عندَكَ أطلَبُهُم لمعايبِ النّاسِ ، فإنّ في الناسِ عُيُوباً الوالي أحقُّ مَنْ سترَها ، فلا تكشِفَنَّ عمّا غابَ عنكَ ، فإنّما عليكَ تطهيرُ ما ظهرَ لكَ ، واللهُ يحكُمُ على ما غابَ عنكَ ، فاستُرِ العورةَ ما استطعتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما تُحِبُّ سترَهُ من رعيَّتِكَ ، أطلِقْ عن الناسِ عُقدَةَ كلِّ حِقدٍ ، واقطعْ عنكّ سببَ كلِّ وِترٍ ، وتغابَ عن كلِّ ما لا يضِحُ لكَ ، ولا تعجَلَنَّ إلى تصديقِ ساعٍ ، فإنّ الساعي غاشٌّ وإن تشبّهَ بالناصحين )) .
  والمعنى العام لهذا المقطع العلوي يدور حول ضرورةٍ من ضرورات السياسة ، وهي حكم الحاكم بالظاهر ، وعدم تتبّع العيوب وترصّد عثرات الناس ، وأن يترك ما هو مستور لحكم الله سبحانه ، وأن يعمل على إخفاء عيوب رعاياه ورعاية حرمة أسرارهم ، فإنّ الله سيجازيه بالمثل ويستر عليه عيوبه عن شعبه كما ستر عيوب العباد (1) .

عليٌّ وحرّية المُعارضة
  ومن المحطّات الإيمانيّة والأخلاقيّة التي يجب أن يتوقّف عندها أهل الضمائر الحيّة ، والأقلام الشريفة المنصفة ، هي أنّ أمير المؤمنين (ع) لم يجبر أحداً على بيعتِهِ أو إتّباع منهجِهِ ،ولم يكنْ هو البادئ بأيّ حربٍ أبداً ، بل كانَ يترك الخيار للطرفِ الآخر في بدء القتال أو الامتناع عنه ،وكلّما حاول أعداؤه إشعال فتيل الحرب سعى هو إلى

---------------------------
(1) ينظر : عهد الإمام (ع) ، الكاظمي ص 61 .


وليد الكعبة _ 51 _

  إطفائها ، ولا يُشمّر عن ساعديه ويبدأ القتال حتى يحاولوا ، أو يباشروا انتهاك حرمات الدين والمسلمين .
  وكان دائماً حتى اللحظة الأخيرة ، قبل كلّ معركة ، مع الحوار الفكري الداعي للانفتاح على وجهات نظر الآخر ، ومع سياسة الكلمة الحرّة البنّاءة والدعوة إلى الحق بالكلمة والموعظة الحسنة ، ولم يكن في معركةٍ قط مع سياسة الاقتتال وسفك الدماء والبطش .
  ففي معركة الجمل وبعد أن ركبت عائشة يوم الحرب الجمل المسمّى ( عسكراً ) في هودج ، وخطبتْ ، وأخذ الناس مصافّهم للحرب ، وتواقف الجمعان ، خطب الإمام عليّ في أصحابِهِ ، فقال : (( لا تُقاتلوا القومَ حتى يبدأوكم فإنكم بحمدِ اللهِ على حُجّة ، وكفّكم عنهم حتى يبدأوكم حجّةً أخرى ، وإذا قاتلتموهم فلا تُجهِزوا على جريح ، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مُدبراً ، ولا تكشفوا عَورة ، ولا تمثّلوا بقتيل وإذا وصلتُم إلى رِحال القوم فلا تهتكوا سِتْراً ، ولا تدخلوا داراً ، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شَتمْنَ أعراضَكُم وسبيْنَ أمراءكم وصُلحاءكم )) (1) .
  ومن الأمثلة على ذلك ـــ أيضاً ـــ هو موقفه (ع) من الخوارج ، فبالرغم من أنّهم عارضوه في معركة صفّين وكفّروه ، ولم يحضروا معه جمعة ولا جماعة ، إلّا أنه لم يحاربهم في أنفسهم ولا في أرزاقهم ولم يبدأهم بقتال ، فعن كثير بن بَهز الحضرمي ، قال : (( قام عليّ في الناس يخطبهم ذات يوم ، فقال رجلٌ من جانب المسجد لا حكم إلّا لله ،

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 6 / 329 .


وليد الكعبة _ 52 _

  فقام آخر فقال مثل ذلك ، ثمّ توالى عدّة رجال يحكّمون ، فقال عليٌّ : الله أكبر ، كلمة حقّ يُلتمسُ بها باطل ، أما إنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها إسمه ، ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نقاتلكم حتى تبدؤنا ثمّ رجع إلى مكانه الذي كان فيه من خطبته )) (1) .
  وحينما وصله (ع) خبر قتلهم الصحابي الجليل عبدالله بن خبّاب ابن الأرت في شهر شعبان ( 38هـ ) وبقر بطن زوجته وهي حامل فماتت ، سار إليهم وقبل قتالهم أرسل عبدالله بن عبّاس فناظرهم وأقام عليهم الحجّة ، لكنهم بقوا مصرّين على عنادهم وتجبّرهم ، فعبّأ أصحابه في ساحة المعركة ، وقبل بدء المعركة بساعات حاول أيضاً إنقاذهم من الهلاك ومن نار جهنّم ، إذ (( رفعَ لهم راية أمان مع أبي أيّوب الأنصاري ، فناداهم أبو أيّوب : مَن جاء منكم إلى هذه الراية فهو آمِن ومن دخلَ المِصر فهو آمِن ، ومن انصرف إلى العراق وخرجَ مِن هذه الجماعة فهو آمِن ، فإنّه لا حاجةَ لنا في سفكِ دمائكُم )) (2) ، فانصرفتْ طائفةٌ منهم ، وبقيت طائفة مع عبدالله بن وهب فكانت وقعة النهروان .
  وهذا الخِرّيت بن راشد الناجي ، صاحبُ أمير المؤمنين (ع) وشهد معه معركة صِفّين ، فارق معسكره ، وأعلن الخروج عليه وعلى معاوية معاً ، فلم يسجنه أمير المؤمنين ، ولم يقتله ، قال ابن أبي الحديد : (( قال ابن هلال الثقفي : وروى محمّد بن عبدالله بن عثمان ، عن أبي

---------------------------
(1) الطبري 5 / 48 .
(2) الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري 1 / 169


وليد الكعبة _ 53 _

  سَيف ، عن الحارث بن كعب الأزديّ ، عن عمّهِ عبدالله بن قُعَين الأزديّ ، قال : كان الخرّيت بن راشد الناجيّ ، أحد بني ناجية ، قد شهِدَ مع عليّ (ع) صِفّين فجاء إلى عليّ (ع) بعد انقضاء صِفّين ، وبعد تحكيم الحكمين في ثلاثين من أصحابهِ ، يمشي بينهُم حتى قامَ بين يديه ، فقال : لا واللهِ لا أُطيعُ أمرَكَ ، ولا أُصلّي خلفَك ، وإنّي غداً لمفارقٌ لك ، فقال لهُ : ثَكلَتكَ أُمّكَ ! إذاً تنقُض عهدَك وتَعصي ربّك ، ولا تضرُّ إلّا نفسَك ، أخبرني لِمَ تفعلُ ذلك ! قال : لأنّك حكّمت في الكتاب ، وضعُفْت عن الحقّ إذ جَدَّ الجدّ ، وركنتَ إلى القوم الّذين ظلموا أنفسَهُم فأنا عليكَ رادٌّ ، وعليهم ناقِم ، ولكم جميعاً مُباين .
  فقال له عليٌّ (ع) :ويْحَك ! هلُمَّ إليّ أدارسْكَ وأناظِركَ في السُنَن وأفاتحْكَ أموراً من الحقّ أنا أعلمُ بها منك، فلعلّكَ تعرفُ ما أنتَ الآن له مُنكِر وتُبصِر ما أنتَ الآن عنه عمٍ وبهِ جاهِل ، فقال الخِرّيت : فإنّي غادٍ عليكَ غداً ، فقال عليٌّ (ع) : اغدُ ولا يستهوِيَنّكَ الشيطان ، ولا يتقحَّمَنَّ بك رأيُ السوءِ ، ولا يستخِفّنّك الجُهَلاء الّذينَ لا يعلمون ، فواللهِ إن استرشدتني واستنصحتني وقبِلتَ مِنّي لأهدِينّكَ سبيلَ الرّشادِ ، فخرجَ الخِرّيت من عنــدهُ منصرِفاً إلى أهلهِ )) .
  لكن عندما أظهر الخِرّيت الخلاف ، واعتدى على الحُرُمات ، وقتل أصحابُهُ رجلاً من المسلمين ولم يُنكِر عليهِم ، ولم يدفعهم إلى رسول أمير المؤمنين (ع) زياد بن خَصَفة لمعاقبتهم ، ودُعيَ إلى الهدى والحقّ ، فتولّى وأخذته العِزّةُ بالإثم ، أرسل له أمير المؤمنين (ع) من

وليد الكعبة _ 54 _

  ناجزه القتال ، فصرعه وقُتِلَ معه في المعركة سبعون ومائة ، وهرب الباقون من أصحابه (1) .

عليٌّ (ع) والمال العام
  إنّ النظريّة التي يحملها الفقه السياسي الإسلامي تتمثّل في مسؤوليّة كلّ فردٍ مسلمٍ عن أخيه وعن المجتمع والدولة ، وهذه المسؤوليّة تدلّ عليها بعض الروايات ، وأهمّها الحديث النبويّ : (( كلّكُم راعٍ وكلّكُم مسؤولٌ عن رعيّتهِ )) وعلاقة المسؤوليّة هذه علاقة متبادلة ، فكما أن الحاكم مسؤول أمام الناس ، فكذلك على الناس أداء وظيفتهم والقيام بدورهم في الرقابة ، لأنّها دليلُ إسلاميّة المسلم ، كما ورد في قول النبيّ (ص) : (( مَن أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم )) (2) وهكذا كان مفهوم الحكم والحاكم عند عليٌّ (ع) ، فالدولة عنده أمانة والحاكم أمين على أرواح وأملاك وحقوق الناس ، ويجبُ عليه أداء هذه الأمانة ، فليس للآخر عنده فوق الحقّ الّذي فرضه الله له وإن كان أقرب الناس إليه ، كإبنه أو أخيه .
  ولنستمع لأمير المؤمنين (ع) وهو يروي قصّته مع أخيه عقيل بن أبي طالب ، فيقول : (( واللهِ لقد رأيتُ عقيلاً وقد أملقَ حتى استماحني مِنْ بُرّكُم صاعاً ، ورأيتُ صِبيانَهُ شُعْثَ الشعُورِ ، غُبْرَ الألوانِ مِن فَقرِهِم ، كأنّما سُوّدِتْ وُجوُهُهم بالعِظلِمِ ، وعاودني مؤكّـداً ، وكرّرَ عليَّ القولَ مُردّداً ، فأصغيْتُ إليهِ سَمعي ، فظنَّ أنّي أبيعُهُ ديني ، وأتّبِعُ قيادَهُ

---------------------------
(1) ينظر : شرح نهج البلاغة 3 / 89 وما بعدها .
(2) ينظر : فقه الحرية ص 247 وما بعدها


وليد الكعبة _ 55 _

  مُفارِقاً طريقتي ، فأحميتُ لهُ حديدةً ، ثُمّ أدنيتُها مِن جسمِهِ ليعتبرَ بها ، فضجّ ضجيجَ ذي دَنَفٍ مِن ألمِها ، وكادَ أنْ يحترِقَ من مَيْسَمِها ، فقلتُ لهُ : ثَكِلَتكَ الثواكِلُ يا عقيلُ ! أتئِنُّ مِن حديدةٍ أحماها إنسانُها للعِبِهِ وتجُرُّني إلى نارٍ سَجَرَها جبّارُها لِغضَبِهِ ! أتئِنُّ مِنَ الأذى ولا أئنُّ مِنْ لَظى ! )) (1) .

شذراتٌ من بلاغته (ع)
  وكما كان الإمام عليّ (ع) يسِلُّ سيفَه ليهوي به على خصمهِ بعد أن يستنفذ كلّ السُبُل والحيَل في إثنائهِ وابعاده عن القتل القتالِ وإراقةِ الدماء،فقد كان (ع) قوياً أيضاً بكلماته وخطبه وحججه وبراهينه .
  ولنستمع أيّها القارئ الكريم إلى الفيلسوف المصري المعاصر الدكتور ( زكي نجيب محمود ) وهو يصفُ كلام أمير المؤمنين (ع) فيقول : (( ونجولُ في أنظارنا في هذه المختارات من أقوال الإمام عليّ التي اختارها الشريف الرضي ( 970 ـــ 1016 م ) وأطلق عليها نهج البلاغة ، لنقف ذاهلين أمام روعة العبارة وعمق المعنى ، فإذا حاولنا

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 11 / 170 .


وليد الكعبة _ 56 _

  أن نصِفَ هذه الأقوال تحت رؤوس عامة تجمعها ، وجدناها تدور ـــ على الأغلب ـــ حول موضوعات رئيسيّة ثلاث، هي نفسها الموضوعات الرئيسيّة التي ترتدّ إليها محاولات الفلاسفة قديمهم وحديثهم على السواء ، ألا وهي : الله والعالَم والإنسان ، وإذن ، فالرجل وإن لم يتعمّدها فيلسوفٌ بمادته ، وإن خالف الفلاسفة في أنّ هؤلاء قد غلب عليهِم أن يُقيموا لفكرتهم نسقاً يحتويها على صورة مبدأ ونتائجه ، وأمّا هو فقد نثر القول نثراً في دواعيه وظروفه )) (1) .
  ولذلك ، فكما أنّ للقرآن الكريم فضلاً كبيراً على كلّ متكلّم باللغة العربيّة ، فكذلك الحال بالنسبة لكتاب ( نهج البلاغة ) ، وكلّما ارتقى متكلّم العربيّة بفكرهِ وبسلامةِ لسانهِ ، بدا عليه فضل القرآن الكريم ونهج البلاغة القويم بصورةٍ اكثر وضوحاً وبياناً ، وقد عبّر الأديب الباحث المسيحي ( روكس بن زايد العزيزي ) عن ذلك بقولِهِ تحت عنوان ( أثر الإمام في مثقّفي العرب ) : (( يقيناً إنّ كلّ مثقّفٍ عربي ، كلّ كاتبٍ عربي ، كلّ شاعر عربيّ ، كلّ خطيب عربي مدين للإمام عليّ ... وانطلاقاً من هذه النقطة ، فنحنُ لا نعدّ كاتباً أو أديباً عربيّاً مثقّفاً ثقافة عربيّة أصيلة إن لم يقرأ القرآن الكريم ونهج البلاغة ، قراءات عميقة متواصلة )) (2) .
  وبالرغم من أن هناك بين أيدينا في هذا الوقت ثلاث مجاميع معلومة مشهورة متداولة لخطبِ الإمام عليّ (ع) ، وهي : نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي ، والمستدرك على نهج البلاغة للشيخ

---------------------------
(1) المعقـول واللامعقـول في التراث العـربي ، ص 30 ، دار الشروق ، بيروت .
(2) ينظر : الإمام علي (ع) في الفكر المسيحي المعاصر ، راجي أنور هيفا 563 ، ط 1 ، دار العلوم ، بيروت 2007 م .


وليد الكعبة _ 57 _

  الهادي آل كاشف الغطاء ، ونهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة بأجزائه المتعددة لمحمّد باقر المحمودي ، فلا زال هناك الكثير ممّا فات أهل المستدركات ، لأننا ربّما قرأنا في بعض الكتب خطباً ، وأسماءً لخُطبٍ خطبَ بها أمير المؤمنين (ع) لم نجدها في نهج الرضي ولا شروحه ولا مستدركاته (1) ، وفي هذا المختصر سأكتفي بمقاطعٍ من خطبه وكلماتهِ ومواعظه .
  فمن كلامهِ (ع) البليغ خطبته التي اشتملتْ على مقالات هامة في علم الكلام حيّرت العلماء وأهل الفن ، وهو قوله : (( الحمدُ للهِ الذي بَطَنَ خَفيّاتِ الأمور، ودلّتْ عليهِ أعلامُ الظهُور ، وامتَنعَ على عينِ البصيرِ ، فلا عينُ مَنْ لم يَرَهُ تُنكِرُه ، ولا قلبُ مَنْ أثبَتَهُ يُبصِرُه ، سَبَقَ في العُلُوِّ فلا شئَ أعلى منهُ ، وقَرُبَ في الدّنُوِّ فلا شئَ أقربُ منهُ ، فلا استعلاؤهُ باعدَهُ عن شئٍ من خلقِه ، ولا قُربُهُ ساواهُم في المكانِ بهِ ، لمْ يُطلِعِ العُقولَ على تحديدِ صِفتِه ، ولمْ يَحجُبْها عن واجِبِ معرفتِهِ ، فهُوَ الذي تشهَدُ لهُ أعلامُ الوجُودِ ، على إقرارِ قلبِ ذي الجُحود ، تعالى اللهُ عمّا يقولُهُ المُشبّهونَ بهِ والجاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كبيراً )) .
  قال ابنُ أبي الحديد بعد ذكر هذه الفقرات : (( وهذا الفصل يشتملُ على عدّةِ مباحث من العلم الإلهي : أوّلها كونُهُ تعالى عالماً بالأمور الخفيّة ، والثاني : كونهُ تعالى مدلولاً عليهَ بالأمور الظاهرة ، يعني أفعاله ، والثالث : أنّ هويّته تعالى غير معلومة للبشر ، الرابع : نفي

---------------------------
(1) ينظر كتاب : الخطب النادرة لأمير المؤمنين (ع) ، إعداد الشيخ عبدالرسول زين الدين ، شرح وتدقيق مقداد اليوسفي ، ط 1 ، مؤسسة البلاغ ، بيروت 2007 م .


وليد الكعبة _ 58 _

  تشبيهه بشئ من مخلوقاته ، الخامس : بيان أنّ الجاحد لإثباتهِ مكابرٌ بلسانِهِ ، وعارفٌ بهِ بقلبِهِ )) (1) .
  وسأله أحد أصحابه ويدعى ذِعلب اليماني ، فقال : هل رأيتَ ربّكَ يا أمير المؤمنين ؟ فقال (ع) : أفأعبدُ ما لا أرى ؟ فقال وكيفَ تراه ، قال : (( لا تَدرِكُهُ العُيونُ بمشاهدَةِ العَيان ، ولكنْ تُدرِكُهُ القُلُوبُ بحقائِقِ الإيمان ، قريبٌ من الأشياءِ غيرَ مُلامِسٍ بعيدٌ منها غيرَ مُباينٍ ،متكلّمٌ بلا رويّةٍ ، مريدٌ لا بهمّةٍ ، صانعٌ لا بجارحةٍ ، لطيفٌ لا يوصَفُ بالخَفاءِ ، كبيرٌ لا يوصَفُ بالجَفاءِ ، بصيرٌ لا يوصَفُ بالحاسَّةِ ، رحيمٌ لا يوصَفُ بالرّقةِ ، تعْنو الوجوهُ لعظمتِهِ ، وتجِبُ القلُوبُ من مخافتِهِ )) (2) .
  ومن خطبةٍ له (ع) في صفة الأرض ودحوها من الماء : (( كبَسَ الأرضَ على مَوْرِ أمواجٍ مُستَفحِلةٍ ، ولُجَجِ بِحارٍ زاخِرةٍ ، تلتَطِمُ أواذيُّ أمواجِها ، وتَصْطَفِقُ مُتقاذِفاتُ أثباجِها ، وتَرغو زَبَداً كالفُحُولِ عندَ هِياجِها ، فخَضَعَ جِماحُ الماءِ المُتلاطِمِ لثِقْلِ حَمْلِها ، وسَكَنَ هَيْجُ ارتِمائِهِ إذ وطَئتْهُ بكَـلْـكَلِها ، وذَلَّ مُستَخذِياً إذ تمعّكَتْ عليهِ بكواهِلِها ، فأصبَحَ بعدَ اصطِخابِ أمواجِهِ ساجياً مَقهُوراً ، وفي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنقاداً أسيراً ، وسكَنَتِ الأرضُ مَدحُوّةً في لُجّةِ تيّارِهِ ، وردّتْ مِن نَخوَةِ بأوِهِ واعتلائِهِ ، وشُمُـوخِ أنفِهِ وسُمُـوِّ غُـلَوائِهِ ، وكعَـمَتْهُ على كِظّـةِ جَرْيَتِهِ ، فهمَـدَ بَعْـدَ نَزَقاتِـهِ ، ولبَدَ بَعْـدَ زَيَفانِ وثَبَاتِهِ )) (3) .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 3 / 149 .
(2) شرح نهج البلاغة 10 / 261 .
(3) شرح نهج البلاغة 6 / 471 خ 90 المعروفة بخطبة الأشباح وهي من جلائل خطبه (ع) .


وليد الكعبة _ 59 _

شرح وبيان
  كبسَ الأرض : أي أدخلها في الماء بقوّةٍ .
  مور أمواجٍ مستفحلة : هائجة هيجان الفحول إشارةً إلى قوتّها ، والمور من مارَ أي ذهبَ وجاء .
  زخر الماء : امتدّ وارتفع .
  تلتطم أواذيُّ أمواجها ، وتصطفِقُ متقاذِفاتُ أثباجِها : أي يضرب بعضها بعضاً ، والأثباج هنا : أعالي الأمواج .
  وترغو زبَداً كالفُحولِ عندَ هياجِها : الرغاء صوت البعير ، فهي تصوّتُ كفُحول الإبل إذا هاجتْ للضِرابِ ، قاذِفةً زَبَداً .
  جِماحُ الماءِ المتلاطِم : صعود الماء وغليانه .
  هيجُ ارتمائِهِ : تقاذف الماء وتلاطمه فهو هائجٌ .
  كلكلها : صدرها .
  وذلَّ مستخذياً : أي خضع واسترخى .
  تمعكّ : تمرّغ ، مستعارٌ من تمعّك الدابةُ في الأرض .
  ساجياً مقهوراً : ساكِناً .

وليد الكعبة _ 60 _

   حَكَمَة الذّلّ : الحَكَمة : ما أحاط من اللجام بحَنَك الدابة .
  مَدحوّة : مبسوطة .
  لُجّة تيّارهِ :أعمق نقطة في أعظم أمواجِهِ .
  بأوهِ : تكبّره وغروره .
  وهذا الكلام استعارة ؛ يُقال : كسَرَتِ الأرضُ سَوْرة الماء الهائج كما تُكسَر حِدّة الرجل المتكبّر .
  كعَمْتُهُ : شددتُ فمه ، من الكِعام وهو شئ يوضع في فم البعير .
  همدَ بعد نزقاتِهِ : أي سكنَ بعد خفّتهِ ، وهمدت النار انطفأت .
  الزيفان : التبختُر في المشي ، ولبدَ بعدَ زيَفان وثَباتِهِ : لصق بالأرض ساكناً بعد هيجانهِ .
  ومن الخطب الخالدة التي جادَ بها علينا سيّدنا وإمامنا عليّ (ع) تلك الخطبة العجيبة التي سمّاها بعض الناس بالخطبة ( الغرّاء ) ، والتي يقول في بعض مقاطعها : (( فإنّ الدّنيا رَنِقٌ مشْرَبُها ، رَدِغٌ مَشْرَعُها ، يونِقُ مُنظرُها ، ويوبِقُ مَخبَرُها ، غُرورٌ حائلٌ وضَوءٌ آفِلٌ ، وظِلّ زائلٌ ، وسِنادٌ مائلٌ ، حتى إذا أنِسَ نافِرُها ، واطمأنّ ناكِرُها ، قمَصَتْ بأرجُلِها وقَنَصَتْ بأحبُلِها ، وأقصَدتْ بأسهُمِها ، وأعلَقَتِ المرءَ أوهاقَ المنيّةِ ، قائدةًلهُ إلى ضَنْكِ المضْجَعِ ووحشَةِ المرجِعِ ، ومعاينةِ المحلّ

وليد الكعبة _ 61 _

  وثوابِ العملِ ، وكذلك الخلَفُ بِعَقبِ السلَفُ لا تُقلِعُ المنيّةُ اختراماً ، ولا يرعوي الباقونَ اجتراماً ، يحتذونَ مِثالاً ، ويَمضُونَ أرسالاً ، إلى غايةِ الإنتهاء ، وصَيّورِ الفناءِ ، حتى إذا تصرّمَتْ الأمورُ وتقضّتِ الدهورُ ، وأزِفَ النَّشورُ ، أخرجَهُم من ضَرائِحِ القُبورِ ، وأوكارِ الطُيُورِ ، وأوجِرَةِ السّباعِ ، ومَطارِحِ المهالِكِ ، سِراعاً إلى أمرِهِ ، مُهطِعين إلى مَعَادِهِ ، رعيلاً صُمُوتاً ، قياماً صُفُوفاً يَنفُذُهُمُ البصَرُ ، ويُسْمِعُهُمُ الدّاعي ، عليهِم لُبوسُ الإستكانةِ ، وضَرَعُ الاستسلامِ والذّلّة )) (1) .

شرح وبيان
  رَنِقٌ مشرَبُها : كَـدِرٌ وعكِر ، والظاهر أنّ رنِقَ من الأضداد فهي تُطلق على الماء كدر أو صفى (2) .
  ردِغ مَشْرَعُها : طريقٌ ذو طين ووحَل
  يونِقُ منظرها : يُعجِبُ الناظرين له
  يُوبِقُ مخبَرُها : يُهلِك ، غرورٌ حائل : مَتاعٌ زائل
  ضوءٌ آفِل :غائب ، وأفلَ : غابَ

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 6 / 341 خ 82 .
(2) فروق اللغات في التمييز بين مفاد الكلمات ، نور الدين الجزائري ص 245 ، تحقيق وشرح د . محمد رضوان ، ط 3 ، مكتب نشر الثقافة الإسلامية ، طهران 1415 هـ .


وليد الكعبة _ 62 _

  السِناد : دعامة يُسنَد بها السقف
  قمَصَت بأرجلها : من عيوب عادات الفرس ، قال الثعالبي : فإذا كان يلتوي براكِبِهِ حتى يسقُط عنهُ فهو قَمُوصٌ (1) .
  قنَصَت : اصطادت
  أوهاق : جمع وَهَق وهو الحبل
  ضَنْكِ المضجَع : بفتح الجيم ، ضيق المكان ويعني القبر
  مُعاينةِ المحلّ وثواب العمَل : الموضع الذي يُحِلُّ بهِ المكلّف بعد الموت ، إمّا إلى جنّةٍ إمّا إلى نار .
  وكذلك الخلَفُ بعَقْبِ السّلَف : الخلَف المتأخّرون ، والسلف المتقدّمون وعقْب ههنا بالتسكين ، وهو بمعنى بعد ، قال ابنُ أبي الحديد : (( جئتُ بعقْبِ فلان أي بعده وأصله جري الفرس بعد جَريهِ ، يُقال : لهذا الفرس عقْبٌ حسن وقال ابن السكّيت : يُقالُ جئتُ في عُقّبِ شهر كذا ، بالضم ، إذا جئتَ بعد ما يمضي كلّه ، وجئتُ في عَقِبِ ، بكسر القاف إذا جئت وقد بقيت منهُ بقيّة ، وقد رويَ : يَعقُب السلف ، أي يتبع )) (2)
  لا تُقلِعُ المنيةُ اختراماً : لا تكفّ عن إذهاب الأنفس .
  ولا يرعوي الباقون : لا يكفّون ، والاجترام ، افتعال الجُرم ، وهو الذنب ، أي لا يمتنعون عن الذنوب .

---------------------------
(1) فقه اللغة ، أبو منصور الثعالبي ص 106 ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، ( د . ت ) .
(2) شرح نهج البلاغة 6 / 343 .


وليد الكعبة _ 63 _

   ويمضونَ أرسالاً : جمع رَسَل ، بفتح الراء والسين ، أي قطعاناً ، والمعنى : يمضون كقطعان الإبل أو الغنم إلى نهايتهم ، وصيّور الأمر آخرهُ .
  حتى إذا تصرّمتِ الأمورُ وتقضّتِ الدهورُ وأزفَ النشور : كناية عن انقضاء الحياة الدنيا واقتراب يوم القيامة .
  ضرائح : جمع ضريح وهو الشقّ وسط القبر .
  أوكار : جمع وكر ، بفتح الواو وسكون الكاف ، وهو عشّ الطائر .
  وأوجِرة السباع : جمع وِجار وهو بيت الضبُع ونحوه .
  مُهطِعين إلى مَعادِهِ رعيلاً صُموتا :أي مسرعين إلى معاده ، شبّههم (ع) في تلاحقِ بعضُهم ببعض برعيل الخيل .
  ومن بليغ كلامهِ (ع) قوله في خطبتهِ التي اشتهرت باسم ( الوسيلة ) : (( أيُّها الناسُ : إنّهُ مَن نظرَ في عيبِ نفسهِ اشتغلَ عن عيبِ غيرهِ ، ومَن رضيَ برزقِ اللهِ لَمْ يأسَف على ما في يدِ غيرهِ ، ومَن سَلّ سيفَ البغي قُتِلَ بِهِ ومَن حفَرَ لأخيهِ بئراً وقعَ فيها ، ومَن هتَكَ حِجابَ غيرهِ ، إنكَشفَتْ عوراتُ بيتهِ ، ومَن نَسِيَ زَلـَلهُ استعظمَ زللَ غيرِهِ ، ومَن أُعجِبَ برأيهِ ضلَّ ، ومَن استغنى بعقلهِ زَلَّ ، ومَن تكبّرَ على الناسِ ذَلَّ ، ومَن سَفّهَ على الناسِ شُتِمْ ، ومَن خالطَ الأنذال حُقّرْ ، ومَن حمَلَ ما لا يُطيق عجَزَ )) (1) .

---------------------------
(1) الخطب النادرة ص 260 .


وليد الكعبة _ 64 _


نصائح ومواعظ
  ومن نصائحهِ وجميل مواعظهِ ، قوله (ع) :
  (( أحبِبْ حبيبَكَ هَوناً ما ، عَسى أنْ يكُونَ بغيضكَ يوماً ما ، وأبغِضْ بغيضَكَ هَوْناً ما ، عسى أنْ يكونَ حبيبكَ يوماً ما )) (1) .
  وخُلاصةُ هذهِ الكلمة النهي عن الإسراف في المودّة والبِغضة ، فربّما أنقلبَ مَن تَودّ فصار عدوّاً فيكون أعلم بمضرّتك بسبب علمه واطّلاعه على كُل أسرارك وأمورك ، وإلى هذا المعنى أشار شاعرٌ بقولهِ :
احذرْ عدوّكَ مرّةً واحذر صديقك ألف مرّة      ii
فلربّما انقلبَ الصديقُ فكانَ أعلمُ iiبالمضرّة      ii
  (( الدهرُ يومانِ : يومٌ لكَ ، ويومٌ عليكَ ، فإذا كان لكَ فلا تَبْطَرْ ، وإذا كان عليكَ فاصْبر )) (2) .
  وقال (ع) لبعضِ أصحابِهِ : (( لا تَجعَلَنَّ أكثرَ شُغلِكَ بأهلِكَ ووَلَدِكَ ، فإن يكُنْ أهلُكَ ووَلَدُكَ أولياءَ اللهِ فإنّ اللهَ لا يُضيّعُ أولياءَهُ ، وإن يكونوا أعداءَ اللهِ فما همُّكَ وشُغلُكَ بأعداءِ اللهِ )) (3) .


---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 19 / 93 .
(2) شرح نهج البلاغة 19 / 214 .
(3) شرح نهج البلاغة 19 / 157 .


وليد الكعبة _ 65 _

  أقول :لاشكّ إنّ الإنفاق على الأهل والعيال ، والتوسّع عليهم ، من الأعمال التي ورد في مدحها أحاديثٍ كثيرةٍ ، فعن رسول الله (ص) : (( الكاد على عيالهِ كالمجاهدِ في سبيلِ الله )) ، وقال الإمام السجّاد (ع) : (( أرضاكم عند الله أسبغكُم على عيالهِ )) ، لكن بشرط أن يجتنب عن تحصيل الحرام والشبهة ، وأن يقتصد في التحصيل والإنفاق ، فعن الإمام الصادق (ع) : ((ليكن طلب المعيشة فوق كسب المُضيّع ، ودون طلب الحريص )) (1) .
  وقال أمير المؤمنين (ع) (( علامَةُ الإيمان أن تُؤثِرَ الصّدْقَ حيثُ يَضُرُّكَ على الكَذِبِ حيثُ ينفَعُكَ، وألّا يكونَ في حديثِكَ فضْلٌ عنْ عِلمِكَ وأن تتّقي اللهَ في حديثِ غيرِكَ)) (2) .
  أقول : الكذب من أقبح الذنوب وأفحشها وأخبث العيوب وأشنعها ، قال الله سبحانه وتعالى : (( إنّما يفتري الكذِبَ الّذين لا يؤمِنُونَ )) ، وقال تعالى أيضاً : (( فأعقبهُم نِفاقاً في قلُوبهِم إلى يومِ يَلقَوْنَهُ بما أخلفُوا اللهَ ما وعَدوهُ وبِما كانوا يكذِبُونَ )) ، وقال الرسول الأكرم (ص) : (( إيّاكُم والكذِب فإنّ الكذِب يَهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار )) .
  إلّا أنّ هنالك مسوّغات ورخص تُزيلُ حرمة الكذب ، وترفعُ إثمهُ ، كالكذبِ في الحروب فإن الحرب خُدعة وأسرار ، ولا يجوز إطلاع العدو على هذه الأسرار ، أو رجلٌ سعى للإصلاح بين متخاصِمين أو لدفع ظلم أو رفعهِ عن نفوسٍ محترمة ، فهذه من الموارد التي يجوز

---------------------------
(1) ينظر : جامع السعادات ، محمد مهدي النراقي 3 / 322 ، 607 ، ط 1 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، 2006 م .
(2) شرح نهج البلاغة 19 / 371 .


وليد الكعبة _ 66 _

  فيها الكذب وقد ثبت استثنائها بأدلة شرعيّة ، فعن الرسول الأكرم (ص) قال : (( ليس بكذّابٍ مَن أصلحَ بين اثنين فقال خيراً )) ، وقال الصادق (ع) : (( كلّ كذِبٍ مسؤولٌ عنه صاحبه يوماً ، إلّا كذِباً في ثلاثة : رجلٌ كايدَ في حروبِهِ ، فهو موضوعٌ عنهُ ، أو رجلٌ أصلحَ بين إثنينِ يلقى هذا بغيرِ ما يلقى بهِ هذا ، يُريدُ بذلكَ إصلاحُ ما بينهما ، أو رجلٌ وعدَ أهلَهُ شيئاً وهُوَ لا يُريد أن يُتمَّ لهُم ))، وليس الكذب لزيادة المال والجاه وغير ذلك ممّا يُستغنى عنه ، فإنّه محرّمٌ قطعاً (1) .
  وقد فطنَ شارح النهج ابنُ أبي الحديد لهذا المعنى ، فعلّق على قول أمير المؤمنين (ع) المذكور بقوله : (( وينبغي أن يكونَ هذا الحُكم مقيّداً لا مُطلَقاً ، لأنّهُ إذا أضرّ الصدق ضرراً عظيماً يؤدي إلى تلف النفس ، أو إلى قطْع بعض الأعضاء لمْ يَجُزْ فعلُهُ صريحاً )) .
  وممّا نُسِبَ له (ع) قولُه لكاتبه ابن أبي رافع :(( يا عبدَالله ، ألِقْ دواتَك ، وأطِلْ شَباة قلَمِك ، وفرّج بينَ السطُور ، وقرمِط بين الحُروف )) (2) .
  فقوله (ع) ألِق دواتَكَ :أصلح مِدادها ، شباة قلمك : سِنّهُ ، والقرمطة : الدقة في الكتابة والتقريب بين الحروف .
  (( يا أيّها الناسُ ، طُوبى لمَنْ شَغَلَهُ عَيبُهُ عن عُيُوبِ الناس ، وطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيتَهُ ، وأكَلَ قُوتَهُ ، واشتغَلَ بطاعةِ ربّهِ ، وبَكى على خطيئتِهِ ، فكانَ مِن نَفسِهِ في شُغُلٍ ، والناسُ مِنهُ في راحةٍ )) (3) .

---------------------------
(1) للفائدة في موضوع الكذب ومسوغاته ينظر : جامع السعادات 2 / 421 وما بعدها .
(2) كتاب الوزراء والكتّاب ، لأبي عبدالله ابن عبدوس الجهشياري ص 23 ، ط 1 ، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبدالحفيظ شلبي ، مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1938 م .
(3) شرح نهج البلاغة 10 / 240 .


وليد الكعبة _ 67 _

من أجوبتِهِ (ع) وقضائهِ
  قال المسعودي : (( وممّا كتبَ بهِ معاوية إلى عليّ : أمّا بعد ، فلو علِمنا أنّ الحرب تبلغُ بنا وبكَ ما بلَغَت لم يجنِها بعضُنا على بعض ، وإنّا وإن كُنّا قد غُلِبنا على عقولنا ، فقد بقيَ لنا منها ما نَرُمُّ بهِ ما مضى ، ونُصلحُ بهِ ما بقى ، وقد كُنتُ سألتُكَ الشام على أن لا تلزمني لكَ طاعة ، وأنا أدعُوكَ اليوم إلى ما دعوتُكَ إليه أمس ، فإنّكَ لا ترجو من البقاءِ إلّا ما أرجو ، ولا تخاف من القتالِ إلّا ما أخاف ، وقد واللهِ رَقَّتِ الأجناد وذهبت الرجال ، ونحنُ بنو عبد مَناف ، وليس لبعضنا على بعض فضل يُستذلّ لهُ عزيز ويُسترق به حرّ ، والسلام .
  فكتبَ إليه عليّ كرّمَ اللهُ وجهَهُ : من علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد : فقد جاءني كتابكَ تذكُر فيه أنّك لو علِمتَ أن الحرب تبلِغُ بنا وبِكَ ما بلغتْ لَمْ يجنها بعضُنا على بعضٍ ، وأنا وإيّاكَ نلتمِسُ منها غايةً لمْ نبلُـغَها بعد ، فأمّا طلَبُكَ منّي الشامَ فإني لم أكُنْ أعطيكَ اليوم ما منعتُكَ أمس ، وأمّا استواؤنا في الخوفِ والرجاءِ فلست بأمضى على الشكّ منّي على اليقين ، وليس أهل الشامِ على الدنيا بأحرَصَ من أهلِ العراقِ على الآخِرَةِ ، وأمّا قولُكَ نحنُ بنو عبد مَناف فكذلك نحنُ وليس أميّة كهاشِم ولا حَرب كعبد المطّلِب ، ولا أبو سِفيان كأبي طالب ، ولا الطَليق كالمهاجر ، ولا المُبطِل كالمُحِقّ ، وفي أيدينا فضل النُبــوّةِ التي قتلْنا بها العـزيز ، وبعـنا بها الحر ، والسلام )) (1) .

---------------------------
(1) مروج الذهب 3 / 24 .


وليد الكعبة _ 68 _

  وسُئِلَ (ع) : كيف يُحاسب الله الخَلْق على كثرتِهِم ؟ فقال (ع) : كما يرزقهم على كثرتِهِم ، فقيل : كيف يُحاسبهم ولا يرونَهُ ؟ فقال (ع) : كما يرزقهُم ولا يَرَونَه (1) .
  ومن قضائهِ (ع) جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين كان بين يديّ تمر فبدرت زوجتي فأخذت منه واحدة فالقتها في فيها ، فحلفتُ أنها لا تأكلها ولا تلفضها فقال عليه السلام : تأكل نصفها وترمي نصفها وقد تخلصت من يمينك (2) .
  وعن زِرّ بن حُبَيشٍ قال : (( جلس رجلان يتغذّيان ، مع أحدهما خمسة أرغفة ، فلمّا وضعا الغداء بين أيديهما مرّ بهما رجل فسلّم ، فقالا له : الغداء ، فجلس وأكل معهما ، واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية ،فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم ، وقال : خذ هذا عِوضاً ممّا أكلت لكما ، ونلته من طعامكما ، فتنازعا ، فقال صاحب الأرغفة الخمسة : لي خمسة دراهم ولك ثلاثة دراهم ، فقال صاحبُ الثلاثة : لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين ، فارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقصّا عليه قصتهما ، فقال لصاحب الثلاثة قد عرض لك صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك ، فارضَ بالثلاثة ، قال : لا والله لا رضيت منه إلّا بمرّ الحقّ ، فقال له عليّ : ليس لك في مُرّ الحقّ إلّا درهم واحد وله سبعة ، قال الرجل : سبحان الله يا أمير المؤمنين ، هو يعرض عليّ ثلاثة ولم أرضَ ، فأشرت عليّ بأخذها فلم أرضَ ، وتقول لي الآن : لا يجب لك في مرّ الحقّ إلّا درهم

---------------------------
(1) تصنيف نهج البلاغة ، لبيب وجيه بيضون ص 171 ، ط 1 ، مكتبة اسامة كرم ، دمشق ( د . ت )
(2) الإرشاد ص 131 .


وليد الكعبة _ 69 _

  واحد ، فقال له عليّ : عرض عليك صاحبك أن تأخُذ الثلاثة صُلحاً ، فقلت : لا أرضى إلّا بمر الحقّ ولا يجب في مرّ الحقّ إلّا واحد ، فقال له الرجل : فعرّفني في مرّ الحقّ حتى أقبلَهُ ، فقال عليّ : أليس الثمانية الأرغفة أربعةً وعشرين ثلثاً ؟ أكلتموها وانتم ثلاثة أنفس ، ولا نعلم الأكثر منكم أكلاً ولا الأقلّ فتحملون في أكلكم على السواء ؟ قال : بلى قال : فأكلت أنت ثمانية أثلاث وإنما لك تسعة أثلاث ، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة أثلاث ، أكل منها ثمانيةً وبقي له سبعة ، وأكل لكَ واحداً من تسعة ، فلكَ واحدٌ بواحدكَ وله سبعة بسبعته ، فقال الرجل : رضيتُ الآن )) (1) .
  ورووا : أن أمير المؤمنين (ع) دخلَ ذات يومٍ المسجدَ فوجدَ شاباً حدثاً يبكي وحوله قوم ، فسأل أمير المؤمنين (ع) عنه ، فقال : أن شُريحاً قضى عليّ قضيةً ولم يُنصِفني فيها ، فقال : وما شأنك ؟ ، قال : أنّ هؤلاءِ النفر وأومأ إلى نفر حضور أخرجوا أبي معهم في سفرٍ ، فرجعوا ولم يرجع أبي فسألتهم عنه فقالوا : مات ، فسألتهم عن مالهِ الذي استصحبه ، فقالوا ما نعرف لهُ مالاً ، فاستحلفهم شُريح ، وتقدّم إليّ بترك التعرّض لهم ، فقال أميرُ المؤمنينَ (ع) لقنبر : اجمع القوم وادع لي شرطة الخميس ، ثمّ جلسَ ودعا النفر والحدث معهم ، ثمّ سألهُ عمّا قال ، فأعاد الدعوى وجعل يبكي ويقول : أنا واللهِ اتّهمهم على أبي يا أمير المؤمنين فإنهم احتالوا عليه حتى أخرجوه معهم ، وطمعوا في مالهِ .

---------------------------
(1) الوافي بالوفيات 21 / 179 .


وليد الكعبة _ 70 _

  فسألَ أميرُ المؤمنين (ع) القوم ، فقالوا له كما قالوا لشريح : ماتَ الرجل ولا نعرف له مالاً ، فنظر في وجوههم ثمّ قال لهم : ماذا تظنّون أتظنّون إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى ، إنّي إذاً لقليل العلم ، ثمّ أمر بهم أن يُفرّقوا ، ففُرّقوا في المسجد ، وأقيم كلّ رجلٍ منهم إلى جانب اسطوانة من أساطين المسجد .
  ثُمّ دعا عبيدالله بن أبي رافع كاتبه يومئذ ، فقال له : اجلس ، ثمّ دعا واحداً منهم فقال له : اخبرني ولا ترفع صوتك في أيّ يومٍ خرجتم من منازلكم وأبو هذا الغلام معكم ؟ ، فقال : في يوم كذا وكذا ، فقال لعبيدالله : اكتب ، ثمّ قال له : في أيّ شهر كان ؟ قال : في شهر كذا ، قال : اكتب ، ثمّ قال : في أيّ سنة ؟ قال : في سنة كذا ، قال : فبأيّ مرضٍ مات ؟ قال : بمرض كذا ، قال في أيّ منزلٍ مات ؟ قال : في موضعِ كذا ، قال : من غسّله وكفّنه ؟ قال : فلان ، قال : فبم كفّنتموه ؟ قال : بكذا ، قال : فمن صلّى عليه ؟ قال : فلان ، قال : فمن أدخله القبر ؟ قال : فلان ، وعبيدالله بن أبي رافع يكتب ذلك كلّه ، فلمّا انتهى إقراره إلى دفنه كبّر أمير المؤمنين تكبيرةً سمعها أهل المسجد .
  ثمّ أمر بالرجل أن يعود إلى مكانهِ ، فدعا بآخرٍ من القوم ، فأجلسه بالقرب منه ، فسأله عمّا سأل الأوّل عنه فأجاب بما خالف الأوّل في الكلام كلّه ، وعبيدالله يكتب ، فلمّا فرغ من سؤاله كبّر تكبيرةً سمعها أهل المسجد ، ثمّ أمر بالرجلين أن يُخرَجا من المسجد نحو السجن فيوقف بهما على بابه ، ثمّ دعا بالثالث فسأله عمّا سأل الرجلين فحكى

وليد الكعبة _ 71 _

  خلاف ما قالاه وأثبت ذلك عنده ، ثمّ كبّر وأمر بإخراجه نحو صاحبيه ودعا برابع القوم فاضطرب في قوله وتلجلج ، فوعظه وخوّفه ، فاعترف أنه وأصحابه قتلوا الرجلَ وأخذوا ماله ، وأنهم دفنوه في موضع كذا وكذا ، بالقرب من الكوفة ، فكبّر أمير المؤمنين (ع) وأمر به إلى السجن ، واستدعى (ع) واحداً من القوم وقال له : زعمتَ أن الرجل مات حتف أنفه وقد قتلته ، أصدقني عن حالك وإلّا نكّلتُ بك فقد وضح لي الحق في قضيتكم ، فاعترف من قتل الرجل ، بما اعترف به صاحبه ، ثمّ دعا الباقين ، فاعترفوا عنده بالقتل ، وسقطوا في أيديهم ، واتفقتْ كلمتُهم على قتل الرجلِ وأخذ مالهِ ، فأمر من مضى منهم مع بعضهم إلى موضعِ المال الذي دفنوه ، فاستخرجَهُ منه وسلّمه إلى الغلام ابن الرجل المقتول ، ثمّ قالَ لهُ : ما الذي تريد ؟ قد عرفتَ ما صنع القوم بأبيك ؟ قال : أريد أن يكون القضاء بيني وبينهم بين يدي الله عزّ وجل ، وقد عفوتُ عن دمائِهم في الدنيا ، فدرء عنهم أمير المؤمنين (ع) حدّ القتل وأنهكهم عقوبة (1) .

الراهِب ومسجد براثا
  قال ابنُ أبي الحديد : (( قال نصر : وحدّثنا عبدالعزيز بن سياه ، قال : حدّثنا حبيب بن أبي ثابت ، قال : حدّثنا أبو سعيد التيميّ المعروف بعقيصي ، قال : كُنّا مع عليّ (ع) في مسيرهِ إلى الشام ؛ حتى إذا كُنّا بظهرِ الكوفةِ من جانبِ هذا السواد ، عطشَ الناسُ واحتاجوا إلى الماءِ ، فانطلقَ بنا عليّ (ع) حتى أتى بِنا إلى صخرة ضِرْس في الأرض ،

---------------------------
(1) الإرشاد ص 126 .


وليد الكعبة _ 72 _

  كأنّها رُبْضَةُ عنز ، فأمَرَنا فاقتلعناها ، فخرجَ لنا من تحتِها ماء ، فشرِبَ الناس منهُ وارتوَوا ، ثمّ أمَرَنا فأكفأناها عليه وسارَ الناس حتى إذا مضى قليلاً ، قال (ع) : أمِنكُم أحدٌ يعلمُ مكانَ هذا الماء الذي شربتُم منهُ ؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : فانطلِقُوا إليه ، فانطلقَ منّا رجالٌ ركباناً ومشاةً ، فاقتصصنا الطريق إليه ، حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنّهُ فيه ، فطلبناه ، فلم نقدر على شئ ، حتى إذا عِيلَ علينا انطلقنا إلى دَيْرٍ قريبٍ منّا ، فسألناهم أينَ هذا الماء الذي عندكم ؟ قالوا : ليس قُربَنا ماء ، فقلنا بلى إنّا شرِبنا منهُ ، قالوا : أنتم شرِبتُم منهُ ؟! قلنا : نعم ، فقال صاحبُ الدَير : واللهِ ما بُنيَ هذا الدَير إلّا بذلك الماء وما استخرجَهُ إلّا نبيّ أو وصيُّ نبيّ (1) .
  قال ياقوت : ((بَراثا : محلّة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب مُحوَّل ، وكان لها جامع مفرد تصلّي فيه الشيعة ، وقد خرب عن آخره وكذلك المحلّة لم يبق لها أثرٌ ، فأمّا الجامع فأدركتُ أنا بقايا من حيطانِهِ وقد خربت في عصرنا واستُعملتْ في الأبنية ، وفي سنة 329هـ فُرِغَ من جامع براثا وأقيمت فيهِ الخطبة ... ، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية يزعمون أنّ عليّاً مرّ بها لمّا خرج لقتال الحروريّة بالنهروان ، وصلّى في موضِع من الجامع المذكور )) (2) .
  وذكره الآلوسي فقال : (( هو من مساجِد بغداد في الجانب الغربي ، القديمة العهد ، يتبرّك به الشيعة إلى اليوم ، لما ثبتَ عندهم أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم اللهُ وجهه ، بعد فراغه من وقعة النهروان

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 3 / 141 .
(2) معجم البلدان 2 / 287 ، باب الباء والراء وما يليهما .


وليد الكعبة _ 73 _

  ورجوعه عبر دجلة ، وصلّى بأصحابهِ عند ديرِ راهِبٍ كان قريباً منها ، فاتّخذ شيعته مُصلّاهُ مسجداً وكان يُقال له : جامع براثى ، على وزن ( حَبارى ) ... ، وظاهر هذا ، أن المسجد كان قبل صلاة الأمير ، لكن يجوز أن يُراد بالمسجد : المعبد لا المسجد المُتعارف بين المسلمين ، ويُحكى أن الأمير رضي اللهُ عنه لمّا أمّ أصحابه وصلّى بهِم ، جعلَ الراهبُ ينظر إليهِم ، حتى إذا أتمّوا الصلاة نزلَ مِن دَيرِهِ فقال للأمير : يذكر عندنا أنّه يصلّي في هذا الموضع بجمعٍ عظيمٍ نبيٌّ أو وصيُّ نبيّ فمن أنت ؟ فقال : أنا عليّ بن أبي طالب خليفة ابن عمّي محمّد رسول الله (ص) ووصيُّه ، فاسلمَ الراهبُ على يده ، وقيلَ : أن الأمير لمّ وصلَ إلى ذلك المكان عطش هو وأصحابه ، ولم يكُن ثمّة ماء ، حيث كانت دجلة إذ ذاك بعيدة عنه ، فحفروا بئراً فصادفوا صخرة عظيمة عجزوا عن قلعِها ، فأخبروا الأمير ، فجاء فاقتلعها بيدهِ الشريفة ، والراهب ينظر ذلك ، فقال : لا يقلع مثل ذلك بيدهِ إلّا نبي أو وصيّ ، فأسلم ، وهذا المسجد اليوم يسمّى مسجد المنطقة ، وهو على نحو ميل أو أقلّ في غربي الجانب الغربي من بغداد ، بين بغداد وبين قصبة موسى الكاظم عن يسار الذاهب من بغداد إلى تلك القصبة )) (1) .
  أمّا العلّامة الدكتور مصطفى جواد فله رأيٌ آخر بشأن جامع براثا حيث قال : (( وقد خلطَ بعض من لا علم له بخطط بغداد بين جامع براثا ومشهد العتيقة المعروف قديماً وحديثاً بمشهد المنطقة ، الواقع في الجنوب الشرقي من مدينة المنصور بين الكاظميّة والجعيفر حالياً ،

---------------------------
(1) تاريخ مساجد بغداد وآثارها ، السيد محمود شكري الآلوسي ص 200 ، تحقيق د . عبدالله الجبوري بغداد ، 2006 م .


وليد الكعبة _ 74 _

  وهو إلى الجعيفر أقرب على مقربةٍ من الجسر الحديد ، وذلك أنّ جامع براثا لمّا خرب وزالت آثارُهُ ، نقل ذاك الرجل اسمه إلى مشهد العتيقة مع أنّه في الشرق وذاك في الغرب وأنّه من مجامع الشيعة أيضاً منذ القديم وقد حدث كثير من أمثال هذا التخليط في خطط بغداد )) (1) .

زوجاته واولادها
  أمّا زوجاته (ع) فهُنَّ : فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين صلوات الله عليها لم يتزوّج عليها حتى توفيتْ عنده ، وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وخولة بنت جعفر المعروفة بالحنفيّة ، وأسماء بنت عميس الخثعميّة كانت تحت جعفر بن أبي طالب فقُتِلَ عنها ثمّ تزوجها أبو بكر فتوفيّ عنها ثمّ تزوّجها أمير المؤمنين (ع) ، وفاطمة بنت حزام الكلابيّة الملقّبة بأمّ البنين أم العباس وإخوته ،المُحيّاة بنت امرئ القيس بن عَدي الكلبيّة ، حيث أسلمَ أباها بعد أن كان نصرانيّاً فزوّجها من أمير المؤمنين (ع) وزوّج أختها سلمى من الحسن (ع) وأختها الثانية الرباب من الحسين (ع) ، والصهباء بنت ربيعة التغلبيّة وهي أم حبيب من سبي عين التمر ، وليلى بنت مسعود النهشليّة التميميّة تزوجها (ع) حين قدومه البصرة لمحاربة أهل الجمل سنة 36 هـ ، وبعد وفاة الإمام

---------------------------
(1) دليل خارطة بغداد المفصّل ، د . مصطفى جواد ود . أحمد سوسة ص 85 ، مكتبة الحضارات ، بيروت 2011 م .