في مخيلته متلاحقة تذكره بالراحلة الطاهرة الزكية التي كانت أشبه الناس بأبيها .
  تذكرها يوم وقفت تلك الوقفة العظيمة ، تُذكِّر المسلمين ما أنساهم إياه الدهر ... أو تناسوه كما جاء في كتاب الغدير (1) ، حيث قالت : نسيتم قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم غدير خم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وقوله أيضاً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى .
  وكانت من أقرب الناس الى أبيها في الجود والسخاء والكرم ، ألم تسمعه يقول :
  ( السخاء شجرة من أشجار الجنة ، أغصانها متدلية الى الأرض ، فمن أخذ منها غصناً قاده ذلك الغصن إلى الجنة ) .
  وقالت أيضاً : السخي قريب من الله ، قريب من الناس ، قريب من الجنة ، بعيد عن النار ، وإن الله جواد يحب كل جواد .

****************************************************************
(1) الغدير ـ للشيخ الاميني ـ ج ـ 1 ص ـ 197 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 229 ـ

  و بلغ من جودها ( عليه السلام ) وسخائها العظيم ، انها كانت تؤثر المحتاجين على نفسها ، وتعطي الفقراء قوتها الذي لا تملك سواه كما كان يفعل أبوها النبي وزوجها علي وبهم نزلت الآية الكريمة : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (1) .
  وبدا الإمام ( عليه السلام ) في حزنه كسير القلب، متصدع الأركان مع أنه ذلك الأسد الهصور، و البطل الهمام .
  و تذكر الزهراء ( عليه السلام ) ، والحسرة تعصر قلبه ... لما لاقته في حياتها من أتعاب ، وآلام وأفراح وأحزان ، صاحبة النفس الرحيمة والقلب الكبير التي قضت حياتها وأفنت عمرها القصير في الجهاد والتضحية لخدمة الإسلام و المسلمين .
  فكيف ينسى الإمام ( عليه السلام ) زوجته ، هذه الإنسانة الحورية ... وينسى مواقفها البطولية ، وشجاعتها وبلاغتها وعلمها وفصاحتها ، مع ثباتها على الحق .
  وإذا اشتد به الأسى والألم نجده عائداً إلى بيته وألم الحزن يحز في نفسه .
  وكيف لا يكون ذلك وقد فقد شخصين عظيمين من أعز الناس عليه وهما ( محمد ... وفاطمة ) تلك الشجرة الطيبة والغمامة ذات الظل الوارف ، والعلم الزاخر والغضل الذي لا يدرك مداه .

****************************************
(1) سورة الحشر ـ آية ـ 9 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 230 ـ

  لقد ظلت الزهراء عليها السلام ، بعد وفاة ابيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تكافح من أجل احقاق الحق ، وارجاعه لاهله ، وتثبيت ، دعائم العدل ، ودفع الظلم الذي أحيط بها وبزوجها ( علي ) ، وبقيت تناضل الى ان فارقت الدنيا ، تاركة احسن صورة للانوثة الكاملة ... المقدسة .
  ما اجمل تعبير الاستاذ العقاد حيث يقول :
  ( ان في كل دين صورة للانوثة الكاملة المقدسة ، يتخشع بتقديسها المؤمنون ، كأنما هي آية الله من ذكر وانثى .
  فاذا تقدست في المسيحية صورة ( مريم العذراء . ) ففي الاسلام لا جرم أن تتقدس صورة ( فاطمة الزهراء ... البتول ) .
  وسيظل ذكر الزهراء على لسان المؤمنين ، يخلدونه ، ومركزها ومكانتها وجلال قدرها الرفيع بين اعلام النساء ، وعباد الله المكرمين ) .
  واختلف في تاريخ وفاتها ، فقد ذكر ابن سعد في طبقاته ، انها توفيت بعد ابيها بثلاثة أشهر ، وعمرها عشرون عاماً ، وقيل بستة أشهر ، وقيل لحقت بأبيها بعد خمسة وسبعين يوماً ، وذلك في اليوم الثالث من شهر رمضان الى غير ذلك من الروايات .
  وضم ثرى المدينة المنورة ، جثمان الصديقة الطاهرة ، فاطمة الزهراء كما احتوى من قبل على جثمان ابيها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وأوحشت ديار بني هاشم بعد النبي وابنته وافتقد اهلها النور الذي كانوا يهتدون به والركن القويم الذي اليه يستندون ويلجأون .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 231 ـ

حزن علي على فراق زوجته الزهراء ( عليه السلام ) :
  تقول المرويات كان علي بن ابي طالب عليه السلام يزور قبر زوجته الزهراء في كل حين ، واقبل ذات يوم فانكب على القبر ، وبكى بكاء مراً وأنشأ يقول :
مالي مررت على القبور مسلماً      قـبر الـحبيب فلم يرد iiجوابي
يـا قـبر مالك لا تجيب iiمناديا      أمـللت بـعدي خلة الاحباب ؟

  فأجابه هاتف يقول :
قال الحبيب وكيف لي iiبجوابكم      وانـا رهـين جـنادل iiوتراب
أكـل التراب محاسني فنسيتكم      وحجبت عن اهلي وعن اترابي
فـعليكم مـني السلام iiتقطعت      مـني ومـنكم خـلة iiالاحباب

  وبات أهل المدينة والمسلمون وقد خيم عليهم الحزن وظللتهم الكآبة لفقد الزهراء بضعة الرسول .
  ماتت الزهراء بجسمها ، ولكنها بقيت بروحها ، ولا تزال حية في قلوب المؤمنين ... ورمزاً حياً للمرأة المسلمة ، وقدوة صالحة للمقتدين ...
  بقي صدى كفاحها عليها السلام ، وثباتها على الحق وجهادها في سبيل الاسلام يقضُّ مضاجع حكام السوء ، وطغاة العصور على مر الأيام والسنين .
  روت عن ابيها الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الكثير من الاحاديث والروايات ،

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 232 ـ

  فقد ولدت في بيت الوحي ومهد النبوة وترعرعت تحت ظل صاحب الرسالة . ورافقتها حتى آخر حياتها الشريفة .
  وعت الاسلام ووقائعه وانتصارته ، وقد روى عنها ولداها الحسن والحسين ، ووالدهما علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) .
  كذلك روت عنها السيدة عائشة ام المؤمنين والسيدة ام سلمة وسلمى أم رافع ، وانس بن مالك وغيرهم الكثير من كبار الصحابة ومشايخ وعلماء المسلمين الصالحين ...
  وما عساني ان اكتب عن الزهراء عليها السلام ... ولكن اكتفي بالقول ان قلمي عاجز ...
  يحق لي ان اعترف بالعجز عن الاحاطة بما كتب عن حياتها التي قضتها في الجهاد والكفاح في سبيل الاسلام والعقيدة مع ابيها النبي ... وزوجها الامام علي وولديها السبطين الحسن والحسين ( عليه السلام ) .
  واعترف ايضاً بالقصور عن ادراك معرفتهم ، وسبر غورهم ، والاحاطة بصفاتهم وفضائلهم ... ( وفوق كل ذي علم عليم )
بـآل محمد عرف iiالصواب      وفـي  ابياتهم نزل iiالكتاب
وهم حجج الاله على البرايا      وبـجد  هـم لا iiيـستراب

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 233 ـ

المرأة في صدر الاسلام :
  ان صدر الاسلام ليس له تحديد معين بارقام سنين لا يتعداها ، ولكننا نقصد به ذلك الزمن الذي مضى من بدء دعوة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عهد الرسول الكريم وخلفائه الراشدين (1) .
  ذلك العهد الذي كان الناس يتقيدون باحكام الشرع العظيم ، وتعاليم الدين القويم .
  وصدر الاسلام هو عهد انتقال من البداوة وعاداتها وتقاليدها ، وجاهليتها الى الاسلام وشريعته السمحاء ونظمه الحضارية وقوانينه المدنية .
  وقد بذل المسلمون الجهود الجمة الجبارة ، ولاقوا المتاعب والمصاعب لسلوك الطريق الافضل ، بين التقاليد الموروثة والاعتقادات والعادات القديمة ... وبين ما جاء به الاسلام من تنظيم ديني ... ومدني ... وتوحيد لله سبحانه ، بالاضافة الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
  ونحن اذ نتكلم أو نكتب عن المرأة في صدر الاسلام وما بعده حتى الآن ، ونشرح ما اصاب المرأة واخلاقها من التبدل والتطور ، يجب ان نشير ايضاً الى الرجل وما طرأ عليه من تطور وتبدل .
  أليس كلاهما عضو فعال في الهيئة الاجتماعية الواحدة يؤثر فيها ... ويتأثر بها ؟!

*****************************************************************
(1) الخلفاء الراشدين ... حسب اصطلاح المؤرخين .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 234 ـ

  ولا يمكننا ان نتجاهل تأثير الرجال الشديد بصورة خاصة على المجتمع النسائي .

اخلاق المرأة المسلمة في صدر الاسلام :
  ان شمائل المرأة العربية واخلاقها الحميدة ، لهي اجمل صفة كانت تتحلى بها ، فقد كانت بحكم البيئة والمجتمع القديم رغم تسلط الرجل عليها ، وتعسفه واستئثاره ، تحتفظ بمزايا فطرية عظيمة ونبيلة .
  كالشجاعة ... والجرأة الادبية ... والعفاف ... والكرم ... والوفاء ... وحفظ الجوار ... واغاثة الملهوف ... والعفو عن المقدرة ... الى غير ذلك من الاخلاق الفاضلة ، والمزايا الحميدة ...
  فلما جاء الاسلام أبقى على هذه المزايا والشمائل ، وتعهدها واضاف اليها صفات جديدة ...
  كالتقى والايمان ... والورع ... والتدين وكان الاسلام حريصاً على مكارم الاخلاق كما ورد في الحديث الشريف عن الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( انما بعثت لأتم مكارم الاخلاق ) .
  وحتى نتمكن من الاحاطة بما فعله الاسلام من تبديل وتطوير وتأثير على اخلاق المرأة وسير حياتها ، لا بد لنا من استعراض بعض مآثرها في النواحي الاجتماعية لتوضيح ما كان من سيرة حياتها في ذلك العهد .

جهاد المرأة في الاسلام :
  لقد كانت الشجاعة في ايام الجاهلية عنوان القوم ، ومدار اهتمامهم ،

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 235 ـ

  والمحور الذي تدور عليه مفاخرتهم واشعارهم وغزواتهم وحروبهم .
  ولما ظهر الاسلام بنور تعاليمه الساطعة ، انبرت المرأة للمساهمة بنصيبها الاكبر في الجهاد .
  فكانت مع الرجل جنباً الى جنب تروي ظمأه اذا عطش وتضمد جراحه اذا اصيب ، وتثير الحماس في رؤوس المقاتلين .
  واذا اضطرت للدفاع ، او تعرضت للاهوال ، وقفت وقفة الابطال ، واقبلت على محاربة الاعداء ، غير هيابة ولا وجلة ، بشجاعة وثبات ... و صلابة و عقيدة .
  في حين نرى ان بعض الرجال البارزين ، يعجز ... أو يهاب ان يقف موقفها .

جهاد الهاشميات :
  ان جهاد بني هاشم في سبيل الاسلام معروف ومشهور لا ينكره احد .
  فكما كان للرجال جهاد ، كان للنساء مواقف سجلها التاريخ على صفحاته وفي مقدمة النساء كن الهاشميات فقد ساهمن في سبيل الدفاع عن الاسلام ، واعلاء كلمته ما وسعهن المساهمة ، سواء بالشجاعة والاقدام ... او بالخطب والكلام ، واولهن الصحابية الجليلة سليلة البيت الهاشمي الرفيع ، ( صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول ) .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 236 ـ

صفية بنت عبد المطلب
  لقد حدثنا التاريخ عن بطولة وجهاد سيدة عظيمة هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم ( عمة الرسول ) .
  ذكر ابن هشام في سيرته (1) .
  ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، اذا خرج لقتال عدوه ، اصطحب بعض نسائه معه ، ففي غزوة ( الخندق ) رفع ازواجه ونساءه في حصن حسان بن ثابت ، وكان من احصن آكام المدينة .
  فمر رجل يهودي وجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ، وقطعت ما بينها وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمسلمون في نحور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا الى ذلك الحصن إِن اتاه آت .
  فقالت صفية : يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، واني والله ما آمنه ان يدل على عورتنا من ورائنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واصحابه ، فانزل اليه فاقتله .
  فقال حسان : يغفر الله لك يا بنت عبدالمطلب ! والله لقد عرفت ما انا بصاحب هذا .

****************************************************************************************************************
(1) ذكر هذا الحديث جميع اهل التاريخ والسير ـ كالسيرة الحلبية ـ والسيرة النبوية لابن هشام ـ كتاب الدر المنثور لزينب فواز ـ اعلام النساء عمر رضا كحالة وغيرهم .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 237 ـ

  فلما سمعت صفية كلام حسان ، قامت فأخذت عموداً ثم نزلت من الحصن الى ذلك اليهودي فضربته في العمود فقتلته .
  ثم رجعت الى الحصن فقالت : يا حسان ، انزل اليه فاسلبه فإِنه لم يمنعني من سلبه إِلا أنه رجل .
  فقال لها حسان : ( ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب ) .
  وتقول بعض المرويات : ان صفية لما قتلت اليهودي ، وقطعت رأسه ، قالت لحسان :
  ( قم فأطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن ) .
  فقال : والله ما أستطيع ذلك ، قالت : فقمت فرميت رأسه على اليهود ، فأدهش ذلك اليهود وقالوا :
  ( لقد علمن أن هذا ( محمداً ) لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحد ، فتفرقوا خائفين ) .
  وهذه الراوية تشهد لصفية بنت عبد المطلب بالشجاعة الفائقة والاقدام على نصرة الاسلام .
  ولكنها لم تنقص من قدر حسان بن ثابت شاعر الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يكن خاملاً ...
  حسان بن ثابت ليس رجل حرب ... وليس بمقدوره مقارعة الفرسان ...
  بل إن جهاده في سبيل إِعلاء كلمة الحق ونشر راية الاسلام كان بشعره ولسانه وبيانه ... لا بسيفه ورمحه وسنانه .
  أجل إِن شاعر الرسول ( حسان بن ثابت ) وإن كان جباناً في القتال ،

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 238 ـ

  لكن له مواقفه الجليلة ، حيث يصنع اللسان ما يعجز عنه السنان .
  ومما يروى عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، انه كان ينصب المنبر لحسان بيده الشريفة ويقول : ( اللهمَّ أيد حساناً بروح القدس ... ما دافع عن رسولك ) .
  ولحسان بن ثابت أشعار كثيرة في تأييد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والرسالة وتأييد الوصية لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فمن ذلك قوله في يوم غدير خم .
يـناديهم  يـوم الغدير iiنبيهم      بـخم  واسـمع بالنبي iiمناديا
فـقال فـمن مـولاكم iiونبيكم      فقالوا  ولم يبدوا هناك التعاميا
إلـهك مـولانا وأنـت نـبينا      ولم تلق منا في الولاية عاصيا
فـقال لـه : قم يا علي iiفإِنني      رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
فـمن كـنت مولاه فهذا iiوليه      فكونوا  له أتباع صدق iiمواليا
هـناك  دعـا اللهمَّ وال iiوليه      وكـن للذي عادى علياً iiمعاديا
  ( وشهدت صفية ( عمة الرسول ) غزوة ( أحد ) ولما انهزم المسلمون قامت وبيدها رمح تضرب في وجوه الناس وتقول :
  انهزمتم عن رسول الله ؟!
  فلما رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لابنها الزبير بن العوام : إلقها فارجعها حتى لا ترى ما بشقيقها الحمزة بن عبد المطلب ، فلقيها الزبير فقال لها : يا أماه ... إِن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأمرك أن ترجعي ، فقالت : ولمَ ؟ ... فقد بلغني أنه مثل بأخي ( حمزة ) وذلك في الله عز وجل قليل ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتسبن ولأصبرن إنشاء الله تعالى .
  فلما جاء الزبير رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبره بذلك قال : خل سبيلها .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 239 ـ

  فأتت صفية الحمزة ، فنظرت اليه ، وصلت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له .
  ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) به فدفن (1) وقالت تبكي أخاها الحمزة وترثيه .
أسـائلة أصـحاب أحـد iiمخافة      بـنات  ابـي مـن أعجم وخبير
دعاه إله الحق ذو العرش iiدعوة      الـى  جـنة يـحيا بها iiوسرور
فـواللّه لا أنـساك ماهبت iiالصبا      بـكاء وحزناً محضري ومسيري
فيا ليت شلوي عند ذاك واعظمي      لـدى أضـبع تـعتادني iiونسور

  كانت صفية شجاعة مقدامة ، عملت جهدها في سبيل نصرة الاسلام والمسلمين ، وتوفيت رحمها الله في سنة عشرين للهجرة ، ودفنت في البقيع .

**************************************************************************************************************************************************************
(1) أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بدفن عمه الحمزة رضي الله عنه حيث قتل ولا يزال قبره الى الآن عند جبل احد .
وأحد ـ جبل قرب المدينة المنورة ، دارت قربه المعركه المشهورة ـ بوقعة احد .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 240 ـ

فاطمة بنت اسد بن هاشم
  سيدة جليلة حافظت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حفاظ الصدر على جنانه ، والطرف على إِنسانه ، كانت تؤثره عليه الصلاة والسلام على أولادها ، وترعاه بعناية تامة ، وتحنو عليه أكثر من حنو الوالدة على رضيعها .
  لذلك نرى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قابل صنيعها الجميل ، وما قامت به من خدمات أحسن مقابلة .
  روي عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما توفيت فاطمة بنت اسد بن هاشم (1) زوجة أبي طالب ، ووالدة علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كفنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قميصه وصلى عليها ، وكبر عليها سبعين تكبيرة ، ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ، ويسوي عليها ، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان ، وجثا في قبرها ، فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب :
  يارسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد ؟ فقال : يا عمر إن هذه المرأة كانت بمنزلة امي التي ولدتني .

**************************************************************************************************************
(1) ذكر السيد الامين في كتابه أعيان الشيعة ـ أن فاطمة بنت اسد سبقت الى الاسلام وهاجرت الى المدينة في أول الهجرة ، وروى الحاكم في المستدرك قال : كانت فاطمة بنت اسد اول هاشمية ولدت من هاشمي ، وكانت بمحل عظيم من الإيمان ، في عهد رسول الله وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 241 ـ

  إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة ، وكان يجمعنا على طعامه ، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيباً فأعود فيه .
  روى صاحب أعلام النساء : أن فاطمة بنت أسد لما توفيت بالمدينة ، ألبسها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قميصه ، واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه ؟
  فقال : إِنه لم يكن أحد بعد ابي طالب أبر بي منها ، إِنما البستها قميصي لتكتسي من حلل الجنة ، وأضطجعت معها ليهون عليها الحساب (1) .

أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم :
  كانت أروى مثال المرأة المسلمة ، جاهدت في سبيل الله بلسانها وبيانها ، في كل دور من أدوار الإسلام الذي مرَّ عليها ، ولم تأل جهداً في أداء النصيحة وإرشاد الناس الى سلوك طريق العدل والانصاف ، وإرجاع كل ذي حق حقه ، بكل ما تقدر عليه ، غير هيابة ولا وجلة ، لا تأخذها في الله لومة لائم .
  ولا غرابة فقد كانت السيدة أروى فريدة زمانها ، وبليغة عصرها إذا خطبت أعجزت ، وإن تكلمت أوجزت لإنها إبنة البلاغة ومعدن الفصاحة .
  ومن جملة نصحها للإسلام ، وإرجاع الحق الى أهله ، دخولها على معاوية بن أبي سفيان وهو في أبهة سلطانه ، وشموخه بأنفه بين أعوانه .

*********************************************************************************************************
(1) ذكر صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اكثر المؤرخين وأصحاب السير ، كالسيد الامين في ايمان الشيعة وعمر رضا كحالة في أعلام النساء والسيد علي فضل الله الحسني في كتابه الاخلاق الاسلامية وغيرهم .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 242 ـ

  دخلت عليه تؤنبه وتقرعه لتنكبه جادة الحق ، وسلوكه طريق الباطل واغتصابه الخلافة من أهلها الشرعيين .

حديث اروى بنت الحارث بن عبد المطلب مع معاوية :
  ذكر ابن طيفور مروياً عن أنس بن مالك قال :
  ( دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب ، على معاوية بن أبي سفيان بالموسم ، وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها قال : مرحباً بك يا عمة قالت :
  كيف أنت يا ابن أخي ، لقد كفرت بعدي بالنعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك ، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام .
  ولقد كفرتم بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأسعر منكم الخدود ، حتى رد الله الحق الى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ونبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون .
  فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً حتى قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته شريفاً عند الله مرضياً ، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم .
  وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : ( يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) ولم يجمع بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنة ، وغايتكم النار .
  قال عمرو بن العاص : أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك وغضي من

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 243 ـ

  طرفك ، قالت : ومن أنت لا أمَّ لك قال : عمرو بن العاص ، قالت : يا ابن اللخناء النابغة ، اتكلمني ...! اربع على ظلعك ، وأعن بشأن نفسك ، فوالله مما أنت من قريش في اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه ابوك ، ولقد رأيت امك أيام منى مع كل عبد عاهر ( أي فاجر ) فأتمَّ بهم فإنك بهم أشبه .
  فقال مروان بن الحكم : أيتها العجوز الضالة ، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك ، فلا تجوز شهادتك ، قالت : يا بني أتتكلم ! فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته ، وظاهر دمامته ، لقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر اللامة سبط الشعر ، وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب ، فاسأل امك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن ابيك إن صدقت .
  ثم التفتت إلى معاوية فقالت : والله ما عرضني لهؤلاء غيرك ، وإن أمك القائلة في يوم أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه :
نحن    جزيناكم   بيوم   iiبدر      والحرب يوم الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من iiصبر      أبي  وعمي  وأخي iiوصهري
شفيت  وحشي  غليل iiصدري      شفيت  نفسي  وقضيت iiنذري
فشكر   وحشي  علي  عمري      حتى  تغيب أعظمي في iiقبري

  فأجبتها بقولي :
ا  بنت  رقّاع عظيم الكفر      خزيت في بدر وغير iiبدر
صبحك  الله  قبيل  iiالفجر      بالهاشميين الطوال الزهر
بكل  قطاع  حسام  يفري      حمزة ليثي وعلي صقري

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 244 ـ

إذ  رام  شبيب  وأبوك iiغدر      أعطيت وحشياً ضمير الصدر
هتَّكَ  وحشي  حجاب  iiالستر      ما   للبغايا  بعدها  من  فخر
  فقال معاوية لمروان وعمرو : ويلكما أنتما عرضتماني لها ، وأسمعتماني ما أكره .
  ثم قال لها : يا عمة اقصدي قصد حاجتك ، ودعي عنك أساطير النساء ، قالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار .
  قال : ما تصنعين يا عمة بألفي دينار ؟ قالت : أشتري بها عيناً خرخارة ، في أرض خوارة تكون لولد الحارث بن عبد المطلب .
  قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : ازوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم ...
  قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟
  قالت: أستعين بها على عسر المدينة ، وزيارة بيت الله الحرام .
  قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك نعم وكرامة .
  ثم قال : أما والله لو كان علي ما أمر لك بها ...
  قالت : صدقت إن علياً أدَّى الأمانة ، وعمل بأمر الله وأخذ به ، وأنت ضيعت أمانتك وخنت الله في ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها ، وبينها فلم تأخذ ، ودعانا ( أي علي ) الى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا ، فشغل بحربك عن وضع الامور مواضعها ، وما سألتك من مالك شيئاً فتمنَّ به ، إنما سألتك من حقنا ، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا .
  أتذكر علياً فضَّ الله فاك ... وأجهد بلاءك ، ثم علا بكاؤها وقالت :

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 245 ـ

ألا  يا  عين  ويحك  أسعدينا      ألا   وابكي  أمير  iiالمؤمنينا
رزينا  خير  من ركب المطايا      وفارسها  ومن ركب iiالسفينا
ومن  لبس النعال او iiاحتذاها      ومن   قرأ  المثاني  iiوالمئينا
إذا  استقبلت وجه ابي iiحسن      رأيت   البدر  راع  iiالناظرينا
ولا   واللّه   لا  أنسى  iiعلياً      وحسن  صلاته في iiالراكعينا
أفي  الشهر الحرام فجعتمونا      بخير الناس طرّاً أجمعينا (1)
  وفي رواية : قال لها معاوية : عفا الله عما سلف يا خالة ، هاتِ حاجتك .
  قالت : مالي إليك حاجة ، وخرجت عنه .
  فقال معاوية لأصحابه : والله لو كلمها من في مجلسي جميعاً ، لأجابت كل واحد بغير ما تجيب به الآخر . وإِن نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم .

************************************************************************************************
(1) بلاغات النساء لابن طيفور والعقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي وغيرهما .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 246 ـ

  مساهمة المرأة في نصرة الاسلام
  لقد سارعت المرأة إلى نصرة الإسلام ، مندفعة بكل ما تملكه من شجاعة وإقدام وتضحية في سبيل الدين والعقيدة .
  ولا بأس بأن نذكر بعض النساء اللواتي ساهمن مساهمة فعالة ، في نصرة الحق والدفاع عنه ، بما يتلاءم مع كيانهن وطبيعتهن ، وذلك ضمن نطاق الحشمة والأدب والشرع الشريف .

أم رعلة القشيرية :
  ( سيدة من ربات الفصاحة والبلاغة ، وفدت على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ... أنا من ذوات الخدور ، ومحل ازر البعول ، ومربيات الأولاد ، وممهدات المهاد ، ولا حظّ لنا في الجيش الأعظم ، فعلمنا شيئاً يقربنا من الله عز وجل .
  فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليكن بذكر الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار ، وغض البصر وخفض الصوت .
  ثم أقبلت بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى المدينة فحزنت عليه حزناً شديداً وأخذت بالحسن والحسين تطوف بهما بأزقة المدينة ، وهي تبكي بكاءً مراً ، وترثيه برثاءٍ مؤلم منه :

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 247 ـ

يا دار فاطمة المعمور ساحتها      هيجت لي حزناً حييت من iiدار

  فهاجت المدينة لمأتمها ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وأهلها يبكون (1) .

ام ورقة بنت عبد الله بن الحارث الانصارية :
  كانت من فواضل نساء عصرها ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يزورها ويسميها الشهيدة ، ولما غزا رسول الله بدراً قالت له : إِيذن لي أن اخرج معكم ، أداوي جراحكم ، وأمرض مرضاكم ، لعل الله يهدي إِلي الشهادة .
  فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن الله يهديك الشهادة ، وقري في بيتك فإنك شهيدة ...
  وكانت جمعت القرآن فأمرها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تؤم أهل دارها ، وكان لها مؤذن ... وكانت تؤم أهل دارها ، حتى قتلت ... فقالوا : صدق رسول الله ... إِنها شهيدة (2) .

سبيعة بنت الحرث الاسلمية :
  قال ابن عباس : (3) صالح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحديبية مشركي مكة ، على من اتاه من اهل مكة ، رده عليهم ، ومن اتى اهل مكة من اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو لهم ، ولم يردوه عليه ، وكتبوا بذلك كتاباً ، وختموا عليه .
  فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية ، مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ،

**************************************************************************************
(1) الاصابة لابن حجر ـ وأعلام النساء لعمر رضا كحالة وغيرهما .
(2) طبقات ابن سعد الكبرى ـ تهذيب التهذيب لابن حجر .
(3) عن مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 248 ـ

  والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحديبية ، فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم قال مقاتل هو ( صيف بن الراهب ) في طلبها وكان كافراً فقال :
  يا محمد اردد علي امرأتي ... فإِنك قد شرطت لنا ، ان ترد علينا من اتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ... فنزلت الآية :
  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (1) .
  قال ابن عباس : إِذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفار ، الى دار الإسلام ، فامتحنوهن ... امتحانهن أن يستحلفن ، ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة عن ارض الى ارض ، ولا التماس دنيا ، وما خرجت إلا حباً لله ورسوله .
  فاستحلفها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما خرجت بغضاً لزوجها ، ولا عشقاً لرجل منا ، و لا خرجت إلا رغبة في الإسلام .
  فحلفت ... بالله الذي لا إله إلا هو ... على ذلك فأعطى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زوجها مهرها ، وما أنفق عليها ، ولم يردها عليه .

ام كلثوم بنت عقبة :
  قال الجبائي : (2) إن ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، جاءت مسلمة ،

*********************************************************
(1) سورة الممتحنة ـ آية ـ 10 .
(2) مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 249 ـ

  مهاجرة من مكة ، فجاء اخواها الوليد ... وعمارة ، الى المدينة فسألا رسول الله ردها عليهما .
  فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الشرط بيننا في الرجال لا في النساء ، فلم يردها عليهما .
  قال الجبائي : وإنما لم يجر هذا الشرط في النساء ، لأن المرأة إذا اسلمت ، لم تحل لزوجها الكافر !! فكيف ترد عليه وقد وقعت الفرقة بينهما .

زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
  قال الشعبي : (1) كانت زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) امرأة أبي العاص بن الربيع ، فأسلمت ، ولحقت بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المدينة .
  وأقام ابو العاص مشركاً بمكة ، ثم أتى الى المدينة فأمنته زينب ، ثم أسلم فردها عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وقال الجبائي : لم يدخل في شرط صلح الحديبية ، إلا رد الرجال دون النساء المسلمات ، ولحقن بالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمثال : أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وأميمة بنت بشر وغيرهن كثيرات مما يضيق المجال عن ذكرهن .

ام رميثة بنت عمر بن هاشم بن عبد المطلب :
  مجاهدة جليلة ، وسيدة عاقلة ، اسلمت ، وبايعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح خيبر ، وأطعمها رسول الله أربعين وسقاً تمراً وخمسة اوسق شعير (2) .

****************************************************************************
(1) مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي .
(2) سيرة ابن هشام ـ تاريخ الطبري ـ الإصابة لابن حجر .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 250 ـ

ام حكيم بنت الحارث المخزومية :
  مجاهدة جليلة ، أسلمت يوم الفتح ، واستأمنت لزوجها عكرمة بن ابي جهل ، فأمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرجت في طلبه وقد هرب الى اليمن فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر ، فجعلت تصيح إليه وتقول :
  يا ابن عم ، جئتك من أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك ، وقد استأمنت لك منه ، فأمنك ، فقال : أنتِ فعلت ذلك ؟ قالت : نعم أنا كلمته فأمنك ، فرجع معها .
  ولما وصل عكرمة ، وانتهى الى باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته معه ، فسبقته ، فاستأذنت على الرسول ، فدخلت وأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقدوم عكرمة ، فدخل عكرمة وأسلم .
  وشهدت أم حكيم وقعة اليرموك (1) وأبلت فيها بلاءً حسناً فقاتلت فيها أشد القتال .
  وفي وقعة مرج الصغر ، خرجت بعمود الفسطاط ، فقتلت سبعة من الروم (2) .

ام حبيب بنت العاص القرشية
  مجاهدة جليلة ، أدركت عصر النبي ، ولها صحبة ، وشهدت اليرموك ، وحرضت الرجال على القتال ، لما شدَّ طرف من الروم على عمرو بن العاص ، فانكشف هو وأصحابه ، حتى دخلوا أول المعسكر وهم في ذلك يقاتلون ويشدون .

****************************************************************************
(1) اليرموك : وادٍ بناحية الغور ـ ومرج الصغر واقع بنواحي دمشق .
(2) تاريخ الطبري ـ طبقات ابن سعد ـ سيرة ابن هشام .