الفهرس العام

متى بايع عليّ ؟


الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 26 _

   ووجدنا في أهل السنة المعاصرين من يخالف أسلافه في إنكار النص ، إنما يصحّح خلافة من تقدّم على علي بدعوى الإمام عن الامامة ، وهو في هذا تبع للمعتزلة ... وسيأتي كلامه .

  
متى بايع عليّ ؟

   قد ثبت أنّه بايع بعد وفاة الزهراء ، وبعد انصراف وجوه الناس عنه ... كما في نصّ الحديث ... وكانت المدّة ستة أشهر ... وتفيد الأحاديث : أنّ الزهراء لو بقيت أضعاف هذه المدّة لما بايعت ولما بايع علي ... ولكنّها لحقت بأبيها ، وبقي على وحده ، فاضطّر إلى البيعة ، قال :
   " فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى ، وشربت على الشجا ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمرّ من طعم العلقم " (1) .
   وقال : " اللّهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم قد قطعوا رحمي ، وأكفؤوا إنائي ، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري ، وقالوا : ألا إنّ في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تمنعه ، فاصبر مغموماً ، أو مت متأسّفاً . فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد ، إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنيّة ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجا ، وصبرت من كاظم الغيظ على أمرّ من العلقم ، وآلم للقلب من وخز الشغار " (2) ، وقال في كتابٍ له إلى معاوية :
   " وزعمت أني لكلّ الخلفاء حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، فإن يكن ذلك

---------------------------
(1) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : 68 .
(2) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : 336 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 27 _

كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر اليك : وتلك شكاة ظاهر عنك عارها .
   وقلت : إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع .
   ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت ! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ، ولا مرتاباً بيقينه ! وهذه حجتّي إلى غيرك قصدها ، ولكنّي أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها " (1) .
   هذا كلّه ، مضافاً إلى الخطبة الشقشقية المشهورة ، وغيرها من كلماته المعروفة في خطبة وكتبه .

علي في الشورى وقوله : لأسلمنّ ... :

   وفي الشّورى ... طالب عليه السّلام بحقّه ، وصرّح بحرصه عليه منذ اليوم الأول ، ففي خطبةٍ له :
   " وقد قال قائل : إنّك على هذا الأمر ـ يا ابن أبي طالب ـ لحريص !
   فقلت : بل أنتم ـ والله ـ لأحرص وأبعد ، وأنا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه .
   فلمّا قرعته بالحجّة الملأ الحاضرين هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به .
   أللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم قطعا رحمي ، وصغّروا غظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمرأ هو لي ، ثم قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه " (2) .
   " ومن خطبةٍ له عليه السلام : لّما عزموا على بيعة عثمان : لقد علمتم أني

---------------------------
(1) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : 387 .
(2) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : 246 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 28 _

أحق بها من غيري ، ووالله لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة ، إلتماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه " (1) .
   فهو عليه السلام في هذا الكلام أيضاً يصرّح بأنه أحقّ بالامامة من غيره مطلقاً ، ويقول للقوم بأنّكم عالمون بذلك ، ولم يقل قوله : " والله لأسلمنّ ... " إلاّ بعد أن ناشد القوم بحقّه ، وبعد أن هدّدوه بالقتل إن لم يبايع :
   يقول ابن أبي الحديد : " ونحن نذكر ـ في هذا الموضع ـ ما استفاض من الروايات من مناشدته أصحاب الشورى ، وتعديده فضائله وخصائصه ، التي بان بها منهم ومن غيرهم . وقد روى الناس ذلك فأكثروا ، والذي صحّ عندنا أنه لم يكن الأمر كما روي من تلك التعديدات الطويلة ، ولكنه قال لهم ، بعد أن بايع عبدالرحمن والحاضرون عثمان ، وتلكّأ هو عليه السلام عن البيعة :
   إنّ لنا حقّاً إن نعطه نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى ـ في كلام ذكره أهل السيرة ، وقد أوردنا بعضه فيما تقدم ـ ثم قال لهم :
   أنشدكم الله ، أفيكم أحد آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبين نفسه حيث آخى بين المسلمين وبعضٍ ، غيري ؟
   فقالوا : لا .
   فقال : أفيكم أحد قال له رسول الله : من كنت مولاه فهذا مولاه ، غيري ؟
   فقالوا : لا .
   فقال : أفيكم أحد قال له رسول الله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ، غيري ؟
   قالوا : لا .

---------------------------
(1) نهج البلاغة صبحي الصالح : 102 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 29 _

   قال : أفيكم من أوتمن على سورة براءة وقال له رسول الله : إنّه لا يؤدي عني إلاّ أنا أو رجل مني ، غيري ؟    قالوا : لا .
   قال : أتعلمون أنّ أصحاب رسول الله فرّوا عنه في مأقط الحرب في غير موطن ، وما فررت قط ؟
   قالوا : بلى .
   قال : أتعلمون أني أول الناس إسلاماً ؟
   قالوا : بلى .
   قال : فأيّنا أقرب إلى رسول الله نسباً ؟
   قالوا : أنت .
   فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف كلامه وقال : يا علي : قد أبى الناس إلاّ على عثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً .
   ثم قال : يا أبا طلحة ، ما الذي أمرك به عمر ؟
   قال : أن أقتل من شق عصا الجماعة .
   فقال عبد الرحمن لعلي : بايع إذن ، وإلاّ كنت متّبعاً غير سبيل المؤمنين ، وأنفذنا فيك ما أمرنا به .
   فقال : لقد علمتم أني أحق بها من غيري ، ووالله لأسلمنّ ... ثم مدّ يده فبايع " (1) .
   فهذا واقع الحال في الشوري وقبلها ...

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 6 | 167 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 30 _

رأي عليّ في خلافة من تقدّمه :

   وبما ذكرنا يظهر رأي الامام عليه السلام في خلافة من تقدّمه وموقفه منهم ... وأنه ما كان بإمكانه من أن يتخّذ موقفاً تجاههم ... فقول بعض أهل السنة المعاصرين (1) :
   " لو أنّ علياً ـ كرّم الله وجهه ـ اتخذ يوم السقيفة موقفاً مستقلاً ، اتخذ يوم استخلاف أبي بكر لعمر موقفاً مستقلاً ، أو يوم الشورى التي بويع على أعقابها لعثمان موقفاً مستقلاً ، إذن لتركنا كلّ نهج ، واتّبعنا نهج علي . آية هذا الاعتقاد : إن علياً لمّا اتخذ موقفاً صريحاً أمام أيام الفتنة من معاوية اتّجه جمهور المسلمين إلى ما اتّجه إليه علي " .
   تجاهل عن الواقع ... وقد سبقه إلى هذا القول جماعة من أعلام المعتزلة ...
   يقول ابن أبي الحديد : " وقد صرّح شيخنا أبو القاسم البلخي بهذا ، وصرّح به تلامذته وقالوا : لو نازع عقيب وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وسلّ سيفه لحكمنا بهلاك كلّ من خالفه وتقدّم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة ، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها ،وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها " قال ابن أبي الحديد : " وهذا المذهب هو أعدل المذاهب عندي وبه أقول " (2) .
   وهذا عجيب للغاية !
   يقولون : " لو نازع ... "

---------------------------
(1) هو الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الشامي .
(2) شرح نهج البلاغة 2 | 296 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 31 _

   وتقول الأحاديث الصحيحة : كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت انصرفت وجوه الناس عنه ، وعند ذاك بايع أبا بكر !
   ويقول هو : " وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر ... " ويقول : " فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت ... " .
   ويقولون : أمسك !
   يقول : صبرت ...
   ويقولون : ضحّى ، تنازل ، أغضى ... !

موقف عليّ من معاوية :

   وأمّا موقف الامام عليه السلام من معاوية فقد اختلف تماماً ، لأن ظروفه أختلفت ، فما كان يشكو منه سابقاً ـ وهو عدم المعين إلاّ أهل بيته ـ منتفٍ الآن ... لقد وجد الآن من يعينه على أمره ، لقد بايعه المسلمون وعلى رأسهم المهاجرون والأنصار ، وأعلنوا الوقوف معه ضد كلّ من يبغي عليه ، وهم يعرفون معاوية واسلافه وفئته الباغية ... لكنّ الامام عليه السلام لم ينابذه الحرب الاّ بعد أن أرسل إليه الرّسل والكتب ، وأتّم عليه الحجج ... وقد كان ممّا قال له :
   " إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر عمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنّما الشورى للمهاجرين والإنصار ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً كان ذلك الله رضىً ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاّه الله ما تولّى " (1) .
   وقد جاء هذا المعنى في خطبةٍ له عليه السلام :
   " أيها الناس ، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله

---------------------------
(1) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : 366 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 32 _

  فيه ، فإن شغب شاغب استعتب ، فإن أبي قوتل ، ولعمرى ، لئن كانت الامامة لا تنعقد حتى يحضرها عامّة الناس ، فما الى ذلك سبيل ، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ، ثم ليس للشاهد أن يرجع ، ولا الغائب أن يختار ، ألا وإني أقاتل رجلين ، رجلاً ادعى ما ليس له ، وآخر منع الذي عليه " (1) .
   إذن ، يعتبر في الامام النص والأفضلية ، كالنصوص والفضائل التي ناشد به أصحاب الشورى ، والمقصود هم والذين سبقوهم ، وكالأعلّمية التي ذكرها في الخطبة المذكورة هذه ... فإن بايع المهاجرون والأنصار كان " أقواهم عليه " ... وكان على الآخرين المتابعة والطّاعة .
   وقد توهّم بعض المتكلّمين من أهل السنة ، كالشيخ عبدالعزيز الدهلوي صاحب ( التحفة الاثنا عشريّة ) فتمسّك بما جاء في كتاب الامام عليه السلام الى معاوية وجعله معارضاً لحديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ... غافلاً عن أنّ احتجاج الامام عليه السلام بما ذكره إنّما هو لإلزام معاوية ، لكونه يرى صحّة امامة أبي بكر وعمر وعثمان لبيعة المهاجرين والأنصار فقد بايعوني كلّهم ... ولو أنّهم جميعهم اجتمعوا على أمرٍ كان لله فيه رضىً ، لأنّه حينئذٍ يكون فيهم المعصوم الذي فعله حجة ... لكنّ الواقع عدم تحقّق هكذا اجماعٍ على واحد من الثلاثة ... فما ذكره الامام لمعاوية ليس إلاً للالزام .

أثر علم الكلام في التشيّع :

   وكما ذكرنا من قبل ... فإنّ الاستدلال إن كان منطقياً والبحث سليماً ، وكانت الأدلة على أسس رصينةٍ وقواعد متينة ... فلا شك في تأثيره في القلوب الطالبة للحق ، المحبّة للخير والفلاح ...

---------------------------
(1) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : 247 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 33 _

وبالفعل ... فقد كان لعلم الكلام وأساليبه الصحيحة المستندة الى الكتاب والسنة والعقل السليم الاثر البالغ في تقدم مذهب الامامية وتشيّع الأمم ...
   ويكفينا ـ في هذا المجال ـ ذكر سبب تشيع أهالي جبل عامل (1) عن أحد كبار علماء تلك المنطقة :
   " روي أنّه لمّا مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لم يكن من شيعة علي عليه السلام إلاّ أربعة مخلصون : سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر ، وعمّار . ثم يتبّعهم جماعة قليلون اثنا عشر ، وكانوا يزيدون ويكثرون بالتدريج ، حتى بلغوا ألفاً وأكثر ، ثم في زمن عثمان لمّا أخرج أبا ذر إلى الشام بقي أيّاماً ، فتشّيع جماعة كثيرة ، ثم أخرجه معاوية إلى القرى ، فوقع في جبل عامل ، فتشيّعوا من ذلك اليوم ... فظهر أنه لم يسبق أهل جبل عامل في التشيّع إلاّ جماعة محصورون من أهل المدينة ، وقد كان أيضاً في مكة والطائف واليمن والعراق والعجم شيعة قليلون ، وكان أكثر الشيعة في ذلك الوقت أهل جبل عامل (2) .
   ومن هنا قال السيد الصّدر العاملي ـ في فصل علم الكلام ـ : " وأمّا أوّل من ناظر في التشيّع .. هو المولى الأعظم والإمام الأقدم ، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أبوذر الغفاري ، رضي الله تعالى عنه " ثم ذكر الكلام السّابق وغيره وتشيع أهالي جبل عامل على يده (3) .

---------------------------
(1) إنما اخترنا هذا المورد للاستشهاد تنبيهاً على كلمةٍ لأحد علماء هذه المنطقة يقول فيما وهو يتهجّم على علم الكلام : " لم يتشيّع سنيّ إلاّ على مستوى الأفراد والقناعات " .
(2) أمل الآمل في علماء جبل عامل 1 | 13 .
(3) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام : 351 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 34 _

4 ـ هذا الكتاب :

   وكتابنا هذا يضّم بين دفّتيه مباحث "الامامة " في " أهم الكتب الكلاميّة " ... إنه يشتمل :    على مباحث الامامة في كتاب ( شرح المواقف ) للسيد الجرجاني ، و ( المواقف ) للقاضي عضد الدين الايجي ... مع تعليقتنا : ( الطرائف على شرح المواقف ) .
   وعلى مباحث الامامة في كتاب ( شرح المقاصد ) للسّعد التفتازاني ، مع تعليقتنا عليه : ( المراصد على شرح المقاصد ) .
   وقد تعرضنا في خلال ( الطرائف ) و ( المراصد ) لبعض الكتب الكلامية الأخرى ، من قبيل ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر المكي ، و ( إبطال الباطل ) لابن روزبهان الخنجي ، و ( التحفة الاثنا عشرية ) لعبد العزيز الدهلوي .
   إنّه بحث مقارن حول ( الامامة ) من جميع جوانبها ... وسيرى القارئ الكريم أنّا في جميع بحوثنا وتعاليقنا على الكلمات ، لم ننقل إلاّ عن كتب السنّة ، إذ لا تردّ كلماتهم إلاّ بكتبهم وروياتهم ، لأنّ كتب الشيعة ليست بحجةٍ إلاّ على الشيعة أنفسهم ، أما إذا إجبنا عن كلام للسنّة من كتبهم فقد جاء الجواب متفّقاً عليه بين الطّرفين ، ولا مناص من الأخذ به والتسليم له ...
   على رسائل تحقيقّية كتبتها حول أحاديث استندوا إليها في هذه الكتب ، فجاءت بحوثاً علميّة تعالج قضايا من تاريخ الاسلام وتبيّن الواقع والحقيقة في أشياء منسوبة في كتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 35 _

   وقد جاء وصفنا للكتابين ( شرح المواقف ) و ( شرح المقاصد ) بـ " أهم الكتب الكلاميّة "
   وبالنظر إلى كلمات العلماء من السنة في وصف ( المواقف ) و ( شرحه ) و ( شرح المقاصد ) وفي الثناء على مؤلّفي هذه الكتب ، وأيضاً بالنّظر إلى الشروح والحواشي الموضوعة عليها ...

كتاب المواقف :

   أمّا ( كتاب المواقف في علم الكلام ) فقد قال الإيجي في مقدّمته :
   " وإني قد طالعت ما وقع إليّ من الكتب المصنفة في الفن ، فلم أر فيها ما فيه شفاء لعليل أو رواء لغليل ، سيّما والهمم قاصرة ، والرغبات فاترة ، والدواعي قليلة والصوارف متكاثرة ... إلى أن كتب هذا كتاباً مقتصداً لا مطوّلاً ممّلاً ولا مختصراً مخلاً أودعته لبّ الألباب وميزّت فيه القشر من اللباب ، ولم آل جهداً في تحرير المطالب وتقرير المذاهب وتركت الحجج تتبختر اتضاحاً والشبه تتضاءل افتضاحاً ، ونبّهت في النقد والتزييف والهدم والترصيف على نكتٍ هي ينابيع التحقيق ، وفقر تهدي إلى مظانّ التدقيق " .
   وقال الشريف في وصفه : " وممّا صنف فيه من الكتب المنقّحة المعتبرة ، وألّف فيه من الزبر المهذبة المحررة ، كتاب المواقف الذي احتوى من أصوله وقواعده على أهمّها وأولادها ، ومن شعبه وفوائده على ألطفها وأسناها ، ومن دلائله العقلية على أعمدها وأجلاها ، ومن شواهده النقليّة على أفيدها وأجداها ، كيف لا ، وقد انطوا على خلاصة أبكار الأفكار ، وزبدة نهاية العقول والأظار ، ومحصّل ما لخّصه لسان التحقيق ، وملخّص ما حرّره بنان التدقيق ، في ضمن عباراتٍ رائقة معجزة ، واشارات شائقة موجزة ، فصار بذلك في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار ، واستمال بصائر أولي الأبصار ، من أذكياء الأمصار والأقطار ... " .
   وقال الشوكاني بترجمة الايجي : " له المواقف في علم الكلام ومقدّماته ، وهو كتاب يقصر عنه الوصف ، لا يستغني عنه من رام تحقيق الفن " .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 36 _

ترجمة القاضي الإيجي :

   وقد ترجم للقاضي الايجي علماء عصره والمتأخّرون عنه ووصفوه بقاضي قضاة الشرق وشيخ العلماء وشيخ الشافعية في بلاده . قالوا : " كان إماماً في المعقولات محققاً مدّققاً قائماً بالأصول والمعاني والعربيّة ، ومشاركاً في الفقه وغيره من الفنون " ونصوّا على أنه " أنجب تلاميذ اشتهروا في الآفاق " وذكروا فيهم التفتازاني .
   الدرر الكامنة 2 | 323 ، البدر الطالع 1 | 326 ، شذرات الذهب 6 | 174 طبقات الشافعية للأسنوي 2 | 179 ، بغية الوعاة : 296 . وغيرها .

ترجمة الشريف :

   وكذا ترجموا للسيّد الجرجاني المتوفى في أواخر القرن السابع أو أوائل القرن الثامن ، ووصفوه بـ " عالم بلاد الشرق ، كان علاّمة دهره " " صار إماماً في جميع العلوم العقلية وغيرها ، ومتفرّداً بها مصنّفاً في جميع أنواعها ، متبّحراً في دقيقها وجليلها ، وطار صيته في الآفاق ، وانتفع الناس بمصنفاته في جميع البلاد ، وهي مشهورة في كلّ فن ، يحتج بها أكابر العلماء وينقلون منها ، ويوردون ويصدرون عنها " ثم ذكروا من مصنفاته المشهورة : ( شرح المواقف ) ، وأضاف الشوكاني : " تصدى للإقراء والإفتاء ، وأخذ عنه الأكابر وبالغوا في تعطيمة ، لا سيّما علماء العجم والروم ، فإنهم جعلوه هو والسعد التفتازاني حجةً في علومهما " .
   الضوء اللامع 5 | 328 ، البدر الطالع 1 | 488 ، الفوائد البهية : 125 ، بغية الوعاة : 351 مفتاح السعادة 1 | 167 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 37 _

   الشّروح والحواشي على المواقف وشرحها :
   وفي كشف الظنون : " المواقف في علم الكلام . وهو كتاب جليل القدر ، رفيع الشأن ، اعتنى به الفضلاء ، فشرحه السيد الشريف ، وشرحه شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني ...
   وكتب على شرح الشريف جماعة ، تعرّض كل منهم لحلّ مغلقاته ... "
   ثم ذكر الشروح والحواشي على المتن والشرح ، وهي كثيرة جداً ... (1) .

كتاب شرح المقاصد :

   وأما ( شرح المقاصد ) فيقول التفتازاني عنه : " أخذت في تصنيف مختصر موسوم بالمقاصد ، منظوم فيها غرر الفوائد ودرر الفرائد ، وشرح له يتضّمن بسط موجزه وحل ملغزه ، وتفصيل مجمله وتبيين معضله ، مع تحقيق للمقاصد وفق ما يرتاد ، وتدقيق للمعاقد فوق ما يعتاد " .
   وقال كاشف الظنون : " المقاصد في علم الكلام ... وله عليه شرح جامع ... " ثم ذكر عدّة من الحواشي المكتوبة عليه (2) .

ترجمة التفتازاني :

   وهكذا تجد كلماتهم بترجمة التفتازاني المتوفى سنة 791 تقريباً ، فقد وصفه الحافظ ابن حجر بـ " الامام العلامة ، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها ، أخذ عن القطب والعضد ، وتقدم في الفنون ، واشتهر

---------------------------
(1) كشف الظنون 2 | 1891 .
(2) كشف الظنون 2 | 1780 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 38 _

   ذكره وطار صيته ، وانتفع الناس بتصانيفه ، وكان في لسانه لكنة ، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق " وكذا قال السيوطي وابن العماد والشوكاني وأضاف : " وبالجملة فصاحب الترجمة متفرد بعلومه في القرن الثامن ، لم يكن له في أهله نظير فيها ، وله من ألحظ والشهرة والصيّت في أهل عصره فمن بعدهم ما لا يلحق به غيره ، ومصنفاته قد طارت في حياته إلى جميع البلدان ، وتنافس الناس في تحصيلها ... " .
   الدرر الكامنة 4 | 350 ، بغية الوعاة : 391 ، شذرات الذهب 6 | 319 ، البدر الطالع 2 | 303 ، مفتاح السعادة 1 | 165 .

كلمة الختام :

   هذا ، وأرجو الله سبحانه أن ينفع بهذا الكتاب كلّ باحثٍ حرٍّ ، يريد الوقوف على موارد الخلاف بين الشيعة والسنة في مباحث الامامة ، وينظر اليها بعين الانصاف خالياً عن التعصّب والاعتساف ، فيتّبع أحسنه وأقربه إلى الكتاب والسّنة والعقل ، فيفوز بنظام المعاش ونجاة المعاد ...
   والله هو الهادي ، وهو الموفق لما فيه الخير والرشاد .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 41_

الطّرائف
على شرح المواقف

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 43_

المرصد الرّابع
في الإمامة ومباحثها

   ( ليست من اصول الديانات والعقائد ، خلافاً للشيعة ، بل هي عندنا من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين ، إذ نصب الامام عندنا واجب على الأمّة سمعاً ) . أقول :
   أما أن نصب الامام واجب على الله كما هو الحق أو على الأمة كما يقولون ؟ فسيأتي البحث عنه قريباً .

الإمامة من الأصول والعقائد :

   وأما أن الإمامة من أصول الديانات والعقائد أو هي من الفروع ؟ فالحق : أنها من الأصول كالنّبوة ، وممّا يدلّ على ذلك الحديث الصحيح المتّفق عليه الصريح في أنّ " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً " وقد روي بألفاظ مختلفة والمعنى واحد وهو ما ذكرناه ، فهو باللفظ المذكور في عدة من الكتب كشرح المقاصد 5 | 239 ، وبلفظ " من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية " في مسند أحمد

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 44_

  4 | 96 وغيره ، وبلفظ : " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " في سنن البيهقي 8 | 156 وغيره ، وله ألفاظ أخرى .
   فإنّه دليل صريح على وجوب معرفة الإمام والإعتقاد بولايته الإلهيّة ووجوب طاعته والإنقياد له ، وأن الجاهل به أو الجاحد له يموت على الكفر كما هو الحال بالنسبة إلى نبوّة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وبما ذكرناه غنىً وكفاية عن غيره من الأدلة .
   وعن جماعة من الأشاعرة كالقاضي البيضاوي موافقة الإمامية في أن الإمامة أصل من أصول الدين ، وعن بعضهم كالتفتازاني أنها بعلم الفروع أليق !

تعريف الإمامة :

قوله ( 345 ) :
   ( ولابدّ من تعريفها أولاً ) .
أقول : إن " الإمام " هو المؤتّم به ، أي المتبّع والمقتدى ... قال تعالى لإبراهيم عليه السلام : ( إنّي جاعلك للناس إماماً ) وأما تعريف الإمامة فالظاهر أن لا خلاف فيه .
   قال العلامة الحلي رحمه الله بتعريف الإمامة : " الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم " ، وقال المقداد السيّوري رحمه الله بشرحه : " الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ انساني ، فالرياسة جنس قريب ، والجنس البعيد هو النسبة ، وكونها عامة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنواب ، وفي أمور الدين والدنيا بيان لمتعلّقها ، فإنّها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا ، وكونها لشخص إنساني فيه إشارة إلى أمرين :
   أحدهما : أن مستحقّها يكون شخصاً معيّناً معهوداً من الله تعالى ورسوله

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 45_

لا أيّ شخص إتفق .
   وثانيهما : إنه لا يجوز أن يكون مستحقّها أكثر من واحد في عصر واحد .
   وزاد بعض الفضلاء في التعريف بحقّ الأصالة ، وقال في تعريفها : الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحق الأصالة ، واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية ، فإنّ رياسته عامة لكن ليست بالاصالة ، والحق : أن ذلك يخرج بقيد العموم ، فإنّ النائب المذكور لا رياسة له على إمامه ، فلا يكون رياسته عامة .
   ومع ذلك كلّه فالتعريف ينطبق على النبوة ، فحينئذٍ يزاد فيه : بحق النيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو بواسطة بشر " (1) .

وجوب نصب الإمام :

  قوله (345) :
   ( نصب الإمام عندنا واجب علينا سمعاً ... وقالت الإمامية والإسماعيلية : لا يجب نصب الإمام علينا ، بل على الله سبحانه ، إلاّ أنّ الإمامية أوجبوه عليه لحفظ قوانين الشرع عن التّغيير بالزيادة والنقصان ... لنا في إثبات مذهبنا أن تقول : أمّا عدم وجوبه على الله أصلاً وعدم وجوبه علينا عقلاً فقد مر ، لما تبين من أنه لا وجوب عليه تعالى ولا حكم للعقل في مثل ذلك ... ) .
وقوله (348) :
   ( إحتج الموجب النصب للإمام على الله بأنّه لطف ، لكون العبد معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية ، واللطف واجب عليه تعالى .
   والجواب بعد منع وجوب اللطف : أن اللطف الذي ذكرتموه إنما يحصل

---------------------------
(1) لنافع يوم الحشر ـ شرح الباب الحادي عشر : 44 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 46_

  بإمام ظاهر قاهر ... ) .
أقول :
   قد عرفت أنّ " الإمامة " نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وخلافة عنه في كلّ ما لأجله بعث ، فهي من توابع " النبوة " وفروعها ، فكلّ دليل قام على وجوب بعث النبي وإرسال الرسول فهو دال على وجوب نصب الإمام النائب عنه والقائم مقامه في وظائفه ...
   ومن ذلك قاعدة اللّطف ، وهو : ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، ولا حظّ له في التمكين ، ولا يبلغ الإلجاء ، لتوقّف غرض الّلطف عليه ، فإنّ المريد لفعل من غيره إذا علم أنّه لا يفعله إلاّ بفعل المريد من غير مشقة لو لم يفعله لكان ناقضاً لغرضه ، وهو قبيح عقلاً (1) .
   ولا ريب في أن " الإمام " كذلك مثل " النبي " .
   فنصب الإمام واجب على الله كبعث النبي ، لتكون ( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (2) و ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ ) (3) و ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (4) .
   وحينئذ لا يقال : " أنه لا وجوب عليه تعالى ، ولا حكم للعقل في مثل ذلك " لأنّ معنى هذا الوجوب العقلي درك العقل حسن إرسال ونصب الإمام ، إذا بذلك يعرف الله ويعبد ، وهذا هو الغرض من الخلقة حيث قال سبحانه : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (5) ، ولو تركه لكان ناقضاً لغرضه .
   فسقط منع وجوب اللّطف ، ولعلّ منشأ المنع هو الغفلة عن حقيقة

---------------------------
(1) الباب الحادي عشر : 35 .
(2) سورة الأنعام : 149 .
(3) سورة النساء : 165 .
(4) سورة الأنفال : 42 .
(5) سورة الذاريات : 56 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 47_

الإستدلال .
   وسقط أيضاً النقض بالإمام المعصوم الغائب ، ولعل منشأه الغفلة عن حقيقة الإمامة ، وتوهّم كونها السلطنة الظاهرية فحسب ... وقد عرفت أنها منصب إلهي كالنبوة ، فكما أن النبوة قد تجتمع مع السلطنة الدنيوية والحكومة الظاهرية وقد تفترق عنها والنبوة باقية ، كذلك الإمامة ... و " البعث " و " النصب " من الله في جميع الأحوال على حاله ، و " النبي " و " الامام " باقيان على النبّوة والإمامة ... وعلى الناس الإنقياد لهما والتسليم لأوامرهما ونواهيهما ... ولا إلجاء من الله كما عرفت ، فإن فعلوا إجتمعت الرئاستان وتمّ اللطف ، وإلاً افترقتا ولم تبطل النبوة والإمامة ، بل خسرت الأمة فوائد بسط اليد ونفوذ الكلمة منهما ... على أنّ وجود النبي أو الإمام الفاقد للسلطنة الظاهرية ينطوي على بركات وآثار ، حتى ولو كان غائباً عن الأبصار ...
   هذا موجز الكلام في بيان الإستدلال بقاعدة اللطف ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب الكلامية لأصحابنا الإمامية ، كالذخيرة والشّافي وتلخيصه وتجريد الإعتقاد وشرحه وغيره من كتب العلامة الحلّي وشروحها وغير ذلك ...
   واستدل أيضاً : بأنه قد ثبت أن شريعة نبيّنا عليه وآله السلام مؤبدة ، وأن المصلحة لها ثابتة إلى قيام الساعة لجميع المكلّفين ، وإذا ثبت هذا فلا بدّ لها من حافظ ، لأنّ تركها بغير حافظ إهمال لها ، وتعبّد للمكلّفين بما لا يطيقونه ويتعذّر عليهم الوصول اليه .
   وليس يخلو الحافظ لها من أن يكون جميع الأمّة أو بعضها .
   وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة ، لأن الأمّة يجوز عليها السّهو والنسيان وارتكاب الفساد والعدول عمّا علمته .
   فإذن ، لا بدّ لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو ، ليتمكّن المكلّفون من المصير إلى قوله .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 48_

   وهذا الامام الذي نذهب إليه (1) .
   وقد أشير في الكتاب إلى هذا الإستدلال وترك بلا جواب .
   واستدل أيضاً بانّه : قد ثبت أنه ليس كل ما تمسّ الحاجة إليه من الشريعة على حجّة قاطعة من تواتر أو أجماع أو ما جرى مجراهما ، بل الأدلة في كثير من ذلك كالمتكافئة ، ولولا ما ذكرناه ما فزع خصومنا إلى غلبة الظن والإستحسان وإجتهاد الراي ، وإذا ثبت ذلك ، وكنّا مكلّفين بعلم الشريعة والعمل بها ، وجب أن يكون لنا مفزع نصل من جهته إلى ما اختلف أقوال الأمة فيه .
   وهو الإمام الذي نقوله .
   وهذا دليل آخر على وجوب إمام معصوم في كلّ زمان ...
   وهناك غير ما ذكر من الأدلة .
   فهذا جملة من الأدلة العقلية على أنّ نصب الإمام بيد الله بيد الأنام ... وفي الكتاب والسنة أدلّة عديدة على أن لا دخل للناس في نصب الإمام وتعيينه ، من ذلك قوله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (2) .
   ومن ذلك ما ثبت عو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنّه لما عرض نفسه على بعض القبائل ودعاهم إلى الإسلام قال له رجل منهم :
   " أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
   قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء " (3) .

شروط الإمامة :

  قوله (349) :

---------------------------
(1) تلخيص الشافي 1 | 133 ، شرح التجريد : 285 .
(2) سورة القصص : 68 .
(3) السيرة النبوية لابن هشام 2 | 66 ، السيرة الحلبية 2 | 154 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 49_

   ( الجمهور على أن أهل الإمامة ومستحقها من هو مجتهد في الأصول والفروع ... ) .
   لم يتعرّض في هذه الشروط التي نسبها إلى " الجمهور " لمذهب أصحابنا ... فنقول : إن مذهب أصحابنا أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة ، وطريق تعيين الإمام هو النصّ أو ما يقوم مقامه لا غير ، فكلّ ما يعتبر في النبوة معتبر في الإمامة ، وكلّما ليس بمعتبر في النبوة فليس معتبراً في الإمامة ، وكما أن النبي ليس بمجتهد بل هو مبلّغ لما أمره الله تعالى بإبلاغه بالوحي كذلك الإمام فهو مبلّغ لما أخذه وتعلّمه من النبي ... قوله (350 ـ 351)
   ( وههنا صفات أخرى في أشتراطها خلاف :
   الأولى : أن يكون قرشياً ...
   الثانية : أن يكون هاشمياً ، شرطه الشيعة .
   الثالثة : أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين ، وقد شرطه الإمامية .
   الرابعة : ظهور المعجزة على يده ، إذ به يعلم صدقه في دعوى الإمامة والعصمة ، وبه قال الغلاة .
   ويبطل هذه الثلاثة أنا ندل على خلافة أبي بكر ، ولا يجب له شيء مما ذكر .
   الخامسة : أن يكون معصوماً ، شرطها الإمامية والإسماعيلية .
   ويبطله أن أبابكر لا عصمة له إتفاقاً ) .
أقول :
   أما الأول ـ وهي أن يكون قرشياً ـ فلم يتعرّض لرأي أصحابنا فيها مع أنّهم قائلون بإشتراطها ، وحديث " الأئمة من قريش " ، لم يثبت عندنا إستدلال الصحابة به بل الثابت عن عمر القول بخلافه .
   وأمّا دليل القول الآخر : وهو مارووه عن النبي صلّى الله عليه وآله سلّم أنه

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 50_

   قال : " وعليكم بالسمع والطاعة ولو عبداً حبشياً " فحديث باطل مختلق ، لكن القوم قائلون بحصته ، ولذا حمل في الكتاب وغيره على بعض الوجوه * .
   وأما الثلاثة التي بعدها فقد أبطلها بدليله على خلافة أبي بكر وكونه إماماً ، مع أنه لم يكن هاشمياً ، ولم يكن عالماً بمسائل الدين ، ولم تظهر على يده معجزة ولا كرامة ، وفي هذا الكلام ـ مع الإعتراف بجهل أبي بكر بمسائل الّدين ، وهو الواقع كما لا يخفى على من له إلمام بالأخبار والسّير والتواريخ ، والاعتراف بعدم ظهور شيء مما يقتضي أن يكون له كرامة عنه الله على يديه ـ دلالة على أنه إذا بطل دليل خلافته ثبت اعتبار تلك الصفات .
   هذا ، ولا يخفى أنه قد نسب الثانية والثالثة إلى " الشيعة " ونسب الرابعة إلى " الغلاة " ولسنا ندري من يعني من " الغلاة " ؟ ولماذا هذا التفريق ؟ مع أنّ الرابعة منصوص عليها في كتاب أصحابنا في طريق تعيين الإمام ، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : " فصل في إيجاب النص على الإمام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدالّ على إمامته " (1) .
   وقال العلاّمة الحلّي : " الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأنّ العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاً يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلا بدّ من نص من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه " (2) .
   لكن العمدة في الصفات المعتبرة ـ كما اعترف في الكتاب : 352 ـ المعصمة

---------------------------
* وقد أخرج هذا الحديث في بعض الصّحاح عن العرباض بن سارية عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في وصيّة له وموعظة للمسلمين فيها الأمر باتّباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده واطاعة من تولّى أمورهم ولو كان عبداً حبشيّاً ، وهو حديث باطل ساقط بجميع طرقه فراجع رسالتنا الخاصّة به وهي مطبوعة في مجلة " تراثنا " العدد : 26 .
(1) تلخيص الشافي 1 | 275 .
(2) الباب الحادي عشر بشرح المقداد 48 .