فالبحث كالاولى ، ومثله لو حبسه ، ومنعه الطعام والشراب ، فان كان مدة لا يحتمل مثله البقاء فيها فمات ، فهو عمد ) (1) .
  بمعنى ان كان قصد من حبسه القتل فهو عامد ، والا فهو غير عامد ، واذ ( اذا طرحه في النار ، ينظر ، فان أسعر له ناراً في حفيرة حتى اذا تجحمت القاه فيها فلم يمكنه الخروج منها حتى مات ، فعليه القود ، وان كانت النار على بسيط الأرض فمات فان لم يمكنه التخلص منها مثل ان كان ضعيف الخلقة او كبيراً او مكتوفا او غير مكتوف لكن النار قهرته ومنعته من الخروج فعليه القود ، واما ان امكنه الخروج منها فلم يفعل حتى مات ، وانما يعلم هذا منه بان يقول انا قادر على الخروج ولست أخرج او كان بقرب البئر ، ( وكان قادراً على الهروب ، ولم يهرب ) فلا قود ، لانه اعان على قتل نفسه ) (2) .
  واذا ( حفر فرد بئراً فوقع آخر بدفع ثالث ، فالقاتل الدافع دون الحافر ، بلا خلاف أجده فيه ، لأن المباشر للقتل بما يقتل وهو الالقاء ، دون الحافر الذي هو السبب البعيد وبمنزلة الشرط ) (3) .
  وفي حالة أمر الحاكم الظالم لمن هو دونه على قتل فرد او افراد ، فلا يجوز بالنص ولااجماع ان ينفذ المقول له ارداة الظالم ، ( لأن ( المأمور هو ) القاتل عمداً وظلماً ، اذ لا يتحقق حكم الاكراه في القتل عندنا ... ولكن يحبس الآمر دائما حتى يموت ، ويدل عليه مع الاجماع صحيحة زرارة عن الباقر (ع) في رجل أمر رجلاً بقتل رجل فقتله ، فقال (ع) : ( يقتل به الذي

**************************************************************
(1) شرائع الاسلام ج 4 ص 196 .
(2) المبسوط ج 7 ص 18 .
(3) الجواهر ج 42 ص 45 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 58 ـ

  قتله ، ويحبس الآمر بقتله في السجن حتى يموت ) هذا اذا كان المقهور بالغاً عاقلاً ) (1) .
  فالاصل اذن ، هو أنه لا يجوز دفع ضرور القتل عن نفسه بادخاله على الغير ، وقد ثبت عن اهل البيت (ع) : ( انما جعلت التقية ليحقن بها الدماء ، فاذا بلغ الدم فلا تقية ) ، ولذلك قيل : ان الاكراه على قتل النفس لا يجعل القتل جائزاً بحال ، ولا يرفع الخطاب التكليفي ، ولا الخطاب الوضعي ، اما الاكراه على غير القتل فانه يسقط الخطابين .
  واتفق الفقهاء على انه لو اشترك جماعة من الافراد في قتل فرد ، قتلوا به جميعاً ، واحتج الفقهاء بالنص وبـ ( ان القصاص شرع لحقن الدماء ، فلو لم يجب ( القتل ) عند الاشتراك لاتخذ ذريعة الى سفكها ) (2) .
  واذا تم الانفاق على الدية ، فان كان عدد القتلة اثنين فعلى كل منهما النصف ، وان قتل القاتلين دفع لورثة كل واحد منهما نصف الدية ، وان قتل احدهما قصاصاً و ترك الآخر ، فعلى المتروك دفع ورثة القاتل المقتص منه نصف الدية ، وبالجملة ، فان دفع مبلغ الدية يقسم على الجناة حسب عددهم ، لقوله (ع) في رجلين قتلا رجلاً : ( اذا اراد اولياء المقتلول قتلهما ادوا دية كاملة ، وقتلوهما ، وتكون الدية بين اولياء المقتولين ، فان ارادوا قتل احدهما فقتلوه ، ادى المتروك ( الذي لم يقتل ) نصف الدية الى أهل المقتول ) .
  و ( يقتص من الجماعة في الاطراف ( اعضاء الجسم ) كما يقتص في النفس ، فلو اجتمع جماعة على قطع يده ، أو قلع عينيه فله الاقتصاص منهم

**************************************************************
(1) شرح اللمعة الدمشقية ج 10 ص 27 .
(2) الجواهر ج 42 ص 66 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 59 ـ

  جميعاً بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جناية ) (1) لقوله (ع) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل : ( ان احب أن يقطعهما ادى اليهما دية يد يقتسمانها ، ثم يقطعهما ، وان احب أخذ منهما دية يد ، وان قطع يد احدهما رد الذي لم يقطع على الذي قطعت يده ربع الدية ( نصف دية اليد ) ) ، وفي حالة قتل مجرم ، لفردين بريئين او اكثر عدواناً يثبت حق القصاص لكل ولي من اولياء المقتولين ، فان اتفقوا على القتل قتلوه قصاصا ، وان عفا احدهم عنه ، فلا يسقط حق الولي من القصاص ، لان سقوط حق فرد لا يستدعي سقوط حق الآخر ، واذا مات القاتل المتعمد قبل الاقتصاص منه ، اخذت الدية من ماله اذا كان له مال ، او من مال ارحامه اذا لم يكن له مال ، وقد ذهب اكثر الفقهاء الى ذلك ، لقوله تعالى : ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) (2) ، و ( قول الإمام (ع) : لا يبطل دم امرئ مسلم ) (3) .
  و ( قول ) الامام الصادق (ع) ( عندما سئل ) عن رجل قتل آخر عمداً ، ثم هرب القاتل ، فلم يقدر عليه ؟ قال : ان كان له مال أخذت الدية من ماله ، والا فمن الاقرب فالاقرب فان لم يكن له قرابة اداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرء مسلم ) (4) .

أولاً : شروط قصاص النفس :
  ولا يتم القصاص في القتل المتعمد الا بالشروط التالية :
  1 ـ تساوي القاتل و المقتول بالحرية والرقية ، فيقتل الحر بالحر ، والحرة بالحرة

**************************************************************
(1) شرائع الاسلام ج 4 ص 202 .
(2) الاسراء 33 .
(3) التهذيب ج 6 ص 226 .
(4) الجواهر ج 42 ص 330 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 60 ـ

  2 ـ التساوي بين القاتل والمقتول في الدين ، فيقتل المسلم بالمسلم ، وغير المسلم بغير المسلم ، ولكن لا يقتل المسلم بالكافر .
  3 ـ انتفاء الابوة اجماعاً ونصاً ، فلا يقتل الأب بقتل ابنه ، وانما على الاب القاتل الكفارة والدية . وتؤدى الدية الى غيره من الورثة ولا يرث هو منها ، ولكن يقتل الابن بقتل ابيه ، لقول الامام الصادق (ع) : ( لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد اذا قتل والده عمداً ) (1) .
  وكذلك الام وان علت بقتل ولدها ، والولد بقتل امه ، والاقارب بقتل قريبهم .
  4 ـ ان يكون القاتل عاقلاً بالغاً ، فلا قصاص على المجنون ولا على الصبي ، وتؤخذ دية المقتول من العاقلة ، وهي كما ذكرنا عصبة الفرد وعشيرته ، لقول الامام الصادق (ع) : ( عمد الصبي وخطأه واحد ) (2) ، وقوله (ع) : ( ان علياً امير المؤمنين (ع) سئل عن مجنون قتل رجلاً عمداً ، فجعل الدية عل قومه وجعل عمده وخطأه سواء ) (3) .
  واتفق الفقهاء على ان العاقل ، اذا قتل مجنوناً لا يقتل به ، لروايات عديدة منها : ( ان كان المجنون اراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين ، وان كان قتله من غير ان يكون المجنون اراده فلا قود لمن لا يقاد منه ، وان على قاتله الدية في ماله ، يدفعها الى ورثة المجنون ، ويستغفر الله ، ويتوب اليه ) (4) .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 297 .
(2) التهذيب ج 10 ص 233 .
(3) التهذيب ج 10 ص 232 .
(4) الكافي ج 7 ص 294 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 61 ـ

  والظاهر ان المدار في ثبوت القصاص في قتل الفرد ، هو قتل العقل الذي يتمتع بنعمة وجوده ، فيهبط المجنون حينئذ ، في التشريع الاسلامي ، الى مستوى الحيوان ، الذي يشترك معه في ثبوت الدية دون القصاص ، اما الصغير ، وان كان غير مكتمل العقل ، الا أن عقوبة قتله مشابهة لعقوبة قتل البالغ ، فالمشهور بين الفقهاء ان العاقل البالغ اذا قتل الصبي ، قتل به .
  5 ـ ان يكون المقتول محقون الدم ، فلو قتل من كان مهدور الدم فليس عليه القصاص ، كقتل الزاني المحصن ، واللوطي ، والمرتد على الاسلام ، لقوله (ع) : ( ايما رجل قتله الحد في القصاص فلا دية له ) (1) .
  واذا قتل الفرد شخصاً آخر ، دفاعاً عن نفسه ، او جرحه او قطع عضواً من اعضائه من غير تعد ، ثم مات المجروح ، فليس على القاتل المدافع عن نفسه شيء .

ثانياً : الاثبات :
  ويثبت القتل شرعاً ، بالطرق الثلاثة التالية :
  1 ـ الاقرار بالقتل مرة واحدة من قبل القاتل ، اذا كان عاقلاً بالغاً مختاراً قاصداً ، ( لعموم اقرار العقلاء على انفسهم جائز ، وهو يتحقق بالمرة ( الواحدة ) ، حيث لا دليل على اعتبار التعدد ) (2) .
  ولا عبرة باقرار الصبي ، ولا المجنون ، ولا المكره ، ولا الغافل .
  واذا قام فردان بالاعتراف بقتل فرد ما ، ولكن اختلفا في مضمون الاقرار به كأن ادعى احدهما ان القتل كان عمداً ، والآخر ان القتل كان

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ج 7 ص 290 .
(2) شرح اللمعة ج 10 ص 67 ، وعوالي اللئالي ج 1 ص 223 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 62 ـ

  خطأ ؟ قال الامام في جواب ذلك : ( ان هو ( اي الولي ) اخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل ، وان اخذ بصاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل ) (1) .
  بمعنى ان الولي اذا اختار احد القولين ، فليس له الرجوع ومعاقبة الثاني ، واذا رجع الاول عن اقراره بعد ان اقر الثاني يدرأ عنهما حينئذ القتل والدية ، وتعطى لورثة المقتول الدية من بيت المال ، و ( هو المشهور ، لما روي عن الامام الصادق (ع) انه قد أتي امير المؤمنين (ع) برجل وهو في خربة وبيده سكين متلطخ بالدم ، فاذا رجل مذبوح متشحط بدمه ، فقال له أمير المؤمنين : ما تقول ؟ قال : انا قتلته يا أمير المؤمنين ، قال : اذهبوا به فاقيدوه ، فلما ذهبوا به ليقتلوه اقبل رجل مسرعاً ، فقال : لا تعجلوا وردوه الى امير المؤمنين فردوه ، فقال : والله ما هذا قتل صاحبه انا قتلته ، فقال (ع) للاول : ما حملك على اقرارك على نفسك ؟ فقال : وما كنت استطيع ان اقول ، وقد شهد علي امثلا هؤلاء الرجال واخذوني ويبدي سكين ملطخ بالدم والرجل متشحط في دمه ، وانا قائم عليه وخفت الضرب فاقررت ، وانا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة ، فاخذوني البول ، فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط بدمه ، فقمت متعجباً ، فدخل علي هؤلاء فاخذوني ، فخلى الامام عن الرجلين ، واخرج دية المذبوح من بيت المال ) (2) .
  2 ـ البينة الشرعية ، فلا يثبت ما يوجب القصاص سواء في النفس او دون ذلك الا بشاهدين عدلين ، ولا تقبل شهادة النساء ، لقول الامام علي بن

**************************************************************
(1) التهذيب ج 10 ص 172 .
(2) الجواهر ج 42 ص 207 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 63 ـ

  موسى (ع) : ( لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ولا في الدم ) (1) .
  ولا يثبت القصاص بشاهد ويمين . ولكن في وجوب الدية فقط دون القصاص ، كالقتل الخطأ والجرح الخطأ ، تثبت بشاهد ويمين ، وشاهد وامرأتين ، لانها من الشهادة على الاموال ، لا على الدماء .
  3 ـ اللوث او القسامة ، وهي الشبهة او الامارة الظنية التي قامت عند الحاكم الشرعي على صدق المدعي او وجود القرينة مع عدم استجماع شرائط القبول ، والاصل هنا هو وجود القرينة او عدمها ، فمع عدم وجود القرينة ، تطبق قاعدة ( البينة على من ادعى ، واليمين على من انكر ) ، فعلى المدعي ، في قضية القتل البينة ، وعلى المدعى عليه اليمين ، عند عجز المدعي عن اقامة البينة ، ونعني باقامة البينة ، احضار الشهود .
  اما اذا توفرت القرينة ، واحتمل عندها صدق الدعوى ، وما يترتب فيها من ادانة المدعى عليه ، عندئذ يتم تحليف المدعي وعشيرته او قومه خمسين يمينا ، كل فرد يحلف يميناً واحدة ، حتى لو لم يكن وارثا للقتيل .
  فاذا تم الحلف ثبت القتل ، والا حلف المنكر خمسين يمينا ، فان لم يكن له قوم ، حلف هو وحده خمسين يميناً ، فان حلفها يسقط عنه الحد والدية ، وان امتنع ثبت القتل عليه .
  وصورة اللوث ( ان يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله ، ولا تقوم عليه بينة ، ويدعى الولي على واحد ، او جماعة ، ويقترن بالواقعة ما يشعر بصدق الولي في دعواه ) (2) .
  ومن الامثلة التي يحصل فيها اللوث ، ان

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 392 .
(2) المسالك ـ كتاب القصاص .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 64 ـ

  يوجد القتيل متشحطا بدمه ، والى يمينه رجل في يده سلاح ملطخ بالدم ، أو ان يوجد القتيل في محلة بينه وبين اهلها عداوة ، فالعداوة لوث يحتاج معها الى قرينة اخرى لا ثبات الجناية .
  بيد ان القتيل الذي لا يعرف قاتله ، وليس هناك لوث على فرد معين ، فديته على بيت المال ، ( بلا خلاف مضافاً الى النصوص المستفيضة او المتواترة ، منها قول الامام الصادق (ع) : ان وجد قتيل بارض فلاة اديت ديته من بيت المال ، وقوله ايضاً :
  ان علياً أمير المؤمنين قال : من مات في زحام الناس يوم الجمعة ، او يوم عرفة ، او على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال ) (1) .
  وخلاصة الكلام ، ان في قتل العمد ، القصاص دون الدية ، وفي قتل الخطأ او شبيه العمد ، تتعين الدية ويسقط القصاص ، ولا يحق لولي المقتول ان يلزم الجاني بالدية ما دام باذلاً نفسه للقتل ، ولا يحق للجاني ان يلزم ولي المقتول بالدية ما دام عازماً على الاقتصاص لقوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس ) (2) .
  فالواجب اذن ، في قتل العمد بالاصالة هو القود ، وهو المشهور بين الفقهاء ، لقول الامام (ع) : ( من قتل مؤمناً متعمداً قيد منه الا ان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية ، فان رضوا بالدية

**************************************************************
(1) الجواهر ـ كتاب القصاص .
(2) المائدة : 45 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 65 ـ

  وأحب ذلك القاتل فالدية ) (1) ، وقوله ايضاً (ع) : ( العمد كل ما عد به الضرب ففيه القود ، لأنه متلف ، يجب به البدل من جنسه ، ولا يعدل الى غيره الا بالتراضي ، كسائر المتلفات ) ، ومع كل ذلك فانه يستحب لاولياء المقتول العفو عن القاتل ، لقوله تعالى : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) (2) ، ( وجزاوا سيئة سيئة مثلها فمن عفا ، واصلح فاجره على الله ) (3) .

ب ـ قصاص ما دون النفس :
  وهي العقوبة المنصوص عليها بخصوص قطع العضو ، او الجرح من غير قطع ، فيثبت القصاص في الجرح والقطع تماماً كما يثبت في النفس .
  ويجري القصاص في الجروح سواء كن معها قطع او ابانة او لم يكن ، والاصل فيه قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) (4) ، بمعنى ان تكون متقاصة مثلاً بمثل ، عندما تكون المماثلة ممكنة .
  وشروط القصاص في الجروح تشابه تماماً شروط القصاص في النفس المذكور آنفاً ، كالتساوي بالحرية ، والدين ، وانتفاء الابوة ، والعقل ، والبلوغ ، وحقن الدم ، ويقتص للرجل من الرجل والمرأة من المرأة ، والرجل من المرأة مثلاً بمثل ، اما اقتصاص المرأة من الرجل ، ففيه تفصيل نذكره لاحقاً في الديات .
  ويشترط في قصاص القطع ايضاً ، امور اخرى منها .
  اولاً : ان

**************************************************************
(1) التهذيب ج 10 ص 159 .
(2) المائدة : 45 .
(3) الشورى : 40 .
(4) المائدة : 45 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 66 ـ

  يتساوي عضو الجاني مع عضو المجنى عليه في السلامة من العيوب ، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء ، بل تتعين الدية ، لقوله (ع) عندما سئل عن رجل قطع يد رجل شلاء ؟ : ( عليه ثلث الدية ) (1) .
  ثانياً : التساوي في المحل مع وجوده لحظة القصاص ، فتقطع اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ولو قطع الجاني اليمين ولم يكن له يمين قطعت يساره .
  أما في الجروح ، فيشترط زيادة على الشروط المذكورة امور ، منها ،
  اولاً : ان لا يستدعي القصاص في الجرح ما يؤدي الى هلاك نفس المقتص منه .
  ثانياً : ان يكون الجرح الذي ينبغي الاقتصاص له ، في نفس محل العضو للجاني ، وفي مساحته طولاً وعرضاً ، لا عمقاً .
  ثالثاً : ان يكون الجرح في اللحم لا في العظم ، فاذا كان في العظام لا يجوز القصاص ، ويتعين الارش لعدم الوثوق من المماثلة .
  والمقصود بالارش ( او تدارك العطل والضرر ) ، وهو عملية تقدير العضو قبل الجناية وملاحظة حجم الخسارة بعدها ، والمرجع في تقديره اهل الخبرة ، ويسمى من يقدره بالحكومة .
  ولا شك ان القصاص يثبت في اعظاء جسم الانسان كالاذن والعين والانف واليد والرجل ونحوها ، وتثبت الدية في كل مورد تتعذر فيه المماثلة والمساواة كأن تعتدي امرأة ثيب بازالة بكارة بكر ، فتثبت عليها الدية ولا قصاص ، لتنافي التماثل ، و ( لا قصاص في الضرب الذي لا يجرح ، كالرفس بالرجل واللطم والوكز والضرب بسوط او عصا ، فان حصل بها انتفاخ او مرض فالحكومة ، وان حدث تغيير لون ، فان كان احمراراً في الوجه فدينار ونصف ، وان كان اخضراراً فثلاثة دنيانير ، وان كان اسوداداً فستة ، واذا

**************************************************************
(1) التهذيب ج 10 ص 270 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 67 ـ

  كانت ( هذه ) التغيرات في غير الوجه فعلى النصف مما في الوجه ، وان لم يحث شيء سوى الالم فالتعزير ) (1) .
  ولا بأس في خاتمة هذا القسم من ادراج بعض الروايات الواردة في القصاص :
  1 ـ عن الامام علي بن الحسين (ع) في تفسير قوله تعالى : ( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب ) ، ولكم يا أمة محمد في القصاص حياة ، لأن من هم بالقتل فعرف انه يقتص منه فكف لذلك عن القتل كان ذلك حياة الذي هم بقتله ، وحياة لهذا الجاني الذي اراد ان يقتل وحياة لغيرهما من الناس اذا علموا ان القصاص واجب لا يجترأون على القتل مخافة القصاص (2) .
  2 ـ وعن الامام ابي عبد الله (ع) قال : ( ان العمد ان يتعمد فيقتله بما يقتل مثله ، والخطأ ان يتعمده ولا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله ، والخطأ الذي لاشك فيه ان يتعمد شيئاً آخر فيصيبه ) (3) .
  3 ـ وفي عهده الى مالك الاشتر ، قال الامام (ع) : ( واياك والدماء وسفكها بغير حلها ، فانه ليس شيء ادعى لنقمة ، ولا اعظم لتبعة ، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة ، من سفك الدماء بغير حقها ، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام ، فان ذلك مما يضعفه ويوهنه ويزيله وينقله ولا عذر لك

**************************************************************
(1) مفتاح الكرامة مجلد 10 باب القصاص .
(2) الاحتجاج ص 174 .
(3) التهذيب ج 10 ص 160 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 68 ـ

  عند الله ولا عندي في قتل العمد فان فيه قود البدن ، وان ابتليت بخطأ وافراط عليك سوطك او يدك بعقوبة فان في الوكزة فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحن بذلك نخوة سلطانك عن ان تؤدي الى اولياء المقتول حقهم ) (1) .
  4 ـ وعن الامام ابي عبد الله (ع) قال : ( أيما رجل قتله الحد في القصاص فلا دية له ، وقال : أيما رجل عدا على رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه او قتله فلا شيء عليه ، وأيما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر الى عوراتهم ففقؤوا عينه او جرحوه فلا دية عليهم ، ومن يدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له ) (2) .

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ص 622 .
(2) الكافي ج 7 ص 290 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 69 ـ

الديات :
  وهو المال الواجب دفعه بسبب الجناية على النفس وما دونها ، وتقسم ال ديات مقدرة من قبل الشارع ، وديات غير مقدرة تسمى بالارش ، حيث فوض امر تقديرها الى الحكومة ، والاصل في وجوب الدية قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) (1) .
  وقول الامام (ع) : ( ان شاء اولياء المقتول ان يعفوا عن القاتل فعلوا وان شاءوا قبلوا الدية ) (2) .
  والقاعدة ان الجناية على النفس عمداً توجب القصاص ، ولكن تجوز الدية مع التراضي ، اما الجناية عليها خطأ او شبه العمد فانها توجب الدية دون القصاص ، والجناية على ما دون النفس ربما تكون عمداً ، أو خطأ محضاً ، او شبه العمد ، فاذا كان الجرح والقطع عن عمد ، وامكن القصاص مثلاً بمثل ، جاز القصاص ، وان لم تكن جرحاً ولا قطعاً ، او كانت جرحاً

**************************************************************
(1) النساء : 92 .
(2) ارشاد الديلمي ص 203 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 70 ـ

  وقطعاً ولكن تعذرت المماثلة تعين الارش ، وهو تدراك العطل والضرر ، الذي تقدره اهل الخبرة وتحكم به .

أ ـ ديات النفس
  ولما كانت الجنايات على انواع ثلاثة : العمد المحض ، والخطأ المحض ، وشبه العمد ( عمد الخطأ ) ، تنوعت الديات على ضوء الجناية التي يرتكبها الفرد ، فالعمد المحض ، هو أن يقصد الفعل والقتل ، او يقصد الفعل القاتل ، وفي الخطأ المحض ، ان يكون مخطئاً في قصده وفعله ، كمن رمى انساناً فأصاب غيره ، ومرجعه الى عدم قصد الشخص ، فـ ( لا يختلف اثنان من الأمة في ان من رمى سهماً يريد صيداً ، فاصاب انساناً أو مالاً فاتلفه فانه يضمن ، ولو انه صادف حماراً وحشياً يجري فقتل انساناً ، او سقط الحمار اذا اصابه السهم فقتل انساناً فانه لا يضمن شيئاً ) (1) .
  وفي شبه العمد ، ان يكون عامداً في فعله مخطئاً في قصده ، كمن ضرب صبياً لتأديبه ، فمات الصبي نتيجة الضرب ، والمرجع ، قوله (ع) : ( العمد كل ما اعتمد شيئاً فاصابه ... والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره ) (2) ، وقد شرحنا ذلك في القصاص .
  وتتعين دية المقتول عمداً في حالات استثنائية كفوات المحل ، ومثلها موت القاتل قبل الاقتصاص ، وفي حالة كون القاتل اباً للمقتول ، وفي حالة كون المقتول مجنونا ، ولكن القاعدة في جناية العمد ، القصاص ، بمعنى المماثلة في الفعل ، ولا يثبت المال في هذه الحالة الا بالتراضي ، اما في قتل

**************************************************************
(1) المحلى لابن حزم ج 11 ص 3 .
(2) الكافي ج 7 ص 278 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 71 ـ

  الخطأ المحض ، او شبه العمد ، فتثبت الدية بالاصل ، وفي ذلك تفصيل .
  ففي قتل الذكر المسلم عمداً ، الف دينار وهو ما يعالد أكثر من (5 , 3) كيلو غرام ذهباً وقد قدره الفقهاء المتأخرون بخمسمائة ليرة عثمانية ذهباً ، او عشرة آلاف درهم او الف شاة ، او مائتي حلة ، او مائة من الابل ، أومائتي بقرة ، فاقرها رسول الله (ص) ، ثم انه فرض على أهل البقر مائتي بقرة ، وفرض على اهل الشاة الف شاة ثنية ، وعلى اهل الذهب الف دينار ، وعلى اهل الورق ( الدراهم ) عشرة آلاف درهم ، وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلة ) (1) .
  ونستنتج من هذا النص ان قوله (ع) يدل على مطلق الجناية ، بمعنى انه يشمل دية العمد ، والخطأ وشبه العمد ، اولاً ، وان المراد من تخيير كل فئة على دفع ما يتمكنون من دفعه ، هو التيسير ، ثانياً ، ويقع الخيار بين هذه الموارد للجاني او لوليه لا للمجنى عليه ، ويمنح الجاني مهلة سنة كاملة لتأديتها .
  فيكون التخيير اذن ، بين الستة ، وهي الابل ، والبقر ، والغنم ، والحلل ، والدراهم ، والدنانير في الديات الثلاث : العمد ، والخطأ ، وشبه العمد ، ففي دية العمد وشبه العمد ، تستوفى الدية من مال الجاني لا مال العاقلة ، اما في دية الخطأ ، فانها تستوفى من مال العاقلة .
  وتختلف دية العمد عن دية شبه العمد في سن الابل ، وفي مدة دفعها ، فيمهل المتعمد سنة واحدة ، وشبه المتعمد سنتين ، وتختلف دية العمد عن دية الخطأ المحض في سن الابل اولاً ، ومدة الدفع ، حيث يهمل العامد سنة واحدة ، والعاقلة ثلاث سنين ، ثانياً ، والدافع ، حيث يدفع العامد الدية من

**************************************************************
(1) الاستبصار ج 4 ص 259 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 72 ـ

  ماله ، بينما في حالة القتل الخطأ تدفعها عنه العاقلة ، ثالثاً ، والخيار في الستة للعامد ، بينما يكون الخيار للعاقلة في دية الخطأ ، رابعاً .
  وورد ما يدل على تغليط عقاب القاتل المتعمد الذي ارتكب جريمته في الاشهر الحرم ، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، فقيل ان على القاتل دية كاملة مع عقوبة اضافية تقدر بثلث الدية ، لقوله (ع) عندما سئل عن رجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته ؟ قال : ( دية وثلث ) (1) .
  وكل ما ذكر من التقارير هي دية الرجل الحر المسلم ، اما دية المرأة الحرة المسلمة فهي على النصف من اصناف الديات الست ، سواء كانت الجناية عليها عمداً ، او خطأ ، او شبه عمد ، صغيرة كانت أو كبيرة ، عاقلة كانت او مجنونة ، و ( الاجماع على ذلك ، والنصوص مستفيضة او متواترة وكذا الجراحات والاطراف منها على النصف من الرجل مالم تقصر ديتها عن ثلث دية الرجل ، فان قصرت دية الجناية جراحة ، او طرفاً عن الثلث تساوياً قصاصاً ودية ) (2) .
  وهذه المقادير من الديات ، لم يضعها الشارع لتقدير حياة الرجل او المرأة ، فتكون قيمة المرأة حينئذ نصف قيمة الرجل كما يزعم اعداء النظرية الدينية ، بل ان الشارع الحكيم اراد بذلك معالجة مشكلة اجتماعية ناشئة من ظروف واحوال ما بعد الجريمة ، فلو تصورنا ان رجلاً متزوجاً ذا ذرية قد اعتدى عليه وقتل ، فتذهب ديته حينئذ الى عائلته التي افتقدت المعيل فيكون دخلها المالي كاملاً ، وهو الف دينار ذهب مسكوك بسكة المعاملة ،

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 79 .
(2) الجواهر ج 42 ص 33 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 73 ـ

  حتى تستطيع العائلة ضمان نفقاتها المعيشية دون معيل ، اما لو قتلت الزوجة ، فان دية المرأة وهو نصف مقدار دية الرجل ، وخمسمائة دينار ذهب ، تدخل وارد الرجل الذي يفترض فيه أن يكون قيماً على عائلته ، فالمدار في حكم دية القتل اذن ، القيموة المالية للاسرة وليس التمييز على اساس افضلية الذكور او الانوثة .
  ويؤيد ما ذهبنا اليه ، ان قتل العمد من قبل المرأة او الرجل يستوجب المماثلة ، فاذا قتلها عمداً ، فانه يقتل بها ، على شريطة ان يعطي وليها لورثة الرجل القاتل المقتص منه نصف دية الرجل ، لقول الامام الصادق (ع) في الرجل يقتل المرأة متعمداً فاراد أهل المرأة ان يقتلوه : ( ذاك لهم اذا ادوا الى أهله نصف الدية ، وان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل ، وان قتلت المرأة الرجل قتلت به ، وليس لهم الا نفسها ) (1) .
  والقاعدة في الجرح والقطع ، ان الرجل والمرأة على حد سواء في القصاص والدية ، لحد ثلث دية الرجل ، فاذا بلغت ديتها الثلث رجعت دية جرحها وقطعها الى نصف دية جرح الرجل وقطعه ، لقوله (ع) : ( جراحات الرجال والنساء سواء : سن المرأة بسن الرجل ، وموضحهة المرأة بموضحة الرجل ، واصبع المرأة باصبع الرجل حتى تبلغ الجراحة ثلث الدية ، فاذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة ) (2) ، وفي صحيحة ابان بن تغلب عندما سأله : ( ما تقول في رجل قع اصبعاً من اصابع المرأة ، كم فيها ؟ قال : عشرة من الابل . قلت : قطع اثنتين ؟ قال : عشرون . قلت : قطع

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 298 .
(2) التهذيب ج 10 ص 180 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 74 ـ

  ثالثاً ؟ قال : ثلاثون ، قلت : قطع اربعاً ؟ قال : عشرون ... قلت : سبحان الله ! يقطع ثلاثاً ، فيكون عليه ثلاثون ! ويقطع اربعاً ، فيكون عليه عشرون ! ... فقال الامام : مهلاً يا ابان هذا حكم رسول الله (ص) ، ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية ، فاذا بلغت الثلث رجعت الى النصف ، يا ابان انك اخذتني بالقياس ، والسنة اذا قيست محق الدين ) (1) .

موجبات ضمان دية النفس
  واتقف الفقهاء على ان من موجبات الضمان : المبباشرة ، والتسبيب ، فالمباشرة وهو ان يصدر الفعل من الجاني بيده أو بآلة يستخدمها مسبباً قتلاً شبيهاً بالعمد ، او قتلاً خطأ محضاً ، او قتلاً عمداً ، ومثال ذلك ( لو اوقع نفسه من علو على انسان فقتله قصدا وكان يقتل مثله غالباً او نادراً مع قصد القتل فهو عمد ، ولو لم يقصد في النادر القتل فهو عمد الخطأ ودمه هدر ) (2) .
  والتسبيب وهو ان يحصل التلف عند المجنى عليه بعلة وضعها الجاني بحيث لولا فعل الجاني لما حصل التلف ، كمن حفر حفرة وسط الشارع العام ، او القى حجراً خلال بناء عمارة او بيت ، او اوقف سيارته اضطراراً بطريق المسلمين ، وكذلك ، فانه لو دعا غيره ، فاخرجه من منزلة ليلاً ، ولم يعد فانه يضمن الدية من ماله ، لا مال العاقلة ، للرواية الواردة عن الصادق (ع) : ( اذا دعا الرجل اخاه بليل فهو له ضامن ، حتى يرجع الى بيته ) (3) .
  وقوله ايضاً عندما سئل عن جمل هاج ، فقتل رجلاً ، فجاء اخو

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 88 .
(2) ايضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد لفخر المحققين ج 4 ص 562 .
(3) التهذيب ج 10 ص 322 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 75 ـ

  الرجل فضرب الفحل بالسيف ، فعقره ؟ قال : ( صاحب الجمل ضامن للدية ، ويقتص ثمن جمله ) .
  ففي كلتا الحالتين ، المباشرة والتسبيب ، يضمن الجاني دية المجنى عليه ، لان الخسارة التي اوقعها الجاني بطريق مباشر او غير مباشر يجب ان تعوض عن طريق الدية المقررة شرعاً .
  وفي تزاحم الموجبات حالات متعددة ، فاذا اجتمع السبب والمباشر ، فمع مساواتهما او كان المباشر اقوى ضمن المباشر ، كأن مر رجل امام سيارة تحترق ، فدفعه آخر باتجاه الحريق فمات ، فالفرد الدافع ( المباشر ) يضمن الدية لأن مباشرته اقوى من المسبب ، ولو كان المباشر ضعيفاًوالسبب قوياً فالضمان على المسبب ، كما لو حفر فرد حفرة لمد انابيب المياة في شارع عام ، وغطاها بغطاء معين ، فجاء فرد في خصام مع آخر فدفعه مع جهله بمكان الحفرة فسقط فمات ، فالضمان يقع على الفرد الحافر ، لانه هو المسبب للموت .
  اما اذا اجتمع سببان لأمر واحد ، كأن حفر شخص حفرة في غير ملكه ، ووضع آخر حجراً قريباً منها ، فعثر بالحجر انسان ثالث فوقع في الحفرة ومات ، فـ ( ان اتفق وجود الحفرة ووضع الحجر في آن واحد فيتجه الضمان على الاثنين : الحافر وواضع الحجر ، للتساوي وعدم الترجيح ، وان تأخر وجود احدهما عن الآخر فالضمان على الاول ، لأنه سبب السبب ) (1) .

**************************************************************
(1) مسالك الافهام للشهيد الثاني ـ باب الديات .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 76 ـ

ب ـ ديات الاعضاء
  وقد ورد في النصوص تقدير اكثر من عشرين عضواً من اعضاء الانسان ، وكما ذكرنا سابقاً ، فان كل ما قدره الشارع من ديات اقتصر عليه ، وكل مالم يقدره ، ففيه الارش ، فمن الاعضاء التي جاء فيها التقدير الشرعي :
  أ ـ الشعر : وفي ازالته عمداً من قبل فرد آخر بحيث يستحيل الانبات مرة أخرى ، دية كاملة ، ذكراً كان او انثى ، لقول الامام (ع) عندما سئل عن رجل دخل الحمام فصب عليه ماء حار فامتعط شعر رأسه ، ولحيته فلا ينبت ابداً ؟ قال : ( عليه الدية ) (1) .
  واذا نبت بعد الزوال ففيه الارش ان كان ذكرا ، وفيه مهر امثالها ان كانت انثى ، ( بلا خلاف لصحيح سليمان بن داود المنقري ، قال : قلت لابي عبد الله (ع) ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها ؟ قال : يضرب ضرباً وجيعاً ، ويحبس في سجن المسلمين ، حتى يستبرأ شعرها ( اي ينبت ) ، فان نبت اخذ منه مهر نسائها ، وان لم ينبت اخذت منه الدية كاملة ) (2) .
  2 ـ العين : وفي العين الواحدة نصف الدية ، وفيهما معاً دية كاملة ، بالنص والاجماع ، لقوله (ع) : ( كل ما كان في الانسان اثنان ففيهما الدية ، وفي احدهما نصف الدية ، وما كان فيه واحد ففيه الدية ) (3) ، و ( تستوي ( العين ) الصحيحة ، والعمشاء ، والحولاء ، والجاحظة ) (4) .

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 111 .
(2) الجواهر ج 42 ص 175 .
(3) التهذيب ج 10 ص 258 .
(4) الجواهر ج 42 ص 181 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 77 ـ

  3 ـ الانف : وفيه دية كاملة اذا قطع من الاصل ، وفي المنخر الواحد نصف الدية (1) .
  4 ـ الشفة : وفي الشفتين دية كاملة ، وقيل في الشفة العليا ثلث الدية ، والسفلى ثلثان ، لان السفلى تمسك الطعام (2) .
  5 ـ اللسان : وفيه دية كاملة ، اما الاخرس فثلث الدية (3) .
  6 ـ الاسنان : وفي جميعها ، وهي ثمان وعشرين سناً ، دية كاملة .
  وفي كسر بعضها تفصيل ورد في قول الامام (ع) عندما سئل بان البعض من الناس له في فيه اثنان وثلاثون سناً وبعضهم له ثمان وعشرون سناً فعلى كم تقسم دية الاسنان ؟ فقال : ( الخلقة انما هي ثمانية وعشرين سناً اثني عشرة في مقاديم الفم ، وست عشرة في مواخيره ، فعلى هذا قسمة دية الاسنان ، فدية كل سن من المقاديم اذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم ، فديتها كلها ستة آلاف درهم ، وفي كل سن من المواخير اذا كسرت ، حتى تذهب فان ديتها مائتان وخمسون درهماً ، وهي ست عشرة سناً فديتها كلها اربعة آلاف درهم ، فجميع دية المقاديم والمواخير من الاسنان عشرة آلاف درهم ، وانما وضعت الدية على هذا ، فما زاد على ثمانية وعشرين سناً فلا دية له ، وما نقص فلا دية له ) (4) .
  وقال الفقهاء ، ان قوله (ع) : ما يزيد على ثمانية وعشرين سناً فلا دية له ، اي ان في الزائد الحكومة ، وقوله (ع) : ما نقص فلا دية له ، ( فمعناه انه ينقص من الدية بمقدار ما يلحق الناقص منها لو كان

**************************************************************
(1) التهذيب ج 10 ص 296 .
(2) الكافي ج 7 ص 311 .
(3) من لا يحضره الفقيه ج ص 55 .
(4) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 104 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 78 ـ

  موجوداً بلا خلاف ) (1) .
  7 ـ الاذن : وفي قطع الاذنين دية كاملة ، وفي كل واحدة النصف ، صحيحة كانت او صماء . والاذن هو العضو الخارجي المجرد ، وهو لا يعني السمع ، لان السمع من المنافع (2) .
  8 ـ العنق : وفي كسره ، او ميله بحيث يتعذر البلع والازدراء ، دية كاملة .
  9 ـ اللحيان : وهما العظمان اللذان يشدان اللحية ، وفيها دية كاملة ، وفي احدهما نصف الدية ، للقاعدة الفقهية المستندة على صحيحة هشام بن سالم : ( كل ما في الانسان اثنان ففيهما الدية ، وفي احدهما نصف الدية ) (3) .
  10 ـ اليدان : وفي كليهما تمام الدية ، وفي احدهما النصف ، و ( كذا في الرجلين الدية كاملة وفي كل واحدة النصف وتتساوى اليمنى واليسرى فيهما ، وحد اليد المعصم والرجل مفصل الساق ، فان قطعت مع الاصابع فدية كاملة ، ولو قطعت الاصابع منفردة فدية يد كاملة ) (4) .
  11 ـ الاصابع : وفي الاصابع العشر تمام الدية ، سواء كانت في الدين او في القدمين (5) .
  12 ـ الصلب ( الظهر ) : وفي كسره دية كاملة ، لقوله (ع) عندما سئل عن رجل يكسر ظهره ؟ قال : ( فيه الدية كاملة )(6) .

**************************************************************
(1) الجواهر ج 42 ص 235 .
(2) الكافي ج 7 ص 312 .
(3) التهذيب ج 10 ص 258 .
(4) ايضاح الفوائد لفخر المحققين ج 4 ص 696 .
(5) التهذيب ج 10 ص 247 .
(6) التهذيب ج 10 ص 245 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 79 ـ

  13 ـ النخاع الشوكي : وفيه تمام الدية ، و ( هو الخيط الابيض في وسط فقر الظهر ، فاذا قطع تثبت الدية كاملة لانه واحد في الإنسان ) (1) ، فيعمه الضابط .
  14 ـ الثديان : وفي ثدي المرأة معاً ديتها كاملة ، وفي احديهما نصف ديتها ، وفي انقطاع اللبن ، يتعين الارش (2) .
  15 ـ القضيب والخصيتان : وفي قطع القضيب من الاصل ، او الحشفة ، دية كاملة ، وفي الخصيتين تمام الدية ، وفي احديهما النصف (3) .
  16 ـ الشفرتان : وهو النسيج الخلوي المحيط بفرج المرأة ، وفيهما معاً دية المرأة ، وفي احديهما نصف ديتها (4) .
  17 ـ الاليتان والرجلان : وفي كل من الاليتين معاً ، والرجلين معاً تمام الدية ، وفي كل واحدة منها النصف ، كما ذكرنا ذلك سابقاً ، وفيها تفصيل دقيق فيما يتعلق بمواضع ودرجات الكسور (5) .
  18 ـ كسر العظام : و ( في كسر عظم من عضو ، خمس دية ذلك العضو ، فان صلح على غير عيب فاربعة اخماس دية كسره ، وفي موضحته ربع دية كسره ، وفي رضه ثلث دية العضو ، فان برئ على غير عيب فاربعة أخماس دية رضه ) (6) .

**************************************************************
(1) شرح اللمعة الدمشقية ج 10 ص 233 .
(2) التهذيب ج 10 ص 252 .
(3) الكافي ج 7 ص 311 .
(4) التهذيب ج 10 ص 252 .
(5) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 63 .
(6) شرائع الاسلام ج 4 ص 271 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 80 ـ

  19 ـ الاضلاع : ودية كسر الضلع ( خمسة وعشرون ديناراً ان كانت مما يخالط القلب وعشرة دنانير ان كان مما يخالط العضدين ، المراد بالمخالطة الجانب الذي عند القلب ، وبعدم المخالطة خلاف ذلك ) (1) .
  20 ـ الترقوة : وهي العظمة الواقعة بين ثغرة النحر والعاتق ، فـ ( اذا كسرت ، وجبرت من غير عيب ففيها اربعون ديناراً ) (2) .

ج ـ ديات المنافع
  المنافع هي ما ينتفع منها الانسان في حياته العملية ، من قوى النفس وغرائزها ، كالادراك ، والابصار ، والسمع ، والشم ، والذوق ، والصوت ، وما اليها . ولا قصاص في المنافع ، حتى مع العمد ، لتعذر المماثلة .
  1 ـ العقل : وفي ذهابه بسبب الجناية دية كاملة ، بلا خلاف ، والمستند رواية البرقي عن الامام الصادق (ع) ، قال : ( قضى علي (ع) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وفرجه وانقطع جماعه ، وهو حي ، بست ديات ) (3) ، و ( لا قصاص في ذهابه ولا في نقصانه لعدم العلم بمحله ) (4) .
  2 ـ السمع : وفي ذهاب السمع من الاذنين دية كاملة مع اليأس من الشفاء ، وفي ذهابه من اذن واحدة فنصف الدية ، ومع الشفاء ورجوع السمع ، فالحكومة بتدارك العطل والضرر (5) .
  3 ـ الابصار : وفي فقدان ضوء العينين ، الدية ، و ( لو ادعى ذهاب نظره

**************************************************************
(1) التنقيح الرائع للسيوري الحل ج 4 ص 507 .
(2) شرح اللمعة ج 10 ص 246 ، والمبسوط ج 7 ص 155 .
(3) التهذيب ج 10 ص 252 .
(4) شرائع الاسلام ج 4 ص 272 .
(5) الكافي ج 7 ص 311 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 81 ـ

  عقيب الجناية وهي قائمة احلف بالله القسامة ، وفي رواية الاصبغ بن نباتة عن علي (ع) : تقابل بالشمس فان بقيتا مفتوحتين صدق ، ولو ادعى نقصان احدهما قيست الى الاخرى ) (1) .
  4 ـ الشم : وفي ابطاله من المنخرين كاملة ، ومن احدهما نصف الدية (2) .
  5 ـ الذوق : وفي ذهابه دية كاملة ، و ( يمكن ان يستدل عليه . . . ان الذوق منفعة الانسان ، وقد ابطله الجاني ، وتقرر ان في اللسان الدية ، وانه احدى المنافع ، كالسمع والشم ففيه الدية مثلها ، بل هو اعظم من الشم ) (3) .
  6 ـ النطق : وفي ذهابه ، وبقاء لسانه دية كاملة ، في العجز عن النطق يعطى لكل حرف من الثمان والعشرين حرفاً جزءاً من الدية ، فقد ( أتى الى أمير المؤمنين (ع) برجل ضرب ، فذهب بعض كلامه ، وبقي البعض ، فجعل ديته على حروف المعجم ، ثم قال : تكلم بالمعجم ، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك ، والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً فجعل ثمانية وعشرين جزءاً ، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك ) (4) .
  7 ـ تعذر الانزال : وبتعذر انزال المني حين الجماع بسبب الجناية ، فعلى الجاني دية كاملة ، ( لفوات الماء المقصود للنسل ، وفي معناه تعذر الاحبال في الرجل ، والحبل في المرأة ، وان انزل المني لفوات النسل ، لكن في تعذر الحبل دية المرأة اذا ثبت استناد ذلك الى الجناية ) (5) .

**************************************************************
(1) التنقيح الرائع ج 4 ص 511 .
(2) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 11 .
(3) مفتاح الكرامة ـ باب الديات .
(4) التهذيب ج 10 ص 263 .
(5) المسالك ـ باب الديات .