الاستيعاب : عن ابن عباس ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنكم محشورون الى الله عز وجل عراة غُرلا ، فأقول يا رب أصحابي ، فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعد: ، إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم
(1) .
( الغُرل : الذين لم يختنوا ) .
أقول : يستفاد من هذه الأحاديث امور :
1 ـ ان عدّة من الأصحاب قد وردت في فضائلهم ومقاماتهم أحاديث متواترة ، كسلمان وأبي ذرّ ومقداد وعمار .
2 ـ وقد وردت روايات في بعضهم بأنهم يصيرون مرتدّين ويُحدثون أحداثا بعد نبيهم ، فسُحقا لهم ثم سُحقا .
3 ـ يستفاد من جملة ( ان الله يُحب من أصحابي أربعة ) أن هؤلاء الأربعة هم المنتخبين من الأصحاب والمجتبين المحبوبين عند الله ورسوله ، بل وقد أمر الله تعالى بحبهم واتباعهم .
4 ـ يستفادمن حالا هؤلاء الأربعة : أنهم كانوا على شريعة أهل البيت وممن امتنعوا عن بيعة أبي بكر وخالفوها ، وقد سبق قول سلمان : ( كريد ونكرديد ) ، ولبايعتم عليا لأكلمتم ... الخ .
---------------------------
(1) الاستيعاب ج 1 ص 164 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 202 _
فتنة خلافة أبي بكر
الفائق : خطب عمر بن الخطاب الناس فقال : ان بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، انه لا بيعة الا عن مشورة ، وايما رجل بايع من غير مشورة فإنه لا يُؤمر واحد منها تغرّه أن يقتلا
(1) .
قال الزمخشري : الفلتة : أن الفجأة . وقيل هي آخر ليلة من الأشهر الحرم وفيها كانوا يختلفون فيقول قوم : هي من الحل ، وقوم : من الحرم ، فيسارع الموتور الى درك الثأر غير متلّوم ، فيكثر الفساد وتسفك الدماء . وفي الحديث ؛ قال عمر : كانت إمارة أبي بكر فلتة وقى الله شرها ، قلت : وما الفلتة ؟ قال : كان أهل الجاهلية يتحاجزون في الحُرُم فاذا كانت الليلة التي يشك فيها أدغلوا فأغاروا . ويجوز ان يريد بالفلتة الخِلسة ، يعني : ان الامارة يوم السقيفة مالت الى تولِّها كل نفس ونيط بها كل طمع ، ولذلك كثر فيها التشاجر والتجارب ، وقاموا فيها بالخُطب ووثب غير واحد يَستصوبها لرجل من عشيرته ويبدي ويعيد ، فما قُلّدها ابوبكر الا انتزاعا من الأيدي واختلاسا من المخالب ، ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة ، فعصم الله من ذلك ووقى . والتغرّة مصدر غرّر به ، أي خوف التغرة في أن يُقتلا وخوف اخطار بهما في القتل .
أقول : فعلى أي معنى وقدير ، يعلم ان خلافته وقعت من غير سابقة وانتظار ، والوثوب والمسارعة في السقيفة ، حين اشتغال اهل البيت في تجهيز رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم اجتمعوا في السمجد وأخذوا البيعة العامة .
---------------------------
(1) الفائق ج 2 ص 296 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 203 _
البخاري : باسناده عن انس : انه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم تُوفي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتشهد وابوبكر صامت لا يتكلم ، قال : كنت أرجو أن يعيش رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يدبرنا ، يريد بذلك أن يكون آخرهم ، فإن يك محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد مات فإن الله قد جعل بين اظهركم نورا تهتدون به هدى الله به محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وان ابابكر صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثاني اثنين ، فإنه أولى المسلمين باموركم قوموا فبايعوه ! وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة ، وكانت بيعة العامة على المنبر ، قال أنس : سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة
(1) .
أقول : يستنبط من هذا الكلام امور :
1 ـ ان الباعث والمحرك والسبب الفرد لإمرة أبي بكر يوم السقيفة وفي هذا اليوم هو عمر بن الخطاب .
2 ـ فإن كان النور الذي هدى الله به محمدا وهو القرآن كافيا ووافيا للمسلمين : فلا يكون لهم احتياج الى نصب خليفة . وان كانت الحاجة اليه من جهة الحكومة الظاهرية فكيف يجعل هذا الأمر ركنا من اركان الدين ، حتى يعدّ منكره من المخالفين بل ومن الكافرين .
3 ـ يظهر من هذا الكلام : أن الدليل المنحصر والمستند الفرد لإمرة أبي بكر ، هو كونه صاحبا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكونه ثاني اثنين في سفر الهجرة ؛ وغير خفيّ أنّ أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانوا ألوفا ، ومنهم من كان أعلم وأتقى وأشجع وأفضل وأحب الى الله والى رسوله من أبي بكر ، وأما المصاحبة في سفر مخصوص فلا يدل على فضيلة خاصة بوجه من الوجوه .
ويقول أيضا : سمع أنس عمر بن الخطاب حين بايع المسلمون ابابكر واستوى على منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تشهّد قبل أبي بكر ، فقال : أما بعد ، فاختار الله
---------------------------
(1) البخاري ج 4 ص 153 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 204 _
لرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم ، فخذوا به تهتدوا وإنما هدى الله به رسوله
(1) .
أقول : نحن نعتقد بإن كتاب الله بعد أن توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان محتاجا الى مبين ، فإن فيه عاما ومطلقا ومتشابها ومنسوخا ، ولابد من وجود إمام مؤيد من الله ومتعين من جانب رسوله وهو أفضل الأمة ، معصوم من الآثام والخطأ عالم بالأحكام ، ولا نرى هذه المراتب الا في شخص علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، واما انتخاب الناس وآرائهم فلا اعتبار لها الا في الحكومات الظاهرية .
السيرة النبوية : لما بويع ابوبكر في السقيفة وكان الغد ، جلس ابوبكر على المنبر ، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده اليّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكني قد كنت ألى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيد بر أمرنا ، يقول : يكون آخرنا ، وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له ، وإن الله قد جمع امركم على خيركم صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثاني اثنين اذهما في الغار ، فقوموا فبايعوه ، فبايع الناس ابابكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة
(2) .
أقول : أما كون أبي بكر خير الأصحاب : فهو مخالف النصوص الواردة والبرهان . وأما الاعتصام بالكتاب : فلابد من الرجوع في الموارد المشكلة والبرهان . وأما الاعتصام بالكتاب : فلابد من الرجوع في الموارد المشكلة والمتشابهة الى من هو محيط وعالم بتفسير الكتاب وتأويله كما هو حقه . وأما قول عمر بن الخطاب : فلا حجية فيه بوجه بعدما ثبت الخطأ في قوله في الموارد الكثيرة ، ومنها في هذا المورد حيث صرّح بأنه قال مقالة ما وجدها في الكتاب ولاهي معهودة من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ثم أن عمر اعتذر من قوله بما هو أسوأ ، حيث يقول لابن عباس :
أنساب الأشراف : قال لي عمر في خلافته : أتدري يا ابن عباس ما حملني على
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 157 .
(2) السيرة النبوية ج 4 ص 311 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 205 _
ما قلت حين توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ كنت اقرأ الآية ـ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ـ وكنت أظن أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فذلك حملني على ما قلت
(1) .
أقول : فإن شهادة الرسول لا يراد بها شهادته على جميع افراد الامة في الخارج بمعنى الحضور الظاهري ، كما أن شهادة الامة على الناس ليست بذلك المعنى .
والعجب من أن ابابكر خطب بعد هذه المقالة ، وصرّح في كلامه بانه ليس بخير الأصحاب ، كما في :
عقد الفريد : ثم قال : أيها الناس إني قد وُليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فاذا عصيته فلا طاعة لي عليكم
(2) .
السيرة النبوية : فتكلم ابوبكر ... إني قد وُليت عليكم ولست بخيركم فإن احسنت فأعينوني وان أسأت فقوّموني ... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ...
(3) .
أقول : صرّح في كلامه بأنه ليس بخيرهم ، وإن الاساءة والعصيان ممكنة في حقه عادة .
عيون ابن قتيبة : لما بويع ابوبكر الصديق صعد المنبر فنزل مرقاة من مقعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال إني وَليت أمركم ولست بخيركم ولكنه نزل القرآن وسنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... إنما أنا متّبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زِغت فقوّموني
(4) .
الطبقات : كما في العيون
(5) .
---------------------------
(1) أنساب الأشراف ج 1 ص 568 .
(2) عقد الفريد ج 2 ص 59 .
(3) السيرة النبوية ج 4 ص 311 .
(4) عيون ابن قتيبة ج 2 ص 234 .
(5) الطبقات ج 3 ص 183 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 206 _
ويروى أيضا : عن الحسن ثم قال ابوبكر : فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره ، والله لوددت أن بعضكم كفانيه ، ألا وإنكم ان كلّفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لم أقم به ، كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به ، ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم ، فراعوني ، فاذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وان رأيتموني زغت فقوّموني ، واعلموا أن لي شيطانا يعتريني ، فاذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا اوثّر في اشعاركم وابشاركم
(1) .
أقول : لا إشكال ولا اختلاف بين المسلمين قاطبة في أن الحكومة الظاهرية والإمارة الصورية في المسلمين بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنما هي متحققة لأبي بكر بن أبي قحافة ، وبايعه الناس على التدريج طوعا وكرها . وإنما الاختلاف من جهة الخلافة الحقيقية والإمارة المعنوية من جانب الله تعالى ومن جانب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقالت الشيعة الامامية : إنها متعينة ومنصوصة من الله ورسوله في اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو المنصوص بالمرجعية الروحانية والمرجع في العلم والقضاء والأعلم بالكتاب والسنة من بين جمع الصحابة .
وقد صرّح أبوبكر نفسه في هذه الخطبة بأنه ليس حائزا بهذه المرتبة :
1 ـ أشار بقوله ( وُليت ، وليت عليكم ، وَليت امركم وأنا له كاره ) ان هذه الولاية والحكومة من جانب الناس وبتعيينهم .
2 ـ أشار بقوله ( لست بخيركم ، لست بخير من أحد منكم ) ان مقامه المعنوي كمقامات سائر الناس وانه كاحد من الصحابة .
3 ـ أشار بقوله ( فإن اسأت ، فاذا عصيت الله ورسوله ، وان زغت ، ان لي شيطانا غضبت ) انه غير مصون من الخطأ والزلل ، ولا يجوز اتباعه في جميع افعاله واموره واقواله .
4 ـ قد صرّح في كلامه ( فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، فاذا غضبت فاجتنبوني ، فاذا زِغت فقوّموني ) بأنه لا يجوز اتّباعه في هذه الموارد ، بل
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 212 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 207 _
ويلزم مخالفته .
وقالت الامامية : ان ابابكر قد عصى رسوله وغضب وزاغ في موارد لا يجوز لنا اتباعه فيها ، وسنذكر تلك الموارد امالا في الفصول الآتية .
أنساب الأشراف : عن الزهري ، خطب ابوبكر حين بويع واستُخلف ، فقال ... ألا وإني قد وُليتكم ولست بخيركم ، ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك إني خشيت فتنة ... ولقد قُلدت امرا عظيما ما لي به طاقة ولا بد أن ... ولوددت ان أقوى الناس عليها مكاني ... وان أحسنت فأعينوني وان زِغت فقوّموني ... أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم .
سنن البيهقي : يروى قريبا منها
(1) .
تاريخ الطبري : وقام ابوبكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس إنما أنا مثلكم وإني لا أدري لعلكم ستكلّفوني ما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يُطيق ، ان الله اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من الآفات ، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني وإن زِغت فقوّموني ... ألا وإن لي شيطانا يعتريني فاذا أتاني فاجتنبوني
(2) .
أقول : ان الخليفة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لازم أن يكون أعلم الأمة حتى لا يجهل أمرا يحتاج يصحّ اتّباعه ، ويكون قوله وعمله حجة في الله ، وان يكون منصوصا ومعيّنا من الله ومن جانب رسوله حتى يُطمأن له ويُعتمد عليه ويُؤتمّ به .
فليس بجائز عند العقل أن نتخذ اماما يعترف بأنه ليس بخير الأمة ، وكانت بيعته فلتة ، ولا طاقة له بما قُلده ، ويود أن مكانه أقوى الناس عليها ، ويجوز في حقه الزيغ والإساءة .
---------------------------
(1) سنن البيهقي ج 8 ص 152 .
(2) تاريخ الطبري ج 3 ص 211 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 208 _
ممن خالف بيعته
وقد خالف بعض بيعته ، وصبر على أذاهم ، ولم يخضع لحكومتهم ، فمنهم بنو هاشم وغيرهم .
مستدرك الحاكم : ان عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب وان محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر اليهم وقال : والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة قطّ ولا كنت فيها راغبا ولا سألتها الله عز وجل في سر وعلانية ولكني أشفقت من الفتنة ، وما لي في الإمارة من راحة ولكن قُلدت امرا عظيما ما لي به طاقة ، ولا يد الا بتقوية الله عز وجل ولوددت ان أقوى الناس عليها مكاني اليوم ، فقبل المهاجرون منه ما قال واعتذر به ، قال علي ( رضي الله عنه ) والزبير : ما غضبنا الا لأنا قد اُخرنا عن المشاورة .. ارواية
(1) .
أقول
: 1 ـ قد صرح في هذه الخطبة بموضوع الإمارة وهي الإمارة العرفية والحكومة الظاهرية في المسلمين ، وهي التي تقبل الحرص والرغبة والسؤال .
2 ـ يعلم من قوله ( وكني أشفقت الفتنة ) : انها وقعت فلتة ومن غير سابقة ، وتدل عليه جملة ـ ما غضبنا الا لأنا قد اُخرنا عن المشاورة .
تاريخ الطبري : فقال رجل للزهري : أفلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه عليّ ، فلما رأى عليّ انصراف وجوه الناس عنه ضرع الى مصالحة أبي بكر ، فأرسل الى أبي بكر ان ائتنا ولا يأتنا معك احد ، وكره يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ، فقال عمر : لا تأتهم وحدك ، قال أبوبكر : والله لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي ، قال ، فانطلق ابوبكر فدخل على عليّ وقد جمع بني هاشم عنده ، فقام عليّ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد . فإنه لم يمنعنا من أن نبايعك يا ابابكر انكار لفضيلتك
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 66 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 209 _
ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله اليك ، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا ، فاستبددتم به علينا ، ثم ذكر قرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحقهم ، فلم يزل عليّ يقول ذلك حتى بكى أبوبكر
(1) .
اقول : يستكشف من هذه الرواية امور :
1 ـ أن بني هاشم قاطبة كانوا قد امتنعوا عن البيعة .
2 ـ أن عليا ( عليه السلام ) كان أشد انزجارا من عمر ومن لقائه .
3 ـ لما يئس عليّ من اقبال الناس اليه وعلم انهم انصرفوا عنه وتجمّعوا على حكومة أبي بكر رأى صلاح الأمة في أن يعاشرهم حتى يستفيضوا منه ويهتدوا به .
4 ـ صرّح علي ( عليه السلام ) في مقابل أبي بكر بأن لهم حقا في الخلافة ، وقد ظُلموا ، وغُصب حقهم ، ولم يُراع ما لهم .
5 ـ ان أبابكر بكى مما صنعوا وظلموا في حق أهل البيت .
وفي تاريخ أبي الفداء : فبايع عمر ابابكر وانثال الناس عليه يبايعونه ، خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذرّ وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبيّ بن كعب ، ومالوا مع علي بن أبي طالب . وقال في ذلك عتبة :
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن أول الناس ايمانا iiوسابقه عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن واعلم الناس بالقرآن والسنن |
وكذلك تخلف عن بيعة أبي بكر ابوسفيان من بني أمية
(2) .
أنساب الأشراف : أن ابابكر أرسل الى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقّته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا ابن الخطاب أتُراك محرقا عليّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ، وجاء عليّ فبايع
(3) .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 3 ص 202 .
(2) تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156 .
(3) أنساب الأشراف ج 1 ص 586 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 210 _
أقول : يظهر من هذا امور :
الأول ـ أن تحقق بيعة أبي بكر كان بتهيئة المقدمات وتحصيل الوسائل والأسباب والتوسل الى الجبر والارهاب .
الثاني ـ ان الاجبار والارهاب كان في درجة شديدة بحيث تقتضي ارهاب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بل التهيّؤ لاحراق بيتها .
الثالث ـ ان عمر لم يتوجه الى الروايات الواردة في شأن اهل البيت ولا سيما في شأن فاطمة ( عليه السلام ) .
الرابع ـ أن قوله ـ وجاء عليّ فبايع ـ مخالف للروايات الأخرى ، كما قال في الكتاب بعد عدة أسطر : لم يبايع عليّ ابابكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة أشهر .
ويقول في تاريخ أبي الفداء : ثم أن ابابكر بعث عمر بن الخطاب الى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة ( رضي الله عنه ) وقال : ان أبوا عليك فقاتلهم ، فأقبل عمر بشيء من نار على ان يُضرم الدار ، فلقيته فاطمة ( رضي الله عنه ) وقالت : الى أين يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة . فخرج علي حتى أتى ابابكر فبايعه ، كذا نقله القاضي جمال الدين بن واصل . وروى الزهري عن عائشة قالت : لم يبايع عليّ ابابكر حتى ماتت فاطمة وذلك بعد ستة أشهر لموت أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم )
(1) .
أنساب الأشراف : عن عائشة لم يبياع عليّ ابابكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة أشهر ، فلما ماتت ضرع الى صلح أبي بكر ، فأرسل اليه أن يأتيه ، فقال له عمر : لا تأته وحدك ، فقال : وما يصنعون بي ؟ فأتاه ابوبكر فقال علي : والله ما نفسنا عليك ما ساق الله اليك من فضل وخير ، ولكنا نرى أن لنا في الأمر نصيبا استبد به علينا ، فقال أبوبكر : والله لقرابة رسول الله أحب اليّ من قرابتي ، فلم يزل عليذ يذكر حقه وقرابته حتى بكى أبوبكر
(2) .
---------------------------
(1) تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156 .
(2) أنساب الأشراف ج 1 ص 586 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 211 _
ويروى أيضا : عن ابن عباس بعث ابوبكر عمر بن الخطاب الى علي رضي الله عنهم حين قعد عن بيعته ، وقال : ائتني به بأعنف العنف ، فلما أتاه جرى بينهما كلام ، فقال : احلب حلبا لك شطره ، والله ما حرصك على امارته اليوم الا ليؤثرك غدا ، وما ننفس على أبي بكر هذا الأمر ولكنا انكرناترككم مشاورتنا ، وقلنا ان لنا حقا لا يجهلونه ، ثم أتاه فبايعه
(1) .
البدء والتاريخ : ولم يبايع عليّ ابابكر ما لم يدفن فاطمة ، وذكر ابن دأب أنها ماتت عاتبة على أبي بكر وعمر
(2) .
أقول : هذا جريان أمر أهل البيت بعد رحلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد صنعوا بهم ما صنعوا ، وما أكثر الاختلاف بين حالاتهم هذه من مظلوميّتهم ومنع حقوقهم وكونهم مغلوبين مقهورين ، وبين ما أوصى لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذكر فيهم .
فراجع الفصول السابقة في اهل البيت ( عليه السلام ) .
أنساب الأشراف : لم يبايع خالد بن سعيد ابابكر الا بعد ستة أشهر
(3) .
.
ويروى أيضا : ان سعد بن عبادة لم يبايع أبابكر ، وخرج الى الشام فبعث عمر رجلا وقال ادعُه الى البيعة واختل له ، وان أبى فاستعن بالله عليه . فقدم الرجل الشام فوجد سعدا في حائط بحوارين ، فدعاه الى البيعة ، فقال : لا أبايع قرشيا أبدا ، قال : فإني أقاتلك ، قال : وان قاتلتني ، قال : أفخارج أنت مما دخلت فيه الامة قال : أما من البيعة فإني خارج ، فرماه بسهم فقتله
(4) .
---------------------------
(1) نفس المصدر ص 587 .
(2) البدء والتاريخ ج 5 ص 20 .
(3) انساب الأشراف ج 1 ص 588 .
(4) نفس المصدر ص 589 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 212 _
أحاديث في أبي بكر
ليس نظنا في هذا الكتاب الطعن على مسلم ، ولا نريد ايجاد تفرقة بين المسلمين ، ولا تجديد خلاف ونفاق ، ولا تحريك عاطفة أو بَغضاء .
وإنما غرضنا الأصيل بيان حقائق الاسلام ، وتذكير ما أراده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والكشف عن الصراط المستقيم ، ورفع الأستار عن الفتن الحادثة .
وقد نورد بعض الأحاديث استطرادا ، ولا نريد الا أن يهدينا الله عز وجل الى ما يحب ويرضى .
البخاري : باسناده ، كاد الخيران ان يهلكا : ابوبكر وعمر ، لما قدم وَفد بني تميم اشار أحدهما بالأقرع بن جابس التميمي الحنظلي أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر بغيره ، فقال أبوبكر لعمر : إنما أردت خلافي ، فقال عمر : ما أردت خلافك ، فارتفعت اصواتهما عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فنزلت ـ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، الى قوله ـ عظيم
(1) .
مستدرك الحاكم : عن أبي ليلى عن علي انه قال : يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر ؟ قال بلى والله كنت معكم ، قال : فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعث ابابكر الى خيبر فسار بالناس واهزم حتى رجع
(2) .
أقول : هذا صريح في أنّ أبابكر قد قصّر في العمل بمأموريّته ، وخالف التكليف المعين له من جانب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وانهزم من الأعداء ولم يستقم في الجهاد .
تهذيب ابن عساكر : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلي من الليل في ليلة باردة لم نر
---------------------------
(1) البخاري ج 4 ص 160 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 37 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 213 _
قبلها ولا بعدها بردا كان أشد منه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ؟ فسكتنا فلم يُجبه منا أحد ، ثم قال : فسكتنا فقال : قم ، وفي رواية ابن شاهين ثم قال : قم يا أبابكر ! فقال : استغفر الله ورسوله ثم قال : ان شئت ذهبت ، فقال يا عمر ! فقال استغفر الله ورسوله ، ثم قال : يا حذيفة ! فلم أجد بدّا اذا دعاني باسمي أن أقوم ، فقال : اذهب وائتنا بخبر القوم .. الخ
(1) .
أقول : وفي صدر الرواية ـ لقد رأيتنا مع رسول الله ليلة الأحزاب واخذتنا ريح شديدة وقُرّ .
مسند أحمد : عن قيس ، خطب ابوبكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ولوددت أن هذا كفانيه غيري ولئن اخذتموني سنة نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما اطيقها ان كان لمعصوما من الشيطان وان كان لينزل عليه الوحي من السماء
(2) .
أقول : ليت ابابكر يتذكر قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وان تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق . وقال سلمان : ولو بايعتم عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت ارجلكم .
تاريخ الطبري : قال ابوبكر : اني لا آسى على شيء من الدنيا الا على ثلاث فعلتهن وددت اني تركتهن ، وثلاث تركتهن وددت إني فعلتهن ، وثلاث وددت اني سألت عنهن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأما الثلاث اللائي وددت إني تركتهن : وددت إني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وان كانوا قد غلّقوه على الحرب ، وددت إني لم أكن حرقت الفجاءة السُلمى وإني كنت قتلته سريحا أو خلّيته نجيحا ، وودت إني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين يريد عمر وابا عبيدة فكان احدهما أميرا وكنت وزيرا ، ... وأما اللاتي وددت إني سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وددت إني سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمن هذا
---------------------------
(1) تهذيب ابن عساكر ج 4 ص 98 .
(2) مسند أحمد ج 1 ص 14 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 214 _
الأمر ! فلا ينازعه أحد ؟ ووددت إني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ وودت إني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة ، فإن في نفسي منهما شيئا
(1) .
.
أقول : هذا الكلام يناسب أن يكون ممن لم يصاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولم يسمع منه روايات في حق اهل بيته وفي علي ( عليه السلام ) ، ولم ير منه شدة محبته وتجليله لهم ، ولم يحضر غزوة خيبر ولا تبوك ولافي غدير خم ، ولم يعرف علي بن أبي طالب وفضله وشجاعته ومجاهدته وعمله وتقواه وقربه من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وأما ما يستفاد من هذا الكلام : هو الشك والتردد والاضطراب من جهة الجهل بمن له هذا الأمر .
وسيأتي نظير هذا التردد عن عمر أيضا .
وراجع روايات السقيفة واستخلاف أبي بكر .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 4 ص 52 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 215 _
فتنة تنصيب ابي بكر على عمر
الملل والنحل الخلاف الثامن في تنصيص ابي بكر على عمر بالخلافة وقت الوفاة ، فمن الناس من قال : قد وليت علينا فظا غليظا ، وارتفع الخلاف بقول ابي بكر : لو سألني ربي يوم القيامة لقلت ولّيت عليهم خير أهلهم
(1) .
البدء والتاريخ : ولما مرض ابوبكر شاور الناس في الأمر ، وكانوا لا يشكّون أن عمر هو الذي يلي الخلافة بعده ، الا ان منهم من كان يكره وذلك لشدته وعُنفه ، فدعاه ابوبكر وعهد اليه واستخلفه على الناس ، فلما خرج من عنده قال : اللهم إني وليته بغير أمر من نبيك ولم اُرد بذلك الا صلاحهم ، قال له بعض القوم : فماذا تقول لله عز وجل اذا لقيته ، وقد وليت امر المسلمين فظا غليظا ؟ قال : أقول اللهم لم آلُهم خيرا
(2) .
اقول : قد صرح بأن توليته كان بغير أمر من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وأما قوله : لم أرد بذلك إلا صلاحهم ـ فكيف يُريد صلاحهم وأنه ولّى فظا غليظا ، ويقول الله تعالى : لو كنت فظا غليظا لا نفضّوا من حولك ، وكيف يريد بخير وهو يعترف أن توليته بغير أمر من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وكيف يأتي بخير وهو يعرف أهل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويعرف علي بن أبي طالب وقد سمع أحاديث النبوية في حقه . وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله . والا في الأمر : قصّر وأبطأ
---------------------------
(1) الملل والنحل ج 1 ص 28 .
(2) البدء والتاريخ ج 5 ص 167 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 216 _
الطبقات : ان ابابكر الصديق لما استُعز به دعا عبدالرحمن بن عوف ، فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب ؟ فقال عبد الرحمن : هو والله افضل من رأيك فيه . ثم دعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر ؟ فقال : أنت أخبرُنا به ، فقال : على ذلك يا ابا عبدالله ، فقال عثمان اللهم علمي به أن سريرته خيرمن علانيته وانه ليس فينا مثله ، فقال ابوبكر : يرحمك الله والله لو تركته ما عدوتُك ، وشاور معهما سعيد بن زيد ابا الأعور واُسيد بن الحُضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، فقال اسيد : اللهم اعلمه الخيرة بعدك ، يرضى للرضى ويسخط للسخط ، الذي يُسرّ خير من الذي يُعلن ، ولم يلِ هذا الأمر أحد أقوى عليه منه .
وسمع بعض اصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به ، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم : ما أنت قائل لربك اذا سألك عن استخلافك عمر ؟ لَعمر علينا وقد ترى غليظته ! فقال ابوبكر : أجلسوني أبالله تخوّفوني ؟ خاب من تزود من أمركم بظلم ، اقول : اللهم استخلفت عليهم خير اهلك ، أبلغ عني ما قلت لك من وراءك . ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان ، فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد ابوبكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب ، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ، وإني لم آلُ الله ورسوله ودينه ونفسي واياكم خيرا ، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه وإن بدّل فلكل امرئ ما اكتسب من الاثم ، والخير اردت ولا أعلم الغيب . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ثم أمر بالكتاب فختمه . ثم قال بعضهم : لما أملى ابوبكر صدر هذا الكتاب : بقي ذكر عمر ، فذُهب به قبل أن يسمي احدا ، فكتب عثمان : اني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، ثم أفاق أبوبكر فقال اقرأ علي
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 217 _
ما كتبت ! فقرأ عليه ذكر عمر ، فكبّر ابوبكر وقال : اراك خفت ان أقبلت نفسي في غشيتي تلك يختلف الناس ، فجزاك الله عن الاسلام واهله خيرا والله ان كنت لها لأهلا .
ثم أمره فخرج بالكتاب مختوما ومعه عمر بن الخطاب واسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان للناس : أتبايعون لمن في هذا الكتاب ؟ فقالوا : نعم
(1) .
تاريخ الطبري : دعا ابوبكر عثمان خاليا ، فقال له : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد ابوبكر بن أبي قحافة الى المسلمين ، أما بعد : قال ، ثم اُغمي عليه فذهب عنه ، فكتب عثمان أما بعد فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا ، ثم أفاق أبوبكر ... كما في الطبقات
(2) .
أقول : ان عمر اجتهد في استخلاف أبي بكر في السقيفة نهاية اجتهاده ، وقد أثمر عمله وأنتج سعيه ، فاستخلفه ابوبكر من غير أمر من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ايفاءا لحق الخدمة والصحبة . ثم ان عثمان أيضا أظهر في هذه الوصية كمال محبته وعمل غاية ما يمكن له أن يعمل في خدمة عمر ، وسيجيء أن عمر أحسن جزاءه ، واستخلفه بصورة مشوّهة .
وهذه كلها تكشف عن تعاهدهم وتوافقهم علىخلاف أهل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنعهم عن مقاماتهم وحقوقهم .
عيون ابن قتيبة : روى أن ابابكر الصديق ( رضي الله عنه ) لما حضرته الوفاة كتب عهدا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد ابوبكر خليفة رسول الله عند آخر عهده بالدنيا واول عهده بالآخرة ، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتّقي فيها الفاجر ، اني استعملت عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك علمي به وان جار وبدّل فلا علم لي بالغيب ، والخيرُ اردت ، ولكل امرىء ما أكتسب ، وسيعلم الذين ظلموا
---------------------------
(1) الطبقات ج 3 ص 199 .
(2) تاريخ الطبري ج 4 ص 53 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 218 _
اي منقلب ينقلبون
(1) .
أقول : ان اريد من الاستعمال الاستخلاف فذلك مخالف لطريق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسنته حيث أنه لم يستخلف ولم يعيّن لما بعده خليفة ، على ما رأوا . وان أريد منه العاملية في الأمر الشخصية فقط فلا يكون فيها دلالة على كون عمر بن الخطاب خليفة .
ثم : أنه يظهر من قوله ( فإن بر وعدل ، وان جار وبدّل ) أن استناده في ذلك الاستخلاف الىعلمه الظاهري وتشخيصه ورأيه الصوري ، وليس مستندا الى الوحي والغيب والعيين الإلهي ، فكيف لهم أن يُثبتوا بأن عمر بن الخطاب خليفة إلهيّ ومن خالفه وأنكره فقد أنكر اصلا من أصول الدين ، وهل في ذلك فرق بينه وبين سائر الأمراء والسلاطين المستخلفة المستعملة ؟ .
ونحن لا ننكر بأنه حاز الرياسة وولي امور المسلمين في الظاهر ، الا أنه ليس بوليهم من جانب اللهومن الرسول ، فإن رسول الله قال : من كنت وليه فهذا علي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .
الفائق : ابوبكر الصديق : دخل عليه عبدالرحمن بن عوف في علته التي مات فيها ، فقال : أراك بارئا يا خليفة رسول الله ؟ فقال : أما إني على ذلك لشديد الوجع ، لما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ، وليت خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه ، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربيّ كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان ، والذي نفسي بيده لأن يُقدم أحدكم فتُضر عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا ، يا هادي الطريق جرت إنما هو الفجر أو البجر . قال له عبد الرحمن : خفض عليك يا خليفة رسول الله فإن هذا يَثيضك الى مآبك .
ودخل عليه بعض المهاجرين وهو يشتكي في مرضه ، فقال له : أتستخلف
---------------------------
(1) عيون ابن قتيبة ج 1 ص 14 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 219 _
علينا عمر ؟ وقدعتا علينا ولا سلطان له ، ولو ملكنا كان أعتى وأعتى فيكف تقول لله : اذا لقيته ! فقال أبوبكر : أجلسوني فأجلسوه ، فقال : أبا لله تُفرقني ؟ فإني أقول له اذا لقيته : استعملت عليهم خير أهلك
(1) .
ثم قال الزمخشري : برئ من المرض : بعد وزال مرضه . وورم الأنف : كناية عن افراط الغيظ . والنضائد : الوسائد والفرش . والأذربي : منسوب الى آذربيجان . والبجر : الأمر العظيم . وخفّض عليك هون الخطب عليها . والهَيض : كسر العظم .
أقول : في هذا الكلام موارد للنظر والتحقيق :
الأول ـ قوله ولكلكم ورم أنفه ، وكان أعتى وأعتى : يدل عل أن أكثر الناس مخالفو هذا التخليف والتأمير .
الثاني ـ قوله وليت خيركم في نفسي : يدل على أن التولية والتعيين من جانب أبي بكر ، وأن كونه خيرا ، في عقيدته لا في عقائد الناس ، مع أن اللازم رعاية نظر الاجتماع ، في الأمر الاجتماعي الظاهري .
الثالث ـ قوله تتخذن نضائد الديباج : يشير الى الآثار المادية والنتائج الدنيوية من غير تعرض الى الجهات المعنوية والإلهية .
الرابع ـ قوله ـ استعملت عليهم خير أهلك ـ يدل على أن القائل لم يطلع على قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذا امير البررة منصور من نصره مخذول من خذله ـ علي سيد العرب ـ أنت يا علي سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ـ انه سيد المسلمين وامام المتقين ـ اللهم إئتني بأحب خلقك اليك ـ هذا ولي من أنا مولاه ـ من كنت وليه فهذا وليه ـ أنت أخي في الدنيا والآخرة .
عقد الفريد وتاريخ الطبري : عن عبد الرحمن بن عوف ، انه دخل على أبي بكر الصديق في مرضه ... كما في الفائق
(2) .
---------------------------
(1) تلفتئق د 1 ص 81 .
(2) عقد الفريد ج 4 ص 267 وتاريخ الطبري ج 4 ص 52 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 220 _
ان عمر خليفة أو ملك
الخليفة بمعناه الحقيقي : من يتعين ويُنتخب من جانب الله ومن جانب رسوله . والملك هو السلطان الحاكم النافذ في بلد أو بلاد ، يملك بالقهر والغلبة أو ينتخبه الناس أو يُعينه سلطان سابق . والخليفة يجب طاعته شرعا وعقلا وعرفا . وأما السلطان فلا يجب طاعته الا بالعرف .
الطبقات : عن سلمان : أن عمر قال له : أملك أنا أم خليفة ؟ فقال له سلمان : ان أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة ، فاستعبر عمر
(1) .
ويروى أيضا : عن سفيان : قال عمر بن الخطاب : والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم ، قال قائل : يا اميرالمؤمنين ان بينهما فرقا ، قال ما هو ؟ قال : الخليفة لا يأخذ الا حقا ولا يضعه الا في حق ، فأنت بحمد الله كذلك ، والملك يعسف الناس فيأخذ منهذا ويعطي هذا ، فسكت عمر .
تاريخ الطبري : عن سلمان : أن عمر ... كما في الطبقات
(2) .
أقول: هذه المعاني المذكورة للملك أو الخليفة لوازم معانهما الحقيقية ، فإن من لم يتعين من جانب الله لا يكون قوله حجة ، ويجوز في حقه الخطأ والعصيان ، ولا يؤمن من التعدي والظلم والعمل بخلاف الحق .
ثم ان الإنسان على نفسه لبصيرة ولو ألقى معاذيره ، وكل شخص أعلم الناس بنفسه ، وهو يعلم أنه مرتبط بأي شيء ، بالرحمن أو بالشيطان ، بالوحي أو بالنفس ، أنه مبعوث ومتعين من جانب الله أو من جانب الناس ، أنه منصوص ومنصوب من جانب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو بالقهر والتسلط والانتخاب والسياسة .
---------------------------
(1) الطبقات ج 3 ص 306 .
(2) تاريخ الطبري ج 5 ص 24 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 221 _
عمر وعلمه
مستدرك الحاكم : عن علي بن رباح قال : ان عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله تعالى جعلني خازنا
(1) .
أقول : يعترف بأنه يمتاز بكونه خازنا ، وأما العلم والمعرفة فيصرح بأن الأعلم والأفضل هو اُبي ومعاذ بن جبل .
ويروى أيضا : عنه مثله ، وفيه : ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت .
ويروى : عن سعيد بن المسيب : ان عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية ـ الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ـ فأتى اُبيّ بن كعب فسأله أيّنا لم يظلم ؟ فقال له : يا اميرالمؤمنين : إنما ذاك الشرك ، أما سمعت قول لقمان لابنه ـ يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم
(2) .
أقول : فهو يراجع في اصل الآية وفي تفسيرها الى ابي بن كعب .
ويروى أيضا : عن أبي سلمة : مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقول ـ السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ... الآية ـ فوقف عليه عمر فقال : انصرف ، فلما انصرف قال له عمر : من أقرأك هذه الآية ؟ قال : أقرأنيها اُبيّ بن كعب ، فقال : انطلقوا بنا اليه ! فانطلقوا اليه فاذا هو متّكئ على وسادة يرجلُ رأسه ، فسلم عليه فرد السلام ، فقال يا أبا المنذر قال لبيك ، قال أخرني هذا انك اقرأته هذه الآية ؟ قال : صدق ، تلقّيتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال عمر : أنت تلقّيتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ثلاث
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 271 .
(2) نفس المصدر ص 272 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 222 _
مرات ، كل ذلك يقوله ، وفي الثالثة وهو غضبان نعم والله لقد أنزلها الله علىجبريل وأنزلها جبريل على محمد فلم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه ، فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول الله أكبر الله أكبر .
ويروى أيضا : عن ابن عباس ، قال عمر ـ علي اقضانا وأبيّ اقرأنا وانا لندع بعض ما يقول اُبيّ ، واُبيّ يقول : اخذت عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا ادَعُه ، وقد قال الله تبارك وتعالى ـ ما ننسخ من آية أو ننسيها .
أقول : يظهر من هذه الروايات أنه كان آبيا عن قبول بعض الآيات الكريم لقصور الوصول الى حقيقتها ، مستدلا بقوله تعالى ـ ما ننسخ من آية أو نُنسها ـ مع ان هذ تمسك بالعام في مورد الشبهة المصداقية ، وان النسخ لا يوجب محو الآية من الكتاب الكريم .
الفائق : ومنه قول عمر بن الخطاب أعوذ بالله من كل مُعضلة ليس لها أبو حسن
(1) .
أقول : تكشف هذه الروايات وأمثالها عن أن عمر لم يكن قادرا على حل معضلات المسائل ، ولم يكن مسلّطا على الوصول الى حقائق آيات القرآن الكريم ، فكيف يرضى الله ورسوله ان يكون اماما يقتدي به المسلمون ويستفيد منه المتعلمون .
مستدرك : عن أبي عباس : مُرّ على عليّ بمجنونة بني فلان قد زنت وأمر عمر بن الخطاب برجمها ، فردّها علي بن أبي طالب ، وقال لعمر : يا اميرالمؤمنين أمرت برجم هذه ؟ قال : نعم . قال : أما تذكر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : رُفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم . قال : صدقت ، فخلّى عنها
(2) .
أقول : من شرائط توجه التكليف : العقل والبلوغ والاختيار ، واذا فقدها
---------------------------
(1) الفائق ج 2 ص 163 .
(2) مستدرك الحاكم ج 2 ص 59 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 223 _
الانسان لم يتوجه التكليف اليه حتى يُعاقب أو يُثاب . ورفعُ القلم كناية عن رفع التكليف .
ومن العجيب ما ورد من أحاديثهم في علم عمر : قال في الاستيعاب قال حذيفة : كان علم الناس كلهم قد درس في علم عمر . وقا ابن مسعدود : لووضع علم احياء العب في كفة ميزان ووضع علم عمر في كفّة لرجح علم عمر . وقد كانوا يرون انه ذهب بتسعة اعشار العلم
(1) .
بعض آرائه وحالاته
ليس غرضنا الطعن على رجل مضى قبل قرون ، فضلا عن صحابيّ من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وإنما نريد بيان حقائق تاريخية ، حتى تنكشف متن الإسلام وما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، عن أحداث حادثة وعن فتن نازلة . وحتى تتبيّن حقيقة وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث قال : إني تاريك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا .
عمر واُسامة
تاريخ الطبري : فقال ابوبكر : لو خطفتني الكلاب والذئاب لم اردّ قضاءا قضى به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . قال : فإن الأنصار أمروني أن اُبلّغك وانهم يطلبون اليك ان تُولّي امرهم رجلا أقدم سنّا من أسامة ! فوثب أبوبكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر فقال ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتأمرني أن أنزعه
(2) .
أقول : قد مر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أمّر أسامة على المهاجرين والأنصار ومنهم ابوبكر وابوعبيدة وعمر ، ولعن مَن تخلّف عنه ، وكان يؤكّد تجهيزه ، ولكن أكثر
---------------------------
(1) الاستيعاب ج 3 ص 1149 .
(2) تاريخ الطبري ج 3 ص 212 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 224 _
الناس قد طعنوا في إمارته وتخلّفوا عنه ، ولم يبالوا بما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقد اعترف عمر بفضله وقربه من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكونه أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من عبدالله بن عمر ، وانّ أباه كان أحبّ الى رسول الله من عمر ، في جواب اعتراض ابنه ، في الحديث الآتي :
الطبقات : قال عبدالله بن عمر : وكلّمتُه ( أي عمر ) فقلت يا اميرالمؤمنين فضّلت عليّ من ليس هو بأقدم مني سنا ولا أفضل مني هجرة ولا شهد من المَشاهد ما لم أشهد ! قال : ومن هو ؟ قلت : اسامة بن زيد ، قال : صدقت لعمر الله فعلت ذلك لأن زيد بن حارثة كان أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من عمر ، وأسامة بن زيد كان أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من عبد الله بن عمر ، فلذلك فعلت
(1) .
ويروى أيضا : فقلت : لم فرضت لأسامة أكثر مما فرضت لي ولم يشهد مشهدا الا وقد شهدته ؟ فقال : إنه كان أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منك وكان أبوه أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أبيك .
فتوح البلدان : ما يقرب من الروايتين
(2) .
اقول : يعترف عمر بأن مناط القرب والفضيلة هو المحبوبية عند الله تعالى وعند رسوله ، والأعمال الآخر مقدمات لحصول هذه النتيجة ، فمن كان أحبّ الى الله والى رسوله فله الفضيلة والتفوّق والفخر والكمال ، وان كان في حداثة السنّ .
وبعبارة أخرى : انّ الأهم في العبادات والطاعات هو الكيفية ودرجة الايمان وشدة اليقين وطمأنينة النفس ، لا الكمية وكثرة العمل ( قال الله تعالى : فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) يريد الاخلاص . وهذا هو الموجب لحصول القرب والمحبوبية عند الله تعالى ورسوله الأكرم .
عمر والسَحَرة
سير الأعلام : عن بَجالة : كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس
---------------------------
(1) الطبقات ج 4 ص 70 .
(2) فتوح البلدان ص 443 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 225 _
فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة ـ ان اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وفرّقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة .
فقتلنا ثلاث سواحر ، وجعلنا نفرّق بين الرجل وحريمته في كتاب الله ، وصنع لهم طعاما كثيرا ودعا المجوس ، وعرض السيف على فخذه وألى وقر بغل أو بغلين من ورق ، وأكلوا بغير زمزمة
(1) .
أقول : الحكم بقتل كل ساحر وساحرة وان لم يستعملا السحر أو استعملا ولم يوجبا قتلا أو جناية : باطل ، فإن من السحر ما يكون في امور عادية كتحريك حجر أو شجر أو اراءة شيء على خلاف ما هو عليه . نعم اذا أفسدا في الأرض ولم يتوبا من عملهما وسعيا في الإساد بين المسلمين : يحكم عليهما بالقتل بشرائط مخصوصة لا مطلقا .
عمر والخلاف
مستدرك الحاكم : عن جابر : ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دفع الراية يوم خيبر الى عمر فانطلق فرجع يُجبن اصحابه ويُجبنونه
(2) .
أقول : قال الله تعالى ـ يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فِئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . وقال تعالى ـ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون .
السيرة النبوية : ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه الى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني اخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي اياها وغلظتي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعزّ بها مني
(3) .
أقول : يدلّ على أن عمر بن الخطاب لم يكن ممن يَشري نفسه ابتغاء مرضات
---------------------------
(1) سير الأعلام ج 1 ص 47 .
(2) مستدرك الحاكم ج3 ص 38 .
(3) السيرة النبوية ج 3 ص 329 .