--------------------------- (2) من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1 : 82 ـ 83/373 ، الكافي / الكليني 3 : 231/1 هذا بحسب هذه الرواية وأمثالها وهنا مباحث في الكتب المطوّلة لا نتعرّض لها . (3) راجع الأخبار في : الكافي / الكليني 3 : 128 ـ 135 ـ باب ما يعاين المؤمن والكافر ، بحار الأنوار / المجلسي 6 : 173 ـ 202 باب (7). الميعاد يوم القيامة _ 99 _في أبياتٍ مشهورةٍ ،(1) وأورد أبن أبي الحديد ستة أبيات منها عند قول أميرالمؤمنين عليه السلام : « فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم ، لجزعتم ووهلتم ، وسمعتم وأطعتم ، ولكن محجوبٌ عنكم ما قد عاينوا ، وقريب ما يُطرَح الحجاب ».قال ابن أبي الحديد : ويمكن أن يعني به ما كان عليه السلام يقوله عن نفسه إنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه السلام حاضراً عنده. ثم استدلّ على صحّة ذلك بقوله : وليس هذا بمنكر ، إن صحّ أنه عليه السلام قاله عن نفسه ، ففي الكتاب العزيز ما يدلّ على أن أهل الكتاب لايموت منهم ميت حتى يصدّق بعيسى بن مريم عليه السلام ، وذلك قوله : ( وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) (2)قال كثير من المفسرين : معنى ذلك أنّ كلّ ميت من اليهود وغيرهم من أهل الكتب السالفة ، إذا احتُضِر رأى المسيح عنده ، فيصدّق به من لم يكن في أوقات التكليف مصدّقاً به(3). أمّا كيفية الرؤية ، فلا يلزمنا معرفتها والتحقيق فيها ، بل يكفي فيها وفي أمثالها من اُمور الغيب ، التصديق بمجملها ، والإيمان بعمومها ، لورودها في النصوص الصحيحة الصادرة عنهم عليهم السلام . --------------------------- (2) سورة النساء : 5/159. (3) شرح ابن أبي الحديد 1 : 299 ـ 300 (الخطبة رقم 20). الميعاد يوم القيامة _ 100 _معنى البرزخ : البَرْزَخ في اللغة : الحاجز بين شيئين(1) ، وهو العالم المتوسط بين الموت والقيامة ، يُنعّم فيه الميت أو يعذّب حتّى تقوم الساعة(2) ، قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (3) ، والآية ظاهرة الدلالة على أن هناك حياة متوسطة بين حياتهم الدنيوية وحياتهم بعد البعث. وقال الإمام الصادق عليه السلام في تفسيرها : « البرزخ : القبر ، وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة »(4). أهوال البرزخ : عرفنا أن الحياة في عالم الآخرة تبدأ من الموت ، فبالموت يولد الانسان في عالم الآخرة ، وبعد غمرات الموت يواجه أهوال القبر ، وهي كما يلي : 1 ـ وحشة القبر وظلمته : القبر منزل موحش من منازل الطريق إلى المعاد ، حيث يودع الميت في حفرةٍ مظلمة ضيقة من غير أنيس إلاّ ملائكة الرحمة أو العذاب ، ومن غير قرين إلاّ العمل. قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى أهل مصر : « يا عباد الله ، ما بعد الموت لمن لا يُغْفَر له أشدّ من الموت القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته --------------------------- (2) تفسير الميزان / الطباطبائي 1 : 349. (3) سورة المؤمنون : 23/100. (4) تفسير القمي 1 : 19 ، بحار الأنوار / المجلسي 6 : 218/12. الميعاد يوم القيامة _ 101 _وغربته ، إنّ القبر يقول كلّ يومٍ : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوامّ ... »(1).وهناك يستبدل الإنسان بظهر الأرض بطناً ، وبالأهل غربةً ، وبالنور ظلمةً ، وبسعة العيش ورفاهيته ضيق القبر ووحشته ، فينقطع الأثر ، ويُمحى الذكر ، وتتغير الصور ، وتبلى الأجساد ، وتنقطع الأوصال. يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « فكم أكلت الأرض من عزيز جسدٍ ، وأنيق لونٍ ، كان في الدنيا غذيَّ تَرَفٍ ، وربيبَ شرفٍ ، يتعلّل بالسرور في ساعة حزنه ، ويفزع الى السلوة إن مصيبةٌ نزلت به ، ضنّاً بغضارة عيشه ، وشحاحةً بلهوه ولعبهظ... »(2). 2 ـ ضغطة القبر أو ضمّته : ورد في الأخبار أنّ الميت يتعرّض إلى ضغطة القبر ، أو ضمّة الأرض ، إلى الحدّ الذي تُفري لحمه ، وتطحن دماغه ، وتذيب دهونه ، وتخلط أضلاعه ، وتكون بسبب النميمة وسوء الخلق مع الأهل ، وكثرة الكلام ، والتهاون في أمر الطهارة ، وقلّما يسلم منها أحد ، إلاّ من استوفى شرط الإيمان ، وبلغ درجات الكمال. قال أبو بصير : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : أيفلت من ضغطة القبر أحد ؟ فقال : « نعوذ بالله منها ، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر ...! »(3). وتعرّض لضغطة القبر الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه ( ت 5 هـ ) حيث جاء في الروايات أنه لمّا حُمِل على سريره شيعته الملائكة ، وكان --------------------------- (2) نهج البلاغة / صبحي الصالح : 340 / الخطبة (221). (3) الكافي / الكليني 3 : 236/6. الميعاد يوم القيامة _ 102 _فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا أُمّ سعد مَه ، لا تجزمي على ربك ، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة » وحينما سُئل عن ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنه كان في خُلقه مع أهله سوء »(1). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم »(2). 3 ـ سؤال منكر ونكير : وفي عالم البرزخ ينزل الله سبحانه على الميت وهو في قبره ملكين ، وهما منكر ونكير ، فيقعدانه ويسألانه عن ربه الذي كان يعبده ، ودينه الذي كان يدين به ، ونبيه الذي أُرسل إليه ، وكتابه الذي كان يتلوه ، وإمامه الذي كان يتولاّه ، وعمره فيما أفناه ، وماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، فإن أجاب بالحقّ استقبلته الملائكة بالروح والريحان ، وبشرته بالجنة والرضوان وفسحت له في قبره مدّ البصر ، وإن تلجلج لسانه وعيي عن الجواب ، أو أجاب بغير الحقّ ، أو لم يدرِ ما يقول ، استقبلته الملائكة بنُزلٍ من حميم وتصلية جحيم ، وبشّرته بالنار . وقد تظافرت بذلك الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام واتفق عليه المسلمون(3) ، فهو ممّا يجري مجرى الضرورة من الدين. --------------------------- (2) ثواب الأعمال / الصدوق : 197 ـ منشورات الرضي ـ قم ، علل الشرائع / الصدوق : 309/3 ، أمالي الصدوق : 632/845. (3) راجع : الكافي/الكليني 3 : 232/1 و 236/7 و 238/10 و 11 و 239/12 . = الميعاد يوم القيامة _ 103 _قال الإمام الصادق عليه السلام : « من أنكر ثلاثة أشياء ، فليس من شيعتنا : المعراج ، والمُساءلة في القبر ، والشفاعة » (1).4 ـ عذاب القبر وثوابه : وهو العذاب أو الثواب الحاصل في عالم البرزخ ، وهو واقع لا محالة ، لإمكانه ، ولتواتر السمع بوقوعه بدلالة القرآن الكريم والأخبار الصحيحة عن نبي الهدى صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، ولانعقاد الإجماع عليه ، واتفاق الاُمّة سلفاً وخلفاً على القول به(2). أدلته القرآنية : الآيات القرآنية التي أشارت إلى عذاب القبر وثوابه وأرشدت إليهما أو فُسّرت بهما كثيرة ، ذكرنا بعضها في أدلة التجرد ، وفيما يلي نذكر اثنتين منها : 1 ـ قوله تعالى في آل فرعون : ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (3)وهي نصّ في الباب ، لأنّ العطف بالواو يقتضي المغايرة لما قبله ، فقد ذكر أولاً أنهم يعرضون على النار غدوّاً وعشيّاً ، ثم عطف بعده بذكر ما يأتي يوم تقوم الساعة ، ولهذا عبّر عن الأول بالعرض ، وعن الثاني بالادخال(4). --------------------------- الاعتقادات / الصدوق : 58 ، تصحيح الاعتقاد / المفيد : 99 ـ 100 ، شرح المواقف / الجرجاني 8 : 317 ـ 320 . (1) أمالي الصدوق : 370/464. (2) راجع : كشف المراد / العلاّمة الحلي : 452 ، المسائل السروية / المفيد : 62 ـ مسألة (5) ، الأربعين / البهائي : 283 و487 ، حق اليقين / عبدالله شبّر 2 : 68. (3) سورة غافر : 40/45 ـ 46 . (4) انظر : تفسير الميزان / الطباطبائي 17 : 335. الميعاد يوم القيامة _ 104 _وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسيرها أنه قال : « إن كانوا يعذّبون في النار غدوّاً وعشياً ، ففيما بين ذلك هم من السعداء.لا ولكن هذا في البرزخ قبل يوم القيامة ، ألم تسمع قوله عزَّ وجلَّ : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) »(1). 2 ـ قوله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) (2)قال كثير من المفسّرين : إنّ المراد بالمعيشة الضنك عذاب القبر وشقاء الحياة البرزخية ، بقرينة ذكر الحشر بعدها معطوفاً بالواو الذي يقتضي المغايرة ، ولا يجوز أن يراد به سوء الحال في الدنيا ، لأن كثيراً من الكفار في الدنيا هم أحسن حالاً من المؤمنين ، وفي معيشة طيبة لا ضنك فيها(3). قال أمير المؤمنين عليه السلام : « واعلموا أن المعيشة الضنك التي قالها تعالى : ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ) هي عذاب القبر »(4). أدلته من السنة : تكاثرت الروايات الدالة على عذاب القبر وثوابه من طرق الفريقين(5) ، وتوسعت في بيان تفاصيله ، وقد ذكرنا بعضها في --------------------------- (2) سورة طه : 20/124. (3) الأربعين / البهائي : 488. (4) شرح ابن أبي الحديد 6 : 69 ـ دار إحياء الكتب العربية ـ مصر ، أمالي الطوسي : 28/31. (5) راجع : الكافي/الكليني 3 :231 ـ 239 ، 244 ـ 245 و253/10 ، المحاسن/ البرقي :174 ـ 178 ـ دار الكتب الإسلامية ـ قم ، بحارالأنوار/المجلسي = الميعاد يوم القيامة _ 105 _أدلة تجرد الروح ، ونقتصر هنا على ذكر ثلاث منها :1 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « القبر إما حفرة من حفر النيران ، أو روضة من رياض الجنة »(1). 2 ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام : « يسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تِنِّيناً ، فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، ويتردّدن عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أنّ تنِّيناً منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعاً أبداً... »(2). 3 ـ وعن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في قوله تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (3)قال : « هو القبر ، وإن لهم فيه لمعيشة ضنكاً ، والله إن القبر لروضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران »(4). إثارات : هناك بعض الاثارات والشبهات حول عذاب القبر وثوابه ، وأغلبها يتعلّق ببيان كيفية العذاب أو الثواب ، والخوض في تفاصيلهما ، وهو أمر لم نكلّف به ، ولا يلزمنا إلاّ التصديق به على الجملة ، والاعتقاد بوجوده ، لإمكانه ، وثبوته عن طريق السمع من المعصوم ، وهذا شأن جميع اُمور الغيب ، لأنّها من عالم الملكوت الذي لا تدركه عقولنا ولا تبلغه حواسنا ... وفيما يلي نذكر أهمّ الشبهات المتعلقة بالحياة البرزخية ، ونجيب --------------------------- 6 :202 باب ، سنن النسائي 4 : 97 ـ 108 ـ كتاب الجنائز ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ، كنز العمال / المتقي الهندي 15 : 638 وغيرها. (1) سنن الترمذي 4 : 640/2460 ـ كتاب صفة القيامة ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، إحياء علوم الدين / الغزالي 5 : 316. (2) أمالي الطوسي : 28/31. (3) سورة المؤمنون : 23/100. (4) الخصال / الصدوق : 120/108. الميعاد يوم القيامة _ 106 _عنها على ضوء الآيات والأخبار :1 ـ إذا كان البدن هو وسيلة وصول العذاب إلى الروح ، فكيف تعذّب الروح أو تُثاب وقد فارقت البدن ، وتعرّض هو للانحلال والبلى ؟ الجواب : دلّت الأخبار على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمساءلة ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقه ، أو لعذاب إن كان يستحقه ، وذلك إمّا بإحياء بدنه الدنيوي ، أو بالحاق روحه في بدن مثالي ، وفيما يلي نبين كلا الأمرين مع أدلتهما من الحديث. أولاً : إحياء البدن الدنيوي : أي أن الله تعالى يعيد الروح إلى بدن الميت في قبره ، كما تدلّ عليه ظواهر كثير من الأخبار ، منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث ـ قال : « تعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه »(1) وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام : « فإذا دخل حفرته ، رُدّت الروح في جسده ، وجاءه ملكا القبر فامتحناه »(2). وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام : « ثم يدخل ملكا القبر ، وهما قعيدا القبر منكر ونكير ، فيقعدانه ويلقيان فيه الروح إلى حقويه »(3). ومن هنا قيل : إن الحياة في القبر حياة برزخية ناقصة ، ليس معها من آثار الحياة سوى الاحساس بالألم واللذة ، أي إن تعلّق الروح بالبدن تعلّقٌ ضعيف ، لأن الله سبحانه يعيد إلى الميت في القبر نوع حياة قدرما يتألم --------------------------- (2) الكافي / الكليني 3 : 234/3. (3) الكافي / الكليني 3 : 239/12. الميعاد يوم القيامة _ 107 _ويلتذّ (1) .ثانياً : التعلّق بالجسد المثالي : ورد في الأخبار أن الله سبحانه يسكن الروح جسداً مثالياً لطيفاً في عالم البرزخ ، يشبه جسد الدنيا ، للمساءلة والثواب والعقاب ، فتتنعّم به أو تتألم إلى أن تقوم الساعة ، فتعود عند ذلك إلى بدنها كما كانت عليه(2). عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أرواح المؤمنين. فقال : « في الجنة على صور أبدانهم ، لو رأيته لقلت فلان »(3). وعن يونس بن ظبيان ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام جالساً فقال : « ما يقول الناس في أرواح المؤمنين ؟ » قلت : يقولون تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش . فقال أبو عبدالله عليه السلام : « سبحان الله ! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، يا يونس ، المؤمن إذا قبضه الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا »(4). وفي حديث آخر عنه عليه السلام : « المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، ولكن في أبدانٍ كأبدانهم »(5) ، وهناك أحاديث اُخرى --------------------------- (2) راجع : أوائل المقالات / المفيد : 77 ، تصحيح الاعتقاد / المفيد : 88 ـ 89 ، المسائل السروية/ المفيد : 63 ـ 64 ـ المسألة (5) ، الأربعين / البهائي : 504. (3) التهذيب / الطوسي 1 : 466/172. (4) التهذيب / الطوسي 1 : 466/171 ، الكافي / الكليني 3 : 245/6. (5) الكافي / الكليني 3 : 244/1. الميعاد يوم القيامة _ 108 _تدلّ على ما ذكرناه(1).وعلى ضوء ما تقدّم ، فإنّ المراد بحياة القبر في أكثر الأخبار هو النشأة الثانية للإنسان في عالم البرزخ ، والذي تتعلّق فيه الروح ببدنها المثالي ، وبذلك يستقيم فهم جميع ماورد في آيات وأخبار دالة على تجرّد الروح وعلى ثواب القبر وعذابه ، واتساعه وضيقه وحركة الروح وطيرانها ، وزيارة الأموات لأهلهم وغيرها. العلم يؤيد وجود الجسد المثالي : وتقرر تجارب علماء استحضار الأرواح حقيقة الأجسام المثالية ، حيث يقول أشياع هذا المذهب : إن الموت في حدّ ذاته ليس إلاّ انتقالاً من حال مادي جسدي إلى حال مادي آخر ولكن أرقّ منه وألطف كثيراً ، وأنهم يعتقدون أن للروح جسماً مادياً شفافاً لطيفاً ألطف من هذه المادة جداً ، ولذلك لا تسري عليه قوانينها(2). هل إن ذلك من التناسخ الباطل ؟ وقد يتوهّم أن القول بتعلق الأرواح بعد مفارقة أبدانها بأشباح اُخر هو ضرب من التناسخ الباطل ، وهو غير صحيح ، لأن العمدة في نفي التناسخ ضرورة الدين وإجماع المسلمين ، وقد قال بالأبدان المثالية كثير من المسلمين من المتكلمين والمحدثين ، ودلّت عليه أخبار الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، والتناسخية إنما كفروا بانكارهم المعاد والثواب والعقاب ، وقولهم بقدم النفوس وتردّدها في أجسام هذا العالم ، وإنكارهم النشأة الاُخرى ، وإنكارهم الصانع والأنبياء ، وسقوط التكاليف ، ونحو ذلك من --------------------------- (2) دائرة معارف القرن العشرين / وجدي 4 : 375. الميعاد يوم القيامة _ 109 _2 ـ والشبهة الثانية في هذا المقام ، هي كيف يكون عذاب القبر وثوابه وليس ثمّة جنة أو نار ؟ الجواب : دلت الآيات والأخبار التي ذكرناها في أدلة عذاب القبر على وجود الجنة والنار وكونهما مخلوقتين ، ويدلّ على ذلك أيضاً ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام وقد سئل عن أرواح المؤمنين ، فقال « في حجرات في الجنة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها »(2). وقال عليه السلام : « إن أرواح الكفار في نار جهنم ، يُعرَضون عليها »(3). وقال الشيخ الصدوق رحمه الله : اعتقادنا في الجنة والنار أنهما مخلوقتان ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دخل الجنة ، ورأى النار حين عُرج به ، وأنه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة أو النار(4). وقال النصير الطوسي : والسمع دلّ على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن ، والمعارضات متأولة . وبيّن العلامة في شرحه موضع الخلاف في ذلك حيث قال : اختلف الناس في أن الجنة والنار هل هما مخلوقتان الآن أم لا ، فذهب جماعة إلى الأول ، وهو قول أبي علي ، وذهب أبو هاشم والقاضي إلى أنهما غير مخلوقتين . احتجّ الأولون بقوله تعالى : ( أُعدت للمتقين ) (5) و ( اعدت --------------------------- (2) الكافي / الكليني 3 : 244/4. (3) الكافي / الكليني 3 : 245/2. (4) الاعتقادات / الصدوق : 79. (5) سورة آل عمران : 3/133. الميعاد يوم القيامة _ 110 _للكافرين ) (1) و ( يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة ) (2)و (عندها جنة المأوى)(3) وجنة المأوى هي دار الثواب ، فدلّ على أنها مخلوقة الآن في السماء.واحتج أبو هاشم بقوله تعالى : ( كل شيء هالك إلاّ وجهه ) (4)فلو كانت الجنة مخلوقة الآن ، لوجب هلاكها ، والتالي باطل ، لقوله تعالى : ( اُكلها دائم ) (5). وأجاب العلاّمة عن ذلك بقوله : إن دوام الأُكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع ، بمعنى دوام خلق أمثاله ، وأُكل الجنة يفنى بالأكل ، إلاّ أنه تعالى يخلق مثله ، والهلاك هو الخروج عن الانتفاع ، ولا ريب أنّ مع فناء المكلفين تخرج الجنة عن حدّ الانتفاع ، فتبقى هالكة بهذا المعنى(6). معناها اللغوي : الأشراط في اللغة : جمع شَرَط ، ويراد به العلامة ، وأشراط الساعة : أعلامها ، أو علاماتها الدالّة عليها ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : معالمها ، قال تعالى : ( َهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً --------------------------- (2) سورة البقرة : 2/35. (3) سورة النجم : 53/15. (4) سورة القصص : 28/88. (5) سورة الرعد : 13/35. (6) كشف المراد / العلامة الحلي : 453 ، وراجع شرح المواقف / الجرجاني 8 : 301 ـ 303. الميعاد يوم القيامة _ 111 _فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) (1) ، وهذه الآية تدلّ على اثنتين من خصال القيامة :الاُولى : أنّها تأتي بَغْتةً ، أي فَجأةً ، كما في قوله تعالى : ( لأتأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) (2) وهو يدلّ على أنّ وقت حدوثها مختص به تعالى ( قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لأ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ) (3). الثانية : إذا بدأت مقدمات القيامة وظهرت أشراطها لا تنفع عندها الذكرى ، كما قال تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لأ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) (4)فلا تُقبل عند حدوثها التوبة ، ولا ينفع الإيمان والطاعة لزوال التكليف. أنواعها : على ضوء ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة ، يمكن تقسيم أشراط الساعة إلى قسمين : الأول : ما يخصّ سلوك الناس في آخر الزمان ، وما يتّصل بذلك من فتن وحروب ، وقد أسهبت الأحاديث في وصف ذلك الزمان سواء على صعيد وصف تعامل الناس ، أم الأحداث التي تُلمّ بهم . منها ما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « من أشراط الساعة : إضاعة الصلوات ، واتباع الشهوات ، والميل إلى الأهواء ، وتعظيم --------------------------- (2) سورة الأعراف : 7/187 . (3) سورة الأعراف : 7/187. (4) سورة الأنعام : 6/158. الميعاد يوم القيامة _ 112 _أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يُذاب قلب المؤمن في جوفه ، كما يُذاب الملح بالماء ، ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره »(1).وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حلّ بها البلاء » قيل : يا رسول الله وما هي ؟ قال : « إذا كانت المغانم دولاً ، والأمانة مغنماً ، والزكاة مغرماً ، وأطاع الرجل زوجته وعقّ اُمّه ، وبرّ صديقه ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرمه القوم مخافة شرّه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القينات ، وضربوا بالمعازف ، ولعن آخر هذه الاُمة أولها ، فليرتقب عند ذلك الريح الحمراء أو الخسف أو المسخ »(2). الثاني : ما يكون على شكل حوادث في الأرض والكواكب المحيطة بها ، وهي كما يلي : 1 ـ إخراج الدابة ، قال تعالى : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الاََْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لأ يُوقِنُونَ ) (3). 2 ـ ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وفي قطعية ظهوره قبل قيام الساعة أحاديث يصعب حصرها ، من أشهرها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من عترتي ( أو قال من أهل بيتي ) يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وعدواناً »(4). --------------------------- (2) الخصال / الصدوق : 500/1 و2. (3) سورة النمل : 27/82 ، وانظر تفاصيل الأقوال في كتاب الرجعة / مركز الرسالة : 27 ـ 32. (4) مسند أحمد 3 : 36 ، صحيح ابن حبان 8 : 290 / 6284 ، المستدرك على الصحيحين 4 : 557. الميعاد يوم القيامة _ 113 _3 ـ نزول عيسى بن مريم عليه السلام (1)وفُسّر به قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلأ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (2)فقد صرح الكثير من المفسّرين أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان(3).4 ـ خروج يأجوج ومأجوج(4) ، قال تعالى : ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (5). 5 ـ الدخان المبين ، قال تعالى : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (6)وجاء في الآثار أنه يملأ ما بين المشرق والمغرب ، ويمكث أربعين يوماً وليلة(7). 6 ـ وهناك علامات اُخرى كثيرة ورد ذكرها في الحديث ، منها : نارٌ تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر ، ولا تدع خلفها أحداً ، تنزل معهم إذا نزلوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وطلوع الشمس من مغربها ، وثلاثة خسوف في الأرض : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وظهور الدجال (8) ، وأن يفشو الفالج وموت الفجأة (9) ، ويطلع الكوكب المذنب ، ويكون المطر في غير أوانه (10) ، وتظهر الريح السوداء (11) . --------------------------- (2) سورة الزخرف : 43/61. (3) معالم التنزيل / البغوي 5 : 105 ـ دار الفكر ـ بيروت ، الكشاف / الزمخشري 4 : 26 ، تفسير الرازي 27 : 222 ، تفسير القرطبي 16 : 105 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، تفسير أبي السعود 8 : 52 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. (4) راجع : الخصال / الصدوق : 431/13 ، الدر المنثور / السيوطي 6 : 380. (5) سورة الأنبياء : 21/96 ـ 97. (6) سورة الدخان : 44/10 ـ 11. (7) تفسير الطبري 25 : 68 ـ دار المعرفة ـ بيروت. (8) الخصال / الصدوق : 431 / 13 ، الدر المنثور / السيوطي 6 : 380 ، مسند أحمد 2 : 201 ، جامع الاصول / ابن الأثير 11 : 87 . (9) الكافي / الكليني 3 : 261 / 39 . (10) تفسير القمي 2 : 304 و 306 . (11) بحار الأنوار 6 : 315 / 24 . |