|
فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر ما كلمهم به : على ملة عبد المطلب ، (أي أنا على ملة عبد المطلب) .
(قال) وروى مسلم عن اسحاق بن ابراهيم وعبد الله ، عن عبد الرزاق ، وأخرجاه أيضا من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب .
عن ابيه نحوه وقال فيه : فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى قال آخر ما قال : على ملة عبد المطلب (أي انا على ملة عبد المطلب) قال : وفي رواية على ملة الاشياخ ، وقال : آخر ما قال (هو على ملة عبد المطلب) .
(قال المؤلف) فبهذه الروايات ثبت أن القوم المشركين كانوا حضورا فلم ينطق بما طلب منه ابن اخيه صلى الله عليه وآله ليبهم عليهم أنه منهم ، ومع ذلك كله أجابهم بجواب مبهم ، وهو قوله : انا على ملة عبد المطلب وملة الاشياخ ، ولا شك في أن عبد المطلب لم يعبد صنما وإنما كان موحدا مؤمنا متبعا ملة أبيه ابراهيم عليه السلام كما يعرف ذلك من أقواله عليه السلام ، وقد صرح المؤرخون بأنه كان مؤمنا موحدا لم يتخذ عبادة الاصنام كسائر قريش وأهل مكة .
(قال المؤلف) قال السيد ابن دحلان في (أسنى المطالب ص 26 طبع طهران) : إن عدم نطقه (أي نطق أبي طالب عليه السلام) بحضور أبي جهل وعبد الله بن أمية حرصا منه على بقاء الحفظ للنبي صلى الله عليه وآله وصيانته من أذيتهم له بعد وفاته ، فلا ينال النبي صلى الله عليه وآله منهم أذى ، وإذا كان هذا قصده كان معذورا فتكون إجابته لهما بما أجابهم به مداراة لهما لئلا ينفرهما خشية أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد وفاته (ثم قال) على أنه يمكن الجمع بين امتناعه ونطقه بانه امتنع (من النطق
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 177 _
بالشهادتين بحضورهما مداراة لهما فلما انطلقا وذهبا نطق بهما ، وأصغى إليه العباس فسمعه نطق بهما ، ولهذا قال كما في الاحاديث السابقة ما كلمهم به ، يعني أبا جهل ومن كان معه ولم يقل آخر ما تكلم به مطلقا فدل على أن قوله : هو علي ملة عبد المطلب ، على أنه على التوحيد لان عبد المطلب كان على التوحيد كبقية آبائه عليه السلام كما حقق ذلك جلال الدين السيوطي وغيره في رسائل عديدة (قال) : فابهم أبو طالب عليهم الجواب ليرضيهم ظاهرا وهو يعلم أن عبد المطلب كان على التوحيد .
ومما يدل على علو مقام آباء النبي وآباء وصيه علي بن ابي طالب صلى الله عليهم اجمعين الاحاديث الآتية .
(قال المؤلف) قد تقدم القول بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين لامته في موارد عديدة وروي ذلك في أحاديث مختلفة أنهما ما زالا ينقلان من أصلاب طاهرة إلى ارحام مطهرة ، وهذا الكلام صريح في أن آباءه وآباء وصيه وصهره وابن عمه علي بن ايي طالب جميعا كانوا مؤمنين موحدين لان صلب المشرك ورحم الكافرة والمشركة لا يكونان طاهرين (إنما المشركون نجس) .
(بعض الاقوال الدالة على أن أبا طالب عليه السلام أتى بالشهادة عند موته وقد ذكر ذلك علماء اهل السنة ومن علماء أهل السنة الذين أخرجوا نطقه عليه السلام بالشهادتين عند الوفاة الشبراوي الشافعي في كتابه الاتحاف بحب الاشراف (ص 11) ولفظه يقرب من لفظ ابن هشام في السيرة .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 178 _
(ومنهم) ابن حجر العسقلاني الشافعي فانه خرج في كتابه الاصابة ج 7 ص 113) نقلا من تاريخ ابن عساكر ، ما أخرجه ابن هشام ، ولفظه يختلف مع ما تقدم نقله من سيرة ابن هشام في اللفظ دون المعنى ، وهذا نصه بحذف السند : عن ابن عباس قال : لما أتى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أبا طالب في مرضه قال له : يا عم قل : لا إله إلا الله . كلمة أستحل بها لك الشفاعة يوم القيامة ، قال : يابن اخي والله لو لا أن تكون علي وعلى أهلي من بعدي (المسبة) ويرون أني قلتها جزعا من الموت لقلتها ، لا أقولها إلا لاسرك بها ، قال : فلما ثقل رؤي أبو طالب يحرك شفتيه فاصغى إليه (أخوه) العباس فسمع قوله (يقول لا إله إلا الله) فرفع رأسه عنه فقال : (يابن أخي) قد قال والله الكلمة التي سألته عنها .
(ومنهم) ابن ابي الحديد الشافعي فانه أخرج في شرحه لنهج البلاغة (ج 3 ص 312 الطبع الاول) و (ج 14 ص 71 ط 2) ما يثبت صحة قول العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وقال ما هذا نص ألفاظه : قال : وقد روي باسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله (ثم قال) : والخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاما خفيا (حتى لا يسمعه من حضر) فاصغى إليه أخوه العباس ، ثم رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يابن أخي والله لقد قالها عمك ، ولكنه ضعف عن أن يبلغك صوته (أي منعه من رفع صوته الضعف الذي عرضه عليه السلام من مرضه أو لانه لا يريد إسماع الحضور تقية .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 179 _
(ومنهم) العلامة مؤلف روضه الصفا خواندشاه الشافعي المذهب فانه خرج في (ج 2 ص 46) من كتابه المذكور ما خرجه ابن ابي الحديد من أن أبا طالب تكلم بالشهادتين ، وروى ذلك عن ابن العباس حبر الامة وعن غيره .
(قال المؤلف) وأخرج ابن ابي الحديد بعد نقله الحديث المتقدم بسنده عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام أنه قال : ما مات (أبي) أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه ما أرضاه (أي نطق بالشهادتين عند الموت إجابة لطلب ابن اخيه صلى الله عليه وآله) وانما طلب منه ذلك لنيله الدرجة العالية من الايمان .
(قال المؤلف) ولو قيل بضعف حديث ابن المسيب الذي خرجه ابن كثير عن العباس عم النبي صلى الله عليه وآله والذي ضعفه هو في (ج 3 ص 123) من البداية والنهاية ، ولكن إذا انضم إليه حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وحديث أبي بكر يقوى الحديث ، ويثبت على حسب أصول أهل الحديث ، هذا اولا وثانيا قد اعترف علماء أهل السنة بان الحديث الضعيف بالاجماع يؤخذ به في باب الفضائل وثواب الاعمال ، وبه قال بعض علماء الامامية عليهم الرحمة وقد صرح ابن كثير في المصدر المتقدم بعد تضعيفه للحديث فقال : ( ومثله يتوقف فيه لو انفرد ، وقد ذكرنا أن رواية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب المصدق في قوله وفيما ينسبه إلى أبيه عليه السلام ورواية أبي بكر بن ابي قحافة يخرجان حديث العباس عن الانفراد ، فالاخذ به لا يكون خلاف القاعدة ولا غلوا كما قال به ابن كثير في (البداية والنهاية ج 3 ص 123) .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 180 _
(بعض ما روي من اعتراف أبي بكر بن أبي قحافة باسلام أبي طالب عليه السلام في كتب علماء أهل السنة) (قال المؤلف) لعل مقصود من روى عن أبي بكر وغيره من أن أبا طالب عليه السلام ما مات حتى آمن هو الحديث المشهور الذي خرجه جماعة من علماء اهل السنة ، وهو قول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إسلام أبيه أبي قحافة : إني كنت باسلام أبي طالب أفرح مني من إسلام أبي ، وإليك لفظ الحديث من جمع كثير من علماء اهل السنة الشافعية والحنفية وغيرهما .
(منهم) محب الدين الطبري الشافعي المتوفي سنة 694 فانه خرج في (الرياض النضرة (ج 1 ص 45) أن النبي صلى الله عليه وآله لما فتح مكة ودخلها أتى أبو بكر بابيه أبي قحافة عند النبي ليسلم على يديه (صلى الله عليه وآله) وكان ابو قحافة أعمى وذا شيبة فلما أتى به قال له النبي صلى الله عليه وآله ـ ألا تركت الشيخ (أي أباه) حتى نأتيه ، قال يارسول الله أردت أن يأجره الله عزوجل ، وفي رواية هو أحق أن يمشي اليك من أن تمشي إليه (ثم قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم) : أما والذي بعثك بالحق لانا كنت أشد فرحا باسلام أبي طالب مني باسلام أبي ، ألتمس بذلك قرة عينك ، قال : صدقت (خرجه أحمد وأبو حاتم وابن اسحاق في فضائل أبي بكر) .
(ومنهم) الشبراوي الشافعي في (الاتحاف بحب الاشراف ص 9) قال : لما اسلم أبو قحافة قال الصديق للنبي صلى الله عليه وآله : والذي بعثك بالحق لاسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه ، وذلك
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 181 _
أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك .
(ومنهم) ابن ابي الحديد الشافعي فانه خرج في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 68 طبع 2) وقال : روي أن أبا بكر جاء بابي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح يقوده وهو شيخ كبير أعمى ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا تركت الشيخ حتى نأتيه ، فقال : أردت يارسول الله أن يأجره الله ، أما والذي بعثك بالحق أنا كنت أشد فرحا باسلام عمك أبي طالب مني باسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك قال : صدقت .
(ومنهم) ابن حجر العسقلاني الشافعي فانه خرج في الاصابة (ج 7 ص 112 ص 116) ما أخرجه ابن ابي الحديد ولفظه يساوي لفظه واسنده عن ابن عباس حبر الامة . (قال المؤلف) خرج ابن حجر عند ذكر أحوال ابي طالب عليه السلام أمورا كثيرة تدل على رفيع مقام أبي طالب إضافة إلى إيمانه واسلامه وقال : إنه عليه السلام ولد قبل النبي صلى الله عليه وآله بخمس وثلاثين سنة وهو شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمهما فاطمة بنت عمر بن عائذ المخزومية (ثم قال) : واشتهر (أي أبو طالب) بكنيته واسمه عبد مناف ، وقيل : عمران .
(قال المؤلف) ذكر الثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان) ما ذكره ابن حجر في أن من أسمائه عليه السلام عمران ، وذلك عند تفسيره قوله تعالى " وآل عمران على العالمين " .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 182 _
(بعض القضايا الدالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب عمه أبا طالب حبا شديدا وذلك يدل على علو مقام عمه عليه السلام) (قال المؤلف) ومما يدل على علو مقام أبي طالب عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله نبع الماء له عليه السلام عندما عطش وهو في الصحراء ، وقد ذكر ذلك جمع كثير من علماء أهل السنة وعلماء الامامية عليهم الرحمة وإليك أولا من خرجه من علماء الشافعية والحنفية ، وهم جماعة .
(منهم) جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفي سنة 911 فانه خرج ذلك في كتابه (الخصائص الكبرى (ج 1 ص 124 طبع حيدر آباد) بسنده من كتاب ابن سعبد (الطبقات) خرجه تحت عنوان : (باب نبع الماء من الارض باعجازه لعمه أبي طالب ، وقال ما هذا لفظه : قال ابن سعد : أخبرنا إسحاق بن يوسف الازرق ، حدثنا عبد الله بن عوف ، عن عمرو بن سعيد أن ابا طالب قال : كنت بذي المجاز مع ابن اخي يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فادركني العطش فشكوت إليه فقلت : يابن أخي قد عطشت ، وما قلت له ذلك وانا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع ، قال : يا عم أعطشت ؟ قلت نعم ، فاهوى بعقبه إلى الارض فإذا بالماء ، فقال : إشرب يا عم ، قال : فشربت ، أخرجه ابن عساكر ، (قال) وله طريق آخر أخرجه الخطيب وابن عساكر من طريق ابن جرير الطبري ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أزهر بن سعد السمان ، حدثنا ابن عوف ، عن عمرو بن سعد به .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 183 _
(ومنهم ابن حجر العسقلاني فقد خرج ذلك في (الاصابة في تمييز الصحابة ج 7 ص 116) ولفظه يختلف مع لفظ السيوطي في الحديث والسند ، وهذا نص الفاظه : (قال) ابن سعد في الطبقات : أخبرنا إسحاق الازرق ، حدثنا عبد الله بن عون ، عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال : كنت بذي المجاز مع ابن أخي فادركني العطش فشكوت إليه ولا أرى عنده شيئا ، قال : فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعصاه إلى الارض فإذا بالماء فقال : إشرب يا عم فشربت .
(ومنهم) نور الدين علي بن ابراهيم بن احمد بن علي الحلبي الشافعي المتوفي سنة 1044 ه ، فانه أخرج نبع الماء بالاعجاز لعمه ابي طالب عليه السلام في كتابه (إنسان العيون في سيرة الامين والمأمون) المعروف بالسيرة الحلبية (ج 1 طبع مصر سنة 1329 ه) قال (وروي) عن أبي طالب (أنه) قال : كنا بذي المجاز (وهو موضع على فرسخ من عرفة كان سوقا في الجاهلية) مع ابن أخي (يعني النبي صلى الله عليه وآله) فادركني العطش فشكوت إليه فقلت يابن أخي قد عطشت ، وما قلت له ذلك وأنا أرى ان عنده شيئا إلا الجزع (أي لم يحملني على ذلك (أي على الطلب بالماء) إلا الجزح وعدم الصبر) قال : فثنى وركه ، أي نزل عن دابته ، ثم قال : يا عم عطشت ؟ قلت : نعم ، فأهوى بعقبه الارض (وفي رواية) إلى صخرة فركضها برجله وقال شيئا (لم أفهمه) فإذا أنا بالماء لم أر مثله ، فقال : إشرب فشربت حتى رويت ، فقال : أرأيت ؟ قلت نعم ، فركضها ثانية فعادت كما كانت (ثم قال) : وسافر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مع عمه الزبير وله بضع عشرة سنة والزبير أيضا شقيق عبد الله (والد النبي صلى الله عليه
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 184 _
وآله وسلم) .
(ومنهم) السيد أحمد زيني دحلان الشافعي مفتي مكة المكرمة المتوفي سنة 1304 ه ، فانه أخرج الواقعة في كتابه (السيرة النبوية المطبوعة بهامش السيرة الحلبية المتقدم ذكره في هامش ج 1 ص 103 ، قال السيد الحجة فخار بن معد ومن الارهاصات (اي المعجزات) التي ظهرت على يديه صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو صغير : أنه كان مع عمه أبي طالب بذي المجاز وهو موضع على فرسخ من عرفة كان سوقا للجاهلية فعطش عمه أبو طالب فشكا إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وقال : يابن أخي قد عطشت فاهوى بعقبه إلى الارض (وفي رواية) إلى صخرة فركضها برجله وقال شيئا (لم يفهمه أبو طالب عليه السلام) قال أبو طالب : فإذا بالماء لم أر مثله ، فقال : إشرب فشربت حتى رويت فركضها فعادت كما كانت .
(قال المؤلف) : بالتأمل في أحاديث الباب يظهر لك ما عمل في القضايا والاحاديث من تغيير وتحريف وزيادة ونقصان ، وذلك أمر سبب عدم المعرفة بواقع القضايا كما كانت عليه ولاختلاف الحديث أخرجنا ما عثرنا عليه .
(قال المؤلف) : وما يثبت رفيع مقام أبي طالب عليه السلام دعاء النبي صلى الله عليه وآله له بالشفاء فشافاه الله ببركة دعائه صلى الله عليه وآله فورا ، وقد خرج ذلك علماء أهل السنة وعلماء الامامية عليهم الرحمة وإليك ما أخرجه علماء الشافعية والحنفية وهو جماعة : (منهم) ابن حجر العسقلاني الشافعي المتوفي سنة 852 فقد خرج في الاصابة (ج 7 ص 113) ما هذا نصه : بسنده عن أنس قال مرض أبو طالب فعاده النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ، فقال يابن أخي أدع ربك الذي بعثك يعافيني فقال (صلى الله عليه وآله) : اللهم
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 185 _
اشف عمي : فقام (أبو طالب عليه السلام) كانما نشط من عقال ، فقال يابن أخي إن ربك ليطيعك .
قال : وانت يا عماه لئن أطعت الله ليطيعنك (ومنهم) جلال الدين السيوطي الشافعي فقد خرج هذه المعجزة في كتابه (الخصائص ج 1 ص 124) تحت عنوان (باب دعائه صلى الله عليه (وآله) وسلم لابي طالب بالشفاء) وقال : أخرج ابن عدي ، والبيهقي وابو نعيم من طريق الهيثم بن حماد ، عن ثابت ، عن انس أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال : يابن أخي أدع ربك الذي تعبد أن يعافيني فقال : اللهم اشف عمي ، فقام أبو طالب كانما نشط من عقال ، قال يابن اخي إن ربك الذي تعبد ليطيعك ، قال : وانت يا عماه لئن اطعت الله ليطيعك (ثم قال السيوطي تفرد به الهيثم وهو ضعيف .
(قال المؤلف) لا يفوتنك التحريف والزيادة التي زادها جلال الدين في حديثه فان الحديث الذي خرجه في الاصابة خال من هذه الزيادة وهذا التحريف إذ فيه (أدع ربك الذي بعثك) وليس فيه (ادع ربك الذي تعبد) وانما غير الحديث وزاد عليه كلمة (تعبد) لغاية معلومة يعرفها كل من طالع حياة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وتاريخ حياة أمير الشام وهي تحصيل رضا أمير الشام وسائر بني أمية وأمثالهم ولا يخفى أن جواب النبي لعمه عليه السلام جواب مهم عظيم ، وقد ورد ذلك في الكلمات القدسية وهي الكلمات التي خوطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما عرج به إلى السماء ، ومن جملتها ما كلمه الله بها بقدرته وهو قوله تعالى عزوجل : (عبدي أطعني تكون مثلي (أو مثلي) أقول للشئ كن فيكون وتقول للشئ كن فيكون) فالنبي الاكرم بين لعمه المكرم : أنه إن أطاع الله يكن مثله في أن الله يستجيب دعاءه
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 186 _
بلا تأخير كما استجاب دعاءه بلا تعطيل .
(قال المؤلف) ومما يدل على قوة إيمانه عليه السلام بابن أخيه صلى الله عليه وآله وصيته عليه السلام لبني هاشم بان يطيعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وإصراره على ذلك كما ذكر ابن دحلان في السيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 99 ص 100) وهذا نصه وقد تقدم بالمناسبة قال : وفي الحديث إنهم اجتمعوا عند أبي طالب عند وفاته فأوصاهم أبو طالب فقال : يا معشر بني هاشم أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا وترشدوا .
(قال المؤلف) أمر بني هاشم بالدخول في الاسلام وتصديق ما جاء به ابن اخيه من الشريعة وبين لهم أن الفلاح والرشاد في طاعته .
(وقال) ابن دحلان أيضا : واجتمعوا مرة أخرى عند أبي طالب فاوصاهم أبو طالب فقال : يا معشر العرب انتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب ، فيكم السيد المطاع ، وفيكم المقدم الشجاع ، والواسع الباع واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ، ولا شرفا إلا أدركتموه ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم به إليكم الوسيلة والناس لكم حرب ، وعلى حربكم ألب ، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية يعني الكعبة ، فان فيها مرضاة للرب ، وقواما للمعاش وثباتا للوطأة صلوا أرحامكم ، فان في صلة الرحم منشأة ، اي فسحة في الاجل وزيادة في العدد ، واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم أجيبوا الداعي ، واعطوا السائل فان فيهما شرف الحياة والممات ، وعليكم بصدق الحديث وأداء الامانة ، فان فيهما محبة في الخاص ، ومكرمة في العام ، وأوصيكم بمحمد خيرا فانه الامين في قريش ، والصديق في العرب
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 187 _
وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به ، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان وانكره اللسان مخافة الشنآن ، وأيم الله كاني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل الاطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته ، وصدقوا كلمته وعظموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ، ودورها خرابا ، وضعفاؤها أربابا ، وأذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها وأعطته قيادها ، يا معشر قريش كونوا له ولاة ، ولحزبه حماة .
(قال) : وفي رواية ، دونكم ابن أبيكم كونوا له ولاة ، ولحزبه حماة ، والله ، لا يسلك أحد سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ، ولو كان لنفسي مدة ولاجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ، ولدفعت عند الدواهي .
(قال المؤلف) : لو لم ينقل من أبي طالب عليه السلام غير هذه الوصية لكفى في إثبات إيمانه وعلو شأنه ومقامه ، وهل الاسلام والايمان غير ما بين عليه السلام ؟ في وصيته ، وهل ما جاء به ابن أخيه صلى الله عليه وآله غير ما أمر به ووصى به العرب وعشيرته ؟ ومن تفكر وتدبر في هذه الوصية حق التدبر عرف أن أبا طالب عليه السلام كان يعرف المغيبات مما يكون بعد موته من الحروب والانتصارات التي يراها ابن اخيه صلى الله عليه وآله وأعوانه وأنصاره .
(قال المؤلف) وخرج ابن دحلان أيضا بهامش سيرة الحلبي في سيرته (ج 1 ص 100) ما هذا معناه قال : وقال أبو طالب في وصيته إلى العرب وبني هاشم : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 188 _
فاطيعوه ترشدوا : (ثم قال) الدحلاني : قال الزرقاني : فانظر واعتبر كيف وقع جميع ما قاله (أبو طالب) من باب الفراسة الصادقة ، وكيف هذه المعرفة التامة بالحق .
(قال المؤلف) خرج السيوطي هذه الرواية في الخصائص الكبرى (ج 1 ص 87) وقال : أخرج ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير العذري : أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال (في وصيته لهم) : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتموه ، واتبعتم امره ، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا .
(قال المؤلف) ينظر الزرقاني وأمثاله إلى أبي طالب عليه السلام نظره إلى رجل عادي ولا يدري أنه عليه السلام وعبد المطلب كانا يقرءان الكتب السالفة وكانا يتصلان بالعباد والزهاد والاحبار والرهبان وكانوا يخبرونهما عن أحوال رسول الله صلى الله عليه وآله النبي الهاشمي وما يكون له في حياته من الشئون والاحوال ، ومع قطع النظر عن ذلك كله كان يظهر لهم في معاشرتهم مع الرسول الاكرم حال كونه في دارهم وحال كونهم معه يخدمونه من الامور الغريبة والعلوم النافعة العجيبة ما لا يظهر لغيرهم لعدم اتصالهم به ومعاشرتهم اياه ، فما أخبروا به من الامور الغيبية ليست من الفراسة كما قال به الزرقاني ، بل جميعه من تعليماته صلى الله عليه وآله لهم فان أبا طالب عليه السلام كان له من العمر على حسب بعض الروايات تسعون سنة أو ازيد قضى خمسون سنة أو ازيد من عمره عليه السلام مع ابن أخيه فعرف منه وتعلم علما كثيرا نافعا بين لاولاد عبد المطلب بعضه وللعرب بعضه الآخر بالمناسبة وبمقتضى الحال ، تأمل في الوصية المتقدمة التي ذكرها زيني دحلان وقد تقدمت وأولها (يا معشر العرب) تأمل فيها غاية التأمل يتضح لك
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 189 _
ما كان يعلم السيد المطاع مؤمن قريش وشيخ الابطح عليه السلام تأمل في هذه الكلمات خاصة (والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ، ولو كان لنفسي مدة ولاجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ، ولدفعت عنه الدواهي .
(قال المؤلف) نقول لابي طالب عليه السلام ولو لم تكن بشخصك في الحياة ولكن كنت في الحياة في قالب ولدك البطل الشجاع الذي كف عن ابن أخيك صلى الله عليه وآله جميع الهزاهز ودفع عنه جميع الدواهي ، ويشهد بذلك التاريخ ، ويعلمه كل خبير باحواله .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 190 _
خاتمة :
تتضمن بعض الاحاديث المستخرجة في كتب الامامية بطرقهم المعتبرة عن أهل البيت عليهم السلام في أحوال جدهم حامي سيد المرسلين ، وناصر سيد البشر ، والذي بتأييده دين الاسلام انتشر ، وبواسطته قام النبي صلى الله عليه وآله بأداء واجبه محفوظا من كل خطر ، سيد البطحاء ووالد الاوصياء ، ومن آمن بالرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم قبل بعثته ، والذي بنصرته تمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بث دعوته ، هو أبو طالب عليه السلام ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عليهم السلام .
(الحديث الاول) (ما في الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب) ص 25 طبع النجف الاشرف سنة 1351 ه فقد خرج السيد شمس الدين فخار بن معد قدس سره المتوفي سنة (630) بسنده عن ابي الفرج الاصفهاني ، قال : حدثني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن علي المعمري الكوفي ، قال : حدثنا علي بن مسعدة بن صدقة عن عمه ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، أنه قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه السلام ، وأن يدون ، وقال تعلموه وعلموه أولادكم ، فانه كان على دين الله وفيه علم كثير .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 191 _
(الحديث الثاني) (وفيه أيضا ص 27) خرج بسنده ، عن السيد النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي الحسني النقيب البصري بمدينة السلام سنة أربع وستمائة ، قال : أخبرني والدي محمد بن أبي زيد النقيب الحسني البصري قال : أخبرني تاج الشرف محمد بن محمد بن أبي الغنايم المعروف بابن السخطة العلوي الحسيني البصري النقيب ، قال : أخبرني الشريف الامام العالم ابو الحسن علي بن محمد الصوفي العلوي النسابة المشجر المعروف ، قال : حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد البصري ، عن أبي الحسين يحيى بن محمد الحضيني المدني ، قال : رأيته بالمدينة سنة ثمانين وثلثمائة ، عن ابيه عن أبي علي بن همام رضي الله عنه عن جعفر بن محمد الضراري ، عن عمران بن معافي ، عن صفوان بن يحبى ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، أنه قال : مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا ، وشعره في ديوانه يدل على إيمانه ثم محبته وتربيته ونصرته ومعاداة أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموالاة أوليائه ، وتصديقه اياه فيما جاء به من ربه ، وأمره لولديه علي وجعفر عليهما السلام بأن يسلما ويؤمنا بما يدعو إليه .
وأنه خير الخلق ، وأنه يدعو إلى الحق والمنهاج المستقيم ، وأنه رسول رب العالمين فثبت ذلك في قلوبهما ، فحين دعاهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجاباه في الحال ، وما تلبثا لما قد قرره أبوهما عندهما من أمره فكانا يتأملان أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله فيجدانها كلها حسنة تدعو إلى سداد ورشاد .
(قال المؤلف) تقدمت مضامين الحديث الاول والحديث الثاني
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 192 _
في أحاديث مروية من كتب علماء اهل السنة ، فمن راجع ما جمعناه من حياة أبي طالب عليه السلام ثبت له ما بيناه : (وقال) السيد شمس الدين في كتاب (الحجة ص 28) بعد ختم الحديث الثاني ما هذا نصه (وحسبك) ان كنت منصفا منه هذا أن يسمح بمثل علي وجعفر ولديه وكانا من قلبه بالمنزلة المعروفة المشهورة لما يأخذان به أنفسهما من الطاعة له والشجاعة وقلة النظير لهما ان يطيعا رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يدعوهما إليه من دين وجهاد وبذل أنفسهما ومعاداة من عاداه ، وموالاة من والاه ، من غبر حاجة إليه لا في مال ولا في جاه ولا غيره ، لان عشيرته أعداؤه والمال فليس له مال .
فلم يبق إلا الرغبة فيما جاء به من ربه ، فهذا الحديث مروي عن الامام أبي جعفر عليه السلام فلقد بين حال ابي طالب فيه احسن تبيين ونبه على إيمانه أجل تنبيه ، ولقد كان هذا الحديث وحده كافيا في معرفة إيمان أبي طالب عليه السلام اسكنه الله جنته ومنحه رحمته ، لمن كان منصفا لبيبا عاقلا أديبا .
(الحديث الثالث) في روضة الواعظين (ص 121) خرج بسنده عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال : لما حضر أبو طالب (عليه السلام) الوفاة جمع وجوه قريش وأوصاهم فقال : يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، وأنتم خزنة الله في ارضه ، وأهل حرمه ، فيكم السيد المطاع ، الطويل الذراع ، وفيكم المقدم الشجاع ، والواسع الباع إعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيبا إلا حزتموه ، ولا شرفا إلا أدركتموه ، فلكم على الناس بذلك الفضيلة ، ولهم به اليكم الوسيلة والناس لكم حرب على حربكم إلب ، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 193 _
فان فيها مرضاة للرب ، وقواما للمعاش ، وثباتا للوطأة ، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها ، فان صلة الرحم منسأة في الاجل (إلى آخر الحديث) وقد تقدم ذلك نقلا من السيرة الحلبية (ج 1 ص 383) وفيه اختلاف لما روي في كتاب الحجة ، وفيه زيادات مهمة ، وخرج الحديث المجلسي رحمه الله في البحار (ج 9 ص 23 طبع 1) و (ج 35 ص 106 طبع 2) وخرجه في تاريخ الخميس (ج 1 ص 339) واختصره ، وفي ألفاظه اختلاف يسير مع ما في السيرة الحلبية ، وهذا نصه : في المواهب اللدنية : حكى عن هشام بن السائب الكلبي أو ابنه أنه قال : لما حضرت : أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال : يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه (إلى أن قال) : وإني أوصيكم بمحمد خيرا فانه الامين في قريش ، والصديق في العرب ، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به ، وقد جاء بامر قبله الجنان ، وانكره اللسان مخافة الشنآن ، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل الوبر والاطراف ، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته ، وصدقوا كلمته وأعظموا أمره ، فخاص بهم غمرات الموت ، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ، ودورها خرابا ، وضعفاؤها أربابا ، وإن أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها وأصفت له فؤادهها ، وأعطته قيادها ، يا معشر قريش كونوا له ولاة ، ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ، ولو كان لنفسي مدة ، ولاجلي تأخير ، لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي (ثم توفي عليه السلام) .
(قال المؤلف) الحديث الذي خرجه في البحار يقرب من الحديث الذي خرجه الكلي ، وفيه زيادات نافعة مهمة (ثم قال المجلسي رحمه الله)
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 194 _
وروى بعض أرباب السير المعتبرة مثله (ثم قال) : وفي لفظ آخر لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ، وما اتبعتم أمره ، فاطيعوه ترشدوا .
(قال المؤلف) أراد المجلسي رحمه الله بارباب السير الحلبي وأمثاله حيث خرجوا الحديثين المفصل والمختصر وقد تقدم لفظاهما فلا نحتاج إلى تكرار ذكره ، وقد خرج الحديث الثالث الالوسي في بلوغ الارب (ج 1 ص 327) والدحلاني في السيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 99) وخرجه زيني دحلان أيضا في كتابه الآخر أسنى المطالب (ص 5 طبع مصر) و (ص 7) طبع ايران مع الاختصار للحديث .
(قال المؤلف) : إن في هذه الوصية اعترافا بنبوة سيد الانبياء من عمه والد سيد الاوصياء ، وفيه إخبار عن أمور غيبية عرفها شيخ الابطح عليه السلام من قول الاحبار والرهبان الذين رآهم قبل البعثة لابن أخيه صلى الله عليه وآله وبشروا برسالة ابن اخيه ، وأما قوله عليه السلام " أنكره اللسان " فقد كان ذلك في الظاهر فلم يعلن بما أعلن به أخوه حمزة وولداه جعفر وأمير المؤمنين علي علبهم السلام وأما في الباطن فقد أتى بالشهادتين بامر من الرسول الاكرم ، وقبل أن تنعقد نطفة أمير المؤمنين عليه السلام وذلك حين طلب من فاطمة بنت أسد التمر الذي اخذته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت له تكلم بالشهادتين حتى أعطيك ذلك ، فتكلم عليه السلام بالشهادتين فاعطته ذلك فاكل ، ثم اجتمع معها فانعقدت في تلك الليلة نطفة سيد الاوصياء وإمام الاتقياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وقد تقدم الحديث مفصلا نقلا من كبار علماء أهل السنة ، هذا ، وقد تكلم
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 195 _
بالشهادتين أيضا في خطبه وأشعاه مرارا عديدة ، وقد تقدم جميع ذلك (ومنها) ما تكلم به في آخر حياته وعند وفاته وذلك لما طلب منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاتيان بالشهادتين للفوز بالمقامات العالية لا للدخول في الاسلام كما تخيله بعض الجاهلين باحوال سيد قريش وأول مؤمن منها بعد عبد المطلب عليهما السلام ، وقد تقدم تفصيل ذلك أيضا وذكرنا القائلين به .
(وقال) العلامة الحجة شيخنا الاميني دام الله بقاه في كتاب (الغدير) ج 7 ص 367) بعد ذكره الوصية برواية جمع من علماء أهل السنة في سبب عدم إظهاره عليه السلام التكلم بالشهادتين كما أظهره أخوه حمزة وولداه عليهم السلام ما هذا نصه : في هذه الوصية الطافحة بالايمان والرشاد دلالة واضحجة على أنه عليه السلام إنما أرجأ تصديقه باللسان إلى هذه الآونة التي يئس فيها عن الحياة حذار شنان قومه المستتبع لانثيالهم عنه ، المؤدي إلى ضعف المنة وتفكك القوى .
فلا يتسنى له حينئذ . الذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن كان الايمان به مستقرا في الجنان من أول بومه (كما أشرنا إليه) لكنه (عليه السلام) لما شعر بازوف الاجل ، وفوات الغاية المذكورة ، أبدى ما اجنته أضلاعه فأوصى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بوصيته الخالدة .
(الحديث الرابع) (وصية اخرى) من مؤمن قريش وشيخ الابطح ورئيسها المطاع أبي طالب عليه السلام خرجها جمع كثير من علماء أهل السنة (منهم) ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج 1 ص 123) وجلال الدين السيوطي
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 196 _
في الخصائص (ج 1 ص 87) وسبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص (ص 10) وزيني دحلان في كتابيه السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 99) واسنى المطالب (ص 8 ط 1 وص 10 طبع مصر) والحلبي الشافعي في السيرة الحلبية (ج 1 ص 383) وفي تاريخ الخميس (ج 1 ص 339) والعلامة ابن شهر اشوب في المناقب (ج 1 ص 43 طبع 2) وألفاظ الجميع تختلف في بعض الالفاظ ، وأما لفظ ابن شهر اشوب فهذا نصه قال : اخرج مقاتل بسنده وقال : لما رأت قريش يعلوا أمره قالوا لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وتكبرا ، وإن هو إلا ساحر أو مجنون وتوعدوه ، وتعاقدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها على قتله ، وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم ، وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وقال إن ابن اخي كما يقول وأخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا أن محمدا نبي صادق ، وأمين ناطق ، وأن شأنه لعظيم ، ومكانه من ربه أعلى مكان ، فاجيبوا دعوته ، واجتمعوا على نصرته ، وراموا عدوه من وراء حوزته ، فانه الشرف الباقي لكم الدهر ، وانشأ يقول : أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعمي الخير عباسا ألى آخر الابيات المتقذمة ، وأما لفظ زيني دحلان في أسنى المطالب (ص 7 ص 8 طبع 2) قال : وقد أوصى قريشا باتباعه وقال : والله لكأني به وقد غلب ودانت له العرب والعجم ، فلا يسبقنكم إليه سائر العرب ، فيكونوا أسعد به منكم (قال) : وهذه الوصية تكررت منه مرارا تارة يوصي بها بني هاشم ، وتارة يوصي بها كافة قريش (ثم ذكر الحديث الاول) ثم قال : وقال لهم مرة : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ، وما اتبعتم أمره ، فاطيعوه ترشدوا ، وأما لفط سبط ابن الجوزي
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 197 _
الحنفي في (تذكرة خواص الامة (ص 10) فقد قال : قال ابن سعد : حدثنا الواقدي ، قال : دعا أبو طالب قريشا عند موته فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ابن اخي ، وما اتبعتم أمره ، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا .
وأما لفظ جلال الدين السيوطي الشافعي في الخصائص (ج 1 ص 87) فقال : أخرج ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ، وما اتبعتم أمره ، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا .
وأما لفظ الحلبي في سيرته فقال : بعد ذكره الوصية السابقة الطويلة : وفي لفظ آخر أنه لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ، وما اتبعتم أمره فاطيعوه ترشدوا .
وأما لفظ زيني دحلان في السيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 99) قال : وفي رواية أن أبا طالب قال عند موته : يا معشر بني هاشم أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا وترشدوا .
(قال المؤلف) وخرج زيني دحلان الوصية الاولى المفصلة بعد هذه الوصية في تلك الصفحة (ص 99) وفي لفظه اختلاف يسير مع ما تقدم نقله من السيرة الحلبية .
وذكر وصية أخرى بهامش (ص 100) وهذا لفظه ، قال : وقال لهم مرة (أخرى) : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ، وما اتبعتم أمره فاطيعوه ترشدوا .
(قال المؤلف) خرج العلامة الحجة الامبني هذه الوصية في (الغدير) ج 7 ص 367) نقلا من كتب عديدة لعلماء أهل السنة ثم قال دام بقاه : رأى البرزنجي هذا الحديث دليلا على إيمان ابي طالب ، ونعما
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 198 _
هو قال : قلت : بعيد جدا أن يعرف أن الرشاد في اتباعه ويأمر غيره بذلك ثم يتركه ، ثم ذكر الاميني بيانا جيدا واضحا يقبله من ترك التعصب وقال ما هذا نصه : ليس في العقل السليم مساغ للقول يان هذه المواقف كلها لم تنبعث عن خضوع أبي طالب للدين الحنيف وتصديقه للصادع به صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فماذا الذي كان يحدوه إلى مخاشنة قريش ومقاساة الاذى منهم وتعكير الصفو من حياته ؟ ، لا سيما أيام كان هو الصفوة من فئته في الشعب ، فلا حياة هنيئة ، ولا عيش رغد ، ولا أمن يطمأن به ، ولا خطر مدروء ، يتحمل الجفاء والقطيعة والقسوة المؤلمة من قومه ، فماذا الذي أقدمه على هذه كلها ؟ وماذا الذي حصره وحبسه في الشعب عدة سنين تجاه أمر لا يقول بصدقه .
ولا يخبت إلى حقيقته ؟ لا ها الله ، لم يكن كل ذلك إلا عن إيمان ثابت ، وتصديق وتسليم ، وإذعان بما جاء به نبي الاسلام ، يظهر ذلك للقارئ المستشف لجزئيات كل من هذه القصص ولم تكن القرابة والقومية بمفردها تدعوه إلى مقاساة تلكم المشاق ، كما لم تدع أبا لهب أخاه ، وهب أن القرابة تدعوه إلى الذب عنه صلى الله عليه وآله وسلم لكنها لا تدعو إلى المصارحة بتصديقه وأن ما جاء به حق ، وانه (نبي كموسى خط في اول الكتب) وأن من اقتص أثره فهو المهتدي وأن الضال من ازور عنه وتخلف ، إلى امثال ذلك من مصارحات قالها بملء فيه ، ودعا إليه صلى الله عليه وآله فيها باعلى (صوته) وهتافه .
(الحديث الخامس) ما أخرجه ابن حجر العسفلاني الشافعي في كتابه الاصابة (ج 7
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 199 _
ص 116) قال : ذكر ابن سعد عن الواقدي أنه عليه السلام (أي أبو طالب) مات في نصف شوال (ثم قال) : وقد وقعت لنا رواية أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الخطيب في كتاب رواية الآباء عن الابناء ، من طريق أحمد بن الحسن المعروف بدبيس حدثنا محمد بن إسمعيل بن ابراهيم العلوي ، حدثني عم أبي الحسين بن محمد عن ابيه موسى بن جعفر ، عن ابيه ، عن علي بن الحسين ، عن الحسين ابن علي ، عن علي ، قال : سمعت أبا طالب يقول : حدثني محمد ابن اخي وكان والله صدوقا قال : قلت له : بما بعثت يا محمد ؟ قال : بصلة الارحام ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة . (قال المؤلف) : خرج زيني دحلان في أسنى المطالب (ج 9) الحديث قال : وقد روى أبو طالب أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلمات تدل على إيمانه ، وامتلاء قلبه من التوحيد ، فمن ذلك ما رواه الخطيب البغدادي باسناده إلى جعفر الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه علي بن ابي طالب ، قال : سمعت أبا طالب يقول : حدثني محمد ابن أخي وكان والله صدوقا قال : فلت له : بم بعثت يا محمد ؟ قال : بصلة الارحام وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة .
(قال زيني دحلان) : والمراد من الصلاة ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها ، كانتا في أول الاسلام ، أو المراد صلاة التهجد فانه صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعله من أول بعثته ، ولا يصح حمل الصلاة على الصلوات الخمس ، لانها إنما فرضت ليلة الاسراء ، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو سنة ونصف ، وكان موت أبي طالب في النصف من شوال في السنة العاشرة من البعثة .
وعمره (عليه السلام)
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 200 _
بضع وثمانون سنة ، والمراد من الزكاة مطلق الصدقة وإكرام الضيف ونحو ذلك من الصدقات المالبة ، ومثل هذه الاشياء كان أبو طالب أسها ومعدنها ، وليس المراد الزكاة الشرعية المعروفة ، ولا زكاة الفطرة ، لان ذلك إنما فرض بعد الهجرة في المدينة ، وكل ذلك كان بعد موت أبي طالب (عليه السلام) .
(قال المؤلف) وخرج زيني دحلان أيضا حديثا آخر رواه أبو طالب عن النبي صلى الله عليه وآله و (قال) : أخرج الخطيب أيضا بسنده إلى أبي رافع مولى أم هاني بنت أبي طالب ، أنه سمع أبا طالب يقول : حدثني محمد ابن اخي : أن الله أمره بصلة الارحام وأن يعبد الله لا يعبد معه احدا ، قال : ومحمد عندي الصدوق الامين .
(وفيه ايضا) قال (أبو طالب) أيضا : سمعت ابن اخي يقول : أشكر ترزق ، ولا تكفر تعذب ، وفي ذيل أسنى المطالب (ص 10) قال : روى الشيخ إبراهيم الحنبلي في نهاية الطلب (بسنده) عن عروة الثقفي قال : سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول : حدثني ابن اخي الصادق الامين وكان والله صدوقا أن ربه أرسله بصلة الارحام وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وكان يقول : أشكر ترزق ، ولا تكفر تعذب . (قال المؤلف) خرج السيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي رحمه الله في كتابه (الحجة على الذاهب) أحاديث عديدة رواها أبو طالب عليه السلام عن ابن أخيه صلى الله عليه وآله وألفاظها تقرب تلك الاحاديث ، واليك نصها بحذف السند .
(الحديث الاول في ص 26) بسنده عن اسحق بن عيسى بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت
|