الخلاصة
بعد أن بيّنّا معنى الأذان لغة واصطلاحاً ، والأقوال التي قيلت في تأريخ تشريع الأذان ، عرضنا أشهر الأقوال الموجودة عند أهل السنة والجماعة في بدء الأذان فكانت ستّة :
1 ـ تشريعه باقتراح من الصحابة وخصوصاً عمر بن الخطّاب .
2 ـ تشريعه بمنامات رآها بعض الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعبد الله بن زيد وغيرهم .
3 ـ نزول الأذان تدريجياً ، ثمّ إضافة عمر الشهادة بالنبوّة .
4 ـ الأذان وحي من الله تلقّاه الرسول من جبرئيل في المعراج .
5 ـ إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئيل في السماء ثمّ سمعه بلال .
6 ـ إنّ تشريع الأذان نزل به جبرئيل على آدم لمّا استوحش .
ثمّ أتينا برؤية أهل البيت في بدء الأذان ، وأكّدنا اتّفاقهم على كون تشريعه كان في المعراج ، ونقلنا نصوصاً عن :
1 ـ الإمام عليّ بن أبي طالب .
2 ـ الإمام الحسن بن عليّ .
3 ـ الإمام الحسين بن عليّ .
4 ـ محمّد بن عليّ بن أبي طالب ( ابن الحنفية ) .
5 ـ الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين .
6 ـ الإمام محمّد بن عليّ الباقر .
7 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق .
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 170 ـ
8 ـ الإمام عليّ بن موسى الرضا .
ثمّ ذكرنا أقوال بعض أعلام الإمامية كي نؤكّد إطباقهم على هذا الأمر وأنه مأخوذ من الوحي النازل على النبيّ دون الرؤيا .
وحيث أن القول بكونه وحياً قد ورد عند الفريقين بعكس القول بكونه مناماً الذي انفردت به أهل السنة والجماعة ، ألقينا بعض الضوء على هذه الرؤية فكانت لنا وقفة مع أحاديث الرؤيا ، ثمّ تحقيق في دواعي نشوء مثل هذه الفكرة عندهم ، واحتملنا ارتباط هذا الأمر مع قوله تعالى ( وما جعلنا الرؤيا التي أرَيناكَ إلا فتنةً للناس ) المرتبط بلعن بني أميّة ، موضحين هناك بعض معالم الخلاف وجذوره ، مؤكدين على أن أهل البيت كانوا يشيرون في كلماتهم ومواقفهم إلى أن بني أميّة جدّوا للوقوف أمام انتشار ذكر محمّد وآله في الأذان والتشهد والخطبة ، ساعين للتقليل من مكانة الإسراء والمعراج والادّعاء بأنّه كان بالروح فقط ، أي أنّه كان في المنام لا في اليقظة ، وذلك طمساً لذكر الرسول المستتبع طمس ذكر مكارمه صلى الله عليه وآله وسلم وفضائله ، والأنكى من ذلك أنهم أغفلوا وجود الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ضمن المضطجعين مع النبيّ عند العروج أو البعثة وحرفوا نصوصاً ومشاهدات اُخرى كانت في المعراج وتسميتها بأسماء آخرين .
ومثله تناسيهم ذكر وجود مثاله في الجنَّة مع أنّهم ذكروا وجود أمثلة مَن هم أقلّ شأناً ومنزلة من عليّ بكثير وقد قلنا بأن فكرة الرؤيا استحكمت عند القوم بعد صلح الإمام الحسن مع معاوية لقول سفيان بن الليل : فتذاكرنا عنده ، فقال بعضنا : إنّما كان الأذان برؤيا عبدالله بن زيد ، فقال له الحسن بن عليّ : أنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذّن جبرئيل ...
ثمّ ذكرنا ما حكي عن الإمام الحسين وأنّه سئل عما يقول الناس
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 171 ـ
فقال عليه السلام : الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد .
وما نقل عن محمّد بن الحنفية أنّه فزع لمّا سمع ما يُقال عن تشريع الأذان بالرؤيا وقوله : وعمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث احلام .
قال [ الراوي ] : فقلت : هذا الحديث قد استفاض في الناس ؟
قال : هذا والله هو الباطل .
ثمّ نقلنا بعد ذلك كلمات الإمام عليّ والزهراء والحسن والحسين وعليّ بن الحسين وزينب ، المصرّح أو الملوّح فيها ببني أميّة ومن قبلهم ممن كانوا قد تصدو للخلافة !
ثمّ ركّزنا على خطبة الإمام السجاد في الشام فذكرنا قسماً منها إلى أن أذن المؤذن فقال ( اشهد أن محمّداً رسول الله ) فالتفت عليّ بن الحسين من اعلى المنبر إلى يزيد وقال : يا يزيد ، محمّدٌ هذا جدي أم جدك ، فإن زعمت أنّه جدك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدي فلم قتلت عترته ، ولاحظنا سير محاولة الطمس وامتدادها إلى العصر العباسيّ من جانب الحكومات ، وفي مقابلها حرص ائمّة أهل البيت عليهم السلام على إتمام النور ورفع الذكر والافتخار باسم محمّد المرفوع في الأذان .
وأخيراً أشرنا إلى مطلبين آخرين :
أحدهما : أنّ الأذان ليس إعلاما محضاً للصلاة ، بل له أكثر من واقع في الحياة الإسلامية ، إذ تنطوي ألفاظه على معاني الإسلام وأصول العقيدة من التوحيد والنبوة والإمامة ـ بنظر الإمامية ـ ثمّ ذكرنا الأذان وآثاره في الحياة الإجتماعية .
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 172 ـ
ثانيهما : توقيفية الأذان ..! وقد تركنا القارئ دون جواب متكامل هنا ، وذلك لأنّ هذا المطلب يحتاج إلى مقدمات ومزيد بيان للملابسات وما زيد في الأذان وما نقص منه ، فلابّد من مسايرة البحث للوقوف على الحقيقة .
والآن مع أوّل باب من هذه الدراسة :
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 173 ـ