امثال هؤلاء بشرعية شيء فيه تنويه ورفعة لمنزلة آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والنواصب هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويجعلون مكانها مفاهيم اُخرى ، وقد أشرنا سابقاً إلى بعضها ، وإليك نَصَّين آخرين في هذا السياق ، إذ جاء في أصل زيد النرسي ، عن الإمام الكاظم بأن الصلاة خير من النوم من بدع بني أميّة (1) ، وهي توكّد ما نريد الوصول إليه من حقيقة الأذان وكيفية وقوع التحريف فيه .
   فقد روى الصدوق وعليّ بن إبراهيم ، عن عمر بن أُذينة ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
   يا عمر بن أُذينه ، ما ترى هذه الناصبة ؟
   قال : قلتُ : في ماذا ؟
   فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم .
   قال : قلت : إنّهم يقولون : إنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم .
   فقال : كذبوا ، فإنّ دين الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم .
   فقال سدير الصيرفي للإمام : جُعلت فداك ، فأَحِدث لنا من ذلك ذِكراً (2) ، فبدأ الإمام الصادق عليه السلام ببيان عروج الرسول إلى السماوات السبع وذكر لهم خبر الأذان والصلاة هناك .
   ولو احببت الوقوف على ملابسات هذه الأمور أكثر فأكثر ، ومعرفة دور قريش واتباعهم من النواصب في تحريف النصوص وما يتعلق بالإمام عليّ على وجه التحديد ، فتمعن فيما نقوله تحت العنوان الآتي :

(1) أصل زيد النرسي54 ، وعنه في مستدرك الوسائل 4 : 44 ح 4140/2 .
(2) الكافي كتاب الصلاة باب النوادر 3 : 482 ـ 486/1 ، وللمزيد من الاطّلاع يمكنك مراجعة خبر الإسراء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 2 : 3 ـ 12 .
  وانظر : علل الشرايع 2 : 313 باب علل الوضوء والأذان والصلاة ، وعنه في بحار الأنوار 18 : 354 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 127 ـ
   من هم الثلاثة أو الأربعة ؟
   بعد أن وقفت على بعض تحريفات بني أميّة نوقفك الآن مع عبارة مبهمة تذكرها كتب الصحاح والسنن في خبر الإسراء ، مفادها أنّ جبريل لمّا نزل بأمر الإسراء رأى ثلاثة رجال نائمين ، فقال إسرافيل لجبرئيل : أيّهم هو ؟ فقال : أوسطهم .
   وكان النائم في الوسط هو النبيّ محمّد ، فالآن نتساءل : من هما الاثنان الآخران يا ترى ؟ ولماذا الإبهام في اسميهما ؟
   أخرج مسلم في صحيحه ، وأبو عوانة في مسنده ، والترمذي في سننه ، وابن خزيمة في صحيحه ، والنصّ للأول بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، لعلّه قال عن مالك بن صعصعة ( رجل من قومه ) ، قال : قال نبيّ الله : بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول : أحد الثلاثة بين الرجلين ... (1).
   وفي مسند أحمد ، والمجتبى للنسائي ، والسنن الكبرى له أيضاً ، والنصّ للأوّل ... عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : بينا أنا عند الكعبة بين النائم واليقظان فسمعت قائلاً يقول : أحد الثلاثة ... فأُتِيتُ بطست من ذهب ... .
ثمّ أُتيتُ بدابّة دون البغل وفوق الحمار ، ثمّ انطلقت

(1) صحيح مسلم 1 : 104 كتاب الإيمان 1 : 149 باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات ح 264 ، مسند أبي عوانة 1 : 107 ، وصحيح ابن خزيمة 1 : 153 ، كتاب الصلاة ، باب بدء فرض الصلوات الخمس ، تفسير القرطبي 20 : 104 ، أسد الغابة 4 : 281 ، الديباج للسيوطي 1 : 207 ، وانظر : جامع البيان 15 : 4 ، وسنن الترمذي 5 : 442 ح 3346 ، كتاب تفسير القرآن باب ( من سورة ألم نشرح ) .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 128 ـ
مع جبرئيل عليه السلام ... الحديث (1) .
   على أنّ البخاري وغيره أرجعوا هذا الخبر إلى قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فجاء في الصحيحين عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر : سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة أُسري بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الكعبة : جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في مسجد الحرام ، فقال أوّلهم : أيّهم هو ؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، وقال آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك ، فلم يَرَهم حتّى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى قلبه والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه .. فتولاّه جبرئيل ثمّ عرج به إلى السماء (2) .
   وفي هذه الضبابية وهذا الإبهام نرى كتب شروح الحديث عند أهل السنّة والجماعة لا توضّح إلّا بعض الشيء عن هؤلاء ، فحكى السندي في حاشيته على النسائي وضمن تفسيره لهذا الحديث .. ( قالوا : هما حمزة وجعفر ... ) (3) .
   وفي شرح مسلم باب الإسراء : روي أنّه كان نائماً معه حينئذ عمّه حمزة بن عبدالمطّلب وابن عمّه جعفر بن أبي طالب (4) .

(1) مسند أحمد 4 : 207 ،210 ، سنن النسائي 1 : 217 ، السنن الكبرى 1 : 138 .
(2) صحيح البخاري 5 : 33 ـ 34 / كتاب المناقب ـ باب ( كان النبيّ تنام عينه ولا ينام قلبه ) .
وانظر : 9 : 824 ، كتاب التوحيد ـ باب ( وكلّم الله موسى تكليما ) ، وصحيح مسلم 1 : 148 ، كتاب الإيمان ، باب ( الإسراء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وسنن البيهقي 7 : 62 .
  وقال ابن حجر في فتح الباري 13 : 409 : ( وقوله : قبل أن يُوحى إليه ) أنكرها الخطّابي وابن حزم وعبدالحقّ والقاضي عياض والنووي ، وعبارة النووي : وقع في رواية شريك هذه أوهام أنكرها العلماء ، أحدها قوله : قبل أن يوحى إليه ، وهو غلط لم يَوافَق عليه .
(3) حاشية السندي على النسائي 1 : 217 ، كتاب الصلاة باب فرض الصلاة وذكراختلاف الناقلين .
(4) هذا ما حكاه مهمّش تفسير القرطبي 20 : 104 ، ولم نقف عليه في مظانّه .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 129 ـ
   وفي فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ... فقال أوّلهم : أيهم هو ، فيه إشعار بأنّه كان نائماً بين جماعة أقلّهم اثنان وقد جاء أنّه كان نائماً معه حينئذ حمزة ابن عبدالمطّلب وجعفر بن أبي طالب ابن عمّه (1) .
   وقال البناء في الفتح الربّاني (2) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (3) ، والكلام للأوّل : قال الحافظ : والمراد بالرجلين ، حمزة وجعفر ، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حين كان نائماً بينهما .
   هكذا عرّفت كتب الشروح اسم الرجلين دون ذكر سندٍ أو رواية في ذلك ، لكنّ كتب الشيعة الإماميّة والإسماعيليّة والزيديّة رَوَت بأسانيدها أسماء الذين كانوا نائمين مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم : عليّ ، وحمزة ، وجعفر ، كانوا يحيطون به عن يمينه وشماله وتحت رِجلَيه ..
   روى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى :( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ) ، قال : روي عن رسول الله أنّه قال : بينا أنا راقد بالأبطح ، وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة بين يَدَيّ ، وإذا أنا بخفق أجنحة الملائكة وقائل منهم يقول : إلى أيّهم بُعِثتَ يا جبرئيل ؟ فقال : إلى هذا ، وأشار إليّ .
  ثمّ قال : هو سيّد ولد آدم وحوّاء ، وهذا وزيره ووصيّه وختنه وخليفته في أمّته ، وهذا عمّه سيد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة ، دعه فلتنم عيناه ولتسمع أُذناه ولْيَعِ قلبه ... (4) .

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13 : 409 ـ 410 ، كتاب التوحيد .
(2) الفتح الربّاني 20 : 248 .
(3) تحفة الأحوذي 9 : 193 .
(4) تفسير عليّ بن إبراهيم 2 : 13 تأويل الآيات 1 : 269 ، تفسير نور الثقلين 3 : 100 عنه .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 130 ـ
   وروى القاضي النعمان في شرح الأخبار عن الطبري ، رفعه إلى حذيفة اليماني ، قال : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً وهو حاملٌ الحسنَ والحسينَ عليهما السلام على عاتقه ، فقال : هذان خير الناس أباً وأمّاً ، أبوهما عليّ ... إلى أن قال : إنّ الله عزّ وجلّ اختارنا أنا وعليّا وحمزة وجعفر يوم بعثني برسالته وكنت نائماً بالأبطح ، وعليّ نائم عن يميني ، وحمزة عن يساري ، وجعفر عند رجلي ، فما انتبهت إلاّ بحفيف أجنحة الملائكة ، فنظرت فإذا أربعة من الملائكة وأحدهم يقول لصاحبه : يا جبرئيل ، إلى أيّ الأربعة أُرسِلتَ ؟ فرفسني برِجلي وقال : إلى هذا .
   قال : ومَن هذا ؟!
   قال : محمّد سيّد المرسلين .
   قال : ومَن هذا عن يمينه ؟!
   قال : عليّ سيّد الوصيّين .
   قال : ومن هذا عن يساره ؟!
   قال : حمزة سيّد الشهداء .
   قال : ومن عند رجليه ؟
   قال : جعفر الطيّار في الجنَّة (1) .
   وروى الشيخ الطوسي بإسناده عن إبراهيم بن صالح بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رقدتُ بالأبطح على ساعدي وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رِجلي ، قال : فنزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، ففزعت لخفق أجنحتهم .
   قال : فرفعت رأسي فإذا

(1) شرح الأخبار 1 : 120 ـ 121 ح 46 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 131 ـ
  إسرافيل يقول لجبرئيل : إلى أيّ الأربعة بُعثتَ وبُعثنا معك ؟ قال : فرفس برِجله فقال : إلى هذا ... إلى آخر الرواية (1) .
   وروى المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري ـ من الزيديّة ـ في الأمالي الخميسيّة بإسناده عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فإنّا أهل بيت مُطهَّرون من الذنوب ، ألا وإن الله اختارني من ثلاثة من أهل بيتي على جميع أمّتي وأنّا سيّد الثلاثة ، وسيّد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر .
   قال أهل السدة : يا رسول الله ، سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم ؟ فبسط رسول الله كفَّه الطيّبة المباركة ثمّ حلق بيده ، قال : اختارني وعليّاً وحمزة وجعفراً ، كنا رقوداً بالأبطح ليس منّا إلاّ مسجّى بثوبه ، عليّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رجلي ، فما نبّهني من رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة وبرد ذراع عليّ تحت خدي ، فانتبهت من رقدتي ، وجبرئيل في ثلاثة أملاك ، فقال له بعض الأملاك الثلاثة : يا جبرئيل ، إلى أيّ هؤلاء الثلاثة أُرسِلتَ ؟
   فحرّكني برجله وقال : إلى هذا وهو سيّد ولد آدم .
   فقال له أحد الثلاثة : ومَن هو ، سمِّه ؟
   فقال : هذا محمّد سيّد المرسلين ، وهذا عليّ خير الوصيّين ، وهذا حمزة سيّد الشهداء ، وهذا جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء (2) .
   ولو حقّقنا في رجال الخبر المروي في تفسير عليّ بن إبراهيم ـ والذي رواه

(1) الأمالي للطوسي : 731 مجلس يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي الحجّة سنة 457 هـ .
(2) الأمالي الخميسية 151 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 132 ـ
  المرحوم شرف الدين الحسيني ( من أعلام القرن العاشر ) مسنداً في تاويل الآيات ـ لرأيناهم ثقات لم يرد فيهم جرح ، ويؤيّده ما حكاه القاضي النعمان المصري في شرح الأخبار والطوسي والمرشد بالله في أماليهما ، فنحن لو جمعنا هذين النصين مع ما جاء في الإمام عليّ وأنّه أحد سادات أهل الجنّة السبعة بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنّ مثاله كان في الجنَّة وقد رأى ذلك رسول الله حينما أسري به إلى السماء ، لعرفنا حقيقة أخرى كانت بنو أميّة تخفيها وتخاف نشرها وشيوعها بين الناس ، بل سعت لطمسها وإبدالها بأخبار أخرى في الصحابة .
   وإذا أردتَ أن تقف على جلية الأمر ، فلاحِظْ أنّ هناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة ، ومجموعة من الآيات الكريمة فسّرها الرسول الأكرم ، وفيها تجد عليّاً وحمزة وجعفراً في إطار واحد لا ينفصلون ، وعلى نسقٍ فريد من الكرامة فيه لا يتفرقون .
   فقد أخرج الحاكم وابن ماجة بسندهما عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة ، أنا وعليّ وجعفر وحمزة والحسن والحسين والمهدي ، ثمّ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (1) .
   وقد روى ابن عساكر بسنده عن حبشي بن جنادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : إنّ الله اصطفى العرب من جميع الناس ، واصطفى قريشاً من العرب ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني واختارني في نفر من أهل بيتي : عليّ وحمزة

(1) المستدرك على الصحيحين 3 : 211 والنصّ عنه ، وهو في سنن ابن ماجة 2 : 1368 باب خروج المهديّ ح 4087 ، وفيه : ( نحن ولد عبدالمطّلب ) ... ونحو الأوّل في طبقات المحدّثين بإصفهان 2 : 291 ، وأيضاً في سبل الهدى والرشاد 11 : 7 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 133 ـ
  وجعفر والحسن والحسين (1) .
   وقد روى عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : خير الناس حمزة وجعفر وعليّ (2) .
   وروى الحاكم الحسكاني بسنده عن عبدالله بن عباس ، في قول الله تعالى ( أفمَن وَعَدناهُ وَعْداً حَسَناً فهو لاقِيه ) (3) ، قال : نزلت في حمزة وجعفر وعليّ ، وذلك ان الله سبحانه وتعالى وعدهم في الدنيا الجنّة على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فهؤلاء يلقون ما وعدهم الله في الآخرة (4) ...
   وروى الحاكم الحسكاني أيضاً بسنده عن عبدالله بن عبّاس في قول الله تعالى ( من المؤمنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ علَيه ) (5) ، يعني عليّاً وحمزة وجعفرا ( فمنهُم مَن قَضى نَحَبهُ ) يعني حمزة وجعفرا ( ومنهم من يَنتظِرُ ) يعني عليّاً كان ينتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة في سبيل الله ، فوالله لقد رزق الشهادة(6) .
   وبإسناده أيضاً عن زيد ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ ، قلت له : أخبرني عن قوله تعالى ( الذين أخرجوا مِن ديارِهِم بغيرِ حَقّ )(7) ، قال : نزلت في عليّ وحمزة وجعفر(8) ...

(1) كنز العمّال 11 : 756 ، ح 3368 ، عن ابن عساكر .
(2) شرح نهج البلاغة 15 : 72 .
(3) القصص : 61 .
(4) شواهد التنزيل 1 : 564 ، ح 601 ، وانظر : نهج الإيمان 514 .
(5) الأحزاب : 23 .
(6) شواهد التنزيل 2 : 6 ، ح 628 ، وانظر : التبيان 5 : 318 ، وتفسير القمّي 2 : 188 .
(7) الحجّ : 40 .
(8) شواهد التنزيل 1 : 521 ، ح 552 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 134 ـ
   فهؤلاء الثلاثة كانوا يحوطون النبيّ كما تحوط عين الناظر الهُدُبُ ، وكانوا هم عماد المدافعين عنه في أوائل الدعوة الإسلاميّة ، وقد أعلنوا إسلامهم بكل جرأة وتحدّ للحشود القرشية المتظافرة على الفتك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وها قد رأيت الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة كيف تعدهم لئالئ في سلك ونظام واحد ، فلماذا يحذف اسم ( عليّ ) من هذه الكوكبة ؟! ما يكون ذلك إلاّ من صنيع المبغضين له والأمويين ومن لفّ لفَّهم ، ويكفيك هذا دليلاً دامغاً على أنّ ( نهج الأذان المنامي ) حاول التعتيم على الحقيقة المحمدية العلوية ، وحاول القضاء على ( نهج الأذان السماوي ) ، فلم يتمكنوا من ذلك .
   وهؤلاء الثلاثة ـ عليّ وحمزة وجعفر ـ كانت فضائلهم متماسكة متناسقة حتّى سارت على السنة الشعراء ، فقد قال الكميت في بائيته الرائعة :
أولاك نـبيّ الله مـنهم iiوجعفر      وحـمزة  ليث الفَيلقَين iiالُمجرَّبُ
همُ  ما هُمُ وتراً وشَفعاً iiلقومِهم      لـفقدانهم  مـا يُعذَرُ iiالمُتَحَوِّبُ
قتيل التَّجوبي الذي استوأرت به      يـساق  به سوقاً عنيفاً iiويجنبُ

   قال شارح القصيدة : قتيل التجوبي هو عليّ بن أبي طالب ، وتجوب قبيلة وهم في مراد (1) .
   ولمّا هجا أحدُ الشعراء ـ من ولد كريز بن حبيب بن عبد شمس ـ محمّد بن عيسى المخزومي ، أجابه شاعرٌ آخر فذكر معايب بني عبد شمس وأنهم لم يكن لهم ما يذكر في الجاهلية من أمر اللواء والندوة والسقاية والرفادة ، وذكر حقدهم على النبيّ وآل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال :
لا  لـواءٌ يُـعدّ يـا بـن iiكريز      لا ولا رفـد بـيتِه ذي iiالـسَّناءِ
لا حجابٌ وليس فيكم سِوى الكبـ      ـر وبـغض الـنبيِّ iiوالـشهداءِ


(1) الروضة المختارة 40 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 135 ـ
بين  حاكٍ ومُخْلجٍ iiوطريدٍ      وقتيل  يلعَنْهُ أهلُ السماءِ
ولهم زمزمٌ كذاك وجِبريـ      ـل  ومجد السقايةِ iiالغَرّاءِ

   قال ابن أبي الحديد : قال شيخنا أبو عثمان : فالشهداء عليّ وحمزة وجعفر ، والحاكي والمخلج هو الحكم بن أبي العاص ... والطريد اثنان : الحكم بن أبي العاص ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، وهما جدّا عبدالملك بن مروان من قبل أمّه وأبيه (1) ...
   وعلى كلّ حال ، فإن المنصف لا يرتاب في أنّ الأذان كان تشريعه سماوياً لا رؤيؤياً ، وكان عليّ وحمزة وجعفر ، محيطين بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، لكن الحكومات والسياسات حذفت اسم عليّ عليه السلام محاوِلةً إبعاد هذه المكرمة عنه وهي أقرب إليه من حبل الوريد ، وهذه ليست أوّل فعلة من فعلات المحرّفين ، بل لها نظائر ونظائر إلى ما شاء الله .
   وما ذكرهم مثال بلال وغيره من الصحابة في خبر الإسراء والمعراج وتركهم ذكر مثال عليّ إلاّ شاهد آخر على ما حرفوا في الأذان السماوي ، الذي تبناه عليّ واولاده وأصحابه .
   فقد روى مضمون ذلك جابر بن عبدالله الانصاري ، وأبو أمامة الباهلي ، وبريده ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وسهل بن سعد الساعدي عن رسول الله بنصوص متقاربة .
   فأمّا ما رواه جابر ـ فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (2) ، وأبو

(1) انظر : شرح نهج البلاغة 15 : 198 ـ 199 .
(2) صحيح البخاري والنصّ عنه 5 : 70 ح 199 ، باب مناقب عمر بن الخطاب ، وانظر : صحيح مسلم 4 : 1908 ح 2457 باب من فضائل أمّ سليم أمّ أنس بن مالك وبلال ، وانظر : صحيح مسلم 4 : 1862 باب فضائل عمر بن الخطّاب ح 2394 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 136 ـ
داود الطيالسي (1) ، وأحمد (2) في مسنديهما ، وابن حبان في صحيحه (3) ـ والنص للبخاري ـ وهو :
   قال رسول الله : أُريتني دخلت الجنَّة ، فإذا أنا بالرميضاء امرأة أبي طلحة ، وسمعت خشفة فقلت : من هذا ؟
   قال [ جبرئيل ] : هذا بلال .
قال : ورأيت قصراً بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك .
   فقال عمر : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، أعليك أغار ؟!
   وفي رواية أبي أمامة التي رواها أحمد في مسنده (4) والطبراني في الكبير (5) والهيثمي في مجمع الزوائد (6) ـ والنصّ عن أحمد ـ قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فسمعت فيها خشفة بين يدي ، فقلت : ما هذا ؟ قال : بلال .
   قال : فمضيت فإذا أكثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرين (7) وذراري المسلمين ولم أرَ أحداً أقلّ من الأغنياء والنساء ... ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثمانية ، فلمّا كنت عند الباب أتيت بكُفّة فوُضعت فيها ووُضِعت أمّتي في كفّة ، فرجحتُ بها ، ثمّ أتي بأبي بكر فوضع في كفّة وجيء بجميع أمّتي في كفّه

(1) مسند أبي داود الطيالسي 238 ح 1715 و 1719 ، ما رواه محمد بن المنكدر عن جابر .
(2) مسند أحمد 3 : 389 ـ 390 .
(3) صحيح بن حبّان 15 : 309 في ذكر قصر عمر في الجنّة ، و ص 559 في ذكر ايجاب الجنّة لبلال و 16 : 161 في ذكر أمّ حرام في الجنّة .
(4) مسند أحمد 5 : 259 .
(5) المعجم الكبير 8 : 281 ح 7923 باختصار ، مسند الروياني 2 : 277 .
(6) مجمع الزوائد 9 : 59 ، 10 : 262 .
(7) لا يفوتك عدم ذكر الأنصار في هذا الحديث .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 137 ـ
  فوضعوا فرجح أبو بكر ، وجيء بعمر فوضع في كفّة وجيء بجميع أمّتي فوضعوا فرجح عمر ، وعرضت أمّتي رجلاً رجلاً (1) فجعلوا يمرّون فاستبطأت عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ جاء بعد الأياس ...
   وأما رواية عبدالله بن بريدة عن أبيه والتي أخرجها الطبراني في الكبير (2) وابن أبي شيبة في المصنّف (3) وابن حبّان في الصحيح (4) وأحمد في المسند (5) .
والترمذي في السنن (6) وابن خزيمة في الصحيح( 7 )والحاكم في المستدرك (8) ـ والنصّ للترمذي ـ فهي ، قال : أصبح رسول الله فدعا بلالاً ، فقال : يا بلال ، بم سبقتني إلى الجنَّة ؟ ما دخلت الجنَّة قطّ إلاّ سمعت خشخشتك أمامي .
   وأما ما رواه أنس بن مالك ـ والذي جاء في مسند عبد بن حميد (9) ـ فهو : قال أنس : قال رسول الله : دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت : ما هذه ؟ فقالوا : هذا بلال ، ثم دخلت الجنة فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه ؟ قالوا : هذه الغميضاء بنت ملحان وهي أم سليم أم أنس بن مالك .

(1) لاحظ عدم ذكر عثمان وعليّ في هذا الحديث فقد يكون للخوارج يد في وضعه .
(2) المعجم الكبير 1 : 337 ـ 338 ح 1012 .
(3) المصنّف لابن أبي شيبة 6 : 399 ح 32325 .
(4) صحيح ابن حبّان 15 ـ 561 ، 562 .
(5) مسند أحمد 5 : 354 و 360 .
(6) سنن الترمذي 5 : 620 ح 3689 .
(7) صحيح ابن خزيمة 2 : 214 ح 1209 .
(8) المستدرك على الصحيحين 1 : 313 و 3 : 285 .
(9) منتخب مسند عبد بن حميد 399 ح 1346 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 138 ـ
   وأما ما رواه أبو هريرة ـ والذي أخرجه البخاري (1) ومسلم (2)وابن حبّان (3) في صحاحهم ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4) ـ فهو : أن النبيّ قال لبلال عند صلاة الفجر : يا بلال ، حدّثني بأرجى عمل عملتَه في الإسلام فإني سمعت دفّ نعلَيك بين يدَيّ في الجنَّة ، قال : ما عملت عملاً أرجى عندي أنيّ لم أتطهّر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلاّ صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلّي .
   وأما رواية سهل بن سعد ففيها : قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فإذا منظر آت فنظرت فإذا هو بلال (5) ..
   كلّ هذه النصوص ظاهرة في أنّه صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذلك في معراجه إلى السماء ، وهناك نصّان آخران يوضحان ذلك ، فقد روى الطبراني في الكبير بإسناده عن وحشي بن حرب ، عن أبيه ، عن جدّه : أنّ رسول الله لمّا أسري به في الجنَّة سمع خشخشة ، فقال : يا جبرئيل ، ما هذه الخشخة ؟ قال : هذا بلال .
   قال أبو بكر : ليت أمّ بلال ولدتني وأبو بلال وأنا مثل بلال (6)رواه الطبراني ورجاله ثقات .

(1) صحيح البخاري 2 : 499 كتاب التهجّد بالليل ، باب فضل الطهور بالليل والنهار ، ح 1074 والنصّ عنه ، و ج 5 : 93 كتاب فضائل أصحاب النبيّ باب مناقب بلال بن أبي رباح .
(2) صحيح مسلم 4 : 1910 باب من فضائل بلال ح 2458 .
(3) صحيح ابن حبّان 15 : 565 .
(4) تاريخ دمشق 10 : 453 ـ 454 .
(5) مسند أحمد 2 : 333 .
(6) المعجم الكبير 22 : 137 ، مجمع الزوائد 9 : 299 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 139 ـ
   وفي مسند أحمد (1) ومجمع الزوائد (2) والأحاديث المختارة (3) وتفسير ابن كثير (4) عن ابن عبّاس ، والنصّ لأحمد : بسنده عن ابن عبّاس ، قال : ليلة أسري بنبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخل الجنَّة فسمع من جانبها وَجساً ، قال : يا جبرئيل ، ما هذا ؟ قال : هذا بلال المؤذّن .
   فهذه النصوص تشير إلى وجود مثال بلال في الجنّة وإن جدّ بعض الأعلام إلى تضعيفها (5) وحملها على كونها كانت في المنام لا اليقظة ، لكنّهم بهذا التعليل أو ذاك لا يمكنهم التقليل من حجيّتها عند القائلين بها ، وذلك لحجيّة رؤيا الأنبياء عند جميع المسلمين ، وقد يكون ما رآه الرسول معنى آخر لتجسّم الأعمال والذي يذهب إلى القول به جماعة من المسلمين .
   وبعد هذا فلا مانع من أن نذكر بعض الروايات الدالّة على وجود اسم عليّ في العرش والكرسي ، والتي لا نستبعد أن تكون حكومة الأمويين وضعت الأحاديث الآنفة في مقابلها ، محاولةً منهم لطمس فضائل عليّ والتقليل من أهمّيتها ، وذلك طبق المنهج الذي رسموه وخططوه في ذلك كما تقدم بيانه ، إذ أن حديث رجحان كفّة أبي بكر وعمر على كفّة الناس أجمعين هو تحريف للحديث الثابت عن رسول الله : ضربة عليّ يوم الخندق تعدل عبادة

(1) مسند أحمد 1 : 257 .
(2) مجمع الزوائد 9 : 300 .
(3) الأحاديث المختارة 9 : 552 .
(4) تفسير ابن كثير 3 : 14 .
(5) فيض القدير 3 : 517 ، فتح الباري 3 : 26 ـ 27 ، نيل الاوطار 3 : 81 ، تحفة الاحوذي 10 : 120 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 140 ـ
  الثقلين (1) ، وإليك الان بعض تلك الروايات المشيرة إلى وجود اسم الإمام عليّ على ساق العرش :
   روى الصدوق في ( من لا يحضره الفقيه ) عن عليّ عليه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في وصية له : يا عليّ ، إنّي رأيت اسمك مقروناً باسمي في ثلاثة مواطن ، فأنست بالنظر إليه ، إني لمّا بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها ( لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ) .
   فقلت لجبرئيل : مَن وزيري ؟
   قال : عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
   فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدتُ مكتوباً عليها : ( إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي ، محمّد صفوتي من خلقي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ) ، فقلت لجبرئيل : مَن وزيري ؟ فقال عليّ بن أبي طالب .
   فلمّا جاوزتُ سِدرةَ المنتهى انتهيت إلى عرش ربّ العالمين جلّ جلاله ، فوجدت مكتوباً على قوائمه : ( إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي ، صفوتي من خلقي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ) ، فقلت لجبرئيل : مَن وزيري ؟ فقال : عليّ بن أبي طالب .
   فلمّا رفعت رأسي نظرت على بطنان العرش مكتوباً : ( إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا ، محمّد حبيبي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ) (2) .

(1) شرح المقاصد للتفتازاني 5 : 298 .
(2) من لا يحضره الفقيه 4 : 373 ـ 374 ، وفي تاريخ دمشق 47 : 344 بسنده عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لما عُرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أيّدته بعليّ ونصرته بعليّ .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 141 ـ
   وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة للصدوق بإسناده إلى وهب بن منبّه ، رفعه عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله لعليّ : لمّا عرج بي ربيّ جلّ جلاله أتاني النداء : يا محمّد .
   قلت : لبيّك ربَّ العظمة لبيّك ، فأوحى الله إليَّ : يا محمّد ، فيمَ اختصم الملأ الأعلى ؟
   فقلت : إلهي ، لا علم لي .
   فقال : يا محمّد ، هلاّ اتَّخذت من الآدميّين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك ؟
   قلت : إلهي ، ومَن أتّخذ ؟ تخيَّرْ أنت يا إلهي ، فأوحى الله إليّ : يا محمّد ، قد اخترتُ لك من الآدميّين عليّ بن أبي طالب .
   فقلت : إلهي ، ابن عمّي ؟
   فأوحى الله إليّ : يا محمّد ، إنّ عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك ، وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة ، وصاحب حوضك يسقي مَن ورد عليه من مؤمني أمّتك .
   ثمّ أوحى الله إليّ : يا محمّد ، إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقاً ، لا يشرب من ذلك الحوض مُبغض لك ولأهل بيتك وذريّتك الطيّبين الطاهرين ، حقّاً أقول يا محمّد : لأُدخِلنّ جميع أمّتك الجنَّة إلاّ مَن أبى من خلقي ، فقلت : إلهي ، هل واحد يأبى من دخول الجنَّة ؟
   فأوحى الله إلي : بلى .
   فقلت : وكيف يأبى ؟
   فأوحى الله إلي : يا محمّد ، اخترتُك من خلقي ، واخترتُ لك وصيّاً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدك ، وألقيت محبّته في قلبك ، فجعلته أباً لولدك ، فحقّه بعدك على أمّتك كحقّك عليهم في

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 142 ـ
  حياتك ، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة ، فخَرَرتُ لله ساجداً شكراً لما أنعم عليّ ... والخبر طويل اكتفينا منه بهذا المقدار (1) .
   وفي تفسير عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بردة الأسلمي ، قال : سمعت رسول الله يقول لعليّ : يا عليّ ، إنّ الله أشهَدَك معي في سبع مَواطن : أمّا أوّل ذلك فليلة أُسري بي إلى السماء ، قال لي جبرئيل : أين أخوك ؟    فقلت : خلّفته ورائي .
   قال : ادعُ الله فليأتك به ، فدعوتُ الله وإذا مِثالُك معي وإذا الملائكة وقوف صفوف ، فقلت : يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟ قال : هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة ، فدنوت فنطقت بما كان وما يكون إلى يوم القيامة .
   والثاني حين أُسري بي من المرّة الثانية ، فقال لي جبرئيل : أين أخوك ؟ فقلت : خلّفته ورائي ، فقال : ادعُ الله فليأتك به ، فدعوتُ الله فإذا مثالك معي ، فكُشِط لي عن سبع سماوات حتّى رأيت سُكّانها وعُمّارها وموضع كلّ ملك منها ... إلى أن قال :
   وأمّا السادس : لمّا أُسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيّين فصلّيت بهم ومثالك خلفي (2) .
   وفي عيون أخبار الرضا ، بسنده عن أمير المؤمنين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي جلّ جلاله فقال : يا محمّد ، إنّي اطّلعتُ إلى الأرض اطّلاعةً فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً ، وشَقَقتُ لك من

(1) كمال الدين وتمام النعمة 250 ـ 251 وانظر : تفسير نور الثقلين 4 : 470 .
(2) تفسير عليّ بن إبراهيم 2 : 335 ـ 336 في تفسير سورة النجم وعنه في تفسير نورالثقلين 5 : 158 سورة النجم ح 55 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 143 ـ
  اسمى اسماً ، فأنا المحمود وأنت محمّد .
   ثمّ اطّلعت الثانية فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريّتك ، وشَقَقْتُ له أسماً من أسمائي ، فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ .
   وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة ، فمَن قَبِلها كان عندي من المقرّبين (1) ..
   وفي كمال الدين وتمام النعمة ، بإسناده إلى عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن عليّ بن موسى الرضا ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل ، قال فيه : ... فنظرت ـ وأنا بين يَدَي ربّي ـ إلى ساق العرش ، فرأيتُ اثني عشر نوراً ، في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيائي ، أولهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم مهديّ أمّتي .
   فقلت : يا ربّ ، أهولاء أوصيائي مِن بَعدي ؟ فنُوديتُ : يا محمّد ، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحجّتي بعدك على بريّتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك .
  وعزّتي وجلالي لأظهرنّ بهم دِيني ، ولأُعلينّ بهم كلمتي ، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنّ له الرياح ، ولأذللنّ له الرقاب الصِّعاب ، ولأرقينّه في الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولأمدنّه بملائكتي حتّى يُعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لأديمنّ ملكه ، ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة (2) .
   وفي أصول الكافي ، بإسناده عن الإمام عليّ عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : ... فإنه لمّا أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل لأهل السماء استودع الله

(1) عيون أخبار الرضا 2 : 61 .
(2) كمال الدين وتمام النعمة 256 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 144 ـ
  حبّي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة ، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة (1) ...
   وقد مر عليك خبر سدير الصيرفي وعمر بن أُذينة في الإسراء والمعراج ، وقول الإمام الصادق للاخير : يا عمر ، ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وركوعهم وسجودهم ؟! نحن جئنا بهذه النصوص كي نؤكد على صحّة ما قاله الإمام الصادق عن النواصب ودورهم في تحريف الأمور وخصوصاً المسائل التي فيها اسم الإمام عليّ بن أبي طالب وأهل بيت الرسول ، وان تحريفاتهم لا تقتصر على مفردة أو مفردتين في التاريخ والشريعة ، بل شملت جميع مراحل التشريع من الاسراء حتّى ما لا نهايةُ وإنّك لو مررت بالتاريخ والحديث ودرستهما دراسة واقعية بعيداً عن التعصب لوافقتنا فيما قلناه وستقف على عشرات الروايات الدالّة على مكانة الإمام عليّ والتي سنتعرض لها في الشهادة الثالثة لاحقاً بإذن الله تعالى .
   نحن لا نريد التفصيل في مثل هذه الموارد ، بل نذكّر القارئ الكريم بما مرّ عليه من كلام الشيخ ابن أبي الحديد من أنّ الأمويّين سعوا إلى تحريف الفضائل الثابتة في عليّ وجعلها في عثمان وأبي بكر وعمر ، ونحن لو تابعنا السير التاريخي لوقفنا على التحريف اللفظي والمعنوي لبني أميّة ، فكما أنهم جعلو اللعنة سمة وشرفاً للملعونين!! فقد أوّلوا كلام الرسول في معاوية ( لا أشبع الله بطنك ) بأنّه دعا له بأنّه سيأتي يوم القيامة خميص البطن لا شيء عليه (2) .

(1) الكافي 2 : 46 كتاب الإيمان والكفر ، باب نسبة الإسلام ح 3 .
(2) والاغرب من هذا ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية 8 : 123 ، وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه واخراه .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 145 ـ
   أمّا في الدنيا فإنّه لما صار إلى الشام اميراً كان يأكل في اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ، ويأكل في اليوم سبع اكلات بلحم ، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً ويقول والله ما اشبع وانما اعيا ، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك .
   وأمّا في الآخرة ... فإن رسول الله قال : اللهم انما أنا بشر فإيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة ...وهذا الحديث فضيلة لمعاوية .
   وخير مثال على التحريف المعنوي هو ما أشاعه معاوية في واقعة صفّين عند مقتل عمّار بن ياسر ـ لمّا تناقل الجند كلام رسول الله ( تقتلك الفئة الباغية ) ـ بأن الإمام عليّ بن أبي طالب هو القاتل له حيث أخرجه وزجّ به في المعركة ، ولما سمع الإمام عليّ بهذه المقالة قال ما مفاده : وعلى هذا الكلام يكون رسول الله هو الذي قتل حمزة لأنّه أخرجه لحرب المشركين !
   وأقبح منه ما روي أنّه قال لأهل الشام : إنّما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان (1) 4 لا !
   فللأمويين تحريفات لفظية وتحريفات معنوية كثيرة ، وإنّ هذه الدراسة تريد أن توضح أمثال هذه الأمور في الشريعة والتاريخ وانعكاسها على الأذان هنا .
   فلا يجوز حمل بعض التحقيقات حول الأمويين وعقيدتهم في الاسراء والمعراج و ... على الإسهاب والخروج عن البحث ، بل ما كتبناه هو المقصود ، ولولاه لما فهمنا ملابسات التشريع الذي نحن بصدد بيانه .
   بلى ، إنّهم لم يكونوا يحبّون آل الرسول ، بل لم يحبّوا كلّ من أحبّه الرسول ، بل كانوا يتعاملون مع آل الرسول بالشدة والبغض ، فقد ذكر المناوي في فيض القدير ، وكذا القرطبي في تفسيره واقعة دارت بين مروان بن الحكم وأسامة بن

(1) الإمامة والسياسة 1 : 146 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 146 ـ
  زيد .
   وأسامة كان ممن يحبهم رسول الله ـ حسب نص القرطبي وغيره ـ وكان الخليفة عمر بن الخطاب أعطاه خمسة آلاف درهم ولابنه عبدالله ألفي درهم ، فسأل عبدالله عن سر ذلك فأجابه عمر أنّه فعل ذلك لمحبة رسول الله له .
   قال القرطبي : وقد قابل مروان هذا الواجب ( أي محبّة محبّ رسول الله ) بنقيضه ، وذلك أنّه مرّ بأسامة وهو يصلّي بباب بنت رسول الله .
  فقال مروان : إنّما أردت أن تُري الناس مكانك ، فقد رأينا مكانك! فَعَل الله بك وفعل ، وقال قولاً قبيحاً .
  وقال له أسامة : آذيتني وإنّك فاحش متفحّش ، وقد سمعتُ رسول الله يقول : إنّ الله يُبغض الفاحش المتفحش .
  فانظر ما بين الفعلين وقِس ما بين الرجلين ، فلقد آذى بنو أميّة رسول الله في أحبابه وناقضوه في مَحابّه (1) .
   وعليه فالذي يجب القول به هنا ، هو أنّ خبر الإسراء ثابت بالكتاب ، والمعراج ثابت بالسنة ـ وإن لم يفرّق البعض بينهما فأطلق الإسراء على كليهما تساهلاً ـ وهذا ما جعل المجال مفتوحاً للإجمال والتفصيل والتلاعب والتشكيك في خبر المعراج أكثر من أخبار الإسراء .
   فهل يرجع إجمالهم في نقل أخبار المعراج إلى عدم وقوفهم على نقول أهل بيت الوحي والنبوة ؟ أم يرجع إلى أنّهم أجملوا ذلك عن قصد وعمد ؟ لعلّك عرفت جواب هذا السؤال ممّا مرّ ، فأغنى ذلك عن الإطالة .
   وبهذا يكون ما كتبناه هو أشارة إلى دواعي الأمويين ومن لفّ لفهم في

(1) تفسير القرطبي 14 : 240 ، وعنه في فيض القدير 1 : 618 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 147 ـ
  تحريف خبر الأذان ، وكيف ربطوا خبر الإسراء والمعراج بالشجرة الملعونة ، مدعين أنّها شجرة الزقوم ، بل كيف ربطوها بمسائل أخرى وقضايا مصيرية في الشريعة والتاريخ ، كلّ ذلك للتشكيك في مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والقول بأنّ منامه المعراجي هذا يشابه الأذان ويحتاج إلى شاهد لتثبيت صحته .

مطلبان

   لنا هنا مطلبان يتضحان بعد طرحنا هذين السؤالين :
   الأوّل : هل أنّ الأذان عبارة عن الإعلام للصلاة فقط ، أم هو بيان لأصول العقيدة وأركان الإسلام ؟
   الثاني : هل أنّ أمر الأذان توقيفيّ ؟ وإذا كان توقيفيّاً ، فهل هناك فرق بين توقيفية الواجبات وتوقيفية المستحبّات أم لا ؟
   وقبل الجواب عن السؤال الأوّل لابدّ من الإشارة إلى حقيقة هامّة في العبادات وغيرها ، وهي : أنَّ الأُمور العباديّة في الشرع لها ظاهر ومغزى ، فقد يمكن للإنسان أن يقف على ظاهر شيء ويؤدّيه دون أن يعرف كنهه ومغزاه والغاية القصوى منه ، فالمطالع مثلاً في ما جاء عن أهل بيت النبوة يقف على أسرار في الصلاة والصيام والزكاة والحجّ وغيرها ، ويتعرّف على أُمور كان لا يعرفها من ذي قبل ، ولم يتنبه لها في نظرته الأُولى ، من ذلك ما ذكره الصدوق في علل الشرائع ، حيث قال فيه :
   إنّ نفراً من اليهود جاءوا إلى رسول الله فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمّد لأيّ علَّة توضّأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد ؟

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 148 ـ
   فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ممّا عليها فأكل فطار الحلي والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على [ أُمِّ ] رأسه وبكى ، فلمّا تاب الله عليه فرض عليه وعلى ذرّيّته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أُمِّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة ) (1) .
   ومعنى هذا النصّ أنّ العبد يجب عليه تطهير أعضائه حينما يريد التوجّه إلى الله ، وبما أنّ الوجه واليدين فيهما الحواسّ الخمس الظاهرة التي بها يُعصى الإله كان عليه أن يغسلهما قبل الدخول إلى حضرة الإله .
   أمّا الرأس والقدمان فهما عنصران آليّان يتقوّى بهما المكلّف على المعصية أو الطاعة وهما ليسا من الحواسّ الخمس ، ففي الرأس القوّة المفكِّرة والخياليّة التي تبعث الفرد إلى ارتكاب المعاصي أو فعل الواجب ، وبالرِّجل يسعى إليهما ـ الطاعة أو المعصيّة ـ فأمر سبحانه المسح عليهما كي ينجو من الوساوس الشيطانيّة والأغلال النفسيّة ويدخل حضيرة القدس طاهراً نقيّاً من الأدناس ، ولأجل هذه الحقيقة فقد أكّدنا في كتابنا ( وضوء النبيّ ) على : أنَّ طهارة الوضوء هي طهارة حكميّة وليست بحقيقيّة ، لأنَّ المؤمن لا يُنَجِّسُه شيء ، وبالوضوء يُعرف مَن يطيع الله ومن يعصيه (2) .
   وبعد هذه المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل .

(1) علل الشرائع 1 : 280 الباب 191 .
(2) انظر : وضوء النبيّ ، المدخل 428 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 149 ـ
1 ـ الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة ؟

   قال القاضي عياض : ( اعلم أنّ الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان ، مشتمل على نوعه من العقليّات والسمعيّات ، فأوّله إثبات الذات وما يستحقّه من الكمال ، والتنزيه عن أضدادها ، وذلك بقوله ( الله أكبر ) ، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة على ما ذكرناه .
   ثمّ صرّح بإثبات الوحدانيّة ونفي ضدّها من الشركة المستحيلة في حقّه سبحانه وتعالى ، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد ، المقدّمة على كلّ وظائف الدين .
   ثمّ صرح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبيّنا ، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانيّة وموضعها بعد التوحيد ، لأنّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلك المقدّمات من باب الواجبات ، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليّات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقّه سبحانه وتعالى .
   ثمّ دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات ، فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوّة ، لأنَّ معرفة وجوبها من جهة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا من جهة العقل .
   ثمّ دعا إلى الفلاح ، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم ، وفيه إشعار بأُمور الآخرة من البعث والجزاء ، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام .
   ثمّ كرّر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وهو متضمّن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حقّ مَن يعبده وجزيل ثوابه ... ) (1) .

(1) نقله عنه النووي في المجموع 3 : 75 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 150 ـ
   وقد نقل محمّد بن علان ـ شارح الأذكار النوويّة ـ كلام القاضي عياض بشيء من التصرّف ، كقوله :
   ثمّ كرّر التكبير آخره إشارة إلى الاعتناء السابق ، لأنَّ هذا المقام هو الأصل المبنيّ عليه جميع ما تقرّر من العقائد والقواعد ، وختم ذلك بكلمة التوحيد إشارة إلى التوحيد المحض ... (1) .
  وكان آخره اسم ( الله ) ليطابق البداءة ، إشارة إلى أنَّه الأوّل والآخِر في كلّ شيء ، قال القاضي : ( ثمّ كرّر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وفي ذلك تأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان ، ليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حقّ مَن عبده وجزيل ثوابه على عباده (2) .
   وقد علّق ابن علان على كلام القاضي عياض بقوله : ( قلتُ : قال ابن حجر في شرح المشكاة : وللاعتناء بشأن هذا المقام الأكبر كرّر الدالّ عليه أربعاً إشعاراً بعظيم رفعته ، وكأنّ حكمة خصوص الأربع أنَّ القصد بهذا التكرير تطهير شهود النفس بشهود ذلك عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربعة الناشئة عن أخلاطها الأربعة .
   وفي شرح العباب له : ( وكأنَّ حكمة الأربع أنَّ الطبائع أربعة لكلٍّ منها كمال ونقص يخصّه بإزاء كلّ منها كلمة من تلك ليزيد في كمالها ويطهّر نقصها ،

(1) وهو أن ( لا إله إلاّ هو ) ، معنى آخر لقوله ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) أو قوله : ( وإلى ربّك المنتهى ) .
(2) انظر : الفتوحات الربّانيّة على الأذكار النوويّة 2 : 84 .