الفهرس العام

من هم الشيعة


الفصل الثاني ... الخلافة بين النص والشورى
الشورى هي الحل
أبو بكر هو الخليفة الذي نص عليه رسول الله
الاستدلال بآيات الشورى باطل
اختلاف أمتي رحمة
الديمقراطية مبدأ إسلامي وعقلائي
الديمقراطية لا تصلح في المجتمع القبلي
إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر
بيعة علي لأبي بكر كافية في المقام
أحداث السقيفة
علي مع الحق والحق مع علي

  أسترسل خالي في الحديث مبيناً من هم الشيعة ، واضعاً إصبعه على أسس الخلاف بينهم وبين أهل السنة ، ومدى أحقيتهم في هذا الخلاف ، فقد كنت لا أعرف عنهم إلا أنهم هم الذين يدعون بأن الرسول (ص) بعد وفاته لم يترك الأمر شورى ، وإنما قام بتعين الإمام على (ع) خليفة من بعده ، وما جرى في التاريخ من خلافة سيدنا أبي بكر وعمر ما هو إلا غصب لحق الإمام علي (ع) الشرعي.
  فقد أكد خالي أن الخلاف المذهبي هو خلاف في عمق آليات الفهم الديني ولذا كان أيمان الشيعة بأهل البيت كمرجعية معصومة لقطع الطريق أمام دواعي الخلاف الديني ، ، فالضرورة العقلية قاضية بأن وحدة المرجعية هي كفيلة بجمع الصفوف وحل التباين ، فإذا كان الله حريصاً على هداية الناس وهو كذلك فقد أرسل الأنبياء والرسل وأيدهم بمعجزاته حرصاً على هداية الناس ، فلما تجاهل هذه الحقيقة العقلية الحاكمة بضرورة وجود مرجعية معصومة ، ألا يكون لنا حجة يوم القيامة إذا سألنا عن سبب تفرقنا إلى مذاهب بأن نقول لم تجعل لنا علماً هادياً نقتدي به ونلجأ إليه كما كان يفعل الصحابة في

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 28 _

  عهد رسول الله (ص) ، فجوهر الخلاف بين السنة والشيعة في هذا النقطة المحورية ، حيث يدعي الشيعة أن حكمة الله تقتضي أن ينصب لنا الله إماماً من بعد الرسول (ص) ، ألا تجدين في نفسك إن كان هناك مثلاً عشر أشخاص ينوون القيام بعمل ما ، فإن كان هناك قائد من بينهم يلجأون إليه ويأتمرون بأمره ألا يكفل ذلك وحدتهم وجمع صفهم ، أما إذا كان كل واحد منهم يعمل برأيه فسوف ينقلب جمعهم إلى عشرة طرق كل فريق بما لديه فرح ، فنقطة بداية الخلاف بين السنة والشيعة في هذا الأمر تمسك الشيعة بضرورة حكم العقل ولم يعترف السنة بذلك الحكم ، ولا تعتقدي أن هذا الحكم العقلي بعيد عن الحكم الشرعي ، فالقرآن أيضاً قاضياً بهذا الحكم ، ألا يكفيك في هذا الأمر أن الله لم يوكل للبشر اختيار أنبياءهم بل هو الذي ينتجب ويصطفي من عباده ما يشاء ، فإن لم يكن للبشر خيرة في تنصيب من يخصه الله بالنبوة والرسالة كذلك ليس لهم الخيرة في تعين من يقوم بأمر دينه ألم يقل تعالى (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) فالجاعل هو الله ، فهذه هي سنة الله ولن تجدِ لسنته تحويلا ، ثم أن أساس الخلاف في هذه الأمة هو فيما بعد الرسول (ص) ، فأهل السنة والشيعة متفقون بشكل ما على الإيمان بالله والرسول ، والخلاف كل الخلاف في ما بعد الرسول (ص) وقد ذكرت لكِ أن الضرورة العقلية حاكمة في هذا الحال بأن يكون لنا أمام من بعد الرسول وقد حكم القرآن أيضاً بهذه الضرورة في قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ...) فقد بينت هذه الآية ثلاثة محاور أساسية وهي الله ، والرسول ، وولي الأمر ، فلم تستثنِ هذه الآية موضوع الإمامة مما يعني إن الدين لا يكتمل إلا بهذه المحاور الأساسية ، وإذا تدبرتِ في هذه الآية بشكل أعمق تكتشفين حقائق أكثر

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 29 _

  بعداً ، فإذا نظرنا إلى لفظة أطيعوا نجد أنها تكررت في الآية مرتين المرة الأولى توجب الطاعة لله ، والثانية توجب الطاعة للنبي ، فلما تكررت إذاً ؟ فإن كانت الطاعة لله وللرسول واحدة كان بالامكان العطف (أطيعوا الله ورسوله) من غير لفظة طاعة جديدة ، ويتحقق بذلك المعنى ، ولكن هذه دلالة على الفرق بين الطاعتين فطاعة الله عبادة وطاعة الرسول امتثال لأوامره ، هذا ما يقودنا إلى الاستفسار عن عدم تكرار لفظة الطاعة مرة ثالثة في أولي الأمر ، فلو أستخدم القرآن لفظة ثالثة (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر) لدلل على الفرق بين الطاعتين وحين لم يستخدم ذلك بل عطف طاعة أولي الأمر على طاعة الرسول علمنا إن طاعة أولي الأمر هي عين طاعة الرسول (ص) وهي طاعة على سبيل الجزم والحتم ، هذا ما يقودنا إلى حقيقة عميقة وهي عصمة أولي الأمر وإلا كيف يأمرنا الله بالطاعة المطلقة لمن هو يرتكب المعاصي فيكون أمراً من الله بالمعصية التي نهي عنها الله ، فيجتمع بذلك الأمر والنهي في موضع واحد وهو محال فتعين بذلك عصمة أولي الأمر ، وبذلك يكون رسم الله لنا معياراً نتعرف به على ولاة أمورنا وهو العصمة ، وبهذا تسقط خلافة كل أمام أدعى الخلافة وهو غير معصوم ، فالخلفاء الراشدون لم يدعوا العصمة لأنفسهم فضلاً على أدعاء الآخرين ، فمن هذه النقطة الجوهرية أنطلق الفهم الشيعي يبحث عن ولاة الأمر الذين عصمهم الله من الخطأ ، ولم يجد الشيعة بنص القرآن غير أهل البيت عليهم السلام الذين طهرهم الله من الرجس ، وقال تعالى في حقهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ...) فقد حصر الله في هذه الآية أهل البيت وخصهم بالطهارة من كل رجس ودنس أو بمعنى آخر عصمهم

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 30 _

  من الخطأ ، وبمعرفة المعصومين نكون قد عرفنا من هم أئمتنا وولاة أمورنا في تلك الآية ، فتكون الطاعة واجبة على كل مسلم لله تعالى وللرسول (ص) ولأهل البيت عليهم السلام ، وبذلك رسم لنا القرآن طريقنا من بعد الرسول (ص) وهو موالاة أهل البيت عليهم السلام ومودتهم كما أمر الله بقوله (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) ، ومن هنا جاءت الأحاديث متواترة عن رسول الله (ص) توجب أتباع أهل البيت عليهم السلام كقوله (أني تارك فيكم ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي إن العليم الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) فحصر هذا الحديث مسار الأمة من بعد الرسول وهو في أتباع الكتاب والعترة ، فعندما رأى الشيعة هذه النصوص تشيعوا لأهل البيت وتابعوهم فالتشيع يعني أتباع أهل البيت عليهم السلام ، ولا تتصوري أن الفكر الشيعي وليد ذهنية ابتكرت فكرة الإمامة في ظروف تاريخية معينة وإنما هو امتداد طبيعي لحركة الرسالة الإسلامية ، وقد كان الصحابة الذين يوالون الإمام علي أمثال أبي ذر وسلمان والمقداد يسمونهم بشيعة علي (ع) كما أكد الرسول (ص) هذا المفهوم وجذّر هذا المصطلح في عقلية الأمة الإسلامية بمجموعة أحاديث بشّر بها شيعة علي بالفوز بالجنة وأكدت أنهم هم الفرقة الناجية كقول رسول الله (ص) (من أراد أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي فليوالي علي بين أبي طالب من بعدي ويوالي وليه ويقتدي بأهل بيتي فإنهم خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي ويل للقاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي) وقول الرسول (ص) (يا علي أنت وشيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي) (يا

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 31 _

  علي أنت وشيعتك هم الفائزون) وغيرها من الأحاديث التي رسمت للأمة طريقها ، فهذا هو التشيع باختصار وأنا أدعوكِ إلى التأمل في ما قلته لكِ ويكون والحوار بيننا ممتداً.
  توقف الزمن أمامي وأنا أستمع إلى هذا الكلام ... أرتسمت على محياي الدهشة ... وبدا علي السكون ... ولكنه في الواقع هز نفسي بعنف وكأنه أقترب بأنامله حول عنقي ليحبس بكلماته أنفاسي ، فهل سحب خالي بهذا الكلام البساط من تحت أقدام كل المذاهب ... لكنه بدأ من النقطة التي وقفت عندها في مفترق الطريق ، فلعله هو العابر الذي كنت أنتظره ليسلي وحدتي ويربط على قلبي لكي أقتحم تلك الصفحات التي ختمت بحبر التقديس.
  ولكن سرعان ما لملمت أشتات ذهني وحزمت أمر نفسي ، قائلة : لا يمكن تجاوز كل ذلك الزخم الفكري في الموروث الإسلامي وما أبدعت فيه عبقريات العقل المسلم بهذه الكلمات ، فالأمر موقوف على كثير من البحث والنقاش.
  قاطعني قائلاً : أنا لم أطلب منك تحديد موقف بهذا الكلام ، كما أنني لا أؤمن بسياسة التلقين وتمرير الأفكار فكل ما ذكرته توضيح عام وما زال البحث والنقاش بيننا.
  قلت : الأمر بحاجة إلى تركيز أكثر وأنا لا جد إن المكان مناسب في وسط هذه الضجة وزغاريد الفرحة ، فمن المناسب أن ننتظر بعد أن تهدأ الأمور وأجد الفرصة الكافية لاستجماع نفسي لطرح الحوار نقطة بعد نقطة.
  قال : لا بأس بهذا الاقتراح ، فأنا موجود متى طلبتِ مني الحوار.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 32 _

الفصل الثاني ... الخلافة بين النص والشورى

  ودّعتُ خالي بعد تلك الجلسة العابرة ، ودخلت مع النساء في معمعة الزواج ، بين ضجيج النسوة وصراخ الأطفال ولكنها لم تحجب عن سمعي تلك الكلمات التي سمعتها عن خالي فما زالت تتردد في أذني ، فعزمت على أعداد العدة فلا يمكن الاستهانة بهذا الكلام كما لا يمكن الاستهانة بمقدرة خالي العلمية فقد أدهشني فعلاً بتلك الكلمات التي كانت تنساب على لسانه من غير جهد وتكلف.
  بعد الانتهاء من مراسيم الزواج وفي مساء يوم من الأيام ، دعوت خالي لإكمال الحوار وقد سجلت مجموعة أدلة تنقض ما قاله خالي ، فوافق بترحاب ، بشرط أن يكون النقاش مع مجموعة لتعم الفائدة.
  وفي جو من الهدوء والسكينة وتحت ضوء القمر ، اجتمعنا أنا وأخوتي وبنات خالتي ، وبدأ الحوار مع خالي.
  قلت : أولاً وقبل كل شيء تعلم إن كل من لا يؤمن بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان فهو كافر ، والشيعة لا يؤمنون بذلك ويعتبرون أن الخليفة من بعد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) هو علي فحسب ، وفي هذا الكلام تجاوز على الخلفاء و

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 33 _

  كذبٌ وافتراء على الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وطعناً في الصحابة ، وتسقيطاً لمكانة أبي بكر وعمر وعثمان -رضوان الله تعالى عليهم.
  خالي : لعل الله منّ على بكِ حتى اهتدي على يديكِ إن كنتُ ضالاً ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ( وأيم الله لئن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت الشمس عليه وغربت ).
  وقال تعالى : (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).
  فتعالِ ، أكشفِ لي المستور ، وأنيري دربي للحقيقة ، ولكن أرجو منكِ يا بنت أختي بأن تنتهجي طريق الحكمة والدليل ، فنحن قوم نميل مع الدليل أينما مال ، قال تعلى (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) ، وقال تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكة والموعظة الحسنة) ، وقال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ( رحم الله امرئً سمع حكماً فوعى ، ودعي إلى رشاد فدنا وأخذ بحجزة هاد فنجا ).
  وعندها أطرقت رأسي خجلاً ، وقلت سامحني يا خالي ولكن الحوار ليست فيه اعتبارات ، وأنت صادق في ما قلت وما عليك إلا مواصلة النقاش ولكن عليك ذكر دليل الشيعة على أن الإمام علي قد نص عليه من قبل الله تعالى ؟
  خالي : إذا كنت مدير مدرسة أو شركة وطرأ عليك سفر ، فهل تغادرين هذه المدرسة أو تلك الشركة بدون تعيين أي وكيل ؟
  قلت : طبعاً لا ، وليست هذه صفة أي أداري عاقل.
  خالي : أذن فهل خرج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من هذه الدنيا بدون وضع أي حلٍ لامته ، فهل كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجهل بما سيقع من بعده من حروب وفتن واختلافات ؟ وهل يعقل أن رسول الله (صلى الله عليه

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 34 _

  واله وسلم) هذه الشخصية العملاقة التي بنت أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية يترك هذه الحضارة ، من غير تعين من يرعى شؤونها.
  أو ليس من الواجب على الرسول أن يكون حريصاً على العباد ، فيختار إليهم من يكون أمامهم في أمور الدين والشريعة ؟ أو ليس هو القائل (ستفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار ألا واحدة).
  حاشا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن يترك أمته سدي ، وهو العالم بما سيجري بعده ، وقد أثبت التاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان إذا أراد أن يخرج من المدينة إلى غزوة كان لا يخرج حتى يجعل خليفة ، وقد ذكر البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عندما خرج لغزوة تبوك خلف علي ابن أبي طالب على المدينة وقال له : يا علي ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فيتضح من ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد وضع حلاً لأمته ... أليس كذلك ؟
  قلت : أنا لا أعترض على شي مما قلت ، فأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يخرج من هذه الدنيا حتى وضع حلاً ... ولكن لا يعني هذا ، أن يكون الحل الذي وضعه هو النص على الإمامة.
  خالي : إذن ما هو الحل ؟
  قلت : الحل هو الشورى بين المسلمين.
  خالي : أذن خلاصة هذا الكلام أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان يعلم بما سيجري من بعده ، وأنه قد وضع حلاً لامته ... ولكن اختلفنا في نوعية ذلك الحل ، فانتم تقولون أن

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 35 _

  الحل الذي وضعه الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الشورى بين المسلمين ... أما الشيعة ، فقد ذهبت إلى أن الحل هو النص والتعيين من قبل الله تعالى ورسوله ، وقد أثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن الرسول عين من بعده علي وأهل بيته.

الشورى هي الحل

  قلت : أن الأدلة على الشورى واضحة في آيات الله تعالى ، ولا أدري كيف تغافل عنها الشيعة ، فهل هناك نص أوضح من قوله تعالى (و أمرهم شورى بينهم) وقوله : (وشاورهم في الأمر).
  فأن الظاهر من هذه الآيات ، هو إعطاء الشرعية للأمة في انتخاب خليفتها ، وليست لك حجة مما ينتج من هذا الانتخاب من اختلاف ، لان من ميزات شريعتنا الغراء أن الاختلاف مسموح به ، بل هو رحمة كما قال رسول الله (اختلاف أمتي رحمة) ، هذه من أعظم القيم الإسلامية و هي إقرار مبدأ الديمقراطية.
  كما أن الواقع العملي لسيرة المسلمين وخاصة سيرة السلف الصالح قد أجمعوا على هذا المبدأ ، وأن أول شورى حدثت في التاريخ ، أسفرت عن أعظم حضارة بقيادة الخلفاء كانت نتاج مبدأ الشورى ، وهذا ما أراده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وهو القائل لا تجتمع أمتي على ضلال ، وهذا للأمة فماذا يكون الحال إذا كان المجمعون هم الصحابة الذين زكاهم الله عز وجل ومدحهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فلم تكن يا خالي خلافة أبي بكر خارجة عن الدين ، بل هي الدين بعينه.
  وإذا كنت في شك مما قلتُ لك ، تكون قد خالفت أهل البيت

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 36 _

  الذين تدعون التمسك بهم ، لان علي ابن أبي طالب بنفسه بايع أبا بكر ولم يخالفه ، وإذا كانت الخلافة له ، لما سكت وبايع أبا بكر وكان على الأقل أحتج عليهم وذكرهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد نص عليه ، ولكن حدث عكس ذلك ، فقد أقر علي مبدأ الشورى كما جاء في هذا النص كتبته من كتاب يرجعه إلى نهج البلاغة (وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فان اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا ، فإن خرج من أمرهم بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منهم فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير المسلمين) ولعل علي كان يدري أناساً يأتون من بعده يدعون أن الإمامة حق له دون غيره ولذلك سطر هذه الكلمات حتى تكون حجة عليهم مدى الدهر.
  هذا من جهة علي ، أما من جهة الصحابة فالأمر أوضح ، لأنهم لم يبايعوا على ، ولوا كان هناك نصاً عليه لم يتخذوا دونه بدلا ، و لا يمكن أن يقبل إن كل الصحابة قد تواطئوا على علي ، وهم الذين مدحهم الله في كتابه (محمد رسول الله واللذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً ...) وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
  فإذا كان الصحابة لم يبايعوا علياً فهذا دليل قوي على أنه لا يوجد أي نص ، إذ لو كان هناك ثمة نص لألتزم به الصحابة الكرام.
  ثم بالله عليك ، إذا كانت الإمامة نصاً ألهياً وهي بهذه الدرجة من الخطورة كما تدعون وتطبلون على ذلك لماذا لم تذكر في القران الكريم ؟
  لماذا لم يذكر أسم علي كما ذكر أسم محمد (صلى الله عليه

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 37 _

  وسلم) ، بل لم يترك حتى إشارة واضحة محكمة في ذلك الخصوص ؟
  فهذا يدل على أن القضية هي قضية شورى بين المسلمين ، ولست القضية نص كما تدعي وتذهب.

أبو بكر هو الخليفة الذي نص عليه رسول الله

  ... وإن تنـازلنا وسلمنا للشيعة أن الخليفة لابد أن يكون منصوصاً عليه ، فحينها تكون الكفة مع أبي بكر الصديق.
  خالي : متعجباً ... أبو بكر ؟
  قلت : أجل ، الصديق ...
  خالي : نورينا ، كيف ذلك ؟؟
  قلت : عن علي رضي الله عنه قال (دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلنا : يا رسول الله أستخلف علينا قال : إن يعلم الله فيكم خيراً يول عليكم خيركم ، فقال علي رضي الله تعالى عنه : فعلم الله فينا خيراً فولى علينا خيرنا أبا بكر رضي الله عنه) ... وعن علي أبن أبي طالب أيضاً : (أتت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأمر أن ترجع إليه فقالت : إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت ، قال إن لم تجديني فأتي أبا بكر) ... وعن ابن عمر قال (سمعت رسول الله يقول : يكون خلفي أثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث ألا قليلا) ... وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اقتدوا بالذي بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
  هذا بالإضافة إلى قوله تعلى (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين ...) فأن هذه الآية نازلة في حق أبي بكر الصديق.
  فكانت النتيجة طبيعية ، أن يعين رسول الله (صلى الله عليه

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 38 _

  وسلم) أبا بكر كما عينه إماماً ليصلي بالمسلمين.

الاستدلال بآيات الشورى باطل

  خالي : انتهيتِ ؟
  قلت : أجل ، وهل بعد هذا الكلام من زيادة ، وابتسمتُ قائلةً : قطعت جهيزة قول كل خطيب ، ولو كان للشيعة ربع هذه الأدلة لقلنا أنهم تأولوا ، ولوجدنا لهم عذراً.
  خالي : هوني عليكِ يا بنت أختي زادني الله وإياكِ بصيرة في الحق ... وهدانا الله إلى طريق الهدى والصراط المستقيم.
  حججك يا عزيزتي قوية ومنطقية ولكن عندي عدة أسئلة وبعض الشبهات حول ذلك فإن أجبت عنها ، كان الصواب معك.
  قلت : بوجه مستبشر ، وبلهفة تفضل ... تفضل.
  خالي : ذكرتِ أن الحل والمنهجية التي وضعها الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأمته بعد وفاته هي الشورى بين المسلمين ، وإستدليتِ بالآيتين المباركتين (وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم).
  قلت : أجل ، هو ذلك.
  خالي : حسناً من هو المخاطب بقوله تعالى (وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله).
  قلت : المخاطب هو الرسول.
  إذن فالخطاب في الآية متوجه إلى الحاكم الذي استقرت حكومته أليس كذلك.
  قلت : وبعد ثوان من الصمت ، لم أفهم ذلك.
  خالي : بما أن الرسول كان هو الحاكم الشرعي ، وخطاب الآية متوجه له ، فلا يمكن أن تكون الآية مؤسسة لنظرية

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 39 _

  الحكم وألا يكون في الأمر خلف وتحصيل حاصل ، لأن الرسول هو الحاكم حين ذاك ، فكيف تكون الشورى لتنصيب الحاكم والحاكم موجود ، فأقصى ما نفهمه من الآية أن من وظائف الحاكم الشرعي هو الشورى مع رعيته ، هذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام : (من أستبد برأيه هلك ومن شاور الرجال في أمورها شاركها في عقولها) هذا أولاً.
  وثانياً : أن مشورة الحاكم للرعية ليست على وجه الإلزام أي ليس واجباً على الحاكم الأخذ برأيهم ، والدليل على ذلك قوله تعالى { فإذا عزمت فتوكل على الله } ، فالأمر أولاً وأخيراً منوط بالحاكم ، هذه هي الشورى الشرعية التي أمر بها الإسلام ، وهي لا تنعقد ألا بوجود الحاكم والقيّم على الشورى ، فأركان الشورى في الإسلام ، أولاً : المتشاورون ، وهذا من قوله تعلى { وشاورهم } وثانياً : موضوع للشورى ، والدليل عليه { في الأمر }
  وثالثاً : ولي وقيم على الشورى ، حيث ترجع أليه الآراء وهو الذي يحكم فيها ، { فإذا عزمت فتوكل على الله } ، فبهذا لا يمكن أن تنعقد الشورى بكيفيتها الإسلامية ألا بحاكم ، وأنتم تزعمون أن الحاكم لا يأتي ألا عن طريق الشورى وهذا دور والدور باطل كما تعلم ، أي بمعنى أخر ، أن الحاكم لآياتي ألا بالشورى ، والشورى لا تقوم ألا بالحاكم ، فإذا حذفنا المتكرر ، تكون المحصلة ، الحاكم لا يقوم إلا بالحاكم ، أو الشورى لا تقوم إلا بالشورى وهذا باطل بإجماع العقلاء ، فتكون الآية خارجة عن موضوع تعين الحاكم ، ولأجل ذلك لم نرى أحداً من السقيفة أحتج بهذه الآية.
  فالمتمعن في الآية يتضح له أن الأمر بالمشاورة كان بقصد الملاينة معهم والرحمة بهم ومن سبل الترابط الذي يجمع بين القائد وأمته ، قال تعالى { فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 40 _

  كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم وأستغفر لهم وشاورهم ... } أما قوله تعالى { وأمرهم شورى بينهم ، ومما رزقناهم ينفقون }
  فالكلام فيها بنفس ما تقدم لأن الخطاب كان شاملاً للرسول أيضاً فمن الممنوع عقلاً وشرعاً أن يعقد الصحابة مشورة من دون الرسول هو بينهم ، فإذا تحتم دخول الرسول معهم وهو الحاكم المطاع فتخرج الشورى حينها عن موضوع تعين الحاكم كما تقدم في الآية الأولى ، فتكون الآية حثت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة لا فيما هو خارج عن حوزة أمرهم.
  أما كون تعين الأمام داخلاً في أمورهم ، فهذا هو أول الكلام وعلى أقل تقدير إذ لا ندرى هل أن أمر الإمام هو من شؤون المؤمنين أم من شؤون الله سبحانه ، ومع هذا الترديد لا يصح التمسك بالآية.
  فهذه الآيات التي ذكرتيها لا يستفاد منها أكثر من رجحان التشاور بين المؤمنين في أمورهم ، كما أن التشاور لا يمكن أن يكون في القضايا التي ورد فيها تحديد شرعي فليس لأحد صلاحية في قبالة تشريعات الله تعالى ، قال تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } القصص 68 وقال : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً } الاحزاب 36.
  ...فالآيتان أجنبيتان تماماً عن موضوع القيادة ، وبالتالي دليلكِ هذا ساقط ولا ينهض بأي حال من الأحوال لإثبات المدعى.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 41 _

  أليس كذلك ؟
  قلت : هذا الكلام يبدو في ظاهره وجيه ، مع أنه يشوبه نوع من الغرابة فلم أسمع من قبل بمثل هذا الاستدلال ، ولكن كل ما أفهمه ، أن اختلاف أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة ...

اختلاف أمتي رحمة

  عذراً يا عزيزتي أن الحديث الذي ذكرتيه ليس بهذا الفهم ، والوارد في تفسيره عند أهل البيت (عليهم السلام) كما جاء في كتاب أسمه علل الشرائع (أنه قيل للأمام الصادق (عليه السلام) : أن قوماً يروون أن رسول الله قال : (اختلاف أمتي رحمة) ، فقال : صدقوا ، فقيل إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ، قال (عليه السلام) : ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنما أراد قول الله عز وجل { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } 122 التوبة ، واختلاف أهل البلدان إلى نبيهم ثم من عنده إلى بلادهم رحمة ... فالاختلاف في البلدان لا في الدين لان الدين واحد ، وهذا ما تؤكده كتب اللغة فقد جاء في المنجد : أختلف إلى المكان ، تردد أي جاء المرة بعد الأخرى ، وهذا ما يقبله العقل والشرع قال تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } 103 آل عمران ، وقوله تعالى : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ... } 46 الأنفال ، وقال : ل { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص } 4 الصف ، وقال تعالى { إنما المؤمنون أخوة } 4 الحجرات.

الديمقراطية مبدأ إسلامي وعقلائي

  قلت : حسناً يا خالي إذاً أنتم الشيعة الإمامية ، لا تعترفون

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 42 _


  بمبدأ الشورى في الفكر الإسلامي وإذا كان الأمر كذلك ، فلما المصلحون والمجددون يقولون : أن بنيان الحكم في الإسلام مبني عل أسس الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ، ولم يكن ذلك من فراغ ، وإنما استناداً للطريق الذي شرعه الإسلام لانتخاب الحاكم بالشورى والاختيار الحر ، وهذا ما أجمع عليه كل العقلاء مسلمون وغير مسلمين.
  خالي : أولاً إن الديمقراطية بصورتها الحالية لم تكن هي المبدأ الذي أتفق عليه كل العقلاء.
  وثانياً : أن الديمقراطية بالفهم الإسلامي هي رقابة مشتركة بين الحاكم والرعية من أجل تطبيق قيم ومبادئ سامية ، وليست هي الفوضى التي تنتج من الأتباع المطلق لرغبات الشعب ، وإنما هي مساعي مشتركة بين الحاكم والرعية لتطبيق شرع الله.
  ثالثاً : إن الديمقراطية يمكن أن تقبل في إطار خاص وليس مطلقاً ، أي في الأمور التي تعتبر من اختصاصات البشر ، لا في الأمور التي هي من شأن الله سبحانه وتعالى ، فالحا كمية الحقيقية لله تعالى { أن الحكم ألا لله } ، والله هو الخالق ، والخالقُ مالك ، والمالك هو الحاكم ، ولا يجوز للمملوك أن يتصرف في حق المالك ألا بأذن المالك ، وقد جرت سنة الله سبحانه وتعالى باصطفاء الخلفاء والحكام الذين يمثلون حكومته في الأرض ، قال تعالى : { أني جاعلك في الأرض خليفة } وقال تعلى { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } وقال : { أني جاعلك للناس إماما وقال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } وهذا غير الآيات التي تحدثت عن اصطفاء الله للخلفاء ، فأمر الحكم هو من اختصاص الله عز وجل ، فلا تجري فيه الديمقراطية.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 43 _


الديمقراطية لا تصلح في المجتمع القبلي

  رابعاً : ولو سلمنا جدلاً أن الديمقراطية يمكن أن تكون طريق لاختيار الحاكم ، لكنها لا تفيد مع ذلك المجتمع الجاهلي الذي لم يعرف في طول تاريخه معنى الشورى ، فان الأنظمة التي كانت سائدة هي الأنظمة القبلية ، والتقسيمات العشائرية ، التي لا تعترف ألا بقانون القوة.
  قلت : لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) سعى سعياً حثيثاً لمحو الروح القبلية وإذابة الفوارق العشائرية ، وجمع ذلك الشتات في بوتقة الإيمان الموحد.
  خالي : نعم هذا صحيح ، ولكن ليس من الممكن أن ينقلب النظام القبلي في مدة ثلاث وعشرين عاماً إلى نظام موحد إسلامي فقد كان لا يرى إلا الانتساب إلى القبلية فخراً له ، والأدلة على ذلك كثيرة ، فقد نقل البخاري في صحيحه (تنازع مهاجري مع أنصاري ، فصرخ الأنصاري (يا معشر الأنصار) وصرخ المهاجري (يا معشر المهاجرين) (1) ، ولما سمع النبي ذلك ، قال : (دعوها فإنها دعوة ميتة). ولولا قيادته الحكيمة (صلى الله عليه واله وسلم) لخُضّب وجه الأرض بدماء المسلمين من المهاجرين والأنصار ، وكم حدثت أمثال تلك الحوادث ، حتى قال فيهم النبي (يا معشر المسلمين ، أبد عوى الجاهلية ، وأنا بينكم ...) ، وحتى تتأكد مما قلته لك أرجع إلى أي كتاب في التاريخ ، لترى الصورة الحقيقية للمجتمع الأول ، ولا تفهم من ذلك إني أشكك في مجتمع الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، وكلما أقصده أن النظرة المثالية ليست واقعية.

---------------------------
(1) ج 5 ص ـ 1 19 ـ ، بات غزوة بني المصطلق.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 44 _


  قلت : ليس كل ما جاء في كتب التاريخ حقيقة.
  خالي : عفواً لا تعتمدي على الكلمات المطلقة ، ليس كل ما في التاريخ حقيقة ، هذا الكلام عليكِ وليس معكِ ، لأن السلف الذين تدافعين عنهم أنتِ لم تعيشي معهم ، وكل ما تعرفينه عنهم هو عبر التاريخ ، هذا أولاً ، وثانياً : أن هنالك روايات في الصحاح التي تعترفون بصحتها تكشف أن المجتمع الأول لم يكن مثالياً كما تتخيلين ، واليك هذه الحادثة التي جاءت في صحيح البخاري في قصة الإفك كمثال وليس حصراً ، قال النبي (ص) وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني في رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت منه إلا خيراً وما يدخل على أهلي إلا معي.
  قالت عائشة : فقال سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.
  قالت عائشة : فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية ، فقال سعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.
  فقال أسيد بن حضير ، وهو أبن عم سعد بن معاذ ، لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ، لتقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
  قالت عائشة : فصار الحيان (الأوس والخزرج) حتى هموا أن يقتتلا ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، قائم على المنبر ، ولم يزل رسول الله يخفضهم (أي يهدئهم) حتى سكتوا.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 45 _


  فعليك أن تتدبر ، هذا هو الحال ورسول الله بينهم ، فكيف الحال بعد وفاته ؟!
  واسمحي لي أن أتجاسر قليلاً وأقول لك ، أن فرض الديمقراطية في مثل هذا المجتمع هرطقة فاضحة.
  وذلك لأن العمليات الانتخابية التي يفترض إجراؤها تحت مظلة الديمقراطية تستلزم وعياً ونظرا للمصالح والمفاسد وتقويماً للطرق السليمة التي تفيد المجتمع في ارتقائه وتكامله ، وتجربة في الحياة السياسية ، وهذا كله يستدعي أرضية ثقافية وفكرية نشطة لدى أبناء الشعب وفي غير تلك الصورة يكون فرض الديمقراطية ضرباً من اللاواقعية.
  قلت : بقدر ما أنك تجد شواهد على بدوية ذلك المجتمع ، فأن الشواهد على وجود نماذج طيبة كثيرة جداً في التاريخ ، وليس من الأنصاف أن تتمسك بالشواهد السلبية دون الإيجابية ، فمجرد وجود تلك النماذج الإيجابية كافٍ لصيرورة نظام الشورى.
  خالي : أنا لا أنكر تلك النماذج الإيجابية بل أفتخر بها ، ولكن ليس هذا مربط الفرس ، فأن القضية تدور مدار الشرعية للشورى ، والمدعى قائم على نفي الشرعية عنها ، إذ لا يعقل أن تكون الشورى هي الطريق الذي حدده الشرع ، في حين أنه لا توجد رواية واحدة عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يتحدث فيها عن الشورى ، وهذا خلاف المفترض ، حيث كان من اللازم أن يبين الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كيفية الشورى وحدودها وآلياتها ، في حين أن الأحاديث التي تتحدث عن السواك وفوائده لا تقل عن الخمسة والثلاثين حديثاً.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 46 _


إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر

  قلت : في كلامك نسبة كبيرة من الوجاهة ، وقد يصل إلى حد الإقناع لولا أنه معارض بإجماع الصحابة الذين أستقر رأيهم على خلافة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ، وقد أعطى رسول الله هذا الإجماعَ الشرعيةَ بقوله (لا تجتمع أمتي على الخطأ).
  خالي : بغض النظر عن الكلام حول حجية الإجماع والنقاش الدائر حوله ، فأن إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر لا يخلوا من أشكال ، لأن القدر المتيقن من حجية الإجماع ، هو الإجماع الغير مخروق إي الإجماع الذي لم يخالفه مخالف ، وهذا غير متحقق.
  قلت : أن الإجماع ينعقد برؤوس القوم وزعمائهم وهذا متحقق ، ولا عبرة بغيرهم.
  خالي : أن الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر لم يكونوا من صغار القوم كما زعمتِ ، بل هم أعاظم الصحابة ، وإليك منهم على سبيل المثال لا الحصر ، فروة بن عمرو وهو ممن تخلف عن بيعة أبي بكر ، وكان ممن جاهد مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكان يتصدق من نخله بألف ساق كل عام ، وكان سيداً وهو من أصحاب علي ، وممن شهد معه يوم الجمل (1) ... وجاء في أسد الغابة شهد العقبة وبدراً وما بعدهما (2) وممن تخلف أيضاً خالد بن سعيد الأموي هو ممن أسلم قديماً فكان ثالثاً أو رابعاً وقيل خامس من أسلم ، وقال أبن قتيبة في

---------------------------
(1) وقد ذكر ذلك الزبير بن بكار في الموفقيات ص 590.
(2) أسد الغابة ج 4 ص 178.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 47 _


  المعارف : (أسلم قبل إسلام أبي بكر) (1) وسعد بن عبادة ، وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو بريدة الاسلمي وسهل بن حنيف وقيس بن سعد وأبو أيوب الأنصاري ، وجابر بن عبد الله ، وغيرهم وكل هؤلاء من الصحابة العظماء كما تعلم ، هذا بالإضافة إلى أبي زر وسلمان والزبير وأبي بن كعب والمقداد.

بيعة علي لأبي بكر كافية في المقام

  قلت : كلامك مقنع وقد تفاجأت فعلاً بهذه الأسماء ، ولكنه معارض ، بمبايعة علي لأبي بكر وهذا كافي لأنه مدار الخلاف.
  خالي : لم تكن مبايعة علي لأبي بكر متفق عليها ، فقد تواتر في كتب التاريخ والصحاح والمسانيد تخلف علي ومن معه عن بيعة أبي بكر وتحصنهم بدار فاطمة ، ومن ذلك ما رواه البلاذري وقال : بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته وقال : ائتني به بأعنف العنف ، فلما أتاه جرى بينهم كلام ، فقال علي لعمر : أحلب حلباً لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته اليوم ألا ليؤثرك غداً.
  لذلك قال أبو بكر في مرض موته : أما أني لا أسي على شيء من الدنيا ، ألا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن إلى قوله ... فأما الثالث التي فعلتها فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وأن كانوا قد أغلقوه على حرب.
  وقد ذكر المؤرخون ممن دخل في دار فاطمة.
  1 ـ عمر بن الخطاب.

---------------------------
(1) ص 128.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 48 _

  2 ـ خالد بن الوليد.
  3 ـ عبد الرحمن بن عوف.
  4 ـ ثابت بن قيس.
  5 ـ زياد بن لبيد.
  6 ـ محمد بن مسلمة.
  7 ـ زيد بن ثابت.
  8 ـ سلمة بن أسلم.
  9 ـ أسيد بن حضير.
  وقد ذكروا في كيفية كشف بيت فاطمة انه : (غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر منهم علي بن أبي طالب والزبير ، فدخلا بيت فاطمة ومعهما السلاح.
  وذكر المؤرخون أيضاً قد بلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا ، فبعث إليهم أبو بكر عمر ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : أن أبوا فقاتلهم.
  فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيتهم فاطمة فقالت : يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟!
  قال عمر : نعم ، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة.
  وفي أنساب الأشراف ، فتلقته فاطمة علي الباب فقالت : يا ابن الخطاب أتراك محرقاً على بابي ؟!
  قال عمر نعم.
  وعلى ذلك أنشد حافظ إبراهيم شاعر النيل قائلاً وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بُملقيها حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 49 _


  ما كان غير أبي حفص يفُوه بها أمام فارس عدنان وحاميها قلت : وأنا مندهشة لم أسمع بهذا من قبل ، فهل يمكن أن تنقلب الأمة حتى على بنت رسول الله (ص) ، ولكن يا خالي إذا تجاوزت هذه الحادثة مع أنه مما لا يمكن تجاوزه ، وإنما لفتح الباب أمام الحوار وسلمتُ بما حدث ، فأنه لا يتجاوز أن يكون موقفاً مخالفاً لموقف الصحابة الذين اجتمعوا في السقيفة وارتأوا الشورى حلاً ، وهذا ليس كافٍ لسلب صحة الشورى ، وأهل السنة على هذا الرأي.

أحداث السقيفة

  خالي : أن الكلام كان عن الإجماع وما ذكرته لك كافٍ لإبطاله ، هذا أولاً ، وثانياً أن الشورى بما هي شورى ليست حجة وغير ملزمة ، كما اثبتنا ذلك في أول الكلام ، وثالثاً : أن الشورى لم تكن موجودة على المستوى العملي ، فأن مجريات الأحداث لا توحي بوجود شورى ، وإليك ما جاء في السقيفة من رواية عمر بن الخطاب قال : إنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، فقلتُ لأبي بكر : أنطلق بنا إلى إخواننا الأنصار.
  فانطلقنا حتى أتيناهم ، فإذا رجل مزّمل فقالوا هذا سعد بن عبادة يوعك.
  فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثني على الله ثم قال : أما بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وانتم معشر المهاجرين رهط.
  فأراد عمر أن يتكلم عندما سمع خطيب سعد بن عبادة لكن أبو بكر منعه ، فتكلم هو ، يقول عمر : والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل ، حيث

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 50 _


  قال : ما ذكرتم فيكم من خير فانتم له أهل ولن يصرف عنكم هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أي عمر وأبوعبيدة ، فبايعوا إيهما شئتم.
  وأخذ أبو بكر بيد عمر وبيد أبو عُبيدة.
  فقال قائلٌ من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعُذيقها المرجب ... منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش.
  فكثر اللغط وارتفعت الأصوات.
  فخاف عمر من الاختلاف ، فقال لأبي بكر : أبسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ، ثم بايعته الأنصار وهذا مختصر ما جرى في السقيفة (1).

علي مع الحق والحق مع علي

  والأمر الأهم من ذلك ، أن علياً (ع) لم يكن طرفاً في قبالة أهل الشورى كما زعمتِ ، لان علياً (ع) ركن الحق والحقيقة والحق يدور معه حيثما دار.
  قلت : ولماذا ؟ ... الحق يدور مع علي حيثما دار ، هذا الكلام في غاية التهافت ، ولا يمكن أن يقبله جاهل فضلاً عن عالم ، كيف

---------------------------
(1) وللتفصيل أرجعي إلى كتب التاريخ مثل الطبري في ذكره حوادث بعد الرسول ، وابن الأثير ج 2 ص 125 وتاريخ الخلفاء لابن قتيبه ج1ص5 وسيرة بن هشام ج 4 ص 336 وغيرها مثل الطبقات وكنز العمال والعقد الفريد وتاريخ الذهبي واليعقوبي والموفقيات للزبير بن بكار وكتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري وشرح النهج.

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 51 _


  يدور الحق مدار إنسان ، فإذا قُبل هذا الكلام يمكن أن يقبل للرسل الذين عصمهم الله ، أما في غيرهم فمخالف للشرع ، كما قال رسول الله (كل أبن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابين) وهذا من المسلمات العقلية قبل الشرعية ، فأن العقلاء يجوزون الخطأ حتى على الرجال الذين بلغوا مستوى من الكمال البشري.
  خالي : أولاً : يا عزيزتي أن هذا الكلام ليس متهافت كما تفضلت ، لان العقل لا يمانع أن يكون الحق يدور مدار إنسان ، بل حتى الإمكان العلمي والعملي لا يخالف ذلك ، أما على المستوى العقلي ، فأن العقل لا يحكم باستحالة شيء إلا إذا رجع لمبدأ التناقض وهذه منتفية بالضرورة ، وأما على المستوى العلمي فالعلم يقول أن في الإنسان قوة عقلية تدله للصواب وغرائز وشهوات تجره للخطأ ، فإذا غلّب الإنسان قوته العقلية لا يمكن أن يرتكب الخطأ ، وأما من الناحية العملية يكفيك الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين ، فليس في الأمر تهافت.
  وثانياً : أن هذا الكلام لا يخالف الشرع كما تفضلتِ ، قال تعالى : { ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } فأن الله يحاسب الإنسان على مثقال ذرة (وهي أصغر ما يمكن أن يعبر بها) من الشر ، فإذا كان الإنسان ليس قادراً على أن لا يرتكب مثقال ذرة فلماذا يحاسبه الله ، قال تعالى { لا يكلف الله نفساً ألا وسعها } فمعنى ذلك أن عدم ارتكاب الذرة من الخطأ هي من سعة الإنسان واستطاعته ، وهذا دليل على أن كل إنسان يمكن أن يكون معصوماً ، وإذا سلمت بذلك كما هو واضح ، فهل يا ترى لم يتحقق ذلك أبداً في طول التاريخ الإسلامي ؟ وهو بالتأكيد تحقق لأن الله لم يضع هذا الأمر عبثاً ، وإنما واقعاً ،

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 52 _


  لان هذه الآية ليست مثالية وإنما لها نماذج واقعية تكون حجة على البشر ، فهل يا ترى هنالك نموذجاً يكون مصداقاً لهذه الآية غير علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي أتفق على فضله جميع المسلمين.
  وثالثاً : قال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} جاء في تفسير الرازي لهذه الآية ، أن الله أوجب طاعة أولي الأمر على سبيل الجزم وكل من يأمر الله بطاعته على سبيل الجزم لابد أن يكون معصوماً ، وألا يجتمع الأمر والنهي في موضع واحد وهذا محال ، وبتقرير آخر ، أن الله أمر بالطاعة المطلقة لأولي الأمر من غير تخصيص ، فإذا كان يتصور منهم الخطأ ، فأننا بطريقة غير مباشرة نرتكب الخطأ ، فنكون أمرنا بارتكاب الخطأ ، وقد نهانا الله عنه ، فيكون بذلك أجتمع الأمر والنهي في موضع واحد وهذا محال ، فإذاً لابد أن يكون أولو الأمر معصومين ، فيا ترى من هم المعصومون الذين أمرنا الله بطاعتهم ؟
  قلت لكي أقطع عليه الطريق : ... الرسول طبعاً.
  خالي (مبتسماً) : مهلاً يا بنت أختي لا تتعجلي ...
  قلت : نعم ، نعم أنا أسفة ... واصل كلامك.
  خالي : والإجابة على ذلك هو قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}أن في هذه الآية تأكيد من الله عز وجل على تطهير أهل البيت من الرجس ، وهو كل ذنب صغيراً كان أم كبيراً ، وهذه هي العصمة بعينها ، فيكون معنى الآية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأهل البيت) ، وقد ذكرت لك ذلك من قبل ولكن لتأكيد الفائدة وتعميمها.
  رابعاً : قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : (علي

من حقّي أن أكون شيعيّة _ 53 _


  مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض) (1) وقال (صلى الله عليه واله وسلم) مشيراً إلى علي (عليه السلام) : الحق مع ذا ، الحق مع ذا ... وقد روى الترمذي في فضائل علي (عليه السلام) والحاكم أيضاَ في فضائله من المستدرك ونُقل هذا الحديث أيضاً في الصواعق في الفصل الخامس في الباب الأول ، وعن الذهبي أنه صحح طرقاً كثيرة لدعاء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لعلي في غدير خم المشتمل على قوله : (وأدر الحق معه حيث دار) وحكى أبن أبي الحديد قوله : لو نازع علي عقيب وفاة الرسول وسل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ... إلى أن قال : وحكمه حكم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال (صلى الله عليه واله وسلم) : علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) (2) ، وجاء في كنز العمال : الحق مع ذا ، الحق مع ذا) (3) ، وروى أيضاً يا عمار أن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ودع الناس فأنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من هدي.

---------------------------
(1) أخرج الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 235 ، وروى أبو يعلي ورجاله ثقاة ، كما في كنوز الحقائق ص 70 ، وأرجح المطالب ص 598 ، وكتاب مناقب علي بن أبي طالب للفقيه الحافظ أبي الحسن الواسطي الشافعي ص 244.
(2) شرح النهج ج 1 ص 212.
(3) كنز العمال ج 6 ص 157 ج 6 ص 155.