الفهرس العام

رسالة
في حديث ( سيّدا كهول أهل الجنّة )


الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 451 _

بسم الله الرحمن الرحيم

  قال الترمذي : ( حدّثنا الحسن بن الصباح البزّار ، حدّثنا محمد بن كثير العبدي ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين إلاّ النبييّن والمرسلين .
   قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .
   حدّثنا عليّ بن حجر ، أخبرنا الوليد بن محمد الموقري ، عن الزهري ، عن عليّ بن الحسين ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ طلع أبوبكر وعمر ، فقال رسول الله عليه وسلّم : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين ، يا عليّ لا تخبرهما .
   قال : هذا الحديث غريب من هذا الوجه ، والوليد بن محمد الموقري يضعّف في الحديث ، ولم يسمع عليّ بن الحسين من عليّ بن أبي طالب .
   وقد روي هذا الحديث عن عليّ من غير هذا الوجه .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 452 _

   وفي الباب عن أنس وابن عبّاس .
  حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، قال : ذكر داود ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ما خلا النبيّين والمرسلين ، لا تخبرهما يا عليّ ) (1) .
   وقال ابن ماجة : ( حدّثنا هشام بن عمّار ، ثنا سفيان ، عن الحسن بن عمارة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين ، لا تخبرهما يا عليّ ما داما حيّين ) (2) .
   وقال : ( حدّثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي ، ثنا عبد القدّوس بن بكر بن خنيس ، ثنا مالك بن مغول ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أبوبكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين ) (3) .
   وقال عبدالله بن أحمد : ( حدّثني وهب بن بقية الواسطي ، ثنا عمر بن يونس ـ يعني اليمامي ـ عن عبدالله بن عمر اليمامي ـ عن الحسن بن زيد بن الحسن ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : كنت عند النبي صلّى الله عليه وآله وسّلم فأقبل أبوبكر وعمر رضي الله عنهم ، فقال : يا عليّ ، هذان سيّدا كهول أهل الجنّة وشبابها بعد النبيّين والمرسلين ) (4) .

---------------------------
(1) صحيح الترمذي 5 | 570 .
(2) سنن ابن ماجة 1 | 36 .
(3) سنن ابن ماجة 1 | 38 .
(4) المسند 1 | 80 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 453 _

نظرات في سنده :
   أقول : قد ذكرنا أهمّ أسانيد هذا الحديث في أهمّ كتبهم ، فالترمذي يرويه بسنده عن أنس بن مالك ، وهو وابن ماجة وعبدالله بن أحمد يروونه عن أمير المؤمنين عليه السلام .. وابن ماجة يرويه عن أبي جحيفة .. وربّما روي في خارج الصحاح عن بعض الصحابة لكن بأسانيد اعترفوا بعدم اعتبارها (1) .
   وأوّل ما في هذا الحديث إعراض البخاري ومسلم عنه ، فإنّهما لم يخرجاه في كتابيهما ، وقد تقرّر عند كثير من العلماء ردّ ما اتّفقا على تركه ، بل إنّ أحمد بن حنبل لم يخرجه في مسنده أيضاً ، وإنّما أورده ابنه عبدالله في زوائده (2) ، وقد نصّ أحمد على أنّ ما ليس في المسند فليس بحجّة حيث قال في وصف كتابه : ( إنّ هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه ، فإن كان فيه وإلاّ فليس بحجّةٍ :


   فقد رواه عنه الترمذي بطريقين ، وعبدالله بن أحمد بطريقٍ ثالث .


   أولاّ : بأنّ عليّ بن الحسين لم يسمع من عليّ بن أبي طالب ، والواسطة بينهما غير مذكور ، وهذا قادح على مذهب أهل السنّة .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 1 | 89 .
(2) لم يذكر في مادة ( كهل ) من معجم ألفاظ الحديث النبوي إلاّ هذا المورد ، وهو من حديث عبدالله بن أحمد وليس لأحمد نفسه .
(3) لاحظ ترجمة أحمد في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 454 _

   وثانياً : بأنّ الوليد بن محمد الموقري يضعّف في الحديث .
   وقال ابن المديني : ضعيف لا يكتب حديثه .
   وقال الجوزجاني : كان غير ثقة ، يروي عن الزهري عدّة أحاديث ليس لها أصول .
   وقال أبو زرعة الرازي : لينّ الحديث .
   وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث .
   وقال النسائي : ليس بثقة ، منكر الحديث .
   وقال ابن خزيمة : لا يحتّج به .
   وقال ابن حبّان : روى عن الزهري أشياء موضوعة .
   بل قال ابن معين ـ في رواية عنه ـ : كذّاب ، وكذا قال غيره (1) .
قلت :
   وهذا الحديث عن الزهري !!
   وأمّا ( الزهري ) ، فقد ترجمنا في بعض بحوثنا السابقة فلا نعيد .


   فهو عن الشعبي عن الحارث عن علي ... عند الترمذي ... أمّا الشعبي ، فقد ترجمنا في بعض البحوث السابقة .
   وأمّا الحارث ، وهو ( الحارث بن عبدالله الأعور ) فإليك بعض كلماتهم فيه :
   أبو زرعة : لا يحتجّ بحديثه .
   ابو حاتم : ليس بقويّ ولا ممّن يحتجّ بحديثه .
   النسائي : ليس بالقويّ .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 11 | 131 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 455 _

   الدار قطني : ضعيف .
   ابن عديّ : عامّة ما يرويه غير محفوظ .
   بل وصفه غير واحدٍ منهم بالكذب !
   بل عن الشعبي ـ الراوي عنه ـ : كان كذّاباً !! وقد وقع هذا عندهم موقع الإشكال ! كيف يكذّبه ثم يروي عنه ؟! إنّ هذا يوجب القدح في الشعبي نفسه !
   فقيل : إنّه كان يكذّب حكاياته لا في الحديث ، وإنّما نقم عليه إفراطه في حبّ عليّ ! (1) .
   قلت : إن كان كذلك فقد ثبت القدح للشعبي ، إذ الإفراط في حبّ عليّ لا يوجب القدح ولا يجوّز وصفه بالكذب ، ومن صفا هنا ترى أنّ غير واحدٍ ينصّ على وثاقة الحارث ... هذا ، ولا حاجة إلى النظر في حال رجال السندين حتى الشعبي ، وإلاّ فإنّ ( الحسن بن عمارة ) عند ابن ماجة :
   قال الطيالسي : قال شعبة : ائت جرير بن حازم فقل له : لا يحلّ لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنّه يكذب ...
   وقال ابن المبارك : جرحه عندي شعبة وسفيان ، فبقولهما تركت حديثه .
   وقال أبو المروزي عن أحمد : متروك الحديث .
   وقال عبدالله بن المديني عن أبيه : كان يضع .
   وقال أبو حاتم ومسلم والنسائي الدار قطني : متروك الحديث .
   وقال الساجي : ضعيف متروك ، أجمع أهل الحديث على ترك حديثه .
   وقال الجوزجاني : ساقط .
   وقال ابن المبارك عن ابن عيينة : كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يحدّث عن الزهري جعلت إصبعيّ في أذنيّ .

---------------------------
(1) لاحظ ذلك كلّه بترجمة الحارث من تهذيب التهذيب 2 | 126 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 456 _

   وقال ابن سعد : كان ضعيفاً في الحديث .
   وقال السهيلي : ضعيف بإجماع منهم (1) .
   قلت : فهذا حال هذا الرجل الذي روي عنه ابن ماجة ! وروى عنه سفيان مع علمه بهذه الحال ! وإذا كان سفيان جارحاً له فكيف يروي عنه؟! ألا يوجب ذلك القدح في سفيان كذلك وسقوط جميع رواياته عنه؟! وهذا الحديث من ذلك !


  وهو رواية عبدالله ، ففيه :
   أوّلاً : إنّه ممّا أعرض عنه أحمد بناءً على ما تقدّم .
   وثانياً : إنّ فيه الحسن بن زيد ... قال ابن معين : ضعيف ، وقال ابن عديّ : ( أحاديثه عن أبيه أنكر ممّا روى عن عكرمة ) (2) .
   قلت : وهذا الحديث من ذاك !
   وثالثاً : إنّ لفظه يشتمل على ( وشبابها ) وهذا يختصّ بهذا السند وهو كذب قطعاً .
وأمّا الحديث عن أنس :
وهو الذي أخرجه الترمذي ، ففيه :
وهو الذي أخرجه الترمذي ، ففيه :
   ( قتادة ) وكان مدلّساً ، يرمى بالقدر ، رأساً في بدعةٍ يدعو إليها ، حاطب ليل ، حدّث عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم ... إلى غير ذلك ممّا قيل فيه (3) .
   و( أنس بن مالك ) نفسه لايجوز الاعتماد عليه ، لا سيّما في مثل هذا

---------------------------
(1) لاحظ هذه الكلمات وغيرها بترجمته من تهذيب التهذيب 2 | 263 .
(2) تهذيب التهذيب 2 | 243 .
(3) لاحظ ترجمته في تهذيب التهذيب 8 | 317 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 457 _

  الحديث ، فقد ثبت كذبه في حديث الطائر المشويّ (1) وكتمه للشهادة بالحقّ حتى دعا عليه عليّ عليه السلام ، وهو مع الحقّ (2) .


وهو الذي أخرجه ابن ماجة ، ففيه :
   ( عبد القدّوس بن بكر بن خنيس ) قال ابن حجر : ( ذكر محمود بن غيلان عن أحمد وابن معين وأبي خيثمة أنّهم ضربوا على حديثه ) (3) .
تتمّة :
   إنّه لا يخفى اختلاف لفظ آخر الحديث عن عليّ ، ففي لفظ : ( لا تخبرهما يا علّي ) وفي آخر ( لا تخبرههما يا عليّ ما داما حيّين ) وفي ثالث لم يذكر هذا الذيل أصلاً ... !
   أمّا في الحديث عن أنس فلا يوجد أصلاً ... ولماذا نهى عليّاً من أن يخبرهما ؟! ولماذا لم ينه أنس عن ذلك ، بل بالعكس أمره بأن يبشّرهما ـ وعثمان ـ في حديثٍ يروونه عنه .

---------------------------
(1) حديث الطائر المشويّ من أشهر الأحاديث الدالّة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام خلافته ، أخرجه عشرات الأئمّة والعلماء الأعلام في كتبهم ، منهم : الترمذي والحاكم والطبراني وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر وابن الأثير ... راجع منها المستدرك 3 | 130 .
(2) كان ذلك في قضيّة مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام الناس في رحبة الكوفة بأنّ من شهد منهم غدير خمّ فليقم ويشهد ، فشهد جماعة من الحاضرين وامتنع أنس في نفر منهم ... فدعا عليهم الإمام عليه السلام ... روى ذلك : ابن قتيبة والبلاذري وابن عساكر وآخرون ... راجع كتاب الغدير 1 | 192 .
(3) تهذيب التهذيب 6 | 329 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 458 _

   لم أجد ـ في ما بيدي من المصادر ـ لذلك وجهاً ... إلاّ عند ابن العربي المالكي ... فإنّه قال : ( قال ذلك لعليّ ليقرّر عند تقدّمهما عليه )!! وأنّه ( نهاه أن يخبرهما لئلاّ يعلما قرب موتهما في حال الكهولة )!! (1) .
   وهل كان يحتاج عليّ إلى الإقرار إن كان تقدّمهما عليه بحقّ؟!
   وهل كان يضرّهما العلم بقرب موتهما في حال الكهولة؟! وهل كانا يخافان الموت ؟! ولماذا ؟!

---------------------------
(1) عارضة الأحوذي 13 | 131 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 461 _

بسم الله الرحمن الرحيم
   الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .
   أمّا بعد ، فهذه صفحات يسيرة تضمّن تحقيق حديث ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ) اقتصرت فيها على البحث في هذا الحديث من النواحي التالية :
   1 ـ كلمات كبار الأئمّة والحفّاظ من أهل السنة ورأيهم فيه .
   2 ـ نظرات في أسانيده على ضوء آراء علماء الجرح والتعديل منهم .
   3 ـ تأملات في متنه ومعناه ومؤدّاه .
   ومن الله أستمد العون ... وهو ولي التوفيق .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 462 _


الصحبة لغة : المعاشرة أو الملازمة (1) ، يقال : صحبته أصحبه صحبة فأنا صاحب ، والجمع : صحب ، وأصحاب ، وصحابة (2) .
   قال الراغب : ( ولا يقال في العرف إلاّ لمن كثرت ملازمته ... ) (3) .
   فصاحب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ على ما يقتضيه معنى الكلماته لغة ـ من عاشره ، أو لازمه ، سواء كان مسلماً أو كافراً ، برّاً أو فاجراً ، مؤمناً به أو منافقاً ... إذا الأصل في هذا الاطلاق ـ كما قال الفيومي ـ ( لمن حصل له رؤية ومجالسة ) (4) .
   وإذا تبين معنى ( الصحبة ) في اللغة ، فلننتقل إلى الكلام حول ( الصحابي ) في الاصطلاح :

---------------------------
(1) القاموس المحيط ( صحب ) .
(2) المفردات في غريب القرآن ( صحب ) .
(3) قال ابن الأثير وغيره : إنه لم يجمع فاعل على فعالة إلاّ هذا .
(4) المفردات ( صحب ) .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 463 _


   إشتراط الأصوليّون والمحدّثون بالاجماع كونه مسلماً حتى يصحّ اطلاق اسم ( اصحابي ) عليه ، ثمّ اختلف كلماتهم في تعريفه :    فالمشهور عند الأصوليين هو : ( من طالت مجالسته مع النبي صلّى الله عليه وآله على طريق التتبع له والأخذ عنه ، بخلاف من وفد إليه وانصرف بلا مصاحبة ولا متابعة ) (1) .


   والمعروف بين جمهور المحدّثين : إنّ الصحابي هو : ( كلّ مسلم رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (2) .
   وقيل : ( من أدرك زمنه صلّى الله عليه وآله وإن لم يره ) (3) .
   وقال بعضهم : إنّه ( من لقي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مؤمناً به ومات على الإيمان والاسلام وإن تخللت ردة ) (4) .
   وهناك أقوال أخرى وصفت بالشذوذ .


   وأمّا النسبة إلى الصحابة وحالهم من حيث العدالة وعدمها ، فقد اختلف المسلمون على ثلاثة أقوال :

---------------------------
(1) مقباس الهداية ، الدرجات الرفيعة 10 .
(2) حكاه في المختصر 2 | 67 .
(3) حكاه في مقباس الهداية عن جماعة من المحدثين .
(4) اختاره الشهيد الثاني | 120 والسيد علي خان المدني | 9 وابن حجر العسقلاني 1 | 10 ونسبه شيخنا المامقاني وابن حجر إلى المحققين .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 464 _



   لقد ذهبت الفرقة ( الكاملية ) ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم إلى القول بكفر الصّحابة جميعاً (1) .
وهذا القول لا فائدة في البحث عن قائليه وأدلّتهم وردّها ...


   واشتهر بين أهل السنّة القول : بأنّ الصّحابة كلّهم عدول ثقات ، لا يتطرّق إليهم الجرح ، ولا يجوز تكذيبهم في شيء من رواياتهم ، وطّعن في الأقوال المنقولة عنهم ، فكأنّهم بمجرّد صحبتهم للرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أصبحوا معصومين عن الخطأ ، ومحفوظين من الزلل ...
   قال المزني : ( كلّهم ثقة مؤتمن ... ) (2) .
   وقال الخطيب : ( عدالة الصّحابة ثابتة معلومة ... ) (3) .
   وقال ابن حزم : ( الصّحابة كلّهم من أهل الجنّة قطعاً ) (4) .
   وبهذا صرّح ابن عبدالبرّ (5) وابن الأثير (6) والغزالي (7) وغيرهم ... وأمّا دعوى الاجماع على ذلك من بعضهم كابن حجر العسقلاني (8) وابن

---------------------------
(1) ذكره السيد عبدالحسين شرف الدين في أجوبة مسائل جار الله | 12 .
(2) سيأتي نص كلامه في الكتاب .
(3) نقل ذلك عنه ابن حجر في الإصابة 1 | 17 ـ 18 .
(4) الاصابة 1 | 19 .
(5) الاستيعاب 1 | 8 .
(6) اسد الغابة 1 | 3 .
(7) إحياء علوم الدين .
(8) الاصابة 1 | 17 ـ 18 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 465 _

بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالبر (1) فيكذبّها نسبة هذا القول إلى الأكثر في كلام جماعة من كبار أئمتهم :
   قال ابن الحاجب : ( الأكثر على عدالة الصّحابة ، وقيل كغيرهم ، وقيل إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون ، لأن الفاسق غير معيّن ، وقالت المعتزلة ، عدول إلاّ من قاتل عليّاً ... ) (2) .
   وكذا في جمع الجوامع وشرحه حيث قال : ( والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة ... ) ثم نقل الأقوال الأخرى (3) .
   بل صرّح جماعة منهم السعد التفتازاني (4) والمارزي شارح البرهان (5) وابن العماد الحنبلي (6) والشوكاني (7) وآخرون ، ومن المتأخرين الشيخ محمود أبو رية (8) والشيخ محمد عبدة (9) والسيد محمد بن عقيل العلوي (10) والسيد محمّد رشيد رضا (11) والشيخ المقبلي (12) والشيخ مصطفى صادق الرافعي (13) وآخرون ... بأنّ الصحابة غير معصومين وفيهم العدول وغير العدول ... وهذا بعينه هو رأي الشيعة الامامية :

---------------------------
(1) الاستيعاب 1 | 8 .
(2) المختصر 2 | 67 وكذا في شرحه .
(3) النصائح الكافية | 160 .
(4) شرح المقاصد 5 | 310 .
(5) الاصابة 1 | 19 ، النصائح الكافية | 161 .
(6) النصائح الكافية | 162 عن الآلوسي .
(7) إرشاد الفحول .
(8) شيخ المضيرة أبو هريرة | 101 وراجع أضواء على السنة المحمدية له أيضاً .
(9) أضواء على السنة المحمدية .
(10) النصائح الكافية .
(11) شيخ المضيرة .
(12) المصدر نفسه .
(13) إعجاز القرآن .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 466 _


   فإنّهم أجمعوا على أن الصحابة كسائر الناس فيهم العادل والفاسق ، المؤمن والمنافق ، وأن الصحبة ليست بوحدها ـ وإن كانت شرفاً ـ مقتضية عصمتهم ونفي القبيح عنهم ، والقرآن مشحون بذكر المنافقين من الصحابة ، الذين آذوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأقوالهم وافعالهم في نفسه وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ... والأحاديث عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذم بعضهم كثيرة ... وكتب الحديث والآثار مشحونه بردّ بعضهم على بعض ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، وطعن بعضهم في رواية بعض ... وأمّا أئمّة الحديث وكبار التابعين فتلك آراؤهم بالنسبة إلى بعض الصحابة مسجلة في كتب الرجال والتاريخ :
   فقد سئل مالك بن أنس : ( عمن أخذ بحديثين مختلفين حدّثه بهما ثقة عن رسول الله عليه وآله وسلّم أتراه من ذلك في سعة ؟
   فقال : لا والله حتى يصيب الحق ، ما الحق إلاّ في واحد ، قولان يكونان صواباً ؟ ما الحق وما الصواب إلاّ في واحد ) (1) .
وعنه أنه سئل عن اختلاف الصحابة فقال :
   ( خطأ وصواب ، فانظر في ذلك ) (2) .
وعن أبي حنيفة :
   ( الصّحابة كلهم عدول ما عدا رجالاً ، ثم عدّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك (3) .
وعن الشافعي :

---------------------------
(1) احكام الاحكام لابن حزم .
(2) جامع بيان العلم لابن عبدالبر .
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 467 _

   ( إنّه سرّ إلى الربيع : لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد ) (1) .
وقال شعبة :
   ( كان أبو هريرة يدلّس ) (2) .
وعن الليث :
   ( إذا جاء الاختلاف أخذنا بالأحوط ) (3) .
   وإلى هذا كلّه استند الإمامية فيما ذهبوا إليه ... وأمّا أهل السنة فزعموا أن الله سبحانه ورسوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام قد زكيّا الصّحابة وعدّلاهم جميعاً ، فوجب المصير إلى ذلك ، تأويل كلّ ما يؤثر عنهم من المخالفات والمنافيات للنصوص الصريحة من القرآن والسنة ، واستدلوا في دعواهم تلك بآيات من القرآن الحكيم ، وأحاديث رووها في كتبهم عن الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم في فضل الصحابة ... وإنّ أشهر هذه الأحاديث المشار إليها هو : حديث ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ) وهو موضوع هذا البحث الوجيز ... فلنرجع ـ أولاً ـ إلى كتبهم لنرى ما هو رأى كبار أئمتهم وحفّاظهم في هذا الحديث :

---------------------------
(1) المختصر في اخبار البشر لأبي الفداء .
(2) البداية والنهاية لابن كثير .
(3) عن جامع بيان العلم .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 468 _


   لقد صرّح جماعة كبيرة من علماء أهل السنة وأئمّتهم في الحديث والتفسير والأصول والرّجال ، بضعف حديث بألفاظه وطرقه ، وبحيث لا يبقى مجال للريب في سقوط هذا الحديث عن درجة الاعتبار والاستناد إليه ، وإليك البيان :
  1 ـ أحمد بن حنبل إمام الحنابلة (241) .
إنّ الحديث النجوم غير صحيح عند أحمد بن حنبل ، نقل عنه ذلك جماعة منهم :    ابن أمير الحجاج في كتابه ( التقرير والتحبير ) .
   وابن قدامة في ( المنتخب ) .
   وصاحب ( التيسير في شرح التحرير ) (1) .


   وتوجد ترجمة أحمد بن حنبل في كافة المعاجم الرجالية كتاريخ بغداد 4 | 412 وحلية الأولياء 9 | 161 وطبقات الشافعية 2 | 27 ـ 63 وتذكره الحفاظ 2 | 17 ووفيات الأعيان 1 | 47 وشذرات الذهب 2 | 96 والنجوم الزاهرة 2 | 304 ... قال الذهبي :

---------------------------
(1) التقرير والتحبير لابن أمير الحاج ، التيسير 3 | 243 ، وسيأتي أيضاً ، سلسلة الأحاديث 1 | 79 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 469 _

   ( شيخ الإسلام وسيّد المسلمين في عصره ، الحافظ الحجة .
   قال علي بن المديني : إنّ الله أيّد هذا الدين بأبي بكر الصدّيق يوم الردّة ، وأحمد بن حنبل يوم المحنة .
   وقال أبو عبيد : إنتهى العلم إلى أربعة أفقههم أحمد .
   وقال ان معين من طريق ابن عياش عنه : أرادوا أن أكون مثل أحمد والله لا أكون مثله .
   وقال همام السكوني : ما رأى أحمد بن حنبل مثل نفسه .
   وقال محمد بن حماد الطهراني : إني سمعت أبا ثور يقول : أحمد أعلم ـ أو قال أفقه ـ من الثوري ) .


لم يصحّح أبو إبراهيم المزني حديث النجوم ، فقد قال الحافظ ابن عبدالبرّ ما نصه :
   ( قال المزني ـ رحمة الله ـ في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أصحابي كالنجوم ، قال : ـ إن صح هذا الخبر ـ فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه : فكلّهم ثقة مؤتمن على ما جاء به ، لا يجوز عندي غير هذا .
   وأمّا ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطّأ بعضهم بعضاً ، ولا أنكر بعضهم على بعض ، ولا رجع منهم أحد إلى قول صاحبه ... فتدبر ) (1) .
   فقوله ( إن صح ) يفيد ما نحن بصدده ... وأما ما ذكره من معنى الحديث فنترك الحكم فيه إلى المحقّقين من أهل الحديث ... (2) .

---------------------------
(1) جامع بيان العلم لابن عبدالبر 2 | 89 ـ 90 .
(2) قال الألباني المعاصر ( الظاهر من ألفاظ الحديث خلاف المعنى الذي حمله عليه المزني رحمه الله ، بل المراد ما قالوه برأيهم ، وعليه يكون معنى الحديث دليلاً آخر على أن الحديث موضوع ليس من = .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 470 _

ترجمة المزني :
   أثنى عليه كافّة أرباب المعاجم بما لا مزيد عليه راجع : وفيات الأعيان 1 | 196 ومرآة الجنان 2 | 177 ـ 178 وطبقات الشافعية 2 | 93 ـ 109 والعبر 2 | 28 وحسن المحاضرة 1 | 307 .
قال اليافعي :
   ( الفقيه الامام أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي ، وكان زاهداً عابداً مجتهداً غوّاصاً على المعاني الدقيقة ، اشتغل عليه خلق كثير .
قال الشافعي في صفة المزني : ناصر مذهبي .
وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطريق الشافعي وفتاواه وما ينقل عنه ، صنف كتباً كثيرة ، وكان في غاية من الورع ، وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة ، وكان مجاب الدعوة ، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدّث نفسه بالتقدّم عليه في شيء من الأشياء ، وهو الذي تولّى غسل الشافعي ) .


  ولقد قدح الحافظ أبوبكر البزار في حديث النجوم وبيّن وجوه ضعفه ، فقد قال الحافظ ابن عبدالبر ما لفظه :
  ( حدّثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن أبوب الرقي قال : قال لنا أبوبكر أحمد

---------------------------
   = كلامه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، إذا كيف يسوغ لنا أن نتصوّر أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خبيز لنا نقتدي بكلّ رجل من الصحابة ، مع أن فيهم العالم والمتوسط في العلم ومن هو دون ذلك ... ) .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 471 _

ابن عمرو بن عبدالخالق البزار : سألتم عمّا يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ممّا في أيدي العامة يروونه عن النبي صلّ الله عليه وسلّم أنه قال : أصحابي كمثل النجوم ـ أو أصحابي كالنجوم ـ فبأيّها اقتدوا اهتدوا .
   قال : وهذا الكلام لا يصحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، رواه عبدالرحيم بن زيد العمّي عن أبيه عن سعد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وربّما رواه عبدالرحيم عن أبيه عن ابن عمر .
   وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبدالرحيم بن زيد ، لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه .
   والكلام أيضاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بإسناد صحيح : عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الرّاشدين المهدّيين بعدي فعضّوا عليها بالنواجد وهذا الكلام يعارض حديث عبدالرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت .
   والنبي لا يبيح الاختلاف من بعده من أصحابه ، والله أعلم ، هذا آخر كلام البزار) (1) .
   وفي هذا الكلام وجوه عديدة في قدح حيث النجوم ، وأمّا حديث ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الرّاشدين المهديين ) فللبحث فيه مجال آخر (2) .
ترجمة البزار :
   ترجم له في المعاجم الرجالية بكل إطراء ، منها : تاريخ الخطيب 4 | 334 وتذكرة الحفاظ 2 | 228 وشذرات الذهب 2 | 209 وتاريخ إصبهان 1 | 104 وميزان الاعتدال 1 | 59 والعبر 2 | 92 .

---------------------------
(1) جامع بيان العلم 2 | 90 .
وانظر إعلام الموقعين 2 | 223 ، والبحر المحيط 5 | 528 وغيرها .
(2) هو من أحاديث سلسلتنا ، وقد نشرت رسالتنا فيه في ( ثراثنا ) العدد : 26 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 472 _

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ :
   ( الحافظ العلامة أبوبكر أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البصري صاحب المسند الكبير والمعلّل .
   سمع : هدبة بن خآلد ، وعبدالأعلى بن حماد ، والحسن بن علي بن راشد ، وعبدالله بن معاوية الجمحي ، ومحمد بن يحيى بن فياض الزماني وطبقتهم .
   روى عنه : عبدالباقي بن قانع ، ومحمد بن العباس بن نجيح ، وأبوبكر الختلي ، وعبدالله بن الحسن ، وأبو الشيخ وخلق كثير .
   إرتحل في آخر عمره إلى إصبهان وإلى الشام والنواحي ينشر علمه .
   ذكره الدار قطني فأثنى عليه وقال : ثقة يخطأ ويتّكل على حفظه ) .


   لقد أورد الحافظ أبو أحمد عبدالله بن عدي المعروف بابن القطّان حديث النجوم في كتابه المسمى بـ ( الكامل ) ـ وموضوعه الضعفاء والمقدوحون وموضوعاتهم ـ في ترجمة ( جعفر عبدالواحد الهاشمي القاضي ) و ( حمزة النصيبي ) كما سيأتي إن شاء الله من كلام الزين العراقي الحافظ .
ترجمة ابن عدي :
   يوجد الثناء البالغ عليه في الأنساب ـ في نسبة الجرجاني وتذكرة الحفاظ 3 | 161 وشذرات الذهب 3 | 51 ومرآة الجنان 2 | 381 والعبر 2 | 337 وغيرها .
قال السمعاني :
   ( أبو أحمد عبدالله بن علي بن محمد الجرجاني المعروف بابن القطّان الحافظ من أهل جرجان : كان حافظ عصره ، رحل إلى الإسكندرية وسمرقند ، ودخل البلاد ، وأدرك الشيوخ .
   كان حافظاً متقناً لم يكن في زمنه مثله .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 473 _

   قال حمزة بن يوسف السهمي : سألت الدار قطني أن يصنّف كتاباً في ضعفاء المحدّثين ، قال : أليس عندك كتاب ابن عدي ؟ فقلت : نعم ، فقال : فيه كفاية لا يزاد عليه ) .


   ولقد ضعّف الحافظ الدار قطني حديث النجوم إذ أخرجه في كتابه ( غرائب مالك ) ، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني (1) .
ترجمة الدار قطني :
   جاءت ترجمته بكل تعظيم وتبجيل في : تذكرة الحفاظ 3 | 186 ووفيات الأعيان 2 | 459 والمختصر 2 | 130 وتاريخ الخطيب 12 | 34 وتاريخ ابن كثير 11 | 317 وشذرات الذهب 3 | 116 والنجوم الزاهرة 4 | 172 وغيرها .
قال ابن كثير :
   ( علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن دينار بن عبدالله : الحافظ الكبير ، استاذ هذه الصناعة وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا ، سمع الكثير ، وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد ، وأحسن النظر والتعليل والإنقياد والإعتقاد .
وكان فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره في أسماء الرّجال وصناعة التّعليل والجرح والتّعديل ، وحسن التصنيف والتأليف ، واتساع الرواية والاطلاع التام في الدراية .
  له كتابه المشهور من أحسن المصنّفات في بابه ، لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلاّ من استمد من بحره وعمل كعمله ، وله كتاب العلل ، بينّ فيه الصواب من الدخل والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل ، وكتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلاً عن أن ينظمه إلاّ من هو من الحفاظ الأفراد والأئمّة النقّاد

---------------------------
(1) تخريج أحاديث الكشاف 2 | 628 وسيأتي نصه .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 474 _

والجهابذة الجياد ، وله غير ذلك من المصنّفات التي هي كالعقود في الأجياد .
   وكان من صغره موصوفاً بالحفظ الباهر والفهم الثاقب والبحر الزاخر .
   وقال الحكم أبو عبدالله النيسابوري : لم ير الدار قطني مثل نفسه .
   وقال ابن الجوزي : وقد اجتمع له مع معرفة الحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الامامة والعدالة وصحة العقيدة .
   وسئل الدار قطني : هل رأى مثل نفسه ؟ قال : أمّا في فن واحد فربما رأيت من هو أفضل مني ، وأما فيما اجتمع لي من الفنون فلا ) .


   كذّب الحافظ ابن حزم أيضاُ حديث النجوم وحكم ببطلانه وكونه موضوعاً ، ذكر ذلك جماعة منهم أبو حيّان حيث قال عند ذكره هذا الحديث :
   ( قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في ( إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليلد ) ما نصه : ( وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط ) (1) .
ترجمة ابن حزم :
   تجد ترجمته في الكتب التالية : نفح الطيب 1 | 364 والعبر 3 | 239 ووفيات الأعيان 3 | 13 ـ 7 وتاج العروس 8 | 245 ولسان الميزان 4 | 198 وغيرها .
قال ابن حجر :
   ( الفقيه الحافظ الظاهري صاحب التصانيف ، كان واسع الحفظ جداً ، إلاّ

---------------------------
(1) البحر المحيط 5 | 528 ، وانظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 | 78 .

الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية _ 475 _

أنّه لثقة حافظته ، كان يهجم ، كالقول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة ، فيقع له من ذلك أوهام شنيعة .
قال صاعد بن أحمد الربعي : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس كلهم لعلوم الاسلام ، وأشبعهم معرفة ، وله مع ذلك توسّع في علم البيان وحظ من البلاغة ومعرفة بالسير والأنساب .
   قال الحميدي : كان حافظاً للحديث مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنّة ، متقناً في علوم جمة ، عاملاً بعلمه ، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ والتديّن وكرم النفس ، وكان له في الأثر باع واسع .
   وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان ابن حبان ، كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب ، مع المشاركه في أنواع التعاليم القديمة ، وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته في السؤال على كل فن ) .


   ولقد ضعّف حديث النجوم الحافظ البيهقي في كتابه ( المدخل ) على ما نقل عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني (1) .
ترجمة البيهقي :
   ترجم له بكل تجليل وتكريم في : شذرات الذهب 3 | 304 وطبقات الشافعية 4 | 168 والعبر 3 | 342 والنجوم الزاهرة 5 | 77 ووفيات الأعيان 1 | 57 ـ 58 وتذكرة الحفاظ 3 | 309 وغيرها .
   قال ابن تغري بردى : ( أحمد بن الحسين بن علي بن عبدالله الحافظ أبوبكر

---------------------------
(1) الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف المطبوع على هامش الكشاف 2 | 628 .