صاحب هذه الراية ثلاثة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى (1) .
  وليس ببعيد أن نقول : ان خلاف معاوية اليوم أشد ضررا للاسلام وللمسلمين وأكثر تأثيرا في قلوب المؤمنين من محاربته رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زمان كفره ، ومن هنا ترى عليا ( عليه السلام ) اذا صلى الغداة يقنت ويقول : اللهم العن معاوية وعمروا وابالأعور السلمي وحبيبا وعبدالرحمن بن خالد واللضحاك بن قيس والوليد ، كما في الطبري (2) فراجعه .
 وقال عبدالله بن عمر وصحّ عنه من وجوه الاستيعاب : ما آسى على شيء كما آسى اني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي ( عليه السلام ) (3) .
  ويروى روايات باسناده قريبة منها (4) .
  ويروى : ان عبدالله بن عمرو بن العاص كان يقول : ما لي ولقتال المسلمين ولصفين لوددت أني متّ قبله بعشر سنين ، أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم ، ولوددتُ أني لم أحضر شيئا منها ، واستغفر الله من ذلك وأتوب اليه (5) .
  أقول : يستفاد من روايات هذا الفصل امور :
  1 ـ قول عمرو : حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنا انما أردنا هذه الدنيا ، فصالحه معاوية .
  2 ـ قول عليّ ( عليه السلام ) فأنتم على حجة وتركُكم إياهم حتى يبدؤوكم حجة اخرى لكم ... فلا تقتلوا مدبرا ... ولا تأخذوا شيئا من اموالهم .
  3 ـ قول عمار : والله ما طلبتم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها وعلموا ان الحق اذا لزمهم حال بينهم .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 22 .
(2) نفس المصدر ص 40 .
(3) الاستيعاب ج 1 ص 77 .
(4) نفس المصدر ج 3 ص 953 .
(5) نفس المصدر ج 3 ص 958 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 352 _

  4 ـ قول علي ( عليه السلام ) : فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وابوالأعور السلمي وبان أبي معيط شارب الخمر المجلود في الاسلام وهم اولى من يقومون فينقصونني !!.
  5 ـ قول ابن عباس : وأما قتلنا انصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه ، وأما حربنا اياك بصفين فعلى تركك الحق وادعائك الباطل .
  6 ـ قول ابن عباس وكتابه الى عمرو : فإني لا أعلم رجلا اقل حياءا منك في العرب ، انك مال بك الهوى الى معاوية وبعته دينك بالثمن الأوكس ، ثم خطبت الناس في عشواء !.
  7 ـ قول الحكم : شهد مع علي صفين ثمانون بدريا وخمسون ومائتان ممن بايع تحت الشجرة منهم عمار بن ياسر .
  8 ـ قول عمار : تقدم الجنة تحت الأبارقة ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سفعات هجر لعلمنا انّا على الحق وأنهم على الباطل .
  9 ـ قول معاوية : فوالله لو كان لعليّ بيتان أحدهما من تِبر والآخر من تِبن لأنفذ تِبره قبل تبنه .
  10 ـ قول علي ( عليه السلام ) لمالك : ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار اليهم مرة بعد مرة .
  11 ـ قول علي ( عليه السلام ) لمعاوية : انك قدّمت الينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نُقاتلك وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك .
  12 ـ قول ابو عمرة بشير بن عمرو لمعاوية : ان عليا يأمرك بتقوى الله عزوجل ، واجابة ابن عمك الى ما يدعوك اليه من الحق فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك .
  13 ـ قول عديّ بن حاتم : إنا أتيناك ندعوك الى أمر يَجمع الله عزوجل به كلمتنا وأمتنا ويَحقن به الدماء ، ويأمن به السُبل ويُصلح به ذات البين ، ان ابن عمك سيد المسلمين افضلها سابقة .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 353 _

  14 ـ قول عليّ ( عليه السلام ) في جواب حبيب بن مسلمة : ثم أتاني الناس وأنا معتزل امورهم فقالوا لي بايع ... فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عزوجل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام ، طليق ابن طليق .
  15 ـ قول عمار : اللهم اني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين .
  16 ـ قول عبدالله بن عمرو بن العاص : مالي ولقتال المسلمين والصفين ، لوددت اني متُّ قبله بعشر سنين .
  17 ـ قول عبدالله بن عمر بن الخطاب : ما آسى على شيء كما آسى اني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي .
  18 ـ قول عمار : لقد قاتلت معاوية ثلاثا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذه الرابعة ما هي بأبرّ ولا أتقى .

فتنة التحكيم
  الامامة والسياسة : فأقبل الأشعث بن قيس في أناس كثير من أهل اليمن فقالوا لعي : لا نرد ما دعاك القوم اليه ، قد انصفك القوم ، والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء معك ولا نرمي معك بسهم ولا حجر ولا نقف معك موقفا (1) .
  ويروى : ان معاوية قال لأصحابه حين استقامت المدة ولم يُسم الحكمين : منترون عليا يختارخ ؟ فأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص ، قال عتبة بن أبي سفيان : أنت أعلم بعلي منا ، فقال معاوية : أن لعليّ خمسة رجال من ثقاته منهم عدي بن حاتم وعبدالله بن عباس وسعبد بن قيس وشريح بن هاني والأحنف بن قيس ... ومع هذا أن الناس قد ملوا هذه الحرب ولم يرضوا إلا رجلا له تقية ، وكل هؤلاء له تقية لهم ، ولكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تأمنه اهل الشام وترضى به أهل العراق ؟ فقال عتبة : ذلك ابو موسى الأشعري (2) .
  عقد الفريد : لما كان يوم الهرير ـ وهو أعظم يوم بصفين ـ ، زحف أهل العراق على أهل الشام فأزالوهم عن مراكزهم حتى انتهوا الى سرادق معاوية ، فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة ، ثم التفت الى عمرو بن العاص وقال له : ما عندك ؟ قال : تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح ... ثم اجمع رأيهم على التحكيم ، فهم البرانس وهم وجوه اصحاب عليّ ، وعلى أن يُقدم أباالأسود الدّؤلي ، فأبى الناس عليه ... ثم اجتمع اصحاب البرانس وهم وجوه اصحاب عليّ ، على أن يُقدموا ابا موسى الأشعري وكان مبرنسا ، وقالوا : لا نرضى بغيره ، فقدّمه عليّ ، وقدّم معاوية عمرو بن العاص فقال

---------------------------
(1) الإمامة والسياسة ج 1 ص 108 .
(2) نفس المصدر ص 109 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 355 _

 معاوية لعمرو : أنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي فلا ترمه بعقلك كله (1) .
  ويروى : لما قدم ابو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة ، قال له معاوية : بلغني ياباالأسود ان علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين ، فما كنت تحكم به ؟ قال : لو جعلني احدهما لجمعت الفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين والف من الأنصار وابناء الأنصار ن ثم ناشدتهم الله : المهاجرون وأبناء المهاجرين اولى بهذا الأمر أما الطلقاء ؟ قال له معاوية : لله أبوك اي حكم كنت تكون لو حُكّمت (2) .
  تاريخ الطبري : فلما رأى عمرو بن العاص أن امر أهل العراق قد اشتد وخاف في ذلك الهلاك قال لمعاوية : هل لك في امر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ولا يزيدهم إلا فرقة ؟ قال : نعم ، قال : نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم أن يتقبّلها وجدت فيهم من يقول : بلى ينبغي ان نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم ، وأن قالوا : بلى نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنا ، وهذه الحرب الى اجل أو الى حين ، فرفعوا المصاحف بالرماح ... ان عليا قال : عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم ، قتال عدوكم ! فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن ابي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال ، ويحكم أنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة ، فقالوا له : ما يسعنا أن نُدعى الى كتاب الله عزوجل فنأبى أن نقبله ، فقال لهم : فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب ، فإنهم قد عصوا الله عزوجل فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه ، فقال له مسعر بن فدّكي التميميّ وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا

---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 346 .
(2) نفس المصدر ص 349 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 356 _

 خوارج بعد ذلك : يا عليّ أجب الى كتاب الله عزوجل اذا دُعيت اليه وإلا ندفعك برمّتك الى القوم او نفعل كما فعلنا بابن عفان ، انه علينا أن نعمل بما في كتاب الله عزوجل فقبلناه والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك ؟ قال : فاحفظوا عني نهيي اياكم واحفظوا مقالتكم فيّ ، أما انا فإن تطيعوني تقاتلوا وان تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم ، قالوا له : أما لا فأبعث الى الأشتر فليأتك ... فقال الاشتر : ليس هذه الساعة التي ينبغي لك ان تُزيلني عن موقفي اني قد رجوت ان يُفتح لي فلا تُعجلني ، فرجع يزيد بن هاني الى عليّ فأخبره فما هو إلا ان انتهى الينا ، فارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر ، فقال له القوم : والله ما نراك إلا أمرته أن يُقاتل ، قال : من أين ينبغي أن تُروا ذلك رأيتموني ساررته اليس إنما كلّمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعوني ، قالوا : فابعث اليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك ، قال له : ويحك يا يزيد قل له أقبل اليّ فإن الفتنة قد وقعت (1) .
.   أقول : بايع المهاجرون والأنصار عليا ( عليه السلام ) على أن يعمل بالكتاب وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو أعلم الأمة وأتقاها واقضاها ، وأحب الناس الى الله والى رسوله ، وهو مع الحق والحق يدور معه كيفما دار . وهو وليّ كل مؤمن ومؤمنة وأخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابن عمه وزوج البتول ، وأول من أسلم وجاهد في سبيل الله عزوجل .
  فمن أراد أن يعمل بالكتاب والسنة فلا بد أن يبايع عليا ( عليه السلام ) ويستقر تحت رايته ويهتدي بهداه ويتبع سبيله ، ومن خالفه فهو مخالف للكتاب والسنة ، والدعوة الى علي ( عليه السلام ) هي الدعوة الى كتاب الله ، والتابع له على يقين من امره ودينه ، فلا معنى في دعوة معاوية وعمرو العاص له الى العمل بالكتاب وأن يكون الكتاب حكما بينهما ، وهذا نهاية تنزيل مقام اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، ويدل على نهاية جهل اصحابه وقصور معرفتهم وضعف دينهم حيث قالوا : يا على أجِب الى

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 26 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 357 _

 كتاب الله اذا دُعيت اليه وإلا ندفعك برمّتك الى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان .
  وليعلم ان هذه الفتنة اشد من فتنة حرب صفين : فإن نتيجة هذه الفتنة هي تنزيل مقام اميرالمؤمنين والتسليم لحكم معاوية والانخداع بخدعته وترك حكومة الحق والخلاف لعلي ( عليه السلام ) ، ومن هذا الخلاف نشأت حرب الخوارج .
  تاريخ الطبري : فقال اهل الشام : فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص فقال الأشعث : واولئك القوم الذين صاروا خوارج بعدُ : فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعري قال عليّ : فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن ، إني لا أرى أن أولّي اباموسى ، فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي لا نرى إلا به ، فإنه ما كان يُحذّرنا وقعنا فيه .
  قال عليّ : فإنه ليس لي بثقة قد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنته بعد أشهر ، ولكن هذا ابن عباس نُوليه ذلك ، قالوا ما نُبالي انت كنت أم ابن عباس لا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ليس اى واحد منكما بأدنى منه الى الآخر ، فقال عليّ : فإني أجعل الأشتر ، قال الأشعث : وهل سعّر الأرض غيرُ الأشتر ... قال علي : فقد أبيتم إلا ابا موسى ؟ قالوا : نعم ، قال : فاصنعوا ما أردتم ، فبعثوا اليه ، وقد اعتزل القتال وهو بُعرض (1) .
  أقول : يظهر من جملات ( فإنه ماك ان يُحذّرنا وقعنا فيه ، وخذل الناس عني ، هو منك ومن معاوية سواء ، وهل سعّر الأرضَ ، وقد اعتزل القتال : أنهم ندموا ورجعوا عن الحرب ، وقد اختاروا رجلا معتزلا عنه ، حتى يختار الاعتزال ، ويحذّرهم من الحرب وان كان خلاف رأي عليّ ( عليه السلام ) .
  تاريخ الطبري : ان عليا قال للناس يوم صفين : لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة وأسقطت مُنة وأوهنت وأورثت وهنا وذلة ، ولما كنتم الأعلين وخاف عدوكم الاجتياح واستحرّ بهم القتل ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف ودعوكم الى

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 28 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 358 _

 ما فيها ليفثؤكم عنهم ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم ويتربّصون ريب المنون خديعة ومكيدة ، فأعطيتموهم ما سألوا وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوّزوا وأيم الله ما أظنذكم بعدها توافقون رشدا ولا تصيبوا باب حزم (1) .
  أقول : ضعضع : أي وضع ، المنّة : كالقوة لفظا ومعنا ، اجتاح : استأصل وأهلك ، فثأالحرّ والغضب : سكن غليانها .

جريان امر الحكمين
  خصائص النسائي : عن علقمة قال : قلت لعلي رضي الله عنه تجعل بينك وبين ابن آكلة الأكباد ؟ قال : إني كنت كاتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الحُديبية فكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ، قالوا : لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه ، أمحها قلت : هو والله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وان رغم انفك ولا والله لا أمحوها ، فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أرنيه ؟ فأريته فمحاها ، وقال : أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ (2) .
  تاريخ الطبري : فكتبوا هذا ما تقاضى عليه عليّ اميرالمؤمنين ، فقال عمرو أكتب اسمه واسم ابيه ، هو أميركم وأما اميرنا فلا . وقال الأحنف : لا تمح اسم إمارة المؤمنين فإني أتخوّف إن محوتها إلا ترجع اليك أبدا ، لا تمحها وان قتل الناس بعضهم بعضا ، فأبى ذلك عليّ مليا من النهار ، ثم ان الأشعث بن قيس قال امحُ هذا الاسم برّحه الله فمحى ، وقال عليّ : الله اكبر سنة بسنّة ومثل بمثل ، والله إني لكاتب بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الحديبية اذ قالوا لست رسول الله ولا نشهد لك به ولكن أكتب اسمك واسم ابيك . فقال عمرو بن العاص : سبحان الله ! ومثل هذا أن نشبّه بالكفار ونحن مؤمنون . فقال عليّ : يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا وللمسلمين عدوا وهل تشبه إلا

---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 31 .
(2) خصائص النسائي ص 36 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 359 _

 امك التي وضعت بك (1) .
  الطبقات : فاجتمعا على امرهما فأداره عمرو على معاوية فأبى ، وقال ابوموسى عبدالله بن عمر ، فقال عمرو أخبرني عن رأيك ؟ فقال ابوموسى : أرى أن نخلع هذين الرجلين ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين فيختارون لأنفسهم من أحبوا ، فقال عمرو : الرأي ما رأيت ! فأقبلا على الناس وهم مجتمعون ، فقال له عمرو : يا ابا موسى أعلمهم بان رأينا قد اجتمع ، فتكلم أبوموسى فقال : ان رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمة ، فقال عمرو صدق وبر ونعم الناظر للاسلام واهله ، فتكلم يا أباموسى ! فأتاه ابن عباس فخلا به فقال : أنت في خدعة ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا ثم ينزعنه على ملأ من لناس واجتماعهم ، فقال الأشعري : لا تخش ذلك قد اجتمعنا واصطلحنا ، فقام أبوموسى فحمد الله وأثنى عيه ثم قال : أيها الناس قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من ان تبتزّ امورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضى منها وتشاور ، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد ، على خلع عليّ ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون منهم من أحبوا عليهم ، وأني قد خلعت عليا ومعاوية فولوا أمركم من رأيتم ! ثم تنحّى . فأقبل عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ان هذا قد قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وأن أخلع صاحبه كما خلعه وأُثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ ابن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه . فقال سعبد بن أبي وقاص : ويحك يا أباموسى ما أضعفك عن عمرو ومكائده ! فقال ابوموسى : فما أصنع ؟ جامعني على امر ثم نزع عنه ، فقال ابن عباس : لا ذنب لك يا اباموسى الذنب لغيرك ، للذي قدّمك في هذا المقام ! فقال ابوموسى رحمك الله غدرني فما أصنع ؟ وقال ابوموسى لعمرو : إنما مثلك كالكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، فقال له عمرو : إنما مثلك مثل الحمار

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 29 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 360 _

  يحمل اسفارا ، فقال ابن عمر : الى مَ صيرت هذه الأمة ؟ الى رجل لا يبالي ما صنع وآخر ضعيف ، وقال عبدالرحمن بن أبي بكر : لو مات الأشعري من قبل هذا كان خيرا له (1) .
  اقول : يظهر من هذه الكلمات مقام ابي موسى علما ومعرفته :
  1 ـ وقال ابو موسى : عبدالله بن عمر : هذا خلاف ما رأى ابوه عمر وقال في حقه ، ولم يجعله من أفراد الشورى ، والعجب أن اباموسى فضّله على اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ورأى خلعه ونصب عبدالله .
  2 ـ أرى أن نخلع هذين الرجلين : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصب عليا علما وهاديا واميرا وخليفة ووليا وملى لقاطبة المسلمين ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه . ويريد أبوموسى أن يَخلعه كما يريد أن يخلع معاوية .
  3 ـ غَدَرني فما أصنع ؟ من كان نظره وعرفانه بهذه الدرجة من الضعف والانحطاط والتزلزل فهو محجوب عن الحق وواقع في معرض الغدر والحيلة .
  4 ـ مثل الحمار يحمل اسفارا : اشر عمرو الى ضعف معرفته وتدبره وسياسته ، راجع وتدبر في مكالمته عمروا في ما يرويه الطبري وعقد الفريد :
  عقد الفريد : فأُخلي لهما مكان يجتمعان فيه ، فأمهله عمرو بن العاص ثلاثة ايام ، ثم أقبل اليه بأنواع من الطعام يُشهّيّه بها ، حتى اذا استبطن ابوموسى ، ناجاه عمرو فقال له : يا أبا موسى أنك شيخ اصحا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذو فضلها وذو سابقتها وقد ترى ما وقعت فيه هذه الأمة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها ، فهل لك ان تكون ميمون هذه الأمة فيحقن الله بك دماءها ، فإنه يقول في نفس واحدة ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ـ فكيف بمن أحيا أنفس هذا الخلق كله ؟ قال له : وكيف ذلك ؟ قال : تخلع أنت عليّ بن أبي طالب وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان ، ونختار لهذه الأمة رجلا لم يحضر في شيء من الفتنة ولم يغمّس يده فيها ، قال له : ومن يكون ذلك ؟ وكان عمرو بن العاص قد فهم

---------------------------
(1) الطبقات ج 4 ص 256 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 361 _

  رأي ابي موسى في عبدالله بن عمر ، فقال له : عبدالله بن عمر ، فقال : انه لك ما ذكرت ، ولكن كيف لي بالوثيقة منك ؟ فقال له : يا اباموسى ألا بذكر الله تطمئن القلوب ، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى ، ثم لم يُبق عمرو بن العاص عهدا ولا موثقا ولا يمينا مؤكدة حتى حلف بها ، حتى بقي الشيخ مبهوتا ، وقال له : قد أجبتُ . فنودي في الناس بالاجتماع اليهما ، فاجتمعوا ، فقال له عمرو : قم فاخطب الناس يا اباموسى ، فقال : قم أنت أخطبهم ، فقال : سبحان الله أنا أتقدّمك وأنت شيخ أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والله لافعلت أبدا ، قال : أو عسى في نفسك أمر ؟ فزاده أيمانا وتوكيدا ، حتى قام الشيخ فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس إني قد اجتمعت أنا وصاحبي ... الخ (1) .
  تاريخ الطبري : والتقى الحكمان ، فقال عمرو بن العاص : يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ؟ قال : أشهد ، قال ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه ؟ قال : بلى ، قال : فإن الله عزوجل قال : ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا ـ فما يمنعك من معاوية وليّ عثمان يا أباموسى وبيته في قريش كما قد علمت ، فإن تخوّفت أن يقول الناس وُلّي معاوية وليست له سابقة : فإن لك بذلك التدبير ، وهو أخو أم حبيبة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد صحبه فهو أحد الصحابة ، ثم عرض له بالسلطان ، فقال : أن ولي أكرمك كرامة لم يُكرمها خليفة ، فقال أبوموسى : يا عمرو إتّقِِ الله عزوجل فأما ما ذكرت من شرف معاوية : فإن هذا ليس على الشرف يُولاه أهله ، ولو كان على الشرف لكان هذا الأمر لآل أبرهة بن الصبّاح ، إنما هو لأهل الدين والفضل مع أني لو كنت مُعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عليّ بن أبي طالب ، وأما قولك أن معاوية وليّ دم عثمان فولّه هذا الأمر : فإني لم أكن لاولّيه معاوية وأدَع المهاجرين الأولين ، وأما تعريضك لي بالسلطان .

---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 347 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 362 _

 فوالله لو خرج لي من سلطانه كله ما وليته ، وما كنت لأرتشي في حكم الله عزوجل ، ولكنك ان شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب (1) .
  أقول : طلب الثأر دعوى خصوصيّ لا ارتباط له بالخلافة والبيعة ووحدة الكلمة ، ثم ان معاوية من اين جُعِل وليا لعثمان ؟ ، مع أنه خذله وترك نصرته في حياته .
  ويروى أيضا : عن أبي جناب الكلبي أن عمرا وابا موسى حيث التقيا بدومة الجندل ، أخذ عرو يُقدّم اباموسى ، في الكلام يقول : أنك صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنت أسنّ مني ، فتكلم وأتكلّم ، فكان عمرو قد عوّد اباموسى أن يقدمه في كل شيء اغتزى بذلك كله أن يقدّمه فيبدأ بخلع عليّ ، قال ، فنظر في أمرهما وما اجتمعا عليه ، فاراده عمرو على معاوية فأبى واراده على ابنه فأبى ، وأراد ابوموسى عمرا على عبدالله بن عُمر فأبى عليه ، فقال له عمرو : خبّرني ما رأيك ؟ قال : رأيي أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبّوا ، فقال له عمرو : فإن الرأي ما رأيت فأقبلا الى الناس وهم مجتمعون ، فقال : يا أباموسى أعلِمهم بأن راينا قد اجتمع واتفق ، فتكلم أبوموسى فقال : ان رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجوا أن يصلح الله عزوجل به أمر هذه الأمة ، فقال عمرو : صدق وبرّ ، يا أباموسى تقدّم ، فتقدّم ابوموسى ليتكلم فقال له ابن عباس : ويحك والله اني لأظنه قد خدعك ان كنتما قد افقتما على امر فقدّمه فليتكلم بذلك الأمر قبلك ، ثم تكلم أنت بعده فإن عمرا رجل غادر ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فاذا قمت في الناس خالفك ! وكان ابومسى مغفّلا ، فقال : إنا قد اتفقنا ، فتقدم ابوموسى فحمد الله عزوجل وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلمنر أصلح لأمره ولا ألمّ لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه ، وهو أن نخلع عليا ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر ، فيولوا منهم من أحبوا عليهم ،

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 38 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 363 _

 واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر اهلا ، ثم تنحّى ، وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال : أن هذا قد قال ما سمعتم وخلّع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ عثمان بن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه ، فقال أبوموسى : ما لك لا وفّقك الله غدرت وفجرت ، إنما مثلك كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث قال عمرو فقنذعه بالسوط ... فكان ابوموسى يقول : حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمأننت اليه وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة (1) .
  أقول : التحكيم كان باطلا من أصله ، حيث أن خلافة عليّ ( عليه السلام ) كانت بالحق وللحق وعلى الحق ، وكانت واقعة ومحققة بالنص والاجماع ، والعجب من جمود فكر أبي موسى وقصور عقله حيث سوّى بين عليّ ( عليه السلام ) وبين رجال آخرين ، ثم انخدع بخدعة عمرو ولم يتنبّه ولم يحتط في مثل هذه المسألة مع تحذير ابن عباس وتنبيه .
  ونعم ما قال ابن عباس كما في ( البدء والتاريخ ) فقال ابن عباس لأبي موسى : أنك قد رُميت بحجر الأرض وداهية العرب ، فمهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان ، وليست فيه خلصلة واحدة تباعده من الخلافة ، وليس في معاوية خصلة واحدة تُدانيه من الخلافة (2) .
  هذا مضافا الى أن نصب عليّ ( عليه السلام ) للخلافة كان من جانب الله ومن جانب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )، فهو خليفة الهيّ وامام منصوب ووليّ الله في خلقه وحجته على عباده وأفضل الأمة وأعلمها وأتقاها وأحبّ الناس الى الله والى رسوله ، كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، ومن والاك فقد والاني ومن عاداك فقد عاداني ، وأنه أحب الخلق الى الله والى رسوله .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 39 .
(2) البدء والتاريخ ج 5 ص 227 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 364 _

 فكيف يجوز ان يقول فيه كل ضعيف محجوب ما يقول ، هذا مثل ما قالوا في رسول الله بعقولهم الضعيفة ، وكما قالوا في القرآن الكريم ، وداؤهم جهلهم وضعف تفطّنهم وقلة معرفتهم ، فانظر الى هذه الروايات في حق ابي موسى :
  عقد الفريد : فكتب ابوموسى الى معاوية في جواب كتابه : سلام عليك ، أما بعد : فإني لم يكن مني في عليّ إلا ما كان من عمرو فيك ، غير أني أردت بما صنعت ما عند الله ، وأراد به عمرو ما عندك ، وقد كان بيني وبينه شروط وشورى عن تراض ، فلما رجع عمرو رجعت ، أما قولك أن الحكمين اذا حكما على رجل لم يكن له الخيار عليهما ، فإنما ذلك في الشاة والبعير والدينار والدرهم ، فأما أمر هذه الأمة فليس لأحد فيما يكره حكم ، ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر (1) .
  ويروى : فبلغ عليا كتاب معاوية الى أبي موسى الأشعري فكتب اليه : سلام عليك ، أما بعد ، فإنك امرؤ ظلمك الهوى واستدرجك الغرور ، حقق بك حسن الظن لزومك بيت الله الحرام غير حاجّ ولا قاطن ، فاستقل الله يُقلك ، فإن الله يغفر ولا يغفل ، وأحب عباده اليه التوابون (2) .
  ويروى : فبينما عليّ يوما على المنبر اذ التفت الى الحسن ابنه فقال : قم يا حسن فقل في هذين الرجلين ـ عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص ـ ، فقام الحسن فقال : أيها الناس أنكم قد أكثرتم في هذين الرجلين ، وإنما بُعثا ليحكما بالكتاب على الهوى ، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هذا لم يُسمّ حكما ولكنه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبدالله بن قيس اذ جعلها لعبدالله بن عمر ، فأخطأ في ثلاث خصال : واحدة أنه خالف أباه اذ لم يرضه له ولم يجعله من أهل الشورى ، وأخرى أنه لم يستأمره في نفسه ، وثالثة أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يقعدون الإمارة ويحكمون بها على النفس (3) .

---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 348 .
(2) نفس المصدر ص 349 .
(3) عقد الفريد ج 4 ص 350 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 365 _

  أقول : يستفاد من روايات هذه الفتنة امور راجعة الى اميرالمؤمنين عليّ ، والى معاوية ، والى عمرو بن العاص ، والى ابي موسى :
  أما ما يرجع الى عليّ ( عليه السلام ) ، فنذكرها بالترتيب :
  1 ـ قول أهل اليمن له ( عليه السلام ) : لا نرد ما دعاك القوم اليه قد أنصفك القوم والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء .
  2 ـ فهمّ عليّ أن يُقدّم ابا الأسود الدؤلي فأبى الناس عليه .
  3 ـ ان عليا قال : عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم .
  4 ـ قول الخوارج له : يا عليّ أجِب الى كتاب الله اذ دُعيت اليه وإلا ندفعك برمّتك الى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان .
  5 ـ قول عليّ الى الأشتر : ويحك يا يزيد قل له أقبِل اليّ فإن الفتنة قد وقعت .
  6 ـ قال عليّ : فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا عصوني الآن .
  7 ـ قال عليّ قد فعلتم فعلة ضعضعتْ قوة ، وأسقطت مُنة ، وأوهنتْ وأورثتْ وهنا وذلة .
  8 ـ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعليّ : أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ .
  9 ـ قال ابن عباس لابي موسى : فلا تنس ان عليا بايعه الذين بايعوا ابابكر وعمر وعثمان .
  10 ـ كتب ابوموسى الى معاوية : لم يكن منّي في عليّ إلا ماكان من عمرو فيك .
  وأما ما يرجع الى معاوية :
  1 ـ حتى انتهوا الى سرادق معاوية فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة .
  2 ـ قول أبي الأسود : المهاجرون أولى بهذا الأمر أما الطلقاء ؟.
  3 ـ قول عليّ ( عليه السلام ) : فإن معاوةي وعمرا وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا باصحاب دين ولاقرآن .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 366 _

  4 ـ قال علي : ويحكم أنهم ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ... إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب .
  5 ـ قال ابو موسى : أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه أهله ... مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عليّ بن أبي طالب ... فإني لم أكن لأولّيه معاوية وأدع المهاجرين الأولين .
  6 ـ كتب أبو موسى اليه : ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر .
 وأما ما يرجع الى عمرو بن العاص :
  1 ـ قال معاوية : وأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص .
  2 ـ قال عمرو : تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح .
  3 ـ ان معاوية وعمرا ... ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن .
  4 ـ قال عليّ : يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا وللمسلمين عدوا وهل تشبه إلا أمّك .
  5 ـ قال ابو موسى : ما أصنع جامعني على أمر ثم نزع عنه ... ثم قال : إنما مثلك كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث .
  6 ـ ثم أقبل عليه بانواع من الطعام يُشهّيّه بها ... ثم لم يُبق عهدا ولا موثقا ولا يمينا مؤكدة حتى حلف بها .
  7 ـ فكان عمرو قد عوّد ابا موسى أن يقدّمه في كل شيء .
  8 ـ يقول ابو موسى : حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق .
  9 ـ كتب ابو موسى : لن يُذهب الحق خدعة فاجر .
  10 ـ قال الامام الحسن ( عليه السلام ) : فحكما بالهوى على الكتباب .
 وأما ما يرجع الى ابي موسى :
  1 ـ قال معاوية : ان الناس قد ملوا ولم يرضوا إلا رجلا لم تقيّة .
  2 ـ ثم اجتمع أصحاب البرانس على أن يُقدموا ابا موسى .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 367 _

 3 ـ قال معاوية لعمرو أنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي .
 4 ـ فقال الأشعث واولئك القوم الذين صاروا خوارج بعد : فانا قد رضينا بأبي موسى ، قال عليّ فإنكم قد عصيتموني .
 5 ـ قال عليّ : فإنه ليس لي بثقة قد فارقني وخذلني .
 6 ـ قال ابن عباس : أنت في خدعة ألم أقل لك لا تبدأه .
 7 ـ قال سعد : ويحك يا ابا موسى ما أضعفك عن عمرو .
 8 ـ قال عمرو له : مثلك مثل الحمار يحمل اسفارا .
 9 ـ قال عبدالرحمن : لو مات الأشعري قبل هذا لكان خيرا له .
 10 ـ وكان ابو موسى مغفّلا ، فقال إنا قد اتفقنا .
 11 ـ فحمل شريح عليه فقنّعه بالسوط .
 12 ـ قال ابو موسى : وكان بيني وبين عمرو شروط فلما رجع رجعت ويناسب ان نروي روايات فيه :
 سير الأعلام : عن شقيق ، كنا مع حذيفة جلوسا ، فدخل عبدالله وابو موسى المسجد ، فقال : أحدهما منافق ، ثم قال : ان اشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبدالله . ( وهو ابن مسعود ) (1) .
 ويروى : وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أسرّ الى حذيفة اسماء المنافقين (2) .
  وفي الاستيعاب : كان عمر بن الخطاب يسأله عن المنافقين ، وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله (3) .
 ويروى الذهبي ايضا : فجاء ابن عباس الى عليّ ، فقال : علام تُحكّم ابا موسى ؟ لقد عرفت رأيه فينا فوالله ما نصرنا ، وهو يرجو ما نحن فيه ، فتُدخله الآن في معاقد امرنا مع أنه ليس بصاحب ذلك ، فاذا أبيت ان تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس فإنه مجرّب من العرب وهو قِرن لعمرو ، فقال : نعم .

---------------------------
(1) سير الأعلام ج 2 ص 282 .
(2) نفس المصدر ص 262 .
(3) الاستيعاب ج 1 ص 335 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 368 _

  فأبت اليمانية أيضا ، فلما غُلب جعل ابا موسى (1) .
  اقول : قد مرّ في الروايات السابقة جريان تحكيم أبي موسى ، وأن عليا اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) حكّمه اجبارا من الخوارج ، فإنهم لم يرضوا إلا به .

---------------------------
(1) سير الأعلام ج 2 ص 283 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 369 _

بعض ما ورد في معاوية
  نذكر هنا روايات من مَساويء اعمال معاوية بن ابي سفيان ، ولما كانت مرتبطة بالمقام أفردناها بالذكر من بين سائر ما ورد في مظالمها ومطاعنها .
  ولا يخفى أن معاوية هو ابن أبي سفيان بن حرب ، كان أبوه في رأس المحاربين من مشركي قريش في غزواة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأمه هند بنت عتبة التي أخرجت كبد حمزة عم رسول الله وجعلت تلوك كبده ثم لفظته وجدعت أنفه وقطعت أذنيه ، فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشهق .

ادعاء زياد
  الفائق : عائشة : قدم معاوية المدينة فدخل عليها ، فذكرت له شيئا ، فقال : أن ذلك لا يصلح ، فقالت : الذي لا يصلح ادعاؤك زيادا ، فقال : شهدت الشهود ، فقالت : ما شهدت الشهود ولكن ركبت الصليعاء (1) .
  قال الزمخشري : أي السوءة أو الفجرة البارزة ، تعني ردّه بذلك الحديث المرفوع الذي أطبقت الأمة على قبوله ـ الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وسُمّيه لم تكن لأبي سفيان فراشا .
  أقول : ان اباسفيان زنى بسميه ثم ولد زيادا ، فادعى معاوية أنه أخوه ، وأن أبه أوسفيان ، مع ان للعاهر الحجر والولد يلحق بالفراش ، وابن زياد هو عبيدالله الملعون الذي أسرج وتهيّأ لقتال أبي عبدالله الحسين سيد شباب أهل الجنة وابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
(1) الفائق ج 2 ص 37 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 370 _

  الاستيعاب : فقال عمرو بن العاص : أما والله لو كان هذا الغلام قرشيا لساق العرب بعصاه ، فقال أبو سفيان بن حرب : والله أني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه ، فقال علي بن أبي طالب : ومن هو يا ابا سفيان ؟ قال : أنا ... ثم ادعاه معاوية في سنة اربع واربعين ولحق به زيادا اخا على ما كان من أبي سفيان في ذلك ... وقال ابوبكرة اخو زياد لامه : هذا زنّى أمه وانتفى من أبيه ، ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيريد أن يراها ، فإن حجبته فضحته ، وان رآها فيالها مصيبة ، يهتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حرمة عظيمة (1) .
  تهذيب ابن عساكر : عن سعيد بن المسيب قال : أول قضية ردّت من قضاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علانيّة ، قضاء فلان يعني معاوية في زياد ، وقال ابن يحيى : أول حكم رُدّ من أحكام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الحُكُم في زياد ، وقال ابن بعجة : أول داء دخل على العرب قتل الحسن يعني سمّه ، وادعاء زياد (2) .
قتل حُجر وفي التهذيب : قال معاوية : ما قتلتُ احدا إلا وأنا أُعرف فيم قتلته ، ما خلا حجرا ، فإني لا أعرف بأيّ ذنب قتلته (3) .
  الاستيعاب : فبلغ ما صنع بهم زياد الى عائشة ام المؤمنين ، فبعثت الى معاوية عبدالرحمن بن الحارث بن هشام : الله الله في حُجر واصحابه ، فوجده عبدالرحمن قد قُتل هو وخمسة من أصحابه ، فقال لمعاوية : أين عزب عنك حلم ابي سفيان في حجر واصحابه ؟ ألا حبستهم في السجون وعرّضتهم للطاعون ؟ قال : حين غاب عنّي مثلك من قومي ، قال : والله لا تَعدّ لك العرب حلما بعدها أبدا ولا رأيا ، قتلت قوما بُعث بهم اليك اسارى من المسلمين ، قال : فما أصنع ؟ كتب

---------------------------
(1) الاستيعاب ج 1 ص 525 .
(2) تهذيب ابن عساكر ج 5 ص 412 .
(3) نفس المصدر ج 4 ص 86 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 371 _

 اليّ فيهم زياد يُشدد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون عليّ فتقا لا يُرقع ! (1) .
  البيان والتعريف : ان معاوية دخل على عائشة فقالت : ما حملك على ما صنعت من قتل أهل عذراء حُجر وأصحابه ؟ قال : رأيت قتلهم صلاحا للأمة وبقاءهم فسادا ! فقالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : سيُقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء (2) .
  مستدرك الحاكم : عن مروان بن الحكم ، قال : دخلت مع معاوية على ام المؤمنين عائشة ، فقالت : يا معاوية قتلت حُجرا وأصحابه وفعلت الذي فعلت ، أما تخشى أن أخبأ لك رجلا فيقتلك ! قال : لا ، اني في بيت أمان (3) .
  أقول : حُجر بن عديّ وأصحابه المقتولون الشهداء من جانب معاوية بن أبي سفيان : كانوا من الأتقياء الزهاد القائمين بالليل والصائمين بالنهار ومن أهل الحديث والمعرفة ومن محبّي اهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذه المحبة والمعرفة كانت عند بني أمية من الذنوب العظام التي لا تُغفر .
انظر : ما قالت غانمة لمعاوية ، وما عمل عمر بسر بن أرطأة :
  الاستيعاب : ما خلاصته : وجّ معاوية بسر بن أرطأة لقتل شيعة عليّ ، فقتل ابني عبيدالله بن العباس ، وفرّ اهل المدينة ودخلوا الحرة ، وأغار على همدان وقتل وسبى نساءهم ، فكُنّ أول مسلمات سُبين في الاسلام ، وقتل احياء من بني سعد ، وفرّ عامل المدينة ابو أيوب الأنصاري ولحق بعلي ( عليه السلام ) (4) .
  المحاسن للبيهقي : ثم قالت ( غانمة ) : يا معشر قريش والله ما معاوية بأميرالمؤمنين ولا هو كما يزعم ، هو والله شانيء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إنيآتية معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينه ويكثر منه عويله ، فكتب عامل معاوية إليه بذلك ، فلما بلغه إنها قد قربت منه أمر بدار ضيافة فنُظّفت وألقي فيها فرش ، فلما قربت

---------------------------
(1) الإستيعاب ج 1 ص 329 .
(2) البيان والتعريف ج 2 ص 72 .
(3) مستدرك الحاكم ج 4 ص 352 .
(4) الإستيعاب ج 1 ص 160 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 372 _

 غانمة بنت غانم من الشام استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه ، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم ، فقال لها يزيد : أن ابا عبدالرحمن يأمرك أن تصيري الى دار ضيافته ، وكانت لا تعرفه ، فقالت : من أنت كلأك الله ؟ قال : يزيد بن معاوية ، قالت : فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد .
  فتمعّرلون يزيد ، فأتى أباه فأخبره ، فقال : هي أسن قريش وأعظمهم ، فلما قال يزيد : كم تعدّ لها يا اميرالمؤمنين ؟ قال : كانت تعدّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اربعمائة عام ، وهي من بقية الكرام ، فلما كان من الغد أتاها معاوية فسلم عليها .
  فقالت : على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان ، ثم قالت : من منكم ابن العاص ... وأما أنت يا معاوية فما كنت في خير ولا رُبيّت في خير ، فمالك ولبني هاشم أنساء بني أمية كنسائهم أم أُعطي أمية ما أعطي هاشم في الجاهلية والاسلام ؟ وكفى فخرا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  فقال معاوية : ايتها الكبيرة انا كاف عن بني هاشم .
  قالت : فإني أكتب عليك عهدا ، كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعا ربه ان يستجيب لي خمس دعوات فأجعل تلك الدعوات كلها فيك ، فخاف معاوية وحلف لها أن لا يسبّ بني هاشم أبدا (1) .

بعض ما ورد في عمرو بن العاص
  ويناسب هذه المباحث ان نذكر روايات وردت في عمرو وشأنه ، ليكون الناظر على بصيرة .
  المحاسن والأضداد : في كلام لعاثمة بنت لعاثمة بنت عاثم ثم قالت : أفيكم عمرو بن العاص ؟ قال عمرو : ها أنا ذا ، قالت : أنت تسبّ قريشا وبني هاشم ! وأنت أهل للسب وفيك السب واليك يعود السب ، يا عمرو اني والله عارفة بك

---------------------------
(1) المحاسن للبيهقي ص 93 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 373 _

 وبعيوبك وعيوب أمك ، واني أذكر ذلك ، وُلدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء تبول من قيامها ويعلوها اللئام ، واذا لا مسها الفحل فكان نطفتها أنفذ من نطفته ، ركبها في يوم واحد أربعون رجلا ، وأما أنت فقد رأيتك غاويا غير مرشد ومفسدا غير مصلح ، والله لقد رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غرت ولا أنكرتَ (1) .
  الفائق : اللهم ان عمرو بن العاص هجاني وهو يعلم أني لست بشاعر فاهجُه اللهم والعنه عدد ما هجاني (2) .
  أقول : تبا ثم تبا ثم تبا للأمة المنكوسة المنحطّة الذين يتّبعون من امثال هذا الرجل المبغوض عند الله ورسوله ويفتخرون به ويسلكون مسلكه ، ثم يتركون ما قال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويُعرضون عن اهل بيت الطهارة ، الذين فيهم نزل الوحي ، وهم مختلَف الملائكة واهل بيت النبوة ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
  ثم انه كما في الاستيعاب : عمرو بن العاص بن وائل ، وامه النابغة بنت حرملة ، واخوه لامه عمرو بن اثاثة وعقبة بن نافع ، وزينب بنت عفيف ، واسلامه كان سنة ثمان ، وكان أحد الدهاة في امورالدنيا المقدّمين في الرأي والمكر والدهاء .
  المحاسن للبيهقي : عن الشعبي : ان عمرو بن العاص دخل على معاوية وعنده ناس ، فلما رآه مقبلا استضحك ، فقال : يا اميرالمؤمنين أضحك الله سنك وأدام سرورك وأقر عينك ، ما كل ما أرى يوجب الضحك ! فقال معاوية : خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت اهل العراق فحمل عليك علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فلما غشيك طرحت نفسك عن دابّتك وأبديت عورتك ، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال ؟ وأما والله لقد وافقته هاشميا منافيا ، ولو شاء أن يقتلك لقتلك .

---------------------------
(1) المحاسن والاضداد ص 103 .
(2) الفائق ج 3 ص 194 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 374 _

  فقال عمرو : يا معاوية ان كان أضحك شأني فمن نفسك فاضحك ، أما والله لو بدا لك من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قدالك وأيتم عيالك ... أما اني قد رأيتك يوم دعاك الى البراز فاحوّلت عيناك وأزبد شدقاك وتنشّر مِنخراك وعرق جبينك وبدا من أسفلك ما أكره ذكره . فقال معاوية : حسبك حيث بلغت لم نرد كل هذا (1) .
  أقول : هذا ما يعترف كل منهما على عظمة اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، ويظهر من كلامهما نهاية ضعف أنفسهما .
  الاستيعاب : قال في مرضه : أصلحتُ من دنياي قليلا وأفسدت من ديني كثيرا فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفُزت ، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت ، ولو كان يُجيني ان أهرب هربت ، فصرت كالمنجنيق بين السماء والارض ، لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين (2) .
  الطبقات : فلما نزل به الموت ، قال له ابنه عبدالله بن عمرو : يا أبت انك كنت تقول : عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه ، فصف لنا الموت وعقلك معك ؟ فقال : يا بنيّ الموت أجلّ من أن يوصف ولكني سأصف لك منه شيئا ، أجدني كأن على عنقي جبال رضوى وأجدني كأنّ في جوفي شوك السُلاء ، وأجدني كأنّ نفسي تخرج من ثَقب إبرة (3) .
  أقول : يناسب هذا المقال ما في الطبري حدّث شريح بن هاني ، ان عليا أوصاه بكلمات الى عمرو بن العاص ، قال : قل له اذا أنت لقيته : ان عليا يقول لك : ان أفضل الناس عند الله عزوجل من كان العمل بالحق أحب اليه وأن نقصه ، وكرثه الباطل وان حنّ اليه وزاده ، يا عمرو والله أنك لتعلم أين موضع الحق فلِمَ تجاهل ان اوتيت طمعا يسيرا كنت به لله واوليائه عدوا فكان

---------------------------
(1) المحاسن للبيهقي ص 53 .
(2) الاستيعاب ج 3 ص 1189 .
(3) الطبقات ج 4 ص 260 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 375 _

  والله ما اوتيت قد زال عنك ، ويحك ، فلا تكن للخائنين خصيما ولا للظالمين ظهيرا ، أما اني أعلم بيومك الذي أنت فيه نادم وهو يوم وفاتك تمنّى أنك لم تُظهر لمسلم عداوة ولم تأخذ على حكم رشوة (1) .
  وقد سب كلام عمرو لمعاوية حيث نُقاتل من تعلم سابقته وفضلهوقرابته ، ولكنا انما أردنا هذه الدنيا .
  مستدرك الحاكم : عن عوانة قال : كان عمرو بن العاص يقول : عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه ، فلما نزل به الموت قال له ابنه عبدالله وذكره بقوله ، فقال : يا بنيّ الموت أجلّ من أن يوصف ، سأصف لك منه شيئا : أجدني كأن على عنقي جبل رضوى ، وأجدني كأن في جوفي شوك السلاح ، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثَقب إبرة (2) .
  أقول : هذا أول الابتلاء والعذاب ، وأن اخذ الله لشديد ، وأنه لشديد العقاب بما عملت أيديهم ، والعجب أنه لم يتنبّه بعد ، ولم يتوجه الى مأخذ عذابه ومنشأ ابتلائه ، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ، نعم ، قد سمعت من قول عاثمة مبدأ حياته ، ثم سمعت قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اللهم فاهجُه والعنه ، ثم قد رأيت قوله السيّء في عثمان وتهييج الناس عليه ، ثم رأيت توسله بأيّ كيد وحيلة ممكنة لتقوية معاوية وتحكيم حكومته وتضعيف اميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) حتى تصل إلى إمرة مصر .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 39 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 454 .