وما أن يتمّ المؤذن نداءه للظهر ثم العصر ، حتّى يحلّ الغروب وظلام الليل ، وإذا بتراتيل الإسلام :
أشهدُ أن لا إله الاَّ الله ، أشهدُ أن لا إله الاَّ الله .
أشهدُ أن محمّداً رسول الله ، أشهدُ أن محمّداً رسول الله تعلو من المآذن .
فالأذان حينذاك إعلام لإقامة الصلاة في غسق الليل ، وما أن يتمّ المؤمن صلاته ومناجاته مع ربّه حتّى ينصرف إلى الرقاد ، وإذا بالصبح يطلع عليه بفجره الصادق هاتفاً المؤذن فيه باسم الربّ الجليل وباسم الرسول الأمين تارة أُخرى :
أشهد أن لا إله الاَّ الله ، أشهد أن لا إله الاَّ الله .
أشهد أنّ محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله .
ليقيم ما أمر به الله في كتابه ( أقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشَّمسِ إلى غَسَقِ الليلِ وقرآن الفجرِ إن قرآنَ الفجرِ كانَ مَشهوداً )
(1) .
والأذان من السنن المؤكّدة التي حثّ عليها الشارع المقدّس ، وهي دعوة الخالق لعباده إلى الدخول في أجواء رحابه المباركة اللامتناهية فُرادى أو مجتمعين ، متراصّين متحابّين ، مؤمنين ، في زمان معيّن ومكان واحد ، وباتّجاه محور وقبلة واحدة ، يرهبون باجتماعهم أعداء الله وجند إبليس .
إنّه إذاً من أعظم الشعائر الإسلاميّة ؛ لكونه دعوة الحيّ القيّوم لتنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين وتذكير الناسين ، بل هو من مصاديق قوله جلّ شأنه :
( ومن أحسنُ قَولاً ممّن دعا إلى الله وعَمِلَ صال ـ حاً وقالَ إنّ ـ ني من المسلمين )
(2) .
ولعلّ من الغرابة بمكان أن نرى وقوع الاختلاف في أمر بديهيّ وإعلاميّ
 |
(1) الإسراء : 78 .
(2) فصّلت : 23 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 17 ـ
الأذان الذي ينادي به مؤذّنو المسلمين في كلّ يوم وليلة عدّة مرات ـ على اختلاف ألسنة الناس ـ بلسان عربي مبين ، ومن على المآذن وبصوت عال يسمعه الجميع .
فنتساءل عن سبب الاختلاف والتنازع في فصول هذه الشَّعيرة الإسلاميّة ؟ ولماذا يكون اختلاف في مثل هذه المسألة بين المذاهب الإسلاميّة ؟
بل لماذا تذهب الشافعيّة إلى تربيع التكبير بخلاف المالكيّة القائلة بتثنيته ؟
وهل هناك أُمور خفيّة وراء اختلافهم في إفراد أو تثنية الإقامة ؟!
وهل حقاً أنّ هناك تثويباً
(1) أوَّلا وتثويباً ثانياً ؟
وهل يجب أن يؤتى بالتثويب في أثناء فصول الأذان ، أم بعدها قبل الإقامة ؟ بل ما هو المعني بالتثويب ؟ هل هو : ( الصلاة خير من النوم ) أو ( قد قامت الصلاة ) أو : ( حيّ على خير العمل ) أو هو شيء آخر ؟
ثُمَّ لماذا اختلفت رواية عبدالله بن زيد بن عبدربّه بن ثعلبة الأنصاري في الأذان
(2) ة عن رواية أبي محذورة القرشي ؟
ولماذا تجيز المذاهب الأربعة الأذان قبل الوقت لصلاة الفجر خاصّة ، مع تأكيدهم المبرم على عدم جواز ذلك في سائر الأوقات المعيّنة ؟
 |
(1) التثويب من ثاب يثوب ، ومعناه : العَود إلى الإعلام بعد الإعلام ، كقول المؤذّن ( حيّ على الصلاة ) ، فإنّه يعود ويرجع إلى دعوته تارة أخرى فيقول ( قد قامت الصلاة ) أو( الصلاة خير من النوم ) أو ( الصلاة الصلاة يرحمك الله ) أو أيّ شيء آخر .
وقالوا عن ( الصلاة خير من النوم ) إنّه التثويب الأوّل ، وما يقوله المؤذّن بعد الأذان مثل ( السّلام عليك أيّها الأمير ، حيّ على الصلاة ) وأمثاله إنّه التثويب الثاني .
(2) كما سيأتي في صفحه 30 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 18 ـ
و كيف يمكن تصحيح خبر تأذين ابن أُمّ مكتوم الأعمى للفجر ، وتضعيفهم لروايات صحيحة أخرى تطابق العقل والشرع في أنه كان يؤذّن بالليل وفي شهر رمضان خاصة ؟
بل كيف يقولون بتأذين ابن أُم مكتوم مع قولهم بكراهة تأذين الأعمى ؟
أضف إلى ذلك كله أنّه ما الداعي إلى اختلاف أذان أهل مكّة عن أذان أهل المدينة ، واختلاف الأذانين عن أذاني أهل الكوفة وأهل البصرة ؟
ولماذا يختلفون فيما هو ـ واللفظ لابن حزم ـ ( منقول نقل الكافّة بمكّة وبالمدينة وبالكوفة ، لأنّه لم يمرّ بأهل الإسلام يوم إلاّ وهم يؤذّنون فيه في كلّ مسجد من مساجدهم خمس مرّات فأكثر ، فمثل هذا لا يجوز أن يُنسى ولا أن يُحرّف )
(1) .
فلماذا نُسي أو حُرّف هذا الأذان واختُلف فيه بين مصر وآخر ؟
ولو صحّ ما قاله ابن حزم ـ من صحّة جميع منقولات الأذان على اختلافها ـ عند جمعه بين الوجوه في الأذان ؛ فكيف يمكننا أن نوفّق بين وحدة الشريعة وبين تعدّدية الأذان ؟ فهل كان رسول الله قد صحّح الجميع ؟ أم وقع في الأذان تغيير يشهد به إحداث عثمان بن عفان للأذان الثالث يوم الجمعة
(2) ؟ .
قال ابن حزم جامعاً بين كلّ تلك الوجوه :
( ... كلّ هذه الوجوه قد كان يُؤذّن بها على عهد رسول الله بلا شكّ ، وكان الأذان بمكّة على عهد رسول الله يسمعه عليه السلام إذا حجّ ، ثمّ يسمعه أبو بكر وعمر ، ثم عثمان بعده عليه السلام ... فمن
 |
(1) المحلَّى لابن حزم 3 : 153 .
(2) انظر : تحفة الأحوذي 3 : 41 / أبواب الجمعة ـ باب ما جاء في أذان الجمعة ؛ عون المعبود 3 : 302 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 19 ـ
الباطل الممتنع المحال الذي لا يحلّ أن يظنّ بهم أنّ أهل مكّة بدّلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم ، أو بلغه والخلافة بيده فلم يغيّر ... وكذلك فُتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضي الله عنهم ، وتداولها عمّال عمر بن الخطاب ، وعمّال عثمان رضي الله عنهما ، كأبي موسى الأشعري ، وابن مسعود ، وعمّار ، والمغيرة ، وسعد بن أبي وقّاص ، ولم يَزَل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذّنون في كلّ يوم سفرهم خمس مرات ، إلى أن بَنَوها وسكنوها ، فمن الباطل المحال أن يُحال الأذان بحضرة من ذكرنا ويخفى ذلك على عمر وعثمان أو يعلمه أحدهما فيقرّه ولا ينكره .
ثم سكن الكوفة عليّ بن أبي طالب إلى أن مات ، وأنفذ العمّال من قِبله إلى مكّة والمدينة ، ثمّ الحسن ابنهُ رضي الله عنه إلى أن سلّم الأمر لمعاوية ، فمن المحال أن يُغيَّر الأذان ولا ينكر تغييره عليّ ولا الحسن ، ولو جاز ذلك على عليّ لجاز مثله على أبي بكر وعمر وعثمان ، وحاشا لهم من هذا فما يَظنُّ هذا بهم ولا بأحد منهم مسلمٌ أصلاً .
فإن قالوا : ليس أذان مكّة ولا أذان الكوفة نقل كافّة .
قيل لهم : فإن قالوا لكم : بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة ، فما الفرق ؟
فإنِ ادّعوا في هذا محالاً ادُّعي عليهم مثله .
فإن قالوا : إن أذان أهل مكّة وأهل الكوفة يرجع إلى قوم
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 20 ـ
محصور عددهم .
قيل لهم : وأذان أهل المدينة يرجع إلى ثلاثة رجال لا أكثر ، مالك وابن الماجشون وابن أبي ذئب فقط ، وإنّما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط .
فإن قالوا : لم يختلف في .. )
(1) .
إلى غيرها من عشرات الأسئلة التي طرحها ابن حزم وسعى لرفعها ، لكن المشكلة بقيت كما هي ، فما الذي تكتنفه هذه المسألة من الملابسات إذاً ؟
وهل يُعدّ هذا الاختلاف حقاً من الاختلاف المسموح به في الشريعة ، أم أنّه شيء آخر ؟ .
بل لِم اشتدّ أُوار النزاع بين المسلمين في أمور بديهية ، كالوضوء والأذان ـ مثلاً ـ وهما من الأمور العبادية التي يؤدّيها كلّ مسلم عدّة مرّات في اليوم والليلة ؟
قال ابن حزم : ( أربعة أشياء تَنازَع الناسُ فيها : الوضوء ، والأذان ، والإقامة ، والطواف بالبيت )
(2) .
وهل يمكن جعل معيار الاختلاف في الأذان بمثابة الاختلاف في تعيين المُدِّ والصاع والوسق الذي يُختلف فيه بين منطقة وأُخرى ، أو يُغيَّر ـ أي يُحدَثُ فيه من قبل الأمير والخليفة لحاجةٍ له فيه ؟
كلا ( ليس هذا من المدّ والصاع والوسق في شيء ، لأنّ كل مدّ أو قفيز أُحدث بالمدينة وبالكوفة قد عُرف ، كما عُرف
 |
(1) المحلّى لابن حزم 3 : 154 ـ 155 .
(2) المحلّى لابن حزم 3 : 161 ضمن بحثه عن جواز التقديم والتأخير في الأذان والإقامة وعدمه .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 21 ـ
بالمدينة مُدّ هشام الذي أُحدِث ، والمدّ الذي ذكره مالك في مُوطّئه : أن الصاع هو مدّ وثلث بالمدّ الآخر ، وكمدّ أهل الكوفة الحجّاجي ، وكصاع عمر بن الخطّاب ، ولا حرج في إحداث الأمير أو غيره مدّاً أو صاعاً لبعض حاجته ، وبقي مُدُّ النبيّ وصاعه ووسقه منقولاً إليه نقل الكافّة إليه )
(1) !
فكيف يختلفون في الأذان إذاً ، فيذهب بعضهم إلى أنّه شُرّع في السماء ، ويقول الآخر إنّه شُرّع بعد رؤيا رآها صحابيٌّ أو عدد من الصحابة ؟
وهل يصحّ تشريع العبادة بمنام يراه أحد الناس ، أم أنّ تشريعها يجب أن يكون بوحي من الله ؟
وكيف يسوغ تشريع الأذان أستناداً إلى رؤيا رآها عبدالله بن زيد بن عبد ربه في منامه ، أو ركوناً إلى اقتراح الصحابة
(2) ، ويرجح هذا الفهم وهذه الرؤية على أن يكون تشريع الأذان من الحكيم العليم ؟
ألا تحمل هذه الرؤية نَيْلاً من قدسية الأمور العبادية الإلهيّة ، وتقلل من منزلتها المعنويّة ؟!
ثمّ مَن هو الذي رأى في المنام ،هل هو : عبدالله بن زيد
(3) ؟ أو : عمر
 |
(1) المحلّى لابن حزم 3 : 156 ـ 157 .
(2) سنن أبي داود 1 : 134 كتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 498 ، مصنف عبدالرزاق 1 : 456/1775 كتاب الصلاة باب بدء الأذان .
(3) هو المشهور عند أهل السنّة والجماعة ، وفيه روايات كثيرة .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 22 ـ
ابن الخطّاب
(1) ؟ أو : أبو بكر
(2) ؟ أو : أُبَي بن كعب
(3) ؟ أو : سبعة من الصحابة
(4) أو : أربعة عشر منهم
(5) ؟ أو أكثر من هذا العدد أو أقلّ ؟
وكيف يراه هؤلاء ولا يراه النبيّ المرسل الصادق الرؤيا بلا شكّ وريب ؟
وماذا نقول عن : ( الصلاة خير من النوم ) و : ( حيّ على خير العمل ) ؟ وهل ثمّةَ ترابط بين رفع ( حيّ على خير العمل ) ووضع ( الصلاة خير من النوم ) ؟ أم أنّ الأمر جاء بشكل عفوي دون تدبير ؟!
وإذا كان الأمر عفويّاً ، فلماذا نرى أنّ من يقول بشرعيّة ( حيّ على خير العمل ) لا يقول بشرعيّة ( الصلاة خير من النوم ) ، ومن يقول بشرعيّة ( الصلاة خير من النوم ) يرفع ( حيّ على خير العمل ) من الأذان ؟
وهل أنّهما شرعيان ؟ أم أنّ أحدهما شرعيّ والاخر بِدْعيّ ؟ فأيّهما الشرعي وأيّهما البدعي إذاً ؟
وما هو حكم الشهادة الثالثة التي تقول بها الشيعة الإمامية ( أشهدُ أنّ عليّاً وليُّ الله ) ، فهل هي من الشرع أم أنّها بدعة ؟
وما هو عدد التكبيرات في أوّل الأذان ، أهي أربع تكبيرات أو تكبيرتان ؟
ثمّ ما هي خاتمة الأذان ، هل هي ( الله أكبر ) أو ( لا إله إلاَّ الله ) ؟
وهل أن الأذان بيان لأصول العقيدة وكلّيّات الإسلام من : التوحيد ، والنبوة
 |
(1) سنن أبي داود 1 : 134 كتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 498 .
(2) مجمع الزوائد 1 : 329 كتاب الصلاة باب بدء الأذان ، جامع المسانيد 1 : 299 ،تفسير القرطبي 6 : 225 المائدة الآية 58 .
(3) علل الشرائع : 312 ح 1 وعنه في بحار الأنوار 81 : 354 .
(4) المبسوط للسرخسي 1 : 128 كتاب الصلاة باب بدء الأذان .
(5) السيرة الحلبية 2 : 300 باب بدء الأذان ومشروعيّتة .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 23 ـ
و ... ، أم أنّه مجرّد إعلام لوقت الصلاة خاصّة ؟
ولماذا الاختلاف في أمر بديهيّ وإعلاميّ كهذا ؟
تُرى ، هل نشأ هذا الخلاف في عصر الصحابة الذين يقال عن قرنهم إنّه خير القرون ، أو حدث في عهد التابعين وتابعي التابعين ومَن تَلاهُم ؟ وهل ثمة ملابسات لهذه الأمور في الصدر الأوّل ؟ أم أنّها جاءت في العصور اللاحقة ؟!
لقد نقل الصنعاني كلام بعض المتأخّرين ـ وهو يسعى لرفع الخلاف في أَلفاظ الأذان ـ بقوله :
( هذه المسألة من غرائب الواقعات يقلّ نظيرها في الشريعة ، بل وفي العبادات ؛ وذلك أنّ هذه الألفاظ في الأذان والإقامة قليلة محصورة معيّنة يُصاح بها في كلّ يوم وليلة خمس مرّات في أعلى مكان ، وقد أُمر كلّ سامع أن يقول كما يقول المؤذّن ، وهم خير القرون ، في غرّة الإسلام ، شديدو المحافظة على الفضائل ، ومع هذا كلّه لم يذكر خوض الصحابة ولا التابعين واختلافهم فيها ، ثمّ جاء الخلاف الشديد من المتأخّرين ، ثمّ كلّ من المتفرّقين أدلى بشيء صالح في الجملة وإن تَفاوَت )
(1) .
ترى ما مدى مصداقية هذا الكلام وقربه من الواقع ؟ وهل من الصحيح أنّ الصحابة لم يختلفوا في الأذان كما ادّعى هذا القائل من المتأخرين ؟! بل هل يصحّ ما قاله ابن حزم عن الصحابة ، كما مرّ بنا قبل قليل
(2) ؟ .
للإجابة عن أهمّ الملابسات والتساؤلات ، لابُدّ من البحث وتنقيح المطالب ووضع النقاط على الحروف ، فنقول مستعينين بالله :
 |
(1) سبل السلام 1 : 122 .
(2) مر في صفحة 18 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 24 ـ
الأذان لغة واصطلاحاً
من المفيد قبل البدء في تفاصيل هذه الدراسة أن نتعرّف على المعنى اللغويّ والمفهوم الاصطلاحي للأذان ، وبيان تاريخ تشريعه وما قيل في الملابسات الدائرة حوله .
الأذان في اللغة ، هو : مطلق الإعلام .
وفي الشرع : الإعلام والنداء للفريضة الواجبة ـ الصلاة ـ بفصول معهودة في أوقات مخصوصة ، قال تعالى : ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُون )
(1) .
وقال جلّ جلاله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )
(2) .
وقال عزَّ مِن قائل : ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا )
(3) .
وقد وردت لفظة الأذان بمعناها اللغوي في الذكر الحكيم ، كما في قوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا ... )
(4) ، وقوله : ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ... )
(5) وغيرها من الاستعمالات الكثيرة الدالَّة على معنى الإعلام والنداء .
منبهين القارئ الكريم على أن الأذان وإن كان إعلاماً للفريضة الواجبة ، إلاّ
 |
(1) المائدة : 58 .
(2) الجمعة : 9 .
(3) آل عمران : 193 .
(4) الحجّ : 27 .
(5) التوبة : 3 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 25 ـ
أنّه يحمل في طيّاته جوانب أُخرى وفوائد كثيرة للمرء المسلم ، سنذكر بعضاً منها ، ممّا يؤكد لنا أنَّ الأذان ليس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل هو فصول لها أكثر من واقع في الحياة الإسلاميّة ، تَجمَع تحت ألفاظها معانيَ الإسلام وأصولَه وعقيدته .
تاريخ الأذان
هناك أقوال متعدِّدة ومتفاوتة في تاريخ تشريع الأذان من حيث الزمان والمكان :
أحدها : تشريعه في الإسراء والمعراج ، حيث أذَّن جبرئيل وأقام ، ثمّ صلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأنبياء
(1) .
ثانيها : تشريعه بمكّة قبل الهجرة
(2) .
ثالثها : تشريعه في المدينة المنورة في السنة الأُولى للهجرة
(3) ، وذلك بعد بناء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مسجده المبارك ، وهذا القول هو المشهور عند أهل السنة والجماعة .
 |
(1) مجمع الزوائد 1 : 328 ، الأوسط للطبراني 10 : 114 ح 9243 ، نصب الراية 1 : 260 ، السيرة الحلبية 2 : 93 .
(2) قال ابن عابدين في حاشية ردّ المحتار 1 : 413 : في حاشية الشبراملسي على شرح المنهاج للرملي عن شرح البخاري لابن حجر إنّه وردت أحاديث تدلّ على أنّ الأذان شرّع بمكة قبل الهجرة : منها للطبراني أنّه لما أُسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اُوحي إليه الأذان فنزل به فعلّمه بلالاً ، وللدار قطني في الإفراد من حديث أنس أنّ جبرئيل أمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالأذان حين فُرضت الصلاة ... الخ .
(3) صحيح ابن خزيمة 1 : 190 ، السيرة الحلبية 2 : 93 .
|