حتى نـهى الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم عن كتابة ما ليس بقرآن ، إلاّ ما كان في صحيفة علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، وهنا نستطيع أن نقول : بأنّ هذه الآية التي قالها عمر كانت أحكاما حفظها عن الرسول بألفاظ الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم ، والتعبير بأنّها آية من كتاب الله مجاز ، ولو كان ما قاله سيدنا عمر من باب الحقيقة لا المجاز ) .
  أقول : يقصد أن عمر بن الخطاب أخطأ في قوله أن جملة الرجم آية من كتاب الله عز وجل بل هي من السنة ، فعلى هذا الكلام عمر يرى تحريف القرآن ولكنه أخطأ في رأيه .
  وقال : ( ولأنّه يخالف المعقول والمنطق ، ولأن مدلول النسخ وشروطه التي اشترطها العلماء فيه لا تتوفّر ، ولأنّه يفتح ثغرة للطاعنين في كتاب الله تعالى من أعداء الإسلام الذين يتربّصون به الدوائر وينتهزون الفرصة لـهدمه وتشكيك الناس فيه ) ، ثم قال في نـهاية المطاف : ( وأميل إلى هذا الرأي لأنّ الصواب في جانبه ، فالمنسوخ تلاوة الثابت حكماً غير موجود في كتاب الله تعالى ، فالحق عدم جوازه ) (1) .
  وقال في كتاب مباحثٍ في علوم القرآن : ( والولوع باكتشاف النسخ في آيات الكتاب أوقع القوم في أخطاء منهجيّة كان خليقاً بـهم أن يتجنّبوها لئلاّ يحملها الجاهلون حملاً على كتاب الله (2) : لم يكن يخفى على أحد منهم أن القرآنية لا تثبت إلاّ بالتواتر وأن أخبار الآحاد ظنّية لا قطعيّة ، وجعلوا النسخ في القرآن ـ مع ذلك ـ على ثلاثة أضرب : نسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم ، ونسخ التلاوة والحكم جميعاً ، وليكثروا إن شاءوا من شواهد الضرب الأول ، فإنـهم فيه لا يمسّون النص القرآني من قريب ولا بعيد ، إذ الآية لم تنسخ تلاوتـها بل رفع حكمها لأسرار تربويّة وتشريعيّة يعلمها الله ، أما الجرأة العجيبة في الضربين الثاني والثالث الذين نسخت فيهما بزعمهم تلاوة آيات معينة إما مع نسخ أحكامها و إما دون نسخ أحكامها ، والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأً مركّبا : فتقسيم المسائل إلى أضرب إذا كان لكل ضربٍ شواهد كثيرة أو كافية على الأقل ليتيسّر استنباط قاعدة منها ، وما لعشّاق النسخ إلاّ شاهد أو اثنان على كل من هذين

--------------------
(1) فتح المنان في نسخ القرآن ص224ـ230 للشيخ علي حسن العريض مفتّش الوعظ بالأزهر .
(2) لا أظن أنه خفي على الدكتور صبحي الصالح أن الولوع في تلميع صورة الصحابة وتنـزيه ساحة الصحيحين هو السبب في اختراع هذا النسخ ، والعلة ليست هي الولوع باكتشاف النسخ في القرآن ! لأن موارد المنسوخ تلاوة ليست موجودة بين دفتي المصحف وإنما هي موجودة في الصحيحين وغيرهما .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 358 _
  الضربين (1) ، وجميع ما ذكروه منها أخبار أحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها ، وبـهذا الرأي السديد أخذ ابن ظفر في كتابه الينبوع إذ أنكر عدّ هذا مما نسخت تلاوته وقال : لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن ) (2) .
  وقال في إعجاز القرآن : ( ونحسب أن أكثر ذلك مما افترته المُلْحِدة وتزيّدت به الفئة الغالية ، وهم فِرقٌ كثيرة يختلفون فيه بغياً بينهم ، وكلهم يرجع إلى القرآن بزعمه ويرى فيه حجّته على مذهبه وبَيّنته على دعواه ، ثم أهل الزيغ والعصبية لآرائهم في الحق والباطل ، ثم ضعاف الرواة ممن لا يميّـزون أو ممن تُعارضهم الغفلة في التمييز و ذلك سواء كله ظلمات بعضها فوق بعض ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ، وقد وردت روايات قليلة في أشياء زعموا أنـها كانت قرآنا ورفع ، على أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كان يقرر الأحكام عن ربّه إذا لم ينـزل بـها قرآن ، لأن السنة كانت تأتي مأتاه ، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( أوتيت الكتاب و مثله معه ) يعني السنن .
  و ليس كل وحي بقرآن ، على أن ما ورد من ذلك ورد معه اضطرابـهم فيه ، وضعف وزنه في الرواية ، وأكبر ظننا أنـها روايات متأخرة من مُحْدثات الأمور ، وأن في هذه المحدثات لما هو أشد منها وأجدى بشؤمه ، ولو كان من ذلك شيء في العهد الأول لرُويت معها أقوال أخرى للأئمة الأثْبات الذين كان إليهم المفزعُ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم كانوا يومئذ متوافرين ، وكلهم مُقْرِن لذلك قويّ عليه ، وكانوا يعلمون أن المِراء في القرآن كفر و رِدّة ، و أن إنكار بعضه كإنكاره جملة ، وقد أجمعوا على ما في مصحف عثمان وأعطو بَذْلَ ألسنتهم في الشهادة ، أي قوّتـها ، وما استطاعت من تصديق ونحن من جهتنا نمنع كل المنع ، ولا نعبأ أن يقال إنه ذهب من القرآن شيء ، وإن تأوّلوا ذلك وتمحلوا وإن أسندوا الرواية إلى جبريل وميكائيل ، ونعتدّ ذلك من السَّوْءة الصلْعاء التي لا يرحُضها من جاء بـها ولا يغسلها عن رأسه بعد قول الله : ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) ( فصلت / 42 ) أفـتُرى باطلهم جاءه من فوقه إذن… ؟

--------------------
(1) ذكر في الهامش : وأما الضرب الذي نسخت تلاوته دون حكمه فشاهده المشهور ما قيل من أنه كان في سورة النور : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالاً من الله ) ، ومما يدل على اضطراب الرواية أنه جاء في صحيح ابن حبّان ما يفيد أن هذه الآية التي زعموا نسخ تلاوتـها ليست من آيات سورة النور ، وأما الضرب الذي نسخت تلاوته وحكمه معاً فشاهده المشهور في كتب الناسخ والمنسوخ ما ورد عن عائشة (رض) أنـها قالت : كان فيما أنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله (ص) و هي فيما يقرأ من القرآن ،اه
(2) مباحث في علوم القرآن ص265ـ266 للدكتور صبحي الصالح .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 402 _
  ولا يتوهم أحد أن نسبة بعض القول إلى الصحابة نصٌ في أن ذلك المقول صحيح البتة فإن الصحابة غير معصومين ، وقد … الخ ) (1) ، وذكرنا تكملة قوله فيما سبق ، فراجع .
  وقال في الفرقان : ( ومن أعجب العجاب ادّعاؤهم أنّ بعض الآيات قد نسخت تلاوتـها وبقي حكمها ، وهو قول لا يقول به عاقل إطلاقاً ! وذلك لأنّ نسخ أحكام بعض الآيات مع بقاء تلاوتـها أمر معقول مقبول ، حيث إنّ بعض الأحكام لم تنـزل دفعةً واحدةً ، بل نزل تدريجياًّ… أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه ، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل ، إذ ما هي الحكمة في نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها ؟! ما الحكمة من صدور قانون واجب التنفيذ ، ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه ؟! … ) (2) .
  قال في النسخ في القرآن الكريم : ( ولابد من وقفة هنا ، عند النوع الثالث للنسخ ذكره الأصوليون ، واعتمدوا فيه على آثار لا تنهض دليلاً له ، مع أن الآيتين اللتين تتحدثان عن النسخ في القرآن الكريم لا تسمحان بوجوده إلاّ على تكلّف ومع أنه يخالف المعقول والمنطق ، ومع أن مدلول النسخ وشروطه لا تتوافر فيه ، وهذا النوع هو منسوخ التلاوة باقي الحكم ، كما يعبر عنه الأصوليون ، أما الآثار التي يحتجون له بـها ، وهي تنحصر في آيتي رجم الشيخ والشيخة إذا زنيا وتحريم الرضعات الخمس ، فمعظمها مروي عن عمر وعائشة رضي الله عنهما ، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار عنهما ، بالرغم من ورودها في الكتب الصحاح ، فإن صحة السند لا تعني في كل الأحوال سلامة المتن ! ).
  ثم قال : ( على أنه قد ورد في الرواية عن عمر قوله بشأن آية حد الرجم فيما زعموا ( ولولا أن يقال زاد عمر في المصحف لكتبتها ) وهو كلام يوهم أنه لم ينسخ لفظا أيضا ، مع أنـهم يقولون إنـها منسوخة اللفظ باقية الحكم ! (3) .
  وكذلك ورد نص الآية في الروايات التي أوردته ، بعبارات مختلفة ، فواحدة منها تذكر قيد الزنا بعد ذكر الشيخ والشيخة ، وواحدة لا تذكره ، وثالثة تذكر عبارة

--------------------
(1) إعجاز القرآن للدكتور مصطفى صادق الرافعي ص42ـ43 ط الاستقامة الخامسة .
(2) الفرقان لابن الخطيب ص 156.
(3) أقول : يتّضح هنا صحّة ما ذهبنا إليه من أن روايات الصحيحين هي المحفز لإيجاد تبرير ومنفذ شرعي يحكم على ضوئه بصحة تلك الروايات مع عدم إدخال أحد الصحابة في دائرة تحريف القرآن فنـتج القول بنسخ التلاوة ، ولهذا قال المؤلف إن أدلة الوقوع تنحصر في آية الرجم التي أخرجها البخاري ، وآية الرضاع التي أخرجها مسلم ، مع أن كثيرا من الموارد موجودة في كتب أخرى ولكنه أقتصر على ذكر هاتين الروايتين لما فيهما من خصوصية عدم إمكان تكذيبهما عند جمهور علماء أهل السنة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 403 _
  ( نكالا من الله ) ، ورابعة لا تذكرها ، وما هكذا تكون نصوص الآيات القرآنية ولو نسخ لفظها ! ، وفي بعض هذه الروايات جاءت بعض العبارات التي لا تتفق ومكانة عمر ولا عائشة ، مما يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ودسها على المسلمين ، ( وفي الروايات التي تذكر أنه قال قد نسخ لفظ التحريم بخمس رضعات و بقي حكمها معمولاً به ـ وهي مروية عن عائشة ـ كثير من الاضطراب ، يحملنا على رفضها من حيث متنها ، ومن ثم يبقى منسوخ التلاوة باق الحكم مجرد فرض ، لم يتحقق في واقعة واحدة ، ولـهذا نرفضه ، ونرى أنه غير معقول ولا مقبول ) (1) .
  ثم يتابع قائلا : ( وفي الروايات التي تذكر أنه قال قد نسخ لفظ التحريم بخمس رضعات و بقي حكمها معمولاً به ـ وهي مروية عن عائشة رضي الله عنها ـ كثير من الاضطراب ، يحملنا على رفضها من حيث متنها ، ومن ثم يبقى منسوخ التلاوة باق الحكم مجرد فرض ، لم يتحقق في واقعة واحدة ، ولـهذا نرفضه ، ونرى أنه غير معقول ولا مقبول ) (2) .
  قال في كتاب مباحث في علوم القرآن : ( ذهب جمهور الفقهاء والأصوليين والمفسرين إلى أن النسخ في القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام : نسخ التلاوة والحكم ، نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، نسخ الحكم مع بقاء التلاوة .
  أدلة الجمهور ومناقشتها : استدل الجمهور على وقوع النوع الأول في القرآن بقول عائشة رضي الله عنها : كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات يحرمن ، فنسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهنّ مما يقرأ من القرآن .
  ووجه الاستدلال أن هذا الحديث يدل بظاهره على أنه كان من القرآن النازل على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم والذي كان يردده الناس تلاوة وقراءة ( عشر رضعات ) ثم نسخت هذه الآية تلاوة وحكماً ب‍ (خمس معلومات) ، ثم نسخت الأخيرة قرب وفاة الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ويرى ـ بعض الفقهاء أنـها نسخت حكماً وتلاوة ، ويرى آخرون أنـها نسخت حكماً دون التلاوة (3) فمن لم يبلغه النسخ كان يقرؤها فيما يقرأ من القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، فالحكم لا يرتفع بوجود الناسخ ، بل ببلوغه ، كما يقول بعض الأصوليين ، فأهل قباء كانوا يصلون إلى البيت المقدس إلى أن أتاهم الآتي فأخبرهم بالناسخ فمالوا نحو الكعبة ، ونتساءل هل هذا الكلام ـ دليلاً واستدلالاً ـ

--------------------
(1) النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد ج1ص283ـ284 مسألة رقم 388 وما بعد.
(2) ن.م .
(3) أقول : هذا اشتباه من الكاتب والأصح أن يقول ( تلاوة دون الحكم ) لأن ما قاله هو التحريف الصريح !! ، ونحمد الله أن هذا الكاتب المحترم لم يكن شيعيا وإلا لتصيد الوهابية سهو قلمه وكان سهوه سببا لنسبة التحريف لكل أعيان الشيعة !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 404 _
  مسلّم ؟ يقول بعض العلماء : حديث عائشة الذي رواه مالك وغيره لا يصح الاستدلال به ، لاتفاق الجميع على أنه لا يجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ولا إسقاط شيء منه ، وهذا الحديث يفيد أنه سقط شيء من القرآن بعد وفاته … وهذا الخطأ الصراح .
  ونقل صاحب البرهان عن بعض العلماء إنكار هذا القسم : لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها (1) ، وعلى فرض تسليم جعل الحديث السابق دليلا يصح أن يؤوّل تأويلا آخر يبعده عن دائرة الاستدلال في نظر بعض الباحثين : فقد يكون المراد من قول السيدة عائشة : ( كان فيما أنزل الله) وحياً غير القرآن ، فالذي ينـزل على النبي ليس يلازم أن يكون قرآناً ، فقد يكون حديثاً نبوياً أو قدسياً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فيما أخرج البخاري : (ألا إني أوتيت القرآن و مثله معه) (2) ولكن هذا التأويل يرده حديث عائشة في نـهاية الحديث : (وهن مما يقرأ من القرآن) إلا أن بـهذه العبارة : أن حكم تحريم الرضاع بخمس من الأحكام التي دارت على الألسنة و استقرت في النفوس مثل آيات من القرآن ، وعلى كلٍ فإذا استبعدنا هذا التأويل ، فلا حرج إذا رفضنا الحديث كدليل لعدم صلاحيته.
  واستدل الجمهور على وقوع النوع الثاني لما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : ( إن الله قد بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها ، فرجم رسول الله ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضل بترك فريضة أنزلـها الله) .
  ومن أدلّتهم أيضا حديث عائشة السابق ، وآية الرجم المشار إليها وهي (الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) وروى عن عمر أيضاً أنه قال في تأكيد حكمها : (لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها ) ، ونتساءل مرّة ثانية هل هذا الكلام ـ دليلاً و استدلالاً ـ مسلّم ؟ أما الآثار التي يحتجون بـها … ـ فذكر ما نقلناه سابقا ـ .
  ثم قال : نحن مقتنعون باستبعاد الأدلة الثلاثة ـ أدلة ثبوت النسخ بأقسامه الثلاثة ـ عن دائرة الاستدلال ، ولا حرج علينا إذا ناصرنا هذا الرأي ، فالدليل متى تطرّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال وقدر رأينا كثيرا من الاحتمالات التفسيرية التي تساندها القرائن والشواهد وجهت إلى الآيات الثلاث ، أما من ناحية التقسيم فنحن نعتبر منسوخ التلاوة والحكم ، ومنسوخ التلاوة دون

--------------------
(1) البرهان ج2ص39 ، راجع صحيح مسلم ج10ص30 ، ونيل الأوطار للشوكاني ج7ص116 .
(2) النسخ في الشريعة الإسلامية ص 14 أقول : وهذا ما ذكرناه سابقا من معنى التنـزيل الموجود بكثرة في روايات الشيعة التي أوحت بشبهة التحريف .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 405 _
  الحكم من قبيل التقسيم الافتراضي (1) ، أما منسوخ الحكم دون التلاوة فنحن محكومون بالمواضع القرآنية التي قال عنها العلماء إنـها أمثلة لقضايا النسخ ) (2) .
  القرآن نظرة عصريّة جديدة : ( أما أن تنسخ التلاوة ويبقى الحكم فقد قال به بعضهم محتجاً بأنه كانت هناك آية قيل أن نصها كان (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) ولا أميل شخصياً إلى القول بـهذا الرأي و أرى أن حكم الرجم للزاني المحصن ثبت بالحديث الشريف والإجماع ، ويقول الأستاذ الخضري : ولا أفهم معنى آية أنزلها الله … ونقل ما ذكرناه سابقا ).
  ثم قال : ( وأزيد على ما قاله الأستاذ الخضري أنه بالنظر في هذه العبارة التي زعموا أنـها كانت آية من القرآن لا أحس بأن بـها نسج القرآن ولا روعته فقد وردت بـها كلمة (البتّة) ولا أرى أن هذه الكلمة قرآنية ، وهي لم ترد في القرآن أبداً وليس لها جمال ألفاظ القرآن واستعملت فيها كلمة الشيخ والشيخة بقصد الرجل والمرأة المتزوجة ، وهو استعمال فيه تكلّف ، فالشيخ في اللغة هو الطاعن في السن لا يلزم أن يكون المتزوج شيخاً بل كثيراً ما يكون شاباً ، وللقرآن تعبير جميل عن الرجل المتزوج أو المرأة المتزوجة وهو المحصن والمحصنة ، أما كلمة شيخ فاستعمالها في القرآن محدود بكبر السن ، وقد وردت في القرآن في ثلاث مواضع نعرضها لنبيّن اتجاه القرآن في استعمال هذه الكلمة اتجاهاً لم يختلف وهو لا شك متفق مع ذوق اللغة أو هو قدوة للاستعمال العربي السليم ، وهذه الآيات هي : ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ) ( هود / 72 ) ، ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ) ( يوسف / 78 )، ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) ( القصص / 23 )، ومن هذا التحليل نميل إلى أنه لم يوجد نسخ للتلاوة مع بقاء الحكم ) (3) .
  وقال في التفسير القرآني للقرآن : ( وقيل لا يقع النسخ بمعنى الرفع في قرآن نُزّل وتُلي ، ذلك أن القول بأن من القرآن ما نزّل وتلي ثم رفع بالنسخ فيه تعسّف شديد ومدخل إلى الفتنة والتخرّص ، فإذا ساغ أن ينـزل القرآن ، ويتلى على المسلمين ، ثم يُرفع ، ساغ لكل مُبطل أن يقول أي قول ، ثم يدّعي له أنه كان قرآنا ثم نسخ… وهكذا تتداعى على القرآن المفتريات

--------------------
(1) وهذا التقسيم الافتراضي هو الذي ذكره علماء الشيعة في كتبهم ، وإن رفضوا وقوع نسخ التلاوة بشقيه في آيات القرآن .
(2) مباحث في علوم القرآن ص 258 ـ 264 للدكتور القصبي زلط ط ، دار القلم .
(3) من مقالة للدكتور أحمد شلبي في كتاب القرآن نظرة عصرية جديدة ص 154 ـ 155 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 406 _
  والتلبيسات ، ويكون لذلك ما يكون من فتنة وابتلاء ، ثم من جهة أخرى ، ما حكمة هذا القرآن الذي ينـزل لأيام أو لشهور ، ثم يرفع ، فلا يتلى ولا يعرف له وجه بعد هذا ؟ أيكون ذلك الرفع بقرآن يقول للناس : إن آية كذا رفعت تلاوتـها ، فلا تجعلوها قرآناً يتلى ؟ أم أن هذا النوع من النسخ يقع بمعجزة ترفع من صدور الناس ما قد حفظوا من هذا القرآن المنسوخ ؟ وإذا رفع بتلك المعجزة ، فهل تكون معجزة أخرى يرفع بـها ما كتب بأيدي كتاب الوحي بين يدي النّبي ؟ وإذا رفع من الصدور أو من الصحف المكتوبة بمعجزة من المعجزات ، فما الذي يدلّ على أن قرآنا كان ثم رفع ؟ إن هذا القول مسرف في البعد عن مجال المنطق والعقل ! ) (1) .
  قال في أصول الفقه الإسلامي : ( وقد حاولوا التمثيل له بما روي أنه كان فيما نزل من القرآن ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ) ويريدون بالشيخ المحصن وبالشيخة المحصنة ، وبما روي عن عائشة رضي الله عنها ( خمس رضعات يحرمن ) وكون ذلك مما نزل من القرآن أولاً في مجال النظر .
  لأن سند الأول ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( لولا أن يقول الناس زاد عمر في المصحف لأثبتّ في حاشيته الشيخ والشيخة إذا زنيا ) وهو كما يقول أبو الحسين البصري (2) لو كان ذلك قرآنا في الحال أو كان قد نسخ لم يكن ليقول ذلك فعلمنا أن ذلك سنة من النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وأراد عمر أن يخبر بتأكيده ، والثاني طريقه مضطرب أيضاً لأنه جاء في بعض رواياته ( كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات يحرمن ، وتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن ) ، فقبول ذلك يؤدي إلى الطعن في القرآن بأنه ضاع منه شيء ، و يرد هذا كفالة الله بحفظه ، وإجماع الأمة على أن القرآن الذي توفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عنه لم يضع منه حرف واحد ، وأبعد من هذا محاولة بعض الأصوليين التمثيل لهذا النوع بالقراءة غير المتواترة .
  كقراءة عبد الله بن مسعود في كفارة اليمين ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) وقراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم) ، لأن القراءة الغير متواترة لم يثبت قرآنيتها حتى يقال : نسخت تلاوتـها ، لأن التلاوة فرع قرآنيتها وهو غير ثابت بالاتفاق .
  وإذا كانت الحكمة واضحة في نسخ الحكم دون التلاوة … فأي حكمة في نسخ التلاوة دون الحكم ؟ وإذا كانت التلاوة نسخت فأين دليل الحكم بعد نسخ التلاوة ؟ فإن قيل إنه سنة رسول الله ، قلنا : و لِمَ لا يكون الدليل من الأول هو السنة ، وأي فائدة في تكلف القول بأنه نزل

--------------------
(1) التفسير القرآني للقرآن المجلد الأول ص 122 ط ، دار الفكر العربي ، للشيخ عبد الكريم الخطيب .
(2) المعتمد ج1 ص 429 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 407 _
  قرآن ثم نسخت تلاوته وبقي حكمه ؟ و إذا كانت الآية نزلت لبيان الحكم وللإعجاز بلفظها فليس من المعقول نسخ التلاوة وبقاء الحكم ! ) (1) .
  قال في كتاب دراسات في علوم القرآن : ( الضرب الأول : وهو ما كان منسوخ التلاوة و الحكم معاً فلا يجوز قراءته ولا العمل به … وقد حكي عن قوم آخرين أنـهم أنكروا هذا الضرب من النسخ لروايته من طريق الأخبار الآحاد ، ومعلومٌ أن الأخبار الآحاد لا تصلح للقطع على إنزال قرآن أو نسخه فمثل هذا الشأن العظيم الخطير لا يثبت على القطع إلا من طريق التواتر .
  الضرب الثاني : ما كان منسوخ الحكم دون التلاوة …
  الضرب الثالث : ما كان منسوخ التلاوة دون الحكم … وقد أنكر قوم هذا الضرب من النسخ لكونه غير متواتر من حيث النقل والرواية ، فالأخبار الواردة في نقله أخبار آحاد وهي لا تفيد القطع في الثبوت ، وقضايا القرآن من حيث الإنزال و النسخ تقتضي تواتراً في الخبر ليمكن التصديق في قطع و تعيين ، وقد أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن و لا الخبر المتواتر لأنه رفع للمقطوع به بالمظنون ) (2) .
  وقال في القرآن والملحدون : ( أما النوع الثاني : أي المنسوخ تلاوة والباقي حكماً فلا يورد الذين يقولون به إلا الآية المسماة بآية الرجم وقد روي لـها نصان وهما هذان :
  1 ـ ( إذا زنى الشيخ و الشيخ فارجموهما البتة نكالاً من الله و الله عزيز حكيم )
  2 ـ ( الشيخ والشيخة فارجموهما إذا زنيا البتة بما قضيا من اللذة ) .
  ونحن نتوقف في التسليم بـهذا النوع ونعتقد أن الأولى والله أعلم أن تكون هذه الآية نسخت حكماً وتلاوة إذا كان حقاً مما نزل ورفع ، وأن الرجم في الإسلام للزاني المحصن هو حكم نبوي غير مستند إلى هذه الآية ، بدليل ما بين مدى الآية ومدى التشريع النبوي من فرق واضح فليس في الآية تفريق بين محصن وغير محصن ، وقد اختصت بالشيخ و الشيخة دون سائر الزناة ) (3) .

--------------------
(1) أصول الفقه الإسلامي ص554ـ555 ، للأستاذ محمد مصطفى شلبي أستاذ ورئيس قسم الشريعة بالجامعة العربية
  أقول : روي في خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام قولها : وسيعلم التالون غبّ ما أسس الأولون .
(2) دراسات في علوم القرآن د أمير عبد العزيز ط دار الفرقان الأولى .
(3) القرآن والملحدون ص340 ـ 341 محمد عزة دروزة أقول : المؤلف لا يسلم بوقوع نسخ للتلاوة دون الحكم ، ثم يعوّل على الظن ويحتمل أنـها لو صحت تكون من باب نسخ التلاوة مع الحكم ، ومعلوم أن الظن لا يغني عن الحق شيئا ولازم احتماله أن الإسلام في بداية الأمر كان يحكم برجم الزاني والزانية غير المحصنين إذا كانا طاعنين في السن وهذا غريب ! وعلى أي حال فمرادنا ما ذهب له أوّلا من عدم التسليم بنسخ التلاوة دون الحكم .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _408 _
  قال في علوم القرآن : ( ما نسخ تلاوته دون حكمه ومثاله آية الرجم ، فعن أمامة بن سهل أن خالته قالت : لقد قرأ لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) آية الرجم ( الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة ) و عن أبي موسى الأشعري قال : نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منها ( إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لـهم و لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب الله على من تاب ) وقد أنكر قوم هذا النوع من النسخ وهو الأرجح ) (1) .
  قال محقق كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه في هامش روايات نسخ التلاوة :" إن صحة الإسناد لا تستدعي صحة المتن بالضرورة … وأما مضمون هذا الحديث فإنه لا يليق بالقرآن العظيم الذي نقله الخلف عن السلف نقلا متواترا حماه من شكوك المشككين وخيالات أصحاب الأوهام المريضة لأنه الكتاب الذي تولى الرحمن حفظه فقال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 ) ) (2) .
  قال الدكتور محمد سعاد : ( لا نستطيع الاقتناع بصحة وجود المنسوخ تلاوة الثابت حكما لأن صفة القرآنية لا تثبت لنصّ إلا بدليل قطعي ، والنسخ الوارد على القطعي لا بد أن يكون قطعياً ، فلابد لإثبات كون النصوص المذكورة قرآنا منسوخا من دليلين قطعيين ، أحدهما : دالّ على ثبوت القرآنية للنّص وثانيهما : دال على زوال هذه الصفة ، وواحد من الدليلين لم يقم لواحد من تلك النصوص ، فلا يتم كونه قرآنا منسوخا فلا يصح عندنا في موضع الخلاف إلا القول بثبوت النسخ في الحكم دون التلاوة ) (3) .
  إنصافا هذه الكلمات لا يقيّم بكمها ولا بقائليها بل بما تحويه من مضامين وفكر نير ، فما أشكله هؤلاء العلماء والمشايخ والأساتذة والدكاترة من أهل السنة ووجهوه من اعتراضات على مزعومة نسخ

--------------------
(1) علوم القرآن ص100 أقول : كثير من علماء أهل السنة رفضوا الروايات التي أدعي فيها آيات غير موجودة في المصحف كآيتي الرجم والرضاع ، ولم نذكرهم ضمن من أنكر نسخ التلاوة لعدم وجود الملازمة الظاهرة ، وإن كان التدقيق يدخلهم في ضمن هؤلاء لأن رفض هذه الروايات لا يعني إلا عدم وجود وجه مقبول لها عندهم ، أي عدم قبول نسخ التلاوة ، وكثير من علماء الشيعة أخذوا بحشد كلمات علماء أهل السنة الذين طعنوا في حديث الرضاع أو حديث آية الرجم والأحاديث الأخرى وحملوا ذلك على إنكار مبدأ نسخ التلاوة ، ولكنا ابتعدنا عن هذا الأمر لأنه إنكار بالملازمة ولوجود كم هائل من علماء أهل السنة قد رفضوا نسخ التلاوة صراحة .
(2) ناسخ القرآن ومنسوخه لابن الجوزي ص132.
(3) صيانة القرآن من التحريف ص30 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 409 _
  التلاوة لا يمكن لمن اعتقد نسخ التلاوة الإجابة عنها ، وتعتبر بمجموعها سدّا منيعا وعقبة كؤود أمام كل من يغلق عقله وفكره ويتّبع الموروثات من الماضين بلا تحقيق ولا تدقيق ، فها هو نسخ التلاوة قول متآكل الأطراف ، واضح الفساد ، ظاهر العوار لكل من تجرّد عن الهوى والتعصب والتقليد المحض لمن حاول تعمية العقول عما هرج به بعض السلف وشانوا به القرآن .
  وقوع نسخ التلاوة التزام بتحريف القرآن
  بعدما اتضح فساد هذا الأصل وعدم إمكان التمسك به يمكننا القول إن عد من يزعم وقوع نسخ التلاوة في زمرة من يقول بتحريف القرآن ليس مبالغة ، لأن تفسير بعض الجمل المتهالكة والركيكة في أسلوبـها من منسوخ التلاوة يعني التسليم بقرآنيتها في الرتبة السابقة وهذا يحتاج إلى تواتر في النقل لإثبات قرآنيتها ، وبما أنه مفقود في الموارد التي أدعي نسخها تلاوةً ، فيصبح قولنا إن هذه الجملة ـ غير المتواترة ـ من المنسوخ تلاوةً يعني نسبة ما ليس من القرآن له ، وهو عين التحريف .
  ومن جهة أخرى لو سلمنا أنه أمكن إثبات تواتر كل الموارد التي أدعي نسخها على أنـها كانت من القرآن ـ ودونه خرط القتاد ـ فيجب حينئذ إثبات نسخها ورفعها بالتواتر ، وهذا مفقود أيضا ، فيكون قد ثبتت قرآنية الآيات ولم يثبت نسخها مع أنـها غير موجودة في مصحفنا ! وهذا عين التحريف .
  وعليه يصح إلزام أهل السنة بتحريف القرآن بمقتضى قولهم بوقوع نسخ التلاوة لأن تحريف القرآن لازم لا ينفك عنه بفقد التواتر كما بينا ، وإن لم يعترفوا بذلك وتـهربوا منه بلقلقة اللسان ، فأمرهم كأمر من يقر باستحالة التناقض ولكنه يعتقد أن الله واحد لكنه ثلاثة وثلاثة لكنه واحد ! ، فلو قال قائل إن هذا الرجل يؤمن بالتناقض مع أنه لا يعترف به بلسانه لكان صادقا بلا ريب .
  لذا ذكر السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في كتابه البيان أنه يمكن أن يُدّعى أن تحريف القرآن من مذهب أهل السنة بمقتضى مبانيهم حتى ولو كابر أهل السنة ولم يعترفوا بدعوى هذا المدعي ، قال رضوان الله تعالى عليه :

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 410 _
  " وغير خفي أن القول بنسخ التلاوة بعينه القول بالتحريف والاسقاط .
  وبيان ذلك : أن نسخ التلاوة هذا إما أن يكون قد وقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإما أن يكون ممن تصدى للزعامة من بعده ، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو أمر يحتاج إلى الاثبات .
  وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، وقد صرح بذلك جماعة في كتب الاصول وغيرها بل قطع الشافعي وأكثر أصاحبه ، وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، بل إن جماعة ممن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأخبار هؤلاء الرواة ؟ مع أن نسبة النسخ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن الاسقاط قد وقع بعده .
  وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدوا للزعامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو عين القول بالتحريف ، وعلى ذلك فيمكن أن يدعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ، لأنـهم يقولون بجواز نسخ التلاوة ، سواء أنسخ الحكم أم لم ينسخ ، بل تردد الاصوليون منهم في جواز تلاوة الجنب ما نسخت تلاوته ، وفي جواز أن يمسه المحدث ، واختار بعضهم عدم الجواز ، نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة ) (1) .
  ولكن الوهابي ( عثمان الخميس ) الذي لايزال يتحفنا بشيء من نوادره المتنوعة ، فقد زاد على جهله الذي اعتدنا عليه شيئا من شعوذته ودجله فقد تلاعب بالنص السابق من كتاب البيان ، بقوله :
  ( قال الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه- : إن القول بنسخ التلاوة بعينه القول بالتحريف والاسقاط ، وقال : إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ، لأنـهم يقولون بجواز نسخ التلاوة ، هكذا يلبّسون على الناس ) (2) .
  فهذا بتره لكلام السيد الأمجد رضوان الله تعالى عليه واضح للعيان ، إذ لم يقل السيد ( إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ) بل قال ( وعلى ذلك فيمكن أن يدعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ) ، ولكن الوهابي بعد أن بتر أول الكلام ( وعلى ذلك فيمكن أن يدعى ) قام بتحريف ( أن ) التي تدل على أن هناك كلاما سبقها وله علاقة بما بعدها ، وغـيّرها إلى ( إن ) التي لا تدل على وجود مثل هذا الإتصال ، وواضح أن هناك فرقا كبيرا بين القول

--------------------
(1) البيان في تفسير القرآن ص205.
(2) شريط الشيعة والقرآن .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 411 _
  ( فيمكن أن يدعى أن ) التي تدل على إمكان الإدعاء من أي مدع وبين القول ( قال الخوئي : إن تحريف القرآن هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ) !! ، وعلى أي حال فقد بين السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه علة إمكان مثل هذه الدعوى فذكر كلاما مفصلا ودليلا محكما به صارت هذه الدعوى نتيجة منطقية وأمرا لازما لا محيص عنه ، فلماذا أعرض عنه الوهابي واقتطع النتيجة ثم نسبها على نحو الجزم للسيد رضوان الله تعالى عليه نفسه ؟! ، مع أن السيد لم ينسب هذه الدعوى لنفسه بل قال ( يمكن أن يدعى ) على صيغة المبني للمجهول !
  بل حتى لو جزم به السيد رضوان الله تعالى عليه فلا وجه لاعتراض الجاهل ، فإن هذه النسبة صحيحة وجائزة بعد أن دلل عليها السيد الأمجد وأثبتها فصارت نتيجة منطقية للمقدمات التي يقر بصحتها أهل السنة ، فقوله ( وعلى ذلك فيمكن أن يدعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ) قول صحيح نبع عن الصحيح الذي يقر به أهل السنة ، فصار المقام كما مثلنا لك سابقا عمن يؤمن بالنقيضين وينفيه بلقلقة اللسان ، ومع كل هذا الجهل والبتر والتلبيس يقول لك المخادع : ( هكذا يلبسون على الناس ) !!
  ثم زاد هذا الوهابي للطين بلة ! فقال في الموضع نفسه من الشريط : " هذا التيجاني نقل عن الخوئي ، هذا الخوئي الآن الذي (كذا كلامه) يقول السنة كلهم يقولون بالتحريف لأنـهم يقولون بنسخ التلاوة ، هذا التيجاني ينقل عن الخوئي ، قال : قال الخوئي : فالمسلمون اخوة سواء كانوا شيعة أو سنة فهم يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئا وقرآنـهم واحد ونبيه واحد ، هذا في كتاب ثم اهتديت ، هنا برأ الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ أهل السنة من القول بالتحريف مع أنـهم جميعا يقولون بنسخ التلاوة وهو الذي قال ذلك ، فهل قال هذا تقية ؟ أو أن التيجاني كذب عليه ؟ ).
  فهاهو لا يفرق بين الازم والملزوم المعتقد ، فالسيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه يقول إن رأي أهل السنة في وقوع النسخ التلاوة بلا تواتر يلزمهم اعتقاد التحريف وإن كانوا لا يصرحون به ولا يلتفتون لما تؤديه مبانيهم ، فهم يعتقدونه من حيث لا يشعرون ، فالكلام كله منسجم مع بعضه البعض ، والتيجاني صادق والوهابي ( عثمان الخميس ) هو الجاهل الكاذب .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 412 _
  ثانيا : الشيعة الإمامية ونسخ التلاوة
  الوهابية مجددا !   مازلنا نتكبد معاناة تعليم هذه الجماعة ألف باء التفكير المنطقي ، فها قد بزغ الجاهل ( عثمان الخميس ) برأسه ليدعي أن الشيعة كأهل السنة يقولون بنسخ التلاوة وكتبهم مشحونة بذكره إما في كتبهم الأصولية وإما في تفاسيرهم حيث يقسمون النسخ إلى ثلاثة أقسام نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ الحكم والتلاوة ونسخ التلاوة دونه ، وقام بسرد المصادر !
  والنقطة الجوهرية التي تحكم بجهله وجهل من التفوا حوله أن شيعة أهل البيت عليهم السلام في كتبهم الأصولية ذكروا نسخ التلاوة ضمن التقسيم الافتراضي لموارد النسخ ، أي ذكروا أنواع النسخ المتصورة التي من الممكن أن تقع في القرآن ، لا أنـها قد وقعت حقا ! ، وقد درسنا في أوليات علم المنطق أن الجواز أعم من الوقوع ، فمن الجائز عقلا أن يطمس الله عقول الوهابية ولكنه لم يقع بعد أو لعله وقع فعلا (1) .
  وأما ذكر نسخ التلاوة في بعض تفاسير الشيعة ، فلأن الآية الكريمة ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) ( البقرة / 106 ) تدل على جواز النسخ ، وسبب النـزول واضح في أن النسخ متعلق بالأحكام والشرائع ، ولكن البعض منهم لم يقصر الآية على الأحكام والشرائع بل استفاد من إطلاق الآية جواز وقوع النسخ في التلاوة أيضا ، وحينما يقع يأت الله بمثلها أو بخيرٍ منها ، وقوله تعالى ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يدل على أن المقام مقام التذكير بقدرته تعالى على كل شيء .
  وكذا مفاد الآية الكريمة ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ( النحل / 101 ) لا يتعدى ما سبق ، وكل مسلم ـ لا الشيعة وحدهم ـ يقول إن الله تعالى قادر على كل شيء حتى أنه يقدر على رفع القرآن بتمامه كما قال عز وجل ( وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً ) ( الإسراء / 86 ) ولكنه لم يقع ، ولكن الوهابي ( عثمان الخميس ) الذي اعتدنا على جهله خلط بين الوقوع والإمكان ، فساوى بين علماء الشيعة الذين

--------------------
(1) ( عثمان الخميس ) هذا قال في شريطه (الشيعة والقرآن) ما نصه : ( والنسخ لا يتناول العقائد ولا الأخبار وإنما يتناول النسخ الأحكام فقط ، النسخ لا يتناول إلا الأحكام ) ، وقام في مسرحية دارت بينه وبين أحد عوام الشيعة بإضفاء شيء من العلمية على كلامه ! فأعاد نفس الكلام السابق من أن النسخ لا يتعلق إلا بالأحكام الشرعية .
  مع أنه كان بصدد الدفاع عما ورد في صحيحي البخاري ومسلم من الجمل التي نسبت للقرآن نحو هذه ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) وأمثالها بأنـها لا تمس التحريف بل هي من موارد النسخ !! ، ولا أدري أين كان عقل الوهابي لينظر هل هذه الجملة المنسوخة ـ بزعمه ـ حكم شرعي أم نسخ للتلاوة ؟!! سلمنا ، فهل يوجد فيها حكم شرعي ؟!! ثم كيف يزعم أن النسخ لا يكون في الأخبار وهذا نسخ في الأخبار ؟!! أي جهل هذا ؟ ، ولا أدري كيف غفل هذا المتحدث عن لسان الشيعة – وما هو من العلماء !! - عن كثير من التناقضات والمغالطات التي دارت حول رأس الوهابي ؟! والمضحك أن الوهابية يقومون بنشر هذه الأشرطة في الأسواق فرحين مستبشرين بـهذا الفتح العظيم الذي حققه أحد مشايخ (!!) الوهابية على أحد عوام الشيعة !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 413 _
  يتكلمون عن إمكانه مع أهل السنة الذين يقولون بوقوعه !! فصار المسكين يلطم ذات اليمين ويركل ذات الشمال !
  ولنذكر كلمات بعض علماء الشيعة الذين جوزوا وقوع نسخ التلاوة والتي ذكر بعضها الوهابي مستفيدا منها قولهم بوقوع النسخ ، والعجيب أن بعضها نص صريح في الجواز دون الوقوع !!
  كلمات علماء الشيعة في جواز وقوع نسخ التلاوة :
  ( السيد علم الهدى المرتضى )
  قال السيد المرتضى رضوان الله تعالى عليه في الذريعة في أصول الشيعة : ( اعلم أن الحكم والتلاوة عبادتان يتبعان المصلحة ، فجائز دخول النسخ فيهما معا ، وفي كل واحدة دون الأخرى ، بحسب ما تقتضيه المصلحة ، ومثال نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ الاعتداد بالحول ، وتقديم الصدقة أمام المناجاة .
  ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به ، لأنه من جهة خبر الآحاد ، وهو ما روي أن من جملة القرآن ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) فنسخت تلاوة ذلك .
  ومثال نسخ الحكم والتلاوة معا موجود أيضا في أخبار الآحاد ، وهو ما روي عن عائشة أنـها قالت : ( كان فيما أنزل الله سبحانه (عشر رضعات يحرمن) فنسخ بخمس ، وأن ذلك كان يتلى ) ) (1) .
  وكلام السيد المرتضى رضوان الله تعالى عليه واضح في أنه لا يقر بوقوع النسخ لأنه آحاد ، ولكن لننظر لما فعله المشعوذ ( عثمان الخميس ) الذي بتر الكلام ولم ينقل إلا عنوان الفصل ، بقوله :

--------------------
(1) الذريعة في أصول الشيعة ج1ص428ـ429 أقول : لاحظ أن علماء الشيعة إذا استشهدوا بأمثلة لبيان ما ادُّعي حصول النسخ فيه فإنـهم لا يتجاوزون روايات أهل السنة ، مع أن روايات الشيعة التي تضيف للقرآن جملا ليست منه كثيرة العدد ناهيك عن وجود رواية في الكافي تذكر آية الرجم المزعومة وسيأتي الكلام عنها بإذنه تعالى ، وهذا أدل دليل على أن نسخ التلاوة صناعة سنية من رأسها إلى أخمص قدميها ، وحتى لو فرضنا وجود قائل بوقوع نسخ التلاوة من علماء الشيعة فإننا نجده مستندا في ذلك إلى آية الرجم لعمر أو رضاع للكبير لعائشة وغيرها مما ترعرع في أحضان أهل السنة ، ونستخلص أن هذا القائل ـ إن وجد ـ قال به نتيجة لتأثره بما عند أهل السنة وركونه إليهم في هذا الرأي المائل ، وكثيرا ما يحصل هذا الأمر عند القدماء وذلك لإحسانـهم الظن بعلوم الغير التي لا تمس ركائز المذهب الشيعي ، وهذا ليس بعزيز وخاصة في الفقه ، ومن اطلع على كلمات القدماء من علمائنا عليهم الرحمة يعلم أن هناك نوع تأثر بالمدرسة السنية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _414 _
  ( المرتضى الذي لم يقل بالتحريف ، الوحيد الذي لم يثبت عنه (1) ، قال : فصلٌ في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه ، وهذا في الذريعة إلى أصول الشيعة صفحة ثماني وعشرين وأربعمائة ) (2) .
  فلم ينقل إلا عنوان الفصل ولم ينقل ما كتبه المرتضى داخله حتى لا يضطر لنقل قول السيد رضوان الله تعالى عليه : ( ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به ، لأنه من جهة خبر الآحاد ) ، فالوهابي نقل عنوان الفصل كدليل على الوقوع !! فدلس وخادع بعدم نقل حقيقة رأي السيد المرتضى وتعامى عما كتبه تحت العنوان ، وحسب الجاهل أن الجواز هو نفس الوقوع !!
  ( الشيخ الطوسي )
  ذكر الشيخ رضوان الله تعالى عليه في التبيان : ( فالنسخ في الشرع : على ثلاثة أقسام ، نسخ الحكم دون اللفظ ، ونسخ اللفظ دون الحكم ، ونسخهما معا ، فالأول … والثاني كآية الرجم قـيل أنـها كانت منـزلة فرفع لفظها وبقي حكمها ، والثالث هو مجوز وإن لم يقطع بأنه كان ، وقد روي عن أبي بكر انه كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر .
  المعنى : واختلفوا في كيفية النسخ على أربعة أوجه : قال قوم : يجوز نسخ الحكم والتلاوة من غير إفراد واحد منهما عن الآخر ، وقال آخرون : يجوز نسخ الحكم دون التلاوة ، وقال آخرون : يجوز نسخ القرآن من اللوح المحفوظ ، كما ينسخ الكتاب من كتاب قبله .

--------------------
(1) قوله عن السيد المرتضى بأنه ( الوحيد الذي لم يثبت عنه ) كذبة أخرى زادها لرصيده في الكذب ، لأنه نقل قبل ذلك في مسرحيته أسماء علماء الشيعة الذين تبرؤوا من القول بتحريف القرآن ولم يقتصر على السيد المرتضى رضوان الله تعالى عليه ، وهذا نص كلامه في الشريط ( نحن ننصف الشيعة أكثر من الشيعة أنفسهم ، قال الله تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة / 8 ) هذه الآية هي ميزاننا (!!) ، هي الآية هي (كذا) التي تمنعنا من أن نتقول عليهم بغير ما قالوه ، إن هناك من علماء الشعية من تبرأ من القول بالتحريف ، الأول : ابن بابويه الصدوق ، والثاني : المفيد ، والثالث : المرتضى ، والرابع : أبو جعفر الطوسي ، والخامس : أبو علي الطبرسي ... الخ ) ، هذا نص كلامه ، فكيف يأتي الآن في آخر مسرحيته ويكذب نفسه ويستهزئ بكلام الله عز وجل التي جعله ميزانه ـ بزعمه ـ فيقول بكل جرأة إن السيد المرتضى رضوان الله تعالى عليه هو الوحيد الذي لم يثبت عنه التحريف ، فأين قوله السابق ؟!! وكما قيل حبل الكذب قصير ، ولا حافظة لكذوب .
(2) من شريط الشيعة والقرآن ، للوهابي ( عثمان الخميس ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 415 _
  وقالت فرقة رابعة : يـجوز نسخ التلاوة وحدها ، والحكم وحده ، ونسخهما معا وهو الصحيح ، وقد دللنا على ذلك ، وأفسدنا سائر الأقسام في العدة في أصول الفقه ) (1) .
  وقال في موضع آخر : ( وقد أنكر قوم جـواز نسخ القرآن ، وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم ، وقد جاءت أخبار متضافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتـها ، فمنها ما روي عن أبي موسى : انـهم كانوا يقرؤون لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالث ، لا يملا جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ، ثم رفع .
  وروي عن قتادة قال : حدثنا انس بن مالك أن السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة : قرأنا فيهم كتابا بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا ، فرضي عنا وأرضانا ، ثم إن ذلك رفع ، ومنها الشيخ والشيخة وهي مشهورة ، ومنها ما روي عن أبي بكر انه قال : كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر ، ومنها ما حُـكي : إن سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة في الطول وغير ذلك من الأخبار المشهورة بين أهل النقل ) (2) .
  أقول : إلى هنا لا يوجد دليل على أن الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه يقول بوقوع نسخ التلاوة ، نعم كلامه واضح في جوازه عقلا كغيره من علمائنا عليه وعليهم رضوان الله ، ووصفه لتلك الروايات بأنـها متظافرة أو مشهورة بين أهل النقل لا يزيد عن كثرتـها في كتب المحدّثين وهذا غير الاعتقاد بمضامينها من وقوع نسخ ورفع تلك الجمل ، فإن الروايات التي يستفاد منها تحريف القرآن متضافرة في كتب المحدّثين وتفوق هذه عددا وكثرة ومع ذلك ضربـها شيخ الطائفة عرض الجدار .
  وقد قلنا سابقا إن إيراد المحدث للرواية في مصنفه أعم من اعتقاده بمضمونـها ، وعليه فكيف نثبت اعتقاده رضوان الله تعالى عليه بمضامين تلك الروايات ؟! ناهيك عن أن أغلبها لم يرد في مصنفه بل وردت في كتب أهل السنة وانتهت أسانيدها إلى من لا يثق ولا يعبأ به نفس شيخ الطائفة كابن الخطاب وعائشة وقتادة وأنس وأضرابـهم ! ، وقد نقلها الشيخ بصيغة ( رُوي ) و ( حُكي ) و ( قُيل ) الدالة على التمريض وعدم الوثوق ، والتأمل بـها يشعر أن هذه الموارد كانت في مقام ذكر ما ورد وما حُكي على نحو التقريب والتفهيم وإيصال الفكرة لا غير ، وعلى أقصى تقدير فقد ذكرها كشاهد على بطلان امتناع النسخ عقلا بقرينة قوله قبل ذكرها ( وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم ) ، وعلى أي حال فقد أحالنا رضوان الله تعالى عليه إلى كتابه عدة الأصول الذي هو محل الكلام عن النسخ وأحكامه ، وهذا نص عبارته رضوان الله تعالى عليه فيه :

--------------------
(1) التبيان في تفسير القرآن ج1ص393ص394.
(2) ن.م ص394.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 416 _
  ( فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه لأن التلاوة إذا كانت عبادة والحكم عبادة أخرى جاز وقوع النسخ في أحديهما مع بقاء الآخر كما يصح ذلك في كل عبادتين وإذا ثبت ذلك جاز نسخ التلاوة دون الحكم والحكم دون التلاوة ).
  وبعد أن استشهد بنفس تلك الروايات والموارد السابقة قال : ( وإنـما ذكرنا هذه المواضع على جهة المـثال ، ولو لم يقع شيء منها لـما أخل بـجـواز ما ذكرنـاه وصحـته لأن الذي أجاز ذلك ما قدمناه من الدليل وذلك كاف في هذا الباب ) (1) .
  فقوله واضح في أن ذكره لتلك الموارد ليس للإحتجاج بوقوع نسخها على جوازه عقلا من باب أن الوقوع أدل دليل على الجواز بل جاء بـها على نحو المثال لا غير ، وكل مرامه هو إثبات الجواز العقلي لوقوع هذا النوع من النسخ ، بدليل أنه قال إن الدليل العقلي كاف لإثبات مطلوبه وبديهي أن الدليل العقلي هنا إنما يثبت الجواز لا الوقوع .
  فمن يدعي أن شيخ الطائفة يقول بوقوع نسخ التلاوة عليه أن يأتينا بدليل من كتبه رضوان الله تعالى عليه ، ونلحظ أن شيخ الطائفة اعتمد على روايات أهل السنة في الاستشهاد على جواز وقوع بنسخ التلاوة وهذا يشير إلى النقطة التي ذكرناها سابقا وهي أن علماءنا لاسيما القدماء منهم عليهم الرحمة صاغوا بعض المباحث بالطريقة التي صاغها علماء أهل السنة ، لذلك ذكرت هذه الأصناف الثلاثة للنسخ في مصنفاتـهم وإن كان المتحقق على أرض الواقع هو واحد منها وهو نسخ الحكم فقط وهذا ما عليه كل علماء الشيعة اليوم (2) .
--------------------
(1) عدة الأصول ج3ص36ـ37.
(2) ولو تنـزلنا وقلنا أن الشيخ رضوان الله تعالى عليه يقول بوقوع نسخ التلاوة لما ضرنا شيء لأن التشيع مذهب ينسخ المجتهد المعاصر كلام المجتهد السابق ، فكيف بكلام الشيخ الذي مضى عليه ألف سنة تقريبا ؟! ، لذلك حتى لو اتضح أن أحدا من الأصوليين قال بتحريف القرآن صراحة ، فلا يسبب هذا أي مشكلة للتشيع ، لأن التشيع لا يقف عند فلان وفلان ولا يتأثر برأي فلان وفلان من العلماء .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 417 _
  ( ابن زهرة الحلبي )
  وقال ابن زهرة الحلبي رضوان الله تعالى عليه في الغنـية : ( ويجوز نسخ الحكم دون التلاوة كنسخ الاعتداد بالحول وتقدم الصدقة وتقديم الصدقة أمام المناجاة ويجوز نسخ التلاوة معا ومثال ذلك أيضا وارد من طريق الآحاد ) (1) .
  ( المحقق الحلي )
  قال المحقق الحلي رضوان الله تعالى عليه في معارج الأصول : ( المسألة السادسة : نسخ الحكم دون التلاوة جائز ، وواقع ، كنسخ الاعتداد بالحول ، وكنسخ الإمساك في البيوت ، كذلك نسخ التلاوة مع بقاء الحكم جائز ، وقيل : واقع ، كما يقال انه كان في القرآن زيادة نسخت ، وهذا وإن لم يكن معلوما ، فانه يجوز ) (2) .
  وكلامه أعلا الله مقامه دليل واضح على أن الكلام في نسخ التلاوة في مقامين مقام الجواز ومقام الوقوع ، فالوقوع شيء والجواز شيء آخر .
  ( العلامة الحلي )
  قال العلامة الحلي رضوان الله تعالى عليه في مبادئ الأصول : ( البحث الرابع : ( في ما يجوز نسخه ) : يجوز نسخ الشيء إلى غير بدل ، كالصدقة أمام المناجاة وإلى ما هو أثقل ، ونسخ التلاوة دون الحكم ، وبالعكس ) (3) .
  ومن أراد الزيادة فليراجع كلماتـهم في مضانـها .
  ( الفيض الكاشاني )
  قال رضوان الله تعالى عليه في التفسير الصافي : ( ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) ( البقرة / 106 ) بأن نرفع حكمها ، وقرأ بعضهم النون وكسر السين ، ( أَوْ نُنسِهَا ) بأن نرفع رسمها ونبلي عن القلوب حفظها وعن قلبك ) (4) .

--------------------
(1) الغنية ص535 ، وقوله عليه رضوان الله ( وارد من طريق الآحاد ) يفيد أنه غير ثابت الوقوع عنده ويؤكد ذلك قوله في أول الغنية : ( ونصه سبحانه لا يمكن العلم به إلا من جهلة الرسول إما بالمشافهة إن كان حاضرا أو بالخبر إن كان غائبا والخبر الموجب للعلم إما أن يكون خبر معصوم وإن كان واحدا أو خبر متواتر ).
(2) معارج الوصول ج170 .
(3) مبادئ الأصول ص181ـ182.
(4) التفسير الصافي ج1ص178 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 418 _
  والكلام هنا كالكلام فيما سبق لأنه يدل على الوقوع ، فقد بينا فيما سبق أن أداة الشرط في الآية لا تفيد إلا تحقق المشروط عند تحقق الشرط لا أكثر من ذلك ، فكيف يدل تفسيره رضوان الله تعالى عليه للآية على الوقوع ؟! ، ومع ذلك اعتمد على هذا المقطع ذلك الوهابي لإثبات الوقوع !
  ( الشيخ محمد جواد مُـغْـنِـيّـة )
  وكذا قال الشيخ مغنية رضوان الله تعالى عليه في التفسيره المختصر الموسوم بالمبين : ( (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) أي نزيلها ( أَوْ نُنسِهَا ) نمحو حفظها من القلوب ) .
  وتفسيره كما ترى لا تدل على الوقوع البتة بل هي تبيان لمفردات الآية ، والآية في نفسها لا تدل على الوقوع بل على الجواز لو سلمنا جدلا بأنـها تتكلم عن نسخ التلاوة ، ومع ذلك عد الوهابي الجاهل ( عثمان الخميس ) الشيخ مغنية من القائلين بوقوع نسخ التلاوة من الشيعة !! ، وجهل المسكين أن للشيخ مغنية تفسير الكاشف ـ تفسير أوسع وأكبر من تفسيره المختصر السابق ـ وقد رفض فيه بكل صراحة ووضوح مزعومة نسخ التلاوة عند كلامه عن الآية السابقة ! وسيأتي نقل قوله من الكاشف بعد أسطر بإذنه تعالى .
  ويجدر بنا الإشارة إلى كذبة كذبـها جهرة المتعظ بآية الله عز وجل الذي جعل ميزانه الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة / 8 ) ، وهي انكاره ضبط اسم الشيخ مُـغْـنِـيَـة وقلبه إلى ( مُـغَـنِّـيَة ) للتهكم والسخرية مع أنه ضبط اسمه تمام الضبط وبكل سهولة وانطلاق في مقامين مختلفين من الشريط !! ، ولكن الوهابي الذي لا يجرمنه شنآن قوم على آلا يعدل ! لم يستطع تمثيل دور البسيط الساذج فقال بأسلوب سمج مفضوح : ( محمد جواد مُـغَـنِّـيَة أو مُـغَـنِّـيَة (كررها !!) ، مُـغْـنِـيَـة ، ما أضبط اسمه أنا ، يقول مُـغْـنِـيَـة ، وبعضهم يقول مُـغَـنِّـيَة ، الله أعلم ، ما أدري ( آء آء ) ضبط الاسم ، المهم ، معروف هو ، ( آء آء ) ، معاصر ) (1) .

--------------------
(1) بداية الثلت الأخير من الوجه الثاني من شريط الشيعة والقرآن .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 419 _
  سبحان الله ! ضبط اسمه أكثر من مرة ، وقول هو معروف ومعاصر ، ثم يقول لا أضبط اسمه ! ، والمضحك ادعاؤه أن رجلا واحدا هو الذي ضبط الاسم على النحو الصحيح (يقول مُـغْـنِـيَـة ) !! ، أما الغلط فضبطه عدة رجال ( وبعضهم يقول مُـغَـنِّـيَة ) !! ، فمن هم ؟! حتما هم بعض المتفكهين من الوهابية !
  فأين كل هذا من هذه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة / 8 ) ؟!
  ذكر بعض أقوال علمائنا الذين دونوا رفضهم لوقوع نسخ التلاوة :
  بالإضافة لما مرّ سابقا من كلماتـهم رضوان الله عليهم حال كلامنا عن مدلول الآية ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) ( البقرة / 106 ) ، نضيف هذه الأقوال أيضا .
  قال العلامة النهاوندي رحمه الله : ( قد عدّ جمع من العامة من أقسام النسخ نسخ التلاوة ، وذكروا لذلك أمثلة من عبارات مرويّة من عمر وابنه عبد الله وعائشة وغيرهم من الصحابة ، وهذا من الأغلاط المشهورة بينهم والعبارات المنقولة التي قالوا : إنـها من الآيات المنسوخة التلاوة لا تشبه كلمات فصحاء العرب فضلا عن آيات القرآن المجيد .
  والمتأمل المنصف يقطع بأنـها مما اختلقه المنافقون لتخريب أساس الدين وتوهين الكتاب المبين ، ويؤيد ذلك بل يشهد عليه أنّه لم ينقل عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس والمعتمدين من أصحاب الرسول رضوان الله عليهم أمثال هذه الروايات مع كونـهم أعرف بآيات القرآن من غيرهم
  والعجب من بعض العامة حيث أنكروا هذا القسم من النسخ ونفوا كون هذه العبارات المنقولة من القرآن مستدلا بأن الأخبار الواردة أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها مع أن العبارات الباردة المنقولة التي أكثرها رواية ما سموه آية الرجم من قولهم ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجلدوهما البتة بما قضيا من اللذة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) مـمّا ينادي عند كل ذي مسكة بأنه ليس من كلام الله المنـزل للإعجاز ، بل يستفاد ممّا رواه بعضهم عن عمر أنه قال : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها يعني آية الرجم أنه لم يكن مطلعا على هذه العبارة التي سمّوها آية مع أن مقتضى كثير من رواياتـهم أنه كان يكتب آيات القرآن بشهادة شاهدين فلعل عدم اجترائه على كتابتها في القرآن

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 420 _
  لعلم جميع الناس بأنّ مثل هذه العبارة ليس بكلام الله ولا من آيات القرآن وأنّه ليس إضافتها إلى الكتاب العزيز إلاّ فرية وبـهتان ) (1) .
  قال الشيخ المظفر رضوان الله تعالى عليه في أصول الفقه : ( وعليه فلا يشمل النسخ الاصطلاحي المجعولات التكوينية التي بيده رفعها ووضعها بما هو خالق الكائنات ، وبـهذا التعبير يشمل النسخ نسخ تلاوة القرآن الكريم على القول به باعتبار أن القرآن من المجعولات الشرعية التي ينشئها الشارع بما هو شارع )
  وهذا المقطع يدل على جواز نسخ التلاوة لأن التلاوة من القرآن وكما أنه قادر على إيجاده فإنه قادر على إذهابه كالأمور التكوينية .
  ثم يتابع رضوان الله عليه : ( وإن كان لنا كلام في دعوى نسخ التلاوة من القرآن ليس هذا موضع تفصيله ، ولكن بالاختصار نقول : إن نسخ التلاوة في الحقيقة يرجع إلى القول بالتحريف لعدم ثبوت نسخ التلاوة بالدليل القطعي ، سواء كان نسخا لأصل التلاوة أو نسخا لـها ولما تضمنته من حكم معا ، وان كان في القرآن الكريم ما يشعر بوقوع نسخ التلاوة كقوله تعالى ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ( النحل / 101 ) ، وقوله تعالى : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) ( البقرة / 106 ) ، ولكن ليستا صريحتين بوقوع ذلك ، ولا ظاهرتين ، وإنما أكثر ما تدل الآيتان على إمكان وقوعه ) (2) .
  وبـهذا يتضح الفرق الشاسع بين الوقوع والإمكان ، واللوازم التي تتبع القول بالوقوع دون القول بالإمكان .
  قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في البيان : ( نسخ الحكم دون التلاوة : وقد مثلوا لذلك بآية الرجم ، فقالوا : إن هذه الآية كانت من القرآن ثم نسخت تلاوتـها وبقي حكمها وقد قدمنا لك أن القول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف ، وأوضحنا أن مستند هذا القول أخبار آحاد وأن أخبار الآحاد لا أثر لها في أمثال هذا المقام .
  فقد أجمع المسلمون على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد كما أن القرآن لا يثبت به والوجه في ذلك مضافا إلى الإجماع أن الأمور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس وانتشار الخبر عنها

--------------------
(1) نفحات الرحمن ج1 ص 27ـ28 ، نقلا عن علوم القرآن عند المفسرين ج2ص603.
(2) أصول الفقه ج2ص48ـ49.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 421 _
  على فرض وجودها لا تثبت بخبر الواحد فان اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطئه ، وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أن آية الرجم من القرآن وأنـها قد نسخت تلاوتـها وبقي حكمها ؟ نعم قد تقدم أن عمر أتى بآية الرجم وادعى أنـها من القرآن فلم يقبل قوله المسلمون لأن نقل هذه الآية كان منحصرا به ولم يثبتوها في المصاحف فالتزم المتأخرون بأنـها آية منسوخة التلاوة باقية الحكم .
  نسخ التلاوة والحكم : ومثلوا لنسخ التلاوة والحكم معا بما تقدم نقله عن عائشة في الرواية العاشرة من نسخ التلاوة في بحث التحريف ، والكلام في هذا القسم كالكلام على القسم الأول بعينه ) (1) .
  قال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه في مواهب الرحمن :" وعن بعض المفسرين أن منه ـ أي الإزالة ـ قوله تعالى ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) ( الحج / 52 )، أي يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف ، والظاهر بطلانه لتذييل الآية المباركة بقوله تعالى ( ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / 52 )، أي يزيل ما ألقاه الشيطان وهو الباطل ويثبت الحق ، وأما نسخ التلاوة فسيأتي بطلانه إن شاء الله تعالى ) (2) .
  وقال العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه في تفسير الميزان : ( وكيف كان فالنسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود وبطلان تحققها بل الحكم حيث علق بالوصف وهو الآية والعلامة مع ما يلحق بـها من التعليل في الآية بقوله تعالى : ( ألم تعلم ) الخ ، أفاد ذلك أن المراد بالنسخ هو إذهاب أثر الآية من حيث أنـها آية أعني إذهاب كون الشيء آية وعلامة مع حفظ أصله ، فبالنسخ يزول آثره من تكليف أو غيره مع بقاء أصله وهذا هو المستفاد من اقتران قوله : (ننسها ) بقوله ( ما ننسخ ) ) (3)
  وقال في مورد آخر : ( أو أن هذه الآيات ـ وقد دلت هذه الروايات على بلوغها في الكثرة ـ كانت منسوخة التلاوة كما ذكره جمع من المفسرين من أهل السنة حفظاً لما ورد في بعض رواياتـهم أن من القرآن ما أنساه الله ونسخ تلاوته ، فما معنى إنساء الآية ونسخ تلاوتـها ؟ أكان ذلك لنسخ العمل بـها ؟! فما هي هذه الآيات المنسوخة الواقعة في القرآن كآية الصدقة وآية نكاح الزانية والزاني

--------------------
(1) البيان 304 ط انتشارات كعبة .
(2) مواهب الرحمان ج1ص446 .
(3) تفسير الميزان ج1ص252 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _422 _
  وآية العدة وغيرها ؟ وهم مع ذلك يقسمون منسوخ التلاوة إلى منسوخ التلاوة والعمل معاً ومنسوخ التلاوة دون العمل كآية الرجم .
  أم كان ذلك لكونـها غير واجدة لبعض صفات كلام الله حتى أبطلها الله بإمحاء ذكرها وإذهاب أثرها فلم يكن من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟! ولا منـزه من الاختلاف ؟! ولا قولاً فصلاً ولا هادياً إلى الحق وإلى طريق مستقيم ؟! ولا معجزاً يتحدى به ؟! ولا ؟! ولا ؟! فما معنى الآيات الكثيرة التي تصف القرآن بأنه في لوح محفوظ ، وأنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه قول فصل ، وأنه هدى ، وأنه نور ، وأنه فرقان بين الحق والباطل ، وأنه آية معجزة ، وأنه ، وأنه ؟! فهل يسعنا أن نقول : إن هذه الآيات على كثرتـها وإباء سياقها عن التقييد مقيدةٌ بالبعض ؟! فبعض الكتاب فقط وهو غير المنسي ومنسوخ التلاوة لا يأتيه الباطل وقول فصل وهدى ونور وفرقان ومعجزة خالدة ؟! ، وهل جعلُ الكلام منسوخ التلاوة ونسياً منسياً غير إبطاله وإماتته ؟ وهل صيرورة القول النافع بحيث لا ينفع للأبد ولا يصلح شأناً مما فسد غير إلغائه وطرحه وإهماله ؟ وكيف يجامع ذلك كون القرآن ذكراً ؟! ، فالحق أن روايات التحريف المروية من طريق الفريقين وكذا الروايات المروية في نسخ تلاوة بعض الآيات القرآنية مخالفة للكتاب مخالفة قطعية ) (1) .
  قال الشيخ محمد جواد مُـغْـنية رضوان الله تعالى عليه في التفسير الكاشف : ( وأما النسخ في القرآن فيمكن تقسيمه إلى أوجه ثلاثة : الأول : أن تنسخ الآية تلاوة وحكما بحيث يرتفع لفظها وحكمها ، الثاني : أن تنسخ تلاوة ولا حكما أي يرتفع لفظها ويبقى حكمها ، الثالث : أن تنسخ حكما لا تلاوة ، أي تتلى ولكن لا يؤخذ بظاهرها بعد النسخ والعمل بعض الوقت .
  والقسم الأول والثاني لا وجود لهما لأنـهما يستلزمان النقصان وتحريف القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقسم الثالث هو الجائز والثابت أيضا وعليه أكثر المسلمين وجمهور المفسرين وفيه كتب خاصة ) (2).
  ذكر الشيخ مغنية الضروب الثلاثة المتصورة للنسخ ومن ثم بين الضرب الواقع منها ، وهذا أسلوب منطقي وعلمي فالكاتب يذكر الوجوه المفروضة للمسألة ومن ثم يستثني ما يشاء ، وقد فعلنا ذلك أيضا في أول بحث نسخ التلاوة ، وكلامه الأخير رد على الوهابي (عثمان.خ) الذي نسب جهلا

--------------------
(1) الميزان في تفسير القرآن ج12ص117 ط الأعلمي الثانية .
(2) التفسير الكاشف ج1ص169ـ170 ط دار العلم للملايين .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 423 _
  للشيخ مغنية القول بوقوع نسخ التلاوة ، ناهيك عن أن تلك النسبة نتجت من كلام للشيخ لا يدل قد قاله في تفسير مختصر !
  قال السيد مصطفى الخميني رضوان الله تعالى عليه في تحريرات في الأصول : ( مع ذهاب جمهور العامة إلى نسخ التلاوة ، وهو في الحقيقة يرجع إلى التحريف بالنقيصة ) (1) ، والسيد رضوان الله تعالى عليه يرفض تحريف القرآن بالقطع .
  وقال السيد محمدي زرندي حفظه الله في بحوث في تاريخ القرآن : " أنه إذا ثبت نسخ التلاوة عن النبي صلى الله عليه وآله فنحن نقبله ، وإن لم يثبت فاللازم هو حمل هذه الروايات على أن المراد هو أن هذه الكلمات مثل قوله (عشر رضعات) أو (خمس رضعات) هي من كلام النبي صلى الله عليه وآله لا من القرآن ، وقد اتفق مثل ذلك لبعض الصحابة كما قيل ، فقد نسب إلى أبي بن كعب أنه كتب الدعاء وهو ( اللهم إنا نستعينك ونشهد ... الخ ) في مصحفه ، وسماه سورة الخلع والحفد ، لورود مادة هاتين الكلمتين فيه ، وفي قبال هذا ما يذكرونه عن عبد الله بن مسعود من أنه قال : إن المعوذتين ليستا من القرآن ، لأن الرسول صلى الله عليه وآله كان يعوذ بـهما الحسن والحسين ، فظن أنـهما دعاء وليستا من القرآن .
  وخلاصة القول : إن من الممكن أن يشتبه على البعض بعض كلام النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالقرآن أو بالعكس ، كما حصل في الأعصار السابقة لبعضهم ، وقد حكي عن ابن عباس أنه كان يشك في بعض كلمات النبي صلى الله عليه وآله أنـها من القرآن ، وأنه قال مرة بعد نقله لحديث عنه صلى الله عليه وآله : فلا أدري أمن القرآن هو أم لا ؟ ) (2) .
  وقال السيد محمد باقر الحكيم حفظه الله تعالى في علوم القرآن : ( الأول : نسخ التلاوة دون الحكم : ويقصد بـهذا النسخ أن تكون هناك آية قرآنية نزلت على الرسول صلى الله عليه وآله ، ثم نسخت تلاوتـها ونصها اللفظي مع الاحتفاظ بما تضمنه من أحكام ، وقد مـثّلوا لهذا القسم بآية الرجم التي روي عن عمر بن الخطاب نصها : ( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله

--------------------
(1) تحريرات في الأصول ج6ص326.
(2) بحوث في تاريخ القرآن ص277.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 424 _
  والله عزيز حكيم ) حيث قيل إنـها كانت آية في القرآن الكريم نسخت تلاوتـها مع الاحتفاظ بحكمها ، وهذا القسم وان كاد يعترف به أكثر الباحثين من علماء الجمهور في علوم القرآن ، إلا أنه لا يكاد يعترينا الشك ببطلانه وعدم ثبوته في القرآن الكريم عندما ندرسه بشكل موضوعي ، وذلك لأنه :
  أولا : نجد أن الاعتراف بـهذا اللون من النصوص والروايات التي أوردتـها بعض الكتب الصحيحة السنية يؤدي بنا إلى الالتزام بالتحريف ، لان منطوق هذه الروايات يصر على ثبوت هذه الآية وغيرها في القرآن الكريم حتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنـها سقطت منه في المدة المتأخرة من حياته .
  وثانيا : نجد أن هذه الروايات لم تصل إلينا إلا بطريق الآحاد ، ولا يجوز لنا أن نلتزم بالنسخ على أساس رواية الآحاد لإجماع المسلمين على ذلك ، مضافا إلى طبيعة الأشياء التي تحكم بضرورة شيوع الأمور المهمة بين الناس ومن هذه الأمور المهمة نسخ آية من القرآن الكريم ، فكيف يقتصر النقل فيه على خبر الآحاد ؟
  الثاني : نسخ التلاوة والحكم معا : ويقصد بـهذا القسم أن تكون آية قرآنية ثابتة لفظا ومعنى في وقت من أيام الشريعة ، ثم تنسخ تلاوتـها ومضمونـها ، وقد مثلوا لهذا القسم بآية الرضاعة المروية عن عائشة بـهذا النص : ( وكان فيما انزل من القرآن : وعشر رضعات يحرمن ، ثم نسخن : بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وهن فيما يقرأ من القرآن ) ، ويناقش هذا القسم بنفس المناقشتين اللتين ذكرناهما في القسم الأول من النسخ ) (1) .
  وقال في موضع آخر من كتابه : ( ظاهرة ادعاء نسخ التلاوة : ولعل من أبرز مظاهر عدم الضبط وأبعدها أثرا في القرآن الكريم هو ما يقال عن نسخ التلاوة ، حيث لا يمكن تفسير بعض النصوص التي تتحدث عن هذا النسخ ـ إذا أردنا أن نحسن الظن في الصحابي الذي رواها ـ إلا على أساس أنه كان يسمع من النبي صلى الله عليه وآله الحديث أو الدعاء فيتصوره قرآنا أو يختلط عليه الأمر بعد ذلك ، وإلا فكيف نفسر ادعاء عمر بن الخطاب آية الرجم ، أو ادعاء عائشة آية الرضاع ، مع أنـها تصرح أنـها مما مات عنه الرسول وهو يقرأ من القرآن ؟! )

--------------------
(1) علوم القرآن ص 204-206.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 425 _
  وقال بعد ذكره لروايتي الرجم والرضاع : ( وهل معنى ذلك إلا القول بتحريف القرآن أو الالتزام بعدم ضبط هؤلاء الصحابة للنص القرآني بشكل كامل ) (1) .
  وقال الآخر في تفسيره من وحي القرآن بعدما ذهب إلى أن الآية الكريمة تختص بمخاطبة اليهود المرجفين وتحتج عليهم بأن النسخ جائز في شريعة السماء عز وجل : " وربما تكون الآية واردة في نطاق الأجواء الإسلامية في نسخ آيات القرآن بإزالتها حكما وتلاوة ، كما يدعيه البعض ، أو تلاوة لا حكما كما يدعيه بعض آخر في آيات الرجم أو حكما لا تلاوة كما ورد في بعض الآيات التي ادعي نسخها في القرآن ، وعلى هذا فتكون الآية واردة في تبرير ذلك ، وبين أن الله بيده رفع الآيات ووضعها وإن الذي أنزل الآية قادر على أن ينـزل مثلها وأفضل منها ، ونحن لا نوافق على نسخ التلاوة مع نسخ الحكم أو بدونه لأن ذلك يؤدي إلى الالتزام بتحريف القرآن ونقصانه ، كما أنه لم يثبت إلا بخبر الواحد الذي لا يثبت النسخ به على ما هو رأي جمهور المحققين مما هو مذكور في محله ) (2) .
  ناهيك عن أن كثيرا من العلماء فسروا الآية بلا تطرق لموضوع نسخ التلاوة ، وكأنـهم آثروا الكلام عن المعنى الواقعي للآية لا عن الفرضيات وما أقحمه أهل السنة في تفسيرها ، وتفسير السيد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه السابق للآية كان من هذا النحو ، وهذا مثال عليه :
  قال الشيخ محمد الكرمي : ( ومعنى الآية ما ننسخ من آية سماوية فيها حكم تشريعي شرع في وقته لمصلحة واقعية قامت بتشريعه أو نؤخر نسخها لأمدها الذي تنتهي عنده نأت بخير منها مما يعود لدنيا المكلف أو لآخرته أو بمثلها في الغاية وإن اختلفت عنها في الطريق ، فالناسخ قد يكون أثقل على المكلف ولازمه أن يكون أكثر ثوابا فيكون أنفع في الآخرة وقد يكون أخف عليه أنفع في دنياه وقد يكون مثله في النتيجة ولكن يختلف عنه في الطريق المنتج وتكون في كل طريق مصلحة خاصة لمن كلف بسلوك الطريق ، والرابط بين هذه الآية وما سبقها من الآيات المتعرضة لليهود أن هؤلاء يعيبون الدين الحنيف بالنسخ الذي يبلغهم عنه فدفع الله شبهتهم بـهذه الآية التي قرأت محصول تفسيرها ) (3) .

--------------------
(1) ن.م ص291ـ292.
(2) من وحي القرآن ج2ص141.
(3) التفسير لكتاب الله المنير ج1ص132، ط قم .