الفهرس العام






الإهداء :
  
   إلى حامل راية الإمامة :
  الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر ...
   يـا أيها العـزيز مسّنا وأهلنا الضرّ
   وجئنـا ببضاعةٍ مـزجاة فأوف لنا الكيل
   وتصدّق علينا إنّ الله يجزي المتصدّقين .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 5 _

  الطرائف على شرح المواقف .
  المراصد على شرح المقاصد .
  رسالة في صلاة أبي بكر .
  رسالة في حديث الأقتداء بالشيخين .
  رسالة في المتعتين .
  رسالة في حديث سيّدا كهول أهل الجنّة .
  رسالة في حديث أصحابي كالنجوم .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 7 _

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 9 _

تقديم
  الحركة العلمية في القرنين السابع والثامن .
  علم الكلام .
  الإمامة .
  هذا الكتاب .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 11 _

1 ـ الحركة العلمية في القرنين السّابع والثّامن

  لقد امتاز القرنان السّابع والثامن ـ وعلى أثر التقلبّات والحوادث السياسية والاجتماعيّة في بلاد الاسلام ـ بحركةٍ علميّة واسعةٍ ، في مختلف العلوم والفنون الاسلامية ...
  وفي خصوص علم الكلام ... تشكّلت في تلك الفترة ثلاثة مدارس ، أنجبت علماء كباراً في هذا العلم ، أصبحوا قدوةً للأجيال اللاحقة ، وتركوا آثاراً جليلةً فيه كانت وما زالت محطّ الأفكار والأنظار ... ولكنّ التناقضات الفكرية بين هذه المدارس أدّت وقوع المواجهات والصراعات العقيدية فيما بينها على صعيد المؤلّفات والمناظرات .
  فكانت منذ اليوم الأّوّل الردود والنقود ثم تلتها ردود ونقود أخرى ... وهكذا إلى يومنا هذا ... فلنعّرفها ولنشر إلى بعض ذلك :

1 ـ مدرسة الطوسي في العراق :

   ففي العراق ـ وفي مدينة الحلّة بالذات ـ أقام المحقّق العظيم الشيخ نصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672 ، مدرسة أنجب فيها تلامذةً عظاماً اشتهروا في الآفاق ، كالشيخ حسن بن المطّهر الحلي المعروف بالعلاّمة ، المتوفى سنة 726 ، وأمثاله من كبار علماء الطائفة الشيعية الاثني عشريّة ، الذين كان لهم الدور البارز في نشر المذهب الشيعي وترويجه في العالم .
   وكان كتاب ( تجريد الاعتقاد ) أو ( تجريد الكلام ) تأليف المحقق النصير

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 12 _

الطوسي من أشهر المتون الكلاميّة ، التي امتازت بين الكتب الاعتقادية عند الشيعة الامامية ، لجمعه بين الدقة والرّصانة والايجاز ، ولذا تناوله العلماء ـ من الشيعة والسنة ـ بالشرح والتعليق ، وكان أول من تناوله بالشرح والايضاح تلميذه العلاّمة الحلي المذكور .
   قال في كشف الظّنون : " تجريد الكلام ، للعلامة المحقق ، نصير الدين أبي جعفر محمد بن محمد الطوسي ، المتوفى سنة 672 ، وهو كتاب مشهور ، اعتنى عليه الفحول وتكلّموا فيه بالردّ والقبول ، له شروح كثيرة وحواش عليها . فأوّل من شرحه : جمال الدين حسن بن يوسف بن مطهر الحلي شيخ الشيعة ، المتوفى سنة 726 ... وشرحه شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الاصفهاني ، المتوفى سنة 746 ... وقد اشتهر هذا الشرح بين الطلاّب بالشرح القديم ، وعليه حاشية عظيمة للعلاّمة المحقق السيّد الشريف .. " ثم ذكر الحواشي على حاشية الشريف ثم قال :
   " ثم شرح المولى المحقق علاء الدين علي بن محمد الشهير بقوشجي المتوفى سنة 879 شرحاً لطيفاً ممزوجاً ، وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد ، قال في ديباجته بعد مدح الفن والمصنف :
   إنّ كتاب التجريد الذي صنفه المولى الأعظم ، قدوة العلماء الراسخين ، أسوة الحكماء المتألّهين ، نصير الحق والملة والدين ، تصنيف مخزون بالعجائب ، وتأليف مشحون بالغرائب ، فهو وإن كان صغير الحجم ، وجيز النظم ، فهو كثير العلم ، جليل الشأن ، حسن النظام مقبول الأئمة العظام ، لم يظفر بمثله علماء الأعصار ، مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الأمّهات ، مملوء بجواهر كلّها كالفصوص ، متضّمن لبيانات معجزة في عباراتٍ موجزة ، وهو في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار ، تداولته أيدي النظّار .
   ثم إنّ كثيراً من الفضلاء وجّهوا نظرهم إلى شرح هذا الكتاب ونشر معانيه ، ومن تلك الشروح وألطفها مسلكاً هو الذي صنّفه : العالم الربّاني ،

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 13 _

مولانا شمس الدين الاصبهاني ، فإنه بقدر طاقته حام حول مقاصده ، وتلقّاه الفضلاء بحسن القبول ، حتى أن السيد الفاضل قد علّق عليه حواشي ، تشتمل على تحقيقات رائقة وتدقيقات شائقة ، تنفجر من ينابيع تحريراته أنهار الحقائق ، وتنحدر من علوّ تقريراته سيول الدقائق .
   ومع ذلك كان كثير من مخفيّات رموز الكتاب باقياً على حاله ، بل كان الكتاب على ما كان كونه كنزاً مخفّياً وسرّاً مطوّياً ، كدرّة لم تثقب ، لأنه كتاب غريب في صنعته ، يضاهي الألغاز لغاية ايجازه ، ويحاكي الإعجاز في إظهار المقصود وإبرازه .
   وإني بعد أن صرفت في الكشف عن حقائق هذا العلم شطراً من عمري ، ووقفت على الفحص عن دقائقه قدراً من دهري ، فما من كتاب في هذا العلم إلاّ تصفّحت سينه وشينه ، أبت نفسي أن تبقى تلك البدائع تحت غطاء من الإبهام ، فرأيت أن أشرحه شرحاً يذلّل صعابه ، ويكشف نقابه ، وأضيف إليه فوائد إلتقطتها من سائر الكتب ، وزوائد استبطتها بفكري القاصر ، فتصدّيت بما عنيت .
   فجاء بحمد الله تعالى كما يحبّه الأودّاء لا مطوّلاً فيمل ولا مختصراً فيخل ، مع تقرير لقواعده ، وتحرير لمعاقده ، وتفسير لمقاصد ، انتهى ملخصاً .
  وإنّما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن ، وفضل الشّرح والشّارح (1) .
   ثم ذكر كاشف الظّنون الحواشي والتعاليق على الشرحين القديم والجديد ، ثمّ الحواشي على تلك الحواشي ... بما لا حاجة الى ذكره اكتفاءً بما تقدّم (2) .
2 ـ مدرسة الإيجي في بلاد الفرس :

   وفي إيران ... أسّس القاضي عضد الدين الايجي مدرسةً ، أنجب فيها

---------------------------
(1) ونحن أيضاً أوردناه بطوله لنفس الغرض ، وليعلم ـ بالمقارنة بينه وبين ما سننقله عن التفتازاني في المتن والماتن ـ من الحاقد التعصّب !
(2) كشف الظنون 1 | 346 ـ 351 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 14 _

  عدةً من الأعلام المشهورين ، وعلى رأسهم سعد الدين التفتازاني . فألّف الايجي كتاب ( المواقف ) وألّف التفتازاني كتاب ( المقاصد ) .
  وهذان الكتابان ينظران في بحوثهما إلى ( التجريد ) كما لا يخفى على من قارن بينه وبين الكتابين ، لكنّهما لم يصرّحا بذلك ، لكنّا نرى التفتازاني عندما لم يتمالك نفسه ، فيضطّر الى ذكر ( التجريد ) ومؤلّفه ، يذكرهما بسوء أدبٍ ، ممّا يدل على مدى تغيّظه ويكشف عن حقده ، فيقول :
   " ومن العجائب أن بعض المتأخرين من المتشغّبين ، الذين لم يروا أحداً من المحدّثين ، ولا رووا حديثاً في أمر الدين ، ملأوا كتبهم من أمثال هذه الأخبار والمطاعن في الصّحابة الأخيار ، وإن شئت فانظر في كتاب التجريد المنسوب إلى الحكيم نصير الطوسي ، كيف نصر الأباطيل وقرّر الأكاذيب ؟ والعظماء من عترة النبي وأولاد الوصي الموسومون بالدراية ، المعصومون في الرواية ، لم يكن معهم هذه الأحقاد والتعصّبات " (1) .
3 ـ مدرسة ابن تيمية في بلاد الشام :

  وفي الشام أسّس أحمد بن عبد الحليم الحراني المعروف بابن تيميّة المتوفى سنة 728 مدرسته المشتهرة باسمه ، والتي أنجبت ثلّةً من العلماء وعلى رأسهم : محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيّم الجوزيّة المتوفى سنة 751 .
  وقد اشتهر من كتب ابن تيميّة كتابه الذي أسماء ( منهاج السنّة ) ألّفه رداً على كتاب ( منهاج الكرامة ) للعلامة الحلّي المذكور آنفاً ... فتجاوز فيه جميع الحدود الشرعيّة والآداب الاسلامية ، ولم يخل منه ورقة من أنواع السبّ والشّتم ، للحلّي وشيخه الطّوسي ، حتى قال في موضعٍ من كتابه :
   " إنّ هذا الرّجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنّه كان وزير الملاحدة

---------------------------
(1) شرح المقاصد 5 | 265 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 15 _

الباطنّية الاسماعيليّة ، ثما لمّا قدم الترك المشركون هلاكو أشار عليه بقتل الخليفة بقتل أهل العلم والدين ، واستبقاء أهل الصناعات والتجارات ، الذين ينفعونه في الدنيا ، وأنّه استولى على الوقف الذي للمسلمين ، وكان يعطي منه ما شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم السّحرة وأمثالهم ، وأنه لما بنى الرصد الذي بمراغة على طريقة الصابئة المشركين كان أخس الناس نصيباً منه من كان إلى أهل الملل أقرب ، وأورفرهم نصيباً من كان أبعدهم عن الملل ، مثل الصابئة المشركين ، ومثل المعطّلة وسائر المشركين ، وإن ارتزقوا بالنجوم والطب ونحو ذلك .
   ومن المشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار بواجبات الاسلام ومحرّماته ، ولا يحافظون على الفرائض كالصلاة ، ولا ينزعون عن محارم الله من الخمر والفواحش وغير ذلك من المنكرات ، حتى أنهم في شهر رمضان يذكر عنهم من إضاعة الصلاة وارتكاب الفواحش وفعل ما يعرفه أهل الخبرة بهم ، ولم يكن لهم قوّة وظهور إلاّ مع المشركين ، الذين دينهم شر من دين اليهود والنصارى ...
  وبالجملة ، فأمر هذا الطوسي وأتباعه في المسلمين أشهر وأعرف من أن يوصف .
  ومع هذا ، فقد قيل : إنه كان في آخر عمره يحافظ على الصلوات ، ويشتغل بتفسير البغوي والفقه ونحو ذلك ، فإن كان قد تاب من الإلحاد فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئّات " (1) .

موجز ترجمة نصير الدين الطّوسي :

  وهذه الكلمات إن دلّت على شيء فإنّما تدل على سخافة عقل ابن تيمية ، وبذاءة لسانه ، وقلّة دينه وورعه ... أمّا الامام نصير الدين الطّوسي فقد ترجم له بكلّ إكبارٍ وتبجيلٍ وتعظيم علماء القرن الثامن قبل غيرهم ، ففي ( فوات

---------------------------
(1) منهاج السنة 2 | 99 ـ 100 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 16 _

  الوفيات ) لابن شاكر الكتبي المؤرخ الشهير المتوفي سنة 764 :
   " نصير الدين الطوسي : محمد بن محمد بن الحسن ، نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب علم رياضي ، كان رأساً في علم الأوائل ، لا سيّما في الأرصاد والمجسطي ، فإنه فاق الكبار ، وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو " ثم ذكر بعض قضاياه وأحواله مع وهولاكو ، الدالة على دهائه ، ثم ذكر أسماء مصنفّاته وقال : " وكان للمسلمين به نفع ، خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم ، وكان يبّرهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقافهم ، وكان مع هذا كلّه فيه تواضع وحسن ملتفى " قال : " وكان يعمل الوزارة لهولاكو من غير أن يدخل يده في الأموال " (1) .
   وقال ابن كثير المتوفى سنة 774 : " النصير الطوسي ، محمد بن عبدالله الطوسي ، كان يقال له : المولى نصير الدين ، ويقال : الخواجا نصير الدين ، اشتغل في شبيبته وحصّل علم الأوائل جيداً ، وصنف في ذلك في لم الكلام ، وشرح الاشارات لابن سينا ، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الاسماعيلية ، ثم وزر لهولاكو ، وكان معه في واقعة بغداد ، ومن الناس ( يعني ابن تيمية ) من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة ، فالله اعلم ، وعندي أن هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ، وقد ذكره بعض البغاددة فأثنى عليه وقال : كان عاقلاً فاضلاً كريم الأخلاق ، ودفن في مشهد موسى بن جعفر " (2) .
  وقال أبو الفداء المتوفى سنة 732 : " الشيخ العلاّمة نصير الدين الطوسي ، واسمه محمد بن محمد بن الحسين ، الامام المشهور ، وله مصنّفات عديدة كلّها نفيسة ، ودفن في مشهد موسى والجواد (3) .
  وقال الذهبي المؤرخ المتوفى سنة 748 : " خواجا نصير الدين الطوسي ، أبو

---------------------------
(1) فوات الوفيات 3 | 246 .
(2) البداية والنهاية 13 | 267 .
(3) المختصر في أخبار البشر 4 | 8 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 17 _

عبدالله محمد بن محمد بن حسن . مات في ذي الحجة ببغداد ، وقد نيّف على الثمانين ، وكان رأساً في علم الأوائل ، ذا منزلة من هؤلاكو " (1) .
موجز ترجمة ابن تيمية :

   لكنّ ابن تيميّة معروف بالتهجّم على الكل ، فلم يسلم منه أحد من أئمة المذاهب والفرق ، ولذلك ولعقائده الفاسدة وآرائه الباطلة ، أفتى كبار أئمة أهل السّنة بضلالته ووجوب حبسه ، حتى يتوب ، فبقي في السجن حتى مات .
   فلاحظ ترجمته في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني 2 | 247 ، والبدر الطالع للشوكاني 2 | 260 وغيرهما .
  ففي الدرر الكامنة : " نودي عليه بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمّه وماله " .
  وفي البدر الطّالع : " صرّح محمد البخاري الحنفي المتوفى سنة 841 بتبديعه ثم تكفيره ، ثم صار يصرّح في مجلسه : أن من أطلق القول على ابن تيمية أنه شيخ الاسلام فهو بهذا الاطلاق كافر " .
   وقال ابن حجر المكي صاحب الصّواعق في فتاواه :
  " ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الامام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد إبي الحسن السبكي ، وولده التاج ، والشيخ الامام العز ابن جماعة ، وأهل عصرهم وغيرهم ، من الشافعية المالكية والحنفيّة ، ولم يقصر اعتراضه على متأخرّي الصوفية ، بل اعترض على مثل عمر بن الخطّاب وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ .

---------------------------
(1) العبر 3 | 326 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 18 _

   والحاصل : انه لا يقام لكلامه وزن ، بل يرمى في كلّ وعرٍ وحزن ، ويعتقد فيه أنّه مبتدع ضال مضل غال ، عامله الله بعدله ، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله . آمين " (1) .

---------------------------
(1) الفتاوى الحديثية : 86 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 19 _

2 ـ علم الكلام

  تعريفه :
  الظاهر أن لا اختلاف كبير في تعريف علم الكلام وفائدته والغرض من وضعه ، فقد قال الايجي : " الكلام علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشبه " .
   قال : " فائدته : أمور :
   الأول : الترقي من حضيض التقليد الى ذروة الايقان ...
   الثاني : إرشاد المسترشدين بإيضاح المحجّة ، وإلزام العاندين بإقامة الحجة .
   الثالث : حفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبه المبطلين .
   الرابع : أن يبنى عليه العلوم الشرعيّة فإنّه أساسها ...
   الخامس : صحة النّية والاعتقاد ، إذ بها يرجى قبول العمل " .
   قال : " وغاية ذلك كلّه الفوز بسعادة الدارين " .
   وقال التفتازاني : " الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلّة اليقينية " قال : " وغايته : تحلية الايمان بالايقان ، ومنفعته : الفوز بنظام المعاش ونجاة المعاد " .
   والفيّاض اللاهيجي شارح التجريد ذكر كلا التعريفين في كتابه ( شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام ) .
   فالغرض الذي من أجله وضع علم الكلام من قبل علماء الاسلام هو

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 20 _

عقائدهم ، إذ التقليد في الأصول غير جائز عند اكثر العلماء ـ إن لم يكن كلّهم ـ وأنّه لا بد على كلّ مكلّف من النظر فيها .
   فهذا هو الهدف الأول من وضع هذا العلم وتدوينه والتأليف فيه ، فهو من العلوم الضرورية للأمة ، لأنه العلم المتكفّل لبيان ما على المكلّفين الالتزام به من الناحية الاعتقادية ، كما أن علم الفقه يتكفّل بيان ما يجوز وما لا يجوز لهم من الناحية العملية جواز التقليد فيه .
   وكما أن علم الفقه هو السبب في بقاء الشريعة في أحكامها الفرعية ، كذلك علم الكلام في الحفاظ على الأصول الاعتقاديّة .
   على أن من الطبيعي أنّه إذا استوعب الإنسان الأدلّة والبراهين ، تمكّن من الدّفاع عن معتقداته ، والاجابة عن الشبهات المتوجهة اليه ، بل ودعوة الآخرين إليها بقلمه ولسانه .
   ومن هنا كثر اهتمام العلماء بهذا العلم ، وكثرت الكتب المؤلّفة فيه من مختلف المذاهب الاسلاميّة .

علم الكلام من أسباب هزائمنا ؟

   تبيّن أن موضوع علم الكلام هو أصول الدين ، من التوحيد وصفات الباري ، والنبوة وشئونها والنّبي وصفاته ، والمعاد ... وغير ذلك ... وأن الغرض منه معرفة هذه الاصول ودعوة الآخرين إليها بالحكمة والموعظة الحسنة ... فكيف يكون من أسباب هزائم المسلمين أمام اعداء الاسلام ؟
  إنّه طالما بنيت الأصول الإعتقادية على الحق ، وقصد بالبحث عنها الوصول الى الحقيقة والواقع ، والتزم الباحث ـ لا سيّما في مرحلة إقامة الحجة على الغير ـ بالعدل والانصاف ، والاخلاق الكريمة ، والقواعد المقرّرة للمناقشة والمناظرة ... كان علم الكلام من خير أسباب صمودنا أمام الأعداء ، ووحدتنا فيما بيننا ...

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 21 _

أمّا إذا كان الغرض من علم الكلام هو التغلّب على الخصم ولو بالسبّ والشتم ، فلا شك في أن هذا الأسلوب فاشل ، وأنّه سيودّي الى تمزّق المسلمين وتفرّق صفوفهم ، وإلى الهزيمة أمام الأعداء ...
  فالقول بأنّ " أسلوب علم الكلام فشل حتى الآن " وأنه " أحد أسباب هزائمنا " على اطلاقه ليس بصحيح ...
  وعلى الجملة ، فإنّ علم الكلام لم يكن في يومٍ من الأيام من أسباب ضعف المسلمين ، وهزيمتهم ، بل كان ـ متى ما استخدم على حقيقته واتّبعت أساليبه الصحيحة ، وطبقّت قواعده الرّصينة ـ من أسباب وحدة كلمة المسلمين ورصّ صفوفهم وصمودهم أمام الخصوم ... ولا ننكر أن بعض المتكلّمين اتّخذوه وسيلةً لتوجيه عقائدهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة ، إلاّ أنّ هذا لا يختص بعلم الكلام ، فقد اتخذ غيره من العلوم الاسلامية وسيلةً للأهداف والأغراض المخالفة للحق والدين ... وهذا لا يسوّغ إتهام " العلم " بل على النّاس أن يفرّقوا بين المتكلّمين ، فيعرفوا المحق فيتبّعوه ، ويعرفوا المغرض فيحذروه ...

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 22 _

3 ـ الإمامة

الامامة في علم الكلام :

   وانصبّ اكثر اهتمام علماء الكلام من الفرق المختلفة بموضوع " الامامة " ، لأنّ " الإمامة " كما عرّفت في كتب الشيعة والسنة : " نيابة عن النبي في أمور الدين والدنيا " ولأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ـ في الحديث المتفق عليه ـ " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " ، فتكون الشئون الدينية والدنيوية منوطة كلها بالامام ، وتكون معرفته ثم طاعته واجبةً في جميع المجالات .
   أمّا الشيعة فالإمامة عندهم ـ للحديث المذكور وغيره من الأدلة النقلية والعقلية ـ من أصول الدين ، فيشملها موضوع علم الكلام ... وأما . السّنّة فإنّهم ـ وان اضطربوا وتذبذبوا ـ بحثوا عنها في هذا العلم بالتفصيل .
  وعلى كلّ حالٍ فقد أصبح موضوع الامامة يشكل أحد الأبواب الواسعة في الكتب الكلاميّة ، ولا يزال يشغل بال جلّ علماء الكلام ، حتّى ألّفوا فيه كتباً مفردةّ لا تحصى ...

الإمام بعد النبي ؟

   واختلف المسلمون في هذه المسألة ، فقيل : الامام بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو " علي بن أبي طالب " ... للنصوص الكثيرة الدالّة على ذلك ، المتفق عليها بين المسلمين ... وقد عرف القائلون بهذا القول بـ " الشيعة " .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 23 _

  وقيل : الإمام بعد النبي هو " أبو بكر بن أبي قحافة " وقد عرف القائلون بهذا القول بـ " السنة " ... لكنّهم يعترفون بأن لا نص على إمامة أبي بكر ... فضلاً عن أن يكون متفّقاً عليه ... فإذا طولبوا بالدليل ـ بعد الاعتراف بما ذكر ـ قالوا : الدليل إجماع الصّحابة ... في حين يعترفون بأنّ إمامة أبي بكر إنما انعقدت ببيعة " عمر بن الخطّاب " و " أبي عبيدة ابن الجراح " وأن كثيرين من أعلام الصّحابة امتنعوا عن البيعة ، وعلى رأسهم "علي بن أبي طالب " و " الزهراء بضعة الرسول " .

موقف علي والزهراء من خلافة أبي بكر :

  ولا ريب في أنهما كانا على رأس الذين أبوا عن البيعة مع أبي بكر ، ففي كتابي البخاري ومسلم :
   " كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفيّت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه عند ذلك .
   قال : معمر : قلت للزهري : كم مكثت فاطمة بعد النبي " ص " ؟
   قال : ستة أشهر .
   فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ـ رضي الله عنه ـ حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها ؟
   قال : ولا أحد من بني هاشم " .
   قال البيهقي : " رواه البخاري في الصحيح من وجهين عن معمر .
   ورواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وغيره عن عبدالرزاق " (1) .
   وعن عائشة : " إن فاطمة ـ عليها السلام ـ ابنة رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم

---------------------------
(1) السنن الكبرى 6 | 300 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 24 _

ـ سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم : أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله ممّا أفاء الله عليه . فقال لها أبوبكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركناه صدقة .
   فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر .
  فلم تزل مهاجرته حتى توفّيت .
   وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر " (1) .
فقال التفتازاني :
  " وأمّا توقّف علي ـ رضي الله عنه ـ في بيعة أبي بكر رضي الله عنه فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة من الحزن بفقد رسول الله ، صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يتفرّغ للنظر والاجتهاد ، فلمّا نظر وظهر له الحق دخل فيما دخل فيه الجماعة " .
   ولا أظنّ التفتازاني نفسه يرتضي هذا الحمل ، ولكنه من " ضيق الخناق " !
   إنّه يقول هذا بالنسبة إلى " علي " ، أمّا بالنسبة إلى غيره فيقول :
   " إنّهم اشتغلوا بأمر الإمامة عن دفن الرّسول " !!
   ولا يعرّض التفتازاني ـ ولا غيره ـ إلى الجواب عن إباء الزهراء الصدّيقة وامتناعها من البيعة لأبي بكر ، حتى أنّها توفّيت ولم بتايعة ، ولم يحملها بعلها على البيعة ، وهما يعلمان بأنّ " من مان ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة " !
   والزهراء ـ كما يعلم الجميع ـ بضعة الرّسول وروحه التي بن جنبيه ، من أغضبها فقد أغضبه ، كما في الأحاديث المتفق عليها ، والتي لأجلها قال غير واحدٍ من أعلام السنّة بكونها أفضل من الشيخين (2) .
   ومن هنا يظهر الجواب عمّا جاء في كلام العضد وشارحه والتفتازاني وغيرهم

---------------------------
(1) صحيح البخاري . كتاب الخمس ، وفي باب غزوة خيبر . أخرجه هو مسلم في باب قوله " ص " : لا نورّث .
(2) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 4 | 421 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 25 _

من : أنه عليه السلام لو كان هو المنصوص عليه بالإمامة لما ترك محاجّة القوم ومخاصمتهم ، وإظهار النص عليه والتمسّك به (1) .
   السّنة عيال على المعتزلة :
   لكنّ أهل السّنة ـ إذا أمعنت النظر وأنصفت ـ لا أساس لما يقولون به في مسألة الامامة ، بل إنّ غاية ما يحاولونه توجيه ما فعله القوم ، وتبرير ما هو الواقع تاريخياً ، أمّا أنّ الحق ما هو ؟ وما الذّي أراده الله ورسوله منهم ؟
   كما أنهم يحاولون الردّ على الأدلة العقلية والنصوص المتفق عليها ... لكنّهم في هذه المرحلة عيال على متكلّمي المعتزلة ، فإنّ مباحث الامامة في ( المواقف ) و ( المقاصد ) ـ وهما أهّم كتب القوم في الكلام ـ مأخوذة ـ في الأغلب ـ من الفخر الرازي ، وهو في أغلب بحوثه عيال على المعتزلة .
   فالشبهات التي طرحوها حول " العصمة " مأخوذة من كتاب ( المغني ) للقاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي المتوفى سنة 415 ، الذي ردّ عليه الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 بكتاب ( الشافي ) (2) .
   وكذا إنكار ظهور المعجزة على يد الإمام وعلمه بالمغيّبات (3) .
   وكذا حملهم نصوص إمامة أمير المؤمنين على زمن ما بعد عثمان (4) .
   وكذا دعوى التفتازاني أنّ النصّ الجلي على أمير المؤمنين ممّا وضعه هشام بن الحكم ونصره فلان وفلان (5) .
   وهكذا غيرها ... كما لا يخفى على المتتبّع .

---------------------------
(1) شرح المواقف 8 | 354 ، شرح المقاصد 5 | 360 .
(2) الشافي 1 : 137 ، 300 .
(3) الشافي 2 | 26 .
(4) الشافي 2 | 305 .
(5) الشافي 2 | 119 .