ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله (1) ، واقتدينا بفعاله ، فعب أباك ما بدا لك أودع ، والسلام على من أناب ، ورجع عن غوايته وتاب ، قال : وأمر على الحارث الأعور ينادي في الناس : أن اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة ، فنادى : أيها الناس ، اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة ، وبعث علي إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب شرطته ، فأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر (2) ، ودعا عقبة بن عمرو الأنصاري فاستخلفه علي الكوفة ، وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين ، ثم خرج علي وخرج الناس معه ، نصر : عمر حدثني عبد الرحمن عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الله ابن شريك ، أن الناس لما توافوا بالنخيلة قام رجال ممن كان سير عثمان (3) فتكلموا ، فقام جندب بن زهير ، والحارث الأعور ، ويزيد بن قيس الأرحبي فقال جندب : قد آن للذين أخرجوا من ديارهم (4) ، نصر : عمر بن سعد ، حدثني يزيد بن خالد بن قطن ، أن عليا حين أراد المسير إلى النخيلة دعا زياد بن النضر ، وشريح بن هانئ ـ وكانا على مذحج والأشعريين ـ قال : يا زياد ، اتق الله في كل ممسى ومصبح ، وخف (5) .

---------------------------
(1) ح : ( رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله ) .
(2) في الأصل : ( العسكر ) ، وأثبت ما في ح .
(3) أي سيرهم عثمان ، والتسيير : الإجلاء والإخراج من البلد .
(4) كذا وردت العبارة ، أي آن لهم أن يقاتلوا ، وفي الكتاب : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم ) .
(5) في الأصل : ( خفف ) ، صوابه في ح .

واقعة صفين _ 121 _

   على نفسك الدنيا الغرور ، ولا تأمنها على حال من البلاء واعلم أنك إن لم تزع نفسك عن كثير مما يحب (1) مخافة مكروهة ، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضر ، فكن لنفسك مانعا وازعا (2) من البغي والظلم والعدوان ؛ فإني قد وليتك هذا الجند ، فلا تستطيلن عليهم ، وإن خيركم عند الله أتقاكم ، وتعلم من عالمهم ، وعلم جاهلهم ، واحلم عن سفيههم ، فإنك إنما تدرك الخير بالحلم ، وكف الأذى والجهل (3) ، فقال زياد : أوصيت يا أمير المؤمنين حافظا لوصيتك ، مؤدبا بأدبك ، يرى الرشد في نفاذ أمرك ، والغي في تضييع عهدك ، فأمرهما أن يأخذا في طريق واحد ولا يختلفا ، وبعثهما في اثني عشر ألفا على مقدمته (4) شريح بن هانئ على طائفة من الجند ، وزياد على جماعة ، فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة ، ولا يقرب زياد بن النضر (5) ، فكتب زياد ( إلى علي ( عليه السلام ) مع غلام له أو مولى يقال له شوذب : لعبد الله علي أمير المؤمنين من زياد بن النضر ، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإنك وليتني أمر الناس ، وإن شريحا لا يرى لي عليه طاعة ولا حقا ، وذلك من فعله بي استخفاف بأمرك ، وترك لعهدك (6) ، ( والسلام ) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( يجب ) ، صوابه في ح .
(2) في الأصل : ( وادعا ) صوابه في ح ، وجاء في نهج البلاغة ( 4 : 161 ) بشرح ابن أبي الحديد : ( رادعا ) .
(3) الجهل : نقيض الحلم ، وفي الأصل : ( الجهد ) ، والصواب في ح .
(4) مقدمة الجيش ، بكسر الدال المشددة ، وعن ثعلب فتح داله .
(5) في الأصل : ( بزياد ) تحريف ، وفي ح : ( زيادا ) فقط .
(6) في الأصل : ( استخفافا ) و : ( تركا ) ، صوابه في ح ( 1 : 285 ) .

واقعة صفين _ 122 _

  وكتب شريح بن هانئ : سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإن زياد ابن النضر حين أشركته في أمرك ، و وليته جندا من جنودك ، تنكر واستكبر ومال به العجب والخيلاء والزهو إلى ما لا يرضاه الرب تبارك وتعالى (1) من القول والفعل ، فإن رأي أمير المؤمنين أن يعزله عنا ويبعث مكانه من يحب فليفعل ، فإنا له كارهون ، والسلام ، فكتب إليهما علي : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن النضر وشريح بن هانئ : سلام عليكما ، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإني قد وليت مقدمتي زياد بن النضر وأمرته عليها ، وشريح على طائفة منها أمير ، فإن أنتما جمعكما بأس فزياد بن النضر على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير الطائفة (2) التي وليناه أمرها ، واعلما أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم ، فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلاتسأما من توجيه الطلائع ، ومن نقض الشعاب والشجر والخمر في كل جانب (3) كي لا يغتر كما عدو ، أو يكون لكم كمين .

---------------------------
(1) ح : ( إلى ما لا يرضى الله تعالى به ) .
(2) في الأصل : ( علي أمير الطائفة ) وكلمة : ( علي ) مقحمة .
(3) النفيضة : الجماعة يبعثون في الأرض متجسسين لينظروا هل فيها عدو أو خوف ، والشعاب : جمع شعبة ، وهو ما انشعب من التلعة والوادي ، أي عدل عنه وأخذ في طريق غير طريقه ، والخمر ، بالتحريك : ما واراك من الشجر والجبال ونحوها ، في الأصل وح : ( نقض الشعاب ) بالقاف ، صوابه بالفاء .

واقعة صفين _ 123 _

   ولا تسيرن الكتائب ( والقبائل ) من لدن الصباح إلى المساء إلا على تعبية (1) ، فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبية ، وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال (2) ، أو أثناء الأنهار ، كي ما يكون ذلك لكم ردءا (3) ، وتكون (4) مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال ، وبأعالى الأشراف ، ومناكب الهضاب (5) يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن ، وإياكم والتفرق ، فإذا نزلتم فانزلوا جميعا ، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا ، وإذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والأترسة (6) ، ورماتكم يلون ترستكم ورماحكم ، وما أقمتم فكذلك فافعلوا كي لا تصاب لكم غفلة ، ولا تلفي منكم غرة ، فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون ، واحرسا عسكركما بأنفسسكما ، وإياكما أن تذوقا نوما حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة (7) ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما .

---------------------------
(1) في الأصل : ( إلا من لدن ) الخ ، وكلمة : ( إلا ) مقحمة .
(2) الأشراف : الأماكن العالية ، جمع شرف ، وقبلها : ما استقبلك منها ، وسفاح الجبال : أسافلها ، حيث يسفح منها الماء ، ولم أجد هذا الجمع في المعاجم ، والمعروف سفوح .
(3) قال ابن أبي الحديد في ( 3 : 413 ) : ( المعنى أنه أمرهم أن ينزلوا مسندين ظهورهم إلى مكان عال كالهضاب العظيمة أو الجبال أو منعطف الأنهار التي تجري مجرى الخنادق على العسكر ، ليأمنوا بذلك من البيات ، وليأمنوا من إتيان العدو لهم من خلفهم ) .
(4) في نهج البلاغة : ( ولتكن ) .
(5) المنكب من الأرض : الموضع المرتفع ، في الأصل : ( ومناكب الأنهار ) ، صوابه من نهج البلاغة بشرح ابن الحديد ( 3 : 412 ) .
(6) الترس من السلاح تلك التي يتوقى بها ، وتجمع على أتراس وتراس وترسة وتروس ، وفي اللسان : ( قال يعقوب : ولا نقل أترسة ) ، وفي ح ( 1 : 285 ) : ( والترسة ) .
(7) في اللسان : ( لما جعل للنوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه إلا بألسنتهم ولا يسيغوه ، فشبهه بالمضمضة بالماء وإلقائه من الفم من غير ابتلاع ) .

واقعة صفين _ 124 _

  وليكن عندي كل يوم خبركما ورسول من قبلكما ؛ فإني ـ ولا شيء إلا ما شاء الله ـ حثيث السير في آثاركما ، عليكما في حربكما بالتؤدة ، وإياكم والعجلة إلا أن تمكنكم فرصة بعد الإعذار والحجة ، وإياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدأ أو يأتيكما أمري إن شاء الله ، والسلام ، وفي حديث عمر أيضا بإسناده ، ثم قال : إن عليا كتب إلى أمراء الأجناد : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين ، أما بعد فإني أبرأ إليكم وإلى أهل الذمة من معرة الجيش (1) ، إلا من جوعة إلى شبعة ، ومن فقر إلى غنى ، أو عمى إلى هدى ، فإن ذلك عليهم ، فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان ، وخذوا على أيدي سفهائكم ، واحترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا ، فإن الله تعالى يقول : ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم ، فسوف يكون لزاما ) ، فإن الله إذا مقت قوما من السماء هلكوا في الأرض ، فلا تألوا أنفسكم خيرا (2) ، ولا الجند حسن سيرة ، ولا الرعية معونة ، ولا دين الله قوة ، وأبلوا في سبيله (3) ما استوجب عليكم ، فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم ما ( يجب علينا أن ) نشكره بجهدنا ؛ وأن ننصره ما بلغت قوتنا ، ولا قوة إلا بالله ، وكتب أبو ثروان .

---------------------------
(1) معرة الجيش : أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زروعهم شيئا بغير علم .
(2) يقال فلان لا يألو خيرا : أي لا يدعه ولا يزال يفعله . وفي الأصل : ( لا تدخروا أنفسكم ) ، صوابه في ح .
(3) في الأصل : ( وأبلوه ) ، صوابه في ح .

واقعة صفين _ 125 _

  قال : وفي كتاب عمر بن سعد أيضا : وكتب إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي عليهم : من عبد الله علي أمير المؤمنين ، أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء ، أسودكم وأحمركم (1) ، وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد ، وبمنزلة الولد من الوالد الذي لا يكفيهم منعه إياهم طلب عدوه والتهمة به ، ما سمعتم وأطعتم وقضيتم الذي عليكم (2) ، وإن حقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم ، والكف عن فيئكم ، فإذا فعل ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق ، ونصرته على سيرته ، والدفع عن سلطان الله ، فإنكم وزعة الله في الأرض ـ قال عمر : الوزعة الذين يدفعون عن الظلم ـ فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، إن الله لا يحب المفسدين ، قال : ومرت جنازة على علي وهو بالنخيلة ، نصر : عمر بن سعد ، حدثني سعد بن طريف عن الأصبغ بن نبانة عن علي قال : قال علي : ما يقول الناس في هذا القبر ؟ ـ وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله ـ فقال الحسن بن علي : يقولون هذا قبر هود النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما أن عصاه قومه جاء فمات هاهنا ، قال : كذبوا ، لأنا ، أعلم به منهم ، هذا قبر يهودا (3) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، بكر يعقوب (4) .

---------------------------
(1) انظر ما مضى ص 113 .
(2) الكلام بعد ( الولد ) إلى هنا ليس في ح .
(3) في الأصل : ( يهود ) وفي ح ( 1 : 286 ) : ( يهوذا ) صوابهما ما أثبت كما في القاموس مادة ( هود ) ، وفي شفاء الغليل للخفاجي : ( يهودا معرب يهوذا بذال معجمة ، ابن يعقوب ( عليه السلام ) .
(4) الحق أن بكر يعقوب هو ( رأوبين ) وأمه ليئة ، انظر التكوين ( 35 : 23 27 ) .

واقعة صفين _ 126 _

  ثم قال هاهنا أحد من مهرة (1) ؟ قال : فأتى بشيخ كبير ، فقال : أين منزلك ؟ قال : علي شاطئ البحر ، قال : أين من الجبل الأحمر (2) ؟ قال : ( أنا ) قريب منه ، قال : فما يقول قومك فيه ؟ قال : يقولون : قبر ساحر ، قال : كذبوا ، ذاك قبر هود ، وهذا قبر يهودا (3) بن يعقوب بكره ، ( ثم قال عليه السلام ) : يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفا على غرة الشمس (4) يدخلون الجنة بغير حساب ، قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد قال : بعث قيس بن سعد الأنصاري من الكوفة إلى مصر أميرا عليها ، فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان مكان على بالنخيلة ومعسكره بها ـ ومعاوية بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم ، وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون ( حوله ) لا تجف دموعهم على عثمان ـ خطب معاوية أهل الشام فقال : يا أهل الشام ، قد كنتم تكذبوني في علي ، وقد استبان لكم أمره ، والله ما قتل خليفتكم غيره ، وهو أمر بقتله ، وألب الناس عليه ، وآوى قتلته ، وهم جنده وأنصاره وأعوانه ، وقد خرج بهم قاصدا بلادكم ( ودياركم ) لإبادتكم ، يا أهل الشام ، الله الله في عثمان ، فأنا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه ، وقد جعل الله لولي المظلوم سلطانا (5) ، فانضروا خليفتكم ( المظلوم ) ؛ فقد صنع به القوم ما تعلمون ، قتلوه ظلما وبغيا ، وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله ، ( ثم نزل ) .

---------------------------
(1) مهرة ، بالفتح ، ابن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وهم حي من اليمن .
(2) ح : ( أين أنت من الجبل ) فقط .
(3) في الأصل : ( يهود ) وانظر التنبيه رقم 3 من الصفحة السابقة .
(4) أي مطلعها ، وغرة كل شيء : أوله ، وفي الأصل : ( الشمس والقمر ) ، وأثبت ما في ح .
(5) ح : ( لولى المقتول ظلما سلطانا ) .

واقعة صفين _ 127 _

  فأعطوه الطاعة ، وانقادوا له وجمع إليه أطرافه ، واستعمل على فلسطين ثلاثة رهط فجعلهم بإزاء أهل مصر ليغيروا عليهم من خلفهم ، وكتب إلى معتزلة أهل مصر ، وهم يومئذ يكاتبون معاوية ولا يطيقون مكاثرة أهل مصر ، إن تحرك قيس عامل علي على مصر أن يثبتوا له ، وفيها معاوية بن خديج ، وحصين بن نمير ، وأمراء فلسطين الذين أمرهم معاوية عليها : حباب بن أسمر ، وسمير بن كعب بن أبي الحميري ، وهيلة بن سحمة ، واستعمل على أهل حمص محول بن عمرو بن داعية ، واستخلف على أهل دمشق عمار بن السعر ، واستعمل على أهل قنسرين صيفي بن علية بن شامل (1) ، آخر الجزء الثاني من الأصل ، ويتلوه في الجزء الثالث خروج علي ( عليه السلام ) إلى النخيلة ، ( وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم ) .

الجزء الثالث
   رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد ، رواية أبي الحسن محمد بن ثابت ، رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري ، رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ، رواية أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له .
---------------------------
(1) ترجم له ابن عساكر في تاريخه ( 18 : 64 ) النسخة التيمورية ، وقيده بالضبط الذي أثبت ، ‏وفي الأصل : ( صيفي بن عيلة بن سائل ) ، تحريف .

واقعة صفين _ 128 _

  بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، قال أبو الحسن محمد بن ثابت ابن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز قال أبو الفضل نصر بن مزاحم :

خروج علي ( عليه السلام ) من النخيلة
 عمرو بن شمر ، وعمر بن سعد ، ومحمد بن عبد الله ، قال عمر : حدثني رجل من الأنصار عن الحارث بن كعب الوالبي ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود ، قال : لما أراد علي الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال : الحمد لله غير مفقود النعم (1) ولا مكافأ الإفضال ، وأشهد ألا إله إلا الله ونحن على ذلكم من الشاهدين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( غير معقود النعم ) صوابه في نهج البلاغة ( 1 : 287 ) بشرح ابن أبي الحديد .

واقعة صفين _ 129 _

   أما بعد ذلكم فإني قد بعثت مقدماتي ، وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط (1) حتى يأتيهم أمري ، فقد أردت أن أقطع هذه النطفة (2) إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة (3) ، فأنهضهم معكم إلى أعداء الله ، إن شاء الله ، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ، ولم الكم (4) ولا نفسي ، فإياكم والتخلف والتربص ؛ فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي ، وأمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله ، فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال : يا أمير المؤمنين ، والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ، ولا يتربص بك إلا منافق ، فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين ، قال علي : قد أمرته بأمرى ؛ وليس مقصرا في أمري إن شاء الله ، وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته ، فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال : ( بسم الله ) ، فلما جلس (5) على ظهرها قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ، ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد .

---------------------------
(1) قال الرضي في تعليقه على نهج البلاغة : ( أقول : يعنى ( عليه السلام ) بالملطاط ها هنا : السمت الذي أمرهم بلزومه ، وهو شاطئ الفرات ، ويقال ذلك أيضا لشاطئ البحر ، وأصله ما استوى من الأرض ) .
(2) قال الرضي : ( يعني بالنطفة ماء الفرات ، وهو من غريب العبارات وعجيبها ) .
(3) يقال وطن بالمكان وأوطن والأخيرة أعلى .
(4) يقال ما يألو الشيء : أي ما يتركه ، في الأصل : ( ولم آلوكم ) ، صوابه في ح ( 1 : 287 ) .
(5) في الأصل : ( ملس ) تحريف .

واقعة صفين _ 130 _

  اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، ولا يجمعهما غيرك ، لأن المستخلف لا يكون مستصحبا ؛ والمستصحب لا يكون مستخلفا (1) ، ثم خرج وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي ( ربيعة تميم ) وهو يقول :
يـا فرسي سيري وأمي iiالشاما      وقطعي الحزون والأعلاما  (2)
ونـابذي مـن خـالف iiالإماما      إنـي  لأرجـو إن لقينا iiالعاما
جـمع بـني أمـية iiالـطعاما      أن  نـقتل الـعاصي iiوالهماما
  وأن نزيل من رجال هاما قال : وقال مالك بن حبيب ـ وهو على شرطة علي ـ وهو آخذ بعنان دابته ( عليه السلام ) : يا أمير المؤمنين ، أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال ؟ فقال له علي : إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه ، وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم (3) لو كنت معهم ، فقال : سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين ، فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين ، نصر : إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، أن عليا صلى بين القنطرة والجسر ركعتين .

---------------------------
(1) قال الرضي في نهج البلاغة : ( وابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد قفاه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بأبلغ كلام ، وتممه بأحسن تمام ، من قوله : ولا يجمعهما غيرك ، إلى آخر الفصل ) ، ووعثاء السفر : مشقته ، والمنقلب : الرجوع .
(2) انظر الأغاني ( 11 : 130 ) .
(3) ح ( 1 : 277 ) : ( عنهم منك ) .

واقعة صفين _ 131 _

  نصر : عمرو بن خالد ، عن أبي الحسين زيد بن علي ، عن آبائه عن علي ( عليه السلام ) قال ، خرج علي وهو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة ، قال : فتقدم فصلى ركعتين ، حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا فقال : يأيها الناس ، ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم على سفر (1) ، ومن صحبنا فلا يصم المفروض (2) . والصلاة ( المفروضة ) ركعتان ، قال : ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى ، وهو من الكوفة على فرسخين (3) ، فصلى بها العصر (4) ، فلما انصرف من الصلاة قال : ( سبحان ذي الطول والنعم ، سبحان ذي القدرة والإفضال ، أسأل الله الرضا بقضائه ، والعمل بطاعته ، والإنابة إلى أمره ، فإنه سميع الدعاء ) ، ثم خرج حتى نزل على شاطئ نرس (5) ، بين موضع حمام أبى بردة وحمام عمر ، فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال : ( الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، ( و ) الحمد لله كلما وقب ليل وغسق ، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق ) .

---------------------------
(1) ح : ( قوم سفر ) ، وسفر ، بالفتح : أي مسافرون .
(2) ح ( 1 : 277 ) : ( فلا يصومن المفروض ) .
(3) لم يذكره ياقوت .
(4) ح : ( به العصر ) التذكير للدير ، والتأنيث للبقعة .
(5) نرس ، بفتح النون في أوله : نهر حفره نرسي بن بهرام بنواحي الكوفة ، مأخذه من الفرات ، وفي الأصل : ( البرس ) بالباء ، صوابه ما أثبت من ح ومعجم البلدان .

واقعة صفين _ 132 _

  ثم أقام حتى صلى الغداة ، ثم شخص حتى بلغ قبة قبين (1) ، ( و ) فيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر ، فلما رآها قال : ( والنخل باسقات لها طلع نضيد ) ، ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها فمكث بها قدر الغداة ، نصر : عمر ، عن رجل ـ يعني أبا مخنف (2) عن عمه ابن مخنف (3) قال : إني لأنظر إلى أبي ، مخنف بن سليم (4) وهو يساير عليا ببابل ، وهو يقول ، إن ببابل أرضا قد خسف بها ، فحرك دابتك لعلنا أن نصلى العصر خارجا منها ، قال : فحرك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره ، فلما جاز جسر الصراة (5) نزل فصلى بالناس العصر .

---------------------------
(1) قبين ، بضم القاف وتشديد الباء المكسورة بعده ، وفي ح : ( يبين ) محرف .
(2) أبو مخنف ، هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي ، شيخ من أصحاب الأخبار بالكوفة ، روي عن الصعق بن زهير ، وجابر الجعفي ، ومجالد ، وروي عنه المدائني ، وعبد الرحمن بن مغراء ، ومات قبل السبعين ومائة ، منتهي المقال 248 ولسان الميزان ( 4 : 292 ) وابن النديم 93 ليبسك .
(3) لمخنف أولاد ، أحدهم أبو رملة عامر بن مخنف بن سليم الأزدي ، ذكره صاحب منتهى المقال في 299 وقال إنه روى عن أبيه مخنف ، والآخر حبيب بن مخنف ذكره الحافظ أبو عمرو ، وثالث ذكره صاحب لسان الميزان ( 5 : 375 ) وهو محمد بن مخنف .
(4) مخنف ، بكسر الميم ، وسليم ، بضم السين ، كما في الاشتقاق 289 ومنتهى المقال 299 ، وهو صحابي ترجم له في الإصابة 7842 .
(5) الصراة ، بالفتح : نهر يأخذ من نهر عيسى من بلدة يقال لها المحول ، بينها وبين بغداد فرسخ ، وهو من أنهار الفرات ، وفي الأصل : ( الصراط ) تحريف ، وفي ح : ( الفرات ) .

واقعة صفين _ 133 _

  نصر : عمر ، حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي ، عن أبيه عن عبد خير (1) قال : كنت مع علي أسير في أرض بابل ، قال : وحضرت الصلاة صلاة العصر ، قال : فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح (2) من الآخر ، قال : حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا ، وقد كادت الشمس أن تغيب ، قال : فنزل علي ونزلت معه ، قال : فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر ، قال : فصلينا العصر ، ثم غابت الشمس ، ثم خرج حتى أتى دير كعب ، ثم خرج منها (3) فبات بساباط ، فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل (4) والطعام ، فقال : لا ، ليس ذلك لنا عليكم . فلما أصبح وهو بمظلم (5) ساباط قال : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون ) ، قال : وبلغ عمرو بن العاص مسيره فقال :
لا تـحسبني يا علي غافلا      لأوردن الكوفة القنابلا (6)
.
---------------------------
(1) هو عبد خير بن يزيد الهمداني ، أبي عمارة الكوفي ، أدرك الجاهلية وأدرك زمن النبي ولم يسمع منه ، الإصابة 6360 وتهذيب التهذيب .
(2) أفيح من الفيح وهو الخصب والسعة ، وفي الأصل وح : ( أقبح ) .
(3) ح ( 1 : 277 ) : ( ثم خرج منه ) .
(4) النزل ، بضم وبضمتين : ما يهيأ للضيف ، وفي الأصل : ( النزول ) ، وأثبت ما في ح .
(5) قال ياقوت : مضاف إلى ساباط التي قرب المدائن .
(6) القنابل : جمع قنبلة ، بالفتح ، وهي جماعة الخيل .

واقعة صفين _ 134 _

  بجمعي العام وجمعي قابلا فقال علي :
لأوردن  الـعاصي بن iiالعاصي      سـبعين ألـفا عاقدي iiالنواصي
مـسـتحقبين حـلق iiالـدلاص      قد جنبوا الخيل مع القلاص (1)
   أسود غيل حين لا مناص (2) قال : وكتب علي إلى معاوية :
أصبحت منى يا ابن حرب جاهلا      إن لـم نـرام مـنكم iiالـكواهلا
بـالحق والـحق يـزيل iiالباطلا      هـذا لـك الـعام وعـام iiقـابلا
  قال : وبلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين ونشطوا وجدوا ، غير أنه كان من الأشعث بن قيس شئ عند عزل علي إياه عن الرياسة ، وذلك أن رياسة كندة وربيعة كانت للأشعث ، فدعا علي حسان بن مخدوج ، فجعل له تلك الرياسة ، فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن ، منهم الأشتر ، وعدي الطائي ، وزحر بن قيس (3) وهانئ بن عروة ، فقاموا إلى علي فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن رياسة الأشعث لا تصلح إلا لمثله ، وما حسان بن مخدوج مثل الأشعث ، فغضب ربيعة ، فقال حريث بن جابر : يا هؤلاء رجل برجل ، وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ، ونجدته وبأسه ، ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه ، فقال النجاشي في ذلك :
رضينا  بما يرضى علي لنا iiبه      وإن كان فيما يأت جدع المناخر
وصي رسول الله من دون iiأهله      ووارثه بعد العموم الأكابر  (4)
---------------------------
(1) كانت العرب إذا أرادت حربا فساروا إليها ركبوا الإبل وقرنوا إليها الخيل لإراحة الخيل وصيانتها ، انظر المفضليات الخمس 39 .
(2) انظر لأقوال النحاة في مثل هذه العبارة خزانة البغدادي ( 2 : 90 بولاق ) .
(3) في الأصل : ( زجر ) بالجيم ، صوابه بالحاء كما سبق في ص 15 .
(4) جمع العم أعمام وعموم وعمومة .

واقعة صفين _ 135 _

رضى بابن مخدوج فقلنا الرضا به      رضـاك وحـسان الرضا للعشائر
وللأشعث  الكندي في الناس iiفضله      تـوارثه  مـن كـابر بـعد iiكابر
مـتـوج  آبــاء كـرام iiأعـزة      إذ الملك في أولاد عمرو بن iiعامر
فـلولا  أمـير الـمؤمنين وحـقه      عـلينا لأشـجينا حريث بن iiجابر
فـلا تـطلبنا يـا حـريث فـإننا      لـفومك ؟ ردء في الأمور الغوامر
وما  بابن مخدوج بن ذهل iiنقيصة      ولا قـومنا فـي وائل بعوائر  (1)
ولـيس لـنا إلا الرضا بابن iiحرة      أشـم  طـويل الـساعدين مهاجر
عـلى  أن في تلك النفوس iiحزازة      وصدعا  يؤتيه أكف الجوابر  (2)
  قال : وغضب رجال اليمنية ، فأتاهم سعيد بن قيس الهمداني فقال : ما رأيت قوما أبعد رأيا منكم ، أرأيتم إن عصيتم على علي هل لكم إلي عدوه وسيلة ؟ وهل في معاوية عوض منه ، أو هل لكم بالشام من بدله (3) بالعراق ، أو تجد ربيعة ناصرا من مضر ؟ القول ما قال ، والرأي ما صنع ، قال : فتكلم حريث بن جابر فقال : يا هؤلاء ، لا تجزعوا ؛ فإنه إن كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الإسلام فإن صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها ، فقال حسان للأشعث : لك راية كندة ، ولي راية ربيعة .

---------------------------
(1) العوائر : جمع عائر ، وهو الذي لا يدري من أين أتى ، وأصل ذلك في السهام .
(2) يؤتيه : يهيئه ويصلحه ، وفي اللسان : ( أتيت الماء : أصلحت مجراه ) ، وفيه : ( وأتاه الله : هيأه ) ، وفي الأصل : ( يأبيه ) مع ضبطها بضم الياء وفتح الهمزة ، والوجه ما أثبت .
(3) في الأصل : ( أو هل لك بالشام من بدلة بالعراق ) .

واقعة صفين _ 136 _

  فقال : معاذ الله ، لا يكون هذا أبدا ، ما كان لك (1) فهو لي ، وما كان لي فهو لك ، وبلغ معاوية ما صنع بالأشعث فدعا مالك بن هبيرة فقال : اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه على علي ، فدعوا شاعرا لهم فقال هذه الأبيات ، فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث ، وكان له صديقا ، وكان كنديا :
مـن  كـان في القوم مثلوجا iiبأسرته      فالله يـعـلم أنــي غـير iiمـثلوج
زالـت عـن الأشعث الكندي رياسته      واسـتجمع الأمـر حسان بن مخدوج
يـا  لـلرجال لـعار لـيس يـغسله      مـاء الـفرات وكـرب غير iiمفروج
إن  تـرض كـندة حـسانا بصاحبها      يـرض الـدناة ومـا قحطان iiبالهوج
هـذا لـعمرك عـار لـيس iiيـنكره      أهـل الـعراق وعـار غير iiممزوج
كـان ابـن قـيس هماما في iiأرومته      ضـخما يـبوء بـملك غـير iiمفلوج
ثـم  اسـتقل بـعار فـي ذوي iiيمن      والـقوم أعـداء يـاجوج iiومـاجوج
إن  الـذيـن تـولوا بـالعراق iiلـه      ا  يـستطيعون طـرا ذبـح iiفـروج
لـيست ربـيعة أولـى بالذي iiحذيت      من حق كندة ، حق غير محجوج  (2)
  قال : فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هانئ : يا أهل اليمن ما يريد صاحبكم إلا أن يفرق بينكم وبين ربيعة ، وإن حسان بن مخدوج مشى إلى الأشعث بن قيس برايته حتى ركزها في داره ، فقال الأشعث :

---------------------------
(1) في الأصل : ( ذلك ) .
(2) حذيت : أعطيت ، والحذوة : العطية .

واقعة صفين _ 137 _

   إن هذه الراية عظمت على علي ، وهو والله أخف علي من زف النعام (1) ، ومعاذ الله أن يغيرني ذلك لكم ، قال : فعرض عليه علي بن أبي طالب أن يعيدها عليه فأبي وقال : يا أمير المؤمنين ، إن يكن أولها شرفا فإنه ليس آخرها بعار ، فقال له علي : أنا أشركك فيه ، فقال له الأشعث : ذلك إليك ، فولاه على ميمنته ، وهي ميمنة أهل العراق ، وقال : وأخذ مالك بن حبيب رجلا وقد تخلف عن علي فضرب عنقه فبلغ ذلك قومه فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى مالك فنتسقطه (2) لعله أن يقر لنا بقتله ؛ فإنه رجل أهوج ، فجاءوا فقالوا : يا مالك ، قتلت الرجل ؟ قال : أخبركم أن الناقة ترأم ولدها ، اخرجوا عني قبحكم الله ، أخبرتكم أني قتلته ، قال : حدثني مصعب بن سلام (3) ، قال أبو حيان التميمي ، عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين ، فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب ، فلما رجع هرثمة من غزوته (4) إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعلي ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبك من صديقك أبي الحسن ؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها وقال :

---------------------------
(1) زف النعام ، بالكسر : ريشه الصغير .
(2) في اللسان : ( وتسقطه واستسقطه : طلب سقطه وعالجه على أن يسقط فيخطئ ، أو يكذب ، أو يبوح بما عنده ) ، وفي الأصل : ( فنسقطه ) تحريف :
(3) في الأصل : ( سلم ) تحريف ، وترجمة مصعب في تاريخ بغداد ( 13 : 108 ) .
(4) ح ( 1 : 278 ) : ( من غزاته ) ، يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب ؟ فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا .

واقعة صفين _ 138 _

  واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلمت عليه ، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا ؟ فقلت : يا ابن رسول الله ، لا معك ولا عليك . تركت أهلي وولدي (1) أخاف عليهم من ابن زياد ، فقال الحسين : فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا (2) إلا أدخله الله النار ، قال : فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله (3) ، نصر : مصعب بن سلام قال : حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب ، فسأله وأنا أسمع فقال : حديث حدثتنيه (4) عن علي بن أبي طالب ، قال : نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى علي ، فأتيته بكربلاء : فوجدته يشير بيده ويقول : هاهنا هاهنا ، فقال له رجل : وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم ، فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ قال : ويل لهم منكم : تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم إلى النار .

---------------------------
(1) ح : ( ولدي وعيالي ) .
(2) ح : ( ثم لا يعيننا ) .
(3) ح : ( مقتلهم ) .
(4) في الأصل : ( حدثنيه ) محرف ، وفي ح : ( حدثتناه ) .

واقعة صفين _ 139 _

   وقد روى هذا الكلام على وجه آخر : أنه ( عليه السلام ) قال : فويل ( لكم منهم ، وويل ) لكم عليهم ، قال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفت (1) : وويل لنا عليهم ما هو ؟ قال : ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم ، نصر : سعيد بن حكيم العبسي : عن الحسن بن كثير عن أبيه : أن عليا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء ، قال : ذات كرب وبلاء ، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم ، ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهر سير ، وإذا رجل من أصحابه يقال له حر (2) بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك (3) ، ينظر إلى آثار كسرى ، وهو يتمثل قول ابن يعفر التميمي (4) :
جرت الرياح على مكان ديارهم      فـكأنما  كـانوا عـلى مـيعاد
---------------------------
(1) ح : ( عرفناه ) .
(2) في الأصل : ( حريز وأثبت ما في ح ( 1 : 288 ) .
(3) ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، انظر 133 ونهاية الأرب ( 2 : 344 ) .
(4) هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، شاعر جاهلي مقدم ، كان ينادم النعمان بن المنذر ، والبيت من قصيدة له في المفضليات ( 2 : 15 ـ 20 طبع المعارف ) ، وفي الأصل : ( ابن يعقوب التميمي ) والصواب ما أثبت ، وفي ح : ( بقول الأسود بن يعفر ) .

واقعة صفين _ 140 _

   فقال علي : أفلا قلت : ( كم تركوا من جنات وعيون ، وزروع ومقام كريم ، ونعمة كانوا فيها فاكهين ، كذلك وأورثناها قوما آخرين ، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) ، إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ، إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية ، ياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم ، ثم قال : انزلوا بهذه النجوة (1) ، نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الأعور ، عن حبة العرني (2) ( رجل من عرينة ) قال : أمر علي بن أبي طالب الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن : من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر ، فوافره في تلك الساعة ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم ، وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها ، والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ، ولا منكرا تنهون عنه ، قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا كنا ننتظر أمرك ورأيك ، مرنا بما أحببت ، فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم ، فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة ، وخلف ابنه يزيد فلحقه في أربعمائة رجل منهم ، ثم لحق عليا ، وجاء علي حتى مر بالأنبار ، فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها .

---------------------------
(1) النجوة : المكان المرتفع . ح : ( الفجوة ) ، والفجوة : ما اتسع من الأرض ، وقيل ما اتسع منها وانخفض .
(2) هو حبة ، بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة ، بن جوين بجيم مصغر ، العرني ، أبو قدامة الكوفي ، كان غاليا في التشيع ، قال في تقريب التهذيب : ( أخطأ من زعم أن له صحبة ) ، ح : ( حية ) بالياء ، تحريف .

واقعة صفين _ 141 _

  قال سليمان (1) : ( خش : طيب ، نوشك : راض ، يعني بني الطيب الراضي ، بالفارسية ) ، فلما استقبلوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال : ما هذه الدواب التي معكم ؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم ؟ قالوا : أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء ، وأما هذه البراذين فهدية لك ، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما ، وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا ، قال : أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما ينفع هذا الأمراء ، وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم ، فلا تعودوا له ، وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم ، وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن ، قالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نقومه ثم نقبل ثمنه ، قال : إذا لا تقومونه قيمته ، نحن نكتفي بما دونه ، قالوا : يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف ، فتمنعنا أن نهدى لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا ؟ قال : كل العرب لكم موال ، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم ، وإن غصبكم أحد فأعلمونا ، قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا ، قال لهم : ويحكم ، نحن أغنى منكم ، فتركهم ثم سار ، نصر : عبد العزيز بن سياه (2) .

---------------------------
(1) هو أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي ، أحد رواة هذا الكتاب .
(2) عبد العزيز بن سياه ، بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة ، الأسدي الكوفي ، صدوق يتشيع من كبار أتباع التابعين ، انظر تهذيب التهذيب والتقريب ، وفي ح ( 1 : 288 ) : ( بن سباع ) تحريف .

واقعة صفين _ 142 _

   عن حبيب بن أبي ثابت ، قال أبو سعيد التيمي ، المعروف بعقيصا (1) ، قال : كنا مع علي في مسيره إلى الشام ، حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد ـ قال : ـ عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا على حي أتى بنا (2) على صخرة ضرس من الأرض (3) ، كأنها ربضة عنز (4) ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء ، فشرب الناس منه وارتووا ، قال : ثم أمرنا فأكفأناها عليه ، قال : وسار الناس حتى إذا مضينا قليلا قال علي : منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : فانطلقوا إليه ، قال : فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة ، فاقتصصنا الطريق ( إليه ) حتى انتهينا إلي المكان الذي نرى أنه فيه ، قال : فطلبناها (5) فلم نقدر على شيء ، حثى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم : أين الماء الذي هو عندكم ؟ قالوا : ما قربنا ماء ، قالوا : بلى ، إنا شربنا منه ، قالوا : أنتم شربتم منه ؟ قلنا : نعم : قال ( صاحب الدير ) : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء (6) ، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي .

---------------------------
(1) في القاموس : ( وعقيصى مقصورا : لقب أبي سعيد التيمي التابعي ) ، وفي منتهى المقال 132 : ( دينار ، يكنى أبا سعيد ، ولقبه عقيصا ، وإنما لقب بذلك لشعر قاله ) فجعل اسمه ( دينارا ) ، في الأصل : ( التميمي ) تحريف ، وفي ح : ( حدثنا سعيد التيمي المعروف يعقيصاء ) ، نقص وتحريف .
(2) في الأصل : ( أتانا ) وفي ح : ( أتى ) فقط .
(3) الضرس ، بالكسر : الأرض الخشنة .
(4) ربضة العنز ، بالضم : أي جثتها إذا بركت ، وروى في الحديث : ( كربضة العنز ) بكسر الراء ، اللسان ( 9 : 13 ) .
(5) أي الصخرة ، وفي ح : ( فطلبناه ) ، أي الماء .
(6) في الأصل : ( لذلك الماء ) ، وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 143 _

  ثم رجع إلى الحديث ، قال ثم مضى أمير المؤمنين حتى نزل بأرض الجزيرة ، فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة (1) ، قال : قال علي ليزيد ابن قيس لأرحبي : يا يزيد بن قيس ، قال : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : هؤلاء قومك ، من طعامهم فاطعم ، ومن شرابهم فاشرب ، نصر : عمر بن سعد ، عن الكلبي ، عن الأصبغ بن نباتة ، أن رجلا سأل عليا بالمدائن عن وضوء رسول الله ( عليه الصلاة والسلام ) ، فدعا بمخضب من برام (2) قد نصفه الماء (3) ، قال علي : من السائل عن وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقام الرجل ، فتوضأ علي ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه واحدة ، وقال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ ، ثم رجع إلى الحديث الأول ، حديث يزيد بن قيس الأرحبي ، ثم قال : والله إني لشاهد إذ أتاه وفد بني تغلب فصالحوه على أن يقرهم على دينهم ، ولا يضعوا أبناءهم في النصرانية ، قال : وقد بلغني أنهم قد تركوا ذلك ، وايم الله لئن ظهرت عليهم لأقتلن مقاتلتهم ، ولأسبين ذراريهم ، فلما دخل بلادهم استقبلته مسلمة لهم كثيرة ، فسر بما رأى من ذلك ، وثناه عن رأيه ، ثم سار أمير المؤمنين حتى أتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها ، وكان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية ، وقد كان فارق عليا في نحو من مائة رجل من بني أسد ، ثم أخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل .

---------------------------
(1) ح : ( ابن قاسط بن محرز ) تحريف ، وهو النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان .
(2) المخضب ، بالكسر : شبه الإجانة يغسل فيها الثياب ، والمركن ، والبرام : جمع برمة ، بالضم ، وهي قدر من حجارة .
(3) نصفه الماء : بلغ نصفه ، وفي الأصل : ( قدر نصفه الماء ) ، محرف ، وهذا الخبر لم يرد في مظنه من ح .

واقعة صفين _ 144 _

  نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الملائي (1) عن حبة (2) عن علي قال : لما نزل علي الرقة ( نزل ) بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات ، فنزل راهب ( هناك ) من صومعته فقال لعلي : إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه ( أصحاب ) عيسى بن مريم ، أعرضه عليك ، قال علي : نعم فما هو ؟ قال الراهب : بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى ، وسطر فيما سطر ، أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلهم على سبيل الله ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح (3) ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز ، وفي كل صعود وهبوط (4) ، تذل ألسنتهم (5) بالتهليل والتكبير ( والتسبيح ) ، وينصره الله على كل من ناواه ، فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت ، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات ، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، ويقضي بالحق ، ولا يرتشي في الحكم (6) .

---------------------------
(1) هو مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد ، أبو عبد الله الكوفي ، انظر تهذيب التهذيب والتقريب .
(2) سبقت ترجمته في ص 143 .
(3) ح ( 1 : 289 ) : ( بل يعفو ويصفح ) .
(4) النشز ، بالفتح والتحريك : المتن المرتفع من الأرض ، والصعود والهبوط ، بفتح أولهما : ما ارتفع وما انخفض من الأرض .
(5) يذل ، من الذل ، بالكسر والضم ، وهو اللين .
(6) ح : ( ولا يركس الحكم ) ، والركس : رد الشيء مقلوبا .

واقعة صفين _ 145 _

  الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت ( به ) الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء (1) ، يخاف الله في السر ، وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، من أدرك ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ؛ فإن القتل معه شهادة ، ( ثم قال له ) : فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك ، قال : فبكي علي ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا (2) ، الحمد لله الذي ذكرني في كتب الأبرار ، ومضى الراهب معه ، وكان ـ فيما ذكروا ـ يتغدى مع علي ويتعشى حتى أصيب يوم صفين ، فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي : اطلبوه ، فلما وجدوه صلى عليه ودفنه ، وقال : هذا منا أهل البيت ، واستغفر له مرارا ، نصر : عمر عن رجل ـ وهو أبو مخنف ـ عن نمير بن وعلة ، عن أبي الوداك (3) أن عليا بعث من المدائن معقل بن قيس ( الرياحي ) في ثلاثة آلاف رجل ، وقال له : ( خذ على الموصل ، ثم نصيبين ، ثم القني بالرقة ؛ فإني موافيها ، وسكن الناس وأمنهم ، ولا تقاتل إلا من قاتلك ، وسر البردين (4) ، وغور بالناس (5) .

---------------------------
(1) الظمء ، بالفتح ، والظمأ ، بالتحريك ، والظماء والظماءة ، كسحاب وسحابة : العطش : ح : ( الظمآن ) .
(2) ح : ( الذي لم أكن عنده منسيا ) .
(3) هو جبر بن نوف ـ بفتح النون وآخره فاء ـ الهمداني ـ بسكون الميم ـ البكالي ـ بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف ـ أبو الوداك ـ بفتح الواو وتشديد الدال ، انظر تهذيب التهذيب والتقريب .
(4) البردان : الصبح والعصر ، كالأبردين ، انظر جي الجنتين 26 .
(5) التغوير : النزول في القائلة نصف النهار ، يقال ( غوروا بنا فقد أرمضتمونا ) أي انزلوا بنا وقت الهاجرة حتى تبرد .

واقعة صفين _ 146 _

   وأقم الليل ، ورفه في السير ، ولا تسر في الليل (1) فإن الله جعله سكنا ، أرح فيك بدنك وجندك وظهرك ، فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر (2) فسر ) ، فخرج حتى أتى الحديثة ، وهي إذ ذاك منزل الناس ـ إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان ـ فإذا هم بكبشين ينتطحان ، ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة (3) قتل بعد ذلك مع الحرورية (4) ، فأخذ يقول : إيه إيه ، فقال معقل : ما تقول : قال : فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا ثم انصرفا ، فقال الخثعمي لمعقل : لا تغلبون ولا تغلبون ، قال له : من أين علمت ذلك ؟ قال : أما أبصرت الكبشين ، أحدهما مشرق والآخر مغرب ، التقيا فاقتتلا وانتطحا ، فلم يزل كل واحد منهما من صاحبه منتصفا حي أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به ، فقال له معقل : أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم ؟ ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة ، نصر : عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي الوداك ، أن طائفة من أصحاب علي قالوا له : اكتب إلى معاوية وإلى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك ، وتأمرهم بترك ما هم فيه من الخطأ (5) ؛ فإن الحجة لن تزداد عليهم بذلك إلا عظما ، فكتب إليهم :

---------------------------
(1) ح ( 1 : 290 ) : ( اول الليل ) .
(2) انبطح الفجر : ذهب هاهنا وهاهنا ، وإنما سمي بطن المسيل أبطح لأن الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا وشمالا ، ح : ( ينبلج الفجر ) .
(3) ح : ( شرار بن شداد بن أبي ربيعة ) .
(4) هنا ضبط ياقوت ، وضبط في اللسان والقاموس والوفيات ( 1 : 224 ) بفتح أوله وضم ثانيه .
(5) في الأصل : ( وتأمرهم بما لهم فيه من الخطأ ) .

واقعة صفين _ 147 _

   بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية وإلى من قبله من قريش سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل ، وعرفوا التأويل ، وفقهوا في الدين ، وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم ، وأنتم في ذلك الزمان أعداء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تكذبون بالكتاب ، مجمعون على حرب المسلمين ، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه ، حتى أراد الله إعزاز دينه وإظهار رسوله (1) ، ودخلت العرب في دينه أفواجا ، وأسلمت ( له ) هذه الأمة طوعا وكرها ، وكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة ، على حين فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم ، فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين ولا فضائلهم في الإسلام ، أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله وأولى به ، فيحوب بظلم (2) ، ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره ، ولا أن يعدو طوره ، ولا أن يشقي نفسه بالتماس ما ليس له ، ثم إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا ، أقربها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين ، وأولها إسلاما وأفضلها جهادا وأشدها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا ، فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ، ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) ، واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون (3) ، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ؛ فإن للعالم بعلمه فضلا ، وإن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا .

---------------------------
(1) ح : ( وإظهار أمره ) .
(2) حاب يحوب حوبا : أثم .
(3) في الأصل : ( بما يعطون ) ، صوابه في ح .

واقعة صفين _ 148 _

   ألا وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وحقن دماء هذه الأمة ، فإن قبلتم أصبتم رشدكم ، وأهتديتم لحظكم ، وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة فلن (1) تزدادوا من الله إلا بعدا ، ولن يزداد الرب عليكم إلا سخطا ، والسلام ، فكتب إليه معاوية : أما بعد فإنه :
لـيس  بـيني وبين قيس iiعتاب      غير طعن الكلى وضرب الرقاب
  فقال علي : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ، نصر : عمر ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث أن عليا قال لأهل الرقة : اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام ، فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم ، فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج ، وخلف عليه الأشتر ، فناداهم فقال : يا أهل هذا الحصن ، إني أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ، ولأقتلن مقاتلتكم ، ولأخربن أرضكم ، ولآخذن أموالكم ، فلقى بعضهم بعضا فقالوا : إن الأشتر يفي بما يقول (2) ، وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر (3) ، فبعثوا إليه : إنا ناصبون لكم جسرا فأقبلوا .

---------------------------
(1) في الأصل : ( لن ) والصواب دخول الفاء ، وفي ح : ( لم ) ، وهذه لا تطلب الفاء .
(2) ح : ( بما حلف عليه ) .
(3) ح : ( وإنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر ) .

واقعة صفين _ 149 _

  فأرسل الأشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر ، فعبر الأثقال والرجال (1) ، ثم أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس ، حتى لم يبق أحد من الناس إلا عبر ؛ ثم إنه عبر آخر الناس رجلا ، وذكر الحجاج أن الخيل ازدحمت حين عبرت ، وزحم بعضها بعضا وهي تعبر ، فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين (2) فنزل فأخذها وركب ، وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب ، فقال لصاحبه :
إن يك ظن الزاجري الطير صادقا      كما زعموا أقتل وشيكا وتقتل  (3)
  قال عبد الله بن أبي الحصين : ما شيء أوتاه هو أحب إلى مما ذكرت ، فقتلا جميعا يوم صفين ، وقال خالد بن قطن : فلما قطع علي الفرات دعا زياد بن النضر ، وشريح بن هانئ ، فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة ، في اثني عشر ألفا ، وقد كانا حين سرحهما من الكوفة ( مقدمة له ) أخذا على شاطئ الفرات ، من قبل البر مما يلي الكوفة ، حتى بلغا عانات ، فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة ، وبلغهما أن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا : لا والله ما هذا لنا برأي : أن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر : ما لنا خير أن نلقى جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد والمدد .

---------------------------
(1) في الأصل : ( فعبر على الأثقال والرحال ) بالحاء وبزيادة ( علي ) ، وأثبت صوابه من ح ( 1 : 290 ) ، وفي الطبري ( 5 : 237 ) : ( فعبر عليه بالأثقال والرحال ) .
(2) في الأصل : ( عبد الرحمن بن أبي الحصين ) في هذا الموضع وتاليه ، وصوابه في ح والطبري .
(3) رسم في الأصل بصورة النثر ؟ وبلفظ : ( الزاجر ) و ( يزعمون ) ، صوابه في الطبري .

واقعة صفين _ 150 _

  فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات ، وحبسوا عندهم السفن (1) ، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ثم لحقوا عليا بقرية دون قرقيسيا وقد أرادوا أهل عانات فتحصنوا منهم ، فلما لحقت المقدمة عليا قال : مقدمتي تأتى ( من ) ورائي ؟ فتقدم إليه زياد وشريح فأخبراه ( بالرأي ) الذي رأيا ، فقال : قد أصبتما رشدكما ، فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية ، فلما انتهوا إلى معاوية لقيهم أبو الأعور ( السلمى ) في جند أهل الشام ، فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين فأبوا ، فبعثوا إلى علي : إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه (2) وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا ، فمرنا بأمرك ، فأرسل علي إلى الأشتر فقال : يا مال ، إن زيادا وشريحا أرسلا إلى يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين (3) ، فالنجاء إلى أصحابك النجاء ، فإذا أتيتهم فأنت عليهم ، وإياك أن تبدأ القوم بقتال ، إلا أن يبدءوك ، حتى تلقاهم وتسمع منهم ، ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم (4) قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة .

---------------------------
(1) ح ( 1 : 291 ) : ( عنهم السفن ) .
(2) في الأصل : ( فدعوناهم ) صوابه من ح .
(3) متواقفين : وقف بعضهم أمام بعض في الحرب .
(4) أي لا يحملنك بغضهم على قتالهم .

واقعة صفين _ 151 _

   واجعل على ميمنتك زيادا ، وعلى ميسرتك شريحا ، وقف بين أصحابك وسطا ، ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس ، حتى أقدم عليك (1) ، فإني حثيث السير إليك إن شاء الله ) ، وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي (2) ، وكتب إليهما : ( أما بعد ، فإني قد أمرت عليكما مالكا ، فاسمعا له وأطيعا أمره ؛ فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (3) ، ولا بطؤه عن ما الإسراع إليه أحزم ، ولا الإسراع إلى ما البطء عنه أمثل ، وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما : ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم (4) ( إن شاء الله ) ، فخرج الأشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي ، وكف عن القتال ، فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا ( له ) واضطربوا ساعة ، ثم إن أهل الشام انصرفوا ، ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها ، وخرج إلهيم أبو الأعور السلمي ، فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل على الخيل (5) ، والرجال على الرجال ، فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا ، وبكر عليهم الأشتر فقتل منهم (6) عبد الله بن المنذر التنوخي ، قتله ظبيان بن عمارة التميمي ، وما هو يومئذ إلا فتى حديث السن .

---------------------------
(1) في الأصل : ( إليك ) وأثبت ما في ح .
(2) ذكره في لسان الميزان ( 2 : 149 ) بدون نسبته ، وقال : ( ذكره الطوسي في رجال الشيعة ) ، وقد ضبط في تاريخ الطبري ( 5 : 238 ) بضم الجيم .
(3) الرهق : الجهل وخفة العقل ، وهو أيضا الكذب ، والعربدة ، والسقاط ، بالكسر : الخطأ والعثرة والزلة .
(4) في الأصل : ( ألا تبدءوا القوم بقتال حتى تلقاهم فتدعوهم وتعذر إليهم ) وأثبت ما في ح .
(5) في الأصل : ( فحمل الخيل على الخيل ) وأثبت ما في ح والطبري ( 5 : 239 ) .
(6) ح : ( فقتل من أهل الشام ) .

واقعة صفين _ 152 _

  وإن كان الشامي لفارس أهل الشام ، وأخذ الأشتر يقول : ويحكم ، أروني أبا الأعور ، ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه ، فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة ، وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة ، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي : انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة ، فقال : إلى مبارزتي أو مبارزتك ؟ فقال : إلى مبارزتي ، فقال الأشتر : ( أو ) لو أمرتك بمبارزته فعلت ؟ قال : نعم ، والذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي فعلته (1) حتى أضربه بالسيف ، فقال : يا ابن أخي ، أطال الله بقاءك ، وقد والله ازددت فيك رغبة ، لا ، ما أمرتك بمبارزته ، إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي ، لأنه لا يبارز ـ إن كان ذلك من شأنه ـ إلا ذوي الأسنان (2) والكفاءة والشرف ، وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف ، ولكنك حديث السن ، ( و ) ليس يبارز الأحداث ، فأذهب فادعه إلى مبارزتي ، فأتاهم فقال (3) : أمنوني فإني رسول (4) ، فأمنوه حتى انتهى إلى أبي الأعور ، نصر : عمر بن سعد ، رجل (5) ، عن أبي زهير العبسي ، عن صالح بن سنان بن مالك ، عن أبيه قال : قلت له : إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته . فسكت عني طويلا ثم قال : إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى إجلاء عمال عثمان من العراق ، وافترائه عليه يقبح محاسنه ، ويجهل حقه ، ويظهر عداوته .

---------------------------
(1) ح ( 1 : 291 ) : ( لفعلت ) .
(2) في الأصل : (لذوي الأسنان ) والوجه ما أثبت في ح ، وانظر الطبري .
(3) في الأصل : ( فأتاه فقال ) ، صوابه في ح .
(4) ح : ( أنا رسول فأمنوني ) .
(5) كذا في الأصل ، وليست في ح ، ومعناه حدثني رجل .

واقعة صفين _ 153 _

  ومن خفة الأشتر وسوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره وقراره ، فقتله فيمن قتله ، فأصبح مبتغى بدمه (1) ، لا حاجة لي في مبارزته ، قال : قلت له : قد تكلمت فاستمع مني حتى أخبرك (2) ، قال : فقال : لا حاجة لي في جوابك ، ولا الاستماع منك ، اذهب عني ، وصاح بي أصحابه فانصرفت عنه ، ولو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي وحجته ، فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبي المبارزة ، فقال : لنفسه نظر ، قال : فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل ، وبتنا متحارسين ، فلما أن أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا (3) ، قال : وصبحنا (4) على غدوة فسار نحو معاوية ، فإذا أبو الأعور السلمى قد سبق إلى سهولة الأرض ، وسعة المنزل ، وشريعة الماء ، مكان أفيح (5) ، وكان على مقدمة معاوية ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن محمد بن علي ، وزيد بن حسن ، ومحمد ـ يعني ابن المطلب ـ قالوا : استعمل علي ( عليه السلام ) ، على مقدمته الأشتر بن الحارث النخعي ، وسار علي في خمسين ومائة ألف من أهل العراق وقد خنست طائفة من أصحاب علي ، وسار معاوية في نحو من ذلك من أهل الشام ، واستعمل معاوية على مقدمته سفيان بن عمرو : أبا الأعور السلمي ، فلما بلغ معاوية أن عليا يتجهز أمر أصحابه بالتهيوء ، فلما استتب لعلي أمره سار بأصحابه ، فلما بلغ معاوية مسيره إليه سار بقضه وقضيضه نحو علي ( عليه السلام ) .

---------------------------
(1) مبتغى : مطلوبا ، وفي ح والطبري : ( متبعا ) .
(2) ح والطبري : ( فاسمع حتى أجيبك ) .
(3) في الطبري : ( قد انصرفوا من تحت ؟ ؟ ليلتهم ) .
(4) في الأصل : ( وأصبحنا ) تحريف ، وفي ح والطبري : ( ويصبحنا على غدوة ) .
(5) الأفيح : الواسع ، ح : ( مكانا أفسح ) ، محرف .

واقعة صفين _ 154 _

  واستعمل على مقدمته سفيان بن عمرو ، وعلى ساقته ابن أرطاة العامري ـ يعني بسرا (1) ـ فساروا حتى توافوا جميعا بقناصرين (2) إلى جنب صفين ، فأتى الأشتر صاحب مقدمة معاوية وقد سبقه إلى المعسكر على الماء ، وكان الأشتر في أربعة آلاف من متبصري أهل العراق ، فأزالوا أبا الأعور عن معسكره ، وأقبل معاوية في جميع الفيلق (3) ( بقضه وقضيضه ) ، فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي ( عليه السلام ) وغلب معاوية على الماء ، وحال بين أهل العراق وبينه ، وأقبل علي ( عليه السلام ) حتى إذا أراد المعسكر إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء ، ثم رجع إلى الحديث بإسناده إلى الأول ، ثم إن علياً ( عليه السلام ) طلب موضعا لعسكره ، وأمر الناس أن يضعوا أثقالهم ـ وهم مائة ألف أو يزيدون ـ فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي على خيلهم إلى معاوية وكانوا في ثلاثين ومائة ـ ولم ينزل بعد معاوية ، فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا (4) .

---------------------------
(1) بعده في ح ( 1 : 291 ) : ( وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ودفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وجعل على الميمنة حبيب بن مسلمة الفهري ، وعلى الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلى الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي وعلى خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري ، وعلى رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي ، وعلى أهل حمص ذا الكلاع ، وعلى أهل فلسطين مسلمة بن مخلد ) ، وسيأتي هذا الكلام في نهاية هذا الجزء الثالث من الكتاب .
(2) لم يذكره ياقوت ، وفي القاموس : ( وقناصرين بالضم : موضع بالشام ) .
(3) في الأصل : ( جمع الفيلق ) صوابه في ح ( 1 : 325 ) .
(4) الهوى ، بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد الياء : الحين الطويل من الزمان ، وبالضم : السرعة ، يقال هوت الناقة تهوى هويا ، إذا عدت عدوا شديدا أرفع العدو .

واقعة صفين _ 155 _

  نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كتب معاوية إلى علي ( عليه السلام ) : عافانا الله وإياك ، ما أحسن العدل والإنصاف من عمل ، وأقبح الطيش ثم النفش في الرجل ا (1) ( وكتب بعده ا (2) ) :
اربـط  حـمارك لا ينزع iiسويته      إذا  يرد وقيد العير مكروب  (3)
ليست ترى السيد زيدا في iiنفوسهم      كـما تـراه بـنو كوز iiومرهوب
إن تسألوا الحق يعطى الحق سائله      والـدرع  محقبة والسيف iiمقروب
أو تـأنفون فـإنا مـعشر iiأنـف      لا  نطعم الضيم إن السم iiمشروب
  قال : وأمر علي ( عليه السلام ) الناس ، فوزعوا عن القتال (4) .

---------------------------
(1) قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 326 ) : ( والنفش كثرة الكلام والدعاوى ، وأصله من نفش الصوف ) .
(2) التكملة من ح ( 1 : 325 ) .
(3) الأبيات لعبد الله بن عنمة الضبي : انظر الشعر وشرحه وترجمة قائله وجو الأبيات في المفضليات ( 2 : 182 طبع المعارف ) .
(4) وزعوا : كفوا .

واقعة صفين _ 156 _

  حتى تأخذ أهل المصاف مصافهم (1) ، ثم قال : أيها الناس ، هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة (2) ، ومن فلج فيه فلج يوم القيامة ، ثم قال علي ، لما نزل معاوية بصفين :
لـقد  أتـاكم كـاشرا عن iiنابه      يهمط الناس على اعتزا به  (3)
فليأتنا الدهر بما أتى به   وكتب علي إلى معاوية :
فـإن لـلحرب عـراما iiشررا      إن عـليها قائدا عشنزرا  (4)
يـنصف مـن أجحر أو iiتنمرا      على نواحيها مزجا زمجرا  (5)
---------------------------
(1) ح ( 1 : 326 ) : ( حتى أخذ أهل الشام مصافهم ) .
(2) يقال نطف ، كعلم ، ونطف بالبناء للمجهول : أي اتهم بريبة .
(3) يهمط الناس ، أي يقهرهم ويخطبهم ، والاعتزاب ، قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 327 ) : ( أي على بعده عن الإمارة والولاية على الناس ) ، وفي الأصل : ( اغترابه ) تحريف .
(4) العشنزر : الشديد .
(5) قال ابن أبي الحديد : ( أجحر : ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا جحرتهم أو بيوتهم ، وتنمر : أي تنكر حتى صار كالنمر ، يقول : هذا القائد الشديد القوى ينصف من يظلم الناس ويتنكر لهم ، أي ينصف منه ، فحذف حرف الجر كقوله ( واختار موسى قومه ) أي من قومه ، والمزج ، بكسر الميم : السريع النفوذ ، وأصله الرمح القصير كالمزراق ، ورجل زمجر أي مانع حوزته ، والميم زائدة ، ومن رواها : زمخرا ، بالخاء ، عني به المرتفع العالي الشأن ) ، في الأصل : ( أحجم ) وفي ح : ( أحجر ) بتقديم الحاء على الجيم في الرجز وفي شرحه ، وصوابهما بتقديم الجيم على الحاء وآخره راء كما أثبت .

واقعة صفين _ 157 _

  إذا ونين ساعة تغشمرا (1) وقال أيضا (2) :
ألـم  تـر قـومي إذ دعـاهم iiأخوهم      أجابوا وإن يغضب على القوم يغضبوا
هـم  حـفظوا غيبي كما كنت iiحافظا      لـقـومي أخـرى مـثلها إذ iiتـغيبوا
بـنو  الـحرب لم يقعد بهم أمهاتهم ii،      وآبـاؤهـم  آبـاء صـدق iiفـأنجبوا
  فتراجع الناس إلى معسكرهم ، وذهب شباب من الناس وغلمانهم يستقون ، فمنهم أهل الشام ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف ابن الأحمر قال : لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين ، وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه ، مستويا (3) بساطا واسعا ، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم ، وقد صف أبو الأعور عليها الخيل والرجالة ، وقدم المرامية ومعهم أصحاب الرماح والدرق ، وعلى رؤوسهم البيض ، وقد أجمعوا أن يمنعونا الماء ، ففزعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك ، فدعا صعصعة بن صوحان فقال :

---------------------------
(1) تغشمر : تنمر وأخذهم بالشدة لا يبالي .
(2) الشعر لربيعة بن مشروم الطائي ، كما في ح ( 1 : 327 ) .
(3) في الأصل : ( اختار ولا مستويا ) ، صوابه في ح .

واقعة صفين _ 158 _

  ائت معاوية فقل : إنا سرنا مسيرنا هذا ، وأنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنك قد قدمت بخيلك (1) فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا (2) الكف حتى ندعوك ونحتج عليك ، وهذه أخرى قد فعلتموها ، حتى حلتم بين الناس وبين الماء ، فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم ، وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا ، فقال معاوية لأصحابه (3) : ما ترون ؟ قال الوليد بن عقبة : امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان : حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء ولين الطعام ، اقتلهم عطشا قتلهم الله ! قال عمرو : خل بين القوم وبين الماء ؛ فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان ، ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم ، فأعاد الوليد مقالته ، وقال عبد الله ابن أبي سرح (4) ـ وهو أخو عثمان من الرضاعة : امنعهم الماء إلى الليل ؛ فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا ، وكان رجوعهم هزيمتهم ، امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة ، فقال صعصعة بن صوحان : إنما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفجرة شربة الخمر ، ضربك وضرب هذا الفاسق (5) ـ يعني الوليد ابن عقبة ـ فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه ، فقال معاوية : كفوا عن الرجل فإنه رسول ، نصر : عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر ، أن صعصعة رجع إلينا فحدثنا بما قال معاوية وما كان منه وما رد عليه ، فقلنا : وما رد عليك معاوية ؟ قال : لما أردت الانصراف من عنده قلت : ما ترد علي ؟ قال : سيأتيكم رأيي .

---------------------------
(1) ح : ( قدمت خيلك ) .
(2) ح : ( ممن رأينا ) .
(3) ح : ( فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه ) .
(4) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب ـ بالتصغير ـ بن حذافة ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وهو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان وولي مصر بعد ذلك ، ومات سنة تسع وخمسين في آخر عهد معاوية ، الإصابة 4702 ، ح : ( بن سعيد ) تحريف .
(5) الضرب ، هاهنا : المثل والشبيه .

واقعة صفين _ 159 _

  قال : فوالله ما راعنا إلا تسوية الرجال والخيل والصفوف ، فأرسل إلى أبي الأعور : امنعهم الماء ، فازدلفنا والله إليهم ، فارتمينا واطعنا بالرماح ، واضطربنا بالسيوف فطال ذلك بيننا وبينهم ، فضاربناهم فصار الماء في أيدينا ، فقلنا : والله لا نسقيهم ، فأرسل إلينا علي : خذوا من الماء حاجتكم ، وارجعوا إلى عسكركم (1) وخلوا بينهم وبين الماء ؛ فإن الله قد نصركم ببغيهم وظلمهم ، نصر : عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي حرة أن عليا قال : هذا يوم نصرتم فيه بالحمية ، نصر ، محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال : فبقي أصحاب علي يوما وليلة ـ يوم الفرات ـ بلا ماء ، وقال رجل من السكون من أهل الشام ، يعرف بالسليل بن عمرو (2) : يا معاوية :
اسـمع الـيوم ما يقول iiالسليل      إن قـولي قـول لـه iiتـأويل
امـنع  الماء من صحاب iiعلي      أن  يـذوقوه ، والـذليل iiذليل
واقتل  القوم مثل ما قتل iiالشي‍خ      ظما والقصاص أمر جميل  (3)
فـوحق الـذي يـساق له iiالبد      ن هـدايا لنحرها تأجيل  (4)
---------------------------
(1) ح : ( معسكركم ) وهما سيان ، فإن العسكر كما يقال للجيش يقال أيضا لمجتمع الجيش كالمعسكر .
(2) ح : ( بالشليل بن عمرو ) ، وكذا جاءت في الشعر .
(3) ح : ( صدى فالقصاص أمر جميل ) .
(4) التأجيل : تحديد الأجل ، وفي التنزيل : ( كتابا مؤجلا ) ، ح : ( هدايا كأنهن الفيول ) .