الفهرس العام

طريق تعيين الإمام : النبوة


الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 51 _

   والأعلميّة ... وقد نصّ على عدمهما في أبي بكر ... أما إعتبار العصمة فقد تعرض لبعض حجج أصحابنا عليه كما ستعرف ، وأما عتبار الأعلمية فسكت عن ذكر وجهه .
قوله (351) :
   ( احتجوا على إشتراط العصمة بوجهين :
   الأول : إن الحاجة إلى الإمام إمّا للتعليم ... الجواب : منع كون الحاجة اليه لأحدهما ، بل لما تقدم من دفع الضرر المظنون .
   الثاني من الوجهين قوله تعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) في جواب إبراهيم عليه السلام حين طلب الإمامة لذريته ، وغير المعصوم ظالم فلا ينال عهد الإمامة ، الجواب : لا نسلم أن الظالم من ليس بمعصوم بل من ارتكب معصيةً مسقطةً للعدالة مع عدم التوبة والإصلاح ) .
أقول :
   ليس إحتجاج أصحابنا على اشتراط العصمة منحصراً بالوجهين المذكورين ... فلقد احتجوا بوجوه من العقل والكتاب والسنة :
   أما من العقل فقد عرفت أنّ " الإمامة " خلافة النبّي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنه يعتبر في " الإمام " كل ما يعتبر في " النبي " إلاّ الوحي ... و " العصمة " معتبرة في النبّي بالإتفاق فهي معتبرة في الإمام كذلك .
وأيضاً : قد عرفت أن الغرض من نصب الإمام حفظ الشريعة وإقامة الدين وردع الظالم عن ظلمه والإنتصاف للمظلوم منه ، فلو جاز أن يكون غير معصوم يجوز منه الخطأ والغلظ والسهو والنسيان لكان ذلك نقضاً للغرض من نصبه .
   وأيضاً : لو صدرت من الإمام معصية فإن أطيع كانت إطاعته معصيةً لله ، وإن أنكر عليه وقعت الفتنة والضرر العظيم ، وهذا نقض للغرض من نصبه .
   وما ذكره من أن الحاجة إلى إلامام ليس لما تقدّم ، بل لدفع الضرّر المظنون

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 52 _

فيه : أنه إنما يدفع الضرر المظنون به إذا كان معصوماً ، والعصمة لا يعلمها إلا الله ، ولذا قلنا بوجوب نصب الإمام على الله ووجوب النصّ عليه منه ، وأما تفويض النصب إلى الخلق فإنه يوجب الإختلاف ويؤدي إلى الضرّر المطلوب زواله .
   وأما الكتاب فقد قال تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين ) (1) .
  أمّا " الظالم " فهو " عنه أهل اللغة وكثير من العلماء : واضح الشيء في غير موضعه " (2) ، وغير المعصوم كذلك كما هو واضح ، وأما " العهد " فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون (3) ـ هو " الإمامة " فمعنى الآية : أنّ غير المعصوم لا يناله الإمامة .
   فأين الجواب الذي ذكره عن هذا الإستدلال ؟
   وأمّا السنّة فأحاديث كثيرة :
   منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين فإنه نص في وجوب متابعة الأئمة من عترة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ... لكونهم معصومين ... فهو يدلّ على وجوب عصمة الإمام ... وهذا هو الحديث كما أخرجه مسلم بسنده عن زيد بن أرقم قال :
   " قال رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خّماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد ، ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ... "(4) .

---------------------------
(1) سورة البقرة 124 .
(2) قاله الراغب في المفردات : 315 .
(3) الرازي 3 | 40 ، البيضاوي : 26 ، أبو السعود 1 | 156 .
(4) صحيح مسلم 7 | 122 باب فضل علي ، وهذا الحديث تجده في سائر المسانيد والسنن وجوامع .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 53 _

   ومنها : قوله : صلّى الله عليه وآله وسلّم :
   " عليّ مع القرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض " (1) فإنه يفيد ثلاثة أمور : أحدها : معنى العصمة ، وهوعدم التخطّي عن القرآن .
   والثاني : إشتراط هذا المعنى في الإمام .
   والثالث : وجوده في علي عليه السلام .
   ومنها : قوله صلّى الله عليه وآله وسلم " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار " (2) فإنّه كسابقه في إفادة الأمور المذكورة .

طريق تعيين الإمام النبوة

  قوله (351) :
   ( وتثبت أيضاً ببيعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشيعة ) .
أقول :
   مذهب أصحابنا الإثني عشرية عدم الثبوت بذلك ، وذلك لأنّه قد عرفت أنّ عمدة الشروط المعتبرة في " الإمامة " هي " العصمة " و " الأعلميّة " ، ولما كانت " العصمة " من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله ورسوله ، فلا بدّ من النصّ الكاشف عنها منهما أو المعجز القائم مقام النص ، ولذا كان نصب الإمام واجباً على الله سبحانه ، ولم يفوّض إلى الناس .
   وأمّا " الأعلمية " فكذلك ، ولو فرض أن يمكن لبعض الناس الإطلاع عليها فإنّ الإختلاف بينهم في تعيين الواجد لها غير مأمون ، وفي ذلك نقض

---------------------------
   الحديث ، فإن شئت الوقوف على طرقه وأسانيده فراجع كتابنا ( خلاصة عبقات الأنوار ) .
(1) المستدرك 3 | 124 وتلخيصه للذهبي ، وقد صحّحه كلاهما .
(2) هذا الحديث بهذا اللفظ ونحوه في سنن الترمذي 2 | 298 والمستدرك 3 | 124 وقال : هو صحيح على شرط مسلم ، وفي غيرهما .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 54 _

  للغرض الذي من أجله يحتاج إلى الإمام .
   وبهذا يظهر أنّ " الإمامة " لا تكون بالبيعة ولا بالشورى ...
   ومن العجب أنهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى " الامة " (345) ثم يقولون بأنها " تثبت ببيعة أهل الحلّ والعقد " (351) ثم يقولون بأن ( الواحد والإثنين من أهل الحلّ والعقد كاف ) ! ( كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ) (353) فكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ، إيجاب إتباع من لم ينص الله تعالى عليه ولا رسوله ولا إجتمعت الأمة عليه ، على جميع الخلق في شرق الدنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد أو إثنين !!
الإمام الحق بعد النبي

  قوله (354) :
   ( وهو عندنا أبوبكر وعند الشيعة علي
لنا وجهان :
   الأول : إنّ طريقة إمّا النص أو الإجماع بالبيعة ، أما النص فلم يوجد لما سيأتي ، وأما الاجماع فلم يوجد على غير أبي بكر إتفاقاً من الأمة .
   الثاني : الإجماع منعقد على حقّية إمامة أحد الثلاثة : أبي بكر وعلي العباس ، ثم إنهما لم ينازعا أبابكر ... ) .
أقول :
أما الوجه الأوّل ففيه :
   أولاً : إنّ الطريق منحصر في النصّ أو ما يقوم مقامه كما عرفت .
   وثانياً : إنّ النص موجود كما سيأتي .
   وثالثاً : الإجماع غير منعقد على أبي بكر ، ودعوى إتفاق الأمة على تحقّقة باطلة ... وكيف يدّعى إنعقاد الإجماع عليه ولم يبايعه زعيم الخزرج سعد بن عبادة وولده وذووه إلى أن مات أبوبكر ، ولم تبايعه بضعة الرّسول وسيدة نساء

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 55 _

   العالمين فاطمة الزهراء حتى فارقت الحياة ، ولم يبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مدة حياتها ، والزبير ، لم يبايعة إلاّ بعد أن كسروا سيفه وأخذوه قهراً ، والمقداد لم يبايعه إلاّ ما ضربوه ، وكذلك سلمان وأبوذر وعمّار وحذيفة وبريدة وأتباعهم ، وكثير من سائر المسلمين ؟!
وأمّا الوجه الثاني ففيه :
   إنه إن أريد ثبوت الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقبل بيعة أبي بكر فهو ممنوع ، لأنّ المسلمين أو أهل الحلّ والعقد منهم لم يجتمعوا حتى تعرف آراؤهم ، ومن اجتمع منهم في السقيفة كان بعضهم يرى أنّ سعد بن عبادة حقيق بها ، فكيف يدعي وقوع الإجماع حينئذ على حقيّة أحد الثلاثة المذكورين ؟ على أنّا لم نسمع أن أحداً ذكر العباس حينئذ .
   وإن أريد ثبوت الإجماع المذكور بعد بيعة أبي بكر فهو ينافي ما زعموه من الإجماع على بيعة أبي بكر خاصة إن اتفق زمن الإجماعين ، وإلاّ بطل الاجماع على حقيّة أحد الثّلاثة سواء تقدّم أم تأخّر ، لأ، الإجماع على تعيين واحد هو الذي يجب اتّباعه ، فيكون الحق مختصاً بأبي بكر ولم يصح جعل الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة دليلاً ثانياً . ويحتمل بطلان الإجماع المتقدّم وصحة المتأخّر مطلقاً ، وهو الأقرب .
   قوله : ( إنّهما لم ينازعا أبابكر ولو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي معاوية ، لأنّ العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك ) .
   فيه : إن أريد من المنازعة خصوص المحاربة فإنّه لم يكن له ناصر إلاّ أقلّ القليل ، وقد صرّح بقلّة ناصريه في غير واحد من خطبه وكلماته ، ومن أشهرها الخطبة الشقشقية حيث قال : ( فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء ) .
   وقوله : ( وفاطمة مع علوّ منصبها زوجته والحسن والحسين ... " عجيب جداً ، فإنّ فاطمة عليها السّلام لم يصدّقها أبو بكر في مطابتها بفدك ، وردّ شهادة الحسنين عليهما السلام ، فكيف يقدم على المحاربة إعتماداً على أنّ هذه زوجته وهما

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 56 _

ولداه ، فضلاً عن الإعتماد على غيرهم كالذين ذكرهم ؟
   وإن أريد من المنازعة مخالفة أبي بكر والمطالبة بحقّه فهذا ما قد فعله ، فقد إمتنع مدة حياة فاطمة عليها السلام عن البيعة ، كما لم يأمرها بالبيعة حتى توفيت ، مع علمه بأنّ ( من بات وليس في عنقه بيعة أمام فمات مات ميتة جاهلية ) بل إنه حملها ـ والحسنين ـ مستنصراً وجوه المسلمين فلم ينصروه ، كما رواه غير واحد من المؤرخين (1) وذكره معاوية في كتاب له إلى أمير المؤمنين .
   هذا ، ولا يخفى ما في عبارة الكتاب من التناقض ، فهو في الوقت الذي يدعي الإجماع على خلافة أبي بكر يعترف بكون فاطمة وولديها والعباس والزّبير وأبي سفيان والأنصار ... مع أمير المؤمنين عليه السلام !! اللهم إلاّ أن يريد من " الإجماع " عمر بن الخطاب الذي انعقدت ببيعته خلافته !!
   وممّا يشهد بوجود المخالفين والكارهين خلافة أبي بكر تفسير بعض المحشّين على الكتاب قول عمر : ( كانت بيعة أبي بكر فلتةّ وقى الله سرّها ... ) بأن ( معنى وقى الله سرّها : سرّ الخلاف الذي كان يظهر من المهاجرين والأنصار ... ) (2) .
   ومما يشهد بعدم إنعقاد الإجماع على إمامته لجوء بعضهم تارةً إلى دعوى غيرهما طريق كما قال !
قوله (354) :
   ( وكلام الشيعة في إثبات إمامة علي يدور على أمور ، أحدها : أن الإمام يجب أن يكون معصوماً لما مر ، وأبوبكر لم يكن معصوماً إتفاقاً ... والواجب منع وجوب العصمة ، وقد تقدّم ) .

---------------------------
(1) الإمامة والسياسة : 13 ، شرح نهج البلاغة عن الجواهري .
(2) لاحظ هامش : 358 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 57 _

  أقول :
   قد تقدّم إجمالاً وجوب عصمة الإمام بدلالة الكتاب والسنة والعقل .
   ودعوى إبن تيمية في مقام نفي عصمة أمير المؤمنين عليه السلام : ( إنه لم يكن بأولى في العصمة من أبي بكر وعمر وعثمان ) (1) .
   مردودة بالإجماع المصرّح به في الكتاب وغيره ، وبإعتراف أبي بكر نفسه ، وبدلالة كتب السّير والتواريخ ، لكن هذه الدعوى من شواهد صحة ما ذهب إليه أصحابنا من إعتبار العصمة ، ولعلّ الوجه في دعواه ذلك هو التنبّه إلى عدم تحقق الإجماع على خلافته مع عدم وجود النصّ عليه .
قوله (355) :
   ( ثانيها :البيعة لا تصلح طريقاً إلى إثبات الإمامة ، وإمامة أبي بكر إنما تستند إليها إتفاقاً ، الجواب مر ) .
أقول :
   إنّ الطريق الصحيح إلى إثبات الإمامة وتعيين الإمام هو النصّ لما عرفت ، على أنّ الإجماع لم ينعقد على إمامة أبي بكر ، ودعوى الإتفاق على ذلك إن أراد منها ـ كما هوالظاهر ـ الإتفاق بين الإمامية ومخالفيهم كاذبة ، إلاّ أن يريد الإتفاق على إستنادها إليها على فرض ثبوتها لعدم النصّ عليه بالإتفاق ، لكن الثابت عدمها .

علي أفضل الخلائق بعد الرسول

  قوله (355) :
   ( وثالثها : علي أفضل الخلائق بعد رسول الله عليه السلام ، ولا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل . وسيأتي ذلك تقريراً وجواباً ) .
أقول :

---------------------------
(1) منهاج السنة : 2 | 168 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 58 _

   أمّا أنّ علياً هو الأفضل أو أبوبكر فقد ذكر أدلّة الطرفين من (365) إلى (372) ثم قال : ( وأعلم أنّ مسألة الأفضلية لا مطمع فيها في الجزم واليقين ... والنصوص المذكورة من الطرفين بعد تعارضها لا تفيد القطع على ما لا يخفى على منصف ، لكنّا وجدنا السلف قالوا بأن الأفضل أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وحسن ظنّنا بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوا ذلك ما أطبقوا عليه ، فوجب علينا اتّباعهم في ذلك ، وتفويض ما هو الحق فيه إلى الله ) .
   هذا كلام الماتن هناك وتبعه الشارح فأين الجواب ؟
   وأمّا أنّه لا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل فقد تعرّض له في (373) وهذه عبارته : ( منعه قوم لأنه قبيح عقلاً ... وجوّزه الأكثرون إذ لعلّه أصلح للإمامة ... وفصّل قوم ... ) فهو ليس إلا ناقلاً للأقوال ، فأين الجواب ؟
   ونحن إذا أجبنا عن أدلة أفضلية أبي بكر إجمالاً وتفصيلاً ، وبقيت أدلة افضلية علي عليه السلام بلا معارض ، ثم ذكرنا كلمات من بعض أكابر القوم في قبح إمامة المفضول مع وجود الأفضل ... ثبت ما ذهب إليه أصحابنا في الصغرى والكبرى ، ولم يبق مجوّز لأتباع السّلف فيما ذهبوا إليه في مسألة التفضيل لو كانوا مطبقين عليه كما زعم فكيف وهم مختلفون ؟
قوله (355) :
   ( ورابعها : نفي أهلية الإمامة عن أبي بكر لوجوه ... ) .
أقول :
   أولاّ : هذه بعض الوجوه لا كلّها .
   وثانياً : إنما يستدل بها بعد التنزل عن إعتبار النصّ .
قوله :
   ( شرائط الإمامة ما تقدم وكان أبوبكر مستجمعاً لها ، يدل عليه كتب السير والتواريخ ) . أقول :

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 59 _

  إن الشرائط التي ذكرها وادعى الإجماع عليها (349) هي أن يكون الإمام :
   1 ـ مجتهداً في الأصول والفروع ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، مستقلاً بالفتوى في النوازل ...
   2 ـ ذل رأي وبصارة بتدبير الحرب والسلم ...
   3 ـ شجاعاً قويّ القلب .
   4 ـ عدلاً في الظاهر ، لئلاّ يجوز .
   5 ـ عاقلاً ، ليصلح للتصرّفات .
   6 ـ بالغاً ، لقصور عقل الصبّي .
   7 ـ ذكراً ، إذ النساء ناقصات عقل ودين .
   8 ـ حرّاً ، لئلا يشغله خدمة السّيد عن وظائف الإمامة ...
قال :
   ( فهذه الصفات شروط معتبرة في الإمامة بالإجماع ) . ثم قال (350) :
   ( وههنا صفات أخرى في اشتراطها خلاف ) فذكر خمسة شروط هي :
   1 ـ أن يكون قرشياً .
   2 ـ أن يكون هاشمياً .
   3 ـ أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين .
   4 ـ ظهور المعجزة على يده .
   5 ـ أن يكون معصوماً .
   ثم قال بالنسبة إلى الثاني والثالث والرابع من هذه الشروط ( ويبطل هذه الثلاثة أنا ندل على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء مما ذكر ) .
   وبالنسبة إلى الخامس منها : ( ويبطله أن أبابكر لا تجب عصمته إتفاقاً ) .
أقول :
   إذن لم يتوفر في أبي بكر من هذه الشروط المختلف فيها إلاّ الأول وهو كونه قرشياً .
   وأما الشروط المدّعى عليها الإجماع ، فالذي كان متوفّراً منها فيه بلا خلاف هي الأربعة التالية :
   الحريّة ، الذكورة ، البلوغ ، العقل .
   فالصّفات التي كان مستجمعاً لها هي هذه الأربعة والقرشيّة ... ولكن لا حاجة إلى الإستدلال لها بكتب السير والتواريخ .
وأما الأربعة الأولى وهي :
   الإجتهاد ، البصيرة ، الشّجاعة ، العدالة . فكتب السير والتواريخ تشهد بعدم توفّرها فيه ... ولو سلّمنا توفّر الثمانية كلّها فيه والقرشية ... فقد استجمع هذه الصفات غير واحد من الصحابة ... فما الذي رجّح أبابكر على المستجمعين لها منهم ؟
   على أنّك قد عرفت أن عمدة الشرائط العصمة والأفضلية والأعلمية ، وأنّ طريق تعيين الإمام هو النصّ أو ما يقوم مقامه ...
قوله 355 :
   ( ولا نسلّم كونه ظالماً ... ) .
أقول :
   قد ذكرنا معنى قوله تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .

قضية فدك

  قوله 355 :
   ( قولهم : خلاف الآية في منع الإرث : قلنا : لمعارضتها بقوله عليه السلام : نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث ... ) .
أقول :

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 61 _

   1 ـ ليس في استدلال أصحابنا أن الزهراء عليها السلام كانت مستحقة للنصف ، بل إن البنت الواحدة ترث كلّ ما تركه مورثّها بالفرض والرد .
   2 ـ إن الزهراء عليها السلام لن تطالب بنصف فدك بل كلّه .
   3 ـ إنّ صريح الأخبار الآتي بعضها هو أن ( فدك ) غير ( خيبر ) فليس قريةً بخيبر كما ذكر .
   4 ـ إنّ مطالبتها في خصوص فدك لم يكن إرثاً ، بل إنّها كانت تطالب برفع إستيلاء القوم على ذلك الملك الحاصل لها نحلةً من والدها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ منذ عام خيبر . أمّا أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أعطاها فدكاً فذاك ما رواه كبار الحفّاظ عن غير واحد من الأصحاب (1) .
   وأمّا أنّ أبابكر تعرّض لفدك واستولى عليه بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فذاك أمر ثابت لا خلاف فيه ، وفي عبارة ابن حجر المكي : ( إن أبابكر انتزع من فاطمة فدكاً ) (2) .
   وعلى الجملة فلا ريب في أن فدكاً كان بيد الزهراء من قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبوبكر كان يعلم بذلك ، فهل انتزعه منها لكون يدها عدوانيةً ؟
   وهلاّ طلب منها قبل الإنتزاع إقامة البيّنة لو فرض أنّه كان يرى بإجتهاده !! توقف استمرار يدها على ذلك .
   وإذ طلب منها الشهود ـ وهو يعلم بكون فدك بيدها بالحق ـ فلما ذا ردّ شهادة أمير المؤمنين ؟ أكان يراه كاذباً أو كان اجتهاده ! على عدم كفاية الشاهد الواحد و إن بصدقة ؟ أمّا الأول فلا نظنّهم يلتزمون به وعلي من عرفه الكل ، وأمّا الثّاني فيردّه حكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بشهادة خزيمة بن

---------------------------
(1) الدر المنثور : 4 | 177 .
(2) الصواعق المحرقة : 31 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 62 _

ثابت ، فلهذا لقّب بذي الشّهادتين (1) .
   ولو سلّم حصول الشك له فهلاّ طلب اليمين من فاطمة فيكون قد قضى بيمين وشاهد ، وهو ما نزل به جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (2) وقضى به رسول الله كما في الصحيح (3) .
   لكن في الكتاب : ( لعله !! لم ير الحكم بشاهد ويمين ) !!
   سلّمنا ، أليس كان عليه أن يحلف حينئذ ؟ فلماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبةً ؟
   هذا كلّه بغض النظر عن عصمة علي والزهراء والحسنين ، وفضلاً عن شهادة أن أم أيمن وهي المشهود لها بالجنة (4) .
   5 ـ ثم إنّها طالبت أبابكر بإرثها من رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم وقد شمل طلبها هذا فدكاً بعد أن ردّ طلبها بترك التعرض له ، لكون هذه الأرض ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكان ملكاً خاصّاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .
   أخرج البخاري عن عائشة قالت : ( إنّ فاطمة عليها السلام بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر .
   فقال أبو بكر : إن رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أغيرّ شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملنّ فيها بها عمل بها رسول الله .
   فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً .

---------------------------
(1) سنن أبي داود 3 | 418 .
(2) كنز العمال ـ كتاب الخلافة 5 | 508 .
(3) صحيح مسلم كتاب الأقضية ، سنن أبي داود 3 | 419 .
(4) كما في ترجمتها في طبقات ابن سعد والإصابة وغيرهما .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 63 _

   فوجدت فاطمة على أبي بكر ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت .
   وعاشت بعد النبي ستة أشهر .
   فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يوذن بها أبابكر ، وصلّى عليها .
   وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ) (1) .
   6 ـ لكنّ الكلام في الحديث الذي ذكره ، فإنّ القوم لم يتمكّنوا من إثبات تماميّته سنداً ودلالةً فقد جاء في الكتاب ما نصّه .
   ( حجية خبر الواحد والترجيح ممّا لا حاجة لنا إليه ههنا ، لأنه كان حاكماً بما سمعه من رسول الله ، فلا اشتباه عنده في سنده ) .
   وهذا ـ مضافاً إلى أنّ أبابكر لم يكن حاكماً في القضية بل كان خصماً ـ فرار عن البحث ، لأن غاية هذا الكلام حسن الظن بأبي بكر ، فلما ذا لم يحسن الظن بعلي وفاطمة والعباس وأزواج النبي ... الذين طالبوا بارثهم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منكرين لهذا الحديث الذي انفرد أبوبكر بروايته !! ولا أقلّ من حسن الظن بكلا الطرفين ، فلم يثبت المخصّص لعمومات الإرث .
   هذا ، وقد وجدنا في حفّاظ أهل السّنة من تجرّأ فقال الحق وتحمّل في هذا السّبيل الطّعن والطّرد ، فصرّح ببطلان هذا الحديث ... ألا وهو الحافظ أبو محمد عبدالرحمن بن يوسف المعروف بابن خراش ، البغدادي ، المتوفي سنة 283 ، قال ابن المديني : ( كان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم للحديث والرجال ) وقال الخطيب : ( كان أحد الرّحالين في الحديث إلى الأمصار وممّن يوصف بالحفظ والمعرفة ) وقال أبو نعيم : ( ما رأيت أحفظ منه ) وقال السّيوطي : ( ابن خراش الحافظ البارع الناقد ) إلى غير ذلك من كلماتهم في تكريمه وتجليله ، وقد رووا عن عبدان أنه قال ( قلت لابن خراش : حديث لا نورّث ما تركنا صدقة . قال باطل . قلت : من تتهّم به ؟ قال : مالك بن أوس ) ولهذا رموه بالتشيع ، وتهجّم

---------------------------
(1) صحيح البخاري : باب غزوة خيبر . صحيح مسلم كتاب الجهاد والسيّر .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 64 _

   عليه الذهبي وابن حجر ، لاحظ : تذكره الحفاظ 2 | 684 وميزان الاعتدال 2 | 600 ولسان الميزان 3 | 444 وطبقات الحفاظ : 297 .
   فالحديث باطل سواء كان من أبي بكر أو مالك بن أوس .
   وممّا يؤكد ذلك عمل عمر وعثمان وعمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين عندهم وسائر أمراء المسلمين في عقيدتهم في فدك ، فهم جميعاً مكذّبون عملاً للحديث المذكور ، هذا في ناحية السند .
   وكذا كلامه في ناحية المتن والدلالة حيث قال : ( وعلم أيضاً دلالته على ما حمله من المعنى ، لانتفاء الاحتمالات التي يمكن تطرّقها اليه بقرينة الحال ، فصار عنده دليلاً قطعيّاً مخصّصاً للعمومات الواردة في باب الإرث ) .
   فهلاً احتمل ـ في أقل تقدير ـ أن يكون أبوبكر قد أخطأ في دلالة هذا الحديث وقد صرّح سابقاً بعدم عصمته ؟
إن الحديث ذو وجهين :
   أحدهما : أن يكون كلمة ( صدقة ) مرفوعةً على الاخبار به من ( ما ) الموصولة في ( ما تركناه ) .
   والآخر : أن يكون ( ما ) منصوبةً محلاً على المفعولية لـ ( تركناه ) وتكون ( صدقة ) حالاً من ( ما ) .
   وإثبات الأول ليتم الإحتجاج به في غاية الإشكال ـ بل يبعّده ، بل يبطله ـ عدم علم أمير المؤمنين علي وفاطمة وأهل البيت عليهم السلام والعباس وأزواج النبي وسائر المسلمين ... بهذا الذي ذكره أبوبكر ... بل إنّ هذا الحديث لم يسمع من أبي بكر قبل ذلك اليوم !! بل إنّ كلامه في آخر حياته حيث كان يتمنى لو سأل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عن حقّ أهل البيت في الخلافة ـ وإن كان في نفسه تضليلاً ـ دليل على ندمه على تصدّي الأمر وما ترتّب عليه من أفعال وتروك .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 65 _

   قال : إني لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أني تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أني فعلتهنّ ، وثلاث وددت أني سألت عنهنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فأما الثلاث اللأّتي وددت أني تركتهن : فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب ، ووددت أني لم أكن حرّقت الفجأة السلمي وإني كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً ، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ يريد عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً ... ووددت أني سألت رسول الله : لمن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا لاأمر نصيب ؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الآخ والعمة فإن في نفسي مهما شيئاً " (1) .
قوله (355) :
   ( قولهم : فاطمة معصومة ، قلنا : ممنوع ، لأن أهل البيت يتناول أزواجه أقربائه كما رواه الضحّاك ، فإنّه نقل بإسناده عن النبي عليه السلام أنه قال حين سألته عائشة عن أهل بيته ... وقوله عليه السلام : بضعة مني مجاز قطعاً ... ) .

عصمة الزهراء عليها السلام

  أقول :
   ليس دليل عصمة الزهراء محصوراً بالآية والحديث المذكورين .
   أمّا الآية المباركة فقد تواتر النقل عن الفريقين أن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً فيها إنما هم : النبي وعلي وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام ، وكفاك في هذا المقام الحديث الذي رواه أعلام الأئمة الحفّاظ وصحّحوه عن السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها التي على يدها دار الحديث وفي بيتها نزلت الآية ...

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 | 52 وغيره .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 66 _

   فقد أخرج الترمذي وصحّحه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت : في بيتي نزلت : ( إنما يريد ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) وفي البيت : فاطمة وعلي والحسن والحسين ، فجلّلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً (1) .
   وفي حديث آخر رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنها : قالت أم سلمة رضي الله عنها فأدخلت رأسي في الستر فقلت : يا رسول الله وأنا معكم ؟ فقال : إنك إلى خير ـ مرتين " (2) .
   وفي آخر : ( قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : إنك على خير ) (3) .
   وأما الحديث الذي ذكر في الكتاب عن الضحّاك ففيه أولاً : إنّه لم يعلم من راويه وما سنده ؟
   وثانياً : ( الضحّاك بن مزاحم ) كان يروي عمّن لم يلقه ، وكان شعبة لا يحدّث عنه ، وقال يحيى بن سعيد ، كان الضحّاك عندنا ضعيفاً ، وقال البخاري بعد أن روى عنه حديثاً عن ابن عمر : لا أعلم أحداً قال سمعت ابن عمر إلاً أبو نعيم (4) .
   وثالثاً : إنّ الحديث عن عائشة ، وهي في هكذا موضع بالخصوص متّهمة في النقل .
   ورابعاً : إنّ الحديث يعارضه ما رواه القوم عن أم سلمة وجماعة من الصحابة وهو المشهور روايةً والمعتبر سنداً .
   وخامساً : إنّ الحديث معارض بحديث آخر من عائشة نفسها ـ ومن رواته

---------------------------
(1) الدر المنثور 5 | 198 .
(2 و 3) الدر المنثور 5 | 198 .
(4) تهذيب التهذيب 4 | 398 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 67 _

مسلم بن الحجاج ـ قال الحافظ السيوطي : ( وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة قالت : خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (1) .
   ثم إن الآية الكريمة تدل على عصمة الخمسة ، لأن الرجس فيها كما نص عليه الزمخشري (2) وغيره هو " الذنوب " وقد تصدرت الآية بأداة الحصر ، فدلّت على أنّ إرادة الله تعالى في حقهم مقصورة على إذهاب الذنوب كلّها عنهم ، وهذا واقع العصمة .
   وأيضاً : فقد أصحابنا هذه الآية المباركة في أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنه قد إدّعى الخلافة لنفسه ، وإدّعاها له فاطمة والحسنان ، وهم لا يكونون كاذبين ، لأنّ الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم .
   وأمّا الحديث الشّريف : ( فاطمة بضعة منّي ... ) فهو أيضاً من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها ، وممّن أخرجه : أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والحاكم ... وهو يدلّ على عصمتها صدراً وذيلاً .
   وأما صدراً فلكلمة ( بضعة ) ، قوله : ( مجاز قطعاً ) منه : أنّ الأصل هو الحقيقة فلابدّ من حمل الكلام عليها ، ثم من أين يحصل القطع بكونه مجازاً ؟ وممّا يشهد بحمله على الحقيقة فهم كبار الحفاظ من ذلك بشرحه كالحافظ أبي القاسم السهيلي شارح السيرة النبوية ... فقد قال المناوي شرح الحديث : ( إستدل به السّهيلي على أنّ من سبّها كفر لأنه يغضبه وأنها أفضل من الشيخين ) (3) .
   فإنّ دلالته على الأفضلية منهما لا يكون إلاّ بلحاظ كون الزهراء ( بضعة )

---------------------------
(1) الدر المنثور 5 | 199 .
(2) الكشاف 3 | 538 وكذا في غيره من التفاسير .
(3) فيض القدير 4 | 421 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 68 _

من النبي وهو أفضل الخلائق أجمعين .
   وكالحافظ السمهودي فإنّه قال : ( ومعلوم أنّ أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه ) (1) فإنّ هذا لا يتم إلاّ بحمل ( البضعة ) على الحقيقة كما هو مقتضى الأصل ، فتأمّل .
   ومتى تعذّر حمل الكلام على الحقيقة فأقرب المجازات هو المتعيّن كما تقرّر في موضعه ، وهو أيضاً كافٍ لاثبات المطلوب كما لا يخفى .
   ويشهد بما ذكرنا أن الكلمة جاءت في بعض الروايات بلفظ ( مضغة ) (2) وبلفظ ( شجنة ) (3) .
   وأما ذيلاً فإنّ في ذيل الحديث : ( فمن أغضبها أغضبني ) (4) وفي لفظ : يقبضني ما يقبضها ويبسطها ) (5) وفي ثالث ( يؤذيني ما آذاها ) (6) .
   وكيف تنكر عصمة من يكون رضا النبي وغضبه دائراً مدار رضاه وغضبه ؟
قوله (356) :
   ( الثاني من الوجوه الدّالة على نفي أهليته للإمامة أنه لم يولّه النبي عليه السلام شيئاً في حال حياته ... قلنا : لا نسلّم أنه لم يؤلّه شيئاً بل أمّره على الحجيج سنة تسع وأمره بالصلاة بالناس في مرضه ... ) .

قصة إبلاغ سورة براءة

أقول :
   إنّه لم يذكر إلاّ قضية إبلاغ سورة براءة ، وقضية الصلاة ، ومعنى ذلك أنه

---------------------------
(1) فيض القدير 4 | 421 .
(2) صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة بن النبي .
(3) المستدرك 3 | 154 ، مسند أحمد 4 | 322 .
(4) صحيح البخاري باب مناقب قرابة رسول الله .
(5) مسند أحمد 4 | 332 ، المستدرك 3 | 158 .
(6) صحيح مسلم باب فضائل فاطمة من فضائل الصحابة .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 69 _

إذا تبيّن واقع الحال في القضيتين فهو مضطرّ إلى التلسيم بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يؤلّه شيئاً ... فنقول :
أمّا قضيّة إبلاغ سورة براءة :
   فيقول القوم إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبابكر إلى مكة أميراً للحاج ، وأمره أن يقرأ الآيات من سورة البراءة على المشركين في الموسم ، فلمّا خرج أبوبكر بدا لرسول الله في أمر تبليغ الآيات ، فبعث علياً لتبليغها ، وبقيت أمارة الحج لأبي بكر ، فيكون قد ولاّه صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئاً من الأمور في حياته ...
   قالوا : وإنما أتبع النبي علياً أبابكر ليأخذ منه الآيات فيبلّغها ، لأنّ الآيات كانت مشتملة على نبذ العهود التي كان بينه صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين المشركين ، ومن عادة العرب في أخذ العهود ونبذها أن يتولاّه الرجل بنفسه أو أحد من بني عمه .
فكلامهم يشتمل على أمور ثلاثة :
   الأول : الإقرار بأن علياً عليه السلام هو الذي أبلغ الآيات بعد أن كان المأمور بتبليغها أبوبكر .
   والثاني : دعوى أنّ أبابكر دخل مكة وكانت إمارة الحاج في تلك السنة معه .
   والثالث : السبب في تبليغ علي الآيات دون أبي بكر .
فنقول :
   من الأفضل أن نذكر أولاً نصوصاً من الخبر عن عدة من الكتب المعتبرة عند القوم حتى تتضح حقيقة الحال ، ويتبين أن أصحابنا لا يتكلّمون إلاّ إستناداً إلى أخبارهم :
   1 ـ أخرج أحمد بإسناده عن أبي بكر : " إنّ النبي بعثه ببراءة لأهل مكة ، لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى مدّته والله بريء من المشركين

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 70 _

ورسوله ، قال : فسار بها ثلاثاً ثم قال لعلي : إلحقه فردً عليّ أبابكر وبلّغها أنت . ففعل ، فلمّا قدم على النبي أبوبكر بكى قال : يا رسول الله حدث فيّ شيء ؟ قال : ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجل مني " (1) .
  2 ـ أخرج أحمد بإسناده عن علي عليه السلام قال : ( لمّا نزلت عشر آيات من سورة براءة على النبي ، دعا النبي أبابكر فبعثه بها ، ثم دعاني النبي فقال لي : أدرك أبابكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى مكة فاقرأه عليهم ، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبوبكر إلى النبي فقال : يا رسول الله نزل فيّ شيء ؟ قال : لا ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ) (2) .
  3 ـ أخرج أحمد بإسناده عن النبي : ( إن رسول الله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ، قال : ثم دعاه فبعث بها علياً ) (3) .
  4 ـ أخرج الترمذي عن زيد بن يثبع قال : ( سألنا علياً بأي شيء بعثت في الحجة ؟ قال : بعثت بأربع : أن لا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين النبي عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله إلى أربعة أشهر ، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة ، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا ) (4) .
  5 ـ أخرج الحاكم بأسناده عن ابن عمر في حديث قال : ( ان رسول الله بعث أبابكر وعمر ببراءة إلى أهل مكة ، فانطلقا فاذا هما براكب ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا علي يا أبابكر ، هات الكتاب الذي معك ، فأخذ علي الكتاب فذهب به

---------------------------
(1) مسند أحمد 2 |1 .
(2) مسند أحمد 1 | 151 ، الخصائص : 20 ، المستدرك 2 | 51 ، تفسير ابن كثير 2 | 333 ، الدر المنثور 3 | 209 .
(3) مسند أحمد 3 | 283 ، وكذا الحديث عن أنس عند الترمذي تفسير سورة التوبة ، الخصائص : 20 ، البداية والنهاية 5 | 38 ، إرشاد الساري 7 | 136 روح المعاني 3 | 268 .
(4) صحيح الترمذي تفسير سورة التوبة .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 71 _

ورجع أبوبكر وعمر إلى المدينة فقالا : ما لنا يا رسول الله ؟ قال : ما لكما إلاّ خير ، ولكن قيل لي : لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك (1) .
فنقول :
   أمّا الإقرار ببعث أمير المؤمنين خلف أبي بكر وأخذه الآيات منه ... فلم يكن لهم مناص منه ...
   وأمّا الدعوى بأنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر أبابكر على الحجيج ولم يعزله عمّا ولاّه فليس لها شاهد في الأحاديث المذكورة ونحوها ، بل كلّ ما هنالك أنه بعثه ( ببراءة لأهل مكة ) ثمّ بيّن البراءة في الحديث الأول بقوله : ( بعثه ببراءة لأهل مكة : لا يحجّ ... ) ويفيد الحديث الثاني أنّ هذه الأمور هي مفاد ( عشر آيات في سورة براءة ) ... وذلك ما أخذه منه علي عليه السلام وبلّغه ... كما هو مفاد الأحاديث الأول والثاني والرّابع ... فأبن إمارة الحج ؟
   ثم إنّ هذه الأحاديث وغيرها صريحة في أنّ علياً لحق أبابكر ـ أو هو وعمر ـ في الطريق ، وردّ أبابكر من حيث أدركه ، وفي بعضها أنه لحقه ( بالجحفة ... ورجع أبوبكر إلى المدينة ... ) فأين أمارة الحج ؟
   إنه لم يكن في الواقع إلاذ أنه صلّى الله عليه و آله وسلّم بعث أبابكر بإبلاغ أهل مكة : ( أن لا يطوف بالبيت عريان ...) وهي مفاد الآيات من سورة البراءة ، ثم أمر علياً عليه السلام أن يدركه في بعض الطريق فياخذ منه الكتاب ويبلّغه أهل مكة بنفسه ويرجع أبوبكر إلى المدينة ...
   أمّا أن السبب في ذلك ... فليس في الأحاديث إلاّ أن النبي صلّى الله عليه وآلو وسلّم نزل عليه جبرائيل فقال : ( لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ) كما هو نص الحديث الثاني الثاني وغيره .. فقولهم : ( لأنّ عادة العرب ... ) لا دليل عليه ، بل في الأحاديث قرائن عديدة على أن السبب ليس ما ذكروه ، ومنها :

---------------------------
(1) المستدرك 3 | 51 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 72 _

   أولاً : إنّه لو كان عادة العرب في ذلك ما ذكر فلماذا خالفها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بإرسال أبي بكر ؟ أكان جاهلاً بتلك العادة أم كان عالماً بها فخالفها عمداً تساهلاً بتنفيذ حكم الله عزّ وجلّ ؟ وثانياً : لو كان السبب ذلك ، فلماذا جاء أبوبكر يبكي مخالفة أن يكون قد نزل فيه شيء ؟ أكان جاهلاً بتلك العادة أن ماذا ؟
   فتلخص : إنه لم يكن بعث أبي بكر لإمارة الحج ، وإنما لإبلاغ البراءة ، والنبي أرسل علياً عليه السلام خلفه بأمر من الله ، ليأخذ ذلك منه ، فيكون قائماً مقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في أداء تلك الوظيفة ... فيظهر أنّه الصالح لذلك ...
   ولذا كانت هذا القضية خصيصة من خصائصه الدالة على إمامته وخلافته ، وعن بعض أكابر الصحابة أنّهم كانوا يتمنّون أن تكون لهم هذه المنقبة العظيمة والخصيصة الرفيعة ، فهذا سعد بن أبي وقاص ... قال الحارث بن مالك : ( خرجت إلى مكة فلقيت سعد بن مالك فقلت له : هل سمعت لعلي منقبة ؟ قال : شهدت له أربعاً لئن يكون لي إحداهنّ أحبّ إلي من الدنيا ، أعمّر فيها ما عمّر نوح : إنّ رسول الله بعث أبابكر ببراءة من مشركي قريش فسار بها يوماً وليلة ثم قال لعلي : إلحق أبابكر فخذها منه فبلّغها وردّ عليّ أبابكر ، فرجع أبوبكر فقال : يا رسول الله هل نزل فيّ شيء ؟ ... ) (1) .
   ويظهر أيضاً : أنّ أبابكر غير صالح للقيام مقام النبي في ذلك ، ومن لم يصلح للقيام مقامه لأداء آيات كيف يصلح للقيام مقامه في الرياسة العامة الإلهية ...

---------------------------
(1) كنز العمال : 2 | 417 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 73 _

صلاة أبي بكر في مرض النبي

   وأمّا قضية الصّلاة بالناس وأنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ( أمره بالصلاة بالناس في مرضه الذي توفي فيه ) وأنّ ( قولهم عزله عن الصلاة كذب وما نقلوه فيه مختلق ... ) فكأنها أقوى أدلة الكتاب على المدعى ، ولذا أطنب الشارح في هذا المقام ...
   لكن الحق الواقع الذي يتوصل إليه المحقّق النقّلب :
   أولاً : إنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يأمره بالصلاة .
   وثانياً : إنّه لمّا علم بخروجه إلى الصلاة في موضعه خرج معتمداً على أمير المؤمنين ورجل آخر ، وصلّى تلك الصلاة بنفسه .
   وثالثاً : إنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يقتد بأحدٍ أبداً .
   ورابعاً : إنه على فرض كلّ ذلك فقد أمر صلّى الله عليه وآله وسلّم غير أبي بكر بالصّلاة بالناس في مواضع عديدة ، ولم يكن ذلك دليلاً علي شيء .
   وبيان ذلك بإيجاز هو : إنهم وإن رووا عن عائشة وعدّة من الصحابة أن رسول الله عليه وآله وسلّم بأن يصلي أبوبكر بالنّاس في مرضه ، لكن أسانيد تلك الأخبار كلّها ساقطة بضعف رجالها ، على أنها جمعاً تنتهي إلى عائشة ، وهي في مثل هذا الأمر ـ لكونها بنت أبي بكر ومناوئةً لعلي عليه السلام ـ متهمة ، فلا يعتمد على خبرها هذا ، هذا من حيث السند .
   وأمّا من حيث الدلالة فإنها وإن اشتملت على أمره صلّى الله عليه وآله وسلّم أبابكر بالصلاة في موضعه لكنها جميعاً مشتملة على خروجه إلى المحراب وصلاته بالناس بنفسه الشريفة (1) .

---------------------------
(1) لاحظ البخاري بشرح ابن حجر 2 | 132 ، 137 ، 162 ، مسلم بشرح النووي ـ هامش إرشاد الساري 3 | 54 ، 61 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 74 _

   فهذا ما جاء في نفس تلك ألاخبار المخرجة في الصحاح وغيرها المستدل بها على أمره أبابكر بالصّلاة بالناس ، وليست أخباراً أخرى ، وخروجه للصّلاة بنفسه ـ بعد أمره أبابكر بالصلاة ـ عزل له عن ذلك .
   فمن قال بأنه ( عزله عن الصلاة ) فإنما أراد هذا المعنى ، ولم يرد ورود حديث في مصادر أهل السنة مشتمل على لفظ العزل حتى يقال بأن هذا القول كذب ( وما نقلوه فيه مختلق ) !
   هذا ولم يتعرض الماتن إلى دعوى صلاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خلف أبي بكر ، ولعله لعدم ورود شيء يفيد ذلك في شيء من الصحاح والسنن ، ومن المعلوم أن مجرد صلاة أحد في مكان النبي لا يدل على استحقاقه للخلافة من بعده ، وإلاّ لزم استحقاق كلّ من أمره صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك من الصحابة ، حتى ابن أم مكتوم الأعمى ، فاستدلاله باطل على فرض ثبوت أصل الخبر .
   أمّا الشّارح فكأنّه إلتفت ـ كغيره ـ إلى سقوط هذا الإستدلال فأضاف دعوى أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج إلى المسجد وصلّى خلف أبي بكر ، وزعم أن ما روى البخاري مما دلّ على عزله عن المحراب " فهو إنما كان في وقت آخر " .
   لكنّ مستند هذه الدعوى بعض الأخبار الضعيفة التي أعرض عنها البخاري ومسلم وكبار أئمة الحديث ، وممّن نصّ على عدم الاعتداد بهذه الأخبار وسقوطها عن الإعتبار الحافظ ابن الجوزي والحافظ ابن عبد البر والحافظ النووي (1) وأما الجمع بين هذه الأخبار وما دلّ في الصحاح على عزله بتعدد الواقعة فهو :
   أولاً : فرع على صحة هذه الأخبار المزعومة .

---------------------------
(1) لاحظ : فتح الباري 2 | 120 ، عمدة القاري 5 | 191 ، المنهاج في شرح مسلم 3 | 52 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 75 _

   وثانياً : على تكرار صلاة أبي بكر بالناس حتى يكون في مرةٍ إماماً للنبي وفي أخرى مأموماً له ، لكن الذي عليه الأئمة أنّ صلاته بالناس لم تكن إلاّ مرةً واحدة ، وهي التي حضر فيها النبي فكان الإمام (1) .
   ثم إنه يؤكد كذب أصل خبر أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : كون أبي بكر في ذلك الوقت في جيش أسامة في خارج المدينة (2) الذي لعن من تخلف عنه (3) فإنه صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يعود ـ والحال هذه ـ فيأمره بالصلاة بالناس .
   وأيضاً فالنبّي كان ملتزماً بالحضور للصلاة بنفسه ، فقد صلّى بالناس في مرضه الأخير إلاّ في الصلاة الأخيرة من عمره الشريف حيث اشتد حاله فلم يحضر (4) ، وهذه هي التي خرج إليها معتمداً على رجلين أحدهما علي عليه السلام (5) ، فصلّى تلك الصلاة أيضاً بنفسه ، لأنّه لم يكن قد أمره بذلك .
   والذي يؤكّد كذب ما روي من صلاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خلفه أنّ الله تعالى قد نهى المؤمنين عن المتقدّم على رسول الله حيث قال : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) (6) ، وقد استدل بهذه الآية وأدلة أخرى مالك بن أنس وأتباعه وجماعة آخرون فذهبوا إلى أنه لا يصح التقدّم بين يديه لا في الصّلاة ولا في غيرها ، ولا لعذر ولا لغيره (7) .
   هذا موجز الكلام على هذه القضية ، ولنا فيها رسالة مستقلة * . قوله (357) .

---------------------------
(1) لاحظ : فتح الباري 2 | 138 .
(2) لاحظ : فتح الباري 8 | 124 .
(3) الملل والنحل 1 | 29 وهو في الكتاب عن الآمدي 8 | 376 .
(4) صحيح البخاري بشرح ابن حجر 3 | 137 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3 | 54 .
(5) فتح الباري 2 | 123 وغيره .
(6) سورة الحجرات : 2 .
(7) لاحظ : نيل الأوطار 3 | 195 ، السيرة الحلبية 3 | 365 ، فتح الباري 3 | 139 .
* لاحظ الرّسالة في هذه المجموعة .