: روي بأسانيد كثيرة عن العباس بن عبد المطلب ، وبعضها عن أبي بكر ، قال : إن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، والخبر مشهور ، إن أبا طالب عند الموت قال كلاماً خفياً فأصغى إليه أخوه العباس
.
قال الأميني : ذكرنا هذا الحديث مجاراة للقوم ، وإلا فما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عند الموت إلى التلفظ بتينك الكلمتين اللتين كرس حياته الثمينة بالهتاف بمفادها في
شعره ونثره ، والدعوة إليهما ، والذب عن من صدق بها ، فمتى كفر هو ؟ ومتى ضل ؟ حتى يؤمن ويهتدي ، أليس من الشهادة قوله :
: لما قيل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن أبا طالب قد مات ، عظم ذلك في قلبه ، واشتد له جزعه ، ثم دخل عليه فمسح جبينه الأيمن أربع مرات ، وجبينه الأيسر ثلاث مرات ، ثم قال :
يا عم ، ربيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عني خيراً ، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه
ويقول : وصلتك رحم ، وجزيت خيراً .
تأريخ اليعقوبي 2 : 26 .
قال الأميني : إن شيئاً من مضامين هذه الأحاديث لا تتفق مع كفر أبي طالب ، فهو
( صلى الله عليه وآله ) لا يأمر خليفته الإمام
علي ( عليه السلام ) بتكفين كافر ولا تغسيله ، ولا يستغفر له ولا يترحم عليه ، ولا يرجو له الخير ، ولا يستدر له الخير كما في حديث الاستسقاء ، إلى آخر ما ذكر
(1)
من المقطوع به أن الأئمة من ولد أبي طالب ( عليه السلام ) أبصر الناس بحال أبيهم وأنهم لم ينوهوا إلا بمحض الحقيقة ، فإن العصمة فيهم رادعة عن غير ذلك .
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرتين
(2) .
ختاما : لقد أغرق القوم نزعاً في الوقيعة على بطل الإسلام ،
والمسلم الأول بعد ولده البار ، وناصر دين الله الوحيد علي ( عليه السلام ) ، فلم يقنعهم ما اختلقوا من الأقاصيص حتى عمدوا إلى كتاب الله فحرفوا الكلم عن مواضعه .
هذا ملخص ما اقتطفنا من الغدير في ترجمة حياة بطل المسلمين والمدافع الأول أبو طالب ( عليه السلام ) ، إلى آخر ما ذكر الأميني في غديره 8 : 3 .
من كتاب الدرجات الرفيعة
ويخرجه معه متى خرج .
وذكر قصة الاستسقاء بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) حين أجدب الوادي وهلك الزرع والضرع ، بقوله في مدحه كما سبق ذكره :
وأبيض يستسقى الغمام iiبوجهه ثمال اليتامى عصمة iiللأرامل تطوف به الهلاك من آل هاشم فـهم عنده في نعمة وفواضل |
وذكر ، فلما أمر الله سبحانه رسوله أن يصدع بما أمر به من الرسالة بقوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) إلى آخر الفصل الذي ذكرناه .
فقام بإظهار دين الله ، عظمت على قريش وأنكروه وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا السوء به ،
---------------------------
(1) الأميني في غديره 7 : 377 .
(2) شرح ابن أبي الحديد 3 : 311 .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 53 _
فقام أبو طالب بنصرته ومنعه منهم والذب عنه ، وعادا جبابرة قريش وطواغيتهم وهددهم أن يمسوا محمداً بأذى .
ثم قال له
( صلى الله عليه وآله ) : اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسألك لشئ أبداً ، فأنشد يقول :
والله لـن يصلوا إليك iiبجمعهم حـتى أوسـد في التراب iiدفينا فـانفذ لأمـرك ما عليك iiمخافة وابـشر وقر بذاك منك iiعيونا ودعوتني وزعمت أنك ناصحي ولـقد صدقت وكنت قبل أمينا وعـرضت دينا قد علمت iiبأنه مـن خـير أديـان البرية iiدينا |
وقد وثبت كل قبيلة من قريش على المؤمنين منهم يعذبونهم ويفتنونهم في دينهم ، ومنع الله سبحانه رسوله منهم ، بعمه أبي طالب ، وقام في بني هاشم ،
وبني عبد المطلب ، حين رأى قريشاً تصنع ما تصنع فدعاهم وهو زعيمهم إلى ما هو عليه من منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) والقيام دونه ، فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إلا ما كان من عمه ( عبد العزى ) أبو لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك .
كما منع ابن أخته أبا سلمة بن عبد الأشهل المخزومي ، لما وثب عليه قومه يعذبونه ويفتنونه على الإسلام ، فهرب واستجار بخاله أبو طالب فأجاره .
كما ذكرنا ذلك ، فلما رأت قريش إلى أنها لا تصل إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) لقيام أبي طالب بالدفاع عنه ( صلى الله عليه وآله ) ، أجمعت على أن تكتب فيما بينها كتاب المقاطعة وحصر بني هاشم في ( شعب أبي طالب ) ، حتى فرج الله عنهم بمعجزة ، كما ذكرنا ذلك .
ونقل ابن الأثير في ( جامع الأصول ) إجماع أهل البيت ( عليهم السلام ) في إسلام أبي طالب وإيمانه ، وإجماعهم حجة ، ووافقنا على ذلك أكثر الزيدية ،
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 54 _
وبعض شيوخ المعتزلة ، منهم أبو القاسم البلخي ، وأبو جعفر الإسحاقي ، وغيرهما ، ولنا في إيمان أبي طالب ( رضي الله عنه ) روايات كثيرة
(1) من الفريقين ، أربعة عشر رواية ودليلا :
منها : ما رواه ابن بابويه القمي في ( أماليه ) بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق
( عليه السلام ) يقول : نزل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله )
فقال : يا محمد ، إن الله جل جلاله يقرئك السلام
ويقول : إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا جبرائيل ، بين لي ذلك ؟ فقال : أما الصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطلب ، وأما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، وأما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد .
أقول : ولا غرو ، فإنهم أحناف موحدون ، ولم يشركوا بالله طرفة عين .
وأضاف صاحب الدرجات الرفيعة : قالت الإمامية : ومما يدل على إيمان أبي طالب خطبته عند نكاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خديجة بنت خويلد ( عليها السلام ) التي مطلعها : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ( عليه السلام ) وزرع إسماعيل ( عليه السلام ) . . . إلى آخر الخطبة التي سبق ذكرها
(2) .
وعلق صاحب الدرجات الرفيعة عفى الله عنه : إني لا أكاد أقضي العجب ممن ينكر إيمان أبي طالب ( عليه السلام ) أو يتوقف فيه ، وأشعاره التي يرويها المخالف والموالف صريحة في إعلان إسلامه ، وأي فرق بين المنظوم والمنثور إذا تضمناً الإقرار بالإسلام صريحة ،
---------------------------
(1) الدرجات الرفيعة : 48 .
(2) موسوعة المصطفى والعترة ـ المجلد الأول ، وأم المؤمنين خديجة ـ كراس 8 من هذه السيرة ، وغيرها من المصادر المعتبرة .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 55 _
لا سيما تشجيع أخاه حمزة بن عبد المطلب عندما تحدى المشركين وأعلن إسلامه ، في قصيدة مطلعها :
فـصبرا أبا يعلى على دين iiأحمد وكن مظهرا للدين وفقت iiصابرا نـبي أتـى بالحق من عند iiربه بصدق وعزم لا تكن حمزة iiكافرا فقد سرني إذ قلت " لبيك " iiمؤمنا فكن لرسول الله في الدين iiناصرا ونـاد قـريشا بـالذي قد iiأتيته جهارا وقل : ما كان أحمد ساحرا |
ولما افتقد أبي طالب النبي وعلي في ظهيرة أحد الأيام الصائف ، خرج من داره مذعوراً يبحث عنهما ، وجاب أطراف مكة حتى خرج إلى شعابها فوجدهما على إحدى التلاع يصليان ، فاستقرت نفسه وكان معه ولده جعفر ، فأمره بالصلاة معهما حيث قال : صل جناح ابن عمك ، فلما أحس النبي به تقدم قليلاً ، فصلى جعفر إلى جنب أخيه علي ( عليه السلام ) .
فأنشد أبو طالب هذه الأبيات التي تدل على إيمانه ويحثهما على مؤازرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
إن عـليا وجـعفرا iiثـقتي عـند مـلم الزمان iiوالنوب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما أخـي لأمي من بينهم iiوأبي والله لا أخـذل الـنبي ولا يـخذله من بني ذو iiحسب |
قال أصحابنا : إنما لم يظهر أبو طالب ( عليه السلام ) إسلامه على رغم أنه حنيفي موحد ، أو يجاهر به ، لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ما تهيأ له وكان كواحد من المسلمين الذين أظهروه ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ ،
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 56 _
وإنما تمكن من نصرته والمحاماة عنه ، بمظاهرته على دين قريش ، وإن أبطن الإيمان والإسلام ، وما أحسن قول السيد عبد الله بن حمزة الحسيني الزيدي من قصيدته :
حماه أبونا أبو طالب وأسلم والناس لم تسلم وقـد كان يكتم iiإيمانه وأمـا الولاء فلا يكتم |
ولما اشتدت قريش على أبو طالب في الضغط على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليترك تسفيه آلهتهم وترك ما هو عليه وهددوه ، أجابهم بقوله :
حماه أبونا أبو طالب وأسلم والناس لم تسلم وقـد كان يكتم iiإيمانه وأمـا الولاء فلا يكتم |
ولله در ابن أبي الحديد المعتزلي حيث يقول :
ولـولا أبـو طـالب iiوابنه لـما مثل الدين شخصا iiفقاما فـذاك بـمكة آوى iiوحامى وهـذا بيثرب جس iiالحماما تـكفل عـبد مـناف iiبأمر وأودى فكان علي تماما iiفقل فـي ثـبير مـضى بعد iiما قضى ما قضاه وأبقى شماما فـلـله ذا فـاتحا iiلـلهدى ولـلـه ذا لـلمعالي خـتاما ومـا ضـر مجد أبي طالب جـهول لغا أو بصير iiتعامى كـما لا يـضر أباة الصباح من ظن ضوء النهار الظلاما |
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 57 _
قال الكلبي : لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش وأوصاهم ، فقال : يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه ، ولا شرفاً إلا أدركتموه ، فلكم به على
الناس الفضيلة ، وله به إليكم الوسيلة ، والناس لكم حرب ، وعلى حربكم ألب ! وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية ( الكعبة ) فإن فيها مرضاة للرب وقواما للجأش ، وثباتا للوطأة ، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها ، فإن صلة الرحم منسأة في الأجل
وزيادة في العدد ، واتركوا البغي والعقوق ، ففيهما هلك القرون قبلكم ، لا تخيبوا الداعي ، وأعطوا السائل ، فإن فيها محبة في الخاص ومكرمة في العام ، وإني أوصيكم بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في
العرب ، كأني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل الوبر والأطراف المستضعفين من الناس قد
أجابوا دعوته ، وصدقوا كلمته ، وعظموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ، ودورها خرابا ، وضعافها أربابا ، وأعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أقربهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ،
وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش ، ابن أبيكم كونوا له ولاة ، ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا سعد ، ولا يأخذ بهديه إلا رشد ، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير ، لكففت عنه الهزاهز ، ولدفعت عنه الدواهي .
ثم أنشد وهو
يخاطب ابنيه علياً وجعفراً ، وأخويه حمزة والعباس بقوله :
أوصي بنصر النبي الخير iiمشهده عـليا ابـني وشيخ القوم iiعباسا وحـمزة الأسـد الحامي iiحنيفته وجـعفرا أن يذودوا دونه iiالناسا كـونوا فدى لكم أمي وما iiولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا |
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 58 _
بالله عليكم هذا المحامي المؤمن حتى على فراش النزع يموت كافراً ، وصخر بن حرب ( أبو سفيان ) يموت مسلماً ، لقوله لبني أمية في دار عثمان عندما اعتلى عرش الحكم : تلاقفوها يا بني أمية ، تلاقف الكرة بيد صبيانكم ، فوالذي يحلف به
أبو سفيان لا جنة ولا نار ، إنما هو الملك ، هذه وصيته ، وهذه وصية أبي طالب الطافحة بالإيمان والرشاد دلالة واضحة على أنه ( عليه السلام ) إنما أرجأ صريح قوله وتصديقه باللسان إلى ساعات اليأس فيها عن الحياة ، حذار شنآن قومه المستتبع لانثيالهم عنه .
قال الواقدي : توفي أبو طالب ( عليه السلام ) في النصف من شوال في السنة العاشرة من البعثة ، وهو ابن بضع وثمانين سنة ، بعد ما خرج من حصار الشعب ، بثمانية أشهر وأحد عشرين يوما ،
وقال ابن الجوزي : مات قبل الهجرة بثلاث سنين .
وروي : لما مات جاء الإمام علي ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فآذنه بموته ، فتوجع عظيما وحزن شديدا ، ثم قال : امض فتول غسله ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني ، ففعل فاعترضه رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وهو محمول على رؤوس الرجال .
فأبنه قبل دفنه ، بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : وصلت رحم يا عم وجزيت خيراً ، لقد ربيت وكفلت صغيراً ، ونصرت وآزرت كبيراً ، ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال : أما والله لأستغفرن لك ، ولأشفعن
فيك شفاعة يتعجب لها الثقلان .
ولم يصل عليه ( صلى الله عليه وآله ) لأن صلاة الجنائز لم تكن قد شرعت بعد ، ولا صلى ( صلى الله عليه وآله ) على خديجة كذلك ، إنما تلخص تشييعه لهما بالدعاء والاستغفار لهما سلام الله عليهما .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 59 _
وفي الحديث الصحيح المشهور : إن جبرئيل ( عليه السلام ) قال لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة مات أبو طالب
( عليه السلام ) : اخرج منها ـ أي من مكة ـ فقد مات ناصرك .
وكان لأبي طالب ( عليه السلام ) من البنين ستة ، أربع ذكور ، أحدهم طالب ، وهو أكبرهم وبه يكنى ، وكانت قريش
أكرهته على النهوض معهم إلى بدر لقتال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ففقد ولم يعرف له خبر ، والثاني عقيل ،
والثالث جعفر ، وأصغرهم الإمام علي ( عليه السلام ) ، وبنتان : أم هانئ وجمانة ، وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد الهاشمية ، هذا ما لخصناه من كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة .
شذرات من كتاب إيمان أبي طالب شيخ البطحاء أبو طالب الدرع الواقي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله )
منذ بزوغ شمس الرسالة إلى يوم قبضه الله إليه ، حيث وقف كالسد المنيع يحول بينه وبين الوثنية ـ وهي القوة العظمى التي كانت حينذاك تمسك بمقدرات الجزيرة العربية ـ وبين تحقيق أهدافها في وأد الرسالة السماوية ، والدعاة لها .
وله في سبيل ذلك مواقف مشهورة تفوق الإحصاء ، وإجمالها يحتاج إلى كتاب مفرد ، ولكن هذا التأريخ بدفتيه مفتوح بين يديك ، ويكفيك أن تطالع فيه صفحات أيام الضغط على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وذويه والمقاطعة
الشاملة لهم ، وحبسهم في ( شعب أبي طالب ) لترى أن أبا طالب كان الرجل الوحيد الذي تعهد حفظهم وحراستهم وتكفل أرزاقهم .
وكفاك شاهداً على عظيم منزلته عند الله ورسوله ، أن الرسول لا ينطق عن الهوى ، اشتد وجده ، وهاج حزنه
بعد وفاة عمه وناصره أبي طالب ، وسمي ذلك العام بعام الأحزان ، ولم يمكنه بعدها المقام بمكة فاضطر للهجرة إلى يثرب
( المدينة المنورة ) .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 60 _
أما قول أبي طالب وأشعاره المثبتة في كتب السير والتأريخ والحديث ، والتي يرويها المخالف والمؤالف ، فهي صريحة في اعترافه برسالة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ونبوته وأمانته وصدقه ، وأنه يوحى إليه من ربه ، وهو خاتم الأنبياء ، وتعرب عن كمال إيمانه وحقيقة إسلامه ، وإخلاصه لصاحب الشريعة وتفانيه في نصرة الإسلام وحماية بيضته .
وكل أشعاره جاءت مجئ التواتر ، فإن لم تكن آحاداً متواترة مجموعها متواتراً يدل على أمر واحد لا غير وهو إيمانه وتصديقه برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وأما ما يروى عن آله وذويه وولده ، فصريحة في إثبات إيمانه ، ولم يؤثر عنهم ما يخالفهم ، بل أكدوا أن " إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى ، لرجح إيمان أبي طالب "
(1) .
وكتبوا إلى بعض ثقاتهم وخاصتهم : إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار ، ورغم كل ذلك فقد حاول بعض من في قلوبهم مرض ، وممن فاتهم إيذاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في حياته ومحاربة دعوته ، أن يقوضوا دعامة من دعائم الإسلام المثبتة من خلال تشكيكهم في إيمان أبي طالب ، تلك المحاولة التي
باءت بالفشل الذريع ، لأن نور الشمس لا يحجبه غربال ، ونتيجة لتصدي جماعة من كبار علماء الإسلام وأعلامه لهم ، وكشف دسائسهم ومكائدهم ، وفضح أهدافهم الخبيثة ،
وقد ألف في ذلك 37 كتاباً فخماً ، فراجع المصدر .
---------------------------
(1) كنز الفوائد 1 : 183 .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 61 _
من كتاب الذريعة في تاريخ أبي الفداء ( 1 : 122 )
رواية ابن عباس أنه سمع شهادة أبي طالب عند وفاته ، فأخبر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : الحمد لله الذي هداك يا عم . . . إلى أن قال أبو الفداء : ومن شعره ما يدل على أنه كان مصدقا للرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو قوله :
ودعوتني وعلمت أنك صادق ولـقد صدقت وكنت ثم iiأمينا ولـقد علمت بأن دين iiمحمد مـن خير أديان البرية iiدينا والله لن يصلوا إليك بجمعهم حـتى أوسد في التراب دفينا |
وكتب العلامة السيوطي في كتابه ( بغية الطالب ) لإيمان أبي طالب وحسن خاتمته .
كما كتب أحمد بن زيني دحلان ، مفتي الشافعية بمكة المشرفة كتاب ( أسنى المطالب في نجاة أبي طالب ) .
وكتب في هذا الموضوع من أصحابنا جمع كثير في طي تصانيفهم ، ولا سيما في كتب الإمامية ، وعقد العلامة الكراجكي
في ( كنز الفوائد ) فصلاً في ما يدل من أشعار أبي طالب على إيمانه ، وما ورد فيه من الأحاديث ، وتكلم الشيخ أبو الحسن
الشريف الفتوني الغروي في كتابه ( ضياء العالمين ) في فصل يقرب من ثلاثين صفحة في موضوع ( إيمان أبي طالب ) ، وكتب جمع من الأصحاب كتباً مستقلة في هذا الموضوع بعناوين خاصة ،
منها : شعر أبي طالب وذكر إسلامه ، والشهاب الثاقب ، وشيخ الأبطح ، وفصاحة أبي طالب ، وفضل أبي طالب ، والقول الواجب .
وكتب في إيمان آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مقصد الطالب ، ومنى الطالب ، ومنية الطالب ، ومواهب الواهب ، وهناك جملة من الكتب التي صدرت بعنوان إيمان أبي طالب ، وعددها عشرة كتب في فترات متفاوتة .
هذا ملخص ما ذكره العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة ، وأخيراً إليك بعض الأشعار التي اعترف فيها بالإيمان والتوحيد واتباع الرسول وما جاء به من السماء .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 62 _
أشعار مؤمن قريش
وأما أشعاره التي يرويها أرباب السير والتأريخ في صحاحهم ومسانيدهم على اختلاف مللهم ونحلهم ونزعاتهم ، فهي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، ومتواترة تواتراً لا يمكن الطعن فيه ، تدل على إيمان أبي طالب ويقينه برسالة السماء ومن جاء بها وصدقه وأمانته ، وأنه يوحى إليه من ربه وأنه خاتم الرسل والأنبياء ( صلى الله عليه وآله ) .
وسيأتي ذكر القصيدة اللامية التي نقلها اللواء إبراهيم رفعت باشا ، أمير الحج المصري وقائد حرس حملة الكسوة الشريفة للكعبة قبل مئة عام تقريباً في كتابه
( مرآة الحرمين ) .
وإليك هذه الشذرات من أشعاره ذكرها ونقلها بعض الكتاب والمؤلفين والعلماء من القدماء والمعاصرين على سبيل المثال لا الحصر .
في كتاب الإفصاح
(1) ، للعلامة الشيخ المفيد عليه الرحمة ، المتوفى عام 314 ه ، وفي آخره رسالة ملحقة بعنوان ( إيمان أبي طالب ) : ومما يدل على إيمان أبي طالب وحسن إسلامه ونصرته في الدفاع عن الرسول ورسالته قصائدة ونظمه المؤيد لذلك ، وهي مشهورة ومتواترة على الإجماع .
وإليك هذه الشذرات مما قاله :
ألا مـن لـهم آجز الليل مقتم طواني وأخرى النجم لما تقحم (2) |
إلى قوله :
تـرجون أن نـسخو بـقتل iiمحمد ولم تختضب سمر العوالي من iiالدم كـذبتم وبـيت الله حـتى iiتفرقوا جـماجم تـلقى بـالحطيم iiوزمزم وتـقطع أرحـام وتـنسى iiخـليلة خـليلا ويـغشى محرم بعد محرم ويـنهض قـوم فـي الحديد iiإليكم يـذودون عـن أحسابهم كل iiمجرم عـلى ما أتى من بغيكم iiوضلالكم وعـصيانكم فـي كل أمر iiومظلم بـظلم نـبي جاء يدعو إلى iiالهدى وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم فـلا تـحسبونا مـسلميه iiومـثله إذا كـان فـي قـوم فليس iiبمسلم |
---------------------------
(1) المطبوع في قم ، قسم الدراسات الإسلامية ، لمؤسسة البعثة .
(2) تقحم : غاب ( لسان العرب ـ فحم ـ 21 : 364 ) .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 63 _
أفلا يرون الخصومة إلى هذا الحد من أبي طالب في نصرة نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والتصريح بنبوته ، والإقرار بها من عند الله عز وجل ، والشهادة بحقه ، فيتدبرون ذلك ، أم على قلوب أقفالها ؟ !
ومنه قوله ( رضي الله عنه ) :
تـطاول لـيلي بهم نصب ودمـع كسح السقاء السرب لـلعب قـصي بـأحلامها وهل يرجع الحلم بعد اللعب |
إلى قوله ( رضي الله عنه ) :
وقـالوا لأحـمد أنـت iiامرؤ خلوف الحديث ضعيف iiالنسب ألا إن أحـمـد قــد جـاءهم بحق ، ولم يأتهم بالـكذب (1) |
وفي هذا البيت صرح بالإيمان برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومنه قوله ( رضي الله عنه ) :
أخـلتم بـأنا مـسلمون iiمحمدا ولـما نـقاذف دونه iiبالمراجم أمـينا حـبيبا في البلاد iiمسوما بـخاتم رب قـاهر iiلـلخواتم يرى الناس برهانا عليه وهيبة وما جاهل في فضله مثل iiعالم نـبيا أتاه الوحي من عند iiربه فـمن قال لا يقرع بها سن نادم تـطيف بـه جرثومة iiهاشمية تذبب عنه كـل باغ وظالم (2) |
---------------------------
(1) ديوان أبي طالب : 52 ، ومناقب ابن شهرآشوب 1 : 66 ، والحجة على الذاهب : 542 ، وشرح نهج البلاغة 41 : 16 .
(2) جرثومة كل شئ : أصله ومجتمعه ( لسان العرب ـ جرثم ـ 21 : 59 ) .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 64 _
ومنه قوله ( رضي الله عنه ) :
ألا أبـلـغا عـني عـلى ذات iiبـينها لـؤيا وخـصا مـن لـؤي بني iiكعب ألــم تـعلموا أنـا وجـدنا iiمـحمدا نـبيا كـموسى خـط في أول الكتب ؟ وأن عـلـيه فــي الـعـباد iiمــحبة ولا شك في من خصه الله بالحـب (1) |
وفي هذا الشعر والذي قبله محض الإقرار برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبالنبوة وصريح بلا ارتياب .
ومن ذلك قوله ( رضي الله عنه ) :
ألا مـن لـهم آخر الليل iiمنصب وشعب العصا من قومك المتشعب |
إلى قوله :
وقـد كـان فـي أمـر الـصحيفة iiعبرة مـتى مـا تـخبر غائب القوم iiيعجب(2) مـحـا الله مـنـها كـفـرهم iiوعـيوبهم وما نقموا من باطل الحق مقرب فكذب (3) مــا قـالـوا مــن الأمــر iiبـاطلا ومـن يـختلق مـا لـيس بـالحق iiيكذب وأمـسـى ابـن عـبد الله فـينا مـصدقا عـلى سـخط مـن قـومنا غـير معتب فــلا تـحـسبونا مـسـلمين iiمـحـمدا لــذي غـربـة مـنـا ولا مـتـغرب سـتـمـنعه مــنـا يــد iiهـاشـمية مـركـبها فـي الـناس خـير iiمـركب |
---------------------------
(1) ديوان أبي طالب : 23 ، وشرح نهج البلاغة 41 : 37 .
(2) مناقب ابن شهرآشوب 1 : 36 ، وسيرة ابن هشام 1 : 772 ، وشرح النهج 41 : 27 ،
والبداية والنهاية 3 : 48 ، وخزانة الأدب 1 : 162 .
(3) في الديوان : وأصبح .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 65 _
ومن ذلك قوله ( رضي الله عنه ) :
إذا قيل من خير هذا iiالورى قـبيلا ، وأكـرمهم اسره ii؟ أنـاف بعبـد مـناف iiأبي أبــو نضلة هاشم الغره (1) وقـد حـل مجد بني iiهاشم مـكان الـنعائم والـزهره وخـير بـني هـاشم iiأحمد رسـول الـمليك على iiفتره |
فإن لم يكن في ذلك شهادة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بالنبوة ، فليس في ظاهر الآية شهادة ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل له معرفة بأدنى معرفة أهل اللسان .
ومنه قوله في ذكر الآيات للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ودلائله ، وقول بحيراء الراهب فيه ، وذاك أن أبا طالب ( رضي الله عنه ) لما أراد الخروج إلى الشام ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إشفاقاً عليه ، ولم يعمل على استصحابه ،
فلما
ركب أبو طالب ( رضي الله عنه ) بلغه ذلك ، فتعلق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالناقة وبكى ، وناشده الله في
إخراجه معه ، فرق له أبو طالب وأجابه إلى استصحابه ، فلما خرج معه أظلته الغمامة ، ولقيه بحيراء الراهب ، فأخبره
بنبوته ، وذكر له البشارة في الكتب الأولى ، فقال أبو طالب ( رضي الله عنه ) :
إن الأمـين مـحمداً في iiقومه عـندي يـفوق منازل iiالأولاد لـما تـعلق بـالزمان iiضممته والـعيس قـد قلصن iiبالأزواد حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا لاقوا على شرف من iiالمرصاد حـبرا فـأخبرهم حديثا iiصادقا عـنـه ورد مـعاشر الـحساد |
---------------------------
(1) أناف : ارتفع وأشرف ( لسان العرب ـ نوف ـ 9 : 243 ) ،
أبو نضلة : كنية هاشم بن عبد مناف ( الصحاح ـ نضل ـ 5 : 1381 ) .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 66 _
ومنه أيضاً قوله يحض النجاشي على نصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
تـعلم مـليك الحبش أن iiمحمدا نـبي كموسى والمسيح بن iiمريم أتـى بـهدى مـثل الذي أتيا به فـكل بـأمر الله يهدي iiويعصم وإنـكـم تـتلونه فـي iiكـتابكم بصدق حديث لا حديث iiالمبرجم وإنـك مـا تـأتيك منا iiعصابة بـفضلك إلا عـاودوا iiبـالتكرم فـلا تـجعلوا لـله ندا iiوأسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم (1) |
وفي هذا الشعر من التوحيد والإسلام ما لا يمكن دفعه لمسلم .
وهناك قصائد وأشعار كثيرة ذكرها أرباب السير والتأريخ ،
منها ما ذكره العلامة الأميني في غديره الجزئين السابع والثامن ، وهذا ما عثرنا على بعض أشعار أبي طالب مؤمن قريش من دون تقص أو تتبع ذكره اللواء إبراهيم رفعت باشا قومندان حرس
الحملة وأمير الحج المصري لسنين 1318 إلى 1325 ه ـ 1901 إلى 1908 م في كتابه مرآة الحرمين .
وهذه الأشعار تعتبر من عيون الشعر الجاهلي ، ومما يثبت إيمان أبي طالب وإسلامه البتة الذي لا ينازع فيه اثنان ، كما ذكره أصحاب السير في تأريخهم ، وإنه لم يشرك بالله طرفة
عين أبداً وكان من الأحناف الذين يعبدون الله على ملة إبراهيم .
---------------------------
(1) متشابه القرآن 2 : 56 ، ومناقب ابن شهرآشوب 1 : 26 ، ومستدرك الحاكم 2 : 326 .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 67 _
وهذه القصيدة مشهورة اشتهار الشمس في رابعة النهار له ، نظمها عندما حوصر هو وبنو هاشم في الشعب ( شعب أبي طالب ) .
القصيدة الشعبية
القصيدة الشعبية لأبي طالب عم سيدنا ومولانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قالها في الشعب وهو شعب أبي طالب الذي أوى إليه بنو
هاشم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما تحالفت عليهم قريش وكتبوا الصحيفة .
وأصل الشعب لعبد المطلب فقسمه بين بنيه وأخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) حظ أبيه وكان منزل بني هاشم ومساكنهم ،
وفيه يقول أبو طالب :
جــزى الله عـنـا عـبد شـمس iiونـوفلا وتــيـمـا ومــخـزومـا iiعــقـوقـا ومـأثـما بـتـفريقهم مـن بـعد ود iiوألـفة جـمـاعـتنا كـيـما يـنـالوا iiالـمـحرما كـذبـتـم وبـيـت الله نـبـزى مـحـمدا ولما تروا يوما لدى الـشعب قائما القصيدة (1) خـلـيـلي مـــا أذنــي لأول iiعــاذل بـصـغواء فــي حــق ولا عـند بـاطل خـلـيـلي إن الــرأي لـيـس iiبـشـركة ولا نـهـنـة عـنـد الأمــور iiالـبـلابل ولــمـا رأيــت الـقـوم لا ود عـنـدهم وقــد قـطـعوا كــل الـعرى والـوسائل وقـــد صـارحـونـا بـالـعداوة iiوالأذى وقــد طـاوعـوا أمــر الـعدو iiالـمزايل وقــد حـالـفوا قـومـا عـلـينا iiأظـنـة يـعـضـون غـيـظا خـلـفنا iiبـالأنـامل صـبـرت لـهـم نـفسي بـسمراء iiسـمحة وأبـيـض عـضب مـن تـراث iiالـمقاول وأحـضرت عـند الـبيت رهـطي iiوإخوتي وأمـسـكت مــن أثـوابـه iiبـالـوصائل قـيـامـا مــعـا مـسـتـقبلين iiرتـاجـه لــدى حـيث يـقضي خـلفه كـل iiنـافل أعــوذ بـرب الـناس مـن كـل iiطـاعن عـلـيـنا بــسـوء أو مـلـح iiبـبـاطل |
---------------------------
(1) أشار بوضع هذه القصيدة وشرحها فضيلة الأديب الشاعر الشيخ محمد عبد الرحمن الجديلي الموظف بمجلس النواب المصري حينذاك
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 68_
ومـن كـاشح يـسعى لـنا iiبمعيبة ومـن ملحق في الدين ما لم iiنحاول وثـور ومـن أرسـى ثبيرا iiمكانه وراق لـبـر فـي حـراء ونـازل وبـالبيت حـق البيت من بطن iiمكة وبالله : إن الله لــيـس بـغـافل وبـالـحجر الـمسود إذ يـمسحونه إذا اكـتنفوه بـالضحى iiوالأصـائل ومـوطئ إبراهيم في الصخر iiرطبة عـلى قـدميه حـافيا غـير iiناعل وأشـواط بـين المروتين إلى الصفا ومـا فـيهما مـن صـورة iiوتماثل ومـن حـج بيت الله من كل iiراكب ومـن كـل ذي نذر ومن كل iiراجل فـهل بـعد هـذا مـن مـعاذ iiلعائذ وهـل مـمن مـعيذ يتقي الله iiعادل يـطاع بـنا الأعـدا وودوا لو iiأننا تـسد بـنا أبـواب تـرك iiوكـابل كـذبتم وبـيت الله نـبزى iiمـحمدا ولـمـا نـطاعن دونـه iiونـناضل ونـسـلمه حـتى نـصرع iiحـوله ونـذهل عـن أبـنائنا iiوالـحلائل ويـنهض قـوم فـي الـحديد iiإليكم نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل وحتى نرى ذا الضغن يركب iiردعه مـن الـطعن فعل الأنكب iiالمتحامل وإنـا لـعمر الله إن جـد مـا iiأرى لـتـلتبسن أسـيـافنا iiبـالأمـاثل بـكفي فـتى مـثل الشهاب iiسميدع أخـي ثـقة حـامي الـحقيقة iiباسل ومـا تـرك قـوم لا أبـا لك iiسيدا يـحوط الـذمار غـير ذرب مواكل
وأبيــض (1) يستسقى الغمام بوجهه ثـمال الـيتامى عصمة iiللأرامل |
---------------------------
(1) في روض السهيلي : قالت رقيقة : تتابعت
على قريش سنو جدب قد أقحلت الظلف ، وأرقت العظم ، فبينا
أنا راقدة مهمومة ومعي صنوي إذا أنا بهاتف صيت يصرخ
بصوت صحل يقول : يا معشر قريش ، إن هذا النبي
المبعوث منكم هذا أبان نجومه فحيهلا بالحياء
والخصب ألا فانظروا منكم رجلا طوالا عظاما أبيض بضا أشم
العرنين له فخر يكظم عليه ألا فليخلص هو وولده وليدلف إليه
من كل بطن رجل ألا فليشنوا من الماء ، وليسموا من الطيب ،
وليطوفوا بالبيت سبعا ، ألا فليستسق الرجل ، وليؤمن القوم .
قالت : فأصبحت مذعورة ،
قد قف جلدي ، ووله عقلي ، فاقتصصت رؤياي فوالحرمة
والحرم إن بقي أبطحي إلا وقال هذا شيبة الحمد ، وتتامت عنده
قريش ، وانفض إليه الناس من كل بطن رجل فشنوا ، ومسوا ،
واستسلموا ، واطوفوا ثم ارتقوا أبا قبيس وطفق القوم يدفون
حوله ما أن يدرك سعيهم مهلة
فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمدا فرفعه على عاتقه
وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب . ثم قال : اللهم ساد
الخلة ، وكاشف الكربة ، أنت عالم غير معلم ، ومسؤول غير
مبخل ، وهذه عبيدك وإماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم
فاسمعن اللهم وأمطرن علينا غيثا
مريعا مغدقا ، فما راموا والبيت حتى انفجرت السماء بمائها
وكظ الوادي بثجيبه .
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_ 69 _
يـلوذ بـه الهلاك من آل iiهاشم فـهم عـنده في رحمة وفواضل جزى الله عنا عبد شمس iiونوفلا عـقوبة شـر عـاجل غير iiآجل بـميزان قـسط لا يخس iiشعيرة لـه شـاهد من نفسه غير iiعائل ونـحن الصميم من ذؤابة iiهاشم وآل قصي في الخطوب iiالأوائل وكـل صـديق وابن أخت iiنعده لـعمري وجـدنا غبه غير iiطائل سوى أن رهطاً من كلاب بن مرة بـراء إلـينا مـن مـعقة iiخاذل ونعم ابن أخت القوم غير iiمكذب زهـير حساماً مفرداً من iiحمائل أشـم مـن الـشم البهاليل iiينتمي إلى حسب في حومة المجد iiفاضل لـعمري لـقد كلفت وجدا بأحمد وإخـوته دأب المحب iiالمواصل فـلا زال في الدنيا جمالاً iiلأهلها وزيـناً لـمن ولاه ذب iiالمشاكل فـمن مـثله في الناس أي iiمؤمل إذا قـاسه الـحكام عند التفاضل حـليم رشـيد عادل غير iiطائش يـوالي إلـها لـيس عنه iiبغافل فـأيـده رب الـعـباد iiبـنصره وأظـهر ديـناً حقه غير iiناصل |
شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام
_70_
فـوالله لـولا أن أجـئ بـسبة تـجر على أشياخنا في iiالقبائل لـكنا اتـبعناه عـلى كل iiحالة من الدهر جدا غير قول التهازل لـقد عـلموا أن ابننا لا مكذب لـدينا ولا يغنى بقول iiالأباطل فـأصبح فـينا أحمد في iiأرومة يـقصر عـنها سورة iiالمتطاول حـدبت بـنفسي دونه iiوحميته ودافـعت عنه بالذرى iiوالكلاكل |
ختاماً
هذا ملخص ما اقتطفنا من بعض المصادر المعتبرة ، وبعض ما
دبجته يراعات أهل السير والتأريخ في إثبات إيمان أبي طالب
( عليه السلام ) وإسلامه ، ولو أن هناك بعض التكرار في الفصول المتعاقبة ، ذكرناها
لسير البحث ، ولا يخلو ذلك من فائدة ، أسأله تعالى أن يتقبل
منا هذا اليسير ويعفو عنا الكثير ، فإنه سميع بصير .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام
على محمد وآله الطاهرين .
تم الفراغ منه في دار الهجرة قم المقدسة في العاشر من ربيع الثاني سنة 1421 ه .