الله ومرضات الرسول ، وكان محبا لنفسه ، غير مجاهد في الغزوات .
ويروى ايضا : فلما التأم الأمر ولم يبق الا الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب فأتى ابابكر فقال : يا ابابكر أليس برسول الله ؟ قال : بلى ، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نُعطي الدنية في ديننا ؟ قال أبوبكر : يا عمر الزم غرزة فإني أشهد أنه رسول الله ، قال عمر : وانا أشهد أنه رسول الله . ثم أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال : بلى ، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أنا عبدالله ورسوله لن أخالف أمره ولن يُضيّعني ، قال : فكان عمر يقول : ما زلت أتصدّق وأصوم وأصلي واعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلّمت به
(1) .
أقول : يدل على أن ايمانه لم يكن بدرجة التسليم ولم يكن له معرفة تامة بمقام الرسالة ولم يكن له علم بمصالح الامور .
مستدرك : عن جابر قال : بعنا امّهات الاولاد على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبي بكر ، فلما كان عمر نهانا فانتهينا . وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
(2) .
وله شاهد صحيح ـ عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نبيع امهات الأولا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
تاريخ الطبري : عن عمران بن سوادة قال : صلّيت الصبح مع عمر ... قلت عابت امتك منك اربعا ... قال : قلت واعتقت الأظة ان وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها ، قال : الحقت حرمة بحرمة وما أردت الا الخير واستغفر الله
(3) .
أقول : يظهر من هذه الرواية ان المراد من الحديثين السابقين هو الاعتاق بمجرد الوضع ، وهذا خلاف القواعد الفقهية ، وخلاف ما كان في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وسيجيء تتمة الحديث في متعة النساء ومتعة الحج .
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 331 .
(2) مستدرك الحكم ج 2 ص 18 .
(3) تاريخ الطبري ج 5 ص 32 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 227 _
مسند أحمد : عن الحسن ، ان عمر اراد أن ينهي عن مُتعة الحج ، فقال له أبيّ : لس ذلك لك قد تمتّعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم ينهنا عن ذلك ، فأضرب عن ذلك عمر . وأراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنها تُصبغ بالبول ، فقال له أُبيّ : ليس ذلك لك قد لبسهن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولبسنا في عهده
(1) .
عمر والجاهلية
السيرة النبوية : فقال عمر : اللهم غفرا قد كنا في الجاهلية على شر من هذا نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله
(2) .
وقال : ومرّ ابوبكر بجارية بني مؤمل ـ حيّ من بني عديّ بن كعب ـ ، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يُعذّبها لتترك الإسلام ، وهو يومئذ مشرك وهو يضربها حتى اذا ملّ ، قال إني أعتذر اليك ، إني لم أتركك الا ملالة ، فتقول : كذلك فعل الله بك ! فابتاعها ابوبكر فاعتقها
(4) .
مسند أحمد ومستدرك الحاكم : لما نزلت تحريم الخمر ، قال عر : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت يسألونكعن الخمر والميسر الذي في سورة البقرة ، فدُعي عمر فقُرئت عليه ، فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت التي في المائدة ، فدُعى عمر فقُرئت عليه فلما بلغ فهل أنتم منتهون ، قال عمر قد انتهينا
(5) .
أقول : يسبتفاد من هذه الروايات أن عمر كان عابد الوثن ومديم شرب الخمر ، قبل اسلامه .
---------------------------
(1) مسند أحمد ج 5 ص 143 .
(2) السيرة النبوية ج 1 ص 223 .
(3) نفس المصدر ص 371 .
(4) نفس المصدر ص 339 .
(5) مسند أحمد ج 1 ص 53 ومستدرك الحاكم ج 2 ص 278 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 228 _
مسند أحمد : عن ابن عمر ، ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : اللهم أعِز الاسلام بأحب هذين الرجلين اليك ، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ، فكان أحبهما الى الله عمر بن الخطاب
(1) .
أقول : يستفاد من هذه الرواية ان عمر كان قبل الاسلام مخالفا ومعاندا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اشد عناد كأبي جهل .
عمر والنّبيذ
الطبقات : ان عمر بن الخطاب لما طُعن ، قال له الناس يا اميرالمؤمنين لو شربت شربة ؟ فقال أسقوني نبيذا وكان من أحبّ الشرب اليه ، قال فخرج النبيذ من جرحه
(2) .
أقول : قد صرّح بأنه طلب النبيذ بعنوان الشربة لا بعنوان الدواء ، وبأن النبيذ كان من أحب الشراب اليه .
مستدرك الحاكم : عن أبي وائل قال : غزوت مع عمر الشام فنزلنا منزلا ، فجاء دهقان يستدل على اميرالمؤمنين حتى أتاه فلما رأى الدهقان عمر سجد ... ثم قال عمر لغلامه : هل في ادواتك شيء من ذلك النبيذ ؟ قال : نعم ، قال : فابعث لنا ، فأتاه فصبّه في اناء ثم شمه فوجده منكر الريح فصبّ عليه ماءا ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه الماء ثلاث مرات ثم شربه ، ثم قال : اذا رابكم من شرابكم فافعلوا به هكذا
(3) .
مستدرك الحاكم : فلما انصرف توجه الناس الى عمر بن الخطاب قال : فدعا بشراب لينظر ما مدى جرحه ، فأتي بنبيذ فشربه قال : فخرج فلم يدر أدم هو أم نبيذ فدعا بلبن فاُتي به فشربه فخرج من جرحه ، فقالوا : لا بأس عليك يا اميرالمؤمنين
(4) .
---------------------------
(1) مسند أحمد ج 2 ص 95 .
(2) الطبقات ج 3 ص 254 .
(3) مستدرك الحاكم ج 3 ص 82 .
(4) نفس المصدر ص 91 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 229 _
أقول : الظاهر من اطلاق النبيذ هو النبيذ المطبوخ المسكر ، ويدل عليه قوله ـ ثم شمه فوجده منكر الريح فصبّ عليه ماءا ، ويظهر من الميزان للشعراني أن أباحنيفة يقول بنجاسة النبيذ وحرمته اذا أسكر لا مطلقا .
فتنة متعة النساء
مستدرك الحاكم : عن أبي نضرة قال : قرأت على ابن عباس فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ، قال ابن عباس : فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى ، قال ابو نضرة : فقلت ما نَقرأها كذلك ، فقال ابن عباس : والله لأنزلها الله كذلك
(1) .
الفائق : اُذن في المتعة عام الفتح . قال سبرة الجهيني : فانطلقت أنا ورجل الى امرأة شابة كأنها بكرة عَيطاء . وروي : أذن لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المتعة عام الفتح ، فخرجت أنا وابن عمّ لي ومعي بُرد قد بُسّ منه ، فلقينا فتاة مثل البكرة العَنَطنَطَة ، فجعل ابن عمي يقول لها : بردي اجود من برده ، قالت : برد هذا غير مفنوخ ، ثم قال برد كبرد
(2) .
وقال الزمخشري : العَيطاء والعنطنطة الطويلة العنق . وبُسّ منه : نيل منه ونهك بالبلى . المفنوخ : المنهوك ، وفنخه اذا ذلّله .
تاريخ الطبري : عن عمران بن سوادة قال : صليت الصبح مع عمر ... قلت : نصيحة ، فقال : مرحبا بالناصح غدوّا وعشيا ، قلت عات امتك منك اربعا ! قال : فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع اسفلها على فخذه ثم قال : هات ، قلت : ذكروا أنك حرّمت العمرة في اشهر الحج ... وذكروا أنك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقُبضة ونفارق عن ثلاث ، قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) احلّها في زمان ضرورة ثم رجع الناس الى السعة ، ثم لم اعلم
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 2 ص 305 .
(2) الفائق ج 2 ص 202 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 231 _
احدا من المسلمين عمل بها ولا عاد اليها ، فالآن من شاء نكح بقُبضة وفارق عن ثلاث بطلاق
(1) .
أقول : قراءة ابن عباس في الآية ( فما استمتعتم به منهنّ الى اجل مسمى فآتوهن اجورهن ) واحلافه بنزولها كذلك صريحة في نكاح المتعة ، ولا خلاف بين المسلمين في انها كانت مباحة في زمان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومن يدّعي نسخها فعليه أن يُثبت ، وما ورد من الروايات في تحريمها فهي أخبار آحاد . وأما نهي عمر : فإن كان مراده نهيا في زمان معين أو في مكان أو بقيد مخصوص يلاحظ فيها صلاح المسلمين ـ فذلك لايبعد اصلاحه وتصحيحه ، وأما اذا كان المراد التحريم والنهي في مقابل تجويز الشرع فلا اشكال في كونه بدعة واحدوثة في الدين وخلافا للكتاب والسنة الثابتة ، فلا يعتنى بها بوجه . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما في ابن ماجة : وسترون من بعدي اختلافا شديدا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعضّوا عليها بالنواجذ ، واياكم والامور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة
(2) .
وليعلم أن المراد من الخلفاء الراشدين خلفاؤه في العلم والعمل الذين أوصى بهم وجعلهم أئمة وهم أهل بيت الرسالة ومختلف الملائكة وخزّان العلم ، وأنهم يتّبعون الكتاب وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا يخالفون ما جاء به بأي وجه .
مسند أحمد : عن أبي نضرة ، قلت لجابر بن عبدالله : ان ابن الزبير ينهى عن المتعة ، وان ابن عباس يأمر بها ، قال : فقال لي : على يديّ جرى الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومع أبي بكر ، فلما ولي عمر خطب الناس فقال : ان القرآن هو القرآن وإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الرسول ، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) احداهما متعة الحج والاخرى متعة النساء
(3) .
وفي سنن البيهقي : نظيرها ، وفيها : وانا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، احداهما متعة
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 5 ص 32 .
(2) ابن ماجة ج 1 ص 20 .
(3) مسند أحمد ج 1 ص 52 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 232 _
النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة الى أجل الا غيّبته بالحجارة ، والاُخرى متعة الحج افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم واتمّ لعمرتكم
(1) .
ويروى : عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نتمتّع على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالثوب
(2) .
ويروى : عن جابر قال : تمتعّنا متعتين على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الحج والنساء ، فنهانا عمر عنهما فانتهينا
(3) .
سنن البيهقي : يقول البيهقي بعد نقل روايات مختلفة كما في مسلم وغيره : قال الشيخ ـ ونحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لكنا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد الاذن فيه ، ثم لم نجده اذن فيه بعد النهي حتى مضى لسبيله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكان نهي عمر بن الخطاب عن نكاح المتعة موافقا لسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذنا به ولم نجده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نهى عن متعة الحج في رواية صحيحة عنه ووجدنا في قول عمر ما دل على أنه أحب أن يفصل بين الحج والعمرة ليكون أتم لهما ، فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه وعلى اختيار الإفراد على غيره لاعلى التحريم
(4) .
أقول : ينبغي التنبيه على امور :
1 ـ ان المتعة هي النكاح المنقطع التي أحلها الله في كتابه المجيد واحلها رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعمل بها الأصحاب الى زمان عمر .
2 ـ المتعة هي عقد على شرائط لازمة في النكاح الدائم في الزوج والزوجة والمهر وانتفاء الموانع ولزوم العدة ، ويفارق الدائم في تعيين الأجل .
3 ـ قد صرّح عمر في كلماته ( كانتا في عهد رسول الله وأنا احّرمهما ) بأن المتعتين كانتا في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جائزتين وواقعتين ، فكيف يدّعي الشيخ بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يأذن فيها بعد .
---------------------------
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 206 .
(2) مسند أحمد ج 3 ص 22 .
(3) نفس المصدر ص 356 .
(4) سنن البيهقي ج 3 ص 22 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 233 _
4 ـ ان حكم الجواز والنهي في المتعتين على السواء ( متعتان كانتا في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنا أحرّمهما ) فيكف يجوز للشيخ ان يفصل بينهما بالتحريم في الأول والتنزيه في الثاني .
5 ـ اذا قال عمر في خطبته : بأن القرآن هو القرآن والرسول هو الرسول لم يتغيروا فكيف يصح منه القول بالتحريم والنهي .
مسلم : باسناده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا : خرج علينا منادي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أذن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء
(1) .
وبإسناد آخر عنهما : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أتانا فأذن لنا في المتعة .
ويروى : قال عطاء : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة ؟ فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبي بكر وعمر
(2) .
ويروى أيضا : عن جابر : كنا نستمتع القُضبة من التمر والدقيق الأيام . على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث .
ويروى أيضا : عن أبي نضرة : كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ! فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم نهانا عنهما عمر فلم نُعدلهما .
ويروى أيضا : عن سبرة ، قال : أذن لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمتعة ، فانطلقت أنا ورجل الى امرأة من بني عامر ... فمكثت معها ثلاثا ، ثم ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها .
ويروى أيضا : عن سبرة ، قال : أذن لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها .
أقول : في حاشية الكتاب ـ عام أوطاس هو عام الفتح وهو واد بديار هوازن ،
---------------------------
(1) مسلم ج 4 ص 130 .
(2) نفس المصدر ص 131 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 234 _
وقوله ثلاثا أي ثلاث ليال ـ انتهى . فالمراد من النهي عنها بقرينة لحن هذه الرواية وبصراحة روايات اخرى هو النهي ، عن جهة الزمان وعدم اقتضاء ايام الحرب الترخيص اكثر من ثلاث ليال ، فلادلالة فيها على النهي المطلق وتحريم اصل العمل ، كما لا يخفى .
ويروى ايضا : باسناده عن قيس ، قال : سمعت عبد الله ( هو ابن مسعود ) يقول : كنّا نغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليس لنا نساء ، فقلنا ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب الى أجل ، ثم قرأ عبدالله يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين
(1) .
سنن البيهقي : يروى روايات قريبة منها
(2) .
ويروى ان عبدالله بن الزبير قام بمكة فقال : ان اناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة ، يُعرّض برجل ، فناداه فقال إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين ( يريد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ) فقال له ابن الزبير : فجرّب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك باحجارك
(3) .
قال ابن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله انه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة ؟ فأمره بها ، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري : مهلا ! قال : ما هي والله لقد فعلت في عهد امام المتقين ، قال ابن أبي عمرة : انها كانت رخصة في أول الاسلام لمن اضطرّ اليها كالميتة والدم ولحمن الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها .
أقول : لا يخفى على الخبير أن الترخيص ان كان متوقّفا على الاضطرار فلا يقيّد بزمان ولا معنى لتخصيصه بأول الاسلام .
وايضا لا معنى للتحريم والنهي عن العمل الاضطراريّ فإنه يرتفع التكليف في
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 130 .
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 200 .
(3) مسلم ج 4 ص 133 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 235 _
حال الاضطرار ، ويثبت اذا انتفى الموضوع ..
ثم انه يلزم على هذا الفرض ان يثبت الحكم التحريميّ للموضوع أولا وبالذات كما في الميتة والدم ، ثم يستثنى منه مورد الاضطرار لا بالعكس .
ورابعا ـ قد ثبت الجواز في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فالتقييد بحال الاضطرار أو التحريم بعده يحتاج الى دليل قطعيّ ، ولم يثبت .
ويروى : باسناد عن علي بن أبي طالب : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية
(1) .
ويروى : بمثلها بأسانيد أخرى .
أقول : هذا النهي من جهة خصوصية زمان معين لا من جهة أصل الموضوع ، وقد ثبت التجويز في عام الفتح بعد عام خيبر .
ابن ماجة : عن ابن عمر : قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرّمها ، والله لا أعلم احدا يتمتع وهو مُحصِن الا رجمته بالحجارة الا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحلها بعد إذ حرّمها
(2) .
أقول : يعترف الخطيب بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحلها وحكم بحلّيتها ثلاث مرات أو ثلاث ليال ، فتثبت الحلية . وأما نفيها والتحريم بعد ، فيحتاج الى الاثبات . ثم ان غاية ما يمكن أن نقول هنا : ان حلية المتعة يتوقف على شرائط ، وإذا فقدت الشرايط المأخوذة فتلحقها الحرمة والممنوعية ، والا فلا معنى للتحليل ثم التحريم مرة بعد مرة .
والحاصل من هذه الروايات الشريفة أن المتعة كانت واقعة في زمان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بل الى زمان عمر ، وتدل عليه الآية الشريفة ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ولا سيما على قراءة ابن عباس .
ولما كانت الأحكام الشرعية تعبّدية وتوقيفيّة صرفة لا يجوز لنا أن نصرف
---------------------------
(1) مسلم ج 4 ص 134 .
(2) ابن ماجة ج 1 ص 605 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 236 _
عنها ونبدلها بوجه من الوجوه ، وليس لأحد أن يغيّر حكم الله ويحرّف كلمات الله عن مواضعها بعقله الضعيف وادراكه المحدود وفهمه الناقص . ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين .
ويلزم أن يتوجه المسلم الغيور المتعبد بأن تحليل المتعة ليس بمعنى التجويز على الاطلاق ، بل له شرائط وآداب لازمة ازيد من شرائط النكاح الدائم ، من رعاية حقوق المرأة وحفظ حرمتها والتوجه الى حياتها الاجتماعية ، وعدم ايجاب هذا الامر مضيقة لها في معاشها وابتلاء في امورها المستقبلة والتدبير في ما يرتبط بحمل المرأة ووضع الولد وتربيته ، وهذا ابتلاء ما أعظمه ، فاذا لم تراع هذه الشرائط : تكون حراما بالعنوان الثانويّ .
فتنة تحريم المتعة في الحج
الفائق : قال عمر بن الخطاب في متعة الحج : علمت ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعلها وأصحابه ، ولكني كرهت أن يظلوا بهن مُعرسين تحت الأدراك ، ثم يُلبّون بالحج تقطر رؤوسهم
(1) .
سنن الدارمي : عن مروان بن الحكم أنه شهد عليا وعثمان بين مكة والمدينة ، وعثمان ينهي عن المتعة ، فلما رأى ذلك عليّ أهلّ بهما جميعا ، فقال : لبيك بحجة وعمرة معا ، فقال : تراني أنهى عنه وتفعله ! فقال لم أكن لأدع سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقول أحد من الناس
(2) .
ويروى : عن أنس أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يقول : لبيك بعمرة وحج
(3) .
ويروى أيضا : عن أنس : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أهلّ بهما جميعا ، فلقيت ابن عمر فأخبرته بقول أنس ، فقال إنما أهلّ بالحج ، فرجعت الى أنس فأخبرته بقول ابن عمر ، فقال : ما يَعدّونا الا صبيانا .
أقول : يستفاد من هذه الروايات امور :
1 ـ اعترف عمر بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعل متعة الحج وكذا أصحابه .
2 ـ صرّح بأن علة تحريم كراهته أن يظلوا بهن مُعرسين ثم يُلبون بالحج ، غفلة منه بأن الإعراس كالأكل والشرب ، وقد يجب ، واستحبابه مسلم ، وهو من الطاعات ، بل من الأمور الضرورية لطبيعة البشر ، يصان به عن افراط الشهوة ويعتدل به المزاج والفكر .
---------------------------
(1) الفائق ج 2 ص 136 .
(2) سنن الدارمي ج 3 ص 69 .
(3) نفس المصدر ص 70 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 238 _
مسلم : باسناده عن جابر : قدم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صبح رابعة مضت من ذي الحجة فأمرنا أن نحل ، قال : حِلوا وأصيبوا النساء قال عطاء : ولم يعزم عليهم ولكن أحلهنّ لهم ، فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة الا خمس أمرنا أن نفضي الى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذكيرنا المنيّ ... الحديث
(1) .
ويروى مسند أحمد : نظيره
(2) .
ويروى أيضا : باسناده : أهللنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا ان نحلّ ونجعلها عمرة ، فكبُر ذلك علينا وضاقت به صدورنا ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء من قبل الناس ؟ فقال : أيها الناس أحلوا فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم ، قال فأحللنا حتى وطئنا النساء ... الحديث .
ويروى أيضا : باسناده : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهي عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر عبدالله ، فقال : على يديّ دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما قام عمر قال : ان الله كان يُحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وان القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله وأبتّوا نكاح هذه النساء فلن اوتي برجل نكح امرأة الى أجل إلا رجمته بالحجارة
(3) .
ويروى أيضا : عن أبي موسى ، إنه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فُتياك فإنك لا تدري ما أحد اميرالمؤمنين في النسك بعد ، حتى لقيه بعد ، فسأله ، فقال عمر : قد علمت أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد فعله وأصحابه ، ولكن كرهت أن يظلوا مُعرسين بهنّ في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم
(4) .
وفي النسائي : نظيرها . وكذا في أحمد
(5) .
ويروى أيضا : باسناده : كان عثمان ينهي عن المتعة ، وكان عليّ يأمر بها ،
---------------------------
(1) مسلم ج 4 ص 37 .
(2) مسند أحمد ج 3 ص 317 .
(3) مسلم ج 4 ص 38 .
(4) نفس المصدر ص 45 .
(5) النسائي ج 5 ص 119 ومسند أحمد ج 1 ص 50 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 239 _
فقال عثمان لعليّ كلمة ، ثم قال عليّ : لقد علمت إنا قد تمتّعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقال : أجل ولكنا كنا خائفين
(1) .
ويروى أيضا : اجتمع عليّ وعثمان رضى الله عنهما بعُسفان ، فكان عثمان ينهي عن المتعة أو العمرة ، فقال علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تنهي عنه ؟ فقال عثمان : دعنا منك ، فقال : إني لا أستطيع أن أدعك فلما ان رأى عليّ ذلك اهل بهما جميعا .
ويروى أيضا : باسناده عن أبي ذرّ قال : كانت لنا رخصة يعني المتعة في الحج .
أقول : ثبت من هذه الروايات ان متعة الحج كانت مسلّمة في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد عملت الصحابة بها وكانوا مرخّصين فيها .
ويروى أيضا : باسناده عن ابراهيم التيمي عن ابيه عن أبي ذرّ ( رضي الله عنه ) قال : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة .
ويروى أيضا : لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة .
أقول : ان كانت المتعة مخصوصة باصحاب الرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فكيف كان عمر وعثمان ينهيان الصحابة عنها ، وان كانت مخصوصة بهم مقيّدة بزمان الرسول وحياته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فكيف كان عمر وابن عباس وعليّ وغيرهم جاهلين بهذا القيد ، وهل كان التحريم في زمان عمر فرع ثبوت الحليّة في هذا الزمان مع ما في خلاصة التهذيب : ان ابراهيم بن يزيد بن شريك التيمي العابد يُرسل ويُدلّس .
ويروى أيضا باسناده ، سألت سعد بن أبي وقاص ( رضي الله عنه ) عن المتعة ؟ فقال : فعلناها ، وهذا يومئذ ( أي ان معاوية في ذلك اليوم ) كافر بالعرش يعني بيوت مكة
(2) .
ويروى أيضا : باسناده عن عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ( يعني متعة الحج ) وأمرنا بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء
(3) .
---------------------------
(1) مسلم ج 4 ص 46 .
(2) مسلم ج 4 ص 47 .
(3) نفس المصدر ص 49 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 240 _
وفي النسائي : قريب منها
(1) .
وروى روايات اخر قبلها قريبا منها ، وصرّح فيها بأن المراد من الرجل هو عمر بن الخطاب ، وهو الذي ارتأى برأيه ، وقا بالتحريم .
ويروى أيضا : باسناده ، عن مسلم القُريّ قال : سألت ابن عباس ( رضي الله عنه ) عن متعة الحج فرخّص فيها ، وكان ابن الزبير ينهي عنها ، فقال : هذه ام ابن الزبير تُحدّث ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رخّص فيها فادخلوا عليها فاسألوها ؟ قال : فدخلنا عليها فاذا امرأة ضخمة عمياء ، فقالت : قد رخّص رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيها
(2) .
ويروى أيضا : باسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهدي فليُحلّ الحلّ كله فإن العمرة قد دخلت في الحج الى يوم القيامة
(3) .
ويروى أيضا : عن أبي حمزة الضبعي ، قال : تمتعت فنهاني ناس عن ذلك ، فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها ، قال : ثم انطلقت الى البيت فنمت فأتاني آت في منامي فقال : عمرة متقبّلة وحج مبرور ، قال : فأتيت ابن عباس فأخبرته بالذي رأيت ، فقال : الله اكبر الله اكبر ستة أبي القاسم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ويروى : باسناده قال عطاء : كان ابن عباس يقول : لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل ، قلت لعطاء : من أين يقول ذلك ؟ قال : من قول الله تعالى ثم محلها الى البيت العتيق ، قال : قلت فإن ذلك بعد المعرف ، فقال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرّف وقبله ، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين أمرهم أن يُحلوا في حجة الوداع
(4) .
أقول : أي بعد الوقوف بعرفة وقبله ، والمعرّف موضع التعريف .
ويروى : باسناده عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت
---------------------------
(1) النسائي ج 5 ص 120 .
(2) مسلم ج 4 ص 55 .
(3) نفس المصدر ص 57 .
(4) نفس المصدر ص 58 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 241 _
فقال : ان ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعُد لهما
(1) .
سنن النسائي : حج عليّ وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع ، فقال عليّ : إذا رأيتموه ارتحل فارتحلوا ، فلبّى عليّ واصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان ، فقال عليّ : ألم أخبر أنك تنهي عن التمتع ؟ قال : بلى ، قال له عليّ : ألم تسمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تمتع ؟ قال : بلى
(2) .
مسند أحمد : يروي قريبا منها
(3) .
ويروى أيضا : ان سعد بن أبي وقّاص والضحاك بن قيس ، عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل امر الله تعالى ، فقال سعد : بئسما قلت يا ابن أخي ، قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك ، قال سعد : قد صنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصنعناها معه .
مسند أحمد : يروي نظيرها
(4) .
ويروى أيضا : عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول : والله إني لأنهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يعني العمرة في الحج
(5) .
ويروى أيضا : قال معاوية لابن عباس أعلمت أنّي قصّرت من رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند المروة ؟ قال : لا ، يقول ابن عباس : هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ويروى أيضا : قال سراقة : تمتع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتمتعنا معه فقلنا : ألنا خاصة أم لأبد ؟ قال بل لأبد
(6) .
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 59 .
(2) النسائي ج 5 ص 118 .
(3) مسند أحمد ج 1 ص 60 .
(4) نفس المصدر ج 1 ص 174 .
(5) سنن النسائي ج 5 ص 119 .
(6) نفس المصدر ص 140 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 242 _
أقول : قال الله تعالى وتبارك ـ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا أن يكون لهم الخيرة . عقيدة الإمامية : إن افضل أقسام الحج التمتع ، وهو حجة الإسلام والفريضة لكل من نأى عن مكة ، ويتركّب من عمرة واجبة وحج واجب ، يُحل بعد التقصير من العمرة لله ، فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي . وقال مالك : الإفراد أفضل ، وقال أبوحنيفة : القِران أفضل ، وقالا : إن العمرة مستحبة . ومنشأ هذه الأقوال نهي عمر عن المتعة وعن عمرة التمتع ، وقد صرّح بقوله : متعتانِ كانتا في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانا أحرمهما وأعاقب عليهما .
مسند أحمد : عن أبي موسى ؛ ان عمر قال ـ هي سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعني المتعة ، ولكني أخشى ان يُعرسوا بهن تحت الأراك ثم يروحوا بهن حُجاجا
(1) .
ويروى : عن عبدالله بن الزبير قال : أنا والله لمع عثمان بن عفان بالجُحفة ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري ، اذ قال عثمان وذكر له التمتع بالعمرة الى الحج ، ان أتم الحج والعمرة أن لا يكونا في أشهُر الحج ، فلو اخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فإن الله قد وسّع في الخير ، وعليّ بن أبي طالب في بطن الوادي يَعلف بعيرا له ، قال ، فبلغه الذي قال عثمان ، فأقبل حتى وقف على عثمان فقال : لقد عمدت إلى سنة سنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورخصة رخّص بها الله تعالى للعباد في كتابه تَضيق عليهم فيها وتنهي عنها ، وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار ، ثم أهلّ بحجة وعمرة معا ، فأقبل عثمان على الناس فقال : وهل نهيت عنها ، إني لم أنه عنها إنما كان رأيا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه
(2) .
ويروى : عن ابن عباس قال : تمتع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال عروة بن الزبير : نهى ابوبكر وعمر عن المتعة . فقال ابن عباس : ما يقول عُرّية ؟ قال : يقول نهى ابوبكر وعمر عن المتعة . فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال
---------------------------
(1) مسند أحمد ج 1 ص 49 .
(2) نفس المصدر ص 92 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 243 _
النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويقول : نهى ابوبكر وعمر
(1) .
ويروى عن سالم : كان عبدالله بن عمر يُفتي بالذي أنزل الله عزوجل من الرخصة بالتمتع وسنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه ، فيقول ناس : كيف تُخالف أباك وقد نهى عن ذلك ؟ فقال : ويلكم ... أفرسول الله أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر
(2) .
سنن أبي داود : عن جابر : حتى اذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة ، فأمّرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يُحلّ منّا مَن لم يكن معه هَدي ، قال : فقلنا حلّ ماذا ؟ قال : الحل كله ، فواقعنا النساء وتطيّبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ، ثم أهللنا يوم التروية
(3) .
ويروى عنه أيضا : ثم أمَرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن نُحلّ ، وقال : لولا هديي لحللت ، ثم قام سراقة بن مالك فقال : يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : بل هي للأبد
(4) .
مسند أحمد : يروي مثلهما
(5) .
الموطّأ : أن سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكران التمتع بالعمرة الى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمرالله ، فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي ؟ فقال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك ، فقال سعد : صنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصنعناها معه
(6) .
سنن البيهقي : يروي نظيرها وروايات اخر
(7)
---------------------------
(1) مسند أحمد ج 1 ص 337 .
(2) نفس المصدر ج 2 ص 95 .
(3) سنن أبي داود ج 1 ص 248 .
(4) نفس المصدر ص 249 .
(5) مسند أحمد ج 3 ص 292 .
(6) الموطأ ص 354 .
(7) سنن البيهقي ج 5 ص 16 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 244 _
أقول : قال الزرقاني في شرح الموطّأ : ما خلاصته : وكان من رأي عمر عدم الترفّه للحاج بكل طريق ، وقول سعد : صنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اشارة الى عمرة التمتع والحجة وهي مقدمة على الاجتهاد والرأي ، والآية ( وأتِموا الحج والعمرة ) دلت على اتمامهما وذلك صداق بانواع الاحرام الثلاثة أي وأتموا كما أمركم الله . وقال النووي : الظاهر أنه كان ترغيبا الى الإفراد ثم انعقد الاجماع على جواز التمتع بلا كراهة وبقي الخلاف في الأفضل
(1) .
تاريخ الطبري : عن عمران بن سوادة قال صليت الصبح مع عمر ... قلت عابت أمتك منك أربعا ، قال : فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ، ثم قال : هات ! قلت : ذكروا انك حرّمت العمرة في أشهُر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا أبوبكر وهي حلال ، قال : هي حلال لو أنهم أعقروا في اشهُر الحج رأوها مُجزية من حجهم فكانت قائبة قوب عامها ، فقرع جهم وهو بهاء من بهاء الله
(2) .
أقول : قد صرح المعترض بأنه حرّم العمرة في أشهر الحج مع انها كانت جائزة في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ولا تدّعي بأن عمر بن الخطاب أراد أن يبدّل أحكام الدين ويغيّر ما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بسوء القصد وفساد النية ، بل ما كان مقصده إلا الاصلاح ، واجراء ما كان فيه صلاح الأمة ، وإنما الاشكال في أن أحكام الله وما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) توقيفيّة لا يتصرّف فيها وتعبّدية لا يجوز التغيير فيها ، ولو يقصد الاصلاح ، فإن نظر الانسان قصر وفكره محدود وعقله ضعيف ، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض .
---------------------------
(1) شرح الموطأ ج 2 ص 178 .
(2) تاريخ الطبري ج 5 ص 32 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 245 _
كلماته في آخر عمره
انه كان نادما على امور صدرت منه ، وكان متحسرا عليها ، ويظهر الأسف الشديد على تلك الأمور ، ويقول في آخر أيام من عمره ما يبعد عن ظاهر مقامه .
مستدرك الحاكم ، والطبقات : فقال عمر : والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع
(1) .
ويروى في الطبقات أيضا ، ومسند أحمد : أما تبشيرك لي بالجنة : فوالله الذي لا إله إلا هو لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر ، وأما ما ذكرت في إمرة المؤمنين : فو الله لوددت أن ذلك كفاف لي ولا عليّ
(2) .
ويروى أيضا : قال : ثم صحبت ابا بكر فسمعت واطعت ، فتُوفّي ابوبكر وأنا سامع مطيع ، وما أصبحتُ أخاف على نفسي إلا إمارتكم هذه
(3) .
ويروى أيضا : قال : أنّ من غرّه عمره لمغرور ، والله لوددت إني أخرج منها كما دخلت فيها ، والله لو كان لي ما طلعت ... الخ .
تاريخ الطبري : قال عمر : لا أرب لنا في أموركم ، ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي ، ان كان خيرا فقد أصبنا منه وأن كان شرا فشر عنا إلى عمر ، بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويُسأل عن امر أمة محمد ، أما لقد جهدتُ نفسي وحرمتُ أهلي ، وان نجوت كفافا لا وزر ولا أجر إني لسعيد
(4) .
أقول : يستفاد من هذه الروايات امور :
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 92 والطبقات ج 3 ص 352 .
(2) الطبقات ص 353 ومسند أحمد ج 1 ص 46 .
(3) الطبقات ص 355 .
(4) تاريخ الطبري ج 5 ص 34 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 246_
1 ـ اضطرابه الشديد من هول الموت وما بعده .
2 ـ خوفه من عوارض الإمارة وآثارها وأوزارها .
3 ـ انه يودّ أن له كفافا لا وزر له ولا أجر .
فدلّت هذه الكلمات على أن تولّيه الإمارة لم يكن من باب العمل بالوظيفة الآلهية ، ولم يكن مستندا الى أمر رباني وحقيقة روحانية مسلّمة ، حتى لا يبقى إضطراب وتزلزل وتردّد في باطنة .
الطبقات : آخر كلمة قالها عمر حتى قضى : ويَلي وويل أمّي أن لم يغفر الله لي ، ويل وويل أمي أن لم يغفر الله لي ، ويلي وويل أمي أن لم يغفر الله لي
(1) .
ويروى باسناد آخر : ما يقرب منها .
ويروى أيضا : رأيت عمر بن الخطاب أخذ تِبنة من الأرض فقال : ليتني كنت هذه التِبنة ، ليتني لم أخلق ، ليت أمي لم تَلدني ، ليتني لم أكُ شيئا ، ليتني كنت نسيا منسيا .
ويروى بأسناد اخر : ما يقرب منها .
أقول : هذه الكلمات تدل على غاية الاضطراب ونهاية التحسر على ما فرط في جنب الله ، ولا يمكن ظهورها والتكلم بها إلا ممن لم يرتبط قلبه بالملكوت واللاهوت ، ولم ترسخ مقامات العبودية والأنوار الآلهية في باطنه ، ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به . ويكفي في اضطراب النفس ما وقع بينه وبين أهل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، من أحراق بيت فاطمة (عليها السلام ) والتهيؤ لمقاتلتهم واخراج علي (عليها السلام ) للبيعة واخذ حقوقهم . وقد سبق أن فاطمة (عليها السلام ) ماتت وهي غضبى عليه ، وأوصت أن لا يحضر في جنازتها .
الطبقات : سمعت رجلا من الأنصار يقول : دعوت الله أن يُريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبينه ، فقلت يا أميرالمؤمنين ما فعلت ؟ فقال الآن فرغتُ ولولا رحمة ربي لهلكت
(2) .
---------------------------
(1) الطبقات ج 3 ص 360 .
(2) نفس المصدر ص 376 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 247 _
ويروى أيضا : عن ابن عباس : دعوت الله أن يُريني عمر في النوم فرأيته بعد سنة وهو يسلت العرق عن وجهه وهو يقول : الآن خرجت من الحِناد أو مثل الحناد .
ويروى روايات اخر قريبة منها .
أقول : هذه الروايات تدل على ابتلائه الشديد في هذه المدة ، وقد رفعت الشدة بدرجة . وما هذه الشدة إلا بمخافته اهل البيت ، وانحرافه عن وصيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
عقد الفريد : قال عمر : المغرور والله من غررتموه أما والله لو أن لي ما بين المشرق والمغرب لافتديت به من هول المطلع
(1) .
ويروى عن قتادة : لما ثقل عمر ، قال لولده عبدالله : ضع خدّي على الأرض فكره أن يفعل ذلك . فوضع عمر خده على الأرض وقال : ويل لعمر ولامّ عمر أن لم يعفُ الله عنه .
أقول : قلنا ان مبدا اضطرابه ما وقع بينه وبين اهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد اشار إليه إجمالا في آخر كلماته ، حيث قال : لئن سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الخلافة أحبّ اليّ من حُمر النعم .
مستدرك الحاكم : عن عمر بن الخطاب قال : لأن أكون سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن ثلاث أحب إليّ من حُمر النعم : من الخليفة بعده ، وعن قوم قالوا نُقرّ بالزكاة في أموالنا ولا نُؤديها إليك أيحل قِتالهم ، وعن الكلالة
(2) .
.
وعن ابن عباس قال : كنت آخر الناس عهدا بعمر فسمعته يقول : القول ما قلتُ ، قلت وما قلت ؟ قال ، قلت الكلالة من لا ولد له .
ويروى عن عمر بن الخطاب قال : ثلاث لأن يكون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيّنهنّ لنا أحب إليّ من الدنيا وما فيها ، الخلافة والكلالة والربا
(3) .
---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 274 .
(2) مستدرك الحاكم ج 2 ص 303 .
(3) نفس المصدر ص 304 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 248 _
سنن البيهقي ما يقرب منها
(1) .
أقول : تدل هذه الروايات على أنه كان في ريب في هذه الموضوعات ، وقد اشتدّ اضطرابه من هذه الجهة في الأيام الأخيرة من حياته . وقد كان أبوبكر أيضا يُظهر الأسف والندامة في موضوع الخلافة ، وكان يقول : وددت إني سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمن هذا الأمر ، ووددت انّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين . وقد قال الله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضيّة .
سنن البيهقي : عن الشعبي قال : قال عمر : الكلالة ما عدا الولد قال ابوبكر : ما عدا الولد والوالد . فلما طُعن عمر قال : إني لأستحيي ان أخالف ابابكر ، الكلالة ما عدا الولد والوالد
(2) .
أقول : قال الله تعالى في آخر سورة النساء ( يَستفتونك قل الله يُفتيكم في الكلالة ان امرء هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ... الآية . وعلى أيّ حال فأحد القولين مخالف للكتاب . راجع كتاب التحقيق .
عمر والعُلوج
الطبقات : في كلام لعمر وأوصيكم بالأعراب فإنهم أصلكم ومادّتكم
(3) .
.
ويروى أيضا : عنه ثم قال لابن عباس : لقد كنت أنت وأبوك تُحبان أن تكثر العُلوج بالمدينة ، فقال ابن عباس : ان شئت فعلنا ، فقال : أبعدَ ما تكلموا بكلامكم وصلوا بصلاتكم ونسكوا نُسككم
(4) .
؟
ويروى أيضا : واوصيه بالأعراب فإنهم أصل العرب ومادة الاسلام وان يؤخذ
---------------------------
(1) سنن البيهقي ج 6 ص 225 .
(2) نفس المصدر ج 6 ص 244 .
(3) الطبقات ج 3 ص 337 .
(4) نفس المصدر ص 338 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 249 _
من حواشي اموالهم فيرد على فقرائهم
(1) .
أقول : قال الله تعالى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) أي لا كرامة لأحد ولا فضل إلا بالتقوى ، وليس لعرب على عجم فضل ، ولا لأهل بلد على أهل بدل آخر كرامة ، وليس في الاسلام تعصّب جاهلية ، وأن اصل الاسلام ومادذته هو القرآن المنزل من الله تعالى ، فمن كان ذل نصيب وافر من حقائق الاسلام فهو الكريم ـ من كان يُريد العزة فإن العزة لله جميعا ، وأما قوله : أبعد ما تكلموا بكلامكم وصلوا بصلاتكم ـ يدل على تعصبه الشديد مع الاعتراف باسلامهم وتسليمهم .
---------------------------
(1) الطبقات ج 3 ص 339 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 250 _
فتنة وصية عمر بن الخطاب
تاريخ الطبري : قال عمر بن الخطاب : وأنظر فإن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني وأن أترك فقد ترك من هو خير مني ، ولن يُضيّع الله دينه فخرجوا ثم راحوا فقالوا يا اميرالمؤمنين لو عهدت عهدا ! فقال قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأُوليّ رجلا أمركم هو أحراكم ان يَحملكم على الحق ، واشار إلى عليّ ، ورهفتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يَقطف كل غضّة ويانعة فَيضّمه إليه ويُصيّره تحته ، فعلمت ان الله غالب أمره ومُتوفّ عمر ، فما انهم من أهل الجنة ، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم ولست مُدخله ، ولكن الستة
(1) .
أقول : المتبع هو سنة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكيف يعارض عمل فرد من الرعية وهو ابوبكر سنته وعمله ، حتى يتخيّر فرد آخر في اختيار أيهما شاء ، فعلى تقدير صحة القول بترك استخلاف الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكيف يجوز مخالفته وترك اتباعه . ثم أنه اذا كان عليّ ( عليه السلام ) أحرى الأمة والحامل على الحق : فكيف يجوز التعدّي عنه والميل الى غير الأحرى والأفضل وأما رؤية رجل يَقطف كل غضّة ويانعة مما غرسه : فلعلها اشارة الى ما نواه من استخلافه غير عليّ ( عليه السلام ) ، فإنه مرادف لقطف ما عمله من خير وصلاح وخدمة ، ولا يمكن أن تكون اشارة الى نظره في تولية علي ( عليه السلام ) فإن كونه أحرى الامة والحامل على الحق يُضاد أن يقطف كل غضّة
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 5 ص 34 .