سنن الترمذي : عن عائشة قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما خيّر عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما
.
.
.
.
اقول : فاذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حق عمار : انه يختار الأرشد من الأمرين ـ واهتدوا بهدي عمار ، وقال الله تعالى في حقه ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ ) فهل تبقى للناس حجة على الحق ، بل والله الحجة التامة عليهم .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يشاهد اختلاف الأمة بعده ، فهداهم الى طريق الحق والسعادة ، وبيّن لهم سبيل النجاة والجنة ، وحذّرهم عن الضلالة والغواية بكلمات مختلفة وعبارات متفاوتة ، ومنها هذه التعبيرات في حق عمار :
سير الأعلام : عن سالم : جاء رجل الى ابن مسعود فقال : ان الله قد آمننا من أن يَلمنا ولم يُؤمننا من أن يفتِننا أرأيت أن أدركتُ فتنة ؟ قال : عليك بكتاب الله ، قال : أرأيت ان كان كلهم يدعو إلى كتاب الله ؟ قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : اذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق
.
المستدرك : عن حذيفة قلنا يا ابا عبدالله حدّثنا ما سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الفتنة ؟ قال حذيفة : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : دوروا مع كتاب الله حيث مادار ، فقلنا : فاذا اختلف الناس فمع مَن نكون ؟ فقال : انظروا الفئة التي فيها ابن سمية فالزموها فإنه يدور مع كتاب الله ، قال : قلت ومن ابن سمية ؟ قال : أو ما تعرفه ؟ قلت بيّنه لي ؟ قال عمار بن ياسر ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول
.
وهذا حديث له طرق باسانيد صحيحة أخرجا بعضها ولم يُخرجاه بهذا اللفظ .
الكنى للدولابي : عن هند بن عمرو ، قال : سمعت عمارا يقول : أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أقاتل مع عليّ ، الناكثين والقاسطين والمقارقين
.
أقول : قد بيّن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأصرح بيان وأبلغ تعبير ، طريق هداية المسلمين وهداهم بهذه العلامة الواضحة الى صراط حق مستقيم ، وألزم الأعداء المنافقين حجّته الكاملة ، وشاع هذا القول بين العامة والخاصة ، كما أشار اليه اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في قوله :
أنساب الأشراف : قال علي ( عليه السلام ) : ان امراءا من المسلمين لم يعظم عليه قتلُ عمار ولم يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة ، لغير رشيد ، رحم الله عمار يوم أسلم ، ورحم الله عمارا يوم قُتل ، ورحم الله عمارا يوم يُبعث حيا ، لقد رأيت عمارا ما يُذكر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اربعة إلا كان الرابع ولا خمسة إلا كان الخامس . وما كان أحد من أصحاب محمد يشكّ في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين ، فهنيئا له الجنة عمار مع الحق أين مادار ، وقاتل عمارفي النار
.
أقول : ما أحسن وأتقن ما يُزار به اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ـ السلام عليك يا امين الله في أرضه وحجته على عباده ، السلام عليك يا أميرالمؤمنين ، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سُنن نبيه ، وألزم اعداءك الحجة مع مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه .
مسند أحمد : عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نحمل في بناء المسجد لِبنة لِبنة وعمار بن ياسر يحمل لِبنتين لِبنتين ، قال : فرآه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجل يَنفض التراب عنه ويقول : يا عمار ألاتحمل لِبنة كما يحمل اصحابك ؟ قال : اني أريد الأجر من الله ، قال : فجعل يَنفض التراب عنه ويقول : ويحَ عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار
.
البخاري : وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمرّ به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومسح عن رأسه الغبار وقال : ويح عمار ! تقتله الفئة الباغية ، عمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار
السيرة النبوية : فدخل عمار بن ياسر وقد أثقلوه باللِبن ، فقال : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قتلوني ، يحملون عليّ ما لايحملون ، قالت ام سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فرأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينفض وفرته بيده ـ وكان رجلا جعدا ـ . وهو يقول : ويحّ ابن سمية . ليسوا بالذين يقتلونك ، إنما تقتلك الفئة الباغية
.
ويقول : فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال : ما لهم ولعمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ، ان عمارا جلدة ما بين عينيّ وأنفي
.
سنن الترمذي : عن ابي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : أبشر يا عمار تقتلك الفئة الباغية
.
.
ويروى أيضا : عن حنظلة ، قال : كنت عند معاوية فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال عبدالله بن عمرو : يطيب أحدكما نفسا لصاحبة ، فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : تقتلك الفئة الباغية
(1) .
ويروى ايضا عن عبدالله بن الحرث : قال عبدالله بن عمرو بن العاص : يا معاوية ألا تسمع ما يقولون : تقتله الفئة الباغية ! فقال لا تزال داحضا في قولك ، أنحن قتلناه وإنما قتله من جاء به الينا .
مسلم : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول : بُؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية
(2) .
ثم روى أربعة أحاديث بطرق أُخر بهذا المضمون : تقتلُ عمارا الفئة الباغية .
وقال النووي ( كما في حاشية الكتاب ) : قال العلماء : هذا الحديث حجة ظاهرة في ان عليا رضي الله عنه كان محقا مصيبا ، والطائفة الأُخرى بغاة ، لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك .
وقال في زاد المسلم : ويح يقال لمن وقع في مهلكة لا يستحقّها فيرثى له ، وويل لمن يستحقها فلا يرثى له ، وقال الفرّاء : الويح والويس كناية عن الويل ، يدعونه ، أي الفئة الباغية ، الى النار أي الى سببها وان لم يتعمّدوا الدعاء الى النار ، ... وان اتّضح ان الحقمع عليّ كرم الله وجهه وطائفته ، لأن معاوية وطائفته كانوا مجتهدين ظانّين أنّهم يدعونه الى الجنّة وان كان الواقع في نفس الأمر بخلاف ذلك
(3) .
الطبقات : عن هُنيّ مولى عمر بن الخطّاب كنت أول شيء مع معاوية على عليّ ، فكان أصحاب معاوية يقولون : لا والله لا نقتل عمارا أبدا ، ان قتلناه فنحن كما يقولون ، فلما كان يوم صفّين ذهبت أنظر في القتلى فاذا عمار بن ياسر
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 30 .
(2) مسلم ج 8 ص 185 .
(3) زاد المسلم ج 4 ص 94 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 384 _
مقتول ، فقال هُنيّ : فجئت الى عمرو بن العاص وهو على سريره ، فقلت : ابا عبدالله ، قال : ما تشاء ؟ قلت : أنظر اكلّمك ، فقام اليّ ، فقلت : عمار بن ياسر ما سمعت فيه ؟ فقال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تقتله الفئة الباغية ، فقلت هو ذا والله مقتول ، فقال : هذا باطل ، فقلت : بصر به عيني مقتول ، قال : فانطلق فأرنيه ، فذهبت به فأوقفته عليه فساعة رآه انتُقع لونه ، ثم أعرض في شقّ وقال : انما قتله الذي خرج به
(1) .
ويروى أيضا : سمعت عبدالله بن سلمة يقول : رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخا آدم في يده الحربة وأنها لترعد ، فنظر الى عمرو بن العاص ومعه الراية ، فقال : أن هذه راية قد قاتلت بها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاث مرات وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يُبلّغونا سَعفات هجر لعرفت ان مَصلحتنا على الحق وانهم على الضلالة
(2) .
ويروى روايتين اخريين ، وفيهما : وانهم على الباطل .
وفي مسند احمد : ما يقرب منها ، وفيها : ان مُصلحينا على الحق
(3) .
ويروى في الطبقات ايضا : شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يَسلّ سيفا ، وشهد صفين وقال : انا لا أصل ابدا حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله ، فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول تقتله الفئة الباغية ، قال فلما قتل عمار بن ياسر ، قال خزيمة : قد بانت لي الضلالة واقترب فقاتل حتى قتل ، وكان الذي قتل عمار بن ياسر ابو غاوية المزني طعنه برمح فسقط ، وكان يومئذ يقاتل في محفّة فقتل يومئذ وهو ابن اربع وتسعين سنة ، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه ، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول انا قتلته ، فقال عمرو بن العاص : والله ان يختصمان إلا في النار ، فسمعها منه معاوية فلما الصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص : ما رأيت مثل ما صنعت ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما انكما
---------------------------
(1) الطبقات ج 3 ص 253 .
(2) نفس المصدر ص 256 .
(3) مسند أحمد ج 4 ص 319 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 385 _
تختصمان في النار ، فقال عمرو : هو والله ذاك ، والله أنك لتعلمه ولوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة
(1) .
أنساب الأشراف : عن حنظلة بينا أنا عند معاوية اذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار ، فقال عبدالله بن عمرو : لتطلب نفس كل واحد منكما لصاحبه براس عمار ، فإني سمعت رأس الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : تقتل عمارا الفئة الباغية ، فالتفت معاوية الى عمرو بن العاص ، فقال : ألا تُصني عنا مجنونك هذا ؟ فلِمَ يقاتل معنا اذا ؟ فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمرني بطاعة أبي ، فأنا معكم ولست أُقاتل
(2) .
مسند أحمد : نظيرها
(3) .
ويروى ايضا في الأنساب : عن عبداله بن الحارث ، قال : أني لأسير مع معاوية منصرفة من صفين بينه وبين عمرو بن العاص ، فقال عبدالله بن عمرو : يا أبتِ سمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لعمار : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ، فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا ؟ فقال معاوية : ما تزلا تدحض بها في قولك ، أنحن فقتلناه ؟ إنما قتله الذين جاؤوا به
(4) .
ويروى أيضا : عن خزيمة كما في الطبقات ص 259
(5) .
ويروى أيضا : روايات قريبة من الطبقات ص 256
(6) .
تاريخ الطبري : فقال عبدالله بن عمرو لأبيه : يا أبتِ قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا ! وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه ما قال ، قال : وما قال ؟ قال : ألم تكن معنا ونحن نبني المسجد الناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة ، وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين عليه ، فأتاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجعل يمسح
---------------------------
(1) الطبقات ج 3 ص 259 .
(2) أنساب الأشراف ج 1 ص 168 .
(3) مسند أحمد ج 2 ص 164 .
(4) أنساب الأشراف ج 1 ص 169 .
(5) نفس المصدر ص 170 .
(6) نفس المصدر ص 171 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 386 _
التراب عن وجهه ويقول : ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين ، رغبة منك في الأجر ، وأنت ويحك ! مع ذلك تقتلك الفئة الباغية ! فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية اليه فقال : يا معاوية أما تسمع ما يقول عبدالله ؟ قال : وما يقول ؟ فأخبره الخبر ، فقال معاوية أنك شيخ أخرق ولا تزال تحدّث بالحديث وأنت تدحض في قولك ، أو نحن قتلنا عمارا انما قتل عمارا من جاء به ، فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنما قتل عمارا من جاء به ، فلا أدري من كان أعجب هو أوهم
(1) .
أقول : هذه نصوص صريحة واردة في تمييز الحق وتشخيص العدل من الباطل والبغي ، غير قابلة الطرح ولا التأويل ، والعجب من تأويل معاوية بقوله : إنما قتل عمارا من جاء به . فيلزم على تأويله أن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قاتل حمزة وسائر الشهداء في غزواته حيث جاء بهم ، مع أن عمارا كان على بصيرة من أمره ولم يخرج من بيته متحيرا جاهلا ، وقد سبق قوله : لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة . والعجب العجاب قول بعض علمائهم المحجوبين عن الحق الذين في أبصارهم غشاوة : ان الطائفة الآخرى بغاة ولكنهم مجتهدون !! فيلزم على قول هؤلاء الجاهلين أعداء أهل البيت أن يكون كل مبطل ومخالف للدبن ومُبدع فيه مجتهدا لا إثم عليه ، وان أبدع خلافا لصريح الكتاب ونصّ السنة ، فإن الاجتهاد الوصول الى النص ووجدانه ، وليس معنى الاجتهاد : أن يتكلّف في تأويل النص الصريح وردّه وتفسيره برأيه ابتغاء الفتنة والفساد ، وقد قالوا : ان الاجتهاد في مقابل النص باطل والدحض : البطلان والزلق .
أحاديث في فضله
سنن الترمذي : عن عليّ : جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال :
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 22 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 387 _
ائذنوا له ، مرحبا بالطبيب المطيب
(1) .
سير الأعلام : عن هاني : قال : كنا جلوسا عند عليّ ، فدخل عمار فقال : مرحبا بالطيب المطيب ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ان عمارا مُليء ايمانا الى مشاشة
(2) .
الاستيعاب : عن عائشة قالت : ما من أحد من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أشاء ان أقول فيه إلا قلت . إلا عمار بن ياسر ، فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : مُليء عمار ايمانا الى أخمص قدميه . ويروي رواية اخرى ، وفيها : حُشى ما بين اخمص قدميه الى شحمة أُذنيه ايمانا
(3) .
مسند أحمد : عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام ، فأغلظت له في القول ، فانطلق عمار يشكوني الى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجاء خالد وهو يشكوه الى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : فجعل يغلظ له ولا يزيد إلا غلظة والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ساكت لا يتكلم ، فبكى عمار وقال : يا رسول الله ألا تراه ؟ فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رأسه وقال : من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله .
قال خالد : فخرجت فما كان شيء أحبّ إليّ من رضا عمار
(4) .
البخاري : باسناده قال شقيق : كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار ، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك ، وما رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر ، قال عمار : يا أبا مسعود ما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعيب عندي من ابطائكما في هذا الأمر
(5) .
أقول : هذه المكالمة وقعت في الكوفة حين بعثت عمار يَستنفر اهلها الى قتال
---------------------------
(1) سنن الترمذي ص 542 .
(2) سير الأعلام ج 1 ص 296 .
(3) الاستيعاب ج 3 ص 1137 .
(4) مسند أحمد ج 4 ص 89 .
(5) البخاري ج 4 ص 141 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 388 _
اهل البصرة .
تاريخ الطبري : عن العُرني قال : انطلقت أنا وأبو مسعود الى حذيفة بالمدائن فدخلنا عليه ، فقال : مرحبا بكما ما خلفتما من قبائل العرب أحدا أحبّ إليّ منكما ، فأسندته الى أبي مسعود فقلنا : يا أبا عبدالله حدثنا فإنا نخاف الفتن ! فقال : عليكما بالفئة التي فيها ابن سمية ، إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق ، وإن آخر رزقه ضياح من لبن ، قال العرني : فشهدته يوم صفّين وهو يقول ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا ! فأتي بضياح من لبن في قدح أروح ، له حلقة حمراء ، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة ، فقال : اليوم ألقى الأحبّة محمدا وحزبه
(1) .
سير الأعلام : قال ابو الدرداء : أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيّه من الشيطان ؟ يعني عمارا
(2) .
ويروى عن خثيمة قلت لأبي هريرة حدثني ، فقال : تسألني وفيكم علماء أصحاب محمد والمجار من الشيطان عمار بن ياسر .
أقول : والعجب اتفاق كل من الموافق والمخالف على هذه الروايات في فضله ومقامه ، وأعجب منه ، ما روي في تهذيب ابن عساكر : من أن أهل الشام طلبوا أن يصلوا عليه بعد موته : ان أهل الشام لما بلغهم قتل عمار بن ياسر يوم صفين بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه ، فعاد اليهم فأخبرهم أنه قد قتل ، فنادى أهل الشام أصحا علي أنكم لستم بأولى بالصلاة على عمار منّا ، فتوادعوا عن القتال حتى صلّوا عليه جميعا
(3) .
الكنى للدولابي : عن رياح بن الحارث قال : كنت الى جنب عمار بن ياسر بصفين وركبتي تمسّ ركبته ، فقال له رجل : كفر اهل الشام ، فقال عمار : لا تقل ذاك ، ديننا ودينهم واحد وقبلتنا وقبلتهم واحدة ، ولكنهم قوم مفتونون
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 31 .
(2) سير الأعلام ج 1 ص 299 .
(3) تهذيب ابن عساكر ج 3 ض 280 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 389 _
جاوزوا عن الحق ، حق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا
(1) .
أويس القرني
مستدرك الحاكم : عن عبدالرحمن قال : لما كان يوم صفين نادى مناد من اصحاب معاوية أصحاب عليّ أفيكم أويس القرنيّ ؟ قالوا : نعم ، فضرب دابّته حتى دخل معهم ، ثم قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول خير التابعين أويس القرنيّ
(2) .
أقول : شهد مع اميرالمؤمنين عليّ ( عليه السلام ) بصفين جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن خيار التابعين ، ومنهم خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين ، وهاشم بن عتبة وابوعمرة الأنصاري وعمار بن ياسر .
حلية الأولياء : فقضى أن أهل الكوفة وفدوا الى عمر بن الخطاب ، فوفد رجلل ممن كان يسخر به ، فقال عمر : هل هاهنا أحد من القرنيّين ؟ قال : فجاء ذاك الرجل فقال : أنا ، قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد قال : أن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له اويس لا يدع باليمن غير أمّ له ، وقد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدينار أو الدرهم ، فمن لقيه منكم فمُروه فليستغفر لكم ، قال : فقدم علينا ، قال : من أين ؟ قال : من اليمن ، قال : ما أسمك ؟ قال : اويس ، قال : فمن تركت باليمن ؟ قال : أمّا لي قال : أكان بك بياض فدعوت الله فأذهب عنك ؟ قال : نعم ، قال : فاستغفر لي ! قال : أو يستغفر مثلي لمثلك يا اميرالمؤمنين ؟ قال : فاستغفر له ، قال : أنت أخي لا تفارقني
(3) .
ويروى : عن أصبغ : كان اويس اذا امسى يقول : هذه ليلة الركوع فيركع ، حتى يُصبح ، وكان يقول اذا أمسى : هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح ، وكان اذا أمسى تصدّق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب
(4) .
---------------------------
(1) الكنى للدولابي ج 1 ص 155 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 402 .
(3) حلية الأولياء ج 3 ص 79 .
(4) نفس المصدر ص 87 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 390 _
فتنة الخوارج المارقين
الملل والنحل : كذلك الخلاف بينه وبين الشُراة المارقين بالنهروان عقدا وقولا ، ونصب القتال معه فعلا ، ظاهر معروف ، وبالجملة كان عليّ مع الحق والحق معه
(1) .
الشريعة : قال محمد بن الحسين : لم يختلف العلماء قديما وحديثا ان الخوارج قوم سوء عُصاة لله عزوجل ولرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وان صلّوا وصاموا واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، وان أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم ، لأنهم قوم يتأوّلون القرآن على ما يهوون ويُموّهون على المسلمين ، وقد حذّرنا الله عزوجل منهم وحذّرنا النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحذّرناهم الخلفاء الراشدون بعده وحذّرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم باحسان رحمة الله تعالى عليهم . والخوارج هم الشُراة الانجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج
(2) .
تاريخ الطبري : ثم قال لهم من زعيمكم ؟ قالوا : ابن الكّوّاء ، قال عليّ : فما أخرجكم علينا ؟ قالوا : حكومتكم يوم صفّين ، قال : أنشدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم الى كتاب الله ، قلت لكم : إني أعلم بالقوم منكم ، أنهم ليسوا باصحاب دين ولاقرآن ، إني صحبتهم وعرفتهم اطفالا ورجالا ، فكانوا شرّ اطفال وشرّ رجال ، امضوا على حقكم وصدقكم ، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودَهنا ومكيدة ، فرددتم عليّ رأيي وقلتم لإبل نقبل منهم ، فقلت لكم : اذكروا قولي لكم ومعصيتكم ايّاي ، فلما أبيتم إلا الكتابَ
---------------------------
(1) الملل والنحل ج 1 ص 23 .
(2) الشريعة ص 21 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 391 _
اشترطت على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن وأن يُميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكما يحكم بما في القرآن ، وان أبيا فنحن من حكمهما براء ، قالوا له : فخبّرنا أتُراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟ فقال : إنا لسنا حكّمنا الرجال إنما حكّمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خطّ مسطور بين دفّتين لاينطق ، إنما يتكلّم به الرجال ، قالوا فخبّرنا عن الأجل لِمَ جعلته فيما بينك وبينهم ؟ قال : ليعلم الجاهل ويتثبّت العالم ، ولعل الله عزوجل يُصلح في هذه الهُدنة هذه الأمة ، ادخلوا مصركم رحمكم الله فدخلوا من عند آخرهم
(1) .
ويروى ايضا : ان عليا قال لأهل النهر : يا هؤلاء انّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها ، وسألتموها وأنا لها كاره ، وأنبأتكم ان القوم سألوكموها مكيدة ودهنا ، فأبيتم عليّ اباء المخالفين وعدلتم عنّي عدول النكداء العاصين ، حتى صرفت رأيي الى رأيكم ، وأنتم والله معاشر أخفّاء الهام سفهاء الأحلام فلم آتِ لكم لا أبالكم حراما ، والله ما خبلتكم عن اموركم ولا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم ولا أوطأتكم عُشوة ولا دنيت لكم الضرّاء ، وان كان امرنا لأمر المسلمين ظاهرا ، فاجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما ان يحكما بما في القرآن ولا يعدواه ، فتاها وتركا الحق وهما يُبصرانه ، وكان الجور هواهما ، وقد سبق استيثاقنا عليهما في الحكم بالعدل ، والصدّ للحق بسوء رأيهما وجور حكمهما والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ وأتيا بما لا يعرف ، فبيّنوا لنا بماذا تستحلّون قتالنا والخروج من جماعتنا ، ان اختار الناس رجلين أن تضعوا اسيافكم على عواتقكم ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون دماءهم انّ هذا لهو الخسران المبين ، والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها ، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام
(2) .
أقول : الناكد : الشديد وقليل الخير . الأخفّاء : جمع خفيف . الهام : جمع هامة وهي
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 37 .
(2) نفس المصدر ص 48 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 392 _
الرأس . خبله : أفسده . أوطأه الأرض : جعله يطأه ووافقه . والعُشوة : الالتباس والحيرة . والاسيثاق : اخذ الوثيقة .
روايات في الخوارج
وقد أشار رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كلماته الى هذه الطائفة ، وانهم قوم متعبّدون متزهّدون ، لم يدخل نور المعرفة وروح الحقيقة في قلوبهم ، ولم يعرفوا من الاسلام إلا ظواهر منه ، وهم يحسبون انهم مهتدون ، الا أنهم هم الجاهلون المستكبرون .
مسند أحمد : عن أبي كثير مولى الأنصار قال : كنت مع سيّدي عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) حيث قُتل اهل النهروان ، فكان الناس في أنفسهم من قتلهم . فقال عليّ ( رضي الله عنه ) : يا ايها الناس ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد حّدثنا بأقوام يَمرقون من الدين كما يَمرق السهم من الرميّة ثم لايرجعون فيه ابدا حتى يرجع السهم على فوقه ، وان آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مُخدج اليد أحد ثدييه كثدي المرأة ... الخ
(1) .
مسند أحمد : عن أبي سعيد الخدري قال : أن ابا بكر جاء الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله اني مررت بوادي كذا وكذا ، فاذا رجل متخشّع حسن الهيئة يصلي ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اذهب اليه فاقتله ، قال ، فذهب اليه ابوبكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله فرجع الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعمر اذهب فاقلته ، فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه ابوبكر ، قال ، فكره أن يقتله ، قال فرجع فقال : يا رسول الله اني رأيته يصلي متخشّعا فكرهت أن أقتله ، قال يا عليّ : اذهب فاقتله ، قال فذهب عليّ فلم يره ، فرجع فقال : يا رسول الله انه لم يره ، قال ، النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ان هذا واصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يَمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فُوقه ، فاقتلوهم هم شر البرية
(2) .
---------------------------
(1) مسند أحمد ج 1 ص 88 .
(2) نفس المصدر ج 3 ص 15 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 393 _
البخاري : باسناده قال ابو سعيد الخدري : بينما نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يقسم قسما اذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم ، فقال : يا رسول الله اعدل ! فقال : ويلك ومن يعدل اذا لم أعدل ، قد خبتُ وخسرتُ ان لم أكن أعدل ، فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال : دعه فإن له اصحابا يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمّية ، ينظر الى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر الى رصافه فلا يوجد فيه شيء ... آيتهم رجل اسود احدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر در ويخرجون على حين فرقة من الناس ، قال أبوسعيد : فاشهد اني سمعت هذا الحديث من رسو لالله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأُتي به حتى نظرت اليه على نعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي نعته
(1) .
وفي مسند أحمد : ما يقرب منها
(2) .
ويروى البخاري أيضا : باسناده يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمّية ينظر في السهم فلا يرى شيئا
(3) .
ويروى باسناده : عن عبدالله بن عمر ، ذكر الحروريّة فقال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يمرقون من الاسلام مروق السهم من الرمّية
(4) .
ويروى أيضا : جاء عبدالله بن ذي الخويصره التميميّ فقال : اعدل يا رسول الله ! فقال : ويلك من يعدل اذا لم أعدل ... الرواية .
ويروى أيضا : باسناده : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
---------------------------
(1) البخاري ج 2 ص 172 .
(2) مسند أحمد ج 3 ص 65 .
(3) البخاري ج 3 ص 147 .
(4) البخراي ج 4 ص 122 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 394 _
يقول في الخوارج شيئا ؟ قال : سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق ، يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام مروق السهم من الرّمية .
ويروى مسلم : روايات بهذه المضامين ، وفيها أنه سيخرج من ضضيء هذا قوم يتلون كتاب الله ليّنا رطبا ، لئن ادركتُهم لأقتلنّهم قتل ثمود
(1) .
ويروى : باسناده انّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : تمرق ما رقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق
(2) .
ويروى أيضا باسناده : سيماهم التحالق ، قال : هم شرّ الخلق ، يقتلهم أدنى الطائفتين الى الحقّ .
ويروى أيضا باسناده : قال عليّ رضي الله عنه : أيها الناس إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : يخرج قومن من أمّتي يقرؤون القرآن ليس قرائتم الى قرائتهم بشيء ولا صلاتكم الى صلاتهم بشيء ولا صيامكم الى صيامهم بشيء ، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يَمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمّية ، لو يعلم الجيش الذين يُصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لاتكلوا عن العمل ، وآيةُ ذلك ان فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض ، فتذهبون الى معاوية واهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم واموالكم ، والله اني لأرجو ان يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله ! قال سلمة بن كهيل : فنزّلني زيد بن وهب الراسبي منزلا حتى قال : مررنا على قنطرة فلما التقينا ، وعلى الخوارج يومئذ عبدالله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح وسلّوا سيوفكم من جفونها فإني أخاف ان يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء ، فرجعوا فوحّشوا برماحهم وسلّوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم ، قال : وقُتل بعضهم على بعض وما أُصيب
---------------------------
(1) مسلم ج 3 ص 111 .
(2) نفس المصدر ص 113 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 395 _
من الناس إلا رجلان ، فقال عليّ رضي الله عنه : التمسوا فيهم المُخدّج
(1) .
فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناسا قد قُتل بعضهم على بعض ، قال أخّروهم فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبّر ثم قال : صدق الله وبلّغ رسوله ، قال : فقام اليه عبيدة السلماني فقال : يا اميرالمؤمنين الله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقال : اي والله الذي لا إلا هو . حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له
(2) .
وفي مسند أحمد : ما يقرب منها
(3) .
ويروى مسلم أيضا : باسناد أنّ الحروريّة لما خرجت وهو مع عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) قالوا لا حكم إلا لله ، قال عليّ كلمة حق أريد بها باطل ، ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصف ناسا اني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بالسنتهم لا يجوز هذا منهم ( واشار الى حلقه ) من أبغض خلق الله اليه ، منهم اسود احدى يديه طُبى شاة أو حَلَمة ثدي ، فلما قتلهم علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) قال انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال ارجعوا فوالله ما كذبت ولاكُذبت مرتين أو ثلاثا ، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه ، قال عبيدالله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول عليّ فيهم
(4) .
ابن ماجة : باسناده عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : الخوارج كلاب النار
(5) .
ويروى : روايات اخر بمضامين ما روى في البخاري ومسلم .
السيرة النبوية : جاء رجل من بني تميم يقال له ذوالخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ... قريبا من البخاري ج 2 ص 172
(6) .
سنن النسائي : فاقبل رجل غائر العينين ناتيء الوجنتين كثُّ اللحية محلوق
---------------------------
(1) بصيغة المفعول : الناقص الخلق .
(2) نفس المصدر السابق ص 115 .
(3) مسند أحمد ج 1 ص 92 .
(4) مسلم ج 3 ص 116 .
(5) ابن ماجة ج 1 ص 74 .
(6) السيرة النبوية ج 4 ص 139 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 396 _
الرأس فقال : يا محمد اتق الله ، قال : من يطع الله اذا عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني ، فسأل رجل من القول قتله فمنعه ، فلما ولّى قال : ان من ضضيء هذا قوما يخرجون يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد
(1) .
ثم يروى روايات أخر قريبة من المضامين السابقة .
مقالات الاسلاميين : فأمر معاوية أصحابه برفع المصاحف ، وبما أشار به عليه عمرو بن العاص ففعلوا ذلك ، فاضطرب اهل العراق على عليّ ( رضوان الله عليه ) وابوا عليه إلا التحكيم ، وأن يبعث عليّ حكما ويبعث معاوية حكما ، فأجابهم عليّ الى ذلك بعد امتناع اهل العراق عليه غلا يجيبهم إليه ، فلما أجاب عليّ الى ذلك ، وبعث معاوية وأهل الشام عمرو بن العاص حكما وبعث عليّ واهل العراق اباموسى حكما ، وأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق : اختلف اصحاب عليّ عليه وقالوا : قال الله تعالى ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) ، ولم يقل وحاكموهم وهم البُغاة ، فإن عدتَ الى قتالهم واقررت على نفسك بالكفر اذ أجبتَهم الى التحكيم ، وإلا نابذناك وقاتلناك ، فقال عليّ ( رضوان الله عليه ) : قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا اجابتهم الى ما سألوا فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق ، وليس يسوغ لنا الغدر ، فأبوا إلا خلعه واكفاره بالتحكيم وخرجوا عليه ، فسُمّوا خوارج
(2) .
سنن أبي داود : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تمرق ما رقة عند فرقة من المسلمين يقتلها ولّى الطائفتين بالحق
(3) .
ويروى : عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قوم يُحسنون القيل ويُسيئون الفعل ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق
---------------------------
(1) سنن النسائي ج 7 ص 118 .
(2) مقالات الاسلاميين ج 1 ص 63 .
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 286 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 397 _
السهم من الرميّة ، لا يرجعون حتى يرتدّ على فوقه ، هم شرّ الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم
(1) .
ويروى أيضا : مثل ما في مسلم ص 115 .
الإحتجاج معهم
خصائص النسائي : يروى روايات كما في البخاري ومسلم
(2) .
ويروى أيضا : عن ابن عباس قال : لما خرجت الحروريّة اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعليّ رضي الله عنه : يا اميرالمؤمنين ابرد بالظهر لعلّي آتي هؤلاء القوم فاكلّمهم قال : إني أخاف عليك ، قلت : كلا ، قال : فقمت وخرجت ودخلت عليهم في نصف النهار وهم قائلون ، فسلمت عليهم فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس فما جاء بك ؟ قلت لهم : أتيتكم من عند أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصهره ، عليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد ، لأبلّغكم ما يقولون وتُخبرون بما تقولون ! قلت : أخبروني ماذا نقمتم على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابن عمّه ؟ قالوا : ثلاث ، قلت : ماهنّ ؟ قالوا : اما احداهنّ فإنه حكّم الرجال في أمر الله وقال الله تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ )، ما شأن الرجال والحكم ، فقلت : هذه واحدة ، قالوا : وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسلب ولم يغنم فإن كانوا كفارا سلبهم وان كانوامؤمنين ما أحلّ قتالهم ، قلت : هذه اثنان فما الثالثة ؟ قالوا إنه محى نفسه عن اميرالمؤمنين فهو أمير الكافرين .
قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت : أرأيتم ان قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنّة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يردّ قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم ، قُلت : أما قولكم حكّم الرجال في أمر الله : فأنا آقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صيّر الله حكمه الى الرجال في ثمن ربع درهم فأمر الله الرجال أن يحكموا
---------------------------
(1) سنن أبي داود ج 2 ص 300 .
(2) خصائص النسائي ص 31 ـ 34 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 398_
فيه قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ... الآية ) ، فنشدتكم بالله تعالى أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد افضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم وأنتم تعلمون ان الله لو شاء لحكم ولم يُصيّر ذلك الى الرجال ، قالوا : بل هذا أفضل ، وفي المرأة وزوجها : قال الله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا ... الآية ) ، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة ؟ أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم ، قلت وأما قولكم قاتلَ ولم يسلب ولم يَغنم : أفتسلبون أمكم عائشة وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ؟ فإن قلتم إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم ، ولإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم ، لانّ الله تعالى يقول :( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم ) ، فأنتم تدورون بين ضلالتين فأتوا منها بمَخرج ! قلت : فخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم . وأما قولكم محى اسمه من اميرالمؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون ، وأراكم قد سمعتم ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الحُديبية صالح المشركين فقال لعليّ ( رضي الله عنه ) أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال المشركون : لا والله ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنك رسول الله لأطعناك ، فاكتب يا محمد بن عبدالله ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : امحُ يا علي رسول الله ، اللهم انك تعلم أني رسولك امحُ يا علي واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله ، فوالله رسول الله خير من عليّ وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك يَمحاه من النبوّة أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم . فرجع منهم الفان ، وخرج سائرهم فقُتلوا على ضلالتهم ، فقتلهم المهاجرون والأنصار
(1) .
المستدرك : قال : لما خرجت الحروريّة ... فخرجتُ اليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، قال ابو زميل : كان ابن عباس جميلا جهيزا ، قال ابن
---------------------------
(1) خصائص النسائي ص 35 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 399_
عباس : فأتيتهم وهم مجتمعون في دارهم قائلون ، فسلّمت عليهم ، فقالوا مرحبا بك يا ابن عباس فما هذه الحلة ؟ قال : قلت ما تعيبون عليّ لقد رأيت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحسن ما يكون من الحلل ، ونزلت قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق ، قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من المهاجرين والأنصار لأبلّغكم ... قالوا : وأما الأخرى فإنه قاتل ولم يسلب ولم يغنم ، ... كما في الخصائص باختلاف يسير
(1) .
ويروى : عن عبدالله بن شدّاد قال : قدمت على عائشة ... قالت : فحدّثني عن قصّتهم ؟ قلت : ان عليا لما كاتب معاوية وحكّم الحكمين ، خرجعليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس ، فنزلوا أرضا من جانب الكوفة يقال لها حروراء ، وأنهم أنكروا عليه ... فلما أن بلغ عليّاً ما عتوا عليه وفارقوه ، أُمر فأذّن مؤذّن لايدخلنّ على اميرالمؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن ، فلما ان امتلأ الدار من القرّاء دعا بمصحفٍ عظيم فوضعه عليّ بين يديه فطفق يصكّه بيده ويقول أيها المصحف حدِّث الناس فناداه الناس فقالوا : يا اميرالمؤمنين ما تسأله عنه انما هو ورق ومداد ، ونحن نتكلم بما رأينا منه فماذا تريد ظ قال : أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله ، يقول الله عزوجل في امرأة ورجل ... ( كما في الخصائص ) يقول الله في كتابه لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة ، فبعثه اليهم عليّ بن أبي طالب ، فخرجت معهم حتى اذا توسّطنا عسكرهم قام ابن الكّوّاء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن انّ هذا عبدالله بن عباس ... فواضعوه على كتاب الله ثلاثة ايام فرجع منهم اربعة آلاف كلهم تائب بينهم ابن الكّوّاء حتى أدخلهم على عليّ ، فبعث عليّ الى بقيّتهم ، فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث شئتم حتى يجتمع امة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... فقالت له عائشة : يا ابن شدّاد فقد قتلهم ؟ فقال : والله ما بعث اليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء بغير حق الله وقتلوا ابن خباب واستحلّوا اهل الذمة فقالت :
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 2 ص 150 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 400_
الله ؟ قلت : الله الذي لا إله إلا هو . قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدّثون به يقولون ذوالثدي ذوالثدي ؟ فقلت : قد رأيته ووقفت عليه مع عليّ في القتلى ، فدعا الناس فقال : هل تعرفون هذا ... قالت : فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم اهل العراق ؟ قلت سمعته يقول : صدق الله ورسوله ، قالت : وهل سمعته أنت منه قال غير ذلك ؟ قلت : اللهم لا ، قالت : أجل صدق الله ورسوله
(1) .
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
مسند أحمد : نظيرها
(2) .
عقد الفريد : ان عليا لما اختلف عليه اهل النهروان والقرى وأصحاب البرانس ، ونزلوا قرية يقال لها حروراء ، وذلك بعد وقعة الجمل ، فرجع اليهم عليّ بن أبي طالب فقال لهم : يا هؤلاء من زعيمكم ؟ قالوا : ابن الكوّاء ، قال : فليبرز اليّ ! فخرج اليه ابن الكوّاء ، فقال له عليّ : يا ابن الكوّاء ما أخرجكم علينا بعد رضاكم بالحكمين ومُقامكم بالكوفة ؟ قال : قاتلت بنا عدوا لانشكّ في علينا بعد رضاكم بالحكمين ومُقامكم بالكوفة ؟ قال : قاتلت بنا عدوا لانشك في جهاده فزعمت ان قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ، فبينما نحن كذلك اذ أرسلتَ منافقا وحكّمت كافرا ، وكان مما شكّك في أمر الله أن قلت للقوم حين دعوتهم : كتابُ الله بيني وبينكم فإن قضى عليّ بايعتكم وان قضى عليكم بايعتموني ، فلولا شكّك لم تفعل هذا والحق في يدك ، فقال عليّ : يا ابن الكوّاء انما الجواب بعد الفراغ أفرغت فأجيبك ؟ قال : نعم ، قال عليّ : أما قتالك معي عدوّا لا نشك في جهاده ، فصدقتَ ولو شككتُ فيهم لم أقاتلهم ، وأما قتلانا وقتلاهم : فقد قال الله في ذلك ما يُستغنى به عن قولي ، وأما ارسالي المنافق وتحكيمي الكافر : فأنت ارسلت ابا موسى مبرنسا ، ومعاوية حكّم عمرا ، أتيت بأبي موسى مبرنسا فقلت لانرضى إلا اباموسى فهلا قام إليّ رجل منكم ، فقال : يا عليّ لاُنعطي هذه الدّنية فإنها ضلالة ! وأما قولي لمعاوية : ان جرّني
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 2 ص 152 .
(2) مسند أحمد ج 4 ص 86 .