عليه وآله وسلم وصلب والد علي عليه السلام كانا طاهرين ، ولم يكونا طاهرين لو كانا على ما كانت عليه قريش من عبادة الاصنام ، فان صلب عابد الاصنام لا يكون طاهرا لانه مشرك ، قال تعالى في كتابه الحكيم (إنما المشركون نجس) ، ومما يدل على علو مقام أبي طالب عليه السلام علاوة على إيمانه ما يأتي .
(قال المؤلف) : ومما يدل على أن أبا طالب عليه السلام كان مؤمنا برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله عارفا بمقامه الخطبة التي القاها عليه السلام عند تزويجه صلى الله عليه وآله بخديجة عليها السلام وقد خرج ذلك أغلب المؤرخين عند ذكرهم ما جرى في تزويجه بأم المؤمنين خديجة عليها السلام .
(منهم) ابن أبي الحديد الشافعي فقد خرج في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 70) طبع ثاني ، ما هذا نصه : قال : وخطبة النكاح مشهورة خطبها أبو طالب عند نكاح محمد صلى الله عليه وآله خديجة ، وهي ، قوله : الحمد الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وجعل لنا بلدا حراما ، وبيتا محجوجا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن محمدا ابن عبد الله أخي ، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا وفضلا وحزما وعقلا ، ورأيا ، ونبلا وإن كان في المال قل ، فانما المال ظل زائل ، وعارية مسترجعة ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، وما أحببتم من الصداق فعلي ، وله والله بعد نبأ شائع وخطب جليل (ثم قال ابن أبي الحديد) قالوا ، أفتراه ، يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل (وهو رسالته وبعثته) ثم يعانده ويكذبه ، وهو (أي أبو طالب) من أولي الالباب ، هذا غير سائغ في العقول (ثم قال) :
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 127 _
قالوا : وقد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) إن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : إن أصحاب الكهف أسروا الايمان ، وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب عليه السلام أسر الايمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرتين .
(قال المؤلف) ومما يدل على رفعة مقام أبي طالب عليه السلام ما بينه النبي الاكرم صلى الله علبه وآله وسلم من أحوال عمه أبي طالب المحترم حيث قال : لما سئل عن أحواله وعما سيفعله معه ويجازيه يوم القيامة فقال كما في (كنز العمال ج 6 ص 229) لعلي المتقي الحنفي ، واسنى المطالب (ص 26) طبع ثاني قال صلى الله عليه وآله : إن لابي طالب عندي رحما سابلها بيلالها (من تاربخ ابن عساكر برواية عمرو بن العاص) قوله : بل رحمه أي وصلها ، فهل يجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يصل رحمه المشرك مع ما ورد في القرآن من النهي عن صلة الرحم غير المؤمن ، وهل فرق بين الارحام ، فكما أن أبا طالب عليه السلام عمه كذلك أبو لهب (عليه اللعنة) عمه ، فهل يوجد سبب للفرق بينهما غير الايمان ، لا ورب المؤمنين .
وفي (كنز العمال ج 6 ص 212) والخصائص الكبرى للسيوطي الشافعي (ج 1 ص 87) قال إنه سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما يرجو لعمه أبي طالب فقال في جوابه : (كل الخير أرجوه من ربي) فهل يرجي خير قليل للمشرك بالله دون الخير الكثير (وفي كنز العمال ايضا ج 6 ص 229) وغيره من كتب علماء أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وآله شيع جنازة عمه أبي طالب ودعا له ، وقال وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم (من تاريخ ابن عساكر وكتاب تمام والبيهقي) وفي طبقات ابن سعد (ج 1 ص 124) خرج أن رسول الله
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 128 _
صلى الله عليه وآله قال لعمه أبي طالب لما مات : رحمك الله ، فهل يترحم النبي لمن لم يكن من المؤمنين ؟ حاشا ، إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لم يترحم على غير المؤمنين ؟ فلو كان يترحم لترحم على عمه أبي لهب لانه كان يحاميه مدة من أيام حياته .
(وفي طبقات ابن سعد ج 1 ص 123 طبع بيروت سنة 1376 ه) قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد ، قال : حدثني معمر بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه ، قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فوجد عنده عبد الله بن أبي أمية وأبا جهل بن هشام (إلى ان يقول) فقالا له يا أبا طالب اترغب عن ملة عبد المطلب ، حتى قال آخر كلمة تكلم بها ، أنا على ملة عبد المطلب ، ثم مات (و عبد المطلب عليه السلام كان على ملة ابراهيم عليه السلام بلا شك (وفيه ايضا ج 1 ص 123) قال : أخبرنا محمد ابن عمر قال : حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن علي قال : أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله بموت أبي طالب ، فبكى ، ثم قال : إذهب فاغسله وكفنه ، وواره غفر الله له ورحمه ، قال علي (عليه السلام) ففعلت ما قال ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته (حزنا عليه) .
(قال المؤلف) أمر النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بتغسيل أبي طالب عليه السلام وتجهيزه ، خرجه جماعة من علماء أهل السنة غير من تقدم .
(منهم) ابن دحلان في اسنى المطالب (ص 27 طبع ثاني) وفي السيرة النبوية (ج 1 بهامش ج 1 ص 96) من السيرة الحلبية طبع مصر سنة 1329 ، قال : روى أبو داود والنسائي وابن الجارود وابن خزيمة
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 129 _
عن علي رضي الله عنه قال لما مات أبو طالب أخبرت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بموته ، فبكى ، وقال : اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ، قال : وانما ترك الصلاة عليه لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ .
(قال المؤلف) : ليس في السيرة النبوية ما زاده في طبقات ابن سعد في آخر الحديث ، وهو من زيادة المحرفين بل نقص منه بعض ألفاظ الحديث الذي فيه دلالة على علو مقام أبي طالب عليه السلام ، واليك نص ألفاظ الحديث برواية السيد فخار بن معد الموسوي في (الحجة على الذاهب ص 67 طبع أول) قال عليه الرحمة : ومما رواه نقلة الآثار ورواة الاخبار من فعل النبي صلى الله عليه وآله ، عند موت عمه أبي طالب رحمه الله وقوله اللذين يشهدان بصحة إسلامه وحقيقة إيمانه ، ما حدثني به مشايخي أبو عبد الله محمد بن إدريس ، وابو الفضل شاذان بن جبرئيل وأبو العز محمد بن علي الفويقي رضوان الله عليهم باسانيدهم إلى الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن نعمان رحمه الله يرفعه ، قال : لما مات أبو طالب رحمه الله أنى أمير المؤمنين علي عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله ، فاذنه بموته ، فتوجع توجعا عظيما ، وحرن حزنا شديدا ثم قال لامير المؤمنين (علي بن أبي طالب عليهما السلام) : إمض يا علي فتول أمره وتول غسله وتحنيطه ، وتكفينه ، فإذا رفعته على سريره فاعلمني ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام : فلما رفعه على سريره اعترضه النبي صلى الله عليه وآله ، فرق وتحزن ، وقال : وصلتك رحم ، وجزيت خيرا يا عم ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، ونصرت وآزرت كبيرا ، ثم اقبل على الناس ، وقال ، أم والله لاشفعن لعمي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين أي الانس والجن (ثم أخذ السيد في شرح الحديث الشريف وقال) : هذا الحديث يدل على إيمان أبي طالب
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 130 _
رحمه الله من وجهين (أحدهما) أمر النبي صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام أن يفعل به ما يفعل باموات المسلمين من الغسل والتحنيط والتكفين دون الجاحدين من أولاده (وهما طالب وعقيل) إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين عليه السلام إذ ذاك مقيما على الجاهلية ، ولان جعفرا عليه السلام كان يومئذ عند النجاشي ببلاد الحبشة
(1) وكان عقيل وطالب يومئذ حاضرين وهما مقيمان على خلاف الاسلام ، ولم يسلم أحد منهما بعد ، فخص صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام بتولية امر أبيه لمكان إبمانه ، ولم يتركه لهما لمباينتهما له في معتقده ، ولو كان أبو طالب مات كافرا لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، امير المؤمنين عليه السلام بتولية أمره لانقطاع العصمة بين الكافر والمسلم ، ولتركه كما ترك عمه الآخر أبا لهب ولم يعبأ بشأنه ولم يحفل بأمره ، وفي حكمه صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام بتولية امره وإجراء أحاكم المسلمين عليه من الغسل والتحنيط والتكفين والموازرة من دون طالب وعقيل شاهد صدق على اسلامه (ع) .
(قال السيد عليه الرحمة) ( والوجه الآخر ) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وصلتك رحم ، وجزيت خيرا ، ووعد أصحابه له بالشفاعة التي تعجب بها أهل الثقلين ، ومولاته بين الدعاء له والثناء عليه وكذلك كانت الصلاة على المسلمين صدر الاسلام حتى فرض الله صلاة الجنائز ، وبمثل ذلك صلى النبي صلى الله عليه وآله ، على خديجة رضي الله عنها .
--------------------------------
(1) وقد رجع جعفر من الحبشة عام فتح خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله عند قدومه ما هو مشهور ، ومضمونه : ما أدري بايهما اشد فرحا بفتح خيبر أم بقدوم جعفر . [*]
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 131 _
بعض الاقوال والاوامر والافعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على إيمان عمه أبي طالب عليه السلام (قال المؤلف) : خرج سبط ابن الجدزي قزأوغلي الحنفي في كتابه ( تذكرة الخواص ) ( ص 6 طبع ايران ) و ( ص 10 طبع النجف الاشرف ) بسنده وقال : حدثني الواقدي قال : قال علي عليه السلام : لما توفي أبو طالب أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه (قال) : فقال له العباس : يارسول الله إنك لترجو له ؟ فقال : إي والله إني لارجو له ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يستغفر له أياما لا يخرج من بيته (حزنا عليه) قال : قال الواقدي : قال ابن عباس : عارض رسول الله صلى الله عليه وآله ، جنازة أبي طالب وقال : وصلتك رحم وجزاك الله يا عم خيرا ، وقد تقدم ذلك من طبقات ابن سعد بتحريف وإسقاط آخر الحديث ، وزاد فيه ما ليس منه .
(قال المؤلف) : هل من الجائز على مثل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يبكي على من لا يؤمن برسالته ويعبد الاصنام ويتخذ لله شريكا ؟ وهل يجوز للنبي صلى الله عليه وآله ، أن يشيع جنازة غير الموحدين وأن يدعوا لهم ويستغفر لهم اياما وقد نهى عنه فيما نزل عليه من القرآن الكريم في قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم (سورة المجادلة) آية (22) وفي قوله تعالى (يا أيها الذين
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 132 _
آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاء من الحق) سورة الممتحنة آية (60) .
(قال المؤلف) : أخرج الحلبي في السيرة (ج 1 ص 382 طبع مصر سنة 1329) ما أخرجه السيد في (الحجة على الذاهب) وغيره وهو أن النبي صلى الله عليه وآله ، لما سمع بموت عمه بكى عليه وأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بتغسيل والده وتجهيزه وشيع جنازته ، ودعا له وهذا نص أقوال الحلبي في السيرة قال : روى البيهقي أن عليا رضي الله عنه غسله (أي غسل والده عليه السلام) بأمر النبي صلى الله عليه وآله له بذلك ، ثم ذكر حديثا آخر وقال وفي رواية عن علي رضي الله عنه لما اخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بموت أبي طالب بكى ، وقال اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه .
(وقال المؤلف) : إلى هنا ينتهي الحديث ويظهر منه أن ما زاده في الطبقات ليس من الحديث ، وقد اسقط الحلبي من آخر الحديث .
(قال) وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله ، عارض جنازة عمه أبي طالب فقال وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم .
(قال) وفي لفظ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كان يوم القيامة شفعت لابي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي في الجاهلية ، يعني أخاه من الرضاعة من حليمة السعدية .
(قال المؤلف) : تقدم القول منا أن شفاعة الرسول الاكرم لابيه وأمه وعمه عليهم السلام ولاخيه من الرضاعة ليست للنجاة من النار أو لغفران الذنوب ، بل كانت شفاعته صلى الله عليه وآله ، لهم صلة للرحم وأداء لحقوق الوالدين ، وعمه الاكرم الذي قام بنصرته ففداه بنفسه
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 133 _
وأولاده وماله حتى انتشر الدين الاسلامي والشريعة المحمدية ، فان من المعلوم الواضح المحقق أن والدي النبي صلى الله عليه وآله كانا مؤمنين لقوله تعالى (وتقلبك في الساجدين) فالساجد لله لا يكون إلا مؤمنا موحدا وإن أخاه من الرضاعة وهو ابن حليمة السعدية كان مسلما مؤمنا حتى مات ، وكذلك عمه وناصره وكافله أبو طالب عليه السلام كان مؤمنا موحدا بتصريحاته في اقواله شعرا ونثرا ، والشاهد على ذلك أقواله (ع) القيمة في وصيته عند موته لاولاده وعشيرته من قريش وغيرهم ، واليك ما أوصى به أبو طالب عليه السلام وذكره الحلبي في سيرته (ج 383 1) وذكره أيضا صاحب تاريخ الخميس (ج 1 ص 339) قال : إن أبا طالب لما حضرته الوفاة جمع إليه وجهاء قريش فاوصاهم ، وكان من وصيته أن قال : يا معشر فريش أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، فيكم المطاع ، وفيكم المقدم الشجاع ، والواسع الباع ، لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ، ولا شرفا إلا أدركتموه ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم به اليكم الوسيلة ، أوصيكم بتعطيم هذه البنية (أي الكعبة) فان فيه مرضاة للرب ، وقواما للمعاش ، صلو أرحامكم ولا تقطعوها ، فان في صلة الرحم منشأة (أي فسحة) في الاجل (أي سبب لطول العمر) وزيادة في العدد ، واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم ، أجيبو الداعي ، واعطو السائل ، فان فيهما شرف الحياة والمماة ، وعليكم بصدق الحديث ، وأداء الامانة ، فان فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام ، وإني أوصيكم بمحمد خيرا ، فانه الامين في قريش ، وهو الصديق في العرب ، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به وقد جاء بأمر قبله الجنان وانكره اللسان مخافة الشنئان (أي البغض) (وهو لغة في الشناآن) وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 134 _
واهل الوبر والاطراف ، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته ، وأعظموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ، ودورها خرابا ، وضعفاؤها أربابا ، وإذا اعظمهم عليه احوجهم إليه ، وأبعدهم منه احظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها
(1) ، وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش كونوا له ولاة ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ، ولو كان لنفسي مدة ، ولاجلي تأخر ، لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي .
(قال الحلبي) وفي رواية أو في لفظ آخر : أنه عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب ، فقال لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره ، فاطيعوه ترشدوا .
(قال المؤلف) : هل تصدره هذه المواعظ والنصائح القيمة من غير المؤمن ؟ وهل الايمان غير ما ذكره أبو طالب عليه السلام ؟ وهل يأمر الناس باتباع من في اتباعه رشد وسعادة وهو يترك ذلك ؟ وهل يأمر عشيرته باتباع ابن اخيه صلى الله عليه وآله ويقول : لا يأخذ احد بهديه إلا سعد ، وهو يترك ذلك ويكون من الاشقياء ؟ فهل من يعلم هذه المغيبات ويعلم ذلك علم اليقين وهو لا يقبل ذلك ؟ (إن هو الا بهتان عظيم) صلى الله عليك يا أول مؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وأول مصدق به ، وأول ناصر وحام لرسول الله صلى الله عليه وآله وهل الايمان إلا التصديق بالجنان ، والاعتراف باللسان ، والعمل بالاركان ؟ فاما الاعتراف والتصديق بالجنان فقد صرح به عليه السلام ، واما الاعتراف باللسان فقد اعترف به أيضا بتعبيرات مختلفة في موارد عديدة ، تقدم
--------------------------------
(1) واصفت له فؤادها (نسخة تاريخ الخميس ج 1 ص 339) . [*]
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 135 _
جيمع ذلك فيما ذكرنا من اشعاره واقواله ، واما العمل بالاركان فلم يتظاهر به لمصلحة الوقت ، ولاجل أن يتمكن من حفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحفظ أتباعه ، فلو تظاهر بالاعمال سقط عن الانظار ، ولم يقبل قوله ، ولم يتمكن من الدفاع عن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله فوافق عليه السلام قربشا في عدم الاخذ بأقوال ابن اخيه في الظاهر خدعة وسياسة لكي يتمكن من الدفاع عنه بتمام قواه ، وبهذا القول صرح جمع من علماء أهل السنة الذين تركوا التعصب ، وصرحوا بالحق والصواب قال ابن دحلان في السيرة النبوية المطبوعة بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 100) : قالت الشيعة باسلامه تمسكا بذلك الحديث (أي حديث شهادة العباس بانه عليه السلام أتى بالشهادتين وتلكم بما أراد منه النبي صلى الله عليه وآله كما في تاريخ الخميس (ج 1 ص 338 وغيره) وبكثير من اشعاره ، لكن مذهب أهل السنة على خلافه ، ثم قال ابن دحلان : وقد صرح إمام الاشاعرة الشعراني وجماعة آخرون من علماء أهل السنة باسلام أبي طالب عليه السلام ، وذكره في السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 100) وقال نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة التوحيد عن الامام الشعراني ، والسبكي وجماعة : أن ذلك الحديث أعني حديث العباس ثبت عند بعض أهل الكشف وصح عندهم إسلامه (أي إسلام أبي طالب عليه السلام) وإن الله تعالى أبهم أمره بحسب ظاهر الشريعة تطييبا لقلوب الصحابة الذين كان آباؤهم كفارا ، لانه لو صرح لهم (النبي صلى الله عليه وآله) بنجاته مع كفر آبائهم وتعذيبهم لنفرت قلوبهم ، وتوغرت وصدورهم ، كما تقدم نظيره في الحديث الذي قال لابن أبي قال (الشعراني والسبكي ومن وافقهما) : وأيضا لو ظهر لهم إسلامه لعادوه وقاتلوه مع النبي صلى الله عليه وآله ، ولما تمكن
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 136 _
من حمايته والدفع عنه ، فجعل الله ظاهر حاله كحال آبائهم وأنجاه في باطن الامر لكثرة نصرته للنبي صلى الله عليه وآله وحمايته له ومدافعته عنه (ثم قال) : ولكن هذا القول اعني القول باسلامه عند بعض أهل الحقيقة مخالف لظاهر الشريعة فلا ينبغي التكلم به بين العوام .
(قال المؤلف) : تأمل في كلام هذا العالم الفاضل كيف خلط الحق بالباطل وتكلم بكلام لا يقبله العاقل المنصف الخالي من التعصب ، وتأمل كيف ينسب إلى الله الظلم القبيح ويقول : إن الله تبارك وتعالى رعاية لحال بعض خلقه ظلم أعظم شخصية عند الناس وعند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عطيما (النساء) آية (44) تأمل في كلام هذا العالم الفاضل كيف يقول : إن الله تبارك وتعالى عمل بالتقية لان يحفظ نبيه من شر أشرار البرية (الله اكبر وجل جلاله) إن الله تبارك وتعالى كما أمر الخلق بترك الظلم كذلك لا يظلم أي فرد من افراد خلقه ، ولو كان كافرا فكيف بمن كان مسلما وناصرا لنبيه ومحاميا له ، آمن برسالة نبيه ، وبذل نفسه وأولاده في سبيل إعلاء كلمته وترك الشرك ، واعترف بوحدانية ربه تأمل في كلام هذا الفاضل كيف يقول : إن كلام اهل الحقيقية لا يؤخذ به لمخالفته لظاهر الشريعة ، فيقال له أولا من أين ثبت عندك أنه مخالف لظاهر الشريعة ، فهل هذه الشريعة التي تشير إليها توافق الكتاب المنزل على صاحب الشريعة ؟ أو توافق ما جاء به من الدين ؟ فهل الشريعة الاسلامية ، تقول : إن من اعترف بنبوة محمد ورسالته صلى الله عليه وآله وسلم ، واعترف بان دينه خير الاديان لا يكون مسلما ؟ فهل الشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله ، تحكم على من عمل بالتقية ولم يتظاهر بالاعمال المطلوبة في الاسلام لان يتمكن من حفظ محمد صلى الله عليه وآله
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 137 _
سيد الخلق وأشرف البرية تحكم بانه لم يؤمن بالله ولم يكن مسلما مع ما ظهر منه من الاقوال والافعال المثبتة لايمانه واسلامه ؟ تأمل في كلام هذا الفاضل كيف يأمر بان يسكت عن إظهار الحقايق ، وتعليم الناس بما يجهلون به ، وبما أشكل عليهم معرفته معرفة صحيحة لاختلاف الناس فيه بحيث قدم الباطل وأخذ به وأخفى الحق لدواع زمانية وملاحظات دنيوية (يريدون ليطفؤا نور الله بافواههم والله متم نوره) .
(اعتراف سيد قريش العباس بن عبد المطلب عليه السلام بان اخاه ابا طالب أتى بالشهادتين قبل موته وعندما طلب منه النبي صلى الله عليه وآله ذلك منه) قال السيد زيني دحلان الشافعي في أسنى المطالب (ص 25 طبع طهران) لما تقارب من أبي طالب الموت نظر إليه العباس فرآه يحرك شفتيه فاصغى إليه بأذنه ، فسمع منه الشهادة فقال للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : يابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها (قال) ولم يصرح العباس بلفظ لا إله الا الله لكونه لم يكن أسلم حينئذ .
(قال) : وبعضهم ضعف هذا الحديث (فقال) : فعلى تسليم عدم الاعتداد بنطقه هذا وأن الحديث ضعيف فنقول (إنه عليه السلام غير مؤمن باعتبار أحكام الدنيا) وأما عند الله فهو مؤمن ناج ممتلئ قلبه ايمانا بدليل ما تقدم (من أفعاله وأقواله في الشعر والنثر) .
(ثم قال) : وإنه يمكن أن عدم نطقه بحضور أبي جهل وعبد الله ابن أمية ، حرصا منه على بقاء الحفظ للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وصيانته من أذيتهم له بعد وفاته ، فلا ينال النبي منهم أذى (قال) : وإذا كان هذا قصده كان معذورا ، فتكون إجابته لهما بما أجابهم به مداراة لهما لئلا ينفرهما ، خشية أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد وفاته .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 138 _
(ثم قال) : على أنه يمكن الجمع بين امتناعه ونطقه ، بانه امتنع بحضورهما مداراة لهما فلما انطلقا وذهبا نطق بهما ، وأصغى إليه العباس فسمعه ينطق بها (قال) : ولهذا في الحديث السابق ما كلمهم به يعني ابا جهل ومن كان معه ولم يقل آخر ما تكلم به مطلقا ، فدل على أن قوله (أي أبو طالب) : هو على ملة عبد المطلب دليل على أنه على التوحيد لان عبد المطلب كان على التوحيد (ولم يعبد قط صنما) كبقية آباء النبي صلى الله عليه وآله كما حقق ذلك جلال الدين السيوطي الشافعي وغيره في رسائل متعدد (قال) : فابهم أبو طالب عليهم الجواب ليرضيهم ظاهرا وهو يعلم أن عبد المطلب (عليه السلام) كان على التوحيد (ونفى الاضداد وعاملا بما كان يجب عليه في عصره) .
(قال المؤلف) : أنظر إلى ما في كلام هذا الفاضل زيني دحلان من المناقضات حيث يقول : إنه عليه السلام كافر باعتبار أحكام الدينا ، ولكن مؤمن ناج ممتلئ قلبه إيمان ، ويقول : إن أبا طالب أبهم عليهم الجواب ليرضيهم فقال : أنا على ملة عبد المطلب وهو يعلم أن عبد المطلب كان مؤمنا موحدا لانه من آباء النبي صلى الله عليه وآله وإن آباء النبي صلى الله عليه وآله كانوا مؤمنين موحدين على دين أبيهم ابراهيم عليه السلام ودينه كان الاسلام .
(قال المؤلف) : إن زيني دحلان من الذين يعترفون بان أبا طالب كان مؤمنا موحدا مات على الايمان والاسلام ، ولكن كان يلاحظ علماء أهل نحلته أهل السنة فلا يصرح لهم بمعتقده ، ولكن العارف بالعربية لو تأمل قليلا في كلمات ابن دحلان عرف أنه من المعتقدين بايمان أبي طالب اعتقادا صحيحا كما تعتقد الامامية ، ويؤيد ذلك توجيهاته للاحاديث الباطلة التي روته علماء السنة في حق أبي طالب عليه السلام تراه يماشيهم ولا يصرح ببطلان الاحاديث ولكن يوجهها توجيها لطيفا يثبت مقصوده من غير
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 139 _
معارضة لعلماء أهل ملته وطريقته ، فقال في توجيه الحديث الذي سنده غير سالم من المطعونين وهو حديث الضحضاح المعروف : ليس من شأن من على الكفر أن يكون في ضحضاح من النار ، بل شأنه أن يكون في الدرك الاسفل من النار ، فقبول الشفاعة فيه حتى صار في ضحضاح دليل على عدم كفره ، إذ لا تقبل في الكافر شفاعة الشافعين ، قال الله تبارك وتعالى في سورة المدثر آية (42) (في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين) .
فعلى قول من يقول بأن أبا طالب مات على غير إيمان وأنه ترك الصلاة والعبادة مع ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله : بنص القرآن لا تنفعه شفاعة أي شافع (قال) : وقوله في الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله (لو لا أنا كان في الدرك الاسفل من النار) معناه لو لا أن الله هداه بي للايمان لمات كافرا وكان في الدرك الاسفل من النار : (فالحديث يثبت ايمانه لا كفره كما تخيله بعض الجهال) (قال) : فقوله صلى الله عليه وآله هذا نظير قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم في ولد اليهودي الذي زاره النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في مرضه وعرض عليه الاسلام فاسلم ومات (فقال صلى الله عليه وآله وسلم) : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار .
(قال) : وحينئذ ظهر لنا معنى لطيف في هذا الحديث الآخر (ايضا) وهو أنه كان (أبو طالب عليه السلام) في غمرات من النار فشفعت له فاخرج إلى ضحضاح منها ، وهو أن المعنى ، كان (أبو طالب عليه السلام) مشرفا على دخول الغمرات حيث أبى أن يشهد ثم تشفعت
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 140 _
فيه فهداه الله للايمان (ولم يمت كافرا) (وذلك لانه شهد الشهادتين وسمعهما منه أخوه العباس كما تقدم ذلك) .
(قال المؤلف) لا يحتاج زيني دحلان ولا غيره إلى هذه التوجيهات أو التعسفات بل الاولى النظر في سند الحديث فان كان سالما يوجه أو يسكت عنه ، ولو كان الحديث غير صحيح بالاصطلاح فلا نحتاج إلى التعسف في توجيهه ، ولا شك ولا شبهة في أن جميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق عمه الناصر له والمحامي عنه والذي رباه سنين عديدة حتى كمل وبلغ عمره صلى الله عليه وآله خمسا وعشرين سنة وتزوج بأم المؤمنين خديجة عليها السلام فان جميع ما روي منه في حقه وفيه تنقيص لمقامه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله ورواته مطعونون غير مقبول ما رووه في حقه منه بل المقبول في حقه ما روي من أولاده وأهل بيته في حقه ، فان الاولاد اعرف باحوال آبائهم وأجدادهم وهم غير متهمين فيما يروونه فيه من الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله أو من غيره ، وإليك بعض ما روي من أهل البيت في حق جدهم عليه السلام .
" بعض الاحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام في حق جدهم ابي طالب عليه السلام " قال السيد الحجة فخار بن معد في كتابه (الحجة على الذاهب إلى تكفير ابي طالب) ص 16 بالاسناد إلى الكراجكي عن رجاله عن أبان عن محمد ابن يونس عن أبيه عن أبي عبد الله (الصادق عليه السلام) أنه قال : يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب ؟ قلت جعلت فداك يقولون : هو في ضحضاح من نار وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه فقال : كذب أعداء الله ، إن ابا طالب من رفقاء النببين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 141 _
(وفيه ايضا ص 17) خرج بسنده المتصل عن الحسين بن احمد المالكي ، قال : حدثنا أحمد بن هلال ، قال : حدثني علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام إن الناس يزعمون أن ابا طالب في ضحضاح من نار ، فقال : كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل على التبي صلى الله عليه وآله ، قلت : وبما نزل ؟
قال : أتى جبرئيل في بعض ما كان عليه ، فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك : إن اصحاب الكهف أسروا الايمان واظهروا الشرك فآتاهم الله اجرهم مرتين ، وإن ابا طالب اسر الايمان وأظهر الشرك فآتاه الله اجره مرتين ، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة ، ثم قال (عليه السلام) كيف يصفونه بهذا الملاعين ؟ وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال : يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب .
(وفيه ايضا ص 18) بسنده المتصل عن أبي بصير ليث المرادي قال : قلت لابي جعفر (الباقر عليه السلام) : سيدي إن الناس يقولون : إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه ، فقال عليه السلام : كذبوا والله ، إن ايمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة لرجح إيمان ابي طالب على إيمانهم ، ثم قال (عليه السلام) : كان والله أمير المؤمنين يأمر أن يحج عن أبي النبي وأمه وعن ابي طالب حياته ، ولقد أوصى في وصيته بالحج عنهم بعد مماته ، (ثم قال السيد الحجة في (الحجة على الذاهب ص 18) : فهذه الاخبار المختصة بذكر الضحضاح من النار وما شاكلها من متخرصات ذوي الفتن وروايات أهل الضلال وموضوعات بني أمية واشياعهم الناصبين العداوة لاهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ، وهي في نفسها
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 142 _
تدل على أن مفتعلها والمجترئ على الله بتخرصها متحامل غمر جاهل ، قليل المعرفة باللغة العربية التي خاطب الله بها عباده وأنزل بها كتابه ، لان الضحضاح لا يعرف في اللغة إلا لقلبل الماء فحيث عدل به إلى النار ظهرت فضيحته واستبان جهله وتحامله . (وقال السيد عليه الرحمة ايضا) : إن لامة (الاسلامية) متفقة على أن الآخرة ليس فيها نار (خاصة) ، سوى الجنة والنار فالمؤمن يدخله الله الجنة ، والكافر يدخله الله النار فان كان أبو طالب كافرا على ما يقوله مخالفنا فما باله يكون في ضحضاح من نار من بين الكفار ولماذا تجعل له نار وحده من بين الخلائق والقرآن متضمن أن الكافر يستحق التأييد والخلود في النار .
(وقال عليه الرحمة أيضا) : فان قيل (كما قيل) إنما جعل في ضحضاح من نار لتربيته للنبي صلى الله عليه وآله وذبه عنه وشفقته علبه ونصره اياه (قلنا) تربية النبي صلى الله علبه وآله وسلم والذب عنه وشفقته عليه والنصرة له ، طاعة لله تعالى يستحق في مقابلها الثواب الدائم ، فان كان أبو طالب فعلها وهو مؤمن فما باله لا يكون في الجنة كغيره من المؤمنين ؟ وإن كان فعلها وهو كافر فانها غير نافعة له (كما لم تنفع أبا لهب نصرته للنبي صلى الله عليه وآله لانه كان على كفره) لان الكافر إذا فعل فعلا لله تعالى فيه طاعة لا يستحق عليه ثوابا لانه لم يوقعه لوجهه متقربا به إلى الله تعالى ، من حيث انه لم يعرف الله ليتقرب إليه فيجب أن يكون عمله غير نافع له ، فما استحق أن يجعل في ضحضاح من نار ، فهو إما مؤمن يستحق الجنة كما نقول وإما كافر يستحق التأييد في الدرك الاسفل من النار على وجه الاستحقاق والهوان كغيره من الكفار .
(ثم اخذ السيد عليه الرحمة) في التكلم في سند الاحاديث المروية
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 143 _
في حديث الضحضاح وقال : إن الاحاديث المتضمنة أن ابا طالب في ضحضاح من النار مختلفة (الالفاظ) وأصلها واحد وراويها (شخص واحد) منفرد بها ، لانها جميعها تستند إلى المغيرة بن شعبة الثقفي ، لا يروي احد منها شيئا سواه ، وهو (أي المغيرة) رجل ظنين في حق بني هاشم متهم فيما يرويه عنهم لانه معروف بعداوتهم ، مشهور ببغضه لهم والانحراف عنهم ، (وقد روي عنه في حق بني هاشم الفاظ تدل على شدة عدائه لهم) والمغيرة هذا له أعمال وأفعال قبيحة تعرف بالنظر إلى تاريخ حياته وما صدر منه في زمان الخلفاء ، وهو رجل فاسق معروف بالفسق وقد ذكر ذلك جمع كثير من علماء اهل السنة مؤرخيهم ومحدثيهم ومفسر بهم ، واليك أسماء بعضهم وهم جماعة .
( بعض ما روي من قصة زناء المغيرة بن شعبة الثقفي ) (منهم) الطبري في تاريخه الكبير (ج 4 ص 207) في حوادث سنة (17) قال بعد نقله زناء المغيرة ما هذا نصه : وارتحل المغيرة وأبو بكرة ، ونافع بن كلدة ، وزياد ، وشبل بن معبد البجلي ، حتى قدموا على عمر ، فجمع بينهم ، وبين المغيرة فقال المغيرة : سل هؤلاء الاعبد كيف رأوني مستقبلهم ، أو مستدبرهم ، وكيف رأوا المرأة أو عرفوها فان كانوا مستقبلي فكيف لم استتر ، أو مستدبري فبأي شئ استحلوا النظر الي في منزلي على امرأتي ، والله ما أتيت الا أمرأتي ، وكانت شبهها فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ، قال : كيف رأيتها ؟ قال مستدبرهما ، قال فكيف استثبت رأسها ؟ قال : تحاملت ، ثم دعا بشبل بن مبعد فشهد بمثل ذلك فقا استدبرتهما أو استقبلتهما ؟ قال : استقبلتهما ، وشهد نافع بمثل شهادة
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 144 _
ابي بكرة ، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم ، قال : رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان ، وأستين مكشوفتين ، وسمعت خفزانا شديدا ، قال : هل رأيت كالميل في المكحلة قال : لا ، قال : فهل تعرف المرأة ؟ قال : لا ولكن أشبهها ، قال فتنح ، وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد ثم قرأ الآية المباركة ، فقال المغيرة اشفني من الاعبد ، فقال اسكت أسكت الله نأمتك الخ .
(قال المؤلف) اختصر الطبري القصة لدواع معلومة ولكن ابن الاثير في تاريخ الكامل ذكر للقصة مقدمة ، وبعدها ذكر ما ذكره الطبري ، واليك ما ذكره في الكامل (ج 2 ص 209) قال (في قضية المغيرة) : كان بين المغيرة بن شعبة وبين ابي بكرة مجاورة وكانا في مشربتين في كل واحدة منهما كوة مقابلة للاخرى ، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح فتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليسده فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة ، فقال للنفر : قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ، وهم أبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد ابن أبيه وهو أخو أبي بكرة لامه ، وشبل بن معبد البجلي ، فقال لهم اشهدوا قالوا : ومن هذه ؟ قال : أم جميل بن الافقم ، كانت من بني عامر بن صعصعة ، وكانت تغشى المغيرة والامراء ، وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها ، فلما قامت عرفوها ، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة منعه ابو بكرة ، وكتب إلى عمر (قصته) فبعث عمر أبا موسى أميرا على البصرة .
(قال المؤلف) ثم ذكر بقية القصة كما في تاريخ الطبري ، ولو تأمل احد في مقدمة القضية يعرف حال زياد ابن أبيه ويعرف ما فعل بالقضية وما غير وما بدل منها .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 145 _
(قال المؤلف) بالنظر إلى اختلاف الفاظ القضية يعرف العاقل الدكي واقع الحال ، ويعرف سبب الاختلاف في الشهادة ، فعليك بالتأمل في كلام أبي الفداء في تاريخه (ج 1 ص 171) قال : وفي سنة سبع عشرة من الهجرة اختطت الكوفة ، وتحول سعد إليها واعتمر عمر واقام بمكة عشرين ليلة ، ووسع المسجد الحرام ، وهدم منازل قوم أبوا أن يبيعوها ، وجعل أثمانها في بيت المال ، وفي هذه السنة كانت واقعة المغيرة بن شعبة ، وهي أن المغيرة كان عمر قد ولاه البصرة ، وكان في قبالة العلية التي فيها المغيرة بن شعبة علية فيها أربعة وهو أبو بكرة مولى الني صلى الله عليه (وآله) وسلم ، وأخوه لامه زياد ابن أبيه ، ونافع ابن كلدة ، وشبل بن معبد ، فرفعت الريح الكوة عن العلية فنظروا إلى المغيرة وهو على أم جميل بنت الارقم بن عامر بن صعصعة ، وكانت تغشى المغيرة فكتبوا إلى عمر بذلك فعزل المغيرة واستقدمه مع الشهود وولى البصرة أبا موسى الاشعري فلما قدم إلى عمر شهد أبو بكرة ونافع وشبل على المغيرة بالزنا (وكانت شهاداتهم موافقة) وأما زياد ابن أبيه فلم يفصح شهادة الزنا ، وكان عمر قد قال قبل ان يشهد أرى رجلا ارجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله ، فقال زياد : رأيته جالسا بين رجلي امرأة ورأيت رجلين مرفوعتين كاذني حمار ونفسا يعلوا واستا تنبو عن ذكر ولا أعرف ما وراء ذلك ، فقال عمر : هل رأيت المبل في المكحلة ؟ قال : لا ، فقال : هل تعرف المرة ؟ قال : لا ولكن أشبهها فامر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنا أن يحدوا حد القذف فجلدوا وكان زياد أخا ابي بكرة لامه فلم يكلمه أبو بكرة بعدها .
(قال المؤلف) تأمل في الفاظ القضايا تعرف حقيقة الحال وتعرف سبب تغيبر زياد شهادته فسبب أن الشهود الثلاثة حدوا ، وقد خرج
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 146 _
القضية ابن كثير في البداية والنهاية (ج 7 ص 81 ص 82) مفصلا وهذا نصه : قال : وفي هذه السنة (أي سنة سبع عشرة) ولى عمر أبا موسى الاشعري البصرة وأمر أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع الاول فشهد عليه فما حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، أبو بكرة وشبل بن معبد البجلي ، ونافع بن عبيد ، وزياد ، ثم ذكر الواقدي وسيف هذه القصة ، وملخصها : إن امرأة كان يقال لها ام جميل بنت الافقم من نساء بني عامر بن صعصعة ، ويقال من نساء بني هلال وكان زوجها من ثقيف قد توفي عنها ، وكانت تغشى نساء الامراء والاشراف ، وكانت تدخل على بيت المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة ، وكانت دار المغيرة تجاه دار أبي بكرة وكان بينهما الطريق ، وفي دار ابي بكرة كوة تشرف على كوة دار المغيرة ، فبينما أبو بكرة في داره وعنده جماعة يتحدثون في العلية إذ فتحت الريح باب الكوة فقام أبو بكرة لغلقها ، فإذا كوة المغيرة مفتوحة وإذا هو على صدر امرأة وبين رجليها وهو يجامعها ، فقال أبو بكرة لاصحابه : تعالوا فانظروا إلى أميركم يزني بام جميل ، فقاموا فنظروا إليه وهو يجامع تلك المرأة ، فقالوا لابي بكرة ومن أين فلت إنها ام جميل وكان رأسها من الجانب الآخر ؟ فقال : انتظروا فلما فرغا قامت المرأة فقال أبو بكرة : هذه أم جميل فعرفوها فيما يظنون ، فلما خرج المغيرة وقد اغتسل ليصلي بالناس منعه أبو بكرة أن يتقدم ، وكتبوا إلى عمر في ذلك ، فولى عمر أبا موسى الاشعري أميرا على البصرة وعزل المغيرة فسار إلى البصرة فنزل البرد ، فقال المغيرة : والله ما جاء أبو موسى تاجرا ولا زائرا ولا جاء إلا اميرا . ثم قدم أبو موسى على الناس وناول المغيرة كتابا من عمر هو اوجز كتاب ، فيه (أما بعد فانه بلغني نبأ عظيم فبعثت
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 147 _
أبا موسى أميرا فسلم ما في يديك والعجل) . وكتب إلى أهل البصرة : إني قد وليت عليكم أبا موسى ليأخذ من قويكم لضعيفكم ، وليقاتل بكم عدوكم ، وليدفع عن دينكم ، وليجبي لكم فيأكم ثم ليقسمه بينكم (قال) : وأهدى المغيرة لابي موسى جارية من مولدات الطائف تسمى عقيلة وقال : إني رضيتها لك وكنت فارهة : وارتحل المغيرة ، (قال المؤلف) بالتأمل في ألفاظ ابن كثير يظهر لك خيانة زياد ابن أبيه لاخويه ابي بكرة وشبل بن معبد الصحابيين بحيث سبب ما عرفت من فعل عمر بهما من إجراء الحد عليهما وهما صادقان فيما شهدا ولكن تغيير زياد شهادته وقوله لعمر : إني لا أعرفها وهو يعرفها ، وهذه ألفاظ ابن كثير في القصة بنصها من دون تصرف فيها قال : ارتحل المغيرة والذين شهدوا عليه (عند أبي موسى الاشعري) وهم أبو بكرة ، ونافع بن كلدة وزياد ابن ابيه ، وشبل بن معبد العجلي ، فلما قدموا على عمر جمع بينهم وبين المغيرة ، فقال المغيرة سل هؤلاء الاعبد كيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم ، وكيف رأوا المرأة وعرفوها ، فان كانوا مستقبلي فكيف لم يستتروا ، أو مستدبري فيكف استحلوا النظر في منزلي على أمرأتي ، والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها ، فبدأ عمر بابي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي ام جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ، قال وكيف رأيتها ؟ قال مستدبرها ، قال فكيف استبنت رأسها ؟ قال تحاملت ، ثم دعا شبل بن معبد فشهد بمثل ذلك فقال استقبلتهما أم استدبرتهما ؟ قال استقبلتهما ، وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم ، قال رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان وأستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا ، وقال
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 148 _
هل رأيت كالميل في المكحلة ؟ قال : لا ، قال : فهل تعرف المرأة ؟ قال : لا ، ولكن أشبهها ، قال فتنح ، ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد .
(قال المؤلف) سبب زياد بن أبيه توهين صحابي شريف فاضل كما صرح به في أسد الغبة (ج 5 ص 151) قال : وكان أبو بكرة من فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو الذي شهد على المغيرة بن شعبة وجلده عمر حد القذف وأبطل شهادته ، وكذلك شبل بن معبد البجلي ، وكان من الصحابة وهو اخو ابي بكرة لامه وهم اربعة اخوة لام واحدة اسمها سمية وهم الذبن شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا .
قال ابن الاثير في أسد الغابة (ج 2 ص 385) روى أبو عثمان النهدي قال : شهد أبو بكرة ونافع يعني ابن علقمة وشبل بن معبد على المغبرة أنهم نظروا إليه كما ينظر إلى المرود في المكحلة فجاء زياد فقال عمر : جاء رجل لا يشهد إلا بحق فقال : رأيت مجلسا قبيحا ونهزا فجلدهم عمر .
(قال المؤلف) : خرج علي المتقي الحنفي رواية أبي عثمان في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش (ج 2 ص 413) من مسند احمد بن حنبل وخرج قبله القصة من البيهقي بسنده عن بسامة بن زهير ، قال : لما كان من شأن أبي بكزة والمغيرة الذي كان ودعا الشهود فشهد أبو بكرة وشهد (شبل) بن معبد ، ونافع بن عبد الحرث ، فشق على عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة ، فلما قام زياد (للشهادة) قال عمر : إني أرى غلاما كيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق ، قال زياد : أما الزنا قلا أشهد به ، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا ، قال عمر : الله اكبر حدوهم فجلدوهم ، فقال أبو بكرة (ثانيا) : أشهد أنه زان ، فهم عمر أن يعيد عليه الحد ، فنهاه علي (عليه السلام) وقال : إن جلدته فارجم
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 149 _
صاحبك فتركه ولم يجلده (هق) .
(قال المؤلف) : تأمل دقيقا حتى تعرف الحقيقة وتعرف سبب ترك زياد الشهادة وهو كان يعرف ذلك كما يعلم ذلك من حديث ابن كثير وابي الفداء المتقدمين وغيرهما ، فسبب زياد ان الصحابة الفضلاء على قول ابن الاثير حدوا حد القذف ، وهذه القضية من الموارد التي راجع فيها عمر بن الخطاب في حكمه إلى امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام .
" بعض علماء أهل السنة الذين ذكروا زناء المغيرة ابن شعبة بالترديد والتحقيق واعتراض السيد المرتضى وجواب قاضي القضاة " (قال المؤلف) ذكر القصة جمع كثير من علماء اهل السنة والامامية عليهم الرحمة وقد ذكرنا القصة برواية علي المتقي الحنفي ، وابن الاثير الشافعي وابن كثير الشافعي ، وابي الفداء ، وابن الاثير الجزري الشافعي في تاريخ الكامل ، وابن جرير الطبري في تأريخه الكبير ، والفاظ الجميع فيها اختلاف وفيها ما ليس في غيرها والكل لم يذكروا القصة بكاملها بل زادوا وتقصوا وحرفوا وغيروا ، ولكل منهم نظرة خاصة ، ونظرة مشتركة ، وباعمال ذلك سبب غموض القصة ، وعدم معرفة القصة بوضوح ولم يذكر القصة بالتفصيل غير ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة وغير السيد الحجة (في الحجة على الذاهب) فعليه نكتفي بما ذكرناه من المختصرين للقصة ، ونذكر إن شاء الله بعض ما ذكره ابن ابي الحديد ثم نذكر بعض ما ذكره السيد في (الحجة على الذاهب) .
(قال المؤلف) أغلب المؤرخين والمحدثين ذكروا القصة بعنوان
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 150 _
الوقايع في سنة (17) وقد خرج ابن ابي الحديد الشافعي المتوفي سنة 655 القصة في (ج 12 ص 237 ط 2) تحت عنوان خاص وهو (مطاعن الخليفة الثاني) ، وقال : (الطعن السادس) أنه (أي عمر بن الخطاب) عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد (شهدوا) عليه بالزنا .
ولقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة ، اتباعا لهواه ، فلما فعل ذلك ، عاد إلى الشهود فحدهم وضربهم (وفضحهم) فتجنب أن يفضح المغيرة وهو واحد ، وفضح الثلاثة (واثنان منهم من الصحابة الاخيار والفضلاء كما مر في ترجمتهم) مع تعطيله لحكم الله ، ووضعه في غير موضعه (ثم قال) : وأجاب قاضي القضاة (عن الطعن الذي وجه إلى عمر) فقال : إنه لم يعطل الحد إلا من حيث لم تكمل الشهادة ، وبارادة الرابع (وهو زياد ابن أبيه) لثلا يشهد لا تكمل البينة ، وانما تكمل بالشهادة .
وقال : إن قوله : (أي قول عمر) أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين (أو قوله ، أرى رجلا أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله كما تقدم نقله من تاريخ ابي الفداء ج 1 ص 171) وغير ذلك يجري في أنه سائغ صحيح مجري ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنه ، أني بسارق ، فقال : لا تقر : وقال عليه السلام لصفوان بن أمية لما أتاه بالسارق وأمر بقطعه : فقال هو له : يعني ما سرق : هلا قبل أن تأتيني به : فلا يمتنع من عمر إلا يحب أن تكمل الشهادة : وينبه الشاهد على أن لا يشهد .
(وقال) : إنه جلد الثلاثة من حيث صاروا قذفة وأنه ليس حالهم : وقد شهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة عليه ، لان الحيلة في إزالة الحد عنه ولما تتكامل الشهادة عليه ممكنة بتلقين وتنبيه غيره ولا حيلة فيما قد وقع من الشهادة ، فلذلك حدهم .