الفهرس العام

الإمامة


الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 151 _

تعريف الإمامة

  قال (234) :
   ( والإمامة رياسة عامة في أمر الدّين والدنيا خلافةً عن النبي ... )
  أقول :
   لا خلاف ظاهراً في تعريف الإمامة .
   والإمام هو المؤتمّ به ، أي المقتدى والمتّبع ، قال الله سبحانه لإبراهيم عليه السلام : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (1) .
   وقال العلاّمة الحلّى رحمة الله بتعريف الإمامة : ( الإمامة رياسة عامة في أمور الدّين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
   وقال المقداد السيوري رحمة الله بشرحه : ( الإمامة رياسة عامة في أمور الدّين والدنيا لشخص إنساني ، فالرياسة جنس قريب ، والجنس البعيد هو

---------------------------
(1) سورة البقرة : 118 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 152 _

النسبة ، وكونها عامة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنواب ، وفي أمور الدين والدنيا بيان لمتعلّقها فإنّها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا ، وكونها لشخص إنساني فيه إشارة إلى أمرين :
   أحدهما : أنّ مستحقّها يكون شخصاً معيّناً معهوداً من الله تعالى ورسوله ، لا أيّ شخص إتفق ، وثانيهما : إنّه لا يجوز أن يكون مستحقها أكثر من واحد في عصر واحد .
   وزاد بعض الفضلاء في التّعريف : بحقّ الأصالة ، وقال في تعريفها : الإمامة رياسة عامة في أمور الدّين والدنيا لشخص إنساني بحق الأصالة ، واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية ، فإنّ رياسه عامة لكن ليست بالأصالة .
   والحق : إنّ ذلك يخرج بقيد العموم ، فإنّ النائب المذكور لا رياسة له على إمامه ، فلا تكون رياسته عامة ، ومع ذلك كلّه : فالتّعريف ينطبق على النّبوة ، فحينئذٍ يزاد فيه : بحق النيابة عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو بواسطة بشر ) (1) .
قال :
   ( فإن قيل : الخلافة عن النبي إنّما تكون فيمن استخلفه النبي ، ولا يصدق التعريف على إمامة البيعة ونحوها ... قلنا : لو سلّم ، فالاستخلاف أعم من أن يكون بوسط أو بدونه ) .
أقول :
   لا نزاع في أنّ موضوع البحث هو الإمامة الحقّة التي وصفت في القرآن الكريم بعهد الله (2) دون السلطنة والملوكيّة ، وهذه الإمامة لا تكون إلاّ لمن

---------------------------
(1) النافع يوم الحشر ـ شرح الباب الحادي عشر : 44 .
(2) سورة البقرة : 118 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 153 _

استخلفه النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهو لا يفعل إلاّ بأمر من الله ، فمن ناله هذا العهد كان له الرئاسة العامة في أمور الناس الدّينيّة والدنيويّة نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
   ومن هنا يظهر أنّه لا بدّ من النصّ على الإمام ، فمن كان إماماً بالبيعة أو الشورى أو القهر والغلبة ... فتلك السّلطنة لا الولاية الإلهيّة ...
   وقد التفت السّعد إلى هذا فأجاب بأنّ الاستخلاف ( أعم من أن يكون بوسط أو بدونه ) .
   فإن أراد مطلق الاستخلاف فهو صحيح لكنّ الكلام ليس فيه ، وإن أراد خصوص استخلاف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كم هو الظّاهر ـ توقّف الأمر على معرفة ( الوسط ) وثبوت الاذن منه صلّى الله عليه وآله وسلّم في توسّطه ، فلا يجوز وصف ( إمامة البيعة ) بـ ( الخلافة عن النبي ) ما لم يقم الدليل المعتبر عنه في ذلك ، بحيث يكون الامام بالبيعة كالإمام المنصوص عليه من قبله مباشرة ، وعلى فرض ثبوت ذلك بالنسبة إلى خصوص ( البيعة ) فهل أنّ ( القهر والغلبة ) أيضاَ ( وسط ) يتحقّق به استخلاف النبي ؟ وهل يجوز تسمية من استولى بالقهر والغلبة بـ ( خليفة رسول الله ) و ( أمير المؤمنين ) كما عليه القوم ؟

الإمامة من الأصول

  قال (232) :
   ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق ... ) .
  أقول :
   لا نزاع ـ كما عرفت ـ في أنّ الإمامة خلافة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهي لا تكون إلاّ لمن استخلفه ، فهي من توابع ( النبوّة ) وفروعها ، فهي

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 154 _

  إذن من الأصول لا الفروع .
   وأيضاَ : ففي الأحاديث المتفق عليها ما يدل على أنّ الإمامة من أصول الدين ، منها قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) هذا الحديث الذي أرسل بهذا اللفظ في الكتاب 239 إرسال المسلّمات ، وأخرجه أحمد وغيره مسنداً بلفظ : ( من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ) (1) والبيهقي وغيره بلفظ : ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) (2) ، وروي أيضاً بألفاظ أخرى .
   وهذا هو الحق الذي عليه أصحابنا .
   وأمّا القوم فالمشهور بينهم أنّها من الفروع ، بل ادّعى عليه القاضي العضد الاجماع في المواقف (3) لكن عبارة السّعد : أنّ البحث عنها بالفروع أليق ، وعن القاضي البيضاوي القول بكونها من الأصول .

نصب الإمام

  قال (235) :
   ( واجب على الخلق سمعاً عندنا عامة المعتزلة ، وعقلاً عند بعضهم ، وعلى الله عند الشيعة ... لنا وجوه ... ) .
  أقول :
   قد وقع الانفاق بيننا وبين القوم على وجوب نصب الإمام . خلافاً لمن نفاه مطلقاً أو في بعض الحالات ... لكنهم يقولون بوجوب نصبه على الخلق ، وقد استدل في الكتاب بوجوه

---------------------------
(1) مسند أحمد 4 | 96 .
(2) سنن البيهقي 8 | 156 .
(3) المواقف في علم الكلام 8 | 344 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 155 _

  قال (236) :
   ( الأول وهو العمدة : إجماع الصّحابة ، حتى جعلوا ذلك أهم الواجبات ، واشتغلوا به عن دفن الرسول ... ) .
  أقول :
   نعم ، ترك أبوبكر وعمر ومن تابعها جنازة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على الأرض وأسرعوا إلى سقيفة بني ساعدة حيث اجتمع الأنصار ... للنّظر في أمر الخلافة ... وهي عندهم من فروع الدين !
  ثم أقبلوا على بني هاشم وأتباعهم ... الذين بقوا حول الجنازة ... يطالبونهم البيعة لأبي بكر ... !
   يقول السّعد 236 : ( روي أنّه لمّا توفي النّبي خطب أبوبكر فقال : أيها الناس ... ) .
   فالذين ( جعلوا ذلك أهم الواجبات ) ( حتّى قدّموه على دفن النبي ) هم طائفة من الصحابة لا كلّهم ، بل تلك الطائفة أيضاً لم يتحقق بينها الاجماع ـ بعد الصّياح والنزاع ـ بل بقي رئيس الخزرج وأتباعه مقاطعين لأبي بكر وعمر إلى أن مات ، فأين الاجماع ؟
   هذا حال الاجماع المدعى في المقام ( وهو العمدة ) فلا حاجة إلى الكلام حول الوجوه الأخرى ...
   وأمّا خطبة أبي بكر التي أوردها 236 فلا ذكر لها في كتب الحديث والسير ، ولا ندري من الرّاوي لها ، وفي أيّ كتاب ؟ ومن الذين خاطبهم بقوله : ( فانظروا وهاتوا آراءكم رحمكم الله ، فتبادروا من كلّ جانب ) ؟ وأين ؟ في السقيفة أو خارجها ؟ وكأنّ السعد أيضاً لا يدري شيئاً من ذلك ولذا يقول : ( روي ... ) ! .
   ثم إنّه يرد على القول بوجوب نصبه على الخلق إشكال مبني على ما رووه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : ( الخلافة بعدي ثلاثون سنت ) وعلى ما ذهبوا من أنّ الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وذلك أنه لو وجب نصب الإمام على الأمة لزم إطباقها في أكثر الأعصار على ترك الواجب ، لأنهم لم ينصبوا الإمام

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 156 _

المتصف بما يجب من الصّفات بعد علي عليه السلام ، أي منذ ثلاثين ينة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى اليوم ، لكن الأمة لا تجتمع على الضلالة ، فالنصب غيرواجب عليها .
   وقد تعرّض السّعد لهذا الإشكال فأجاب 239 عن لزوم اجتماع الأمة على الضّلالة بأنه ( إنما يلزم الضلالة لو تركوه عن قدرة وأختيار لا عجز واضطرار ) وأما عن الحديث فبأنه : ( من باب آحاد ) و ( يحتمل الصرف إلى الخلافة على وجه الكمال ) .
قلت : لكن فيه :
   أولاً : إنه يقتضي تقييد وجوب النصب على الخلق بحال القدرة والاختيار ، والحال أنّ كلماتهم مطلقة ، فراجع المواقف وغيره من كتبهم .
   وثانياً : إنه لم يتّفق في تاريخ الاسلام إجتماع الأمة على الامام الحق فاضطروا إلى متابعة غيره ، بل إنهم غدروا الحق وخذلوه كما كان في قوم موسى وغيره من الأنبياء ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الحديث المتفق عليه : ( لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ... ) (1) .
   وثالثاً : إذا اجتمعت الأمة على إمامة الامام غير الحق فهل هذه ضلالة أو لا ؟ لازم كلامه وجوب إطاعة هذا الامام وكونهم على حق !! بل صريح كلامهم في غير موضع إمامة الفاقد للشرائط بل إمامة من صار إماماً بالقهر الغلبة ، ففي الكتاب 257 ( ومن صار إماماً بالقهر والغلبة ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه ) فهل يريدون من هذه الإمامة ، نفس ما هو موضوع البحث ، أعني ( الخلافة عن النبي ) ؟ وهل يجعلون هكذا شخص مصداقاً لقوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ولقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( من مات ولم يعرف

---------------------------
(1) هذا الحديث بهذا اللفظ ونحوه متفق عليه بين المسلمين ، ومن رواته من أهل السنة : أحمد والبخاري والترمذي ... أنظر : فيض القدير شرح الجامع الصغير 5 | 261 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 157 _

  إمام زمانه مات ميتةً جاهلية ) فيوجبون معرفته وطاعته ؟
  إن قالوا : لا بل نريد من إمامته الملوكية والسلطنة ، بل هو صريح الكتاب 245 حيث قال :
  ( مبنى ما ذكر في باب الإمامة على الاختيار الإقتدار ، وأما عند فقد صارت الرياسة الدنيوية تغلبيّة ، وبنيت عليها الأحكام الدينية المنوطة بالامام ضرورة ، ولم يعبأ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط ، والضرورات تبيح المخظورات ، وإلى الله المشتكى في النائبات ، وهو المرتحبى لكشف الملمات ) .
   قلنا : فذلك خارج عن البحث ، فلماذا يدخل فيه ؟ ولماذا يستدل لوجوب معرفته وإطاعته بالآية والحديث كما في الكتاب 329 ؟
   وإن قالوا : نعم . قلنا : فما الفرق بين هذا الامام الفاقد للعلم العدالة وغيرها من الصفات المعتبرة وبين الواجد لها ؟ وأيّ ثمرة لذكر صفات الامام والقول باعتبارها ؟
   وأمًا الحديث فيردّ جوابه عنه بأنّه خبر واحد : استدلاله هو به تبعاً لشيخه العضد على إمامة أبي بكر ومن بعده 266 ويردّ احتمال صرفه : أنه تأويل بلا دليل ، ولذا عبّر بالإحتمال ...
   وأمّا أصحابنا فلا يتخطّون عن التّعريف ... فالإمامة نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وخلافة عنه في كلّ ما لأجله بعث ، فهي من توابع النبوة وفروعها ، وكلّ دليل قام على وجوب بعث النبي وإرسال فهو دال على وجوب نصب الامام النائب عنه والقائم مقامه في وظائفه ... واستدلّوا على ذلك بأدلةٍ كثيرة من الكتاب والسنة والعقل ... لم تذكر في الكتاب ...
   أمّا في الكتاب فآيات منها قوله تعالى : ( وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ... ) (1) .

---------------------------
(1) سورة القصص : 68 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 158 _

   وأمّا من السنّة فأخبار منها : ما ثبت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه لمّا عرض نفسه على بعض القبائل ، ودعاهم إلى الله والاسلام ، قال له رجل منهم : ( أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرت الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
   قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ) (1) .
وأمّا من العقل فوجوه :
   منها : الوجوه الدالة على اعتبار العصمة والأفضلية في الامام ، لأن العصمة حالة خفية لا يطّلع عليها إلاّ الله سبحانه ، وكذا الأفضلية ، فيجب أن يكون النصب من قبله .
   ومنها : قاعدة اللطف ، ولم يذكر في الكتاب إلاّ هذا الوجه ، وكذلك فعل القاضي العضد في المواقف ... ليوهم أن لا دليل لأصحابنا غيره ... ثم منع ـ تبعاً له ـ وجوب اللطف على الله ... 241 .
   أقول : اللطف عندنا : ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبّعده عن المعصية ولا حظّ له في التمكين ولا يبلغ الإلجاء ، لتوقف غرض المكلّف عليه ، وإنّ المريد لفعل من غيره إذا علم أنّه لا يفعله إلاّ بفعل يفعله المريد من غير مشقة لو لم يفعله لكان ناقصاً لغرضه ، وهو قبيح عقلاً (2) .
   ولا ريب في أنّ ( الامام ) كذلك ، مثل ( النبي ) .
   فنصب الامام واجب على الله كبعث النبي ، لتكون ( الله الحجّة البالغة ) (3) و ( لئلا يكون الناس على الله حجة ) (4) و ( ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من

---------------------------
(1) السّيرة النبوية لابن هشام 2 | 66 ، السيّرة الحلبية 2 | 154 .
(2) الباب الحادي عشر للعلامة الحلي : 35 .
(3) سورة الأنعام : 149 .
(4) سورة النساء : 164 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 159 _

حي عن بيّنة ) (1) .
   وحينئذٍ لا يقال بأن لا وجوب على الله ، ولا حكم للعقل في مثل ذلك ، لأنّ معنى هذا الوجوب العقلي درك العقل حسن إرسال الرسول ونصب الإمام ، إذ بذلك يعرف الله ويعبد ، وهذا هو الغرض من الخلقة حيث قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون ) (2) .
   فسقط منع وجوب اللّطف ... وتفصيل الكلام في كتب علمائنا الأعلام ، كالذخيرة والشافي وتلخيصه وتجريد الإعتقاد وشرحه وغيره من كتب العلامة الحلي وشروحها وغير ذلك .
   ثم إنّ القاضي العضد لم يشكل في الاستدلال بهذا الوجه ـ بعد منع وجوب اللّطف ـ إلاّ بأنّ اللّطف الذي ذكرتموه إنّما يحصل بإمام ظاهر قاهرٍ (3) وتبعه السّعد فأورده وتكلّم عليه ، وليته اقتدى بشيخه فلم يذكر غيره من الايرادات الباردة السخيفة ، كقوله 241 .
   ( إنّ أداء الواجب وترك القبيح مع عدم الإمام أكثر ثواباً لكونهما أشق وأقرب إلى الإخلاص ، لاحتمال انتفاء كونهما من خوف الامام ، وأيضاً : فإنّما يجب لو لم يقم لطف آخر مقامه كالعصمة مثلاً ، فلم لا يجوز أن يكون زمان يكون الناس فيه معصومين مستغنين عن الامام ؟ ... ) .
   فإنّ الأوّل منهما مستلزم لرفع اليد عن أصل الوجوب ، لكنّ أصحابنا ذكروا في اللّطف أن لا يبلغ حدّ الإلجاء ... والثاني منهما محال ، وعلى فرضه فخروج عن البحث ، لأنّ الكلام في نصب الإمام ليقتدي به الأنام ، وإذا كان جميع الناس معصومين كانوا جميعاً أئمّة فمن المأموم ؟
---------------------------
(1) سورة الأنفال : 42 .
(2) سورة الذاريات : 56 .
(3) المواقف في علم الكلام 8 | 348 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 160 _

وأمّا الاشكال بالنقض بالامام الغائب عن الأبصار فقال 241 .
   ( وأيضاً : إنّما يكون منفعة ولطفا واجباً إذا كان ظاهراً قاهراً زاجراً عن القبائح ، قادراً على تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء الاسلام وهذا ليس بلازم عندكم ، فالإمام الذي ادّعيتم وجوبه ليس بلطف ، والذي هو لطف ليس بواجب .
   وأجاب الشيعة : بأن وجود الإمام لطف سواء تصرّف أو لم يتصرّف ...
   وردّ : بأنّا لا نسلّم أن وجوده بدون التصرف لطف ... وثانياً : لأنه ينبغي أن يظهر لأوليائه ... ) .
أقول :
ولا يخفي سقوط الوجهين :
   أمّا الأول فإنّ منشأه توهّم أنّ الإمامة هي السلطنة الظاهريّة فحسب ، لكنّه عرّفها بأنّها رياسة في الدين والدّنيا ... وكذلك عرّفها غيره ، وقد عرفت أن لا خلاف هنا ... فهي منصب إلهي كالنبوة ، فكما أنّ النبوة باقية ، كذلك مع السلطة الدنيوية والحكومة الظاهرية وقد تفترق عنها والنبوة باقية ، كذلك الامامة ، و ( البعث ) و ( النصب ) من الله في جميع الأحال على حاله ، و ( النبي ) و ( الامام ) باقيان على النبوة والامامة . وعلى الناس الانقياد لهما والتسليم لأوامرهما ونواهيهما ، ولا إلجاء من الله كما عرفت ، فإن فعلوا اجتمع الرياستان وتمّ اللطف ، وإلاّ افتراقتا ولم تبطل النبوة والامامة ، بل خسرت الأمة فوائد بسط اليد ونفوذ الكلمة منهما . على أن وجود النبي أو الامام الفاقد للسطنة الظاهرية ينطوي على بركاتٍ وآثار يفهمها أهلها ، حتى ولو كان غائباً عن الأبصار .
   وأمّا الثاني : فإن ظهوره لأوليائه واقع ، وتلك كتبهم المؤلّفة في هذا الباب من السابقين والـلاّحقين ، فيها حكايات وقصص يروونها عن طريق الثقات المعتمدين ، فكم من مسألة علميّةٍ أجاب عنها ، ومشكلةٍ عامةٍ أو خاصةٍ حلّها ، وحاجةٍ مهمّةٍ قضاها ... لكنّه في أكثر الأحيان لا يعرف ، ولا يعرّف نفسه إلاّ لخواص أوليائه من عباد الله الصالحين ، الذين لا تخلو منهم الأرض في كلّ عصر وزمان ...

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 161 _

ما يشترط في الإمام

  قال (224) :
  ( يشترط في الإمام أن يكون : مكلفاً ، حراً ، ذكراً ، عدلاً ... وزاد الجمهور : إشتراط أن يكون شجاعاً ... مجتهداً ... ذا رأي ... واتفقت الأمة على اشتراط كونه قرشياً ، أي : من أولاد نضر بن كنانة ، خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة . لنا : السنّة والاجماع ... ) .
أقول :
  قد عرفت في التعريف أن ( الامام ) إنّما هو ( خليفة النّبي ) ... والقوم لم يشترطوا فيه بالاتفاق إلاّ :
  التكليف والحريّة والذّكورة والعدالة .
  واختلفوا في شروط هي :
الشجاعة والاجتهاد والرأي

  قال :
  ( واتفقت الأمة على اشتراط كونه قرشياً ) فادّعى الاتّفاق ، لكن قال :
  ( خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة ) !!
  ثمّ استدل لإشتراط القرشيّة بالكتاب والسنة ... وأصرّ عليها إصراراً ... ر أقول :
  أمّا التكليف والحريّة والذكورة ... فالواجدون لها من أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالآلاف ، وكذا ( العدالة ) لا سيّما بناء على المشهور بينهم من أصالة العدالة في الصّحابة ، وكذا ( الشجاعة ) و ( الرأي ) فإنهما ـ على القول باعتبارهما ـ كانا في كثير من الصحابة ، وكذا ( الاجتهاد في الأصول والفروع ) عند القوم ، وبه يوجّهون المخالفات الصريحة من الصّحابة ... فما الذي رجّح أبابكر وعمر وعثمان على غيرهم من الصّحابة فكانوا خلفاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 162 _

وسلّم دونهم ؟
   بل في الصّحابة من هو خير منهم في ما عدا الصفات الثلاثة الأولى ، ولذا وقع الاختلاف بين القوم في اشتراط ما عداها !!
   ثم إنّ الواجدين لهذه الصفات كلّها في قرش جمع غفير ... فما الذي ميّز الثلاثة عن غيرهم ؟ على أنّ اعتبار القرشيّة ينافي مذهب عمر بن الخطّاب ... فإنّه تمنى حياة بعض الموالي ليجعل فيه الخلافة من بعده ! فقد قال : " لو كان سالم حيّاً ما جعلتها شورى ) يعنى : سالم بن معقل مولى أبي حذيفة وكان من أهل فارس من اصطخر ، وقيل : إنّه من عجم الفرس من كرمد ، ذكر ذلك ابن عبدالبرّ ، وقال : كان من فضلاء الموالي ، ثمّ حمل كلام عمر على أنّه كان يصدر فيها عن رأيه (1) ولا يخفى بعده عن الكلام كلّ البعد ، وقد رووا كلامه بلفظ : ( لو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك ) وعنه ( لو استخلفت سالماً مولى أبي حذيفة فسألني عنه ربي ما حملك على ذلك لقلت ربي سمعت نبيّك صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول إنّه يجبّ الله تعالى حقاً من قبله ) (2) .
   بل رووا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما ينافي اعتبار القرشية بصراحة ، فقد أخرج أحمد بسنده عن عائشة قالت : ( ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في جيش قط إلاّ أمرّه عليهم ولو بقى بعده استخلفه ) (3) .
   والواقع أنّهم يسعون في تقليل شرائط الإمامة وتهوينها كي يتمكنوا من إثبات إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ... وإلاً فقد عرفت أنّ ( الامامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبي ) ... فيعتبر في الإمام أن يكون كالنّبي ، أي إنّ الله ما نصب للإمامة أحداً إلاّ كان واجداً لصفات من نصبه نبياً ، بأن كان أفضل الناس

---------------------------
(1) الاستيعاب 2 | 567 .
(2) حلية الأولياء 1 | 177 .
(3) المسند 6 | 226 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 163 _

وأعلمهم ، معصوماً من الخطأ والنسيان مطلقاً ... فما كان للقاضي العضد من جواب عن هذا إلاّ أن قال : ( إنا ندلّ على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء ممّا ذكر ) و ( إنّ أبابكر لا تجب عصمته إتفاقاً ) (1) .
قال (246) :
   ( واشترط الشيّعة أن يكون هاشمياً بل علوياً ، وعالماً بكلّ أمر حتى المغيّبات ، قولاً بلا حجة ، مع مخالفة الاجماع ، وأن يكون أفضل أهل زمانه ، لأنّ تقديم المفضول قبيح عقلاً ، ونقل عن الأشعري ، تحصيلاً لغرض نصبه وقياساً على النبوة ، وردّ بالقدح في قاعدة القبح ... وأن يكون معصوماً ... ) .
أقول :
   مذهب أصحابنا أن الصّفات المعتبرة في الإمام ، والتي لأجلها يكون النصب من الحكيم العلاّم ، لم تتوفّر إلاّ في أمير المؤمنين وأبنائه الأحد عشر عليهم الصلاة والسّلام ، فكانوا هو الأئمّة ، دون غيرهم من أفراد الأمة ... فإن أراد من قوله : ( اشترطت الشيعة أن يكون هاشمياً بل علويّاً ) هذا المعنى فهو صحيح ، وأمّا كونه ( عالماً بكلّ أمر حتى المغيّبات ) .
   فهو لازم مقام الامامة التي هي النيابة عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والوراثة له في كلّ شيء إلاّ الوحي ، فان النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان عالماً بكلّ أمرٍ حتّى المغيّبات ، كما هو صريح القرآن الكريم في غير واحدة من الآيات .
   بل لقد ادّعى القوم العلم بالغيب لبعض الصحابة ، من ذلك ما رووه في صحاحهم في حذيفة بن اليمان أنّه : ( أعلمه رسول الله بما كان وما يكون إلى يوم القيامة ) (2) .

---------------------------
(1) المواقف في علم الكلام 8 | 350 .
(2) مسند أحمد 5 | 386 ، صحيح مسلم ـ كتاب الفتن ، الاصابة 1 | 218 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 164 _

وبعد :
   فإنّ الأئمّة الأثني عشر عليهم السلام كانوا كذلك ، وتلك خطب أمير المؤمنين عليه السلام الدالّة على إحاطة علمه موجودة في الكتب ، وقد أذعن بها القاضي العضد والشريف الجرجاني (1) وبذلك تعرف ما في قول السّعد : ( وهذه جهالة تفرد بها بعضهم ) .
   وأمّا كونهم أفضل أهل زمانهم ... فسيذكر بعض الأدلة على ذلك وتقديم المفضول قبيح عندنا وعند الأشعري وأتباعه ن بل جاء في الكتاب 290 : ( ذهب معظم أهل السنّه وكثير من الفرقّ إلى أنه يتعيّن للامامة أفضل أهل العصر ) .
   ومن هذه العبارة يظهر ما في نسبة صاحب المواقف وشارحها القول بجواز تقديم المفضول إلى الأكثرين (2) .
   ومنها ومن قول ابن تيمية : ( تولية المفضول مع وجود الأفضل ظلم عظيم ) (3) يظهر أيضاً ما في ردّ بعضهم ( بالقدح في قاعدة القبح ) .
   هذا ، وإنّ عمدة الصّفات المستلزمة للأفضلية هي ( الأعلميّة ) و ( التقوى ) فقد قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (4) وقال : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) (5) وكذا دلّت الأحاديث النّبوية ، ودلّ عليه العقل وقام الإجماع كما نص في الكتاب 301 ... وسيذكر بعض الأدلة على أنّ عليّاً عليه السلام أعلم الأمة وأتقاها بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ...
   وعلى الجملة فإنّ الإمام منصوب من العليم الحكيم ، كما أنّ النبي مبعوث منه ، وكما يدلّ اختياره للنبوة على الأفضلية قطعاً كما نص عليه في الكتاب 247

---------------------------
(1) شرح المواقف 8 | 370 .
(2) شرح المواقف 8 | 373 .
(3) منهاج السنة 3 | 277 .
(4) سورة الحجرات : 13 .
(5) سورة الزمر : 9 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 165 _

كذلك يدل اختياره للإمامة على الأفضلية ، ومن هنا أجاب في الكتاب عن وجوه القول بجواز تقديم المفضول بقوله 247 : بأنّها لا تصلح للاحتجاج على الشيعة ( فإن الإمام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق ) .
   وأمّا العصمة ... فلا حاجة إلى إقامة الدليل على اشتراطها في الامام ، بعد أن عرفت أنّ ( الامامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبي ) فيعتبر في الامام كلّ ما يعتبر في ( النبّي ) إلاّ النبوة ، ومنه العصمة ، وأنّه لمّا كانت العصمة أمراً خفيّاً لا يطّلع عليه أحد كان النص من الله تعالى هو الطّريق إلى معرفة الإمام وتعيينه ، بل كان على الخصم إقامة الدّليل على عدم وجوب العصمة ، فلذا جاء في الكتاب 249 :
   ( إحتجّ أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالاجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم ...وقد يحتج كثير بأن العصمة ممّا لا سبيل للعباد إلى الإطّلاع عليه ، فإيجاب نصب إمامٍ معصوم يعود إلى تكليف ما ليس في الوسع ) .
أقول :
   ولا يخفى سقوط الوجهين ، أمّا الأول فالاجماع على إقامة القوم غير واقع ، وأمّا الثاني ، فالأنّه موقوف على أن يكون النصب بيد الخلق وهوباطل ... ولذا اضطر السّعد إلى أن يقول 249 :
   ( وفي انتهاض الوجهين على الشيعة نظر ) .
   ومع ذلك فقد استدل أصحابنا لا شتراط العصمة بوجوهٍ من الكتاب والسنة والعقل ... وقد ذكر بعضها :
قال (249) :
   ( احتجّوا بوجوه : الأوّل : القياس على النبّوة ... وردّ بأنّ النبّي مبعوث من الله ، مقرون دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته ... ولا كذلك الإمام فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سيبل لهم إلى معرفة عصمته ... ) .
أقول :

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 166 _

   ليس أمر الامامة مقيساً على النبوة ، بل هي من توابع النبوة وشئونها كما عرفت ، وكما أنّ النبي مبعوث من الله فكذلك الامام منصوب منه ، وكما أنّ دعوى النّبي مقرونة بالمعجزات ، فكذلك الامام تظهر المعجزة على يده متى اقتضت المصلحة ، ولذا كان ظهور المعجزة على يده قائماً مقام النص ، كما نص عليه علماؤنا (1) ... والعجب من السّعد كيف يقول : ( فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته ) فانّه ليس إلاّ مصادرة ، مع أنّه يناقض كلامه السابق حيث اعترض على الاحتجاج بجواز تقديم المفضول بأنّ ( الأفضليّة أمر خفي ) قائلاً : بأنّ ( هذا وأمثاله لا يصلح للاحتجاج على الشيعة ، فإنّ الامام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق ) !!
قال : (250) :
   ( الثّاني : إنّ الامام واجب الطاعة . قال الله : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (2) ... والجواب : إنّ وجوب طاعته إنّما هو فيما لا يخالف الشّرع ... ) .
أقول :
   إن الأمر المطلق بالإطاعة المطلقة دليل العصمة ، لا سيّما في هذه الآية حيث عطف ( أولي الأمر ) على ( الرّسول ) ، ولذا اعترف إمامهم الفخر الرازي بدلالة الآية على العصمة (3) وأمّا حمله ( أولي الأمر ) على غير ( الإمام ) فيردّه عدم إنكار السّعد الاستدلال من هذه الناحية .
قال : (250) :
   ( الثالث : إنّ غير المعصوم ظالم ... والجواب ... ) .

---------------------------
(1) تلخيص الشافي 1 | 274 ، الباب الحادي عشر : 48 .
(2) سورة النساء : 59 .
(3) تفسير الفخر الرازي 10 | 144 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 167 _

أقول :
   قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) .
   وإذا عرفنا ( الظالم ) و ( العهد ) ظهر وجه الاستدلال .
   فأمّا ( الظالم ) فهو عند أهل اللغة وكثير من العلماء : واضح الشيء في غير موضعه (2) وغيره المعصوم كذلك كما هو واضح .
   وأمّا ( العهد ) فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون ـ (3) هو ( الامامة ) .
   فمعنى الآية : إن غير المعصوم لايناله الإمامة .
   هذا وجه الاستدلال ، ولا يخفى الإضطراب في كلمات السّعد لدى الجواب .
قال ( 251) :
   ( الرّابع : إنّ الأمة إنما يحتاجون إلى الإمام لجواز الخطأ عليهم في العلم والعمل ، ولذلك يكون الإمام لطفاً لهم ... والجواب : إنّ وجوب الإمام شرعي ، بمعنى أنه أوجب علينا نصبه ... ) .
أقول :
   وفيه ، إنّه مصادرة ... وهذا أيضاً منه تناقض ظاهر .
قال : (251) :
   ( الخامس : إنه حافظ للشّريعة ، فلو جاز الخطأ عليه لكان ناقضاً لها ... والجواب : إنه ليس حافظاً لها بذاته ، بل بالكتاب والسنّة وإجماع الامة واجتهاده الصحيح ، فإن أخطأ في إجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردّون

---------------------------
(1) سورة البقرة : 118 .
(2) قاله الراغب في المفردات 315 .
(3) الرازي 3 | 40 ، البيضاوي 26 ، أبو السعود العمادي 1 | 156 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 168 _

والآمرون بالمعروف يصدّون ... ) .
  أقول :
   إنه حافظ للشريعة ـ أي ما في الكتاب والسنة ـ بذاته ، بأن يعلّمها المؤمنين بها ، ويدعو الآخرين إليها ، وينفي تحريفات المبطلين عنها ... كما أنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كذلك ، وأمّا الكتاب والسنّة فلا يخفظان الشّريعة لأنّهما محتاجان إلى الإمام المبيّن لهما .
   ثم إنّ الإمام ليس مجتهداً ، بل شأنه شأن النبي ووظيفته وظيفته كما ذكرنا ، فلا يجوز عليه الخطأ ألبتة فضلاً عن المعصية ... حتى يردّه المجتهدون ويصدّه الآمرون بالمعروف .
   ثم من أين يؤمن المجتهدون ... والآمرون ... عن الخطأ والمعصية ؟ ومن يكون الرّاد والصادّ لهم عن ذلك ؟ وان كانوا لا يخطأون ولا يعصون كانوا هو الآئمّة ووجب على الإمام إطاعتهم !
 قال (252) :
   ( السادس : إنه لو أقدم على المعصية فإمّا أن يجب الإنكار عليه ، وهو مضاد لوجوب إطاعته ... والجواب : إن وجوب الطاعة إنما هو فيما لا يخالف الشّرع ... ) .
أقول :
   ومن المشخّص للمخالف للشّرع عن غير المخالف ؟ إن كان غير معصوم فهو كالأول ، وإن كان معصوماً فهو الإمام .
قال : (252) :
   ( السّابع : إنّه لابدّ للشرّيعة من ناقل ، ولا يوجد في كلّ حكمٍ حكم أهل التواتر معنعناً إلى إنقراض العصر ، فلم يبق إلاّ أن يكون إماماً معصوماً عن الخطأ ، والجواب : إنّ الظنّ كافٍ في البعض ...وأمّا القطعي فإلى أهل التواتر أو جميع الأمة ، وهم أهل عصمة عن الخطأ فلا حاجة إلى معصوم بالمعنى الذي

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 169 _

قصد . ثمّ ـ وليت شعري ـ بأيّ طريق نقلت الشّريعة إلى الشيعة من الإمام الذي لا يوجد منه إلاّ الاسم ) .
أقول :
   لو سلّمنا كفاية الظن في البعض ، فالرجوع في القطعي إلى أهل التواتر مع احتمال السّهو عليهم لا يفيد ، سلّمنا أنه لا يجوز عليهم السّهو فما المانع من عدولهم من النقل تعمّداً لبعض الأغراض والدواعي ؟ وكذا الكلام في الرجوع إلى جميع الأمة ، ودعوى عصمتهم عن الخطأ ممنوعة ، لانّ ما جاز على آحاد الأمة جائز على جميعها .
   وأمّا الشّريعة فقد انتقلت إلى الشّيعة عن الأئمّة السابقين على الغائب عليه السّلام ، وهو حي موجود ينتفع به كالانتفاع بالشمس السحاب .
   هذا ، واعلم أنّ جميع هذه الشبهات التي طرحها السّعد حول هذه الأدلة إنّما هي مأخوذة من كتاب ( المغني في الإمامة ) للقاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي ، فالقوم في الردّ على الشّيعة عيال على المعتزلة ، لكن أصحابنا أجابوا عنها بأجوبة كافية شافية ، كما لا يخفى على من راجع ( الشافي ) و ( تلخيصه ) وغيرهما .
   ثم إنّه يدل على اعتبار العصمة في الإمام من السنّة أحاديث ، منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ، وحديث : ( على مع القرآن والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض ) (1) فإنّه يفيد ثلاثة أمور : أحدها : معنى العصمة وهو عدم التخطّي عن القرآن ، والثاني : اشتراط هذا المعنى في الامام .
   والثالث : وجوده في علي عليه السلام .
قال (252) :
   ( وأمّا اشتراط المعجزة والعلم بالمغيّبات ... فمن الخرافات ) .
أقول :

---------------------------
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 | 124 والذهبي في تلخيصه وصحّحاه .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 170 _

دعوى أنّ ذلك كله خرافات لا دليل عليها ، والأصل في إنكار ظهور المعجزة على يد الامام هو القاضي عبدالجبار المعتزلي أيضاً ، وقد أجاب عنه الشريف المرتضى الموسوي في كتاب ( الشّافي ) فليت السّعد لاحظ كلامه ...
   وممّا قال رحمه الله : ( إنّ المعجزة هو الدال على صدق من يظهر على يده فيما يدّعيه ، أو يكون كالمدعي له ، لأنّه يقع موقع التصديق ، ويجري مجرى قول الله تعالى له : صدقت فيما تدّعيه عليّ ، وإذا كان هذا هو حكم المعجز لم يمتنع أن يظهره الله تعالى على يد م يدّعي الإمامة ليدّل به على عصمته ووجوب طاعته والانقياد له ، كما لا يمتنع على يد من يدّعي نبوّته ... ) (1) .
   وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : ( فصل في إيجاب النص على الامام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدال على إمامته ) (2) .
   وقال العلامة الحلّي : ( الامام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلابدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه ) (3) .
   وأمّا أحاطة علمه فلم ينكره القاضي العضد والشريف الجرجاني .
   وأمّا علمه باللّغات وغير ذلك ... فلا دليل على منعه ، بل الدليل على ثبوته كما هو الحال في النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .

طريق ثبوت الإمامة

   مذهب أصحابنا أن لا طريق إلى ثبوت الإمامة إلاّ النّص أو ما يقوم مقامه وهو ظهور المعجز على يد المدّعي لها ، وذهب القوم إلى ثبوتها بالنصّ والبيعة .

---------------------------
(1) الشافي في الإمامة 1 | 196 .
(2) تلخيص الشافي 1 | 275 .
(3) الباب الحادي عشر : 48 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 171 _

  قال (255) :
   ( لنا على كون البيعة والاختيار طريقاً : إنّ الطريق إمّا النص وإما الاختيار ، والنص منتف في حق أبي بكر مع كونه إماماً بالاجماع ، وكذا في حق علي على التحقيق . وأيضاً : إشتغل الصّحابة بعد وفاة النبي ... فكان إجماعاً على كونه طريقاً ، ولا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ) .
  أقول :
   لقد أقرّ بانتقاء النص في حق أبي بكر .
   وكونه إماماً دعوى تحتاج إلى إثبات ، والاجماع غير متحقق .
   ونفي النص في حق علي عليه السلام لا يسمع ، لأنّ المثبت مقدّم على النافي .
   ولا يخفى إختلاف تعبيره بين النّفيين .
   هذا في الوجه الأول .
   وفي الثاني : إنّ اشتغال ( الصحابة ) بعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم غير حاصل ، بل المشتغلون بعضهم ، والاجماع بين هذا البعض غير حاصل فكيف بالكلّ ؟ وإذ لم يتحقق الإجماع فلا عبرة بقوله ( لا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ) .
   هذا كلّه بغضّ النّظر عن المفاسد المترتبة على الإختيار ، وبغض النظر عن عدم الدليل على اعتبار إجماع الصحابة بل الأمة ما لم يكن بينهم معصوم .
   ومن العجب أنهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى ( الأمّة ) ويزعمون أن إمامة أبي بكر كانت بالاجماع ، ثم يقولون بأنّه يتحقق ( باختيار أهل الحلّ والعقد وبيعتهم ) و ( من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ) 254 ، ثم يقولون بأنّه ( ينعقد بعقد واحد منهم ) 254 !
   فانظر كيف نزلوا من ( الخلق ) و ( الأمة ) و ( الإجماع ) إلى ( أهل الحلّ والعقد ) إلى ( الواحد ) !
   وكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إيجاب إتباع من لم ينص الله عليه ولا

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 172 _

  رسوله ، ولا اجتمعت الأمة عليه ، على جميع الخلق ، في شرق الدّنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد ؟!
  قال (255) :
( احتجت الشيعة بوجوه :
   الأول : إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً أفضل من رعيّته ... وردّ بمنع المقدمتين ... ) .
  أقول :
   قد ثبت تماميّة المقدّمتين ، وتقدّم أنّه لولا العصمة والأفضلية بالأعلمية وأمثالها من الصّفات لم يبق فرق بين الإمام والمأموم ، فالأمران معتبران في الإمام ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بالاختيار ، فانحصر الطريق في النص .
  قال (255) :
   ( الثاني : إنّ أهل البيعة لا يقدرون على تولية مثل القضاء ... وردّ بمنع الصغرى ... ولو سلّم فذلك لوجود من إليه التّولية وهو الإمام ... ) .
  أقول :
   أمّا ما ذكره أوّلاً فلا يخفى ما فيه ، إذ لا ولاية لقاضي التحكيم وللشاهد على القاضي ، وأمّا ما ذكره ثانياً ـ ولعلّه إنّما ذكره لالتفاته إلى المغالطة في كلامه ـ ففيه : أنه خروج عن الكلام ، فإنّه في طريق تعيين الإمام ...
  قال (255) :
   ( الثالث : إنّ الإمامة لإزالة الفتن ، وإثباتها بالبيعة مظنّة إثارة الفتن ، لاختلاف الآراء ... وردّ بأنّه لا فتنة عند الانقياد للحق ... ) .
  أقول :
   ولكنّ المشخّص للحق ما هو ؟ هل البيعة أو النصّ ؟ إن كان الأول ففيه المحذور ، فلا مناص من الثاني .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 173 _

   وقوله : ( نزاع معاوية لم يكن في إمامة علي بل في أنه هل يجب عليه بيعته قبل الاقتصاص من قتلة عثمان ؟ ) باطل جداً :
   أمّا أوّلاً : فلأنّه أخذ البيعة من أهل الشام لنفسه بالامامة .
   وأما ثانياً : فلأنّه وصف هو وأتباعه بالفئة الباغية ، فلو كان توقفه عن البيعة للإمام عليه السلام لما ذكره لما وصفوا بذلك .
   وأمّا ثالثاً : فلأنّ الإمام عليه السلام بايعه فضلاء الصحابة وعظماء المسلمين من غير منازعة في شيء ، ومن معاوية لينفرد بمنازعة الامام عليه السلام بما ذكر ؟
   لقد كان الأولى بالسّعد أن يجلّ نفسه عن الدفاع عن البغاة !!
   وكذا قوله ( ولو سلّم فالكلام فيما إذا لم يوجد النص ... ) لأنّ الكلام في طريق ثبوت الإمامة ، وهو إمّا النص كما هو الحق وإمّا الاختيار كما يقولون ، وإذ كان الاختيار منشأ المفاسد فالرجوع إلى النصّ هو المتعيّن ، وفرض عدمه أوّل الكلام ...
قال (256) :
   ( الرابع : إنّ الإمامة خلافة الله ورسوله ... وردّ بأنّه لمّا قام الدليل الدليل من قبل الشارع ـ وهو الاجماع ـ على انّ من اختاره الأمة خليفة الله ورسوله كان خليفة سقط ما ذكرتم ... ) .
أقول :
   أولاّ : إنّه لم تتحقّق صغرى هذا الإجماع .
   وثانياً : لو سلّمنا تحقّقه ، فأين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم التام سنداً ودلالةً الكلّ على أنّ الأمّة إذا أجمعت على اختيار شخص خليفة لله ورسوله كان خليفة ؟
   وثالثاً : لو سلّمنا وجود هكذا قول فقد عاد الأمر إلى النص .
   ورابعاً : لو سلّمنا قيام الاجماع المذكور وكفايته عن النص فهو قائم ـ

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 174 _

بالفرض على أنّ من اختاره ( الأمة ) ... لا من اختاره ( الواحد ) .
   وهذا من موارد تناقضاتهم ...
قال ( 256) :
   ( الخامس : إنّ القول بالاختيار يؤدّي إلى خلوّ الزمان عن الإمام ... وردّ بأنّه ... ) .
أقول :
   نعم إنّ القول بالاختيار يؤدّى إلى خلوّ الزمان عن الامام ، فيتسلّط الجبابرة الأشرار ويستولي الظلمة والكفّار ... ولمّا كانت هذه المفسدة مترتبة على الاختيار فانّه يسقط عن الطريقية ويتعيّن النّص ، وهنا يلتجأ القوم إلى تقييد الاختيار بحال ( الاقتدار ) ويقولون بوجوب إطاعة الكفّار والفجّار ... عند ( العجز والاضطرار ) ولم يعبأ حينئذٍ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط ... 245 ... !
   وهذا كلّه للفرار عن الرجوع إلى النّص والإنكار له !!
قال (256) :
   ( السّادس : إنّ سيرة النبّي وطريقته على أنّه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة ... فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة ... ؟ والجواب : إنّ ذلك مجرّد استبعاد ، على أن التفويض إلى اختيار أهل الحلّ والعقد واجتهاد أرباب الألباب نوع استخلاف ... ) .
أقول :
هل إنّ ذلك مجرّد استبعاد حقاً ؟ ليته لم يقله واكتفى بما ادّعاه من التفويض ... لكن فيه :
   أولاً : أين الدليل التام المقبول على هذا التفويض ؟
  وثانياً : على فرض ثبوته فإنّه إلى ( إختيار أهل الحلّ والعقد ... ) كما ذكر ، لا إلى ( واحد ) منهم إن كان منهم .
   وثالثاً : إنّ تفويض الأمر إلى الأصحاب محال ، لأنّه لا يخلو صلّى الله عليه

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 175 _

وآله وسلّم من أن يكون عالماً بما سيقع بين الأصحاب وسائر الأمة من الافتراق الاختلاف أو يكون جاهلاً بذلك ، فإن كان عالماً ففوّض الأمر إليهم مع ذلك فقد خان الله والاسلام والمسلمين ـ والعياذ بالله من ذلك ، وإن كان جاهلاً بما سيكون فهذا نقص كبير والعياذ بالله من نسبته إليه ... وإذا كان اللازم من الخيانة والجهل محالاً فالملزوم وهو التفويض محال .
قال ( 257) :
   ( السابع : إنّ النبي كان لأمّته بمنزلة الأب الشفيق لأولاده الصّغار وهو لا يترك الوصيّة في الأولاد إلى واحد يصلح لذلك ، فكذا النبي في حق الأمة .
   الثامن : قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) (1) ، ولا خفاء في أنّ الإمامة من معظمات أمر الدين ، فيكون قد بيّنها وأكملها ... والجواب عنهما بمثل ما سبق ) .
أقول :
   توضيح الوجه السّابع هو : إن نسبة عدم الوصيّة إلى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خطيئة كبيرة لا تغفر أبداً ، فالوصيّة ممّا ندب إليه الكتاب والسنة والعقل والاجماع ، قال الله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ) (2) وقال رسول الله : ( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده ) (3) .
   وإذا كان هذا حكم الرّجل بالنسبة إلى أولاده ، وأمواله ، فالنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي يريد مفارقة أمّته وهو بالنسبة إليهم كالأب الشفيق كذلك بل أولى .
   وهل هذا مجرّد استبعاد ؟

---------------------------
(1) سورة المائدة : 3 .
(2) سورة البقرة : 176 .
(3) راجع صحيحي البخاري ومسلم في كتاب الوصايا .