ويـحمي ، إذا مـا الـموت كـان iiلقاؤه      قدي الشبر ، يحمي الأنف أن يتأخرا  (1)
كـلـيث هـزبر كـان يـحمي ذمـاره      رمـته الـمنايا قـصدها فـتقطرا  (2)
  مع أن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها فعلت ، نصر : عمرو ، عن أبي روق الهمداني أن يزيد بن قيس الأرحبي حرض الناس بصفين ، قال : فقال : ( إن المسلم السليم (3) من سلم دينه ورأيه ، إن هؤلاء القوم والله ما إن يقاتلونا (4) على إقامة دين رأونا ضيعناه ، ولا إحياء عدل رأونا أمتناه ، ولا يقاتلونا (5) إلا على إقامة الدنيا ؛ ليكونوا جبابرة فيها ملوكا ، فلو ظهروا عليكم ـ لا أراهم الله ظهورا ولا سرورا ـ إذا ألزموكم (6) مثل سعيد والوليد (7) .
ولـكن  إقـدامي إذا الـخيل أحجمت      وصبري إذا ما الموت كان قدى الشبر
  وقد نسب بيت حاتم هذا في اللسان ( 20 : 32 ) إلى هدبة بن الخشرم ، وروايته فيه :
وإنـي إذا مـا الموت لم يك دونه      قدى الشبر أحمي الأنف أن يتأخرا
  وفي اللسان : ( أتأخرا ) ، في الأصل : ( لدى الشر ) وفي ح : ( قدى السير ) صوابهما ما أثبت .

---------------------------
(1) قدى الشبر ، بكسر القاف والقصر ، أي قدره ، كأنه مقلوب من قيد ، بالكسر ، يقال قدى رمح وقد رمح وقاد رمح ، وأنشد :
(2) تقطر : سقط صريعا ، وهذا البيت لم يرو في الديوان .
(3) هذه الكلمة ليست في ح .
(4) في الأصل : ( يقاتلوا ) صوابه في ح ( 1 : 485 ) .
(5) في الأصل : ( ولن يقاتلونا ) وأثبت ما في ح .
(6) ح ( 1 : 485 ) : ( إذا لوليكم ) والعبارتان متقاربتان .
(7) يعني سعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة ، أما سعيد فكان واليا لعثمان على الكوفة بعد الوليد بن عقبة ، وولاه معاوية المدينة وتوفى سنة 53 ، وأما الوليد بن عقبة بن أبي معيط فكان أخا عثمان لأمه ، وولاه الكوفة ثم عزله عنها وجلده لشربه الخمر ، وكان ممن يحرض معاوية على قتال علي ، انظر ما سبق في ص 52 ـ 54 .

واقعة صفين _ 241 _

  وعبد الله بن عامر (1) السفيه ، يحدث (2) أحدهم في مجلسه بذيت وذيت ، ويأخذ مال الله ويقول : هذا لي ولا إثم علي فيه ، كأنما أعطى تراثه من أبيه ، وإنما هو مال الله أفاءه الله علينا بأسيافنا ورماحنا ، قاتلوا ، عباد الله ، القوم الظالمين ، الحاكمين بغير ما أنزل الله ، ولا تأخذكم في جهادهم لومة لائم ، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا دينكم ودنيا كم ، وهم من قد عرفتم وجربتم ، والله ما أرادوا إلى هذا إلا شرا (3) ، ( وأستغفر الله العظيم لي ولكم ) ، فقاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة حتى انتهى إلى معاوية مع الذين بايعوه على الموت ، فأقبلوا إلى معاوية فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل في الميمنة ، وبعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة ، فحمل بمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم ، وكشف أهل العراق ميلا من قبل الميمنة ، حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة من القراء ، واستند بعضهم إلى بعض ، وانجفل الناس عليهم (4) ، فأمر على سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان مع علي من أهل المدينة ، فاستقبلتهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة ، فحملوا عليهم وألحقوهم بالميمنة .

---------------------------
(1) هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، ابن خال عثمان ابن عفان ، ولاه عثمان البصرة ثم وليها لمعاوية ، وكان قد فتح خراسان في أيام عثمان ، فأحرم من نيسابور وقدم عليه ، فلامه على ما صنع وقال : ( غررت بنسكك ) ، الإصابة 6175 والمعارف 139 ـ 140 .
(2) في الأصل : ( الذي يحدث ) وكلمة : ( الذي ) مقحمة .
(3) ح ( 1 : 485 ) : ( ما أرادوا باجتماعهم عليكم إلا شرا ) .
(4) انجفلوا عليهم : ذهبوا مسرعين نحوهم ، وفي الحديث : ( لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المدينة انجفل الناس قبله ) ، أي ذهبوا مسرعين نحوه ، وفي الأصل : ( انحفل ) صوابه بالجيم ، الميسرة ، فأنصرف عنه مضر من الميسرة ، وثبت ربيعة .

واقعة صفين _ 242 _

   وكانت الميمنة متصلة إلى موقف علي في القلب في أهل اليمن ، فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي ؛ فانصرف علي يمشي نحو نصر : عن عمر بن سعد ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب قال : مر علي يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة ( ومعه ربيعة وحدها ) وإني لأرى النبل بين عاتقه ومنكبيه ، وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه ، فيكره علي ذلك ، فيتقدم (1) عليه فيحول بينه وبين أهل الشام ، ويأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه ، أو من ورائه ، فبصر به أحمر ـ مولى أبي سفيان ، أو عثمان ، أو بعض بني أمية ـ فقال علي : ورب الكعبة قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني ! فأقبل نحوه ، فخرج إليه كيسان مولى علي ، فاختلفا ضربتين ، فقتله مولى بني أمية وخالط عليا ليضربه بالسيف ، فانتهزه علي (2) فتقع يده في حبيب درعه (3) فجذبه ثم حمله على عاتقه ، فكأني أنظر إلى رجليه تختلفان على عنق علي ، ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضده ، وشد ابنا علي عليه : الحسين ومحمد ، فضرباه بأسيافهما حتى برد (4) ، فكأني أنظر إلى علي قائما وشبلاه يضربان الرجل ، حتى إذا أتيا عليه (5) أقبلا إلى أبيهما والحسن معه قائم ، قال : يا بني ، ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك ؟ قال : كفياني يا أمير المؤمنين ، ثم إن أهل الشام دنوا منه ـ والله ما يزيده قربهم منه ( ودنوهم إليه ) سرعة في مشية (6) ـ فقال له الحسن : ما ضرك لو سعيت حتى تنتهى إلى هؤلاء الذين صبروا لعدوك من أصحابك ؟ ـ ( قال : يعني ربيعة الميسرة ) ـ قال : يا بني ( إن ) لأبيك يوما لن يعدوه ، ولا يبطئ به عنه السعي ، ولا يعجل به إليه المشي ، إن أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه .

---------------------------
(1) في الأصل : ( فيقدم ) وأثبت ما في ح ( 1 : 486 ) .
(2) انتهزه ، بالزاي : بادر إليه وأسرع ، قال : وانتهز الحق إذا الحق وضح .
(3) أي يد علي ، في الأصل : ( فوقع يده ) وأثبت ما في ح .
(4) برد : مات .
(5) في الأصل : ( قتلاه ») وأثبت ما في ح .
(6) في الأصل : ( إلا سرعة في مشيه ) والوجه حذف ( لا ) كما في ح ، وهو ما يقتضيه السياق .

واقعة صفين _ 243 _

  الذين صبروا لعدوك من أصحابك ؟ ـ ( قال : يعني ربيعة الميسرة ) ـ قال : يا بني ( إن ) لأبيك يوما لن يعدوه ، ولا يبطئ به عنه السعي ، ولا يعجل به إليه المشي ، إن أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي إسحاق ، قال : خرج علي يوم صفين وفي يده عنزة (1) ، فمر على سعيد بن قيس الهمداني ، فقال له سعيد : أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب عدوك ؟ فقال له علي : ( إنه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب ، أو يخر عليه حائط ، أو تصيبه آفة ، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه ) ، نصر ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج ، عن مولى الأشتر قال : لما انهزمت ميمنة أهل العراق أقبل علي يركض نحو الميسرة يستثيب الناس (2) ويستوقفهم ويأمرهم بالرجوع نحو الفزع ، حتى مر بالأشتر فقال له : يا مالك ، قال : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : ائت ( هؤلاء ) القوم فقل لهم : أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم ؟ فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم هؤلاء الكلمات التي أمره علي بهن (3) وقال : أيها الناس ، أنا مالك بن الحارث ـ ( يكررها ـ فلم يلو أحد منهم عليه ) ، ثم ظن أنه بالأشتر أعرف في الناس فقال : أيها الناس ، أنا الأشتر ، إلى أيها الناس .

---------------------------
(1) العنزة ، بالتحريك : رميح بين العصا والرمح في أسفله زج .
(2) يستثيب الناس : يسترجعهم ؛ ثاب : رجع ، وفي الأصل : ( يستئيب ) وفي ح : ( يستتب ) ووجههما ما أثبت .
(3) ح : ( فقال لهم الكلمات ) وفي الطبري ( 6 : 11 ) : ( هذه الكلمات التي قالها له علي ) .

واقعة صفين _ 244 _

  فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فقال : عضضتم بهن أبيكم ، ما أقبح ( والله ) ما قاتلتم اليوم (1) يأيها الناس ، غضوا الأبصار ، وعضوا على النواجذ ، واستقبلوا القوم بهامكم ، ثم شدوا شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم ، حنقا على عدوهم ، وقد وطنوا على الموت أنفسهم ، كي لا يسبقوا بثأر ، إن هؤلاء القوم والله لن يقارعوكم إلا عن دينكم ، ليطفئوا السنة ، ويحيوا البدعة ، ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة ، فطيبوا عباد الله نفسا بدمائكم دون دينكم ؛ فإن الفرار فيه سلب العز ، والغلبة على الفيء ، وذل المحيا والممات ، وعار الدنيا والآخرة ، وسخط الله وأليم عقابه ، ثم قال : أيها الناس ، أخلصوا إلى مذحجا ، فاجتمعت إليه مذحج ، فقال لهم : عضضتم بصم الجندل ! والله ما أرضيتم اليوم ربكم ، ولا نصحتم له في عدوه ، فكيف بذلك وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات ، وفتيان الصباح (2) ، وفرسان الطراد ، وحتوف الأقران ، ومذحج الطعان (3) ، الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ولا تطل دماؤهم ، ولا يعرفون في موطن من المواطن بخسف وأنتم أحد أهل مصركم (4) ، وأعد حي في قومكم (5) وما تفعلوا في في هذا اليوم فإنه مأثور بعد اليوم ، فاتقوا مأثور الحديث في غد (6) واصدقوا عدوكم اللقاء ؛ فإن الله مع الصابرين .

---------------------------
(1) وسيأتي في ص 252 قوله : ( والله ما أحسنتم اليوم القراع ) ، في ح : ( ما فعلتم ) .
(2) فتيان الصباح : فتيان الغارة ، وكانوا يسمون يوم الغارة يوم الصباح .
(3) في المعارف 49 والعمدة ( 2 : 156 ) : ( كان يقال : مازن غسان أرباب الملوك ، وحمير أرباب العرب ، وكندة كندة الملك ، ومذحج مذحج الطعان ، وهمدان أحلاس الخيل ) .
(4) ح : ( وأنتم سادة مصركم ) .
(5) أعد : أكثر عددا ، وفي الحديث : ( يخرج جيش من المشرق آدى شيء وأعده ) أي أكثره استعدادا وعددا ، وفي ح : ( وأعز حي ) من العزة ، وما أثبت من الأصل يوافق ما في الطبري .
(6) مأثور الحديث : ما يؤثر ويروى ويخبر الناس به بعضهم بعضا ، وفي الأصل : ( وأبقوا مآثر الحديث في غد ) صوابه في ح والطبري .

واقعة صفين _ 245 _

  والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء ـ وأشار بيده إلى أهل الشام ـ رجل علي مثل جناح بعوضة من دين الله ، والله ما أحسنتم اليوم القراع ، اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي ، عليكم بهذا السواد الأعظم ، فإن الله لو ( قد ) فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر (1) السيل مقدمه ، قالوا : خذ بنا حيث أحببت ، فصمد بهم نحو عظمهم مما نحو الميمنة ، وأخذ يزحف إليهم الأشتر ويردهم ، ويستقبله شباب من همدان (2) وكانوا ثماني مائة مقاتل يومئذ وقد انهزموا آخر الناس ، وكانوا قد صبروا في ميمنة علي ( عليه السلام ) حتى أصيب منهم ثمانون ومائة رجل ، وقتل منهم أحد عشر رئيسا ، كلما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر ، فكان أولهم كريب بن شريح ، وشرحبيل بن شريح ، ومرثد بن شريح ، وهبيرة بن شريح ، ثم يريم بن شريح (3) ، ثم شمر بن شريح (4) ، قتل هؤلاء الإخوة الستة جميعا ، ثم أخذ الراية سفيان بن زيد ، ثم عبد بن زياد ، ثم كرب بن زيد (5) فقتل هؤلاء الإخوة الثلاثة جميعا ، ثم أخذ الراية عمير بن بشر (6) ، والحارث بن بشر ، فقتلا ، ثم أخذ الراية وهب بن كريب (7) أبو القلوص ، فأراد أن يستقبل فقال له رجل من قومه :

---------------------------
(1) هذه من الطبري .
(2) في الأصل : ( واستقبله سنام من همدان ) ، ح ( 1 : 487 ) : ( واستقبله أشباههم من همدان ) ، وأثبت ما في الطبري .
(3) في الأصل : ( بريم ) صوابه من الطبري ، وفي ح : ( هريم ) .
(4) التكملة من ح والطبري ، لكن في الطبري : ( سمير ) .
(5) الطبري : ( كريب بن زيد ) وفي ح : ( سفيان بن زيد ، ثم كرب بن زيد ، ثم عبد الله بن زيد ) .
(6) في الأصل : ( عميرة بن بشر ) وأثبت ما في ح ، وفي الطبري : ( عمير بن بشير ) .
(7) في الأصل : ( وهيب ) وأثبت ما في ح والطبري .

واقعة صفين _ 246 _

  انصرف ( يرحمك الله ) بهذه الراية ترحها الله (1) من راية ، فقد قتل أشراف قومك حولها ، فلا تقتل نفسك ولا من بقي ممن معك ، فانصرفوا وهم يقولون : ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا ثم نستقدم نحن وهم ، فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر (2) ، فمروا بالأشتر وهم يقولون هذا القول ، فقال لهم الأشتر : إلى ، أنا أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظهر أو نهلك (3) فوقفوا معه ( على هذه النية والعزيمة ) ، ففي هذا القول قال كعب ابن جعيل (4) : ، وهمدان زرق تبتغي من تحالف (5) ، وزحف الأشتر نحو الميمنة ، وثاب إليه أناس تراجعوا من أهل البصيرة والحياء والوفاء (6) ، فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها ، ولا لجمع إلا حازه ورده (7) ، فإنه لكذلك إذ مر بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر فقال : من هذا ؟ قيل : ( زياد بن النضر ، استلحم عبد الله بن بديل (8) ) وهو وأصحابه في الميمنة ، فتقدم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع ) ، ثم لميمكثوا إلا كلا شئ حتى مروا بيزيد بن قيس محمولا إلى العسكر ، فقال الأشتر : من هذا ؟ قالوا : يزيد بن قيس ، لما صرع زياد بن النضر رفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع ، فقال الأشتر : هذا والله الصبر الجميل ، والفعل الكريم ، ألا يستحيي الرجل أن ينصرف لم يقتل ولم يقتل ولم يشف به على القتل ؟ .

---------------------------
(1) ترحها الله ، دعاء عليها بالترح ، وهو الحزن والهم ، وفي اللسان : ( ترحه الأمر تتريحا : أي أحزنه ) ، وهذه الكلمة ليست في الطبري وفي ح : ( نزحها الله ) تحريف .
(2) الظهور : الظفر ، ظهر عليه ظهورا وأظهره الله عليه ح : ( حتى نظفر أو نقتل ) الطبري : ( حتى تقتل أو نظفر ) .
(3) ح والطبري : ( حتى نظفر أو نهلك ) .
(4) في الأصل : ( في هذا القول فقال كعب بن جعيل ) وأثبت ما في الطبري ، وفي ح : ( فهذا معنى قول كعب بن جعيل ) .
(5) المراد بالزرق زرق العيون ، والعرب يتهاجون بذلك ، ويعدونه من اللؤم ، انظر الحيوان ( 3 : 175 و 5 : 330 ـ 331 ) .
(6) ح : ( أهل الصبر والوفاء والحياء ) .
(7) في الأصل وح : ( جازه ) صوابه بالحاء كما في الطبري ، انظر ما سبق ص 234 .
(8) استلحم ، بالبناء للمفعول : احتوشه العدو في القتال ، وهذه التكملة من الطبري ( 6 : 12 ) ، والكلام في ح محرف مبتور .

واقعة صفين _ 247 _

  نصر ، عن عمر ، عن الحر بن الصياح (1) النخعي (2) أن الأشتر كان يومئذ يقاتل على فرس له ، في يده صفيحة ( له ) يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا ؛ فإذا رفعها كاد يغشي البصر (3) شعاعها ، ويضرب بسيفه قدما وهو يقول : ، الغمرات ثم ينجلينا (4) .

---------------------------
(1) الحر ، بضم الحاء المهملة وتشديد الراء ، بن الصياح ، كشداد ، النخعي الكوفي ، ثقة من الثالثة ، وروى عن ابن عمر وأنس وعبد الرحمن بن الأخنس ، وعنه شعبة والثوري وأبو خيثمة وعمرو بن قيس الملائي ، انظر تهذيب التهذيب والمشتبه 310 ، وفي الأصل : ( الحر بن الصباح ) وأثبت ما في التهذيب والمشتبه مطابقا ما في الطبري ، وفي ح : ( الحارث ابن الصباح ) وهو رجل شيعي آخر ذكره ابن حجر في لسان الميزان ( 6 : 153 ) وقال إنه تابعي روى عن علي .
(2) هذه التكملة من الطبري ، وهي تعين أنه ( الحر بن الصياح النخعي ) .
(3) يغشى البصر : يذهب به ، وفي كتاب الله : ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) ، وقد وردت هكذا بالغين المعجمة في الأصل وح والطبري ، وهم يقولون كثيرا في نحو هذا المقام : ( يعشى ) بالعين المهملة ، والعشا : ضعف الإبصار .
(4) هو للأغلب العجلي ، كما في أمثال الميداني ، في الأصل : ( غمرات ) وفي أمثال الميداني : ( غمرات ثم ينجلين ) ويروى : ( الغمرات ثم ينجلين ) ، وهذا الأخير هو الوجه في الإنشاد ، ففي جمهرة العسكري 150 عند الكلام على المثل : هو من قول الراجز :

واقعة صفين _ 248 _

   قال : فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي ، والأشتر مقنع في الحديد ، فلم الغمرات ثم ينجلين ، عنا وينزلن بآخرين شدائد يتبعهن لين وانظر مقاييس اللغة ( غمر ) ، يعرفه ، فدنا منه وقال له : جزاك الله منذ اليوم عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وجماعة المسلمين خيرا ، فعرفه الأشتر فقال : يا ابن جمهان ، أمثلك يتخلف اليوم عن مثلى موطني هذا الذي أنا فيه ؟ فتأمله ابن جمهان فعرفه ، وكان الأشتر من أعظم الرجال وأطوله (1) ، إلا أن في لحمه خفة قليلة ـ قال : جعلت فدك ، لا والله ما علمت مكانك حتى الساعة ، ولا أفارقك حتى أموت ، قال : ورآه (2) منقذ وحمير ابنا قيس الناعطيان (3) فقال منقذ لحمير : ما في العرب رجل مثل هذا إن كان ما أرى من قتاله على نيته ، فقال له حمير : وهل النية إلا ما ترى ؟ قال : إني أخاف أن يكون يحاول ملكا ، نصر ، عن عمر (4) ، عن فضيل بن خديج ، عن مولي الأشتر قال : لما اجتمع إلى الأشتر عظم من كان انهزم من الميمنة حرضهم فقال لهم : ( عضوا على النواجذ من الأضراس ، واستقبلوا القوم بهامكم ، فإن الفرار من الزحف فيه سلب العز ، والغلبة علي الفيء ، وذل المحيا والممات ، وعار الدنيا والآخرة (5) ، ثم حمل عليهم حتى كشفهم فألحقهم بصفوف معاوية (6) بين صلاة العصر والمغرب ، نصر ، عن عمر ، عن محمد بن إسحاق ، أن عمرو بن حمية الكلبي خرج يوم صفين وهو مع معاوية يدعو للبراز .

---------------------------
(1) في الأصل وح : ( وأطولهم ) وأثبت ما في الطبري ، وانظر التنبيه السادس من ص 241 .
(2) في الأصل : ( ورأى ) وفي ح : ( رأى الأشتر يومئذ منقذا وحميرا ابنا قيس ) تحريف ، صوابه من الطبري .
(3) بنو ناعط : قبيلة في اليمن ، انظر الاشتقاق 251 ، وفي الأصل : (البعطبان ) ح ( 1 : 488 ) : ( اليقظيان ) والأشبه ما أثبت من الطبري .
(4) ح : ( عمرو ) .
(5) الخطبة في تاريخ الطبري ( 6 : 12 ) مسهبة .
(6) ح : ( بمضارب معاوية ) .

واقعة صفين _ 249 _

  نصر ، عن عمر (1) ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عليا لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها وكشف من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم ، أقبل حتى انته إليهم فقال : إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم (2) الجفاة الطغام وأعراب أهل الشام ، وأنتم لهاميم العرب ، والسنام الأعظم ، وعمار الليل بتلاوة القرآن ، وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون (3) ، فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره ، وكنتم فيما أرى من الهالكين ، ولقد هون علي بعض وجدي ، وشفي بعض أحاح نفسي (4) أني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم ، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم ، تحوزونهم بالسيوف ليركب أولهم آخرهم ؛ كالإبل المطردة الهيم (5) ، فالآن فاصبروا ، أنزلت عليكم السكينة ، وثبتكم الله باليقين ، وليعلم المنهزم أنه مسخط لربه ، وموبق نفسه ؛ وفي الفرار موجدة الله عليه ، والذل اللازم له ، والعار الباقي ، واعتصار الفيء من يده (6) ، وفساد العيش ، وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره ، ولا يرضى ربه ، فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها (7) والإقرار عليها .

---------------------------
(1) ح ( 1 : 488 ) : ( عمرو ) .
(2) يحوزكم : ينحيكم عن مراكزكم ، في الأصل : ( وتحززكم ) صوابه في ح والطبري ( 6 : 14 ) ، وانظر ما مضى ص 234 .
(3) في الأصل : ( إذا ضل ) وأثبت ما في ح والطبري .
(4) الأحاح ، بالضم : اشتداد الحزن والغيظ ، وفي الأصل : ( حاج ) صوابه في الطبري ، وفي ح : ( لاعج ) .
(5) الهيم : العطاش ، في الأصل وح : ( المطرودة ) وأثبت ما في الطبري .
(6) كلمة : ( له ) من ح ، وباقي التكملة من الطبري .
(7) الطبري : ( بالتأنيس لها ) .

واقعة صفين _ 250 _

  نصر ، عن عمر قال : حدثنا أبو علقمة الخثعمي ، أن عبد الله بن حنش الخثعمي رأس خثعم مع معاوية ، أرسل إلي أبي كعب رأس خثعم مع علي : أن لو شئت لتواقفنا فلم نقتتل ، فإن ظهر صاحبك كنا معكم ، وإن ظهر صاحبنا كنتم معنا ولم يقتل بعضنا بعضا ، فأبي أبو كعب ذلك ، فلما التقت خثعم وخثعم وزحف الناس بعضهم إلي بعض ، قال رأس خثعم الشام لقومه : يا معشر خثعم ، قد عرضنا (1) على قومنا من أهل العراق الموادعة صلة لأرحامهم ، وحفظا لحقهم ، فأبوا إلا قتالنا ، فقد بدءونا بالقطيعة فكفوا أيديكم عنهم حفظا لحقهم أبدا ما كفوا عنكم ؛ فإذا قاتلوكم فقاتلوهم ، فخرج رجل من أصحابه فقال : إنهم قد ردوا عليك رأيك وأقبلوا يقاتلونك ، ثم برز فنادى : رجل لرجل يا أهل العراق ، فغضب رأس خثعم من أهل الشام ، فقال : اللهم قيض له وهب بن مسعود ـ رجلا من خثعم من أهل الكوفة ، وقد كانوا يعرفونه في الجاهلية ، لم يبارزه رجل قط إلا قتله ـ فخرج إليه وهب بن مسعود فحمل على الشامي فقتله ، ثم اضطربوا ( ساعة ) فاقتتلوا أشد القتال ، وأخذ أبو كعب يقول لأصحابه : يا معشر خثعم : خدموا (2) ، وأخذ صاحب الشام يقول : يا أبا كعب ، الكل قومك فأنصف ! فاشتد قتالهم ، فحمل شمر بن عبد الله الخثعمي من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة فطعنه ، فقتله ، ثم انصرف يبكي ويقول : رحمك الله يا أبا كعب ، لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم وأحب إلى نفسا منهم ، ولكن والله ما أدرى ما أقول ، ولا أري (3) الشيطان إلا قد فتننا ، ولا أرى قريشا إلا قد لعبت بنا ، ووثب كعب بن أبي كعب إلى راية أبيه فأخذها ، ففقئت عينه وصرع ، ثم أخذها شريح بن مالك فقاتل القوم تحتها ، حتى صرع منهم حول رايتهم ثمانون رجلا ، وأصيب من خثعم الشام نحو منهم ، ثم إن شريح بن مالك ردها بعد ذلك إلى كعب بن أبي كعب .

---------------------------
(1) في الأصل : ( عرضت ) ، وأثبت ما في ح .
(2) فسره ابن أبي الحديد في ( 1 : 489 ) بقوله : ( أي اضربوا موضع الخدمة وهي الخلخال ، يعني اضربوهم في سوقهم ) .
(3) في الأصل : ( أدري ) ، صوابه في ح .

واقعة صفين _ 251 _

  نصر ، عن عمرو (1) ، عن عبد السلام بن عبد الله بن جابر (2) ، أن راية بجيلة في صفين كانت في أحمس مع أبي شداد ـ وهو قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عامر (3) بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار . فقالت له بجيلة : خذ رايتنا ، فقال : غيري خير لكم مني ، قالوا : ما نريد غيرك ، قال : فوالله لئن أعطيتمونيها لا أنتهى (4) بكم دون صاحب الترس المذهب ـ قال : وعلى رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب ، يستره من الشمس ـ قالوا : اصنع ما شئت ، فأخذها ثم زحف وهو يقول :
إن عـليا ذو أناة iiصارم      جلد إذا ما حضر العزائم
لما رأى ما تفعل iiالأشائم      قـام له الذروة iiوالأكارم
  الأشيبــــان مالك وهـــاشم ثم زحف بالراية حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب ، وكان في خيل عظيمة من أصحاب معاوية ـ وذكروا أنه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ـ قال : فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا ، قال : وشد أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس ، فتعرض له رومى من دونه لمعاوية ، فضرب قدم أبي شداد فقطعها وضربه أبو شداد فقتله ، وأشرعت إليه الأسنة فقتل ، وأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي وهو يقول :

---------------------------
(1) في الأصل : ( عمر ) ، وأثبت ما في ح .
(2) هو عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسي ، كما في الطبري ، ذكره في لسان الميزان ( 4 : 13 ) وقال : إنه روي عن أبيه ، وذكر في ترجمة أبيه أنه لم يرو عنه إلا ابنه ، انظر ( 3 : 265 ) ، وفي الأصل : ( عبد السلام بن عبد الله عن جابر ) وكلمة ( عن ) محرفة .
(3) في ح : ( بن عمرو بن عوف بن عامر ) ، وما أثبت من الأصل يطابق ما في الإصابة 7307 ، وفي تاريخ الطبري : ( بن عمرو بن جابر ) .
(4) في الأصل : ( لانتهى ) صوابه في ح .

واقعة صفين _ 252 _

لا  يـبعد الله أبـا iiشـداد      حيث  أجاب دعوة المنادى
وشد بالسيف على الأعادي      نعم الفتى كان لدى iiالطراد
  وفي طعــان الخيــل والجــلاد ثم قاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل فقتل ، ثم أخذها عفيف بن إياس ( الأحمسي ) ، فلم تزل بيده حتى تحاجز الناس ، ( قال نصر ) : و ( حدثنا عمرو قال : حدثنا عبد السلام قال ) : قتل حازم بن أبي حازم ، أخو قيس بن أبي حازم ، يومئذ ، وقتل نعيم بن صهيب بن العلية البجلي (1) ، فأتى ابن عمه وسميه نعيم بن الحارث بن العلية (2) معاوية ـ وكان معه ـ فقال : إن هذا القتيل ابن عمى فهبه لي أدفنه ، فقال : لا تدفنهم فليسوا أهلا لذلك ، فوالله ما قدرنا (3) على دفن عثمان معهم إلا سرا ، قال : والله لتأذنن لي في دفنه أو لا لحقن بهم ولأدعنك ، فقال له معاوية : ( ويحك ) ترى أشياخ العرب لا نواريهم (4) وأنت تسألني دفن ابن عمك ؟ ثم قال له : ادفنه إن شئت أو دع (5) ، فأتاه فدفنه ، نصر ، عن عمر (6) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( نعيم بن سهيل بن الثعلبة ) وأثبت ما في الطبري مع هذه التكملة ، وفي ح ( 1 : 489 ) : ( نعيم بن شهد بن التغلبية ) .
(2) في الأصل : ( الثعلبة ) وفي ح : ( الثعلبية ) وأثبت ما في الطبري .
(3) في الأصل : ( ما قدر ) وأثبت ما في ح والطبري .
(4) ح : ( ترى أشياخ العرب قد أجالتهم أمورهم ) .
(5) في الأصل وح : ( أودعه ) وأثبت ما في الطبري .
(6) ح : ( عمرو ) .

واقعة صفين _ 253 _

   عن أبي زهير العبسي ، عن النضر بن صالح أن راية غطفان العراق كانت مع عياش بن شريك بن حارثة بن جندب (1) بن زيد بن خلف بن رواحة ، قال : فخرج رجل من آل ذي الكلاع يسأل المبارزة فبرز إليه قائد بن بكير العبسي ، فبارزه فشد عليه الكلاعي فأوهطه (2) ، فخرج إليه عياش بن شريك أبو سليم فقال لقومه : أنا مبارز الرجل ، فإن أصيب فرأسكم الأسود بن حبيب بن جمانة (3) بن قيس بن زهير ، فإن قتل فرأسكم هرم بن شتير (4) بن عمرو بن جندب ، فإن قتل فرأسكم عبد الله بن ضرار من بني حنظلة بن رواحة ، ثم مشى نحو الكلاعي فلحقه هرم بن شتير فأخذ بظهره فقال : ليمسك رحم (5) ، لا تبرز لهذا الطوال ! قال : هبلتك الهبول (6) ، وهل هو إلا الموت ، قال : وهل يفر إلا منه ؟ ! قال : وهل منه بد ؟ قال : والله لأفتلنه أو ليلحقني (7) بقائد بن بكير ، فبرز له ومعه حجفة له من جلود الإبل ، فدنا منه فنظر عياش بن شريك فإذا الحديد عليه مفرغ لا يرى منه عورة (8) إلا مثل شرائك النعل من عنقه بين بيضته ودرعه ، فضربه الكلاعي فقطع حجفته إلا نحوا من شبر ، ويضر به عياش على ذلك الموضع (9) فقطع نخاعه ، وخرج ابن الكلاعي ثائرا بأبيه ، فقتله بكير بن وائل .

---------------------------
(1) في الأصل : ( بن جارية بن جنيدب ) وأثبت ما في ح .
(2) أوهطه : صرعه صرعة لا يقوم منها .
(3) في الأصل : ( الأسعد بن حبيب بن حمامة ) وأثبت ما في ح .
(4) في الأصل : ( هرم بن شبير ) وأثبت ما في ح .
(5) الرحم : القرابة ، كأنه يتوسل إليه بحق القرابة ، ح : ( لتمسك ) بالتاء .
(6) في اللسان : ( وفي حديث علي : هبلتهم الهبول ، أي ثكلتهم الثكول ، وهي بفتح الهاء من النساء التي لا يبقى لها ولد ) .
(7) في الأصل : ( ليقتلني أو ليلحقن ) صوابه في ح ( 1 : 489 ) .
(8) ح : ( لا يبين من نحره ) .
(9) أي في الموضع الذي كانا فيه ، وفي الأصل : ( وضربه عياش على ذلك المكان ) .

واقعة صفين _ 254 _

  نصر ، قال : عمر ، حدثني أبو الصلت التيمي أن زياد بن خصفة بارزه فقتله ، نصر : عمر ، عن الصلت بن زهير النهدي أن راية بني نهد بن زيد أخذها مسروق بن الهيثم بن سلمة ، فقتل وأخذ الراية صخر بن سمى فارتث (1) ثم أخذها علي بن عمير فقاتل حتى ارتث ، ثم أخذها عبد الله بن كعب فقتل ، ثم رجع إليهم سلمة بن خذيم (2) بن جرثومة وكان يحرض الناس ، فوجد عبد الله بن كعب قد قتل ، فأخذ رايته فارتث وصرع ، فأخذها عبد الله بن عمرو بن كبشة (3) فارتث ، ثم أخذها أبو مسبح (4) بن عمرو الجهني فقتل ، ثم أخذها عبد الله بن النزال فقتل ، ثم أخذها ابن أخيه عبد الرحمن بن زهير فقتل ، ثم أخذها مولاه مخارق فقتل ، حتى صارت إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدي (5) ، ( قال نصر : فحدثنا عمر ، وقال : حدثنا الصلت بن زهير قال : حدثني عبد الرحمن بن مخنف ) قال : صرع يزيد بن المغفل إلى جنبي فقتلت صاحبه وقمت على رأسه (6) ، وقتل أبو زبيب بن عروة فقتلت صاحبه ، وجاءني سفيان بن عوف فقال : أقتلتم (7) يا معشر الأزد يزيد بن المغفل ؟ فقلت له : ( إي والله إنه لهذا الذي تراني قائما على رأسه ، قال :

---------------------------
(1) ارتث ، على ما لم يسم فاعله : ضرب في الحرب فأثخن وحمل وبه رمق ثم مات من بعد .
(2) خذيم ، بالذال المعجمة كما في ح ، وفي الأصل : ( خديم ) تحريف .
(3) ح : ( كنيسة ) تحريف .
(4) في الأصل : ( أبو مسيح ) صوابه بالباء الموحدة ، ح : ( أبو سنخ ) .
(5) في الأصل : ( ثم أخذها مولاه مخارق فقتل ثم أخذها ابن أخيه عبد الرحمن بن مخنف الأزدي ) ورددت الكلام إلى نصابه وتمامه من ح .
(6) الكلام بعدها إلى كلمة ( صاحبه ) ساقط من ح .
(7) في الأصل : ( أفيكم ) وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 255 _

  ومن أنت حياك الله ؟ قلت : أنا عبد الرحمن بن مخنف ، فقال : الشريف الكريم ، حياك الله ومرحبا بك يا ابن عم ، أفلا تدفعه إلى فأنا عمه سفيان بن عوف بن المغفل ؟ فقلت : مرحبا بك ، أما الآن فنحن أحق به منك ، ولسنا بدافعيه إليك ، وأماما عدا ذلك فلعمري أنت عمه ووارثه (1) ، نصر قال : قال عمر ، عن الحارث بن حصيرة عن أشياخ من النمر من الأزد (2) أن مخنف بن سليم لما ندب أزد العراق إلى أزد الشام حمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن من الخطب الجليل والبلاء العظيم أنا صرفنا إلى قومنا وصرفوا إلينا ، فوالله ما هي إلا أيدينا نقطعها بأيدينا (3) ، وما هي إلا أجنحتنا نحذفها بأسيافنا ، فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا ، ولم نواس جماعتنا ، وإن نحن فعلنا فعزنا أبحنا (4) ، ونارنا أخمدنا ، فقال جندب بن زهير : ( والله لو كنا آباءهم ولدناهم أو كنا أبناءهم ولدونا ، ثم خرجوا من جماعتنا وطعنوا على إمامنا ، وآزروا الضالمين والحاكمين بغير الحق ، على أهل ملتنا ودمتنا (5) ، ما افترقنا بعد أن اجتمعنا (6) حتى يرجعوا عما هم عليه ، ويدخلوا فيما ندعوهم إليه ، أو تكثر القتلى بيننا وبينهم ) ، فقال مخنف : (أعز بك الله في التيه (7) ، أما والله ما علمتك صغيرا و لا كبيرا إلا مشؤوما ، والله ما ميلنا الرأي بين أمرين قط (8) وأيهما ندع ، في الجاهلية ولا بعد ما أسلمنا ، إلا اخترت أعسرهما وأنكدهما ، أيهما نأتي وأيهما ندع ، في الجاهلية ولا بعد ما أسلمنا ، إلا اخترت أعسرهما وأنكدهما .

---------------------------
(1) في الأصل : ( وأما بعد ذلك فأنت عمه وأحق به ) وأثبت ما في ح ( 1 : 490 ) .
(2) هم بنو النمر بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن الأزد ، انظر مختلف القبائل ومؤتلفها ص 19 ، وفي الأصل : ( أشياخ النمر ) وفي ح : ( أشياخ الأزد ) وأثبته كاملا من الطبري ( 6 : 15 ) .
(3) التكملة من ح والطبري .
(4) ح : ( آلمنا ) .
(5) ح : ( وديننا ) .
(6) في الأصل : ( إذا اجتمعنا ) وأثبت ما في ح .
(7) هذه الجملة ساقطة من ح ، وهي في أصلها : ( اغر الله بك في النية ) وفي الطبري : ( أعز الله بك النية ) ، ورأيت صوابهما فيما أثبت ، الإعزاب : الإبعاد ، والتيه : الضلال .
(8) التمييل : الترجيح ، في الأصل : ( في أمرين قط ) وأثبت ما في ح ، وفي اللسان :

واقعة صفين _ 256 _

  اللهم فأن نعافي أحب إلينا من أن نبتلى (1) ، فأعط كل رجل منا ما سألك ، فقال أبو بردة بن عوف : اللهم احكم بيننا بما هو أرضى لك ، يا قوم إنكم سترون ما يصنع الناس ، وإن لنا الأسوة (2) بما اجتمعت عليه الجماعة إن كنا على حق وإن يكونوا (3) صادقين ؛ فإن أسوة في الشر ، والله ، ما علمنا ضرر في المحيا والممات (4) ، وتقدم جندب بن زهير فبارز رأس أزد الشام ، فقتله الشامي ، وقتل من رهط عبد الله بن ناجد عجلا وسعيدا ابني عبد الله (5) ، وقتل مع مخنف من رهطه عبد الله بن ناجد ، (و ) خالد بن ناجد (6) ، وعمرو وعامر ابنا عريف ، وعبد الله بن الحجاج ، وجندب بن زهير ، وأبو زينب بن عوف ، وخرج عبد الله ابن أبي الحصين ( الأزدي ) في القراء الذين كانوا مع عمار بن ياسر فاصيب معه ، وقد كان مخنف قال له : نحن أحوج إليك من عمار ، فأبي عليه ، فأصيب مع عمار ، نصر : عمر ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أشياخ النمر (7) أن عتبة ( تقول العرب : إني لأميل بين ذينك الأمرين وأمايل بينهما أيهما آتى ) وفي ح : ( والله ما دفعنا في الرأي ) تحريف .

---------------------------
(1) ح : ( أن تعافينا أحب إلى من أن تبتلينا ) .
(2) في الأصل : ( وإن كنا الاسوة ) صوابه في الطبري ، وكلام أبي بردة لم يرد في مظنه من ح .
(3) التكملة من الطبري .
(4) في الأصل : ( وإن كنا الأسوة ) صوابه في الطبري .
(5) الطبري : ( وقتل من رهطه عجل وسعد ابنا عبد الله من بني ثعلبة ) .
(6) في الأصل : ( من رهط عبد الله بن ناجد بن خالد بن ناجد ) ، وصواب العبارة من الطبري ، وفي الطبري : ( عبد الله وخالد ابنا ناجد ) .
(7) انظر ما سبق ص 262 .

واقعة صفين _ 257 _

  بن جويرية (1) قال يوم صفين : ( ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما (2) ، وأصبح زرعها حصيدا ، وجديدها سملا ، وحلوها مر المذاق ، ألا وإنى أنبئكم نبأ امرئ صادق ، إنى سئمت الدنيا ، وعزفت نفسي عنها ، وقد كنت أتمنى الشهادة ، وأتعرض لها في كل حين (3) ، فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم ، ألا وإنى متعرض ساعتي هذه لها ، وقد طمعت ألا أحرمها ، فما تنتظرون عباد الله من جهاد أعداء الله ؟ أخوف الموت القادم عليكم ، الذاهب بأنفسكم لا محالة ، أو من ضربة كف أو جبين بالسيف ؟ ! أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله ( عز وجل ) ، أو مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القزار ، ما هذا بالرأى السديد ) ، ثم قال : ( يا إخوتاه ، إنى قد بعت هذه الدار بالدار التى أمامها ، وهذا وجهى إليه ، لا يبرح الله وجوهكم (4) ولا يقطع الله أرحامكم ) ، فتبعه إخوته عبيد الله وعوف ومالك وقالوا (5) : ( لا نطلب رزق الدنيا بعدك ، قبح الله العيش بعدك ، اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك ) ، فاستقدموا ( جميعا ) فقاتلوا حتى قتلوا ، نصر : عمر ، حدثنى رجل من آل الصلت بن خارجة ، أن تميما لما ذهبت لتنهزم ( ذلك اليوم ) ناداهم مالك بن حرى النهشلي (6) : ( ضاع الضراب اليوم والذى أنا له وسائر القوم عبد ، يا بنى تميم ) .

---------------------------
(1) ح ( 1 : 490 ) : ( عقبة بن خوبة ) وفي الطبري : ( عقبة بن حديد النمري ) .
(2) في الأصل : ( أصبح شجرها هشيما ) والوجه حذف ( شجرها ) كما في ح والطبري .
(3) وكذا في ح ، لكن في الطبري : ( في كل جيش وغارة ) .
(4) البرح : الشدة والأذى .
(5) في الأصل : ( فتبعه أخواه عبيد الله وعوف ابنا مالك وقالا ) والوجه ما أثبت من الطبري .
(6) في الأصل : ( مالك بن مر النهشلي ) صوابه في ح ( 1 : 490 ) ، وقد ذكره ابن حجر في أثناء ترجمته لأخيه نهشل بن حرى 8878 .

واقعة صفين _ 258 _

  قالوا : ألا ترى الناس قد انهزموا ؟ قال لهم : أفرارا واعتذارا ؟ ! (1) ( ثم نادى بالأحساب ، فجعل يكررها ، ف‍قالت له بنو تميم : أفتنادى بنداء الجاهلية ؟ ! إن ذا لا يحل ، قال : فالفرار ويلكم أقبح ، إن لم تقاتلوا على الدين واليقين فقاتلوا على الأحساب ، ثم أقبل يقاتل ويرتجز وهو يقول :
إن تميما أخلفت عنك ابن مر (2)      وقـد  أراهـم وهم الحى iiالصبر
  فإن تخيمــوا أو تفــروا لا نفــر (3) وقال أخوه نهشل بن حرى (4) التميمي يرثيه :
تـطاول هـذا الليل ما كاد iiينجلى      كـليل الـتمام مـا يريد iiانصراما
فـبـت  لـذكرى مـالك iiبـكآبة      أؤرق مـن بـعد الـعشاء iiنـياما
أبـى  جزعى في مالك غير iiذكره      فـلا تـعذليني أن جـزعت iiأماما
سأبكى  أخى ما دام صوت iiحمامة      يؤرق (5) من وادى البطاح حماما
وأبـعث أنواحا عليه بسحرة  (6)      وتـذرف  عـيناى الدموع iiسجاما
وأدعـو سـراة الحى يبكون iiمالكا      وأبـعث  نـوحا يـلتدمن iiقـياما

---------------------------
(1) في الأصل : ( أفرار واعتذار ) وأثبت ما في ح .
(2) يقول : إن تميم بن مر أخلفت عنك ، وهم تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر ، والإخلاف : التخلف ، قال الأسود بن يعفر ( اللسان 10 : 443 ) : بيض مساميح في الشتاء وإن ، أخلف نجم عن نوئه وبلوا .
(3) خام يخيم خيما وخيمانا وخيوما وخيومة وخيمومة وخياما : نكص وجبن .
(4) هو نهشل بن حرى بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وهو من الشعراء المخضرمين ، انظر الإصابة والخزانة ( 1 : 151 ) ، وحرى ، بفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة كالمنسوب إلى الحر أو الحرة ، وفي الأصل : ( نهشل بن مر ) صوابه في ح .
(5) ح : ( تؤرق ) أي الحمامة .
(6) الأنواح : جمع نوح ، بالفتح ، للنسوة النائحات ، والسحرة ، بالضم : السحر ، وقيل هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر ، وفي الأصل : ( بشجوة ) صوابه في ح .

واقعة صفين _ 259 _

يـقلن ثوى رب السماحة والندى      وذو عـزة يـأبى بها أن iiيضاما
وفـارس  خـيل لا تساير iiخيله      إذا  اضطرمت نار العدو iiضراما
وأحيا  عن الفحشاء من ذات iiكلة      يرى  ما يهاب الصالحون iiحراما
وأجـرأ مـن ليث بخفان iiمخدر      وأمـضى إذ رام الرجال iiصداما
فـلا  تـرجون ذا إمة بعد iiمالك      ولا جازرا للمنشئات غلاما  (1)
وقـل لـهم لا يرحلوا الأدم بعده      ولا يرفعوا نحو الجياد لجاما (2)
  وقال أيضا فيه :
أبـكى  الـفتى الأبيض البهلول iiسنته      عند  النداء ، فلا نكسا ولا ورعا  (3)
أبـكى عـلى مالك الأضياف إذ iiنزلوا      حين الشتاء وعز الرسل فانجدعا  (4)
ولـم  يـجد لـقراهم غـير iiمـربعة      مـن  العشار تزجى تحتها ربعا  (5)
أهـوى  لـها السيف ترا وهى iiراتعة      فأوهن السيف عظم الساق فانقطعا (6)
---------------------------
(1) الإمة ، بالكسر : النعمة ، وفي الأصل : ( فلا يرجعون ) ، والمنشئات : النوق اللواقح ، أنشأت الناقة فهى منشئ : لقحت ، والغلام : الطار الشارب ، والكهل ، أو من حين يولد إلى أن يشب ، وهذا البيت وتاليه لم يرويا في ح ، وفي الأصل : ( ولا جار إلا المنشآت علاما ) .
(2) الأدم : جمع آدم وأدماء ، وهى الإبل الخالصة البياض ، رحل البعير ، كمنع : حط عليه الرحل .
(3) السنة : الوجه ، وفي الأصل : ( شبيه ) صوابه في ح ( 1 : 491 ) ، وفي ح : ( بكى ) في هذا البيت وتاليه على الأمر .
(4) نسبه إلى الأضياف ، والرسل ، بالكسر : اللبن .
(5) المربعة : ذات الربع ، بضم ففتح ، وهو ما ولد من الإبل في الربيع ، والمذكور في المعاجم : ( مربع ) بدون تاء ، و ( مرباع ) ، تزجى : تسوق ، وفي الأصل : ( يرجى ) صوابه في ح .
(6) التر : القطع والإبانة ، ح : ( صلتا ) .

واقعة صفين _ 260 _

فـجاءهم بـعد رقـد الـحى iiأطـيبها      وقد كفى منهم من غاب واضطجعا (1)
يـا  فارس الروع يوم الروع قد علموا      وصاحب العزم لا نكسا ولا طبعا  (2)
ومـدرك  الـتبل فـي الأعداء iiيطلبه      وإن طـلبت بـتبل عـنده مـنعا (3)
قـالوا : أخـوك أتى الناعي بمصرعه      فـارتاع قـلبي غـداة البين iiفانصدعا
ثـم ارعـوى الـقلب شيئا بعد طيرته      والـنفس تعلم أن قد أثبتت وجعا  (4)
  وقتل محيا بن سلامة بن دجاجة ، من تيم الرباب ، بصفين ، وقتل المسيب بن خداش من تيم الرباب ، ودينار عقيصا (5) مولاه ، نصر : عمر بن سعد ، حدثنى يونس بن أبى إسحاق قال : قال ( لنا ) أدهم بن محرز ( الباهلى ) ونحن معه بأذرح (6) :

---------------------------
(1) الرقد ، بالفتح : النوم كالرقاد والرقود ، وفي ح : ( رفد الناس ) بالفاء ، وهو بالكسر : الصلة والعطاء ، وبالفتح ، المصدر ، من غاب : أي من غاب وقعد عن بر الأضياف ، ومثله قول متمم بن نويرة في المفضلية 67 : وفي الأصل : ( من غار ) صوابه ما أثبت ، وفي ح : ( وأشبعت منهم من نام ) وهى رواية مصنوعة فيما أرى .
(2) النكس ، بالكسر : المقصر عن غاية النجدة والكرم ، والطبع ، بفتح فكسر : الدنيء الخلق الدنس .
(3) التبل ، بالفتح : الثأر والذحل ، وفي الأصل : ( ومدرك النيل ) و : ( بنيل ) صوابهما ما أثبت من ح ( 1 : 491 ) .
(4) الطيرة : المرة من الطيران ، ح : ( طربته ) والطربة المرة من الطرب ، والطرب يقال في السرور والحزن معا ، وفي الأصل : ( قد أثبتت ) صوابه في ح ، وفي اللسان : ( أثبته السقم ، إذا لم يفارقه ) .
(5) سبقت ترجمته في 145 ، وعقيصا لقب لدينار ، والبصريون يوجبون الإضافة في مثل هذا ، والكوفيون يجيزون الإتباع والقطع إلى النصب وإلى الرفع ، الأشموني ( 1 : 143 ـ 144 ) .
(6) أذرح ، بضم الراء وفي آخرة حاء مهملة : اسم بلد في أطراف الشام ، وفي الأصل : ( باددخ ) وفي ح : ( بأدرج ) صوابهما ما أثبت .

واقعة صفين _ 261 _

  هل رأى أحد منكم شمر بن ذى الجوشن ؟ فقال عبد الله بن كبار النهدي ، وسعيد بن خازم السلولى (1) : نحن رأيناه ، قال : فهل رأيتما ضربة بوجهه ؟ قالا : نعم ، قال : أنا والله ضربته تلك الضربة بصفين ، نصر : عمر ، عن الصلت بن زهير (2) النهدي ، عن مسلم قال : خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاوية بصفين إلى شمر بن ذى الجوشن فاختلفا ضربتين ، فضربه أدهم على جبينه فأسرع فيه السيف حتى خالط العظم ، وضربه شمر فلم يصنع سيفه شيئا ، فرجع إلى عسكره فشرب من الماء وأخذ رمحا ، ثم أقبل وهو يقول :
إنــى زعـيم لأخـي iiبـاهله      بـطعنة إن لم أمت عاجله  (3)
وضربة تحت الوغى فاصله (4)       شـبـيهة  بـالـقتل أو iiقـاتله
  ثم حمل على أدهم وهو يعرف وجهه ، وأدهم ثابت له لم ينصرف ، فطعنه فوقع عن فرسه ، وحال أصحابه دونه فانصرف ، فقال ( شمر ) : هذه بتلك ، وخرج سويد ( بن قيس ) بن يزيد الأرحبي من عسكر معاوية يسأل المبارزة ، فخرج إليه من عسكر العراق أبو العمرطة قيس ( بن عمرو بن عمير ) بن يزيد ، وهو ابن عم سويد ، وكل منهما لا يعرف صاحبه ، فلما تقاربا تعارفا وتواقفا وتساءلا ، ودعا كل واحد منهما صاحبه إلى ما هو عليه (5) ، فقال أبو العمرطة : أما أنا فوالله الذى لا إله إلا هو لئن استطعت لأضربن بسيفي هذه القبة البيضاء ـ يعنى قبة معاوية التى هو فيها ـ ثم انصرف كل منهما إلى أصحابه .

---------------------------
(1) ح : ( سعيد بن حازم البلوى ) .
(2) في الأصل : ( عمر بن الصلت بن زهير ) .
(3) في الطبري ( 6 : 16 ) : ( إن لم اصب ) .
(4) الطبري : ( أو ضربة تحت القنا والوغى ) .
(5) ح : ( إلى دينه ) .

واقعة صفين _ 262 _

  فقال في ذلك همام :
إذا  جـرد القوم القداح iiوأوقدت      لهم  نار أيسار كفى من iiتضجعا
ألـوم بن لوم ما غدا بك iiحاسرا      إلى بطل ذى جرأة وشكيم  (1)
مـعاود ضرب الدارعين iiبسيفه      عـلى الهام عند الهيج غير iiلئيم
إلـى فارس الغاوين حيث تلاقيا      بصفين قرم نجل خير قروم (2)
  قال : وخرج بشر بن عصمة المزني (3) يسأل المبارزة ـ وكان من أهل الكوفة فلحق بمعاوية ـ فخرج إليه مالك بن الجلاح (4) ، وكان يقال له ابن العقدية (5) وكان رجلا ناسكا ، فأقبلا في خيلهما ، فتغفله بشر بن عصمة فطعنه ، فصرع ابن العقدية ، فقال بشر بن عصمة :
إنــى لأرجــو مـن مـليكى وخـالقي      ومن فارس الموسوم في الصدر هاجس (6)
دلـفـت لــه تـحـت الـغبار iiبـطعنة      عـلى  سـاعة فـيها الطعان يخالس  (7)

---------------------------
(1) هذه الأبيات لم ترو في ح ، وفي الأصل : ( ذى جرة ) والوجه ما أثبت ، والشكيم ، في اللسان : ( يجوز أن يكون لغة في الشكيمة ) ، وأنشد : أنا ابن سيار على شكيمه ، والشكيمة : الصرامة والحزم والأنفة والانتصار من الظلم .
(2) الغاوين ، كذا وردت ، والقرم ، بالفتح : السيد المعظم .
(3) بشر بن عصمة المزني ، أحد الصحابة ، ترجم له في الاستيعاب والإصابة ولسان الميزان ، وفي الأصل : ( المرى ) صوابه في الطبري ومراجع ترجمته ، وهذا الخبر لم يرد في مظنه من ح .
(4) هو مالك بن الجلاح بن صامت بن سدوس بن إنسان بن عتوارة ، أحد بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن ، ذكره المرزبانى في معجمه 363 ، وفي الأصل : ( مالك بن اللجلاج ) ، صوابه في الطبري ومعجم المرزبانى .
(5) العقدية أمه ، غلبت عليه ، وعقد ، بالتحريك : قبيلة من بجيلة أو اليمن ، انظر الطبري والقاموس ( عقد ) .
(6) في القاموس : ( موسوم فرس مالك بن الجلاح ) ، ورواية الطبري : ( من مليكى تجاوزا ) .
(7) الطبري : ( الطعان تخالس ) .

واقعة صفين _ 263 _

  فرد عليه ابن العقدية :
ألا  أبـلغا بـشر بـن عصمة iiأننى      شـغلت وألـهاني الـذين iiأمـارس
وصـادفت  مـنى غـرة فـأصبتها      كذا كانت الأبطال ماض وحابس (1)
  قال : وخرج ذو نواس بن هذيم بن قيس العبدى ـ وكان ممن لحق بمعاوية ـ يسأل المبارزة ، فخرج إليه ابن عمه الحارث بن منصور فاضطربا بسيفهما وانتميا إلى عشائرهما (2) ، فعرف كل منهما صاحبه فتتاركا (3) ، ثم خرج مالك بن يسار الحضرمي يسأل المبارزة ، فخرج إليه الجون بن مالك الحضرمي من أهل الشام فقتل الشامي الكوفى ، وخرج زياد بن النضر الحارثى يسأل المبارزة ، فخرج إليه رجل من أهل الشام من بنى عقيل فلما عرفه انصرف عنه ، ثم خرج رجل من أزد شنوءة يسأل المبارزة ، فخرج إليه رجل من أهل العراق فقتله ، فخرج إليه الأشتر فما لبث أن قتله ، فقال رجل : ( كان هذا نارا فصادفت إعصارا ) ، فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الأربعاء ، فقال رجل من أصحاب على : والله لأحملن على معاوية حتى أقتله ! فأخذ فرسا فركبه ثم ضربه حتى إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شيء عن الوقوف على رأس معاوية ، ودخل معاوية خباء (4) .

---------------------------
(1) الطبري : ( كذلك والأبطال ماص وخالس ) ، وفي معجم المرزبانى : ( كذلك والأبطال ماض وجالس ) .
(2) انتميا : ارتفعا في النسب ، وفي الأصل : ( فانتهبا ) تحريف ، والخبر لم يرد في في مظنه من ح ولا في الطبري .
(3) أي ترك كل منهما صاحبه ، وفي الأصل : ( تشاركا ) تحريف .
(4) ح : ( فهرب معاوية ودخل خباء ) .

واقعة صفين _ 264 _

  فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه ، فخرج معاوية من ( جانب ) الخباء ( الآخر ) ، وطلع الرجل في إثره ، فخرج معاوية وهو يقول (1) :
أقـول  لها وقد طارت iiشعاعا      مـن  الأبطال إنك لن iiتراعى
فـإنك لـو سـألت خلاء iiيوم      على الأجل الذى لك لم تطاعى
  فأحاط به الناس فقال : ويحكم ، إن السيوف لم يؤذن لها في هذا ، ولولا ذلك لم يصل إليكم ، عليكم بالحجارة ، فرضخوه بالحجارة حتى همد الرجل ، ثم عاد معاوية إلى مجلسه وهو يقول : هذا كما قال الآخر (2) :
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها      وإن  شـمرت عـن ساقها الحرب شمرا
  نصر ، عن عمر ، عن أبى روق ، عن أبيه ، عن عم له يدعى أبا أيوب قال : حمل يومئذ أبو أيوب على صف أهل الشام ثم رجع فوافق رجلا ( من أهل الشام ) صادرا قد حمل على صف أهل العراق ثم رجع ، فاختلفا ضربتين ، فنفحه أبو أيوب فأبان عنقه ، فثبت رأسه على جسده كما هو ، وكذب الناس أن يكون ضربه وأرابهم ، حتى إذا دخل في أهل الشام (3) وقع ميتا وندر رأسه ، فقال على : والله لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا منى لضربته ، وإن كان إليها ينتهى وصف الضارب (4) ، وغدا أبو أيوب إلى القتال فقال له على : أنت والله كما قال القائل :
وعلمنا الضرب iiآباؤنا      فسوف نعلم أيضا بنينا

---------------------------
(1) المعروف أن البيتين التاليين هما من أبيات لقطرى بن الفجاءة المتوفى سنة 78 أو 79 ، انظر الحماسة ( 1 : 24 ) وابن خلكان ( 1 : 430 ) ، وقد كانت وفاة معاوية سنة 60 .
(2) هو حاتم الطائى ، كما سبق في حواشى ص 246 .
(3) ح ( 1 : 491 ) : ( حتى إذا أدخلته فرسه في صف أهل الشام ) .
(4) كذا ، وفي ح : ( 1 : 491 ) : ( وصف الواصفين ) .

واقعة صفين _ 265 _

   نصر : قال عمر : وخرج رجل يسأل المبارزة ، من أهل الشام ، فنادى من يبارز ؟ ـ وهو بين الصفين ـ فخرج إليه رجل من أهل العراق فاقتتلا بين الصفين قتالا شديدا ، ثم إن العراقى اعتنقه فوقعا جميعا تحت قوائم فرسيهما ، فجلس على صدره وكشف المغفر عنه يريد ذبحه ، فلما رآه عرفه فإذا هو أخوه لأبيه وأمه ، فصاح به أصحاب على : أجهز على الرجل ! فقال : إنه أخى قالوا : قاتركه ، قال : لا ، حتى يأذن لى أمير المؤمنين ، فأخبر على بذلك ، فأرسل إليه : دعه . فتركه ، ( فقام فعاد إلى صف معاوية ) ، نصر ، عن محمد بن عبيد الله (1) ، عن الجرجاني قال : كان فارس معاوية الذى يعده لكل مبارز ولكل عظيم حريث مولاه ، وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به ، فإذا قاتل (2) قال الناس : ذاك معاوية ، وإن معاوية دعاه فقال : يا حريث ، اتق عليا ، وضع رمحك حيث شئت ! فأتاه عمرو بن العاص فقال : يا حريث ، إنك والله لو كنت قرشيا (3) لأحب معاوية أن تقتل عليا ولكن كره أن يكون لك حظها ، فإن رأيت فرصة فاقحم ، وخرج على ( عليه السلام ) في هذا اليوم أمام الخيل ، وحمل عليه حريث ، قال نصر : فحدثنا عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : نادى حريث مولى معاوية ( هذا اليوم ) ، وكان شديدا ذا بأس ، فقال : يا على ، هل لك في المبارزة ، فأقدم أبا حسن إذا شئت ، قأقبل على وهو يقول :
أنـا عـلى وابن عبد المطلب      نـحن  لعمر الله أولى iiبالكتب
منا النبي المصطفى غير كذب      الـلواء  والـمقام iiوالـحجب

---------------------------
(1) في الأصل : ( عبد الله ) تحريف .
(2) في الأصل : ( قابل ) صوابه في ح .
(3) في الأصل : ( قريشا ) صوابه في ح .

واقعة صفين _ 266 _

نحن نصرناه على جل العرب (1)       يـأيها الـعبد الغرير المنتدب (2)
  أثبت لنـــا يأيها الكلــب الكلب ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة فقطعه نصفين (3) ، قال نصر : قال محمد بن عبيد الله ، ( عن ) الجرجاني (4) : إن معاوية جزع عليه جزعا شديدا ، وعاتب عمرا ، قال معاوية :
حـريث ألم تعلم وجهلك iiضائر      بـأن عـليا لـلفوارس قـاهر
وأن  عـليا لـم يبارزه iiفارس      من  الناس إلا أقصدته iiالأظافر
أمـرتك  أمرا حازما iiفعصيتني      فجدك  إذ لم تقبل النصح iiعاثر
ودلاك عـمرو والحوادث iiجمة      غرورا وما جرت عليك المقادر
وظن  حريث أن عمرا iiنصيحه      وقد يهلك الإنسان من لا iiيحاذر
أيركب  عمر رأسه خوف سيفه      ويصلى حريثا إنه لفرافر  (5)
  نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : فلما قتل على حريثا برز عمرو بن حصين السكسكي فنادى : يا أبا حسن هلم إلى المبارزة ، فأنشأ على يقول :
مـا  عـلتى وأنا جلد iiحازم      وعـن  يمينى مذحج iiالقماقم
وعن يسارى وائل iiالخضارم      والقلب حولي مضر الجماجم
وأقبلت همدان في iiالخضارم      مشى الجمال البزل iiالخلاجم

---------------------------
(1) ح ( 1 : 492 ) : ( كل العرب ) .
(2) الغرير : المخدوع ، وفي الأصل : ( العزيز ) وهذا البيت وتاليه لم يرويا في ح .
(3) في الأصل : ( ثم ضربه على فقتله ) وأثبت بدلها ما ورد في ح .
(4) في الأصل : ( محمد بن عبد الله الجرجاني ) والوجه ما أثبت .
(5) الفرافر ، بفاءين أولاهما مضمومة : الأخرق الأحمق ، وفي الأصل : ( قراقر ) بقافين ، ووجهه ما أثبت ، وهذا البيت لم يرد في ح .

واقعة صفين _ 267 _

أقسمت  بالله العلى iiالعالم      لا أنثنى إلا برغم الراغم
  وحمل عليه عمرو بن الحصين ليضربه ، فبادره إليه سعيد بن قيس ففلق صلبه ، نصر ، عن عمرو بن شمر قال : حدثنى السدى عن أبى أراكة أن عليا قال يومئذ :
دعـوت فـلباني من القوم iiعصبة      فـوارس مـن همدان غير ، iiلئام
فـوارس  من همدان لبسوا iiبعزل      غداة الوغى من شاكر وشبام  (1)
بـكل رديـنى وعـضب iiتـخاله      إذا اختلف الأقوام شعل ضرام (2)
لـهمدان  أخـلاق وديـن iiيزينهم      وبأس إذا لا قوا وحد خصام  (3)
  قال : قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد :
وجد  وصدق في الحروب iiونجدة      وقــول إذا قـالوا بـغير أثـام
مـتى تأتهم في دارهم iiتستضيفهم      تـبت نـاعما فـي خدمة iiوطعام
جـزى  الله هـمدان الجنان فإنها      سمام العدى في كل يوم زحام (4)
فـلو  كـنت بوابا على باب جنة      لـقلت لـهمدان ادخـلي iiبـسلام
  نصر قال : عمرو بن شمر في حديثه : ثم قام على بين الصفين ثم نادى : يا معاوية ! ـ يكررها ـ فقال معاوية : اسألوه ، ما شأنه ؟ قال : أحب أن يظهر لى فأكلمه كلمة واحدة ، فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص ، فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو ، وقال لمعاوية : ويحك ، علام يقتتل الناس بينى وبينك ، ويضرب بعضهم بعضا ؟ ! ابرز إلى فأينا قتل صاحبه فالأمر له .

---------------------------
(1) بنو شاكر وشبام : بطنان من همدان ، انظر الاشتقاق 257 ، 250 ، وشبام ، بكسر الشين ، وأصل معناه الخشبة تعرض في فم الجدى لثلا يرتضع ، وشباما البرقع : الخيطان اللذان يشدان في القفا .
(2) في الأصل : ( وكل ) والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 492 ) .
(3) الحد ، بفتح الحاء : الحدة ، وفي الأصل : ( وجد ) ووجهه في ح .
(4) لسمام ، جمع سم : في الأصل ، ( يوم سمام ) صوابه في ج .

واقعة صفين _ 268 _

  فالتفت معاوية إلى عمرو فقال : ما ترى يا أبا عبد الله فيما ها هنا ، أبارزه ؟ فقال عمرو : لقد أنصفك الرجل ، واعلم أنه إن نكلت عنه لم تزل (1) سبة عليك وعلى عقبك ما بقى عربي فقال معاوية : يا عمرو بن العاص ، ليس مثلى يخدع عن نفسه ، والله ما بارز ابن أبى طالب رجلا قط إلا سقى الأرض من دمه ، ثم انصرف راجعا حتى انتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه ، ( فلما رأى على ( عليه السلام ) ذلك ضحك وعاد إلى موقفه ) وفي حديث عمر قال : قال معاوية : ويحك يا عمرو ، ما أحمقك ، أتراني أبرز إليه ودوني عك والأشعرون وجذام ؟ ! قال : وحقدها معاوية على عمرو ( باطنا ) وقال له ( ظاهرا ) : ما أظنك ( قلت ما قلته ) يا عمرو (2) إلا مازحا ، فلما جلس معاوية مجلسه مع أصحابه أقبل عمرو يمشى حتى جلس فقال معاوية :
يا عمرو إنك قد قشرت لى iiالعصا      برضاك  في وسط العجاج iiبرازى
يـا  عـمرو إنك قد أشرت iiبظنة      إن  الـمبارز كـالجدي iiالـنازى
مــا لـلملوك ولـلبراز iiوإنـما      حتف  المبارز خطفة للبازى  (3)
ولـقد أعـدت فقلت مزحة iiمازح      والـمزح يـحمله مـقال iiالهازى
فـإذا  الـذى مـنتك نفسك iiخاليا      قـتلى ، جزاك بما نويت iiالجازى
فـلقد كـشفت قـناعها iiمـذمومة      ولقد لبست بها ثياب الخازى  (4)

---------------------------
(1) ح : ( لم يزل ) بالياء .
(2) ح : ( أبا عبد الله ) .
(3) في الأصل : ( حسب المبارز حفظه من بازى ) وأثبت ما كتب في هامش الأصل مشارا إليه بأنه كذلك في نسخة أخرى ، وقد لفق من عجز هذا البيت وصدر سابقة بيت واحد في ح فأسقط صدر هذا وعجز سابقه .
(4) في الأصل : ( لبست بنا ) صوابه في ح ( 1 : 493 ) .

واقعة صفين _ 269 _

  فقال له عمرو : إيها أيها الرجل ، أتجبن عن خصمك وتتهم نصيحك ؟ ! وقال مجيبا له :
مـعاوى إن نـكلت عـن iiالـبراز      لك الويلات فانظر في المخازى  (1)
مـعاوى  مـا اجـترمت إليك iiذنبا      وما أنا في التى حدثت بخازى  (2)
ومــا ذنـبي بـأن نـادى عـلى      وكـبـش الـقوم يـدعى iiلـلبراز
فـلـو  بـارزتـه بـارزت iiلـيثا      حديد  الناب يخطف كل بازى  (3)
ويـزعم  أنـنى أضـمرت iiغـشا      جـزاني بـالذى أضـمرت iiجازى
أضـبع فـي الـعجاجة يا ابن iiهند      وعـند الـباه كـالتيس iiالـحجازى
  نصر ، عن عمر قال : حدثنى فضيل بن خديج قال : خرج رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة ، فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز (4) الكندى ثم الطمحى (5) ، فتجاولا ساعة ، ثم إن عبد الرحمن حمل على الشامي فطعنه في نقرة نحره (6) فصرعه ، ثم نزل إليه فسلبه درعه وسلاحه ، فإذا هو عبد أسود (7) ، فقال :

---------------------------
(1) ح : ( وخفت فإنها أم المخازى ) .
(2) في الأصل : ( بخاذى ) تحريف ، وفي ح : ( خازى ) مع قراءة ( حدثت ) بتشديد الدال .
(3) في الأصل : ( ينفذ كل بازى ) وأثبت ما في ح .
(4) في الأصل : ( بن نجم ) صوابه في ح والطبري ( 6 : 16 ) .
(5) هذه الكلمة ساقطة من ح ، وفي الطبري : ( الطحمى ) بتقديم الحاء ، تحريف ، والطمحى : نسبة إلى ( طمح ) ، وضبطت في القاموس ضبط نص بالتحريك ، وفي اللسان ضبط قلم بفتحتين أيضا ، وفي الاشتقاق 218 ، 317 بضم الطاء وفتح الميم ، وهي بطن من بطون كندة .
(6) الطبري : ( ثغرة نحره ) وما أثبت من الأصل يطابق ما في ح ، والثغرة ، بالضم : نقرة النحر .
(7) الطبري ( فإذا هو حبشي ) .

واقعة صفين _ 270 _

   يا لله ، لقد أخطرت نفسي لعبد أسود ، قال : وخرج رجل من عك ليسأل المبارزة ، فخرج إليه قيس بن فهدان الكنانى ثم البدني (1) فما لبث العكى أن طعنه فقتله ، فقال قيس :
لـقد  عـلمت عـك بـصفين iiأننا      إذا  مـا نلاقى الخيل نطعنها شزرا
ونـحمل رايـات الـقتال iiبـحقها      فنوردها بيضا ونصدرها حمرا  (2)
  وحمل عبد الله بن الطفيل البكائى (3) على صفوف أهل الشام ، فلما انصرف حمل عليه رجل من بنى تميم يقال له قيس بن نهد (4) الحنظلي اليربوعي ـ وهو ممن لحق بمعاوية من أهل العراق ـ فوضع الرمح بين كتفي عبد الله فاعترضه يزيد بن معاوية البكائى ، ابن عم عبد الله بن الطفيل ، فوضع الرمح بين كتفي التميمي وقال : والله لئن طعنته لأطعننك ، قال : عليك عهد الله لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعنه عنى ، قال : نعم لك العهد والميثاق بذلك ، فرفع السنان عبد الله بن طفيل ، ورفع يزيد الرمح عن التميمي ، فوقف التميمي فقال ( ليزيد ) : من أنت ؟ قال : أحد بنى عامر ، قال : جعلني الله فداكم ، أينما لقيناكم وجدناكم كراما ، والله إنى لآخر أحد عشر رجلا من بنى تميم قتلتموهم (5) اليوم ، فلما تراجع الناس عن صفين عتب يزيد على عبد الله بن الطفيل في بعض ما يعتب الرجل على ابن عمه فقال :
ألم ترنى حاميت غنك iiمناصحا      بـصفين  إذ خـلاك كل iiحميم
ونهنهت عنك الحنظلي وقد أتى      عـلى سـابح ذى ميعة iiوهزبم
---------------------------
(1) في الأصل : ( بن فهد بن الكندى ) وأثبت ما في الطبري ، وفي ح : ( قيس ابن فهران ) .
(2) في الأصل : ( ونوردها ) وأثبت ما في ح والطبري .
(3) سبقت ترجمته في ص 206 ، ح : ( البكالى ) تحريف .
(4) ح : ( بن فهد ) بالفاء ، وفي الطبري ( 6 : 16 ) : ( بن قرة ) .
(5) في الأصل : ( قتلتموه ) وأثبت ما في ح والطبري .

واقعة صفين _ 271 _

  ثم خرج ابن مقيدة الحمار الأسدى ، ( وكان ذا بأس وشجاعة ) وهو مع أهل الشام ، وكان في الناس ردف بشر بن عصمة وهو الثاني في الناس ، فنادى : ألا من مبارز ؟ فأحجم الناس عنه ، فقام المقطع العامري وكان شيخا كبيرا ، فقال له علي : اقعد إنك شيخ كبير وليس معه من رهطه أحد غيره ، ما كنت لأقدمك ، فجلس ، ثم إنه نادى ابن مقيدة الحمار : ألا من مبارز ؟ الثانية ، فقام المقطع ، فأجلسه على أيضا ، ثم نادى الثالثة : ألا من مبارز ؟ فقام المقطع فقال : يا أمير المؤمنين ، والله لا تردني ، إما أن يقتلنى فأتعجل الجنة ، وأستريح من الحياة الدنيا في الكبر والهرم ، أو أقتله فأريحك منه .
  فقال له علي : ما اسمك ؟ قال : أنا المقطع ، قد كنت أدعى هشيما فأصابتني جراحة فسميت مقطعا منها ، فقال له : اخرج ( إليه ، وأقدم عليه ) ، اللهم انصره ! فحمل عليه المقطع ، فأجهش ابن مقيده الحمار ، وكان ذكيا مجربا ، فلم يجد شيئا خيرا من الهرب ، فهرب حتى مر بمضرب معاوية (1) والمقطع على أثره فجاز معاوية فناداه معاوية : لقد شمص بك العراقى (2) ، قال : لقد فعل ! ثم رجع المقطع حتى وقف في موقفه : فلما كان عام الجماعة (و ) بايع الناس معاوية سأل عن المقطع العامري حتى نزل عليه ، فدخل عليه فإذا هو شيخ كبير ، فلما رآه قال : أوه ، لولا (3) أنك في هذا الحال ما أفلتني ، قال : نشدتك الله إلا قتلتنى وأرحتني (4) من بؤس الحياة ، وأدنيتني إلى لقاء الله ، قال : إنى لا أقتلك ، وإن لى إليك لحاجة ، قال : فما حاجتك ؟ قال : جئت لا واخيك ، قال : إنا وإياكم قد افترقنا في الله ، أما أنا فأكون على حالى حتى يجمع الله بيننا في الآخرة .

---------------------------
(1) المضرب ، بكسر الميم : الفسطاط العظيم .
(2) في الأصل : ( شخص ) وأثبت ما في ح ، الشمص : الإعجال ؛ والتشميص : السوق والطرد العنيف .
(3) في الأصل : ( لو علمت ) والوجه ما أثبت من ح .
(4) في الأصل : ( إلا قتلت وأرحت ) وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 272 _

  قال : فزوجني ابنتك ، قال : قد منعتك ما هو أهون على من ذلك ، قال : فاقبل منى صلة ، قال : فلا حاجة لى في ما قبلك فتركه فلم يقبل منه شيئا قال : فاقتتل الناس قتالا شديدا فعبت لطيئ جموع أهل الشام ، فجاءهم حمزة بن مالك الهمداني (1) فقال : من ، أنتم ، لله أبوكم ! فقال عبد الله بن خليفة الطائى (2) : نحن طى السهل وطى الجبل ، وطى الجبل الممنوع بالنحل (3) ، ونحن حماة الجبلين ، ما بين العذيب إلى العين ، طي الرماح وطى البطاح ، وفرسان الصباح ، فقال له : بخ بخ ما أحسن ثناءك على قومك ! فقال :
إن  كـنت لم تشعر بنجدة iiمعشر      فاقدم علينا ويل غيرك تشعر  (4)
  ثم اقتتلوا وأنشأ يقول : يا طي ، فدى لكم طارفى وتلادى ، قاتلوا على الدين والأحساب ، ثم أنشأ يقول :
يا طيء الجبال والسهل معا      إنـا إذا داع دعا iiمضطجعا
نـدب بالسيف دبيبا iiأروعا      فننزل  المستلئم المقنعا  (5)
ونقتل المنــازل السميدعــا   وقال بشر بن العشوش الطائى ثم الملقطى (6) :
يـا طـيء السهول iiوالجبال      ألا انهضوا بالبيض والعوالى
---------------------------
(1) هذه من الطبري ( 6 : 17 ) .
(2) في الطبري : ( البولانى ) ، وبولان : إحدى قبائل طيء .
(3) كذا ، وفي الطبري : ( الممنوع ذى النخل ) .
(4) البيت لم يرو في ح ، وفي الطبري : ( ويب غيرك ) .
(5) في الأصل : ( فنترك ) ، وقد روى الرجز في الطبري على الوجه التالي :
(6) التكملة من الطبري ، وفيه : ( بن العسوس ) بمهملتين .

واقعة صفين _ 273 _

  قال : ففقئت عينه فقال : السالكيــن سبـل الجهـــال .
أنا الذى كنت إذا الداعي دعا      مصمما  بالسيف ندبا iiأروعا
فـأنزل  الـمستلئم الـمقنعا      وأقـتل  الـمبالط iiالسميدعا
وبـالكماة  مـنكم iiالأبـطال      فـقارعوا  أئـمة iiالـضلال
ألا  يـاليت عـيني هـذه مثل iiهذه      ولـم أمـش بـين الـناس إلا بقائد
ويا ليت رجلي ثم طنت بنصفها  (1)       ويـا لـيت كفي ثم طاحت iiبساعدي
ويـا لـيتني لـم أبـق بعد مطرف      وسـعد  وبـعد الـمستنير بن iiخالد
فـوارس لـم تـغذ الحواضن مثلهم      إذا  هي أبدت عن خدام الخرائد (2)
  آخر الجزء الرابع من أجزاء ابن الطيوري ، يتلوه في الخامس : (نصر ابن مزاحم ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه ويقول : إذا شددتم فشدوا جميعا ) ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا ، وجدت في الجزء السادس من أجزاء عبد الوهاب بخطه : ( سمع جميعه على الشيخ أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار ، الأجل السيد الأوحد الإمام قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني ، وابناه القاضيان أبو عبد الله محمد وأبو الحسين أحمد ، وأبو عبد الله محمد بن القاضي أبي الفتح بن البيضاوي ، والشريف أبو الفضل محمد بن علي بن أبي يعلى الحسيني ، وأبو منصور محمد بن محمد بن قرمي ، بقراء عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي في شعبان من سنة أربع وتسعين وأربعمائة .
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي      عـن  خدام العقيلة iiالعذراء
---------------------------
(1) طنت : قطعت وسقطت فكان لذلك صوت ، وفي الأصل : ( طلت ) صوابه في الطبري .
(2) الحواضن : الأمهات ، وفي الأصل : ( لم تعر الحواضر ) صوابه من الطبري ، هي : أي الحرب ، وفي الطبري : ( إذا الحرب ) ، والخدام : السيقان ، واحدتها خدمة ، ومثله قوله :

واقعة صفين _ 274 _


   رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد ، رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت ، رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري ، رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ، رواية الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الانماطي ، سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له .
  بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ الحافظ شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك ابن أحمد بن الحسن الأنماطي قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار ابن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه ، قال : أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد ابن جعفر الحريري ، قال : أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن ثابت ، قال : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد بن همام الشيباني ، قال : أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال : نصر بن مزاحم ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه ويقول : ( إذا شددتم فشدوا جميعا وغضوا الأبصار ، وأقلوا الكلام واللغط ، واعتوروا الأقران (1) ، ولا تؤتين من قبلكم العرب ) ، وقتل نهيك بن عزيز من بني الحارث بن عدي ، وعمرو بن يزيد من بني ذهل ، وسعد بن عمر (2) من بني بدا ، وخرج قيس بن يزيد (3) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( وأغنوا الأقران ) صوابه في الطبري ( 6 : 17 ) ، وهذا الكلام لم يرد في مظنه من ح .
(2) الطبري : ( وسعيد بن عمرو ) ولم ينسبه إلى قبيلته .
(3) في الأصل : ( زيد ) صوابه من الطبري .

واقعة صفين _ 275 _

   الكندي ـ وهو ممن فر إلى معاوية من علي ـ فخرج إليه من أصحاب علي قيس بن عمرو بن عمير بن (1) يزيد ، أبو العمرطة ، فلما دنا منه عرفه فانصرف كل واحد منهما عن صاحبه ، نصر ، عن عمر قال : حدثني رجل عن أبي الصلت التيمي ، قال أشياخ من محارب : إنه كان رجل منهم يقال له عنتر بن عبيد بن خالد (2) ، وكان من أشجع الناس يوم صفين ، فلما رأى أصحابه منهزمين أخذ ينادي : يا معشر قيس ، أطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الله ؟ ! ( ألا إن ) الفرار فيه معصية الله وسخطه ، والصبر فيه طاعة الله ورضوانه ، ( أفتختارون سخط الله على رضوانه ، ومعصيته على طاعته ) ، فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محتسبا لنفسه ، وقال (3) :
لاوألت نفس امرئ ولت دبر  (4)       أنـا الـذي لا أنـثنى ولا iiأفـر
  ولا يرى مــع المعازيــل الغـدر (5)    فقاتل حتى ارتث ، ثم إنه بعد ذلك خرج في الخمسمائة (6) الذين خرجوا مع فروة (7) بن نوفل الأشجعي ، فنزلوا بالدسكرة والبندنيجين (8) .

---------------------------
(1) تكملة يصح بها الكلام ، انظر ما سبق من 268 ، وفي الطبري ، ( أبو العمرطة بن يزيد ) .
(2) الطبري : ( خنثر بن عبيدة بن خالد ) .
(3) وردت هذه الكلمة بعد البيت الأول من الرجز التالي ، وموضعها هنا .
(4) وألت : نجت ، وفي الأصل : ( وأبت ) صوابه في ح والطبري .
(5) المعازيل : جمع معزال ، وهو الذي لا سلاح معه .
(6) في الأصل : ( خمسمائة ) صوابه في الطبري .
(7) في الأصل : ( فرفة ) تحريف ، صوابه في الطبري ، وفي تقريب التهذيب : ( فروة بن نوفل الأشجعي ، مختلف في صحبته ، والصواب أن الصحبة لأبيه ) ، وانظر الإصابة 7033 ، ولم يرد ذكره في معجم المرزباني المطبوع ، مع نص الإصابة على أن المرزباني ذكره في المعجم .
(8) البندنيجين : بلدة في طرف النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد .

واقعة صفين _ 276 _

   ثم إن النخع قاتلت قتالا شديدا فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة ، وحنان ابن هوذة (1) ، وشعيب بن نعيم من بني بكر النخع ، وربيعة بن مالك بن وهبيل (2) ، وأبي بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه (3) ، وقطعت رجل علقمة بن قيس ، فكان يقول : ما أحب أن رجلي أصح ما كانت ؛ لما أرجو بها من حسن الثواب من ربي ، ولقد كنت أحب أن أبصر في نومي أخي وبعض إخواني ، فرأيت أخي في النوم فقلت له : يا أخي ، ماذا قدمتم عليه ؟ فقال : التقينا نحن والقوم فاحتججنا عند الله ( عز وجل ) فحججناهم ، فما سررت بشئ مذ عقلت كسروري بتلك الرؤيا ، نصر ، عن عمر ، عن سويد بن حبة النضري (4) ، عن الحضين (5) بن المنذر ( الرقاشي ) قال : إن ناسا كانوا أتوا عليا قبل الوقعة في هذا اليوم ، فقالوا : إنا لا نري خالد بن المعمر السدوسي إلا قد كاتب معاوية ، وقد خشينا أن يتابعه ، فبعث إليه علي وإلى رجال من أشرافهم ، فحمد الله ربه تبارك وتعالى وأثنى عليه ثم قال : أما بعد يا معشر ربيعة فأنتم أنصاري ، ومجيبو دعوتي ، ومن أوثق حي في العرب في نفسي ، ولقد بلغني أن معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر ، وقد أتيت (6) به ، وقد جمعتكم له لأشهدكم عليه وتسمعوا أيضا مني ومنه ، ثم أقبل عليه فقال : ( يا خالد بن المعمر ، إن كان ما بلغني عنك حقا فإني أشهد الله ومن حضرني من المسلمين أنك آمن حتى تلحق بالعراق أو بالحجاز ، أو أرض لا سلطان لمعاوية فيها ، وإن كنت مكذوبا عليك فأبر صدورنا بأيمان نطمئن إليها ) .

---------------------------
(1) الطبري : ( حيان بن هوذة ) .
(2) في الأصل : ( وسعير بن نعيم من بني بكر بن ربيعة ومالك بن نهشل ) ، وأثبت ما في الطبري ( 6 : 18 ) .
(3) هذه التكملة من الطبري .
(4) ح ( 1 : 4 5 ) : ( بن حبة البصري ) الطبري : ( بن حبة الأسدي ) .
(5) هو الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي ، فارس شاعر من كبار التابعين مات على رأس المائة ، انظر المؤتلف 87 وتهذيب التهذيب والخزانة ( 2 : 89 ـ 90 ) ، وحضين ، بالضاد المعجمة وبهيئة التصغير ، وفي الأصل وح : ( الحصين ) صوابه في الطبري .
(6) في الأصل : ( أوتيت به ) صوابه في ح والطبري .

واقعة صفين _ 277 _

  فحلف له بالله ما فعل ، وقال رجال منا كثير : والله لو نعلم أنه فعل لقتلناه ، وقال شقيق بن ثور السدوسي (1) : ما وفق الله الله خالد بن المعمر حين نصر معاوية وأهل الشام على علي وربيعة ، فقال له زياد بن خصفة : يا أمير المؤمنين ، استوثق من ابن المعمر بالأيمان لا يغدر ، فاستوثق منه ، ثم انصرفنا فلما كان يوم الخميس انهزم الناس من الميمنة فجاءنا علي حتى انتهى إلينا ومعه بنوه ، فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس ، وقال : لمن هذه الرايات ؟ قلنا : رايات ربيعة ، قال : بل هي رايات الله ، عصم الله أهلها وصبرهم وثبت أقدامهم ، ثم قال لي وأنا حامل راية ربيعة يومئذ : يا فتى ، ألا تدني رايتك هذه ذراعا ؟ فقلت له : نعم والله ، وعشرة أذرع (2) . ثم ملت (3) بها هكذا فأدنيتها ، فقال لي : حسبك ، مكانك ، نصر ، عن أبي عبد الرحمن قال : حدثني المثنى بن صالح ـ من بني قيس ابن ثعلبة ـ عن يحيي بن مطرف أبي الأشعث العجلي ، شهد مع علي صفين ، قال : لما نصبت الرايات اعترض على الرايات ثم انتهى إلى رايات ربيعة فقال : لمن هذه الرايات ؟ فقلت : رايات ربيعة ، قال : بل هي رايات الله .

---------------------------
(1) هذه التكملة من الطبري .
(2) كذا في الأصل وح ، وهي صحيحة ، فإن الذراع قد يذكر ، وفي الطبري : (عشر أذرع ) .
(3) في الأصل : ( فقلبت ) وأثبت ما في ح ( 1 : 495 ) .

واقعة صفين _ 278 _

  نصر ، عن عمرو بن شمر قال : أقبل الحضين (1) بن المنذر ـ وهو يومئذ غلام ـ يزحف برايته ، قال السدي : وكانت حمراء ، فأعجب عليا زحفه وثباته فقال :
لـمن رايـة حـمراء يـخفق iiظلها      إذا قـيل قـدمها حضين تقدما  (2)
ويـدنو  بها في الصف حتى iiيديرها      حمام المنايا تقطر الموت والدما  (3)
تـراه إذا مـا كـان يـوم عـظيمة      أبــي  فـيـه إلا عـزة iiوتـكرما
جـزى الله قـوما صابروا في لقائهم      لدى البأس حراما أعف وأكرما  (4)
وأحزم صبرا حين تدعى إلى iiالوغى      إذا  كـان أصـوات الـكماة iiتغمغما
ربـيعة أعـني ، إنـهم أهـل نجدة      وبـأس  إذا لا قـوا خميسا iiعرمرما
وقـد  صـبرت عـك ولخم iiوحمير      لـمذحج حـتى لـم يـفارق دم iiدما
ونـادت جـذام يـال مـذحج iiويلكم      جـزى الله شـرا أيـنا كـان iiأظلما
أمــا  تـتقون الله فـي حـرماتكم      ومـا قـرب الـرحمن منها iiوعظما
أذقـنا  ابـن حرب طعننا iiوضرابنا      بـأسـيافنا حـتى تـولى iiوأحـجما
وفـر  يـنادي الـزبرقان iiوظـالما      ونـادى كلاعا والكريب وأنعما  (5)
وعـمرا وسـفيانا وجـهما iiومـالكا      وحـوشب والـغاوي شريحا iiوأظلما
---------------------------
(1) في الأصل : ( الحصين ) صوابه بالضاد المعجمة ، انظر ما سبق ص 287 .
(2) في الأصل وح : ( حصين ) صوابه بالضاد المعجمة كما في الطبري ( 6 : 20 ) .
(3) وهي أيضا رواية ح ، وفي الطبري : ( حتى يزيرها ، حياض المنايا ) .
(4) الحر : الفعل الحسن الجميل ، وجاء في قول طرفة : لا يكن حبك داء داخلا ، ليس هذا منك ماوى بحر ورواية الطبري : ( لدى الموت قوما ) .
(5) في الأصل : ( وحتى ينادي زبرقان بن أظلم ) ، وأثبت ما في ح ( 1 : 496 ) .

واقعة صفين _ 279 _

  وكرز بن نبهان وعمرو بن جحدر ، وصباحا القيني يدعــو وأسلما (1) نصر : عن عمر ، قال حدثني الصلت بن يزيد بن أبي الصلت التيمي قال : سمعت أشياخ الحي من بني تيم الله بن ثعلبة (2) يقولون : كانت راية ربيعة كوفيتها وبصريتها (3) مع خالد بن المعمر من أهل البصرة ، قال : وسمعتهم يقولون : إن خالد بن المعمر (4) وسعيد بن ثور (5) السدوسي ، اصطلحا أن يوليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين (6) بن المنذر ، قالوا : وتنافسا في الراية قالا : هذا فتى له حسب ونجعلها له حتى نرى من رأينا ، ثم إن عليا أعطى الراية خالد بن المعمر ، راية ربيعة كلها ، قال : وضرب معاوية لحمير بسهم على ثلاث قبائل لم يكن لأهل العراق قبائل أكثر منها عددا يومئذ : على ربيعة ، وهمدان ، ومذحج ، فوقع سهم حمير على ربيعة ، فقال ذو الكلاع : قبحك الله من سهم كرهت الضراب .

---------------------------
(1) ح : ( بن تيهان ) بالتاء ، و ( صباحا الليثي ) ، وقد عقب ابن أبي الحديد على هذه الأبيات بقوله : ( قلت : هكذا روى نصر بن مزاحم ، وسائر الرواة رووا له ( عليه السلام ) الأبيات الستة الأولى ، ورووا باقي الأبيات من قوله : وقد صبرت عك ، للحضين بن المنذر صاحب الراية ) .
(2) هم بنو تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ، انظر المعارف ص 44 وما قبلها ، وفي الأصل : ( تميم بن ثعلبة ) صوابه في الطبري ، ومما هو جدير بالذكر أن في العرب : وهؤلاء في قحطان من ولد طيئ بن أدد ، وليس في العرب إلا تميمان : تميم بن مر القبيلة المعروفة ، وتميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر ، انظر لهذه المعارف ص 30 .
(3) الطبري : ( أهل كوفتها وبصرتها ) ، انظر ( 6 : 18 ) .
(4) هذة التكملة من الطبري .
(5) الطبري : ( سفيان بن ثور ) ، مع إسقاط النسبة بعده .
(6) في الأصل : ( الحصين ) بالمهملة ، تحريف ، انظر ما سبق في 287 .