فلما سمعت صفية كلام حسان ، قامت فأخذت عموداً ثم نزلت من الحصن الى ذلك اليهودي فضربته في العمود فقتلته .
ثم رجعت الى الحصن فقالت : يا حسان ، انزل اليه فاسلبه فإِنه لم يمنعني من سلبه إِلا أنه رجل .
فقال لها حسان : ( ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب ) .
وتقول بعض المرويات : ان صفية لما قتلت اليهودي ، وقطعت رأسه ، قالت لحسان :
( قم فأطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن ) .
فقال : والله ما أستطيع ذلك ، قالت : فقمت فرميت رأسه على اليهود ، فأدهش ذلك اليهود وقالوا :
( لقد علمن أن هذا ( محمداً ) لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحد ، فتفرقوا خائفين ) .
وهذه الراوية تشهد لصفية بنت عبد المطلب بالشجاعة الفائقة والاقدام على نصرة الاسلام .
ولكنها لم تنقص من قدر حسان بن ثابت شاعر الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يكن خاملاً ...
حسان بن ثابت ليس رجل حرب ... وليس بمقدوره مقارعة الفرسان ...
بل إن جهاده في سبيل إِعلاء كلمة الحق ونشر راية الاسلام كان بشعره ولسانه وبيانه ... لا بسيفه ورمحه وسنانه .
أجل إِن شاعر الرسول ( حسان بن ثابت ) وإن كان جباناً في القتال ،
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 238 ـ
لكن له مواقفه الجليلة ، حيث يصنع اللسان ما يعجز عنه السنان .
ومما يروى عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، انه كان ينصب المنبر لحسان بيده الشريفة ويقول : ( اللهمَّ أيد حساناً بروح القدس ... ما دافع عن رسولك ) .
ولحسان بن ثابت أشعار كثيرة في تأييد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والرسالة وتأييد الوصية لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فمن ذلك قوله في يوم غدير خم .
يـناديهم يـوم الغدير iiنبيهم بـخم واسـمع بالنبي iiمناديا فـقال فـمن مـولاكم iiونبيكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلـهك مـولانا وأنـت نـبينا ولم تلق منا في الولاية عاصيا فـقال لـه : قم يا علي iiفإِنني رضيتك من بعدي إماماً وهادياً فـمن كـنت مولاه فهذا iiوليه فكونوا له أتباع صدق iiمواليا هـناك دعـا اللهمَّ وال iiوليه وكـن للذي عادى علياً iiمعاديا |
( وشهدت صفية ( عمة الرسول ) غزوة ( أحد ) ولما انهزم المسلمون قامت وبيدها رمح تضرب في وجوه الناس وتقول :
انهزمتم عن رسول الله ؟!
فلما رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لابنها الزبير بن العوام : إلقها فارجعها حتى لا ترى ما بشقيقها الحمزة بن عبد المطلب ، فلقيها الزبير فقال لها : يا أماه ... إِن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأمرك أن ترجعي ، فقالت : ولمَ ؟ ... فقد بلغني أنه مثل بأخي ( حمزة ) وذلك في الله عز وجل قليل ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتسبن ولأصبرن إنشاء الله تعالى .
فلما جاء الزبير رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبره بذلك قال : خل سبيلها .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 239 ـ
فأتت صفية الحمزة ، فنظرت اليه ، وصلت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له .
ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) به فدفن
(1) وقالت تبكي أخاها الحمزة وترثيه .
أسـائلة أصـحاب أحـد iiمخافة بـنات ابـي مـن أعجم وخبير دعاه إله الحق ذو العرش iiدعوة الـى جـنة يـحيا بها iiوسرور فـواللّه لا أنـساك ماهبت iiالصبا بـكاء وحزناً محضري ومسيري فيا ليت شلوي عند ذاك واعظمي لـدى أضـبع تـعتادني iiونسور |
كانت صفية شجاعة مقدامة ، عملت جهدها في سبيل نصرة الاسلام والمسلمين ، وتوفيت رحمها الله في سنة عشرين للهجرة ، ودفنت في البقيع .
**************************************************************************************************************************************************************
(1) أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بدفن عمه الحمزة رضي الله عنه حيث قتل ولا يزال قبره الى الآن عند جبل احد .
وأحد ـ جبل قرب المدينة المنورة ، دارت قربه المعركه المشهورة ـ بوقعة احد .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 240 ـ
فاطمة بنت اسد بن هاشم
سيدة جليلة حافظت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حفاظ الصدر على جنانه ، والطرف على إِنسانه ، كانت تؤثره عليه الصلاة والسلام على أولادها ، وترعاه بعناية تامة ، وتحنو عليه أكثر من حنو الوالدة على رضيعها .
لذلك نرى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قابل صنيعها الجميل ، وما قامت به من خدمات أحسن مقابلة .
روي عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما توفيت فاطمة بنت اسد بن هاشم
(1) زوجة أبي طالب ، ووالدة علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كفنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قميصه وصلى عليها ، وكبر عليها سبعين تكبيرة ، ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ، ويسوي عليها ، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان ، وجثا في قبرها ، فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب :
يارسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد ؟ فقال : يا عمر إن هذه المرأة كانت بمنزلة امي التي ولدتني .
**************************************************************************************************************
(1) ذكر السيد الامين في كتابه أعيان الشيعة ـ أن فاطمة بنت اسد سبقت الى الاسلام وهاجرت الى المدينة في أول الهجرة ، وروى الحاكم في المستدرك قال : كانت فاطمة بنت اسد اول هاشمية ولدت من هاشمي ، وكانت بمحل عظيم من الإيمان ، في عهد رسول الله وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 241 ـ
إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة ، وكان يجمعنا على طعامه ، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيباً فأعود فيه .
روى صاحب أعلام النساء : أن فاطمة بنت أسد لما توفيت بالمدينة ، ألبسها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قميصه ، واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه ؟
فقال : إِنه لم يكن أحد بعد ابي طالب أبر بي منها ، إِنما البستها قميصي لتكتسي من حلل الجنة ، وأضطجعت معها ليهون عليها الحساب
(1) .
أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم :
كانت أروى مثال المرأة المسلمة ، جاهدت في سبيل الله بلسانها وبيانها ، في كل دور من أدوار الإسلام الذي مرَّ عليها ، ولم تأل جهداً في أداء النصيحة وإرشاد الناس الى سلوك طريق العدل والانصاف ، وإرجاع كل ذي حق حقه ، بكل ما تقدر عليه ، غير هيابة ولا وجلة ، لا تأخذها في الله لومة لائم .
ولا غرابة فقد كانت السيدة أروى فريدة زمانها ، وبليغة عصرها إذا خطبت أعجزت ، وإن تكلمت أوجزت لإنها إبنة البلاغة ومعدن الفصاحة .
ومن جملة نصحها للإسلام ، وإرجاع الحق الى أهله ، دخولها على معاوية بن أبي سفيان وهو في أبهة سلطانه ، وشموخه بأنفه بين أعوانه .
*********************************************************************************************************
(1) ذكر صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اكثر المؤرخين وأصحاب السير ، كالسيد الامين في ايمان الشيعة وعمر رضا كحالة في أعلام النساء والسيد علي فضل الله الحسني في كتابه الاخلاق الاسلامية وغيرهم .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 242 ـ
دخلت عليه تؤنبه وتقرعه لتنكبه جادة الحق ، وسلوكه طريق الباطل واغتصابه الخلافة من أهلها الشرعيين .
حديث اروى بنت الحارث بن عبد المطلب مع معاوية :
ذكر ابن طيفور مروياً عن أنس بن مالك قال :
( دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب ، على معاوية بن أبي سفيان بالموسم ، وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها قال : مرحباً بك يا عمة قالت :
كيف أنت يا ابن أخي ، لقد كفرت بعدي بالنعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك ، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام .
ولقد كفرتم بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأسعر منكم الخدود ، حتى رد الله الحق الى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ونبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون .
فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً حتى قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته شريفاً عند الله مرضياً ، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم .
وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : ( يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) ولم يجمع بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنة ، وغايتكم النار .
قال عمرو بن العاص : أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك وغضي من
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 243 ـ
طرفك ، قالت : ومن أنت لا أمَّ لك قال : عمرو بن العاص ، قالت : يا ابن اللخناء النابغة ، اتكلمني ...! اربع على ظلعك ، وأعن بشأن نفسك ، فوالله مما أنت من قريش في اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه ابوك ، ولقد رأيت امك أيام منى مع كل عبد عاهر ( أي فاجر ) فأتمَّ بهم فإنك بهم أشبه .
فقال مروان بن الحكم : أيتها العجوز الضالة ، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك ، فلا تجوز شهادتك ، قالت : يا بني أتتكلم ! فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته ، وظاهر دمامته ، لقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر اللامة سبط الشعر ، وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب ، فاسأل امك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن ابيك إن صدقت .
ثم التفتت إلى معاوية فقالت : والله ما عرضني لهؤلاء غيرك ، وإن أمك القائلة في يوم أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه :
نحن جزيناكم بيوم iiبدر والحرب يوم الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من iiصبر أبي وعمي وأخي iiوصهري شفيت وحشي غليل iiصدري شفيت نفسي وقضيت iiنذري فشكر وحشي علي عمري حتى تغيب أعظمي في iiقبري |
فأجبتها بقولي :
ا بنت رقّاع عظيم الكفر خزيت في بدر وغير iiبدر صبحك الله قبيل iiالفجر بالهاشميين الطوال الزهر بكل قطاع حسام يفري حمزة ليثي وعلي صقري |
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 244 ـ
إذ رام شبيب وأبوك iiغدر أعطيت وحشياً ضمير الصدر هتَّكَ وحشي حجاب iiالستر ما للبغايا بعدها من فخر |
فقال معاوية لمروان وعمرو : ويلكما أنتما عرضتماني لها ، وأسمعتماني ما أكره .
ثم قال لها : يا عمة اقصدي قصد حاجتك ، ودعي عنك أساطير النساء ، قالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار .
قال : ما تصنعين يا عمة بألفي دينار ؟ قالت : أشتري بها عيناً خرخارة ، في أرض خوارة تكون لولد الحارث بن عبد المطلب .
قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : ازوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم ...
قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟
قالت: أستعين بها على عسر المدينة ، وزيارة بيت الله الحرام .
قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك نعم وكرامة .
ثم قال : أما والله لو كان علي ما أمر لك بها ...
قالت : صدقت إن علياً أدَّى الأمانة ، وعمل بأمر الله وأخذ به ، وأنت ضيعت أمانتك وخنت الله في ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها ، وبينها فلم تأخذ ، ودعانا ( أي علي ) الى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا ، فشغل بحربك عن وضع الامور مواضعها ، وما سألتك من مالك شيئاً فتمنَّ به ، إنما سألتك من حقنا ، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا .
أتذكر علياً فضَّ الله فاك ... وأجهد بلاءك ، ثم علا بكاؤها وقالت :
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 245 ـ
ألا يا عين ويحك أسعدينا ألا وابكي أمير iiالمؤمنينا رزينا خير من ركب المطايا وفارسها ومن ركب iiالسفينا ومن لبس النعال او iiاحتذاها ومن قرأ المثاني iiوالمئينا إذا استقبلت وجه ابي iiحسن رأيت البدر راع iiالناظرينا ولا واللّه لا أنسى iiعلياً وحسن صلاته في iiالراكعينا أفي الشهر الحرام فجعتمونا بخير الناس طرّاً أجمعينا (1) |
وفي رواية : قال لها معاوية : عفا الله عما سلف يا خالة ، هاتِ حاجتك .
قالت : مالي إليك حاجة ، وخرجت عنه .
فقال معاوية لأصحابه : والله لو كلمها من في مجلسي جميعاً ، لأجابت كل واحد بغير ما تجيب به الآخر . وإِن نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم .
************************************************************************************************
(1) بلاغات النساء لابن طيفور والعقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي وغيرهما .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 246 ـ
مساهمة المرأة في نصرة الاسلام
لقد سارعت المرأة إلى نصرة الإسلام ، مندفعة بكل ما تملكه من شجاعة وإقدام وتضحية في سبيل الدين والعقيدة .
ولا بأس بأن نذكر بعض النساء اللواتي ساهمن مساهمة فعالة ، في نصرة الحق والدفاع عنه ، بما يتلاءم مع كيانهن وطبيعتهن ، وذلك ضمن نطاق الحشمة والأدب والشرع الشريف .
أم رعلة القشيرية :
( سيدة من ربات الفصاحة والبلاغة ، وفدت على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ... أنا من ذوات الخدور ، ومحل ازر البعول ، ومربيات الأولاد ، وممهدات المهاد ، ولا حظّ لنا في الجيش الأعظم ، فعلمنا شيئاً يقربنا من الله عز وجل .
فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليكن بذكر الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار ، وغض البصر وخفض الصوت .
ثم أقبلت بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى المدينة فحزنت عليه حزناً شديداً وأخذت بالحسن والحسين تطوف بهما بأزقة المدينة ، وهي تبكي بكاءً مراً ، وترثيه برثاءٍ مؤلم منه :
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 247 ـ
يا دار فاطمة المعمور ساحتها هيجت لي حزناً حييت من iiدار |
فهاجت المدينة لمأتمها ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وأهلها يبكون
(1) .
ام ورقة بنت عبد الله بن الحارث الانصارية :
كانت من فواضل نساء عصرها ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يزورها ويسميها الشهيدة ، ولما غزا رسول الله بدراً قالت له : إِيذن لي أن اخرج معكم ، أداوي جراحكم ، وأمرض مرضاكم ، لعل الله يهدي إِلي الشهادة .
فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن الله يهديك الشهادة ، وقري في بيتك فإنك شهيدة ...
وكانت جمعت القرآن فأمرها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تؤم أهل دارها ، وكان لها مؤذن ... وكانت تؤم أهل دارها ، حتى قتلت ... فقالوا : صدق رسول الله ... إِنها شهيدة
(2) .
سبيعة بنت الحرث الاسلمية :
قال ابن عباس :
(3) صالح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحديبية مشركي مكة ، على من اتاه من اهل مكة ، رده عليهم ، ومن اتى اهل مكة من اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو لهم ، ولم يردوه عليه ، وكتبوا بذلك كتاباً ، وختموا عليه .
فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية ، مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ،
**************************************************************************************
(1) الاصابة لابن حجر ـ وأعلام النساء لعمر رضا كحالة وغيرهما .
(2) طبقات ابن سعد الكبرى ـ تهذيب التهذيب لابن حجر .
(3) عن مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 248 ـ
والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحديبية ، فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم قال مقاتل هو ( صيف بن الراهب ) في طلبها وكان كافراً فقال :
يا محمد اردد علي امرأتي ... فإِنك قد شرطت لنا ، ان ترد علينا من اتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ... فنزلت الآية :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
(1) .
قال ابن عباس : إِذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفار ، الى دار الإسلام ، فامتحنوهن ... امتحانهن أن يستحلفن ، ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة عن ارض الى ارض ، ولا التماس دنيا ، وما خرجت إلا حباً لله ورسوله .
فاستحلفها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما خرجت بغضاً لزوجها ، ولا عشقاً لرجل منا ، و لا خرجت إلا رغبة في الإسلام .
فحلفت ... بالله الذي لا إله إلا هو ... على ذلك فأعطى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زوجها مهرها ، وما أنفق عليها ، ولم يردها عليه .
ام كلثوم بنت عقبة :
قال الجبائي :
(2) إن ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، جاءت مسلمة ،
*********************************************************
(1) سورة الممتحنة ـ آية ـ 10 .
(2) مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 249 ـ
مهاجرة من مكة ، فجاء اخواها الوليد ... وعمارة ، الى المدينة فسألا رسول الله ردها عليهما .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الشرط بيننا في الرجال لا في النساء ، فلم يردها عليهما .
قال الجبائي : وإنما لم يجر هذا الشرط في النساء ، لأن المرأة إذا اسلمت ، لم تحل لزوجها الكافر !! فكيف ترد عليه وقد وقعت الفرقة بينهما .
زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
قال الشعبي :
(1) كانت زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) امرأة أبي العاص بن الربيع ، فأسلمت ، ولحقت بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المدينة .
وأقام ابو العاص مشركاً بمكة ، ثم أتى الى المدينة فأمنته زينب ، ثم أسلم فردها عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقال الجبائي : لم يدخل في شرط صلح الحديبية ، إلا رد الرجال دون النساء المسلمات ، ولحقن بالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمثال : أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وأميمة بنت بشر وغيرهن كثيرات مما يضيق المجال عن ذكرهن .
ام رميثة بنت عمر بن هاشم بن عبد المطلب :
مجاهدة جليلة ، وسيدة عاقلة ، اسلمت ، وبايعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح خيبر ، وأطعمها رسول الله أربعين وسقاً تمراً وخمسة اوسق شعير
(2) .
****************************************************************************
(1) مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي .
(2) سيرة ابن هشام ـ تاريخ الطبري ـ الإصابة لابن حجر .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 250 ـ
ام حكيم بنت الحارث المخزومية :
مجاهدة جليلة ، أسلمت يوم الفتح ، واستأمنت لزوجها عكرمة بن ابي جهل ، فأمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرجت في طلبه وقد هرب الى اليمن فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر ، فجعلت تصيح إليه وتقول :
يا ابن عم ، جئتك من أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك ، وقد استأمنت لك منه ، فأمنك ، فقال : أنتِ فعلت ذلك ؟ قالت : نعم أنا كلمته فأمنك ، فرجع معها .
ولما وصل عكرمة ، وانتهى الى باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته معه ، فسبقته ، فاستأذنت على الرسول ، فدخلت وأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقدوم عكرمة ، فدخل عكرمة وأسلم .
وشهدت أم حكيم وقعة اليرموك
(1) وأبلت فيها بلاءً حسناً فقاتلت فيها أشد القتال .
وفي وقعة مرج الصغر ، خرجت بعمود الفسطاط ، فقتلت سبعة من الروم
(2) .
ام حبيب بنت العاص القرشية
مجاهدة جليلة ، أدركت عصر النبي ، ولها صحبة ، وشهدت اليرموك ، وحرضت الرجال على القتال ، لما شدَّ طرف من الروم على عمرو بن العاص ، فانكشف هو وأصحابه ، حتى دخلوا أول المعسكر وهم في ذلك يقاتلون ويشدون .
****************************************************************************
(1) اليرموك : وادٍ بناحية الغور ـ ومرج الصغر واقع بنواحي دمشق .
(2) تاريخ الطبري ـ طبقات ابن سعد ـ سيرة ابن هشام .