الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 162
ـ
وتتأكد ضرورة هذا التمرين والتصميم والتقّبل بالنسبة إلى المرأة أكثر من الرجل ، فهي التي تدخل ـ عادة ـ في كنف الزوج ، وضمن محيطه ، وفي أسرته ومجتمعه ، وفي كل بيئته التي يحاياها ، إذ ما لم تكن لديها تلك الأمور ، لا يمكنها أن تنسجم ـ بأي حال من الأحوال ـ مع هذا الوسط الجديد برمّته ، مما يؤثر بالتالي على علاقتها بزوجها نفسه .
ولهذا السبب ، فعليها ان لا تنظر من زوجها ان يكون صورة طبق الأصل منها شخصياً في عاداته وتوجهاته ، فهو ـ قبل أي شيء ـ رجل وهي أمرأة ، وكل منهما له ركائزه الفطرية الخاصة ، وكل منهما ينظر الحياة من زاويته الخاصة ، ويتعامل معها من منطلقه الخاص ، وشتان بين المنطلقين ، وقد سبق ان علمنا بعض عوامل الاختلاف في شخصيتي الجنسين .
كما ينبغي لها ان لا تنتظر منه ان يكون شبيهاً ـ في طباعة وتعامله ـ بأبيها أو أخيها أو واحد من اللذين ألفت الحياة معهم قبل زواجها ، كأعمامها وأخوالها وغيرهم ، إذ ان لكلٍ بيئته ، ولكلٍ شخصيته ، وله طباعه وأخلاقه . .
كما لا تنتظر من بيئتها الجديدة أن تجري ـ في اتجاهاتها ، وميولها العامة ، وتقاليدها ، وأخلاقياتها ، واهتماماتها ، وطرائقها في المعاشرة ـ ضمن ما ألفته في محيطها الذي كانت تعيش فيه في بيت اهلها ، مهما كانت الصورة السابقة ، محببة وبسيطة بين الناس ، إذ عليها لا تستبعد الاختلاف ما بين البيئتين ، ولو في بعض الأمور .
ومن هنا كان على الفتاة العاقلة أن تسعى ـ ومنذ أيام خطوبتها ـ إلى تكوين صورة واضحة لديها عن حياة زوجها ، وعن بيئته وعلاقاته ، ومختلف المؤثرات في شخصيته وأخلاقه ، وتتعلم كيف تستطيع ان تنسجم معه ، وتمنهج حياتها وسلوكها ، وتوجّهاتها العاطفية ، ونظراتها في الحياة ، بطريقة تقترب بها منه ، وتوحدها مع شخصيته ، ومع بيئتها الجديدة التي ستدخلها في حياتها الزوجية .
وعليها ان تعلم أن أي جهل منها لهذه الحقيقة ، وأي محاولة منها للتصلّب ، وعدم الانسجام مع زوجها ، او التحفّظ على ما كانت عليه في حياتها السابقة لعلاقتها معه ، قد يكون مدعاة للشقاق والنزاع بينهما ، بل هو قد يمس حتى علقتهما الزوجية ذاتها بما يسىء من الآثار . . ومعروف كم أدّى عدم الانسجام بين الزوجين في طريقة الحياة إلى تحطيم الكثير من الحيوات الزوجية . .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 163 ـ
وتأكد هذه الناحية بالنسبة الى الزوجية ، لا يجّرد الزوج عن مسؤوليته هو في هذا المجال .
إذ عليه ـ وهو يطمح إلى بناء بيت سعيد ومتماسك ـ ان يتفهّم البيئة التي نشأت فيها زوجته أيضاً ، وان يكوّن صورة واضحة عن المؤثرات في شخصيتها وطباعها ، قبل ان يهيء نفسه ، ويعدّ البيئة التي يحيا فيها لتقبلها ، واحتوائها ، وعدم إشاعراها بالغربة ـ وهي تدخل عليهم ـ ، ولاسيما في بدايات حياتهما المشتركة ، وان يكون على يقظة دائمة لما يمكن ان يطرأ على هذه الحياة ، جراء المفارقات التي بين بيئته وزوجته كوافدة جديدة ، ليضع الأمور في أنصبتها المناسبة ، ويعالج سلبياتها قبل ان تتخذ مساراً خاطئاً ، قد يجر حياتهما الى نتيجة غير محمودة العواقب .
إلا أن المسؤولية في هذا الجانب ـ كما قلت ـ تبقى أكبر على المرأة منها على الرجل ، فهي التي تدخل في بيئة الزوج في وبيته ومجتمعه ، حيث ستصبح ـ ومنذ أيامها الأولى من حياتها الزوجية ، جزءاً من هذه البيئة ، فهي الوسط الذي ستعيش فيه ، وان شخصيتها ستتبلور معالمها الجديدة من خلال هذا الوسط ، مهما كانت حياتها السابقة ، فعليها ـ ولكي لا تصبح نشازاً في عائلتها الجديدة ـ ان تقرّ بالأمر الواقع ـ وتدّبر أمرها بحكمة وروية ، وان تلتفت إلى ما يمكنها ان تفعله ، او تختاره مع زوجها ، من خلال قوامته عليها ، بعيداّ عن التصلّب ، والحساسية ، والاستفزاز ، بل ومن خلال ( المعروف ) و ( الفضل ) اللذين أمرتها بهما الشريعة المقدسة .
وعلى الزوجين ـ قبل هذا وبعده ـ ان يعلما ان المسؤولية مشتركة ، وان الحكمة هي السبيل الذي ينبغي ان يعتمداه ، وان الحق هو الرائد الذي يجب ان يركنا إليه ، وان الفضل والمعروف ، وأحكام دين الله ( تعالى ) هي المنهج الواضح ، الذي يلزمهما اتباعه ، لكي تستقيم حياتهما في مسارها السليم والواضح ، وعون الله ( جلّ وعلا ) ـ قبل هذا وبعده ـ هو المسدد لهما في سبيله القويم .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 164
ـ
الوصية التاسعة عشرة
الحياة الاقتصادية للأسرة
لا يمكن فصل الحياة الزوجية عن المستوى الأقتصادي للأسرة . . وهي حقيقة واضحة لا تحتاج الى تأكيد .
فطعام الأسرة ، وشرابها ، ولباسها ، وضروراتها المادية الأخرى ، كلها إنما تتأتى لها من خلال اقتصادياتها ، ومدخولها المادي . .
ولكي تستمر الحياة الأسرية ، ولكي تنال السعادة ، وتستقيم أمورها ـ كما ينبغي لها ان تستقيم ـ ، يجب ان تتناسب المصروفات مع الواردات في تلك الضرورات ، وتتوازن في التزاماتها الاجتماعية وفي غيرها ، وهو أمر طبيعي يعلمه كل ذي بصيرة .
وهذا التوازن مما يجب ان يتكاتف على تنفيذه الزوج والزوجة معاً ، وكذلك جميع من له حق الصرف من أفراد الأسرة الآخرين ـ إذا كان هناك أفراد آخرون لهم حق الصرف من الواردات المادية للأسرة ـ ، لئلا تصل بهم الأمور الى ما ليس بالحسبان .
بمعنى ان الزوجة ـ مثلاً ـ وهي تصرف على نفسها ، أو أطفالها ، او ملابسها ، او بيتها ، يجب ان تأخذ باعتبارها المستوى الاقتصادي الذي يستطيعه زوجها في توفيره للأسرة ، وان لا تثقل كاهله بأي مصروف يصدر منها ، لأنها ـ بعد دخولها بيت الزوجية ، وبعد ارتباطها المقدس بزوجها ، وتوحّد حياتها بحايته ، سينالها أي أمر يحصل له في هذه الحياة ، وستنعكس عليها أي نتيجة يكتسبها ، إيجابية كانت أم سلبية .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 165
ـ
فليس وقوع الزوج في مضايقات الديون ، أو العوز المادي ، مما سيقتصر ـ في أثره السلبي ـ على زوجها وحده دونها ، ّإذ لا بد انه سيصيبها ببعض سلبياته ، مهما كان الزوج قوي الإرادة ، كتوم السر ، عزيز الشخصية في هذا المجال .
والعكس بالعكس أيضاً ، فإن يسر المستوى الأقتصادي للزوج ، وكفاية العيش فيه ، مما سينعكس عليها ـ كذلك ـ سعادة وهناء ، وراحة بال .
ويستتبع هذه الناحية ايضاً ، ضروة أن لا تكون الزوجة سبباً في تنغيص العيش لأسرتها ، أو لزوجها حين تعلم بضائقة ماليه يمر بها ، فتشعره بهذه الضائقة ، كما سنحت لها الفرصة ، لتزيده همّاً إلى همّه ومعاناة إلى معاناته . .
ولهذا ، فيفترض بها ان تسمو ـ في رغباتها وتطلعاتها ـ إلى المستوى القناعة ، والتعفف ، بل ومواساة الزوج في ضائقته المالية ، والتخفيف عن كاهله قدر الإمكان . .
فلا تبرز رغبتها بشراء ثوب ، أو حذاء ، أو إبداء حاجة من حاجاتها إليه ، إلا وهي تعلم أحتياجها الفعلي إليها ـ أولاً ـ كما تعلم قدرة زوجها على توفيرها لها ـ ثانياً ـ ، ودون ادنى تكلف .
ومن قوة شخصية الإنسان : أن يصبر عما يرغبه ، ومن سموّ إيمانه : ان يهيمن على أهواء نفسه ، وميوله ، إلا بما يرضي الله ـ سبحانه ـ .
وعلى المرأة ـ إضافة إلى هذا ـ ان تكون ذات نظر أبعد من الوقت الذي تعيش فيه ، بل وهناك من النساء من هي أبعد نظراً حتى من زوجها نفسه في بعض الأحيان .
فبعض الأزواج قد تأخذه نشوة آنية ، ونوع من الابتهاج ، عندما يقع تحت يديه مبلغ من المال في بعض الأحيان ، فيلقي به في أمور تافهة ، هنا وهناك ، دون ملاحظة الحاجات الضرورية له ولزوجته ولأسرته ، ودون ألتفات إلى مستقبل الأيام ، التي قد لا يتوفر له فيها حتى ما يكفي به الضروري من الأمور .
فعلى المرأة ـ في هذه الحال ـ ان لا تنساق مع زوجها في كل ما يأتيه ، وان تكبح جماحه ـ قدر الإمكان ـ وتدبّر أمره ، وامر نفسها وبيتها وأطفالها بتعقّل وحكمة ، وتقف به ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ على الطريقة المناسبة في الصرف ، وعلى الطريق القويم في التصرف .
وكم من الزوجات الحكيمات من أنقذن أزواجهن من الوقوع في مهالك العوز في هذا المجال .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 166
ـ
الوصية العشرون
الحياة الزوجية والإعلام
من الأمور الأساسية التي يجب لا تغفل في هذه الوصايا : دور الأعلام ووسائله ، وتأثيره في دائرة الحياة الإنسانية ، العامة منها والخاصة على حد سواء ، وهو دور وتأثير أوسع وأدق من أن يهمل بشأنه رواد الإصلاح ، وقادة الفكر والأخلاق . .
فكما لا يمكن فصل الحياة العامة عن هذا الإعلام ، لا يمكن فصل الحياة الخاصة للناس ـ بما فيها الحياة الزوجية ـ عنه ـ كذلك وعن مجرياته ، وعن الأهداف التي يسعى القائمون على وسائله إلى تحقيقها ، وفرضها على أخلاق الناس ، وتطلعاتهم وتصوراتهم .
فأجمل النساء ، ومع خبرة فنّاني المكياج والتجميل ، ومع مختلف فنون الإغراء وإثارة الغرائز ـ أصبحت بمرأى من أي رجل ، في كل لحظة من لحظات حياته ، حتى تسلمه إلى أحلام النوم ، بعد أن أخذت عليه أحلام اليقظة . .
وفي المقابل أيضاً ، فإن أجمل الرجال ـ بما فيهم من حيوية الرجولة والشباب ، ومع جميع خبرات الفنانين في إثارة مكامن الشهوة ـ أمام أي أمرأة ، حتى في أعمق تصوّراتها وتطلعاتها .
ومنتجات خبراء بيوت الأزياء والديكور ، ومهندسي البيوت والأثاث ، كلها بمرأى كل أحد حتى في أقاصي البلاد .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 167
ـ
وتفاوت الأخلاق والتقاليد ، السائدة في مختلف المجتمعات ، وفي حضارات الشرق والغرب ـ بما فيها من استقامة أو أنحراف ـ ، فرض نفسه على كل شاهد ، وعلى بيئة وبيت ، حتى أصبحت نسبية الأخلاق ، والتقاليد ، والعقائد والالتزامات الاجتماعية ، والدينية ، أمراً مستساغاً لعامة الناس ، فهم قد لا يدركون أن هناك موازين عامة لمعرفة المستقيم أو المنحرف ، أو أصولاً ثابته لإثبات السليم ونبذ السقيم منها .
بل ، وقد أمكن لهذا الإعلام أن يشيع التعاطف مع الجناة ، ومرتكبي الرذائل ، ومنتهكي الحرمات الإنسانية والأخلاقية ، فضلاً عن الدينية منها ، والعكس بالعكس أيضاً ، إذ استطاع أن ينأى بعواطف الكثير من الناس عن نوازع الخير والاستقامة والفضيلة ، حتى أصبحت هذه الأمور بعيدة كل البعد عن الواقع الفعلي لمجريات الحياة ، أو كأنها من تراث الماضي القديم لا يعنى به إلا فئة خاصة من الناس من حملة الأفكار المتخلفة .
ولا أطيل في بيان هذه النواحي ، فهي أجلى من أن تحتاج إلى بيان أو تأكيد .
وكل هذا مما يفرض على الأسر المسلمة ـ بالخصوص ـ ان تلتفت إلى حقائق الأمور وكيفية التعامل السليم مع مختلف وسائل الإعلام ، والأستخدام الأمثل لها ، وان تدرك مواقع الخطأ أو الصواب فيها ، والاستقامة او الأنحراف المفيد أو الضار منها ، لتجنيب حياتها سلبيات قد تمتد إلى أعمق أعماقها ، فتنسف حياتها من أساس . .
وان تنتبه إلى الأهداف البعيدة للقائمين على الكثير من تلك الوسائل فهي قد تكون بعض معدات الباطل في هدم أصول الحق في أعماق أبنائه ، وتوهين دعائم الخير في بناء مجتمعاته ، كما قد تكون من سبل الهيمنة ، وتسلط المستكبرين على المجتمعات الضعيفة ، ومعروف أن هؤلاء الخبثاء قد يصبرون عقوداً طويلة ، للوصول إلى بغيتهم الشيطانية تلك . .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 168
ـ
وهذا مما يحتّم على أبناء الإسلام عامة ، والزوجين منهم بالخصوص ـ حيث موضوع الحديث ان ينتبهوا إلى جميع هذه الحقائق ، لينأوا بأنفسهم ، وبأسرهم وأولادهم عن هنات يمكن ان يقعوا فيها . .
وعليهم أن يعلموا أن سعادة الحياة وهناءها الحقيقيين ، لا يكتسبان الا من واقع الحياة ، وإلا من خلال كلمة الله ( تعالى ) فيها ، ومن خلال استقامتهم التامة مع أمر الله ( تعالى ) ونهيه .
وان يعلموا ان صراع الحق والباطل صراع أبدي دائم ، وان الحق هو الواقع الذي فطر الله الإنسان عليه ، وشرع احكامه في دينه القويم ، بالرغم من عتوّ الباطل ، وطرقه الملتوية في ذلك الصراع .
وفي هذا المجال يتحتم على الزوجة المؤمنة ـ بالخصوص ـ :
1 ـ أن تكون ذات إرادة قوية ، وشخصية مستقيمة ، لا تخضع او تنساق وراء كل ما تراه في وسائل الإعلام من صرعات الموضات ، ومنتجات الأزياء ، وأشكال السلوك الخليع ، البعيد عن أخلاقيات دينه ، والتقاليد القويمة لمجتمعها المسلم ، وحدودها الشرعية التي ألزمها بها إيمانها .
بل ، وعليها أن تسمو بنظرتها إلى ما تفرضه عليها اخلاقها الكريمة ، واستقامتها المطلقة مع امر الله ( تعالى ) ونهيه ، وإن حاربتها جميع وسائل الإعلام ، التي تكتنف حياتها في كل اتجاه .
2 ـ أن لا تستهين بواقعها البسيط ، الذي تعيش فيه ، نتيجة لما تراه أو تسمعه في تلك الوسائل ، من أزياء ، وأثاث ، ومعدّات منزلية ومعيشية أخرى ، وطرق العيش الرغيد الذي يحيا فيه أصحاب تلك الوسائل ، إذ من الضروري أن تعلم تلك الأمور كلها لم تتوفر لاولائك الناس ، ولم يظهروا بتلك الوسائل من خلال جهد واحد ، وبإمكانات فردية ، بل من خلال إمكانات جماعية عليا ، وجهود أشرف عليها خبراء مختلفو الاختصاصات ، من أجل غايات معينة ، قد لا تمت الى الاستقامة والشرف والفضيلة بصلة .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 169 ـ
3 ـ أن لا تشعر بالإحباط ، أو عدم الثقة بالنفس ، لما تراه من جمال من يظهر في وسائل الإعلام من النساء ، فمعظم مفردات هذا الجمال صناعي ، أشرف عليه خبراء واختصاصيون ، وهو ما أسرع ما ينتهي وراء العرض الإعلامي ، حتى دون الدخول الى الحياة الاعتيادية لتلك النساء أنفسهن ، وبإمكان أي امراة ان تستغل جمالها الطبيعي لامتلاك عواطف زوجها ، وشد انتباهه إليها ، وإن تأثر بذلك الجمال المصطنع لحظة من لحظات الضعف .
ومع ان الرجال أقل من النساء تأثراً بما يجري في وسائل الإعلام ـ عادة ـ ، إلا ان بعضهم قد يستولي عليه الشيطان ، فينفعل بما يراه من أشكال نسوية يراها ، في تلك الوسائل أو في غيرها ، وبعض هؤلاء قد يستولي عليه انفعاله حتى يخرجه عن استقامته . .
وهنا يأتي دور الزوجة الحكيمة . . إذ عليها أن تملأه عاطفة وحباً ، يقطعان ما بينه وبين الرذيلة والانحراف ، وتشدّه إلى استقامة الأخلاق والسلوك ، بما تقدمه له من رشد يكفيه دون التطلع إلى المحرم ، او الانفعال معه ، وهذا بعض جوانب حسن التبعّل الذي جعلته ألسنة العصمة جهاداً للمرأة ـ كما سبقا أن عرفنا ـ .
4 ـ أن تضاعف دورها ، وتستعين بزوجها ، وبمن تستطيع الاستعانة به من الناس ، وبما تستطيع الاستعانة به من آفاق المعرفة ، وأبواب الثقافة الرشيدة ، في تربية أبنائها ، وتقويم سلوكهم ، وتقوية شخصياتهم ، لتمنعم من الانسياق وراء تلك الوسائل ، والانحراف نحو الغايات الهدامة ، التي يسعى إليها القائمون على الكثير من برامجها ، وعليها أن تتابع إرشادهم الأخلاقي والعاقئدي ، وبناء أفكارهم على أساس ثابت من العقائد الصحيحة ، ليكونوا في مأمن من تأثير تلك الوسائل ، حتى في الأوقات التي لا تستطيع ان تختار لهم ما ينبغي لهم متابعة منها .
والله ـ سبحانه ـ خير عون ومدد ، وخير ناصر لمن نصره .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 170
ـ
خاتمـــة
وأخيراً قارئتي الكريمة .
هذه وصايا عشرون ، استحضرتها لكِ بسرعة ، عسى ان تجدي ـ وأنت على أعتاب الزوجية ـ بغيتكِ فيها ، لأنها تقع في واجهة الحياة الزوجية ، كما تغور إلى أعماقها في الصميم ، فضرورتها مما يجب أن تأخذها المرأة العاقلة بالحسبان ، حين تريد لنفسها أن تسعد متع زوجها ، وتصبح زوجة ناجحة ، وأماً فاضلة ، ونموذجاً حياً للاستقامة والكرامة الفضلى . .
وحاولت ـ جهدي ـ أن أقدم هذه الوصايا بلغة سهلة الأسلوب ، بعيدة عن التعقيد ، لستفيد منها أكبر شريحة من فتياتنا المؤمنات ، وإن كن متوسطات الثقافة .
ويمكنني أن أختم هذه الوصايا بكلمة سريعة جامعة ، ينبغي ان يتذكرها الزوج والزوجة ـ معاً ـ في كل لحظة من لحظات حياتهما المشتركة ، وفي كل موقف من مواقفهما فيها ، لأنها مفتاح لكل خير في الحياة الزوجية ، وسبيل إلى كل بركة فيها .
وهي : أن على الزوجين المؤمنين أن يتخذا من كلمة العاقد بينهما ـ في خطبة العقد ـ : ( على كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) دستوراً أبدياً في حياتهما الجديدة ، كما هو دستورهما الأساس في كل جانب من جوانب حياتهما العامة . .
الى الفتاة على أعتاب الزوجية
ـ 171
ـ
وأن يكون قول الزوجة لزوجها في عقد الزوجية : ( زوجتك نفسي ) أساساً لمسؤوليتها الإلهية والإنسانية تجاهه ، بكل ما يمليه عليها إيمانها ، لا في الحدود الدنيا من التزامات هذه الحياة ، وإنما في الآفاق العليا منها ، حيث يعنيه هذا الإيمان من تقوى وصلاح ، وما يتطلبه منها دينه القويم ، لتصبح نموذجاً حياً لتعاليمه وأحكامه في حياتها الزوجية ، وفي كيانها كامرأة مؤمنة ، يعتز بها دينها ممثلة له في هذه الحياة ، ويفتخر بها نبيها متبعة له بين الأمم .
وأن يكون قول الزوج لزوجته في العقد : ( قبلت ) رصيداً أبدياً لمسؤوليته الإلهية تجاهها ، كزوج مؤمن ، أخذ على عاتقه القوامة عليها ، لا في تلك الأوليات الضرورية لاستقامة الحياة العامة ، وإنما كنموذج أعلى للزوج المؤمن ، الذي يعتز به الإسلام ، حيث يجسّد ما فيه من إشراقة الكمال الأعلى ، الجذاب لعامة أفراد الناس .
فبهذين الالتزامين ـ معاً ـ يمكن للزوجين أن يستشعرا الطعم الحقيقي للسعادة الزوجية ، وان يبلغا ما يريدانه ويطلبانه ، من هنائها ورفاهها واستقامتها .
والله ـ قبل هذا وبعده ـ هو الولي وهو المعين .