ولـست  مقاتلا رجلا iiيصلي      على  سلطان آخر من iiقريش
لـه  سـلطانه وعـلي إثمي      مـعاذ الله مـن سفه iiوطيش
أأقـتل  مسلما في غير iiجرم      فليس بنافعي ما عشت عيشي
  قال : وبعث بسر (1) إلى أهل الشام : ( أما والله إن من رأيى إن دفعتم هذه الموادعة أن ألحق بأهل العراق فأكون يدا من أيديها عليكم ، وما كففت عن الجمعين إلا طلبا للسلامة ) ، قال معاوية : يا بسر ، أتريد أن تمن علينا بخير ؟ ! قال : فرضى أهل الشام ببعث الحكمين ، فلما رضى أهل الشام بعمرو بن العاص ، ورضى أهل العراق بأبي موسى ، أخذوا في كتاب الموادعة ، ورضوا بالحكم حكم القرآن ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن زيد بن حسن قال عمرو : قال جابر : سمعت زيد بن حسن ـ وذكر كتاب الحكمين فزاد فيه شيئا على ما ذكره محمد بن علي الشعبي ، في كثرة الشهود وفي زيادة في الحروف ونقصان ، أملاها علي من كتاب عنده فقال : هذا ما تقاضي عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قضية علي على أهل العراق ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب ، ( وقضية معاوية على أهل الشام ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب ) ، إنا رضينا أن ننزل عند حكم القرآن فيما حكم ، وأن نقف عند أمره فيما أمر ، وإنه لا يجمع بيننا إلا ذلك ، وإنا جعلنا كتاب الله فيما بيننا حكما فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته ، نحيى ما أحيا ونميت ما أمات (2) ، على ذلك تقاضيا ، وبه تراضيا ، وإن عليا وشيعته رضوا أن يبعثوا عبد الله ابن قيس (3) ناظرا ومحاكما ، ورضى معاوية وشيعته أن يبعثوا عمرو بن العاص ناظرا ومحاكما ، على أنهما (4) أخذوا عليهما عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه ، ليتخذان الكتاب إماما فيما بعثا له ، لا يعدوانه إلى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطورا ، وما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الجامعة ، لا يتعمدان لهما خلافا ، ولا يتبعان في ذلك لهما هوى ، ولا يدخلان في شبهة ، وأخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص علي على ومعاوية عهد الله وميثاقه بالرضا بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وليس لهما أن ينقضا ذلك ولا يخالفاه إلى غيره ، وأنهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأهلهما ما لم يعدوا الحق ، رضى بذلك راض أو أنكره منكر ، وأن الأمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل ، فإن توفى أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته وأصحابه يختارون مكانه رجلا ، لا يألون عن أهل المعدلة والإقساط ، على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق ، والحكم بكتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وله مثل شرط صاحبه ، وإن مات أحد الأميرين قبل القضاء فلشيعته أن يولوا مكانه رجلا يرضون عدله ، وقد وقعت القضية ومعها الأمن والتفاوض ووضع السلاح والسلام والموادعة ، وعلى الحكمين عهد الله وميثاقه ألا يألوا اجتهادا ، ولا يتعمدا جورا ، ولا يدخلا في شبهة ، ولا يعدوا حكم الكتاب وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإن لم يفعلا برئت الأمة ( سقط من كتاب بن عقبة ) من حكمهما ، ولا عهد لهما ولا ذمة ، وقد وجبت القضية على ما قد سمى في هذا الكتاب من مواقع الشروط على الأميرين والحكمين والفريقين والله أقرب شهيدا ، وأدنى حفيظا ، والناس آمنون على أنفسهم وأهليهم وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل ، والسلاح موضوع ، والسبل مخلاة ، والغائب والشاهد من الفريقين سواء في الأمن ، وللحكمين أن ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق وأهل الشام ولا يحضرهما فيه إلا من أحبا ، عن ملأ منهما وتراض وإن المسلمين قد أجلوا القاضيين إلى انسلاخ رمضان ، فإن رأى الحكمان تعجيل الحكومة فيما وجها له عجلاها ، وإن أرادا تأخيرها بعد رمضان إلى انقضاء الموسم فإن ذلك إليهما ، فإن هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الأول في الحرب ، ولا شرط بين واحد من الفريقين .

---------------------------
(1) تكملة يقتضيها السياق .
(2) ح ( 1 : 191 ) : ( نحيى ما أحيا القرآن ونميت ما أماته ) .
(3) عبد الله بن قيس ، هو أبو موسى الأشعري .
(4) في الأصل : ( أنهم ) وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 480 _

  وعلى الأمة عهد الله وميثاقه على التمام ، والوفاء بما في هذا الكتاب ، وهم يد على من أراد فيه إلحادا وظلما ، أو حاول له نقضا ، وشهد بما في الكتاب من أصحاب علي (1) عبد الله بن عباس ، والأشعث بن قيس ، والأشتر مالك بن الحارث ، وسعيد بن قيس الهمداني ، والحصين والطفيل ابنا الحارث بن المطلب ، وأبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري (2) ، وخباب بن الأرت ، وسهل بن حنيف ، وأبو اليسر بن عمرو الأنصاري (3) ، ورفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري ، وعوف بن الحارث بن المطلب القرشي ، وبريدة الأسلمي (4) ، وعقبة بن عامر الجهني ، ورافع بن خديج الأنصاري ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، والحسن والحسين ابنا علي ، وعبد الله بن جعفر الهاشمي ، والنعمان بن عجلان الأنصاري ، وحجر بن عدي الكندي ، وورقاء بن مالك بن كعب الهمداني ، وربيعة بن شرحبيل ، وأبو صفرة ابن يزيد ، والحارث بن مالك الهمداني ، وحجر بن يزيد ، وعقبة بن حجية ، ( إلى هنا السقط ) ، ومن أصحاب معاوية حبيب بن مسلمة الفهري ، وأبو الأعور بن سفيان السلمي (5) ، وبسر بن أرطاة القرشي ، ومعاوية بن خديج الكندي ، والمخارق بن الحارث الحميري ، ورعبل بن عمرو السكسكي ، وعبد الرحمن ابن خالد المخزومي ، وحمزة بن مالك الهمداني ، وسبيع بن يزيد الهمداني ، ويزيد بن الحر الثقفي ، ومسروق بن حرملة العكي (6) ، ونمير بن يزيد الحميري ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلقمة بن يزيد الكلبي ، وخالد ابن المعرض السكسكي ، وعلقمة بن يزيد الجرمي ، وعبد الله بن عامر القرشي ، ومروان بن الحكم ، والوليد بن عقبة القرشي ، وعتبة بن أبي سفيان ، ومحمد بن أبي سفيان ، ومحمد بن عمرو بن العاص ، ويزيد بن عمر الجذامي ، وعمار ابن الأحوص الكلبي ، ومسعدة بن عمرو التجيبي ، والحارث بن زياد القيني ، وعاصم بن المنتشر الجذامي ، وعبد الرحمن بن ذي الكلاع الحميري ، والقباح بن جلهمة الحميري (7) ، وثمامة بن حوشب ، وعلقمة بن حكيم ، وحمزة بن مالك ، وإن بيننا على ما في هذه الصحيفة عهد الله وميثاقه ، وكتب عمر يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين .

---------------------------
(1) ح ( 1 : 192 ) : ( وشهد فيه من أصحاب علي عشرة ، ومن أصحاب معاوية عشرة ) ، وقد فصل الطبري في ( 6 : 130 ) فذكر هؤلاء العشرة وهؤلاء العشرة ، لكن ما في الأصل هنا يربى على هذا العدد كثيرا .
(2) هو أبو أسيد ، بهيئة التصغير ، مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي ، وكان معه راية بني ساعدة يوم الفتح ، اختلف في وفاته ما بين سنة ثلاثين إلى ثمانين ، انظر الإصابة 7622 ، وفي الأصل : ( ربيعة بن مالك ) تحريف .
(3) هو أبو اليسر ، بفتحتين ، الأنصاري ، واسمه كعب بن عمرو بن عباد ، شهد بدرا والمشاهد ، وهو الذي أسر العباس ، ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين ، الإصابة ( 7 : 218 ) ، وفي الأصل : ( أبو اليسير ) تحريف .
(4) هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج الأسلمي ، ينتمي إلى أسلم بن أفصي ، مات سنة ثلاث وستين ، الإصابة 629 ، وفي الأصل : ( السلمي ) تحريف .
(5) هو أبو الأعور عمرو بن سفيان بن عبد شمس ، وهو ممن قدم مصر مع مروان سنة خمس وستين ، انظر الإصابة 5846 .
(6) ذكره ابن حجر في الإصابة 7938 ولم يعرف اسم والده .
(7) لم أعثر له على ترجمة ، والمعروف في أعلامهم مما يقاربه ( القباع ) .

واقعة صفين _ 481 _

  قال نصر : وفي كتاب عمر بن سعد : ( هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ) ، فقال معاوية : بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته ، وقال عمرو : اكتب اسمه واسم أبيه ، إنما هو أميركم ، وأما أميرنا فلا ، فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه ، فقال الأحنف : لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك ، فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا ، لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضا ، فأبى مليا من النهار أن يمحوها ، ثم إن الأشعث بن قيس جاء فقال : امح هذا الإسم ، فقال علي : لا إله إلا الله والله أكبر ، سنة بسنة ، أما والله لعلى يدي دار هذا يوم الحديبية ، حين كتبت الكتاب عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) وسهيل بن عمرو ، فقال سهيل : لا أجيبك إلى كتاب تسمى ( فيه ) رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك ، إني إذا ظلمتك إن منعتك أن تطوف ببيت الله وأنت رسول الله ، ولكن اكتب : ( محمد بن عبد الله ) أجبك ، فقال محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا علي إني لرسول الله ، وإني لمحمد بن عبد الله ، ولن يمحو عني الرسالة كتابي إليهم من محمد بن عبد الله ، فاكتب : محمد بن عبد الله ) ، فراجعني المشركون في هذا (1) إلى مدة ، فاليوم أكتبها إلى أبنائهم كما كتبها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى آبائهم سنة ومثلا ، فقال عمرو بن العاص : سبحان الله ، ومثل هذا شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون ؟ فقال له علي : يا ابن النابغة ، ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا ، وهل تشبه إلا أمك التي وضعت بك (2) ، فقام عمرو فقال : والله لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم ، فقال علي : والله إني لأرجو أن يظهر الله عليك وعلى أصحابك ، قال : وجاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم فقالوا : يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت ، فقال لهم ابن حنيف : أيها الناس اتهموا رأيكم فوالله لقد كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي صالح عليه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن بريدة الأسلمي (3) ـ يعني ابن سفيان ـ عن محمد بن كعب القرظي ، عن علقمة بن قيس النخعي قال : لما كتب علي الصلح يوم صالح معاوية فدعا الأشتر ليكتب ، قال قائل : أكتب بينك وبين معاوية ، فقال (4) : إني والله لأنا كتبت الكتاب بيدي يوم الحديبية ، وكتبت ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، فقال سهيل : لا أرضى ، اكتب ( باسمك اللهم ) فكتب : ( هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ) ، فقال . لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، قال علي : فغضبت فقلت : بلى والله إنه لرسول الله وإن رغم أنفك ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( اكتب ما يأمرك ، إن لك مثلها ، ستعطيها وأنت مضطهد ) ، نصر ، عن عمر بن سعد قال : حدثني أبو إسحاق الشيباني قال : قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة ، في صحيفة صفراء عليها خاتمان خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها ، في خاتم علي : ( محمد رسول الله ) وفي خاتم معاوية : ( محمد رسول الله ) ، فقيل لعلي حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام : أتقر أنهم مؤمنون مسلمون ؟ فقال علي : ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون ، ولكن يكتب معاوية ما شاء ، ويقر بما شاء لنفسه وأصحابه ، ويسمى نفسه وأصحابه ما شاء ، فكتبوا : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، قاضى علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، وقاضي معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين : إنا ننزل عند حكم الله وكتابه ، والا يجمع بيننا إلا إياه ، وأن كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته : نحيى ما أحيا القرآن ، ونميت ما أمات القرآن .

---------------------------
(1) في الأصل : ( في عهد ) .
(2) هذه العبارة بعينها في الطبري ( 6 : 29 ) .
(3) هذا غير بريدة الأسلمي ، المترجم في ص 507 ، وقد ترجم لبريدة بن سفيان ، في تهذيب التهذيب .
(4) أي علي ( عليه السلام ) .

واقعة صفين _ 482 _

  فما وجد الحكمان في كتاب الله بيننا وبينكم فإنهما يتبعانه ، وما لم يجداه في كتاب الله أخذا بالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة ، والحكمان عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وأخذنا عليهما عهد الله وميثاقه ليقضيا بما وجدا في كتاب الله ، فإن لم يجدا في كتاب الله فالسنة الجامعة غير المفرقة ، وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين ـ مما هما عليه من أمر الناس بما يرضيان به من العهد والميثاق والثقة من الناس ـ أنهما آمنان على أموالهما وأهليهما ، والأمة لهما أنصار على الذي يقضيان به عليهما (1) ، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيها عهد الله أنا على ما في هذه الصحيفة ، ولنقومن عليه ، وإنا عليه لأنصار ، وإنها قد وجبت القضية بين المؤمنين بالأمن والإستقامة ووضع السلاح ، أينما ساروا ، على أنفسهم وأموالهم وأهليهم وأرضيهم ، وشاهدهم وغائبهم وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ليحكمان بين الأمة بالحق ، ولا يردانها في فرقة ولا بحرب حتى يقضيا ، وأجل القضية إلى شهر رمضان فإن أحبا أن يعجلا عجلا ، وإن توفى واحد من الحكمين فإن أمير شيعته يختار مكانه رجلا لا يألو عن المعدلة والقسط ، وإن ميعاد قضائهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الشام وأهل الكوفة ، فإن رضيا مكانا غيره فحيث رضيا لا يحضرهما فيه إلا من أرادا ، وأن يأخذ الحكمان من شاءا من الشهود ثم يكتبوا شهادتهم على ما في الصحيفة ، ونحن براء من حكم بغير ما أنزل الله ، اللهم إنا نستعينك على من ترك ما في هذه الصحيفة ، وأراد فيها إلحادا وظلما ، وشهد علي ما في الصحيفة عبد الله بن عباس ، والأشعث ابن قيس ، وسعيد بن قيس ، و ورقاء بن سمى (2) ، وعبد الله بن الطفيل ، وحجر ابن يزيد ، وعبد الله بن جمل ، وعقبة بن جارية ، ويزيد بن حجية ، وأبو الأعور السلمي ، وحبيب بن مسلمة ، والمخارق بن الحارث ، وزمل بن عمرو (3) ، وحمزة ابن مالك ، وعبد الرحمن بن خالد ، وسبيع بن يزيد (4) وعلقمة بن مرثد ، وعتبة ابن أبي سفيان ، ويزيد بن الحر ، وكتب عميرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين ، واتعد الحكمان أذرح (5) ، وأن يجيء على بأربعمائة من أصحابه ، ويجيء معاوية بأربعمائة من أصحابه فيشهدون الحكومة ، نصر ، عن عمر بن سعد ، قال أبو جناب (6) ، عن عمارة بن ربيعة الجرمي قال : لما كتبت الصحيفة دعى لها الأشتر فقال : لا صحبتني يميني ولا نفعتني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح ولا موادعة .

---------------------------
(1) في الأصل : ( عليه ) .
(2) الطبري ( 6 : 30 ) : ( ووفاء بن سمى ) .
(3) زمل ، بالكسر ، بن عمرو بن عنز العذري ، عقد له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لواء ، وشهد بهذا اللواء صفين مع معاوية ، وقتل بمرج راهط مع مروان سنة أربع وستين ، انظر الإصابة 2810 ، وفي الأصل : ( زامل ) تحريف ، صوابه في الإصابة والطبري .
(4) في الأصل : ( سمع بن زيد ) وأثبت ما في الطبري ( 6 : 30 ) .
(5) أذرح ، بضم الراء : بلد في أطراف الشام مجاور لأرض الحجاز .
(6) هو أبو جناب الكلبي ، كما في الطبري ( 6 : 30 ) وفي الأصل ( أبو خباب ) .

واقعة صفين _ 483 _

  أو لست على بينة من ربي ، ويقين من ضلالة عدوي ؟ ! أو لستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور ؟ ! فقال له رجل من الناس : إنك والله رأيت ظفرا ولا خورا ، هلم فأشهد على نفسك ، وأقرر بما كتب في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة بك عن الناس ، قال : بلى والله ، إن بي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا وفي الآخرة للآخرة ، ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا أحرم دما . فقال عمار بن ربيعة : فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم (1) ، وهو الأشعث بن قيس ، ثم قال : ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين ، ودخلت فيما دخل فيه ، وخرجت مما خرج منه ، فإنه لا يدخل إلا في هدى وصواب ، نصر ، عن عمر ، عن أبي جناب ، عن إسماعيل بن سميع (2) ، عن شقيق بن سلمة (3) وغيره ، أن الأشعث خرج في الناس بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ، ويعرضه عليهم ويمر به على صفوف أهل الشام وراياتهم فرضوا بذلك ، ثم مر به على صفوف أهل العراق وراياتهم يعرضه عليهم حتى مر برايات عنزة وكان مع علي من عنزة بصفين أربعة آلاف مجفف (4) ـ فلما مربهم الأشعث فقرأه عليهم قال فتيان منهم : لا حكم إلا لله ، ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما ( فقاتلا ) حتى قتلا على باب رواق معاوية ، وهما أول من حكم (5) واسماهما معدان وجعد ، أخوان ، ثم مر بها على مراد فقال صالح بن شقيق وكان من رؤسائهم :
مـا  لعلي في الدماء قد iiحكم      لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم
  لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ، ثم مر على رايات بني راسب فقرأها عليهم فقالوا : لا حكم إلا لله ، لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين الله ، ثم مر على رايات بني تميم (6) فقرأها عليهم فقال رجل منهم : لا حكم إلا لله ، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين ، فقال رجل منهم لآخر : أما هذا فقد طعن طعنة نافذة ، وخرج عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي فقال : أتحكمون الرجال في أمر الله ، لا حكم إلا لله ، فأين قتلانا يا أشعث ، ثم شد بسيفه ليضرب به الأشعث ، فأخطأه وضرب به عجز دابته ضربة خفيفة ، فاندفع به الدابة وصاح به الناس أن أمسك يدك ، فكف ورجع الأشعث إلى قومه ، فأتاه ناس كثير من أهل اليمن ، فمشى إليه الأحنف بن قيس ، ومعقل بن قيس ، ومسعر بن فدكي ، ورجال من بني تميم ، فتنصلوا إليه واعتذروا ، فقبل منهم الأشعث فتركهم وانطلق إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام وأهل العراق ، فقالوا جميعا : قد رضينا ، حتى مررت برايات بني راسب ونبذ من الناس سواهم (7) ، فقالوا : لا نرضى ، لا حكم إلا لله ، فلنحمل بأهل العراق وأهل الشام عليهم فنقتلهم ، فقال علي : هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس ؟ قال : بلى (8) ، قال : دعهم ، قال : فظن علي ( عليه السلام ) أنهم قليلون لا يعبأ بهم ، فما راعه إلا نداء الناس من كل جهة وفي كل ناحية : لا حكم إلا لله ، الحكم لله يا علي لا لك ، لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله .

---------------------------
(1) القصع : الضرب والدلك ، والحمم : الرماد والفحم وكل ما احترق من النار ، واحدته حمة ، وفي ح ( 1 : 192 ) : ( الحميم ) ، وما أثبت من الأصل يطابق ما في الطبري .
(2) ح : ( شفيع ) .
(3) ح : ( سفيان بن سلمة ) .
(4) المجفف : لابس التجفاف ، وأصله ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراحة .
(5) في اللسان : ( والخوارج يسمون المحكمة ، لإنكارهم أمر الحكمين وقولهم لا حكم إلا لله ) .
(6) ح ( 1 : 192 ) : ( رايات تميم ) .
(7) النبذ ، بالفتح : الشئ القليل ، وجمعه أنباذ .
(8) في الأصل وح ( 1 : 193 ) : ( لا ) .

واقعة صفين _ 484 _

  إن الله قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه ، أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم (1) ، وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين ، فرجعنا وتبنا ، فارجع أنت يا علي كما رجعنا ، وتب إلى الله كما تبنا ، وإلا برئنا منك ، فقال علي : ويحكم ، أبعد الرضا ( والميثاق ) العهد نرجع ، أو ليس الله الله تعالى قال : أوفوا بالعقود (2) ، وقال : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ) ، فأبى على أن يرجع ، وأبت الخوارج إلا تضليل التحكيم والطعن فيه ، وبرئت من علي ( عليه السلام ) ، وبرئ منهم ، وقام خطيب أهل الشام حمل بن مالك بين الصفين فقال : أنشدكم الله يا أهل العراق إلا أخبرتمونا لم فارقتمونا ؟ قالوا : فارقناكم لأن الله ( عز وجل ) أحل البراءة ممن حكم بغير ما أنزل الله ، فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله ، وقد أحل عداوته وأحل دمه إن لم يرجع إلى التوبة ويبؤ بالدين (3) ، وزعمتم أنتم خلاف حكم الله فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله وقد أمر الله بعداوته ، وحرمتم دمه وقد أمر الله بسفكه ، فعاديناكم لأنكم حرمتم ما أحل الله ، وحللتم ما حرم الله ، وعطلتم أحكام الله واتبعتم هواكم بغير هدى من الله ، قال الشامي حمل بن مالك (4) : قتلتم أخانا وخليفتنا ونحن غيب عنه ، بعد أن استتبتموه فتاب ، فعجلتم عليه فقتلتموه ، فنذكركم الله لما أنصفتم الغائب (5) المتهم لكم ، فإن قتله لو كان عن ملأ من الناس ومشورة كما كانت إمرته ، لم يحل لنا الطلب بدمه ، وإن أطيب التوبة والخير في العاقبة أن يعرف من لا حجة له الحجة عليه وذلك أقطع للبغي ، وأقرب للمناصحة ، وقد رضينا أن تعرضوا ذنوبه على كتاب الله أولها وآخرها ، فإن أحل الكتاب دمه برئنا منه وممن تولاه ومن يطلب دمه ، وكنتم قد أجرتم في أول يوم وآخره ، وإن كان كتاب الله يمنع دمه ويحرمه تبتم إلى الله ربكم ، وأعطيتم الحق من أنفسكم في سفك دم بغير حله بعقل أو قود ، أو براءة ممن فعل ذلك وهو ظالم ، ونحن قوم نقرأ القرآن وليس يخفى علينا منه شئ ، فأفهمونا الأمر الذي استحللتم عليه دماءنا ، قالوا : نعم ، قد بعثنا منا رجلا ومنكم رجلا يقرآن القرآن كله ويتدارسان ما فيه ، وينزلان عند حكمه علينا وعليكم ، وإنا قد بعثنا منا من هو عندنا مثل أنفسنا ، وجعلنا لهما أن ينتهيا إليه ، وأن يكون أمرهما على تؤدة ، ونسأل عما يجتمعان عليه وما يتفرقان عنه ، فإنما فارقناكم في تفسيره ولم نفارقكم في تنزيله ، ونحن وأنتم نشهد أنه من عند الله ، فإنما نريد أن نسأل عنه مما تفسرون ، مما جهلنا (6) نحن تفسيره ، فنسأل عنه أهل العلم (7) منا ومنكم ، فأعطيناكم على هذا الأمر ما سألتم من شأن الحكمين ، وإنما بعثا ليحكما بكتاب الله ، يحييان ما أحيا الكتاب ويميتان ما أمات الكتاب ، فأما ما لم يجدا في الكتاب فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة ، ولم يبعثا ليحكما بغير الكتاب ، ولو أرادا اللبس على أمة محمد لبرئت منهما الذمة (8) وليس لهما على أمة محمد حكم ، فلما سمع المسلمون قولهم علموا أن على كل مخاصم إنصاف خصيمه وقبول الحق منه وإن كان قد منعه فقاتل عليه ، لأنهم إلى الحق دعوا أول يوم ، وبه عملوا يقينا غير شك ، ومن الباطل استعتبوا ، وعلى عماية قتلوا من قتلوا ، ونظر القوم في أمرهم ، وشاوروا قائدهم ، وقالوا :

---------------------------
(1) ح : ( تحت حكمنا عليهم ) .
(2) من الآية الأولى في سورة المائدة ، وفي الأصل : ( بالعهود ) تحريف .
(3) يبوء : يقر ويعترف ، وفي الأصل : ( ويبوء بالدين ) .
(4) في الأصل : ( حمزة بن مالك ) .
(5) لما ، هنا ، بمعنى إلا ، كما في قول الله : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) .
(6) في الأصل : ( ما جعلنا ) .
(7) في الأصل : ( السلم ) .
(8) في الأصل : ( فبرئت منهما الذمة ) .

واقعة صفين _ 485 _

  قد قبلنا من عثمان بن عفان حين دعى إلى الله والتوبة من بغيه وظلمه ، وقد كان منا عنه كف حين أعطانا أنه تائب حتى جرى علينا حكمه بعد تعريفه ذنوبه ، فلما لم يتم التوبة وخالف بفعله عن توبته قلنا اعتزلنا ونولي أمير المؤمنين رجلا يكفيك ويكفينا ، فإنه لا يحل لنا أن نولي أمر المؤمنين رجلا نتهمه في دمائنا وأموالنا ، فأبى ذلك وأصر ، فلما أن رأينا ذلك منه قتلناه ومن تولاه بعد قتلنا إياه ، وهم يعرضون كتاب الله بيننا وبينهم ، ويسألونا حجتنا عليهم ، وإنما هم صادقون أو كاذبون في نيتهم ، وليس لنا عذر في إنصافهم والموادعة والكف عنهم حتى يرجعوا بتوبة أو مناصحة بعد أن نقررهم ونعرفهم ظلمهم وبغيهم ، أو يصروا فيغلبنا عليهم ما غلبنا على قائدهم فنقتلهم ، فإنما نطلب الحجة بعد العذر ، ولا عذر إلا ببينة ، ولا بينة إلا بقرآن أو سنة (1) ، وهم خلطاء في الدين ، ومقرون بالكتاب والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ليسوا بمنزلة أحد ممن حارب المسلمين ، أهل بغى أمر الله أن يقاتلوا حتى يفيئوا من بغيهم إلى أمر الله ، وبرئوا ببغيهم من الإيمان ، قال الله (عز وجل ) على لسان نبيه داود : ( وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) ، هؤلاء منافقون ، لأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف وقتالهم عليه ، ولا تباعهم ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ، بذلك تفنى حسناتهم ، وذلك أنه كانت لهم حسنات لم تنفعهم حين عاداهم ، فقبل أمير المؤمنين مناصفتهم في المنازعة عند الحكمين بالدين بأن يحكم بكتاب الله ويرد المحق والمبطل إلى أمره ، و ما (2) يرضى به ، وفيما نزل بهم أمر ليس فيه قرآن يعرفونه فالسنة الجامعة العادلة غير المفرقة ، فلم يكن يسع أحدا من الفريقين ترك كتاب الله والسنة بعد قول الله عزوجل في صفة عدوه ومن يرغب عن كتابه وهو مقر بتنزيله ، حامل لميثاقه : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ) ، وقال الله تعالى يعيرهم بذلك : ( أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون ) ، وما أولئك بالمؤمنين ، إنهم لو كانوا مؤمنين رضوا بكتابي ورسولي ، ثم أنزل : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ) ، يعني أنهم أصابوا حقائق الإيمان والصلح ، فلم يسع عليا أمير المؤمنين إلا الكف بعد توكيدهم الميثاق ، وضربهم الأجل ، والرضا بأن يحكم بينهم رجلان بكتاب الله ـ فيما تنازع فيه عباد الله ـ بما أنزل الله وسنة رسوله ، ليبلغ الشاهد الغائب منهم سبيل المحق من المبطل ، ألا يغير بمؤمن غائب برضا غوى (3) أو عم (4) غير مهتد ، فيسمى أمير المؤمنين من كل باسمه حتى يقره الكتاب (5) على منزلته ، قال : فنادت الخوارج أيضا في كل ناحية : لا حكم إلا الله ، لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله ، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم ، وقد كانت منا خطيئة وزلة حين رضينا بالحكمين ، وقد تبنا إلى ربنا ورجعنا عن ذلك ، فارجع كما رجعنا ، وإلا فنحن منك براء ، فقال علي : ويحكم ، بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع ؟ أو ليس الله يقول : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ) ، فبرئوا من علي وشهدوا عليه بالشرك ، وبرئ علي منهم .

---------------------------
(1) في الأصل : ( وسنة ) .
(2) ليست في الأصل .
(3) كذا وردت هذه العبارة .
(4) في الأصل : ( عمى ) .
(5) في الأصل : ( يفرده الكتاب ) .

واقعة صفين _ 486 _

  نصر ، عن عمر بن سعد قال : حدثني أبو عبد الله يزيد الأودي أن رجلا منهم كان يقال له عمرو بن أوس ، قاتل مع علي يوم صفين وأسره معاوية في أسرى كثيرة ، فقال له عمرو بن العاص : اقتلهم ، قال عمرو بن أوس لمعاوية : إنك خالي فلا تقتلني ، فقامت إليه بنو أود (1) فقالوا : هب لنا أخانا ، فقال : دعوه فلعمري لئن كان صادقا ليستغنين عن شفاعتكم ، وإن كان كاذبا فإن شفاعتكم لمن ورائه ، فقال له معاوية : من أين أنا خالك ؟ فما بيننا وبين أود من مصاهرة ، فقال : فإذا أخبرتك فعرفت فهو أماني عندك ؟ قال : نعم ، قال : ألست تعلم أن أم حبيبة (2) ابنة أبي سفيان زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هي أم المؤمنين ؟ قال : بلى ، قال : فأنا ابنها وأنت أخوها ، فأنت خالي ، فقال معاوية : ما له لله أبوه ، ما كان (3) في هؤلاء الأسرى أحد يفصن لها غيره ، وقال : خلوا سبيله ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن الشعبي قال : أسر علي أسرى يوم صفين ، فخلى سبيلهم فأتوا معاوية ، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية : اقتلهم ، فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم علي فقال معاوية : يا عمرو ، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر ، ألا تراه (4) قد خلى سبيل أسرانا ، فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي ، وكان علي إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله ، إلا أن يكون قد قتل أحدا من أصحابه فيقتله به ، فإذا خلى سبيله فإن عاد الثانية قتله ولم يخل سبيله ، وكان علي لا يجهز على الجرحى (5) ولا علي من أدبر بصفين ، لمكان معاوية ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة (6) قال : أتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين بعد الصحيفة ، ووجهه مضروب بالسيف ، فلما نظر إليه علي قال : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) ، فأنت ممن ينتظر وممن لم يبدل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة أبدا ، أما والله لقد مشيت في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأول فما وجدت أحدا عنده خير إلا قليلا ، وقام إلى علي محرز بن جريش (7) بن ضليع فقال : يا أمير المؤمنين ، ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل ، فو الله إني لأخاف أن يورث ذلا ، فقال علي : أبعد أن كتبناه ننقضه (8) ، إن هذا لا يحل ، وكان محرز يدعى ( مخضخضا ) وذاك أنه أخذ عنزة بصفين (9) ، وأخذ معه إداوة من ماء ، فإذا وجد رجلا من أصحاب علي جريحا سقاه من الماء ، وإذا وجد رجلا من أصحاب معاوية خضخضه بالعنزة حتى يقتله .

---------------------------
(1) أود ، بالفتح ، وهم من بني معن بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان .
(2) أم حبيبة كنية لها ، واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ، وقيل بل اسمها هند ، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، وقد تزوجها رسول الله وهي في الحبشة ، زوجه إياها سعيد بن العاص ، وأصدقها النجاشي عن رسول الله أربعمائة ، دينار ، وعمل النجاشي لذلك طعاما ، وقد دخل بها الرسول قبل إسلام أبيها ، وماتت بالمدينة سنة 44 ، انظر الإصابة ( قسم النساء ) والروض الأنف ( 2 : 368 ) ، وفي الأصل : ( أن حبيبة ) صوابه ( أن أم حبيبة ) .
(3) ح ( 1 : 193 ) : ( أما كان ) .
(4) في الأصل : ( ألا ترى ) .
(5) أجهز على الجريح : أسرع قتله ، وفي اللسان : ( ومنه حديث علي ( عليه السلام ) : ( لا يجهز علي جريحهم ) ، وفي الأصل : ( لا يجبر ) تحريف .
(6) عون بن أبي جحيفة ، بتقديم الجيم وبهيئة التصغير ، السوائي ، بضم السين ، الكوفي ، ثقة من الرابعة ، مات سنه 116 ، تقريب التهذيب .
(7) ح ( 1 : 193 ) : ( محمد بن جريش ) .
(8) في الأصل : أما بعد بإقحام ( ما ) ، صوابه في ح .
(9) العنزة ، بالتحريك : رميح صغير .

واقعة صفين _ 487 _

   نصر ، عن عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن أبي الوداك قال : لما تداعى الناس إلى الصلح بعد رفع المصاحف ـ قال ـ قال علي : إنما فعلت ما فعلت لما بدا فيكم الخور والفشل ـ هما الضعف ـ فجمع سعيد بن قيس قومه ، ثم جاء في رجراجة (1) من همدان كأنها ركن حصير (2) ـ يعني جبلا باليمن ـ فيهم عبد الرحمن (3) ، غلام له ذؤابة ، فقال سعيد : هأنذا وقومي ، لا نرادك ولا نرد عليك (4) ، فمرنا بما شئت ، قال : أما لو كان هذا قبل رفع المصاحف (5) لأزلتهم عن عسكرهم أو تنفرد سالفتي قبل ذلك ، ولكن انصرفوا راشدين ، فلعمري ما كنت لأعرض قبيلة واحدة للناس ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن إسحاق بن يزيد ، عن الشعبي ، أن عليا قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح : إن هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا إلى الحق (6) ، ولا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر ، وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب ، وحتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس ، وحتى يدعوا الخيل في نواحي أرضهم وبأحناء مساربهم ومسارحهم ، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج ، وحتى يلقاهم قوم صدق صبر ، لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله ، وحرصا على لقاء الله ، ولقد كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على أمض الألم ، وجدا على جهاد العدو ، والاستقلال بمبارزة الأقران ، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين ، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقى صاحبه كأس المنون ، فمرة لنا من عدونا ، ومرة لعدونا منا ، فلما رآنا الله صبرا صدقا أنزل الله بعدونا الكبت ، وأنزل علينا النصر ، ولعمري لو كنا نأتي مثل الذين أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام ، وايم الله لتحلبنها دما ، فاحفظوا ما أقول لكم ـ يعني الخوارج ، نصر ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج قال : قيل لعلي لما كتبت الصحيفة إن الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة ، ولا يرى إلا قتال القوم ، فقال علي : بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت ، وقد رضيت ورضيتم ، ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ، ولا التبديل بعد الإقرار ، إلا أن يعصي الله ويتعدى ما في كتابه ، وأما الذي ذكرتم من تركه أمرى وما أنا عليه فليس من أولئك ، وليس أتخوفه على ذلك (7) ، وليت فيكم مثله اثنين ، بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوه مثل رأيه ، إذن لخفت على مؤونتكم ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم ، وأما القضية فقد استوثقنا لكم فيها ، فقد طمعت ألا تضلوا إن شاء الله رب العالمين ، وكان الكتاب في صفر ، والأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر يلتقى الحكمان ، ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم يدفنونهم ، قال : وكان عمر بن الخطاب دعا حابس بن سعد الطائي فقال له : إني أريد أن أوليك قضاء حمص فكيف أنت صانع ، قال : أجتهد رأيي ، وأستشير جلسائي ، فانطلق فلم يمض إلا يسيرا حتى رجع فقال : يا أمير المؤمنين ، إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك ، قال : هاتها .

---------------------------
(1) كلمة : ( في ) ليست في الأصل .
(2) حصير : حصن باليمن من أبنية ملوكهم القدماء ، عن ياقوت ، وفي الأصل وح : ( حصين ) تحريف .
(3) هو عبد الرحمن بن سعيد بن قيس ، كما في ح .
(4) بدلهما في ح : ( لا نرد أمرك ) .
(5) بدلها في ح : ( قبل سطر الصحيفة ) أي كتابتها .
(6) ح : ( لينيبوا إلى الحق ) وهما بمعنى .
(7) ح : ( ولا أعرفه على ذلك ) .

واقعة صفين _ 488 _

  قال : رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق ومعها جمع عظيم ، وكأن القمر أقبل من المغرب ومعه جمع عظيم ، فقال له عمر : مع أيهما كنت ؟ قال : كنت مع القمر ، قال عمر : كنت مع الآية الممحوة ، فاذهب لا والله لا تعمل لي عملا ، فرده فشهد مع معاوية صفين وكانت راية طيئ (1) معه ، فقتل يومئذ فمر به عدي بن حاتم ، ومعه ابنه زيد بن عدي فرآه قتيلا فقال : يا أبه ، هذا والله خالي ، قال : نعم ، لعن الله خالك فبئس والله المصرع مصرعه ، فوقف زيد فقال : من قتل هذا الرجل ـ مرارا ـ فخرج إليه رجل من بكر بن وائل طوال يخضب ، فقال : أنا والله قتلته ، قال له : كيف صنعت به (2) ، فجعل يخبره ، فطعنه زيد بالرمح فقتله ، وذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، فحمل عليه عدي يسبه ويسب أمه ويقول : يا ابن المائقة ، لست على دين محمد إن لم أدفعك إليهم ، فضرب ( زيد ) فرسه فلحق بمعاوية ، فأكرمه معاوية وحمله وأدنى مجلسه ، فرفع عدي يديه فدعا عليه فقال : اللهم إن زيدا قد فارق المسلمين ، ولحق بالمحلين (3) اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوى (4) ـ أو قال : لا يخطئ ـ فإن رميتك لا تنمي (5) ، لا والله لا أكلمه من رأسي (6) كلمة أبدا ، ولا يظلني وإياه سقف بيت أبدا . قال وقال زيد في قتل البكري :
من مبلغ أبناء طي بأنني      ثأرت  بخالي ثم لم iiأتأثم
  والإصماء : أن ترميه فتقتله على المكان بعينه قبل أن يغيب عنه ، وفي حديث ابن عباس : ( كل ما أصميت ودع ما أنميت ) وفي قول امرئ القيس :
فــهــو لا تـنـمـى iiرمـيـتـه      مــالـه  لا عــد مــن iiنـفـره
تـركت أخـا بـكر يـنوء iiبـصدره      بصفين مخضوب  (7)  الجيوب من الدم
وذكـرنـي  ثــأري غـداة iiرأيـته      فـأوجرته رمـحي فـخر عـلى iiالفم
لـقد  غـادرت أرمـاح بكر بن iiوائل      قـتيلا عـن الأهـوال لـيس iiبمحجم
قـتيلا  يـظل الـحي يـثنون iiبـعده      عـلـيه  بـأيـد مـن نـداه iiوأنـعم
لـقـد فـجعت طـي بـحلم iiونـائل      وصـاحب  غـارات ونـهب iiمـقسم
لـقد  كـان خـالي لـيس خال iiكمثله      دفـاعا لـضيم واحـتمالا لمغرم  (8)
  قال : ولما لحق زيد بن عدي بمعاوية تكلم رجال من أهل العراق في عدي بن حاتم ، وطعنوا في أمره ، وكان عدي سيد الناس مع علي في نصيحته وغنائه ، فقام إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، أما عصم الله رسوله من حديث النفس والوساوس وأماني الشيطان بالوحي ؟ وليس هذا لأحد بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد أنزل في عائشة وأهل الإفك ، والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خير منك ، وعائشة يومئذ خير مني ، وقد قربني زيد للظن وعرضني للتهمة ، غير أني إذا ذكرت مكانك من الله ومكاني منك ارتفع حناني (9) ، وطال نفسي ، ووالله أن لو وجذت زيدا لقتلته ، ولو هلك ما حزنت عليه ، فأثنى عليه علي خيرا ، وقال عدي في ذلك :
يـا  زيـد قد عصبتني iiبمصابة      ومـا كنت للثوب المدنس iiلابسا
فليتك لم تخلق وكنت كمن مضى      ولـيتك إذ لم تمض لم تر iiحابسا
ألا زاد أعـداء وعـق ابن حاتم      أبـاه  وأمـسى بالفريقين iiناكسا
وحامت  عليه مذحج دون iiمذحج      وأصبحت  للأعداء ساقا iiممارسا

---------------------------
(1) في الأصل : ( راية علي ) صوابه في ح ( 1 : 194 ) .
(2) في الأصل : ( له ) وأثبت ما في ح .
(3) ح : ( بالملحدين ) .
(4) أشوى : رمى فأصاب الشوى ـ وهي الأطراف ـ ولم يصب المقتل .
(5) الإنماء : أن ترمى الصيد فيغيب عنك فيموت ، وفي الأصل : ( لا تمنى ) تحريف ، وهذه العبارة ليست في ح .
(6) في الأصل : ( رأس ) صوابه في ح ( 1 : 194 ) .
(7) ح ( 1 : 195 ) : ( مخضوب الجبين ) .
(8) المغرم : ما يلزم أداؤه من حمالة وغيرها ، وفي الأصل : ( لمعدم ) صوابه في ح .
(9) أراد ذهب حناني . وفي الأصل : ( أرانسع حناني ) .

واقعة صفين _ 489 _

نـكصت على العقبين يا زيد iiردة      وأصبحت قد جدعت منا المعاطسا
قـتلت امـرأ من آل بكر بحابس      فـأصبحت  مـما كنت آمل iiآيسا
  نصر عن عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي قال : حدثني نويرة بن خالد الحارثي ، أن ابن عمه النجاشي قال في وقعة صفين ـ رواه نصر قال : رواه أيضا عن عمر بن سعد بإسناده ـ :
ونـجى ابن حرب سابح ذو iiعلالة      أجـش هـزيم والـرماح دوانـي
سليم  الشظاعبل الشوى شنج iiالنسا      أقـب  الـحشا مـستطلع iiالرديان
إذا قلت أطراف العوالي ينلنه  (1)       مـرته  بـه الـساقان iiوالـقدمان
حـسبتم طـعان الاشعرين ومذحج      وهمدان أكل الزبد بالصرفان  (2)
فـما قـتلت عـك ولـخم iiوحمير      وعـيلان إلا يـوم حـرب iiعوان
ومـا  دفـنت قتلى قريش iiوعامر      بـصفين حـتى حـكم iiالـحكمان
غـشيناهم  يـوم الـهرير بعصبة      يـمانية  كالسيل سيل عران  (3)
أجـش هـزيم مـقبل مـدبر iiمعا      كـتيس ظـباء الـحلب الـغذوان
  وروى ابن الشجري في حماسته ص 33 قبل الأبيات :

---------------------------
(1) في كتاب الخيل لأبي عبيدة ص 162 : ( تناله ) ، وبعض أبيات هذه القصيدة فيه ، وهي على هذا الترتيب : 1 ، 3 ، 2 ، 30 ثم بيتان آخران ، وهما :
(2) الصرفان ، بالتحريك : ضرب من التمر أخمر مثل البرني إلا أنه صلب الممضغة علك ، لواحدة صرفانة ، وفي الاصل : ( حسبت ) صوابه من اللسان ( صرف ) ، وفي حماسة ابن الشجري : ( أخلتم ) ، ونحوه قول عمران الكلي :
(3) عران ، بالكسر : موضع قرب اليمامة .

واقعة صفين _ 490 _

أيـا  راكـبا إما عرضت iiفبلغن      تـميما وهـذا الحي من iiغطفان
فـما لـكم لـو لم تكونوا فخرتم      بـإدراك  مـسعاة الـكرام iiيدان
وكـنتم كذي رجلين رجل iiسوية      ورجـل بـها ريب من iiالحدثان
فـأما الـتي شـلت فأزد iiشنوءة      وأمـا  الثي صحت فأزاد iiعمان
أكـنتم حـسبتم ضربنا iiوجلادنا      على الحجر أكل الزيد iiبالصرفان
فأصبح  أهل الشام قد رفعوا القنا      عـليها كـتاب الله خـير iiقران
ونادوا  : عليا ، يا ابن عم iiمحمد      أمـا تـتقى أن يـهلك الـثقلان
فـمن  لـلذراري بعدها iiونسائنا      ومـن  لـلحريم أيـها iiالـفتيان
أبكي عبيدا إذ ينوء بصدره  (1)       غـداة الوغى يوم التقى iiالجبلان
وبـتنا  نبكي ذا الكلاع iiوحوشبا      إذا ما أني أن يذكر القمران  (2)
ومالك واللجلاج والصخر iiوالفتى      محمد  قد ذلت له الصدفان  (3)
فـلا  تـبعدوا لـقاكم الله iiحبرة      وبشركم  من نصره بجنان  (4)
وما زال من همدان خيل iiتدوسهم      سـمان وأخـرى غير جد سمان
فـقاموا ثـلاثا يأكل الطير iiمنهم      على  غير نصف والأنوف دوان
ومـا ظن أولاد الإماء بنو iiاستها      بـكل فـتى رخـو النجاد iiيمان
فـمن  يـر خـيلينا غداة iiتلاقيا      يقل  جبلا جيلان ينتطحان  (5)
كـأنهما نار ان في جوف iiغمرة      بـلا حـطب حد الضحى iiتقدان
وعـارضة بـراقة صـوبها iiدم      تـكشف  عـن برق لها iiالافقان
تجود إذا جادت وتجلو إذا انجلت      بلبس  ولا يحما لها كربان  (6)
قـتلنا  وأبـقينا وما كل ما iiترى      بـكف  الـمذرى يأكل iiالرحيان
وفـرت ثـقيف فرق الله iiجمعها      إلـى  جـبل الزيتون iiوالقطران
كـأني  أراهـم يطرحون iiثيابهم      مـن الروع ، والخيلان iiيطردان
---------------------------
(1) في الاصل : ( أبعد عبيد الله ينوء ) ، والوزن والمعنى فاسدان .
(2) أني : حان وقته ، وفي الاصل : ( إذا ما أشا ) .
(3) الصدفان ، بضمتين : ناحيتا الشعب أو الوادي ، ويقال لجانبي الجبل إذا تحاذيا صدفان وصدفان ، بضمتين وبفتحتين .
(4) الحبرة ، بالفتح : السرور ، وفي الاصل : ( خيره ) .
(5) جيلان : قرى من وراء طبرستان في مروج بين جبال .
(6) كذا ورد هذا الشطر .

واقعة صفين _ 491 _

فـيا  حـزنا ألا أكـون iiشهدتهم      فأدهن من شحم العبيد سناني  (1)
وأمـا بـنو نـصر ففر شريدهم      إلـى  الصلتان الخور iiوالعجلان
  وفرت تميم سعدهــا وربابهــا إلى حيث يضفــو الحمض والشبهـان (2) :
فأضحى ضحى من ذي صباح كأنه      وإيـاه  رامـا حـفرة قـلقان  (3)
إذا  ابـتل بـالماء الـحميم iiرأيته      كقادمة  الشؤبوب ذي النفيان  (4)
كـأن  جـنابي سـرجه iiولـجامه      إذا ابـتل ثوبا ماتح خضلان  (5)
جـزاه  بـنعمى كـان قـدمها iiله      وكـان  لـدى الاسطبل غير مهان
  فرد عليه ابن مقبل العامري :
تـأمل  خليلي هل ترى من iiظعائن      تـحملن  بـالجرعاء فـوق iiظعان
عـلى كـل حـياد الـيدين iiمشهر      يـمـد بـذفـرى درة iiوجــران
فـصبحن مـن ماء الوحيدين iiنقرة      بـميزان رعم إذ بدا ضدوان  (6)
فـأصبح  مـن ماء الوحيدين iiفقره      بـميزان زعـم قـد بـدا iiضدوان
وأصبحن لم يبركن في ليلة iiالسرى      مـن السوق إلا عقبة الدبران  (7)
وعرسن والشعري تغور  (8)  كأنها      شـهاب غـضا يرمى به iiالرجوان
فـهل  يـبلغني أهـل دهماء iiحرة      وأعـيس نضاح القفا مرجان  (9)
---------------------------
(1) في الأصل : ( من شحم الثمار ) وأثبت ما في حماسة ابن الشجري .
(2) يضفو : يكثر ويطول ، وفي الأصل : ( يصفو ) ، والشبهان : ضرب من العضاه ، وفي البيت إقواء .
(3) ذو صباح ، بضم الصاد : موضع ، والرام : ضرب من الشجر .
(4) الشؤبوب : الدفعة من المطر ، ونفيان السيل : ما فاض من مجتمعه ، وفي الأصل : ( كقادمتي الشؤبوب ذي نفيان ) .
(5) الماتح : المستقى من البئر ، وفي الأصل : ( ثوبا أنجد ) ولا وجه له ، وأثبت ما في كتاب الخيل لابي عبيدة ص 162 .
(6) الوحيدان : ماءان في بلاد قيس ، والنقرة : الموضع يجتمع فيه الماء ، ورعم ، بالفتح : اسم جبل في ديار بجيلة ، بميزانه ، أي بما يوازنه ، كما فسر ياقوت في ( رعم ) ، وضدوان : جبلان ، وقد ورد البيت محرفا : وصوابه من معجم البلدان ( رعم ، ضدوان ، الوحيدان ) .
(7) الدبران : نجم من منازل القمر ، وعقبته : نزول القمر به في كل شهر مرة .
(8) في الأصل : ( في الشعري ) .
(9) دهماء : موضع في بلاد مزينة من نواحي المدينة ، يقال له دهماء مرضوض ، حرة ، عنى بها الناقة الكريمة ، والأعيس : ما فيه أدمة من الإبل ، والأنثى عيساء ، وفي الأصل : ( أغبس ) تحريف ، وفي الأصل أيضا : ( نضاح القرى ) ولا وجه له ، أراد أنه ينضح ذفراه بالعرق ، والذفري من القفا هو الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن ، والمرج ، بالتحريك : الذي يخلى في المرعى يذهب حيث شاء .

واقعة صفين _ 492 _

  مقدم علي من صفين إلى الكوفة نصر ، عن عمر ، عن عبد الرحمن بن جندب قال : لما أقبل علي من صفين أقبلنا معه ، فأخذ طريقا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه ، فقال علي : ( آئبون عائدون ، لربنا حامدون ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في المال والأهل ( قال : ثم أخذ بنا طريق البر على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى هيت وأخذنا علي صندودا (1) فخرج الأنماريون بنو سعيد ابن حزيم (2) واستقبلوا عليا فعرضوا عليه النزل فلم يقبل ، فبات بها ، ثم غدا وأقبلنا معه حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت علي وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه علي ونحن معه حتى سلم عليه وسلمنا عليه ، قال : فرد ردا حسنا ظننا أن قد عرفه ، فقال له علي : مالي أرى وجهك منكفتا (3) ، أمن مرض ؟ قال : نعم ، قال : فلعلك كرهته ، فقال : ما أحب أنه بغيري (4) ، قال : أليس احتسابا للخير (5) فيما أصابك منه ؟ قال : بلى ، قال : أبشر برحمة ربك وغفران ذنبك ، من أنت يا عبد الله ؟ قال : بلى ، قال : أنا صالح بن سليم ، قال : ممن أنت ؟ قال : أما الأصل فمن سلامان بن طي ، وأما الجوار والدعوة فمن بني سليم بن منصور ، قال : سبحان الله ، ما أحسن اسمك واسم أبيك ادعيائك (6) واسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا والله ما شهدتها ، ولقد أردتها ، ولكن ما ترى بي من لحب الحمى (7) خذلني عنها قال علي : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ) ، أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك وبينهم ، وأولئك أغشاء (8) الناس ، ومنهم المكبوت الآسف لما كان من ذلك ، وأولئك نصحاء الناس لك ، فذهب لينصرف فقال : صدقت ، جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك ، فإن المرض لا أجر فيه ، ولكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه ، إنما الأجر في القول باللسان ، والعمل باليد والرجل ، وإن الله عزوجل يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة عالما جما (9) من عباده الجنة ، ثم مضى غير بعيد فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري ، فدنا منه وسأله فقال : ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا ؟ قال : منهم المعجب به ، ومنهم الكاره له ، والناس كما قال الله تعالى : ( ولا يزالون مختلفين ) ، فقال له : فما يقول ذوو الرأي ؟ قال : يقولون : إن عليا كان له جمع عظيم ففرقه ، وحصن حصين فهدمه ، فحتى متى يبني مثل ما قد هدم ، وحتى متى يجمع مثل ما قد فرق ، فلو أنه كان مضى بمن أطاعه إذا عصاه من عصاه ، فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك ، إذن كان ذلك هو الحزم .

---------------------------
(1) صندوداء ، ضبطت في معجم ياقوت بفتح الصاد وسكون النون وفتح الدل ، مع المد ، وهي بلدة في الطريق ما بين الشام والعراق .
(2) كذا ، وفي الطبري ( 6 : 33 ) : ( الأنصاريون بنو سعد بن حرام ) .
(3) الطبري : ( منكفئا ) وهما بمعنى ، أي متغيرا .
(4) في الأصل : ( يعترى ) صوابه من الطبري .
(5) في الأصل : ( احتساب بالخير ) صوابه من الطبري .
(6) أصل الدعى المنسوب إلى غير أبيه ، وأراد بالأدعياء الأحلاف ، من الدعوة وهي الحلف ، يقال دعوة فلان في بني فلان ، وفي الأصل : ( أعدادك ) صوابه من الطبري .
(7) لحب الحمى : إنحالها الجسم ، ويقال لحب الرجل ، بالكسر ، إذا أنحله الكبر .
(8 ) في الأصل : ( أغنياء الناس ) صوابه من الطبري ، وهو في مقابل النصحاء .
(9) هذه التكملة من الطبري (6 : 34) .

واقعة صفين _ 493 _

  فقال علي : أنا هدمت أم هم هدموا ، أم أنا فرقت أم هم فرقوا (1) ؟ وأما قولهم لو أنه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك ، إذن كان ذلك هو الحزم فو الله ما غبى عني ذلك الرأي (2) ، وإن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا (3) ، طيب النفس بالموت ، ولقد هممت بالإقدام على القوم (4) ، فنظرت إلى هذين قد ابتدراني ـ يعني الحسن والحسين - ونظرت إلى هذين (5) قد استقدماني ـ يعني عبد الله بن جعفر ومحمد بن علي (6) ـ فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل محمد من هذه الأمة ، فكرهت ذلك . وأشفقت على هذين أن يهلكا ، وقد علمت (7) أن لولا مكاني لم يستقدما ـ يعني محمد بن علي وعبد الله بن جعفر ـ (8) وايم الله لئن لقيتهم بعد يومي لألقينهم (9) وليس هما معي في عسكر ولا دار ، قال : ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف ، فإذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية ، فقال أمير المؤمنين : ما هذه القبور ؟ فقال له قدامة بن عجلان الأزدي : يا أمير المؤمنين ، إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك ، فأوصى أن يدفن في الظهر (10) ، وكان الناس إنما (11) يدفنون في دورهم وأفنيتهم ، فدفن الناس إلى جنبه ، فقال علي : رحم الله خبابا ، قد أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلى في جسده أحوالا ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا ، فجاء حتى وقف عليهم ثم قال : عليكم السلام يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة ، من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، وأنتم لنا سلف وفرط ، ونحن لكم تبع ، وبكم عما قليل لاحقون ، اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز عنا وعنهم ، ثم قال : الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا (12) ، أحياء وأمواتا ، الحمد لله الذي جعل منها خلقنا ، وفيها يعيدنا ، وعليها يحشرنا ، طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن الله بذلك ، ثم أقبل حتى دخل سكة الثوريين فقال : خشوا بين هذه الأبيات نصر ، عن عمر قال : حدثني عبد الله بن عاصم القائشي ، قال : لما مر علي بالثوريين ـ يعني ثور همدان ـ سمع البكاء فقال : ما هذه الأصوات ؟ قيل : هذا البكاء على من قتل بصفين ، فقال : أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة ، ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال مثل ذلك ، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا ، فخرج إليه حرب ابن شرحبيل الشبامي :

---------------------------
(1) في الأصل : ( تفرقوا ) والوجه ما أثبت من الطبري .
(2) غبى عنه : لم يفطن له ، وفي الأصل : ( ما غنى عن ذلك الرأي ) وفي الطبري : ( غبى عن رأيي ذلك ) ووجههما ما أثبت .
(3) في الأصل : ( لسخى النفس بالدنيا ) صوابه من الطبري .
(4) التكملة من الطبري .
(5) في الأصل : ( ولو علمت ) صوابه من الطبري .
(6) في الأصل : ( يعني بذلك ابنيه الحسن والحسين ) صوابه من الطبري .
(7) في الأصل : ( لقيتهم ) وأثبت ما في الطبري .
(8) الظهر من الأرض : ما غلظ وارتفع .
(9) هذه من الطبري .
(10) الكفات ، بالكسر : الموضع الذي يضم فيه الشئ يقبض ، وظهر الأرض كفات للأحياء ، وبطنها كفات للأموات ، وفي الكتاب العزيز : ( ألم نجعل الأرض كفاتا ، أحياء وأمواتا ) .
(11) خشوا : ادخلوا ، خش في الشيء : دخل ، وفي الأصل : ( حشوا ) تحريف ، وكلمة ( بين ) ليست في الأصل ، وصوابه وتكملته من الطبري ، وعبارته : ( خشوا ادخلوا بين هذه الأبيات ) .
(12 ) الشبامي : نسبة إلى شبام ، بالكسر ، وهم حي من همدان ، وفي الأصل : ( حارب بن شرحبيل الشامي ) تحريف .

واقعة صفين _ 494 _

  فقال علي : أيغلبكم نساؤكم ، ألا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ، ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل ، فليس من دار إلا وفيها بكاء ، أما نحن معشر الرجال فإنا لا نبكي ، ولكن نفرح لهم ألا نفرح لهم (1) بالشهادة ؟ ! فقال علي : رحم الله قتلاكم وموتاكم ، وأقبل يمشي معه وعلي راكب ، فقال له علي : ارجع ، ووقف ثم قال له : ارجع ، فإن مشى مثلك فتنة للوالي ومذلة للمؤمنين ، ثم مضى حتى مر بالناعطيين (2) فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد (3) ، فقال : ما صنع علي والله شيئا ، ذهب ثم انصرف في غير شيء ، فلما نظر أمير المؤمنين أبلس (4) فقال علي : وجوه قوم ما رأوا الشام العام ، ثم قال لأصحابه : قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ، ثم قال :
أخوك  الذي  إن  أحرضتك  iiملمة      من الدهر لم يبرح لبثك واجما  (5)
وليس   أخوك  بالذي  إن  iiتمنعت      عليك  أمور ظل يلحاك لائما  (6)
   ثم مضى ، فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة (7) ، قال نصر : وفي حديث عمرو بن شمر قال : لما صدر علي من صفين ، أنشأ يقول (8) :
وكم قد تركنا في دمشق iiوأرضها      من  أشمط موتور وشمطاء iiثاكل
وغـانية صـاد الـرماح iiحليلها      فأضحت تعد اليوم إحدى الأرامل
تـبكي  على بعل لها راح iiغاديا      فـليس إلـى يوم الحساب iiبقافل
وإنـا  أنـاس ما تصيب رماحنا      إذا  مـا طعنا القوم غير iiالمقاتل
   قال : وفي حديث يوسف قال : وقال أبو محمد نافع بن الأسود التميمي (9) :
ألا أبـلغا عـني عليا iiتحية      فقد  قبل الصماء لما استقلت
بني قبة الإسلام بعد iiانهدامها      فقامت عليه قصرة فاستقرت
كـأن  نبيا جاءنا بعد iiهدمها      بما سن فيها بعد ما قد iiأبرت
  قال : لما (10) بعث علي أبا موسى لدى يوم الحكمين ، نصر : عمر بن سعد ، عن مجالد (11) ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر أن عليا بعث أربعمائة رجل ، وبعث عليهم شريح بن هانئ الحارثي ، وبعث عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم ، وأبو موسى الأشعري معهم ، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل ، قال : فكان إذا كتب علي بشيء أتاه أهل الكوفة فقالوا : ما الذي كتب به إليك أمير المؤمنين ؟ فيكتمهم فيقولون له : كتمتنا ما كتب به إليك ، إنما كتب في كذا وكذا ثم يجيء رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدري في أي شيء جاء ولا في أي شيء ذهب ، ولا يسمعون حول صاحبهم لغطا ، فأنب ابن عباس أهل الكوفة بذاك وقال : إذا جاء رسول قلتم بأي شيء جاء ، فإن كتمكم قلتم لم تكتمنا ؟ جاء بكذا وكذا ، فلا تزالون توقفون وتقاربون حتى تصيبوا ، فليس لكم سر ، ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي عبد الله بن قيس أبو موسى في ابن عمر ، وكان يقول : والله أن لو استطعت لأحيين سنة عمر .

---------------------------
(1) التكملة من الطبري .
(2) الناعطيون ، بالنون : حي من همدان ، نسبة إلى جبل لهم يسمى ( ناعط ) ، الاشتقاق 251 ومعجم البلدان ، وفي الأصل : ( الباعطيين ) تحريف ، وهو على الصواب الذي أثبت في الطبري .
(3) الطبري : ( عبد الرحمن بن يزيد ، من بني عبيد من الناعطيين ) .
(4) الطبري : ( فلما نظروا إلى علي أبلسوا ) ، والإبلاس : أن تنقطع به الحجة ويسكت .
(5) أحرضه : أفسده وأشفى به على الهلاك ، الطبري : ( أجرضتك ) ، أي أغصتك .
(6) الطبري : ( إن تشعيت ) .
(7) الطبري : ( القصر ) .
(8) سبقت هذه الأبيات في ص 492 ـ 493 .
(9) سبقت ترجمته في 492 ، وفي الأصل : ( أبو مجيد ) تحريف سلف نظيره ، والأبيات التالية تقدمت روايتها في ص 492 .
(10) في الأصل : ( ولما ) وأرى الكلام تعقيبا على الشعر .
(11) هو مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي ، توفى سنة 144 ، وفي الأصل : ( عمر بن سعد بن مجالد ) تحريف .

واقعة صفين _ 495 _

  قال نصر : وفي حديث محمد بن عبيدالله ، عن الجرجاني قال : لما أراد أبو موسى المسير قام شريح فأخذ بيد أبي موسى فقال : يا أبا موسى ، إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه ، ولا يستقال فتقه (1) ، ومهما تقل شيئا لك أو عليك يثبت حقه وير صحته وإن كان باطلا (2) ، وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكها معاوية ، ولا بأس على أهل الشام إن ملكها علي ، وقد كانت منك تثبيطة أيام قدمت الكوفة ، فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا ، والرجاء منك يأسا ، وقال شريح في ذلك :
أبـا مـوسى رمـيت بـشر iiخـصم      فـلا تـضع الـعراق . فـدتك iiنفسي
وأعــط الـحـق شـامـهم iiوخـذه      فــإن الـيـوم فـي مـهل كـأمس
وإن غــدا يـجـيء بـمـا iiعـليه      يـدور  الأمـر مـن سـعد iiونـحس
ولا  يـخـدعك عـمرو ، إن عـمرا      عــدو  الله ، مـطلع كـل iiشـمس
لــه خــدع يـحار الـعقل iiفـيها      مـمـوهـة مـزخـرفـة iiبـلـبس
فـلا  تـجعل مـعاوية بـن iiحـرب      كـشيخ  فـي الـحوادث غـير نكس
هـــداه  الله لــلإسـلام iiفــردا      سـوى بـنت الـنبي ، وأي iiعـرس
يـؤمل أهـل الـشام عـمرا وإنـني      لآمــل عـبـد الله عـند iiالـحقائق
وإن  أبـا مـوسى ، سـيدرك iiحـقنا      إذاما رمى عمرا بإحدى الصواعق  (3)
وحـقـقه حـتـى يــدر وريــده      ونـحن  عـلى ذاكـم كـأحنق iiحانق
عـلـى أن عـمرا لا يـشق غـباره      إذا مـا جـرى بـالجهد أهل iiالسوابق
فـلله  مـا يـرمى الـعراق iiوأهـله      بـه  مـنه إن لم يرمه بالبوائق  (4)
فـفت  ابـن قـيس زفـاف العروس      شـريـح  إلــى دومــة الـجندل
وفــي زفــك الأشـعري iiالـبلاء      ومــا يـقض مـن حـادث iiيـنزل
ومــا  الأشـعـري بــذي iiإربـة      ولا صـاحب الـخطبة الفيصل  (5)
ولا  آخــذا حــظ أهـل الـعراق      ولــو قـيل هـا خـذه لـم iiيـفعل
يـحـاول  عـمـرا وعـمـرو لـه      خـدائع يـأتي بـها مـن علي  (6)
فــإن  يـحـكما بـالـهدى iiيـتبعا      وإن  يـحـكما بـالـهوى iiالأمـيـل
يـكـونا كـتـيسين فــي iiقـفـرة      أكـيـلي نـقيف مـن الـحنظل  (7)
  في غير كتاب ابن عقبة : ( سوى عرس النبي وأي عرس ) ، فقال أبو موسى : ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا ، وكان النجاشي بن الحارث بن كعب صديقا لأبي موسى ، فبعث إليه : فقال أبو موسى : والله إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر وأنا فيه على رضا الله ، ( قال نصر ) : وإن شريح بن هانئ جهز أبا موسى جهازا حسنا وعظم أمره في الناس ، ليشرف أبا موسى في قومه ، فقال الشنى في ذلك لشريح :

---------------------------
(1) ح ( 1 : 195 ) : ( ولا تستقال فتنته ) .
(2) في الأصل : ( ثبت حقه ويزول باطله ) والوجه ما أثبت من ح .
(3) ح ( 1 : 196 ) : ( البوائق ) .
(4) ح : ( بالصواعق ) .
(5) ح : ( صاحب الخطة ) .
(6) من على ، بياء ساكنة : من أعلى ، وهي إحدى لغات عل .
(7) التيس ، هنا : الذكر من الظباء ، والنقيف : المنقوف ، الذي يكسر ليستخرج حبه .

واقعة صفين _ 496 _

  وقال شريح بن هانئ : والله لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى ، وطعنوا عليه بسوء الظن (1) وما الله عاصمه منه (2) ، إن شاء الله ، وسار مع عمرو بن العاص شرحبيل بن السمط الكندي في خيل عظيمة ، حتى إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودعه ثم قال : يا عمرو ، إنك رجل قريش ، وإن معاوية لم يبعثك إلا ثقة بك ، وإنك لن تؤتى من عجز ولا مكيدة ، وقد عرفت أن وطأت (3) هذا الأمر لك ولصاحبك ، فكن عند ظننا بك ، ثم انصرف ، وانصرف شريح بن هانئ حين أمن أهل الشام علي أبي موسى ، وودعه هو ووجوه الناس ، وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس ، أخذ بيده ثم قال له : ( يا أبا موسى ، اعرف خطب هذا الأمر ، واعلم أن له ما بعده ، وأنك إن أضعت العراق فلا عراق ، فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك ، وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام ، فإنها وإن كانت سنة إلا أنه ليس من أهلها ، ولا تعطه يدك (4) فإنها أمانة وإياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة ، ولا تلقه وحده ، واحذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال والشهود ، ثم أراد أن يبور (5) ما في نفسه لعلي فقال له : ( فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره أن يختار أهل العراق من قريش الشام من شاءوا ، فإنهم يولونا الخيار فنختار من نريد ، وإن أبوا فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاءوا ، فإن فعلوا كان الأمر فينا » . قال أبو موسى : قد سمعت ما قلت : ولم يتحاش لقول الأحنف ، قال : فرجع الأحنف فأتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين ، أخرج والله أبو موسى زبدة سقائه في أول مخضه ، لا أرانا إلا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك ، فقال علي : يا أحنف ، إن الله غالب على أمره ، قال : فمن ذلك نجزع يا أمير المؤمنين ، وفشا أمر الأحنف وأبي موسى في الناس ، فجهز الشنى راكبا فتبع به أبا موسى بهذه الأبيات :
أبـا مـوسى جزاك الله خيرا      عراقك  إن حظك في iiالعراق
وإن الـشام قـد نصبوا iiإماما      من  الأحزاب معروف iiالنفاق
وإنـا  لا نـزال لـهم iiعدوا      أبـا مـوسى إلى يوم التلاقي
فـلا تجعل معاوية بن iiحرب      إمـاما مـا مـشت قدم بساق
ولا يـخدعك عمرو إن iiعمرا      أبا موسى تحاماه الرواقي  (6)
فـكن مـنه على حذر iiوأنهج      طـريقك لا تزل بك iiالمراقي
سـتلقاه  أبـا مـوسى iiمـليا      بـمر  القول من حق iiالخناق
ولا  تـحكم بـأن سوى iiعلي      إمـاما  إن هـذا الـشر iiباق
  قال : وبعث الصلتان العبدي (7) وهو بالكوفة بأبيات إلى دومة الجندل :
لعمرك لا ألفي مدى الدهر خالعا      عليا  بقول الأشعري ولا iiعمرو
فـإن  يحكما بالحق نقبله iiمنهما      وإلا أثرناها كراغية البكر  (8)

---------------------------
(1) ح : ( بأسوأ الطعن ) .
(2) أي وبما الله عاصمه منه .
(3) ح ( 1 : 196 ) : ( أني وطأت ) .
(4) في الأصل : ( بيدك ) وأثبت ما في ح .
(5) ح : ( يبلو ) ، وهما بمعنى .
(6) عني أنه حية يعجز الراقون عن استخراجها بالرقي لخبثها .
(7) هو قثم بن خبية ، أحد بني محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس ، انظر خزانة الأدب ( 1 : 308 بولاق ) .
(8) انظر ما سبق في نهاية ص 45 .

واقعة صفين _ 497 _

ولـسـنا  نـقول الـدهر ذاك iiإلـيهما      وفـي ذاك لـو قـلناه قـاصمة iiالظهر
ولـكن  نـقول الأمر والنهى كله  (1)       إلـيه  ، وفـي كـفيه عـاقبة iiالأمـر
ومـا  الـيوم إلا مـثل أمـس iiوإنـنا      لفي وشل الضحضاح أو لجة البحر  (2)
   فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى ، واستبطأه القوم وظنوا به الظنون ، وأطبق الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا ، وكان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليا ومعاوية ، فنزل علي ماء لبني سليم بأرض البادية يتشوف الأخبار ، وكان رجلا له بأس ورأي ( ومكان ) في قريش ، ولم يكن له في علي ولا معاوية هوى ، فأقبل راكب يوضع من بعيد فإذا هو بابنه عمر بن سعد ، ( فقال له أبوه : مهيم (3) ) ، فقال : يا أبي ، التقى الناس بصفين فكان بينهم ما قد بلغك ، حتى تفانوا ، ثم حكموا الحكمين : عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وقد حضر ناس من قريش عندهما ، وأنت من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن أهل الشورى ، ومن قال له رسول الله : ( اتقوا دعواته ) ، ولم تدخل في شيء مما تكره هذه الأمة (4) ، فاحضر دومة الجندل فإنك صاحبها غدا ، فقال : مهلا يا عمر ، إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( يكون من بعدي فتنة خير الناس فيها الخفي التقى ) ، وهذا أمر لم أشهد أوله فلا أشهد آخره (5) ، ولو كنت غامسا يدي في هذا الأمر لغمستها مع علي ، قد رأيت القوم حملوني على حد السيف فاخترته على النار ، فأقم عند أبيك ليلتك هذه ، فراجعه حتى طمع في الشيخ ، فلما جنه الليل رفع صوته ليسمع ابنه (6) فقال :
دعــوت أبــاك الـيوم iiوالله      دعـاني  إليه القوم والأمر iiمقبل
فقلت  لهم : للموت أهون iiجرعة      من النار فاستبقوا أخاكم أو اقتلوا
فـكفوا  وقالوا إن سعد بن iiمالك      مـزخرف جهل والمجهل iiأجهل
فـلما  رأيـت الأمر قد جد iiجده      وكـاشفنا يـوم اغـر iiمـحجل
هـربت  بديني والحوادث iiجمة      وفي  الأرض أمن واسع iiومعول
فـقلت مـعاذ الله مـن شر فتنة      لـهـا آخـر لا يـستقال iiوأول
ولـو  كنت يوماً لا محالة iiوافداً      تبعت  عليا والهوى حيث iiيجعل
  فارتحل عمر وقد استبان له أمر أبيه ، وقد كانت الأخبار أبطأت على معاوية ، فبعث إلى رجال من قريش من الذين كرهوا أن يعينوه في حربه : ( إن الحرب قد وضعت أوزارها ، والتقى هذان الرجلان بدومة الجندل فأقدموا على ) ، فأتاه عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وأبو الجهم بن حذيفة ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري ، وعبد الله بن صفوان الجمحي ، ورجال من قريش ، وأتاه المغيرة بن شعبة وكان مقيما بالطائف لم يشهد صفين ، فقال : يا مغيرة ما ترى ؟ قال : يا معاوية ، لو وسعني أن أنصرك لنصرتك ، ولكن على أن آتيك بأمر الرجلين .

---------------------------
(1) في الأصل : ( الأمر بالحق كله ) وأثبت ما في ح ( 1 : 197 ) .
(2) الوشل : الماء القليل ، وفي الأصل : ( رهق الضحضاح ) صوابه في ح .
(3) مهيم : كلمة يمانية ، معناه ما أمرك وما شأنك .
(4) في الأصل : ( ما تكن هذه الأمة ) صوابه في ح .
(5) في الأصل : ( ولن أشهد آخره ) والوجه ما أثبت من ح .
(6) في الأصل : ( أبوه ) والصواب ما أثبت .

واقعة صفين _ 498 _

  فركب حتى أتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كأنه زائر له ، فقال : يا أبا موسى ، ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء ؟ قال : أولئك خيار الناس ، خفت ظهورهم من دمائهم ، وخمصت بطونهم من أموالهم ، ثم أتى عمرا فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره هذه الدماء ؟ قال : أولئك شرار الناس ، لم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا ، فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له : قد ذقت الرجلين ، أما عبد الله بن قيس فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر ، وهواه في عبد الله بن عمر ، وأما عمرو فهو صاحبك الذي تعرف ، وقد ظن الناس أنه يرومها لنفسه ، وأنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه ، آخر الجزء الثالث عشر من أجزاء شيخنا عبد الوهاب نصر : في حديث عمرو ، قال : أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال : يا عمرو ، هل لك في أمر هو للأمة صلاح ولصلحاء الناس رضا ؟ نولي هذا الأمر عبد الله ابن عمر بن الخطاب ، الذي لم يدخل في شئ من هذه الفتنة ولا هذه الفرقة ـ وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام ـ فقال عمرو : فأين أنت عن معاوية ؟ فأبي عليه أبو موسى ، قال : وشهدهم عبد الله بن هشام ، وعبد الرحمن بن ( الأسود بن ) عبد يغوث (1) ، وأبو الجهم بن حذيفة العدوي ، والمغيرة بن شعبة ، فقال عمرو ، ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ؟ قال : بلى ، قال اشهدوا ، فما يمنعك يا أبا موسى من معاوية ولى عثمان ، وبيته في قريش ما قد علمت ؟ فإن خشيت أن يقول الناس ولى معاوية وليست له سابقة ، فإن لك بذلك حجة ، تقول : إني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم ، والطالب بدمه ، الحسن السياسة الحسن التدبير ، وهو أخو أم حبيبة (2) أم المؤمنين زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد صحبه وهو أحد الصحابة ، ثم عرض له بالسلطان فقال : إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط ( مثلها ) ، فقال أبو موسى : اتق الله يا عمرو ، أما ذكرك شرف معاوية فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله ، ولو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح ، إنما هو لأهل الدين والفضل ، مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب ، وأما قولك إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر ، فإني لم أكن أوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين ، وأما تعريضك بالسلطان فوالله لو خرج لي من سلطانه ما وليته ، ولا كنت لأرتشي في الله ، ولكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن أبي جناب (3) أنه قال : ( والله أن لو استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب ) ، فقال عمرو بن العاص : إن كنت تريد أن تبايع ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه ؟ قال : إن ابنك رجل صدق ، ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة .

---------------------------
(1) هو عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ، ولد على عهد رسول الله ، ومات أبوه في ذلك الزمان ، فلذلك عد في الصحابة ، وقال العجلي : من كبار التابعين ، الإصابة 5072 وتهذيب التهذيب ، وكلمة ( الأسود ) ساقطة من الأصل وح ، وقد سبق الاسم كاملا في ص 539 .
(2) سبقت ترجمتها في ص 518 .
(3) أبو جناب ، أوله جيم مفتوحة فنون خفيفة ، هو يحيى بن أبي حية الكلبي ، وشهرته بكنيته ، ضعفوه لكثرة تدليسه ، مات سنة 150 ، تهذيب التهذيب ، وفي الأصل : ( أبي خباب ) وفي ح : ( أبي حباب ) والوجه ما أثبت .

واقعة صفين _ 499 _

  نصر : عمر بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال أبو موسى لعمرو : إن شئت ولينا هذا الأمر الطيب ابن الطيب عبد الله ابن عمر ، فقال عمرو : إن هذا الأمر لا يصلح له إلا رجل له ضرس (1) يأكل ويطعم ، وإن عبد الله ليس هناك . وكان في أبي موسى غفلة (2) ، فقال ابن الزبير لابن عمر : اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه ، فقال عبد الله ابن عمر : لا والله ما أرشو عليها أبدا ما عشت ، ولكنه قال له : ويلك يا ابن العاص ، إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعدما تقارعت بالسيوف وتشاجرت بالرماح ، فلا تردهم في فتنة واتق الله ، نصر : قال عمر : عن أبي زهير العبسي ، عن النضر بن صالح قال : كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان ، فحدثني أن عليا أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص ، قال له : قل لعمرو إن لقيته : إن عليا يقول لك : إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه ، وإن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده . والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق ، فلم تتجاهل ؟ أبأن أوتيت طمعا (3) يسيرا فكنت لله ولأوليائه عدوا ، فكأن والله ما أوتيت قد زال عنك فلا تكن للخائنين خصيما ، ولا للظالمين ظهيرا ، أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك ، وسوف تتمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوة ولم تأخذ على حكم رشوة ، قال شريح : فأبلغته ذلك فتمعر وجه عمرو وقال : متى كنت أقبل مشورة على أو أنيب إلى أمره وأعتد برأيه ؟ ! فقلت : وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشورته ، لقد كان من هو خير منك ، أبو بكر وعمر ، يستشيرانه ويعملان برأيه ، فقال : إن مثلي لا يكلم مثلك (4) ، فقلت : بأي أبويك ترغب عن كلامي ؟ بأبيك الوشيظ (5) ، أم بأمك النابغة ؟ فقام من مكانه ، وأقبلت رجال من قريش على معاوية فقالوا : إن عمرا قد أبطأ بهذه الحكومة ، وهو يريدها لنفسه ، فبعث إليه معاوية :
نـفى الـنوم مـا لا تـبتغيه iiالأضالع      وكل امرئ يوما إلى الصدق راجع  (6)
فـيا  عـمرو قـد لاحت عيون iiكثيرة      فـياليت شـعري عمرو ما أنت صانع
ويـا لـيت شعري عن حديث iiضمنته      أتحمله  يا عمرو ؟ ما أنت ضالع  (7)
وقــال رجـال إن عـمرا iiيـريدها      فـقلت  لـهم عـمرو لـي اليوم iiتابع
فـإن تـك قـد أبـطأت عني تبادرت      إلـيك  بـتحقيق الـظنون iiالأصـابع
فـإنـي ورب الـراقـصات iiعـشية      خـواضع بـالركبان والـنقع iiسـاطع
بـك الـيوم فـي عـقد الخلافة iiواثق      ومـن دون مـا ظـنوا بـه السم ناقع

---------------------------
(1) في الأصل : ( إلا كل رجل ضرس ) صوابه في ح ( 1 : 198 ) والطبري ( 6 : 39 ) .
(2) الطبري فقط : ( في ابن عمر غفلة ) .
(3) كذا في الأصل وح والطبري ، وأراها : ( طعما ) .
(4) في الأصل : ( إلا مثلك ) ، وكلمة ( إلا ) مقحعة .
(5) الوشيظ : الخسيس ، والتابع ، والحليف ، والدخيل في القوم ليس من صميمهم ، وفي الأصل : ( الوسيط ) صوابه في ح والطبري .
(6) في الأصل : ( ما لا يبلغنه ) .
(7) ضالع ، أراد به المطيق القوى ، من الضلاعة وهي القوة وشدة الأضلاع ، ولم يرد هذا المشتق في المعاجم ، وفيها ( الضليع ) .

واقعة صفين _ 500 _

فأسرع  بها ، أو أبط في غير iiريبة      ولا تعد ، فالأمر الذي حم واقع  (1)
  عمر بن سعد قال : حدثني أبو جناب الكلبي (2) ، أن عمرا وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم عبد الله بن قيس في الكلام ويقول : إنك قد صحبت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبلي وأنت أكبر مني فتكلم ثم أتكلم (3) ، وكان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في كل شيء (4) وإنما اغتره بذلك ليقدمه (5) فيبدأ بخلع علي ، قال : فنظرا في أمرهما وما اجتمعا عليه فأراده عمرو على معاوية فأبى ، وأراده على ابنه فأبى ، وأراده أبو موسى على عبد الله بن عمر فأبى عليه عمرو ، قال : فأخبرني ما رأيك يا أبا موسى ؟ قال : رأيى أن أخلع هذين الرجلين عليا ومعاوية ، ثم نجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاءوا ومن أحبوا ، فقال له عمرو : الرأي ما رأيت ، وقال عمرو : يا أبا موسى ، إنه ليس أهل العراق بأوثق بك من أهل الشام ، لغضبك لعثمان وبغضك للفرقة ، وقد عرفت حال معاوية في قريش وشرفه في عبد مناف ، وهو ابن هند وابن أبي سفيان فما ترى ؟ قال أرى خيرا ، أما ثقة أهل الشام بي فكيف يكون ذلك وقد سرت إليهم مع علي ، وأما غضبي لعثمان فلو شهدته لنصرته ، وأما بغضي للفتن فقبح الله الفتن ، وأما معاوية فليس بأشرف من علي ، قــد يغتزي الهجــران بالتجــرم ، وباعده أبو موسى ، فرجع عمرو مغموما ، فخرج عمرو ومعه ابن عم له غلام شاب ، وهو يقول :
يـا عـمرو إنك للأمور مجرب      فـارفق  ولا تقذف برأيك iiأجمع
واسـتبق  منه ما استطعت iiفإنه      لا  خـير فـي رأي إذا لم iiينفع
واخـلع معاوية بن حرب خدعة      يـخلع  عـليا سـاعة iiوتصنع
واجـعله  قـبلك ثم قل ما iiبعده      اذهب فما لك في ابن هند iiمطمع
تـلك  الخديعة إن أردت iiخداعه      والراقصات إلى منى ، خذ أودع
  فافترصها عمرو (6) وقال : يا أبا موسى ، ما رأيك ؟ قال : رأيى أن أخلع هذين الرجلين ، ثم يختار الناس لأنفسهم من أحبوا ، فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون ، فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه فقال : إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر هذه الأمة ، قال عمرو : صدق ! ثم قال : يا أبا موسى فتكلم ، فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال : ويحك ، إني لأظنه قد خدعك ، إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك فيتكلم بذلك الأمر قبلك ثم تكلم أنت بعده ، فإن عمرا رجل غدار ، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت به في الناس خالفك ، وكان أبو موسى رجلا مغفلا ـ فقال : ( إيها عنك ) إنا اتفقنا ، فتقدم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يأيها الناس ، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة ، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها وألم لشعثها من ألا تتباين أمورها (7) ، وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي عمرو على خلع علي ومعاوية ، و ( أن ) نستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين ، فيولون أمورهم من أحبوا .

---------------------------
(1) في الأصل : ( وكم تعدوا الأمر ) .
(2) في الأصل : ( أبو خباب ) وفي ح ( 1 : 198 ) : ( أبو حباب ) صوابهما ما أثبت ، وانظر ما سبق في ص 541 .
(3) ح : ( فتكلم أنت وأتكلم أنا ) ، الطبري ( 6 : 39 ) : ( فتكلم وأتكلم ) .
(4) في الأصل : ( قد أعد أبا موسى يقدمه في كل شيء ) صوابه وتكملته من الطبري .
(5) الطبري : ( اغتزى بذلك كله أن يقدمه ) وهي صحيحة ، ففي اللسان : اغتزاه : قصده ، وأنشد ابن الأعرابي ( اللسان 19 : 359 ) :
(6) يقال : فرص الفرصة وافترصها وتفرصها ، أي أصابها .
(7) في الأصل : ( لشعثها الا نبتر أمورها ) صوابه في ح .

واقعة صفين _ 501 _

  وإني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا من رأيتم لها أهلا ، ثم تنحى فقعد ، وقام عمرو بن العاص مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأثبت صاحبي معاوية ( في الخلافة ) فإنه ولي عثمان والطالب بدمه ، وأحق الناس بمقامه ، فقال له أبو موسى : مالك لا وفقك الله ، قد غدرت وفجرت ، وإنما مثلك مثل الكلب ( إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) إلى آخر الآية ، قال : فقال له عمرو : إنما مثلك مثل ( الحمار يحمل أسفارا ) إلى آخر الآية ، وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط ، وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط ، وقام الناس فحجزوا بينهم ، فكان شريح يقول بعد ذلك : ما ندمت على شيء ندامتي أن لا ضربته بالسيف بدل السوط ، والتمس أصحاب علي أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة ، فكان ابن عباس يقول : قبح الله أبا موسى ، حذرته وأمرته بالرأي فما عقل (1) ، وكان أبو موسى يقول : قد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت إليه ، وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة ، ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ، ورجع ابن عباس وشريح بن هانئ إلى علي ، وقال الشنى :
ألـم تـر أن الله يـقضى بـحكمه      وعـمـرو وعـبـد الله iiيـختلفان
ولـيسا  بـمهدي أمـة من iiضلالة      بـدرماء سـخما فتنة عميان  (2)
أثـارا لما في النفس من كل iiحاجة      شـديدان ضـراران مؤتلفان  (3)
أصمان  عن صوت المنادي تراهما      عـلـى  دارة بـيضاء iiيـعتلجان
فـيا  راكـبا بـلغ تـميما وعامرا      وعـبسا  وبـلغ ذاك أهـل iiعمان
فـما  لـكم ، إلا تـكونوا فـجرتم      بـإدراك مسعاة الكرام ، يدان  (4)
بكت عين من يبكي ابن عفان بعدما      نـفى ورق الـفرقان كـل iiمـكان
كـلا فـئتيه عـاش حـيا iiومـيتا      يـكادان  لـولا الـحق iiيـشتبهان
  ولما فعل عمرو ما فعل واختلط الناس رجع إلى منزله فجهز راكبا إلى معاوية يخبره بالأمر من أوله إلى آخره ، وكتب في كتاب على حدة (5) :
أتـتـك  الـخلافة مـزفوفة      هـنيئا مـريئا تـقر iiالعيونا
تـزف  إليك كزف iiالعروس      بـأهون من طعنك iiالدارعينا
ومـا  الأشعري بصلد iiالزناد      ولا خامل الذكر في الأشعرينا
ولـكن  أتـيحت لـه iiحـية      يـظل الـشجاع لها iiمستكينا
فـقالوا وقـلت وكـنت امرأ      أجـهجه  بالخصم حتى iiيلينا
فـخذها  ابن هند على iiبأسها      فـقد  دافـع الله ما iiتحذرونا
وقـد  صرف الله عن iiشامكم      عدوا شنيا وحربا زبونا  (6)
   وقام سعيد بن قيس الهمداني فقال : والله لو اجتمتما على الهدى ما زدتمانا على ما نحن الآن عليه ، وما ضلالكما بلازمنا ، وما رجعتما إلا بما بدأتما ، وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس ، وتكلم الناس غير الأشعث بن قيس ، وتكلم كردوس بن هانئ فقال :

---------------------------
(1) وكذا في الطبري ( 6 : 40 ) وفي ح ( 1 : 199 ) : ( وهديته إلى الرأي فما عقل ) .
(2) كذا ورد هذا العجز .
(3) كذا .
(4) في الأصل : ( معصات ) تحريف ، وفي اللسان : ( والعرب تسمى مآثر أهل الشرف والفضل مساعي ، واحدتها مسعاة ، لسعيهم فيها ، كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعنوا فيها أنفسهم ) ، وقال عبدة بن الطبيب في المفضلية 27 :
(5) في الأصل : ( عليحدة ) .
(6) ح : ( عدوا مبينا ) .

واقعة صفين _ 502 _

  أما والله إني لأظنك أول راض بهذا الأمر يا أخا ربيعة ، فغضب كردوس فقال :
أيـاليت  من يرضى من الناس iiكلهم      بـعمرو وعـبد الله فـي لجة iiالبحر
رضـينا  بـحكم الله لا حـكم iiغيره      وبالله ربــا والـنـبي iiوبـالـذكر
وبـالأصلع  (1)  الـهادي علي iiإمامنا      رضينا بذاك الشيخ في العسر iiواليسر
رضـيـنا بـه حـيا ومـيتا iiوإنـه      إمـام  هدى في الحكم والنهي والأمر
فـمن  قـال لا قـلنا بـلى إن iiأمره      لأفـضل  مـا تـعطاه في ليلة القدر
ومـا  لابـن هـند بـيعة في رقابنا      ومـا  بـيننا غـير الـمثقفة iiالسمر
وبـيض  تـزيل الـهام عن مستقره      وهيهات هيهات الولا  (2)  آخر الدهر
أبـت لـي أشـياخ الأراقم سبه  (3)       أسـب  بـها حـتى أغيب في iiالقبر
  وتكلم يزيد بن أسد القسري ـ وهو من قواد معاوية ـ فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله ، فإن أهون ما يردنا وإياكم إليه الحرب ما كنا عليه أمس ، وهو الفناء ، وقد شخصت الأبصار إلى الصلح ، وأشرفت الأنفس على الفناء (4) ، وأصبح كل امرئ يبكي على قتيل ، مالكم رضيتم بأول أمر صاحبكم وكرهتم آخره ، إنه ليس لكم وحدكم الرضا ، فتشاتم عمرو وأبو موسى من ليلته ، فإذا ابن عم لأبي موسى يقول :
أبا موسى خدعت وكنت شيخا  (5)       قـريب الـقعر مـدهوش iiالجنان
رمـى  عمرو صفاتك يا ابن قيس      بـأمـر لا تـنـوء بـه iiالـيدان
وقـد كـنا نـجمجم عـن iiظنون      فـصرحت لـلظنون عـن العيان
فـعض  الـكف مـن نـدم وماذا      يــرد عـليك عـضك iiبـالبنان
  قال : وشمت أهل الشام بأهل العراق ، وقال كعب بن جعيل الغلتبي (6) ، وكان شاعر معاوية ، قال :
كــأن  أبـا مـوسى عـشية iiأذرح      يـطـوف بـلقمان الـحكيم iiيـواربه
فـلـما تـلاقوا فـي تـراث مـحمد      نمت بابن هند في قريش مضاربه  (7)
سـعى بـابن عـفان لـيدرك iiثـأره      وأولــى عـباد الله بـالثأر iiطـالبه
وقـد غـشيتنا فـي الزبير iiغضاضة      وطـلـحة إذ قـامت عـليه iiنـوادبه
فـرد ابـن هـند مـلكه فـي نصابه      ومـن  غـالب الأقـدار فالله iiغـالبه
ومـا لابـن هـند في لؤى بن iiغالب      نـطير وإن جـاشت عـليه iiأقـاربه
فـهـذاك مـلك الـشام واف سـنامه      وهـذاك مـلك الـقوم قد جب iiغاربه
يـحـاول عـبـد الله عـمرا iiوإنـه      لـيضرب  فـي بحر عريض iiمذاهبه
دحـا دحـوة فـي صـدره فهوت iiبه      إلـى  أسـفل الـمهوى ظنون كواذبه
  فرد عليه رجل من أصحاب علي فقال :
غدرتم وكان الغدر منكم iiسجية      فما ضرنا غدر اللئيم وصاحبه
وسـميتم  شـر البرية iiمؤمنا      كذبتم فشر الناس للناس iiكاذبه
ولـكم   (8)  بن حرب بصيرة      بلعن  رسول الله إذ كان iiكاتبه

---------------------------
(1) انظر ما سبق في ص 233 س 6 ـ 7 .
(2) ح ( 1 : 199 ) : ( الرضا ) .
(3) انظر للأراقم ما مضى في ص 486 .
(4) في الأصل : ( البقاء ) صوابه من ح .
(5) في الأصل : ( بليت فكنت شيخا ) وأثبت ما في ح .
(6) في الأصل : ( وقال أبا موسى إنما كان غدرا من عمرو ) وما بعد ( قال ) مقحم ، وفي الأصل أيضا ( كعب بن جعيل الثعلبي ) ، والصواب ما أثبت ، وهو كعب بن جعيل ابن قمير بن عجزة بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل ، انظر الخزانة ( 1 : 458 ـ 459 ) .
(7) وكذا الرواية في معجم البلدان ( أذرح ) وفي ح : ( مناسبه ) وهما بمعنى ، وفي اللسان : ( ابن سيده : ما يعرف له مضرب عسلة ، أي أصل ولا قوم ولا أب ولا شرف ) .
(8) كذا وردت هذه الكلمة غير واضحة في الأصل ، وهذه المقطوعة لم ترد في ح .

واقعة صفين _ 503 _

  وقال عمرو بن العاص حين خدع أبا موسى :
خـدعت  أبـا مـوسى خـديعة iiشـيظم      يـخادع سـقبا في فلاة من الأرض  (1)
فـقـلت  لــه إنــا كـرهنا iiكـليهما      فـنخلعهما  قـبل التلاتل والدحض  (2)
فـإنـها لا لا يـغـضيان عـلى iiقـذى      من الدهر حتى يفصلان على أمض  (3)
فـطـاوعني  حـتـي خـلعت iiأخـاهم      وصـار أخـونا مـستقيما لـدى iiالقبض
وإن  ابــن حــرب مـعطيهم iiالـولا      ولا الهاشمي الدهر أو بربع الحمض  (4)
   فرد عليه ابن عباس فقال :
كـذبت ولـكن مـثلك الـيوم iiفـاسق      عـلى  أمـركم يبغي لنا الشر iiوالعزلا
وتـزعـم  أن الأمـر مـنك iiخـديعة      إلـيه  وكـل الـقول في شأنكم iiفضلا
فـأنتم  ورب الـبيت قـد صار iiدينكم      خـلافا لـدين المصطفى الطيب iiالعدلا
أعـاديـتم حــب الـنـبي iiونـفسه      فـما  لـكم مـن سـابقات ولا iiفضلا
وأنـتم  ورب الـبيت أخبث من iiمشى      عـلى الأرض ذا نعلين أو حافيا iiرجلا
غـدرتم  وكـان الـغدر مـنكم iiسجية      كأن لم يكن حرثا وأن لم يكن نسلا  (5)
  قال : ولحق أبو موسى وهو يطوف بالبيت بمكة ، نصر ، قال : فحدثني عمر بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن طاوس ، ولا صلح حتى تضبعون ونضبعا ، قال : سألت أبا موسى وهو يطوف بالبيت فقلت له : أهذه الفتنة التي كنا نسمع بها ؟ قال : ابن أخي ، هذه حيصة من حيصات الفتن ، فكيف بكم إذا جاءتكم المثقلة الرداح ، تقتل من أشرف لها ، وتموج بمن ماج فيها ، وقال الهيثم بن الأسود النخعي :
لـما  تـداركت الـوفود iiبأذرح      وبأشعري لا يحل له الغدر  (6)
أدى  أمـانـته وأوفـى iiنـذره      وصبا فأصبح غادرا عمرو  (7)
يا عمرو إن تدع القضية iiتعترف      ذل الـحـياة ويـنزع iiالـنصر
تـرك القران فما تأول آية  (8)       وارتـاب إذ جـعلت لـه مصر
  قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد : ودخل عبد الله بن عمر ، وسعد ابن أبي وقاص ، والمغيرة بن شعبة مع أناس معهم ، وكانوا قد تخلفوا عن علي ، فدخلوا عليه فسألوه أن يعطيهم عطاءهم ـ وقد كانوا تخلفوا عن علي حين خرج إلى صفين والجمل ـ فقال لهم علي : ما خلفكم عني ؟ قالوا : قتل عثمان ، ولا ندري أحل دمه أم لا ؟ وقد كان أحدث أحداثا ثم استتبتموه فتاب ، ثم دخلتم في قتله حين قتل ، فلسنا ندري أصبتم أم اخطأتم ؟ مع أنا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك . فقال علي : ألستم تعلمون أن الله ( عز وجل ) قد أمركم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فقال : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) ؟ قال سعد :

---------------------------
(1) في الأصل : ( خداعة شيظم ) وإنما هي الخديعة ، والشيظم : الطويل الجسيم الفتى من الناس والخيل والإبل ، والسقب : ولد الناقة .
(2) التلاتل : الشدائد ، والدحض : الزلق والزلل .
(3) الأمض : الباطل والشك ، وحتى ، في البيت ، ابتدائية ، كما في قوله : انظر الخزانة ( 3 : 599 ) .
(4) كذا ورد هذا العجز .
(5) في الأصل : ( فإن لم يكن حرثا ) .
(6) كذا ورد هذا العجز ، وفي معجم البلدان ( أذرح ) : ( وفي أشعري لا يحل له غدر ) وهذا العجز في هذه الرواية من بحر الطويل ، والأبيات من الكامل .
(7) صبا : خرج ومال بالعداوة ، وفي الأصل : ( وسما ) وبدلها في معجم البلدان : ( عنه وأصبح ) .
(8) في الأصل : ( ترك القرآن فأول ) وصوابه من معجم البلدان .

واقعة صفين _ 504 _

   يا علي ، أعطني سيفا يعرف الكافر من المؤمن ، أخاف أن أقتل مؤمنا فأدخل النار ، فقال لهم علي : ألستم تعلمون أن عثمان كان إماما بايعتموه على السمع والطاعة ، فعلام خذلتموه إن كان محسنا ، وكيف لم تقاتلوه إذ كان مسيئا ؟ ! فإن كان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم إذ لم تنصروا إمامكم ، وإن كان مسيئا فقد ظلمتم إذ لم تعينوا من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدونا بما أمركم الله به ، فإنه قال : ( قاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله (1) ) ، فردهم ولم يعطهم شيئا ، وكان علي ( عليه السلام ) إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول (2) ( اللهم العن معاوية ، وعمرا ، وأبا موسى (3) ، وحبيب بن مسلمة ، والضحاك بن قيس ، والوليد بن عقبة ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت (4) لعن عليا ، وابن عباس ، وقيس بن سعد ، والحسن والحسين ، وقال الراسبي ، من أهل حرورا :
نـدمنا عـلى ما كان منا ومن iiيرد      سـوى  الحق لا يدرك هواه iiويندم
خـرجنا عـلى أمـر فلم يك iiبيننا      وبـين عـلي غـير غـاب iiمقوم
وضـرب  يزيل الهام عن iiمستقره      كـفاحا كـفاحا بـالصفيح المصمم
فـجاء  عـلي بـالتي ليس iiبعدها      مـقـال لـذي حـلم ولا iiمـتحلم
رمـانا  بـمر الـحق إذ قال iiجئتم      إلــى بـشيخ لـلأشاعر iiقـشعم
فـقلتم رضـينا با بن قيس وما iiلنا      رضا غير شيخ ناصح الجيب مسلم
وقـال  : ابـن عباس يكون مكانه      فـقـالوا لـه : لا لا ألا iiبـالتهجم
فـما ذنـبه فـيه وأنـتم iiدعـوتم      إلـيـه عـليا بـالهوى iiوالـتقحم
فـأصبح عـبد الله بـالبيت iiعائذا      يـريد الـمنى بين الحطيم iiوزمزم
   من هنا إلى موضع العلامة ليس عند ابن عقبة ـ وقال نابغة بني جعدة . وقال : ( هي ) عندنا أكثر من مائة بيت فكتبت الذي يحتاج إليه :
سـألتني  جـارتي عـن أمـتي      وإذا مـا عـي ذو الـلب iiسـأل
سـألتني  عـن أنـاس iiهـلكوا      شـرب  الدهر عليهم وأكل  (5)
بـلـغوا الـمـلك فـلما iiبـلغوا      بـخسار  وانـتهى ذاك iiالأجـل
وضـع  الـدهر عـليهم بـركه      فـأبيدوا  لـم يـغادر غـير iiتل
فـأرانـي طـربا فـي iiإثـرهم      طـرب الواله أو كالمختبل  (6)
أنـشـد الـنـاس ولا iiأنـشدهم      إنـما يـنشد من كان أضل  (7)
ليت شعري إذ مضى ما قد مضى      وتـجـلى الأمـر لـله iiالأجـل
مــا  يـظـنن بـناس iiقـتلوا      أهـل صـفين وأصحاب iiالجمل
أيـنـامون إذا مــا iiظـلـموا      أم  يـبـيتون بـخوف iiووجـل

---------------------------
(1) من الآية 9 في سورة الحجرات ، وقد اشتشهد بالآية مع إسقاط الفاء في أولها ، وهو جائز ، انظر حواشي الحيوان ( 4 : 57 ) .
(2) في الطبري ( 6 : 40 ) : ( وكان إذا صلى الغداة يقنت ) .
(3) وكذا في ح ( 1 : 200 ) لكن بدله في الطبري : ( وأبا الأعور السلمي ) .
(4) وكذا في الطبزي ، لكن في ح : ( فكان إذا صلى ) .
(5) انظر للكلام على نسبة هذا البيت وروايته الحيوان ( 5 : 28 ) .
(6) الطرب ، هاهنا : الحزن ، والواله : كل أنثى فارقت ولدها ، وفي الأصل : ( الوالد ) تحريف .
(7) أنشد : أطلب ، ولا أنشدهم : لا أدل عليهم ، وفي الأصل : ( من قال أضل ) وصوابه من اللسان ( 4 : 433 ) .

واقعة صفين _ 505 _

  وقال طلبة بن قيس بن عاصم المنقري :
إذا فـاز دوني بالمودة مالك  (1)       وصـاحبه الأدنـى عدي بن حاتم
وفـاز  بها دوني شريح بن iiهانئ      فـفيم نـنادي لـلأمور iiالـعظائم
ولو قيل من يفدي عليا فديته  (2)       بنفسك يا طلب بن قيس بن عاصم
لـقلت نـعم تـفديه نفس iiشحيحة      ونـفدي  بـسعد كـلها حي هاشم
  نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي قال : سمعت تميم بن حذيم (3) الناجي يقول : لما استقام لمعاوية أمره لم يكن شيء أحب إليه من لقاء عامر بن واثلة ، فلم يزل يكاتبه ويلطف حتى أتاه ، فلما قدم ساءله عن عرب الجاهلية ، قال : ودخل عليه عمرو بن العاص ونفر معه فقال لهم معاوية : تعرفون هذا ؟ هذا فارس صفين وشاعرها ؟ هذا خليل أبي الحسن ، قال : ثم قال : يا أبا الطفيل ، ما بلغ من حبك عليا ؟ قال : ( حب أم موسى لموسى ) . قال : فما بلغ من بكائك عليه ؟ قال : ( بكاء العجوز المقلات (4) ، والشيخ الرقوب (5) ، إلى الله أشكو تقصيري ( فقال معاوية : ولكن أصحابي هؤلاء لو كانوا سئلوا عني ما قالوا في ما قلت في صاحبك ، قال : ( إنا والله لا نقول الباطل ) : فقال لهم معاوية : لا والله ولا الحق ، قال : ثم قال معاوية : هو الذي يقول :
إلـى  رجـب الـسبعين iiتـعترفونني      مع السيف في خيل وأحمي عديدها  (6)
  وقال معاوية : يا أبا الطفيل ، أجزها ، فقال أبو الطفيل :
زحـوف  كـركن الطود كل iiكتيبة      إذا اسـتمكنت مـنها يـفل iiشديدها
كـأن  شـعاع الشمس تحت iiلوائها      مـقارمها حمر النعام وسودها  (7)
شـعارهم  سـيما الـنبي iiورايـة      بـها  يـنصر الرحمن ممن iiيكيدها
لـها سـرعان مـن رجـال iiكأنها      دواهي السباع نمرها وأسودها  (8)
يـمورون  مور الموج ثم iiادعاؤهم      إلـى ذات أنـداد كـثير iiعـديدها
إذا  نـهضت مـدت جناحين iiمنهم      عـلى الخيل فرسان قليل iiصدودها
كـهول وشـبان يـرون iiدمـاءكم      طهورا  وثارات لها تستقيدها  (9)
كـأني  أراكـم حـين تختلف iiالقنا      وزالت  بأكفال الرجال لبودها  (10)
ونـحن  نـكر الـخيل كرا iiعليكم      كخطف  عتاق الطير طيرا تصيدها
إذا  نـعيت مـوتي عـليكم iiكثيرة      وعـيت  أمور غاب عنكم iiرشيدها
هـنـالك الـنفس تـابعة iiالـهدى      ونـار إذا ولـت وأز شديدها  (11)
فـلا تجزعوا إن أعقب الدهر iiدولة      وأصـبح  مـنآكم قـريبا iiبـعيدها

---------------------------
(1) مالك ، هو مالك بن الحارث ، المعروف بالأشتر النخعي ، وفي الأصل : ( هالك ) .
(2) في الأصل : ( ولو قيل بعدي من علي ) صوابه ما أثبت .
(3) الوجه فيه : ( بن حذلم ) كما سبق في ص 169 ، 245 .
(4) المقلات : التي لا يبقى لها ولد ، وفي الأصل : ( الملغاة ) تحريف .
(5) الرقوب : الذي لا يبقى له ولد .
( 6 ) الإجازة هنا تقتضي أن يكون ( عديدها ) بالرفع .
(7) مقارمها ، كذا وردت .
(8) السرعان ، بالتحريك : أوائل القوم المستبقون إلى الأمر ، وفي الأصل : ( لها شرعاء ) والوجه ما أثبت ، وفي الأصل أيضا : ( دواعي السباع ) تحريف .
(9) تستقيدها : تطلب القود فيها ، والقود ، بالتحريك : قتل النفس بالنفس ، وفي الأصل : ( يستعيدها ) محرفة .
(10) الأكفال : جمع كفل ، بالكسر ، وهو الذي لا يثبت على ظهور الخيل .
(11) كذا ورد هذا البيت .

واقعة صفين _ 506 _

  فيبدو أن في البيت تحريفا فقالوا : نعم ، قد عرفناه ، هذا أفحش شاعر ، وألام جليس (1) فقال معاوية يا أبا الطفيل ، أتعرف هؤلاء ؟ قال : ما أعرفهم بخير ولا أبعدهم من شر ، فأجابه أيمن بن (2) خريم الأسدي :
إلـى رجـب أو غـرة الشهر iiبعده      يـصبحكم  حـمر الـمنايا وسودها
ثـمانين ألـفا ديـن عـثمان iiدينهم      كـتائب  فـيها جـبرئيل iiيـقودها
فمن عاش عبدا عاش فينا ومن يمت      فـفي النار يسقى ، مهلها iiوصديدها
  ـ من هنا عند ابن عقبة ـ نصر ، عن عمرو بن شمر عن جابر قال : سمعت تميم بن حذيم (3) الناجي يقول : أصيب في المبارزة من أصحاب علي (4) : عامر بن حنظلة الكندي يوم النهر ، وبسر بن زهير الأزدي ، ومالك بن كعب العامري ، وطالب بن كلثوم الهمداني ، والمرتفع بن الوضاح الزبيدي أصيب بصفين ، وشرحبيل بن طارق البكري ، وأسلم بن يزيد الحارثي ، وعلقمة بن حصين الحارثي ، والحارث بن الجلاح الحكمي ، وعائذ بن كريب الهلالي ، وواصل بن ربيعة الشيباني ، وعائذ بن مسروق الهمداني ، ومسلم بن سعيد الباهلي ، وقدامة بن مسروق العبدي ، والمخارق بن ضرار المرادي ، وسلمان بن الحارث الجعفي ، وشرحبيل بن الأبرد الحضرمي ، والحصين بن سعيد الجرشي ، وأبو أيوب بن باكر الحكمي ، وحنظلة بن سعد التميمي ، ورويم بن شاكر الأحمري ، وكلثوم بن رواحة النمري ، وأبو شريح بن الحارث الكلاعي ، وشرحبيل بن منصور الحكمي ، ويزيد بن واصل المهري ، وعبد الرحمن بن خالد القيني ، وصالح بن المغيرة اللخمي ، وكريب بن الصباح الحميري من آل ذي يزن قتله علي (5) ، والحارث بن وداعة الحميري ، وروق بن الحارث الكلاعي ، والمطاع بن المطلب القيني ، والوضاح بن أدهم السكسكي ، وجلهمة بن هلال الكلبي ، وابن سلامان الغساني ، وعبد الله بن جريش العكي وابن قيس ، والمهاجر بن حنظلة الجهني ، والضحاك بن قيس ، ومالك بن وديعة القرشي ، وشريح بن العطاء الحنظلي ، والمخارق بن علقمة المازني ، وأبو جهل بن ظالم الرعيني ، وعبيدة بن رياح الرعيني ، ومالك بن ذات (6) الكلبي ، وأكيل بن جمعة الكناني ، والربيع بن واصل الكلاعي ، ومطرف بن حصين العكي ، وزبيد بن مالك الطائي ، والجهم بن المعلي ، والحصين بن تميم الحميريان والأبرد بن علقمة الحرقي من أصحاب طلحة والزبير ، والهذيل بن الأشهل التميمي والحارث بن حنظلة الأزدي ، ومالك بن زهير الرقاشي ، وعمرو بن يثربي الضبي (7) ، والمجاشع بن عبد الرحمن ، والنعمان بن جبير اليشكري (8) ، والنضر بن الحارث الضبي ، والقاسم بن منصور الضبي ، وزامل بن طلحة الأزدي ، وكرز بن عطية الضبي ، ورفاعة بن طالب الجرهمي ، والأشعث بن جابر ، وعبد الله بن المنهال الساعدي ، وعبد الله بن الحارث المازني ، والحكم بن حنظلة الكندي ، وأبرهة بن زهير المذحجي ، وهند الجملي (9) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( والم جليس ) .
(2) هاتان الكلمتان ساقطتان من الأصل ، وانظر 431 ، 502 ، 503 .
(3) انظر ما سبق في ص 555 .
(4) كذا ، ونجد في جملة من سرد من الأعلام أسماء كثير من أصحاب معاوية ، وقد تعذر التمييز الدقيق بين هؤلاء وهؤلاء لندرة تراجمهم . كما أن هذه الأسماء تضمنت بعض من قتل في غير صفين .
(5) قتله علي يوم صفين ، انظر الإصابة 7483 .
(6) كذا ، ولعلها : ( زرارة ) .
(7) عمرو بن يثربي الضبي ، كان من رءوس ضبة في الجاهلية ثم أسلم ، وهو قاتل علباء بن الهيثم السدوسي ، وهند بن عمرو الجملي ، وزيد بن صوحان العبدي ، قتلهم يوم الجمل ، فأسره عمار بن ياسر فجاء به إلى علي ( عليه السلام ) فأمر بقتله ، ولم يقتل أسيرا غيره ، وهو القائل : انظر الإصابة 6513 والاشتقاق 246 - 247 .
(8) في الأصل : ( والمجاشع بن عبد الرحمن النعماني بن حبير اليشكري ) ، والوجه ما أثبت .
(9) هو هند بن عمرو الجملي ، نسبة إلى جمل بن سعد العشيرة ، حي من مذحج ، انظر المعارف 48 والاشتقاق 246 واللسان ( مادة جمل ) ، قتله عمرو بن يثربي ، كما سبقت الإشارة إليه في التنبيه الثاني ، انظر الإصابة 9056 ، وفي الأصل : ( همد الحملي ) تحريف .

واقعة صفين _ 507 _

  ابن صوحان العبدي (1) ، ومالك بن حذيم الهمداني (2) ، وشرحبيل بن امرئ القيس الكندي ، وعلباء بن الهيثم البكري (3) ، وزيد بن هاشم المري ، وصالح بن شعيب القيني ، وبكر بن علقمة البجلي ، والصامت بن قنسلي الفوطي (4) ، وكليب بن تميم الهلالي ، وجهم الراسبي ، والمهاجر بن عتبة الأسدي ، والمستنير بن معقل الحارثي ، والأبرد بن طهرة الطهوي ، وعلباء بن المخارق الطائي ، وبواب بن زاهر (5) ، وأبو أيوب بن أزهر السلمي ، زهاء عشرة آلاف ، وأصيب يوم الوقعة العظمي أكثر من ذلك ، وأصيب فيها من أصحاب علي ما بين السبعمائة إلى الألف ، وأصيب بصفين من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ، وأصيب بها من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا ، وأصيب يوم النهروان على قنطرة البردان (6) من المحكمة خمسة آلاف ، وأصيب منهم ألف بالنخيلة بعد مصاب علي ، وأصيب من أصحاب علي يوم النهروان ألف وثلاثمائة ، قال : وذكر جابر عن الشعبي وأبي الطفيل ، ذكروا في عدة قتلى صفين والنهروان والنخيلة نحوا مما ذكر تميم الناجي .
  آخر كتاب صفين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا :

---------------------------
(1) وهذا زبد قتله كذلك عمرو بن يثربي الضبي في وقعة الجمل ، اختلف في صحبته ، الإصابة 2991 .
(2) هذا غير مالك بن حريم الهمداني الشاعر الجاهلي الذي ذكره المرزباني في معجمه ص 357 .
(3) هو علباء بن الهيثم بن جرير السدوسي البكري ، نسبة إلى سدوس بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، استشهد في وقعة الجمل ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في ترجمة عمرو بن يثربي ص 557 .
(4) كذا ورد هذا الاسم .
(5) المعروف في أعلامهم ( ثواب ») ، ومنه المثل : ( أطوع من ثواب ) .
(6) قنطرة البردان ، بفتح الباء والراء ، والبردان : محلة ببغداد ، انظر معجم البلدان ، وفي الأصل : ( البودان ) تحريف .