لنفسه دعاءً يُدعى به على المنابر ... (1) .
   وقال أبو الفداء في تاريخه : ... ثمّ دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة فيها قُتِلَ أبو عليّ بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي ، وكان أبو عليّ المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة وقطع من الأذان ( حيّ على خير العمل ) فنفرت منه قلوب شيعة العلويين وثار به جماعة من الممالك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره (2) .
   وفي ( وفيات الاعيان ) : ... وقبض على الحافظ المذكور واستقل بالأمر وقام به أحسن قيام ، وردّ على المصادرين أموالهم ، وأظهر مذهب الإمامية وتمسّك بالائمة الاثني عشر ، ورفض الحافظَ وأهلَ بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالإمام المنتظر على زعمهم وكتب اسمه على السكة ، ونهى ان يؤذن بـ ( حيّ على خير العمل ) ، وأقام كذلك إلى أن وثب عليه رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة في النصف من المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان بتدبير الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج الحافظ وبايعوه ولقبوه بالحافظ ودعي له على المنابر (3) .
   وفي ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) قوله : ... وكان قد أسقط منذ أقامه الجندُ ذِكْرَ اسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيلية ، وأزال من الأذان قولهم فيه ( حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر ) وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يدعى به على المنابر (4) .


(1) اتعاظ الحنفاء في تاريخ الائمة الخلفاء 3 : 143 .
(2) تاريخ أبي الفداء 3 : 6 .
(3) وفيات الاعيان 3 : 236 ، تاريخ ابن خلدون 4 : 71 ـ 72 .
(4) بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمد بن أحمد بن إياس الحنفي طـ الهيئة المصرية العامة 1402 هـ .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 402 ـ
   وفي ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) : قال المؤرخ : لما بويع الحافظ لدين الله ثار الجند الأفضلية وأخرجوا ابن مولاهم أبا عليّ أحمد بن الافضل الملقب بكتيفات ، وولّوه أمر الجيوش وذلك في يوم الخميس السادس من ذي القعدة منها ، فحكم ، واعتقل الحافظ صبيحة يوم بيعته ، ودعا للإمام المنتظر وقوي أمر ابن الأفضل .
   وفي سنة خمس وعشرين رتّب أحمد بن الافضل في الأحكام أربعة قضاة : الشافعية ، والمالكية ، والإسماعيلية ، والإماميّة ، يحكم كلّ قاضي بمقتضى مذهبه ويورّث بمقتضاه ، فكان قاضي الشافعية الفقيه سلطان ، وقاضي المالكية اللبني ، وقاضي الاسماعيلية أبو الفضل ابن الأزرق ، وقاضي الإماميّة ابن أبي كامل .
   وسار أحمد بن الأفضل سيرة جميلة بالنسبة إلى أيام الآمر ، وردّ على الناس بعض مصادراتهم ، وأظهر مذهب الإماميّة الاثني عشرية ، وأسقط من الأذان قولهم ( حيّ على خير العمل ) وأمر بالدعاء لنفسه على المنابر بدعاء اخترعه (1) .
   وفي تاريخ ابن خلدون : فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر ، وضرب الدراهم باسمه دون الدنانير ، ونقش عليها : ( الله الصمد ، الإمام محمّد ) وهو الإمام المنتظر .
   وأسقط ذِكْرَ إسماعيل من الدعاء على المنابر وذِكْرَ الحافظ ، وأسقط من الأذان ( حيّ على خير العمل ) .
   وفي ( المواعظ والاعتبار ) : ... ولمّا تغلّب أبو عليّ بن كتيفات بن الأفضل

(1) نهاية الارب في فنون الادب : 7467 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 403 ـ
  شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبدالمجيد بن الأمير أبي القاسم محمّد بن المستنصر بالله في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، سجَنَ الحافظ وقيّده ، واستولى على سائر ما في القصر من الأموال والذخائر ، وحملها إلى دار الوزارة ، وكان إمامياً متشدّداً في ذلك ، خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية ، وأظهر الدعاء للإمام المنتظر ، وأزال من الأذان ( حيّ على خير العمل ) وقولهم ( محمّد وعليّ خير البشر ) ، وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية ، فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الأذان ما كان أُسقط منه (1) .
   وفي بعض كلام المؤرخين هذا خطأ ، إذ المعروف عن الإمامية والثابت عندهم هو جزئية ( حيّ على خير العمل ) فلا يجوز رفعه إن كان كتيفات هذا إمامياً بالمصطلح .
   واما الدعاء للإمام المنتظر وإسقاط ذكر إسماعيل بن جعفر من الخطبة فكانت خطوة سياسية احتمى بها ابن كتيفات ، لأنّه كان سنيّاً لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر .
   وهذا ما صرح به الذهبي في ( العبر في خبر من غبر ) بأن أبويه كانا سنييّن ، قال : ... فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور ، وأخذ أكثر ما في القصر ، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ، لأنّه كان سنيّاً كأبيه ، لكنه أظهر التمّسك بالإمام المنتظر ، وأبطل من الأذان ( حيّ على خير العمل ) ، وغيرّ قواعد القوم ، فأبغضه

(1) المواعظ والاعتبار للمقريزي 2 : 271 ، وانظر : قصة قتل أبي علي بن كثيفات في الكامل في التاريخ 8 : 334 أحداث سنة 526 هـ .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 404 ـ
  الدعاة والقواد وعملوا عليه (1) .
   وقال اليافعي في ( مرآة الجنان وعبرة اليقظان ) : ... وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ، لأنّه كان سنياً كأبيه ، لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر وأبطل من الأذان ( حيّ على خير العمل ) وغيّر قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقوّاد وعملوا عليه ، فركب للعب الكرة في المحرم فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ بحربة .. (2) .

حلب ( سنة 543 هـ )

   جاء في ( زبدة الحلب من تاريخ حلب ) : ... وشرع نور الدين (3) في تجديد المدارس والرباطات بحلب ، وجلب أهل العلم والفقهاء إليها ، فجدّد المدرسة المعروفة بالحلاويين في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، واستدعى برهان الدين عليّ بن الحسن البلخي الحنفي وولاّه تدريسها ، فغيّر الأذان بحلب ، ومنع المؤذنين من قولهم ( حيّ على خير العمل ) ، وجلس تحت المنارة ومعه الفقهاء وقال لهم : من لم يؤذن الأذان المشروع فألقوه من المنارة على رأسه ، فأذنّوا الأذان المشروع واستمر الأمر من ذلك اليوم ... (4)

(1) العبر في خبر من غبر 4 : 68 ، شذرات الذهب 2 : 78 ، سير أعلام النبلاء 19 : 509 ـ 510 .
(2) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 3 : 251 .
(3) هو نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر ، المولود سنة 511هـ ، وكان حنفي المذهب داعية إلى مذهبه ، وهو مؤسس الدولة النورية في الشام .
(4) زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم 2 : 475 ـ 476 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 405 ـ
   قال الذهبي في سيرأعلام النبلاء (1) في ترجمة عليّ بن الحسن بن محمّد ابي الحسن الحنفي الفقيه : سمع بما وراء النهر وتنتسب إليه المدرسة البلخية ويلقب بالبرهان ، وهو الذي أبطل من حلب الأذان بـ ( حيّ على خير العمل ) ، مات سنة 548 .
   وكان المقدسي قد نوه عن إبطال الأذان بـ ( حيّ على خير العمل ) ، بقوله : ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال ( حيّ على خير العمل ) في أواخر تأذين الغداة والتظاهر بسب الصحابة وأنكر ذلك إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التَشَيُّع .. (2) وفي ( العبر في خبر من غبر ) قال : أبو الحسن البلخي عليّ بن الحسن الحنفي ... وكان يلقّب برهان الدين ... وهو الذي قام في ابطال ( حيّ على خير العمل ) من حلب (3) .
   وجاء في ( البداية والنهاية ) لابن كثير : افتتح نور الدين أبو القاسم التركي السلجوقي وكان حنفي المذهب .. وأظهر السنّة وأمات البدعة ، وأمر بالتأذين بـ ( حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح ) ، ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجدّه وإنّما كان يؤذن بـ ( حيّ على خير العمل ) لأن شعار الرفض كان ظاهراً بها (4) .


(1) سير أعلام النبلاء 20 : 276 .
(2) الروضتين في أخبار الدولتين 1 : 202 .
(3) العبر في خبر من غبر 4 : 631 ، الدارس في تاريخ المدارس 1 : 368 .
(4) البداية والنهاية 12 : 298 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 406 ـ
   وفي ( النجوم الزاهرة ) (1) وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين (2) وخطط الشام لمحمد كرد عليّ (3) وغيرها والنص للثاني : قال أبو يعلى التميمي : وفي رجب من هذه السنة [ أي 543 هـ ] ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال ( حيّ على خير العمل ) في أواخر تأذين الغداة ، والتظاهرِ بسب الصحابة ، وأنكر ذلك إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التشيع ، وضاقت له صدورهم وهاجوا له وماجوا ، ثمّ سكنوا وأحجموا للخوف من السطوة النورية المشهورة والهيبة المحذورة ...

حلب ( سنة 552 هـ )

   اشتد المرض في شهر رمضان بنور الدين وخاف على نفسه ، فاستدعى أخاه نصرة الدين أمير أميران ، وأسد الدين شيركوه ، وأعيان الأمراء والمقدمين ، وأوصى إليهم وقرر أن يكون أخوه نصرة الدين القائم في منصبه من بعده ويكون مقيماً في حلب ، ويكون أسد الدين في دمشق في نيابة نصرة الدين ... واتّفق وصول نصرة الدين إلى حلب فأغلق والي القلعة مجد الدين في وجهه الأبواب وعصى عليه ، فثارت أحداث حلب ... ، ودخل نصرة الدين في أصحابه وحصل في البلد ، وقامت الأحداث على والي القلعة باللوم والإنكار والوعيد ، واقترحوا على نصرة الدين اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم في التأذين ( حيّ على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر ) فأجابهم

(1) النجوم الزاهرة 5 : 282 .
(2) الروضتين في اخبار الدولتين 1 : 201 ـ 202 .
(3) خطط الشام لمحد كرد علي 2 : 21 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 407 ـ
  إلى ما رغبوا فيه وأحسن القول لهم والوعد .. (1) .
   وفي ( زبدة الحلب من تاريخ حلب ) : ... ثمّ عاد نور الدين إلى حلب فمرض بها في سنة أربع وخمسين مرضاً شديداً بقلعتها ، وأشفى على الموت ، وكان بحلب أخوه الأصغر نصر الدين أمير اميران محمّد بن زنكي ، وأرجف بموت نور الدين ، فجمع أمير اميران الناسَ واستمال الحلبيّ وملك المدينة دون القلعة ، وأذِن للشيعة أن يزيدوا في الأذان ( حيّ على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر ) على عادتهم من قبل ، فمالوا إليه لذلك .

مصر ( سنة 565 هـ )

   جاء في ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) : ... قال المورخ : ولعشر مضين من ذي الحجة سنة خمس وستين وخمسمائة أمر الملك الناصر [ أي صلاح الدين الأيوبي ] أن يسقط من الأذان قولهم ( حيّ على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر ) وكانت أول وصمة دخلت على الشيعة والدولة العبيدية ، ويئسوا بعدها من خير يصل إليهم من الملك الناصر ، ثمّ أمر أن يذكر في الخطبة بكلام مجمل ، ليلبس على الشيعة والعامة : اللّهم أصلح العاضد لدينك ... ونقل أبو شامه عن ابن أبي طي فيما جرى في مصر سنة 566 هـ قوله : في هذه السنة شرع السلطان ـ يعني صلاح الدين ـ في عمارة سور القاهرة لأنه كان قد تهدّم أكثره وصار طريقاً لا يردّ داخلاً ولا خارجاً ، وولاّه لقراقوش الخادم ، وقبض على القصور وسلم ها إليه ، وأمر بتغيير شعار الإسماعيلية وقطع من

(1) سفر نامه ناصر خسرو : 122 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 408 ـ
الأذان ( حيّ على خير العمل ) وشرع في تمهيد أسباب الخطبة لبني العباس (1) .
   وجاء مثله عند ابن كثير في البداية والنهاية (2) .
   وقال ابن الاثير : كان السبب في ذلك أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفين له وضعف أمر العاضد وهو الخليفة بها .. كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة العباسية ، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى العلويين ، فلم يصغ نور الدين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه إلزاماً لا فسحة له فيه (3) .

مصر ( سنة 567 هـ )

   جاء في ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) : ... كان انقراض هذه الدولة عند خلع العاضد لدين الله ، وذلك في يوم الجمعة لسبع مضين من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة ، وكان سبب ذلك أنّ صلاح الدين يوسف لمّا ثبتت قدمه في صلب الديار المصرية واستمال الناس بالأموال ، قتل مؤتمن الخلافة جوهراً ... ونصب مكانه قراقوس الأسدي الخصي خادم عمّه ، ثمّ كانت وقعة السودان فأفناهم بالقتل ... ثمّ أسقط من الأذان قولهم ( حيّ على خير العمل ) ، وأبطل مجلس الدعوة ، وضعف أمر العاضد معه إلى الغاية ، فعند ذلك كتب الملك العادل نور الدين إلىالملك الناصر صلاح الدين يأمره بالقبض على

(1) الروضتين في اخبار الدولتين 2 : 184 .
(2) البداية والنهاية 12 : 283 .
(3) انظر الكامل 9 : 111 وعنه في الروضتين في اخبار الدولتين 2 : 190 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 409 ـ
العاضد وأقاربه والخطبة للخليفة المستضيء بنور الله ، وكان المستضيء قد راسله في ذلك فامتنع صلاح الدين ... (1) ، وذكر ابن العماد في الشذرات هذا الموضوع فيما جرى في سنة 569 ، فقال : وفيها مات نور الدين الملك العادل أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ، تملَّك حلب بعد أبيه ثّم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة وكان مولده في شوال سنة 511 ... وأزال الأذان بـ ( حيّ على خير العمل ) وبنى المدارس وسور دمشق (2) .

حلب ( سنة 570 هـ )

   وفي هذه السنة عزم صلاح الدين الأيوبي الدخول إلى الشام [ وذلك بعد موت نور الدين ] ، فلما استقرّت له دمشق نهض إلى حلب ونزل على أنف جبل جوشن ، وكان على حلب آنذاك ابن نور الدين ، والأخير جمع أهل حلب وقال لهم : يا أهل حلب ، أنا ربيبكم ونزيلكم ، واللاجئ إليكم ، كبيركم عندي بمنزلة الأب ، وشابّكم عندي بمنزلة الأخ ، وصغيركم عندي يحلّ محلّ الولد ، قال : وخنقته العبرة ، وسبقته الدمعة ، وعلا نشيجه ، فافتتن النَّاس وصاحوا صيحةً واحدة ، ورمَوْا بعمائمهم ، وضجُّوا بالبكاء والعويل ، وقالوا : نحن عبيدك وعبيد أبيك ، نقاتل بين يديك ، ونبذل أموالنا وأنفسنا لك ، وأقبلوا على الدُّعاء له ، والترحُّم على أبيه .
   وكانوا قد اشترطوا على الملك الصَّالح أنه يُعيد إليهم شرقية الجامع يُصَلُّون فيها على قاعدتهم القديمة ، وأن يُجهر بـ ( حيّ على خير العمل ) في الأذان ،

(1) نهاية الارب في فنون الادب الفن 5/القسم 5/ الباب 12 أخبار الملوك العبيديون .
(2) انظر : شذرات الذهب 4 : 228 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 410 ـ
والتذكير في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمة الإثني عشر ، وأن يصلُّوا على أمواتهم خمس تكبيرات ، وأن تكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطَّاهر أبي المكارم حمزة بن زُهْرة الحسيني ، وأن تكون العصبية مرتفعة ، والنَّاموس وازع لمن أراد الفتنة ، وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان قد أبطله نور الدين رحمه الله تعالى ، فأُجيبوا إلى ذلك .
   قال ابن أبي طيّ : فأذّن المؤذّنون في منارة الجامع وغيره بـ ( حيّ على خير العمل ) ، وصلّى أبي في الشَّرْقية مُسْبِلاً ، وصلَّى وجوه الحلبيين خلفه ، وذكروا في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة ، وصلّوا على الأموات خمس تكبيرات ، وأُذِنَ للشريف في أن تكون عقود الحلبيين من الإمامية إليه ، وفعلوا جميع ما وقعتِ الأيمان عليه (1) .

مكّة ( سنة 579 هـ )

   قال ابن جبير : وللحرم المكي أربعة أئمّة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية ، وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم ، وهم يزيدون في الأذان ( حيّ على خير العمل ) إثر قول المؤذن ( حيّ على الفلاح ) ، وهم روافض سبّابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا يجمعون مع الناس إنّما يصلون ظهراً أربعاً ، ويصلّون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها ، فأوّل الأئمّة السنية الشافعي ، وإنّما قدمنا ذكره لأنّه المقدم من الإمام العباسي وهو أوّل من يصلي وصلاته خلف مقام إبراهيم إلاّ صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمّة يصلونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها ، يبدأ مؤذن الشافعي بالإقامة ثمّ يقيم مؤذنوا

(1) الروضتين في اخبار الدولتين 2 : 348 ـ 349 ، البداية والنهاية 12 : 309 وفيه : شرط عليه الروافض .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 411 ـ
  سائر الأئمّة ، وربما دخل في هذه الصلاة على المصلّين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كلّ جهة ، فربما ركع المالكي بركوع الشافعي أو الحنفي ، أو سلم أحدهم بغير سلام إمامه ، فترى كلّ أُذُن مصغية لصوت إمامها أو صوت مؤذّنه مخافة السهو ، ومع هذا فيحدث السهو على كثير من الناس .
   ثمّ المالكي وهو يصلي قبالة الركن اليماني ... (1) .

مكّة ( سنة 582 هـ )

   وفيها دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكّة وضرب الدنانير فيها باسم اخيه ، ومنع من قولهم ( حيّ على خير العمل ) (2) .

مكّة ( سنة 617 هـ )

   وفيها توفي الشريف أبو عزيز قتاده بن إدريس الزيدي الحسني المكّي أمير مكّة .
   كان شيخاً عارفاً منصفا ، نقمةً على عبيد مكّة المفسدين ، وكان الحاج في أيامه في أمان على أموالهم ونفوسهم ، وكان يؤذّن في الحرم بـ ( حيّ على خير العمل ) على قاعدة الرافضة ، وما كان يلتفتُ إلى أحد من خلق الله تعالى ، ولا وطئ بساط الخليفة ولا غيره ، وكان يحمل إليه من بغداد في كلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره في مكّة ، وهو يقول : أنا أحق بالخلافة من الناصر لدين الله ،

(1) رحلة ابن جبير 1 : 84 ـ 85 ، وقد ذكر بعض ما يتعلق بأئمّة المذاهب الأربعة ، وأغفل ما يتعلق بإمام الزيدية !!
(2) النجوم الزاهرة 6 : 103 ، الروضتين في اخبار الدولتين 3 : 271 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 412 ـ
  ولم يرتكب كبيرة فيما قيل ... (1) .

مكّة ( سنة 702 هـ )

   جاء في ( الدرر الكامنة ) قوله : أبطل [ بزلغى التتري حينما كان على الحج ] الأذان بـ ( حيّ على خير العمل ) وجمع الزيدية ومنعهم من الامامة بالمسجد الحرام (2) .

إيران ( سنة 707 هـ تقريباً )

   كان مذهب أهل السنة والجماعة هو الغالب على إيران إلاّ في مناطق معينة كطبرستان ، والريّ ، وقم ، وأقسام من خراسان ، وقد ذكر المؤرخون عللاً وأسباباً في تشيع إيران (3) ، إلاّ أنّ الثابت هو حدوثه في عهد العلاّمة الحلّي ( الحسن بن يوسف ) المتوفى 726 هـ الذي كان السبب في تشيع السلطان الجايتو محمّد المغولي الملقّب بشاه خدابنده المتوفى 717 أو 719 هـ .
   فلما تشيع السلطان أمر في تمام ممالكه بتغيير الخطبة وإسقاط أسامي الثلاثة عنها ، وبذكر أسامي أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمّة عليهم السلام على المنابر ، وبذكر ( حيّ على خير العمل ) في الأذان ، وبتغيير السّكّة ونقش الأسامي المباركة عليها (4) .

(1) النجوم الزاهرة 6 : 249 ـ 250 .
(2) الدرر الكامنة 2 : 9 .
(3) طبع موخراً المؤرخ الحجة الشيخ رسول جعفريان رسالة الجايتو والتي ألفها باللغة الفارسية موضحاً فيها أسباب تشيعه فليراجع .
(4) روضة المتقين للعلاّمة المجلسي 9 : 30 احقاق الحق 1 : 11 ، أعيان الشيعة

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 413 ـ
المدينة [ القرن الثامن ]

   نقل السمهودي في ( وفاء الوفاء ) : ... عن ابن فرحون المتوفى سنة 799 هـ قوله : وقد تساهل من كان قبلنا فزادوا على الحجرة الشريفة مقصورة كبيرة ... وكانت بدعة وضلالة يصلي فيها الشيعة ... ولقد كنت أسمع بعضهم يقف على بابها ويؤذّن بأعلى صوته ( حيّ على خير العمل ) وكانت مواطن تدريسهم وخلوة علمائهم (1) .
   وذكر صاحب التحفة اللطيفة في ترجمة عزاز ، أحد الاشراف : كان يقف على باب المقصورة المحيطة بالحجرة النبوية ويؤذّن بأعلى صوته من غير خوف ولا فزع قائلاً ( حيّ على خير العمل ) ، قاله ابن فرحون في تاريخه (2) .

القطيف ( سنة 729 هـ )

   ذكر ابن بطوطة في رحلته سفره إلى القطيف ، فقال : ثمّ سافرنا إلى مدينة القُطَيف ـ وضبط اسمها بضم القاف كأنه تصغير قَطِيف ـ وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير ، يسكنها طوائف العرب ، وهم رافضية غلاة ، يظهرون الرفض جهاراً لا يتّقون أحداً ، ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله ) ، ويزيد بعد الحيعلتين ( حيّ على خير العمل ) ويزيد بعد

  5 : 396 ، مجالس المؤمنين 2 : 356 ، وانظر : خاتمة مستدرك الوسائل للنوري وغيرها .
(1) وفاء الوفاء للسمهودي 1 ـ 2 : 612 الفصل 27 .
(2) التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة 2 : 260 الترجمة 2965 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 414 ـ
  التكبير الأخير : ( محمّد وعليّ خير البشر من خالفها فقد كفر ) (1) .

مكّة ( سنة 793 هـ )

   جاء في صبح الاعشى : ... وولي ابنه صلاح [ بن عليّ بن محمّد ] وتابعه الزيدية ، وكان بعضهم ينكر إمامته لعدم استكمال الشروط فيه ، فيقول : ( أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان ) ، ثمّ مات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزيدية من بيعته ... إلى أن يقول : قال في مسالك الأبصار : ولشيعة هذا الإمام فيه حُسْنُ الاعتقاد ، حتّى أنّهم يستشفون بدعائه ، ويُمرُّون يده على مرضاهم ، ويستسقون به المطر إذا اجدبوا ، ويبالغون في ذلك كلّ المبالغة ، ثمّ قال : ولا يَكْبُرُ لإمام هذه سيرته ـ في التواضع لله ، وحسن المعاملة لخلقه ، وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطيب ـ أن يجاب دعاؤه ويتقبل منه ، قال : وزيُّ هذا الإمام وأتباعه زيّ العرب في لباسهم والعمامة والحنك ، وينادى عندهم بالأذان ( حيّ على خير العمل ) (2) .

صنعاء ( سنة 900 هـ تقريباً )

   ذكر صاحب البدر الطالع في ترجمة محمّد بن الحسن بن مرغم الزيدي اليماني ( المولود 836 والمتوفى 931 ) ما نصّه : لما افتتح السلطان عامر بن عبدالوهاب صنعاء ومايليها من البلاد [ كان ] يجلّه ويقبل شفاعته لأجل اتصاله بالإمام الناصر الحسن بن عزالدين بن الحسن .
   ولما صلّى السلطان عامرٌ بجامع صنعاء أوّلَ جمعة فأراد المؤذن أن يسقط

(1) رحلة ابن بطوطه : 186 / بعد ذكره لمدينة ( البحرين ) .
(2) صبح الاعشى 7 : 358 ـ 359 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 415 ـ
  من الأذان ( حيّ على خير العمل ) فمنعه محمّد بن الحسن الزيدي ، فالتفت إليه جميع من في المسجد من جند السلطان وهم ألوف مؤلّفة ، وعُدَّ ذلك من تصلّبه في مذهبه (1) .

حضرموت ( سنة 1070 هـ )

   جاء في كتاب ( سمط النجوم العوالي في أنباء الاوائل والتوالي ) للعاصمي : قوله :
   وفي سنة 1065 جهز الإمام إسماعيل (2) ابنَ أخيه الإمام أحمدَ بن الحسن على حضرموت ونواحيها لكونهم لم يخطبوا له [بعد أن سيطر على أغلب اليمن] فالتقى هو والأمير حسين الرصاص ، لكون بلده أقرب البلدان إلى دولة الإمام إسماعيل ، وحصل منهم قتال ، فلما عجز الإمام أحمد بن الحسن اُرسل إلى قبيلة يافع ـ وهم قبائل كثيرون ـ بالأموال خفية ، وطلبوا منه أن يكونوا معه على الرصاص ... فتجهزوا على الرصاص وأتوه على غرة ... حتّى قتل ... واستولى الزيدية على غالب حضرموت .
   ثمّ في سنة 1070 استولى على حضرموت كلها ، وأمرهم أن يزيدوا في الأذان ( حيّ على خير العمل ) وترك الترضي عن الشيخين ... ثمّ لم يزل الإمام

(1) البدر الطالع 2 : 122 .
(2) ابن المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن الرشيد بن أحمد بن الحسين بن عليّ بن يحيى بن محمد بن يوسف الاشل بن القاسم بن محمد بن يوسف الاكبر بن المنصور بن يحيى بن الناصر بن أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 416 ـ
  إسماعيل قائماً بأعباء الإمامة الكبرى إلى أن توفّاه الله تعالى إلى رحمته سنة 1087 هـ (1) .

نجد ( سنة 1224 هـ )

   قال عبدالحي بن فخر الدين الحسيني ( المتوفى 1341 هـ ) في ( نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ) : ... الزيدية بعد ما خالف الشريف حمود ابن محمّد على أهل نجد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف أن يزيد أهلها قول ( حيّ على خير العمل ) في ندائهم للصلوات ويَدَعُوا ما توارثوه من السلف في أذان الفجر من قولهم ( الصلاة خير من النوم ) فإنه كان يراها بدعة إنّما أحدثها عمر رضي الله عنه في إمرته (2) .
   وأختم حديثي بما نقله القلقشندي في صبح الأعشى عن الزيدية فقال : ... وهم يقولون : إن نَصَّ الأذَانِ بَدَل الحَيْعَلَتينِ (3) : ( حَيّ على خَيْر العَمَلِ ) يقولونها في أَذانِهم مرّتين بدل الحَيْعلَتَيْن ، وربَّما قالوا قبل ذلك : ( محمدٌ وعَلِيٌّ خَير البَشَر ، وعِتْرتُهما خير العِتَر ) ومن رأَى أنّ هذا بِدعةٌ فقد حاد عن الجَادَّة .
   وهم يسوقون الإِمامة في أوْلاد عَلِيّ كَرَّم الله وَجْهَه من فاطمة عليها السلام ، ولا يُجوِّزونَ ثُبوتَ الإِمامة في غير بنيهما ، إلاّ أنَّهم جَوَّزُوا أن يكونَ كلُّ فاطميِّ عالِمٍ زَاهِدٍ شُجاعٍ خَرج لطَلَب الإِمامة إماماً مَعْصُوماً واجِبَ الطاعة ، سواء كان من ولد الحَسَنِ أو الحُسَينِ عليهما السلام ، ومَن خلع طاعتَه فقد ضَلَّ .
   وهم يَرَوْن أن الإِمام المَهْدِيَّ المُنْتَظَر من ولَد الحُسَين دون ولد الحسَن رضي الله عنهما ، ومن

(1) سمط النجوم العوالي 4 : 198 ـ 200 .
(2) نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر : 1646 .
(3) هذا غلط من القلقشندي فالزيدية تقول بالحيعلة الثالثة بعد الحيعلتين لا بدلهما .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 417 ـ
  خالف في ذلك فقد أخْطَأ .
   ومن قال : إِنَّ الشيخين أبا بَكْرٍ وعُمَر أفضلُ من عَلِيٍّ وبَنِيه فقد أخْطأَ عندهم وخالَف زَيداً في مُعْتَقَدِه ، ويقولون : إنّ تَسْلِيم الحَسَنِ الأمْرَ لمعَاويةَ كان لمصْلَحةٍ آقتضاها الحال ، وإن كان الحقُّ له .
   قال في ( التعريف ) : وأَيْمانُهم أَيْمانُ أهْلِ السُّنَّة ، يعني فيحلَّفون كما تقدّم ، ويزاد فيها : وإِلاَّ بَرِئْتُ من مُعْتَقَدِ زَيْد بن عَلِيّ ، ورأيتُ أنَّ قَوْلِي في الأذانِ : ( حَيَّ على خَيْرِ العَمَل ) بِدْعةٌ ، وخَلَعتُ طاعة الإِمام المعصوم الواجب الطَّاعة ، وآدّعَيْتُ أن المَهْدِيَّ المنتَظَر ليس من وَلَد الحُسَينِ بن عليّ ، وقلتُ بتَفْضِيل الشيخين على أمير المؤمنين عَلِيٍّ وبَنِيه ، وطعَنْتُ في رَأْي ابنِهِ الحسن لما اقتضته المَصْلَحةُ ، وطعَنتُ عليه فيه (1) .

النتيجة

   وعليه فشرعية ( حيّ على خير العمل ) ثابتة عند الشيعة بفرقها الثلاث : ـ الإمامية الاثني عشرية ، والزيدية ، والإسماعيلية ـ وعند بعض الصحابة ، وإنّ هذه الجملة هي أصل لما فُسّر في كلام الأئمّة عليهم السلام بـ ( محمّد وعليّ خير البشر ) و ( محمّد وآل محمّد خير البرية ) و ( أنّ عليّاً وليّ الله ) ، فتارة كانت الشيعة تصرح بهذا التفسير ، وأخرى لا تصرح به ، نتيجة للظروف القاسية التي كانت تمر بها .
   ويؤكد التفسيرية التي قلناها ما أجاب به السيّد المرتضى رحمه الله ( ت 436 هـ ) فإنه سئل : هل يجب في الأذان بعد قول ( حيّ على خير العمل ) : ( محمّد وعليّ خير البشر ) ؟ فأجاب : إن قال ( محمّد وعليّ خير البشر ) على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة ، وإنّ لم

(1) صبح الاعشى في صناعة الإنشاء للقلقشندي 13 : 231 .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 418 ـ
  يكن فلا شيء عليه (1) .
   وقال ابن البراج ( ت 481 هـ ) في مهذبه : ويستحب لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند ( حيّ على خير العمل ) : ( آل محمّد خير البرية ) مرتين (2) .
   وكذا يُفهم من كلام الشيخ الصدوق ( ت 381 هـ ) أن الذين كانوا يأتون بهذه الصيغ الثلاث أو الأربع! كانوا يأتون بها على أنّها صادرة عن أئمّة أهل البيت ، لقوله رحمه الله : ( وفي بعض رواياتهم ... ومنهم من روى بدل ذلك ... ) (3).
   فاختلاف الصيغ عند المؤذنين ، وإتيانها في بعض الأحيان بعد الحيعلة الثالثة وأخرى بعد الشهادة الثانية تشير إلى عدم جزئيتها وكونها تفسيرية .
   إذاً عمل الشيعة وتفسيرهم هذا لم يكن عن هوى ورأي ، بل لما عرفوه ووقفوا عليه في مرويات ائمتهم الموجودة عندهم ، وهذا لو جمع إلى سيرة المتشرعة من الشيعة في كل الازمان والابقاع في ( حيّ على خير العمل ) وأنّ المعنيَّ به عندهم الولاية لوقفت على حقيقة أخرى لم تنكشف لك من ذي قبل (4) .
   وممّا يستأنس به لذلك أذان الشيعة بحلب سنة 367 هـ حيث إنّهم كانوا يقولون في أذانهم ( حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر ) ، وكذلك في أذانهم باليمامة سنة 394 هـ ، ففيه ( يقولون في الإقامة : محمّد وعليّ خير البشر وحيّ على خير العمل ) .


(1) رسائل الشريف المرتضى 1 : 279 .
ومثله جواب القاضي ابن البراج في جواهر الفقه : 257 .
(2) المهذب 1 : 90 .
(3) من لا يحضره الفقيه 1 : 188 باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنين ح 35 .
(4) سنفصل هذا الأمر بإذن الله تعالى في الباب الثالث من هذه الدراسة ( أشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعية والابتداع )

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 419 ـ
   ومن هذا الباب ما ذُكر من أنّ الحسين بن عليّ بن محمّد ... بن علي بن أبي طالب ( المعروف بابن شكنبة ) كان أوّل من جهر في الأذان بـ ( محمّد وعليّ خير البشر ) في زمن سيف الدولة الحمداني سنة 347 هـ ، ولا يخفى عليك بأنّ هذا المؤذّن والحمدانيين شيعة اثنا عشرية ، وقد عرفت بأنّ الأذان بذلك في حلب كان قبل هذا التاريخ .
   ويضاف إليه ما قلناه قبل قليل من أن الشيعة الاثني عشرية ( القطعية ) أذنوا في بغداد ( 290 ـ 356 هـ ) بـ ( أشهد أن عليّاً ولي الله ) ، وأعلوا هذا الإعلان على المآذن في القرن الثامن في القطيف كذلك وغير ذلك من النصوص ، فكلها تؤكد التفسيرية التي كان يبوح بها الشيعة أيّام قوتهم ، وأنّ كلّ ما كانوا يقولونه مأخوذ من كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وأنّ ذلك كله تفسير وتوضيح للحيعلة الثالثة (1) التي حذفها عمر وسار على نهجه الحذفيّ أتباعُهُ .
   ولذلك عظم على الرافضة !! وأهل التشيع حذف الحيعلة الثالثة من الأذان في سنة 369 هـ من قبل نور الدين عم صلاح الدين الأيوبي .
   وبهذا فقد تبيّن لنا من كلّ ما سبق أنّ لـ ( حيّ على خير العمل ) أصلاً شرعيّاً ثابتاً ، لكنَّ الظروف السياسيّة العصيبة ونهي عمر بن الخطّاب ، لعبا دوراً كبيراً في طرح شرعيّتها جانباً ـ وقد مرّت عليك بعض الروايات التي صُرّح فيها بحذف الحيعلة الثالثة للتقية من الرواة الذين كانوا يخافون على أرواحهم عند اشتداد سطوة الظالمين ـ ومع كلّ ذلك العسف ترى الصمود الشيعي في جانب آخر ، لذلك راح أتباع الحَذْفِ بعد أن لمسوا شدّة المتمسّكين بها يدّعون بأنّها منسوخة ، وعلى الرغم من شراسة الحملة الموجّهة ضدّ هذا الأصل الشرعيّ وعنف وقسوة رموزها ، إلاّ أنّ المنصفين لم يتمكّنوا من التجّرؤ والقول بأنّ ( حيّ

(1) وقد تكون الشهادة الثالثة هي تفسير للشهادة الثانية كذلك وهذا ما سنوضحه لاحقاً في الباب الثالث ( أشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعية والابتداع ) .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 420 ـ
  على خير العمل ) بدعة ، وأكثر ما توصّلوا إليه أن يقولوا عنها : إنّ ذلك الأمر لم يثبت ، و : ما لم يثبت فمن الأولى تركه وعدم الإتيان به !
   ولكن ، هل مال جميع المسلمين إلى ذلك ؟
   أبداً ، فكثير من الصحابة وكل أهل البيت وعدّة من التابعين أصرّوا إصراراً شديداً على التمسّك بالإتيان بـ ( حيّ على خير العمل ) في أذانهم والتأكيد الحازم الجازم على شرعيّة الإتيان بها ، وأن ليس من عامل شرعيّ قطعيّ دعا إلى طرحها وإسقاطها .. وقد مرّت في مطاوي البحوث شواهد كثيرة تؤيِّد صحّة ذلك بموضوعية ، وقد كان هذا الفصل هو الموضّح لكيفية ( تحوّل هذا الأصل الشرعيّ ) إلى شعار يميّز الشيعة عن غيرهم ، وقد اتّضحت بين ثناياه الدوافع التي دعت أهل السنّة لأن يتّخذوا من ( الصلاة خير من النوم ) شعاراً لهم ، حيث كانت لهذه الجملة أبعادٌ متصلة باجتهاد الخليفة عمر!! لا سنة رسول الله .
   لقد تجسدت شعاريّة هذا الموضوع بوضوح في العصور المتأخِّرة ، ويمكن القول بأنّها تجلّت واضحة في العصر العبّاسيّ الأوّل(1)، وعلى الخصوص في زمن أبي جعفر المنصور الدوانيقيّ ، كما وتجسّدت معالم شعاريّة ( حيّ على خير العمل ) بوضوح أيضاً بعد وفاة المنصور بعد أن صار جلياً وجود تيّارين متباينين ، أحدهما يصرّ بإلحاح جادّ على الإتيان بـ ( حيّ على خير العمل ) ، بينما يحاول الآخر منع ذلك بشتى الطرق ولا يرضى بالإتيان بها .

(1) هي الفترة السياسيّة لخلافة بني العبّاس ، من خلافة أبي العبّاس السفّاح إلى خلافة الواثق بالله ، أي خلافة : أبي العبّاس السفّاح ، والمنصور الدوانيقيّ ، والمهدي العبّاسيّ ، والهادي العباسيّ ، وهارون الرشيد ، والأمين ، والمأمون ، والمعتصم ، وآخرهم الواثق بالله ، ومن بعد وفاته إلى الغزو المغوليّ لبغداد ، اصطلح عليه بين المؤرّخين بالعصر العبّاسيّ الثاني .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 421 ـ
   وانطلاقاً من هذا الأساس المتشنّج كانت جميع الحركات الشيعيّة ودُولها في حال استلامها لزمام أُمور السياسة لا تتردّد في إعلاء ( حيّ على خير العمل ) من على المآذن في الأذان إعلاناً عن هويّتهم الحقيقيّة ، بل كان المدّ الجماهيري الشيعي في أحايين قوته يراهن على شرعيتها ، ولا يتنازل عن الهوية المحمدية العلوية .
   نعم ، يمكن القول بذلك على أساس اتّخاذ الشيعة ( حيّ على خير العمل ) شعاراً لهم ، وإن كانت هذه الحيعلة الثالثة جزءاً من الأذان النبوي ، فشرعيتها أقدم من تاريخ شعاريتها بكثير ، حيث هي مسألة شرعيّة ثابتة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد بيّنّا ذلك بما فيه الكفاية .
   وأمّا فيما يخصّ ذِكر أذان الإمام زين العابدين عليه السلام الثابت للجميع وليس ثمّة منكر له ، فله ميزة خاصّة ، وذلك لمكانته بين المسلمين عموماً ، فالإماميّة والزيديّة ، بل مختلف فرق الشيعة ـ باستثناء الكيسانية المنقرضة ـ تذعن له وتستسلم لأوامره ونواهيه الشرعيّة ، ويقرّون له عليه السلام بأنّه إمام للمسلمين وحجّة لله على خلقه ، وبالنسبة لباقي الفرق فهم يتعاملون معه كأحد علماء المدينة على أقل ما يقال .. فإتيان الإمام زين العابدين عليه السلام بـ ( حيّ على خير العمل ) يمثِّل ـ بلا ريب ـ شرعيّتها وامتداد جذورها إلى عصر الرسالة الأوّل ، وخصوصاً بعد وقوفنا على قوله عليه السلام ( إنّه الأذان الأول ) والذي يوضّح بأنّ الأذان شرّع في الإسراء والمعراج ، وأن ( حيّ على خير العمل ) ، إشارة إلى ولاية الإمام عليّ وولده ، والذي كتب على ساق العرش .
   وكذا الحال بالنسبة إلى فعل ابن عمر ، فإنّ إتيانه بها في أذانه ـ وهو فقيه أهل السنة والجماعة ـ ليؤكد شرعيتها ، ونحن لو أضفنا هذين الموردين إلى ما أورده الدسوقيّ في حاشيته عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنّه كان يأتي بها ،

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 422 ـ
  وإلى ما ذُكر عن الإمامين الباقر والصادق عليهم السلام ، لاتّضح لنا ولغيرنا بأنّ هذه المسألة لها أصل أصيل في الدين ، بل هناك أصل لما نقول به في كتب أهل السنة والجماعة مستقى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيقين .
   فـ ( حيّ على خير العمل ) أصلٌ من الأُصول الثابتة ، ذو جذور عريقة وراسخة تعود إلى عهد رسول الله ، وقد أتى بها الصحابة أيضاً ، إلاّ أنَّه قد دبّ الخلاف فيها منذ عهد عمر بن الخطّاب ، وهذا هو ما تثبته الأدلة والشواهد التاريخيّة والروائيّة ، إلاّ أنَّ التعصّب الأعمى دفع بالبعض دفاعاً عن اجتهاد عمر قبال السنّة النبويّة المباركة لأن يدّعي أنَّ الشيعة هم الذين أدخلوا هذه الروايات في كتبهم ، بل ودفع ذلك التعصب المقيت بالبعض الآخر لأن يدّعي ويزعم أنَّ كتبهم المعتبرة خالية من مثل هذه الروايات ، ولا ندري ما نقول لمن يريد إخفاء عين الشمس بغربال !
   ونحن لو دققنا النظر في مسألة نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحج ومتعة النساء وحيّ على خير العمل ـ على ما أورده القوشجي في ( شرح التجريد ) ـ لانكشف لنا الترابط فيما بين هذه المسائل الثلاث ، وأنّ مسألة ( حيّ على خير العمل ) تعني ارتباطها بمسألة هامة ترتبط بصميم الخلافة والإمامة ، وهذا ما أثبتناه بالأرقام في الصفحات السابقة (1) ، وقد عرفت كيف تحوّلت الحيعلة الثالثة إلى شعار للطالبيين ولشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومحبّي الزهراء البتول عليها السلام عبر القرون ، وأنّ ثبات الشيعة عليها وتمسّكهم بها يمثّل بحثا استراتيجيّاً بين الفريقين وحدّاً فاصلاً بينهما ، ولعلّ ما روي عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام عن تبيان علّتي النهي الظاهرة والخفية ـ التي مرّ ذكرها ـ جاء للكشف عن النوايا والتوجّهات الحكومية التي أرادت أن تطمس أنَّ خير العمل

(1) انظر : الفصل الثالث ( حيّ على خير العمل ، دعوة للولاية وبيان لاسباب حذفها ) .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 423 ـ
  هو : ( بر فاطمة وولدها ) .
   وبعد أن بينا تعاريف ( خير العمل ) في روايات أهل البيت عليهم السلام سابقاً ، وانها تعني : ( الولاية ) و ( بر فاطمة وولدها ) ، نصل إلى أنّ نهي الخليفة يمثّل إعلاناً عن عدم الاعتناء ببر فاطمة ، وهو ما يعود بالنتيجة إلى الولاية والخلافة وأن عمر بن الخطاب لا يريد الإشارة إلى خلافة غيره ، بل إنه لا يريد الإشارة إلى كلّ ما يتعلق بها .
   وممّا يدعم هذا المعنى ما تنطوي عليه العقوبة التي فرضها عمر بن الخطاب على القائل بها ، فقوله ( أنهى عنها ) أو ( أُعاقِبُ عليها ) بمثابة اعتراف مبدئيّ منه بشرعيّة ( حيّ على خير العمل ) ، واعتراف ضمني على ما يجول في دواخله ، ولذلك فقد ربط نهيه عن ( حيّ على خير العمل ) بنهييه عن متعتَي النساء والحجّ ، اللَّذَيْنِ أكد الإمام عليّ وابن عبّاس ورعيل من الصحابة على شرعيتها ، بخلاف عمر والنهج الحاكم اللذين دعيا إلى تركها ، فترك هذه الثلاث عُمَرِيٌّ ، وأمّا لزوم الإتيان بها أو جوازه فهو علوي ، إذاً الأمر لم يكن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متينة بين كلّ الأمور المنهيّ عنها .
   لقد ، بلغ النزاع حول المسألة المبحوثة أوجه في القرنين الرابع والخامس الهجريّين ، حيث إنّ الصراع الفكريّ والاعتقاديّ في تلك الفترة الزمنيّة قد اشتدّ كثيراً ، فسيطر على الشارع العامّ جوٌّ من الخلاف الحادّ بين الشيعة والسنّة ، كلٌّ يدّعي أنَّ الحقّ في جانبه ، ولم يصلا لقاسم مشترك يرضي الطرفين في محاولة للعودة إلى حالة الألفة وعدم التنازع ، فكلٌّ منهما متمسِّك بصلابة بما توصّل إليه ، هؤلاء بأئمتهم ، وأولئك بحكوماتهم .
   ولو ألقينا نظرة فاحصة على النصوص التي مرت في حوادث سنة 350 ـ 443هـ ، ودرسنا وضع شدّة النعرة الطائفية واستفحالها ، لشاهدنا بوضوح دور

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 424 ـ
  مسألة ( حيّ على خير العمل ) الذي تزامن طرحها مع مسائل اعتقاديّة أُخرى بشكل لا يمكنك التفكيك بينها ، مثل مسألة الغدير ، ولبس السواد وما إلى ذلك .
   فلماذا يمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح ؟ ولماذا تقع الفتنة يوم الغدير ؟
   قال الذهبيّ في أحداث سنة 389 هـ : ( كانت قد جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وإظهار الزينة يوم الغدير ، والوقيد (1) في ليلته ، فأرادت السنّة أن تعمل في مقابلة هذا أشياء ، فادّعت أنَّ اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبيّ وأبو بكر في الغار ، فعملت فيه ما تعمل الشيعة في يوم الغدير ، وجعلت بإزاء يوم عاشوراء يوماً بعده بثمانية أيّام إلى مقتل مصعب ... ) (2) .
   فانظر إلى الأصالة والتحريف معاً ، وكيف تُغيّر الوقائع والأحداث عن مجرياتها وتحرّف عن أصالتها وتوضع باسم الآخرين !
   ومن الحوادث التاريخيّة التي برزت فيها شعاريّة ( حيّ على خير العمل ) كرمز للشيعة والتشيّع ما أورده ابن الجوزيّ في ( المنتظم ) في أحداث سنة 417 هـ ، وما جاء في ( مرآة الجنان ) في أحداث سنة 420 هـ ، حيث ذكرا بإنّ الصراع والصدامات بين الشيعة والسنّة في بغداد كانت على أشدّها ، وقد حاول السنّة بشتّى الأساليب التجرُّؤ على مكانة الإمام عليّ عليه السلام الرفيعة السامية ، وبذلوا كلّ ما باستطاعتهم من النيل منه ومحاولة إسقاط مقامه الشامخ أمام أنظار العوامّ ، وعلى هذا الغرار فقد بعث القادر العبّاسيّ ظاهراً ـ أحد وعّاظه ـ إلى مسجد

(1) أي إيقاد الشموع والقناديل والإضاءة .
(2) تاريخ الاسلام : 25 حوادث سنة 381 ـ 400 هـ .

الأذان بين الإصالة والتحريف ـ 425 ـ
   براثا (1) ـ مسجد الشيعة ـ في أحد أيّام الجُمَع ، وراح ينال من شخصية الإمام عليّ عليه السلام بكلّ ما لا يليق به لا من قريب ولا من بعيد ، الأمر الذي أثار الشيعة من الذين كانوا حاضرين في ذلك المسجد ، فلم يسكتوا على قباحة ذلك الخطيب ، وحدث لغط وثارت الحميّة الدينيّة ، فلم يكتفوا بالاعتراض اللفظيّ ، بل رموا ذلك الخطيب بكلّ ما كان قريباً من أيديهم فأصابوه وكسروا له أنفه (2) ، فكانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الاولى التي الهبت حالة الصـدامات فيما بين السـنّة والشيعة في بغداد في تلك السـنة ، وعلى أثر ذلك فقد كتب الشيعة على أبواب دورهم هذه العبارة : ( محمّد وعليّ خير البشر ، فَمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر ) .
   ومن خلال هذه الحادثة ومثيلاتها التي حدثت في بغداد على مرّ الأيّام يظهر لنا أنَّ ( حيّ على خير العمل ) أصبحت تُمَثِّل شعاراً للشيعة ، لأنَّ ديدن الجميع هو التأكيد والتركيز عليها ، وعدم التنازل عنها وذلك للاعتقاد الجازم بجزئيّتها ، بخلاف الحكومات التي خافت منها ومن معناها ومغزاها فدأبت على حذفها ، ولهذا يقول صاحب السيرة الحلبيّة : ( إنَّ الرافضة لم يتركوا ( حيّ

(1) ومسجد براثا من المساجد العريقة والقديمة جدّاً ، وكان يومذاك بمثابة معقل الشيعة وحصنهم الحصين ، وتخرّج منه الكثير من الرجال الذين دخلوا تاريخ عالَم التشيّع ، حتّى قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية 11 : 271 حوادث سنة 354 هـ ، إنّه : ( عشّ الرافضة ) ، وكان ابن عقدة يعطي دروسه فيه ، ونقل عنه أنّه كان حافظاً لستمائة ألف حديث ، ثلاثمائة ألف حديث منها كانت في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، هذا مضافاً إلى إيواء المسجد لعدد كبير من علماء الشيعة ، وكانوا على درجة عالية من الوعي والصلابة في الدين ، جعلت من أحد النواصب لأن يسمّيه بغضاً وتعنتاً بـ ( مسجد ضرار ) انظر البداية والنهاية 11 : 173 .
(2) البداية والنهاية 12 : 28 ـ 29 حوادث سنة 420 هـ .