وسألت عن مبلغ علمنا ، وهو على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأما الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور ، وأما الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وهو افضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله) ، وسألت عن أمهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم ، فأما أمهات أولادهم فهنّ عواهر إلى يوم القيامة نكاح بغير ولي ، وطلاق في غير عدة.
  وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه ، وسألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكاة فأنتم أحق به لأنّا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان.
  وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع إليه حجة ، ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف ، وسألت عن الشهادة لهم ، فأقم الشهادة لله عزّ وجلّ ولو على نفسك والوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم ، فإن خفت على أخيك ضيماً فلا وادع إلى شرائط الله عزّ ذكره من رجوت إجابته ولا تحصن بحصن رياء ، ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطلاً وإن كنت تعرف منا خلافه ، فإنّك لا تدري لما قلناه ، وعلى أي وجه وضعناه آمن بما أخبرك ، ولا تفش بما استكتمناك من خبرك ، إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ، ليس من أخلاق المؤمن الغش ولا الأذى ، ولا الخيانة ولا الكبر والخنا (1) ولا الفحش ولا الأمر به ، فإذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله بالمجرمين ، فقد فسرت لك جملاً مجملاً ، وصلى الله على محمد وآله الأخيار ...) (2) .

كرامة أخرى من كرامات إمام معصوم مع المسيب بن زهرة
  كان المسيب بن زهرة موكلاً بحراسة الإمام (عليه السلام) حيث نقل من حبس السندي إلى داره على ما يستفاد من بعض المصادر ، وكان الرجل من دعاة الدولة العباسية الأشداء ، فقد ولي شرطة بغداد أيام المنصور والمهدي والرشيد ، كما ولي خراسان أيام المهدي (3) .
  وكان على جانب من الغلاظة والشدة ، فكان أبو جعفر المنصور إذا أراد بأحد خيراً أمر بتسليمه إلى الربيع ، وإذا أراد برجل شراً أمر بتسليمه إلى المسيّب (4) ولما سجن الإمام عنده أو وكّل بحسبه أثّر عليه الإمام وسيطر على مشاعره ، فاهتدى إلى طريق الحق والصواب ، وأصبح من الشيعة المخلصين ومن حملة أسرار الأئمة (عليهم السلام) (5) وقد استدعاه الإمام قبل وفاته بثلاثة أيام فلما مثل عنده قال له : يا مسيّب.

---------------------------
(1) الخنا : الفحش في الكلام.
(2) روضة الكافي ، ص 124 ـ 126 ، كما ذكرت هذه الرسالة في مرآة العقول.
(3) تاريخ بغداد ، ج 13 ، ص 137.
(4) الجهشياري ، ص 97.
(5) تنقيح المقال ، ج 3 ، ص 217.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 227 _

  ـ لبّيك يا مولاي.
  ـ إني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة ، مدينة جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأعهد إلى ابني علي ما عهده إلى آبائي ، وأجعله وصيّي وخليفتي ، وآمره بأمري.
  ـ يا مولاي ، كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها والحرس معي على الأبواب ؟؟!
  ـ يا مسيب ضعف يقينك في الله عزّ وجلّ وفينا ؟
  ـ لا ، يا سيدي ادع الله أن يثبتني.
  ـ اللهم ، ثبّته ، ثم قال : أدعو الله عزّ وجلّ باسمه العظيم الذي دعاه به آصف حين جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين علي ابني بالمدينة.
  قال المسيّب : فسمعته يدعو ، ففقدته عن مصلاّه فلم أزل قائماً على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجليه ، فوقعت على وجهي ساجداً شاكراً لله على ما أنعم به علي من معرفته والتفت الإمام (عليه السلام) له فقال : (يا مسيّب ، ارفع رأسك ، واعلم أني راحل إلى الله عزّ وجلّ في ثالث هذا اليوم).
  قال المسيّب : فبكيت ، فلما رآني الإمام (عليه السلام) وأنا باكٍ حزين قال لي : (لا تبكِ يا مسيّب فإن علياً ابني هو إمامك ، ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فإنك لن تضلّ ما لزمته) قال المسيّب : الحمد لله على ذلك (1)

اغتيال الإمام (عليه السلام) قول في سمّه
  اتفق المؤرخون أن الإمام لم يمت حتف أنفه ، وإنما توفي مسموماً ، وإن هارون الرشيد هو الذي أوعز في دسّ السم واغتياله ، لكنهم اختلفوا فيمن تولّى ذلك.
  فمنهم من قال : يحيى بن خالد ومنهم من قال : الفضل بن يحيى لكن الأول أقرب إلى الحقيقة ، لأن الفضل عرف بميله للعلويين وقد رفّه على الإمام حينما كان في سجنه فاستحق بذلك التنكيل والتشهير من قبل هارون.
  أن يحيى بن خالد دسّ السمّ إلى الإمام في رطب وعنب فقتله (2) ومما يؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن طاووس قال : سألت الإمام الرضا (عليه السلام) قلت له : هل أن يحيى بن خالد سمّ أباك موسى بن جعفر ؟
  فقال الإمام : نعم سمّه في ثلاثين رطبة مسمومة (3)

---------------------------
(1) البحار ، وعيون الأخبار.
(2) فرق الشيعة ، ص 89.
(3) الكشي ، ص 371.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 228 _

  وذكر أبو الفرج الأصفهاني أن الرشيد لما غضب على الفضل بن يحيى لترفيهه على الإمام حينما كان في سجنه ، وأمره بجلده خرج يحيى من عند الرشيد وقد ماج الناس واضطرب أمرهم ، فجاء إلى بغداد ودعا السندي بن شاهك وأمره بقتل الإمام (عليه السلام) ، فاستدعى السندي الفراشين وكانوا من النصارى فأمرهم بلفّ الإمام في بساط فلفّ وهو حي فجلس عليه الفرّاشون حتى توفي (1) .
  وذكر ابن المهنا أن الرشيد لما سافر إلى الشام أمر يحيى بن خالد السندي بقتله فقتله (2) .
  وهذه الروايات على اختلافها تفيد أن يحيى هو الذي أمر بقتل الإمام (عليه السلام) ولكنه المخالفة لما عليه الجمهور في أن الرشيد عهد إلى السندي بقتله.

كيفية سمّه
  المشهور عند أكثر الرواة أن الرشيد عمد إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وأمر السندي أن يقدمه إلى الإمام ويحتم عليه أن يتناول منه (3) وقيل أن الرشيد أوعز إلى السندي في ذلك.
  فأخذ رطباً ووضع فيه السم وقدمه للإمام فأكل منه عشر رطبات ، فقال له السندي : (زد على ذلك) فرمقه الإمام بطرفه وقال له : (حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه) (4) .
  ولما تناول الإمام (عليه السلام) تلك الرطبات المسمومة تسمم بدنه ، وأخذ يعاني آلاماً مبرحة وأوجاعاً قاسية ، وأحاط به الأسى والحزن ، قد حفّت به الشرطة القساة ، ولازمه الوغد الخبيث السندي بن شاهك فكان يسمعه في كل فترة أخشن الكلام وأغلظه ، ومنع عنه جميع الإسعافات ليجعل له النهاية المحتومة ، لقد عانى الإمام العظيم في تلك الفترة الرهيبة ما لم يعانه أي إنسان ، فتكبيل بالقيود وأذى مرهق ، وآلام السم قطعت أوصاله وأذابت قلبه ، والحزن الشديد الذي أثر فيه تأثيراً عميقاً لانتهاك حرمته ، وغربته عن أهله وعدم مشاهدة أعزائه وأحبائه ، وقد أشرف على مفارقة هذه الدنيا.

رعب وخوف واضطراب
  أقدم السندي الخبيث الذي باع ضميره للشيطان على ارتكاب الجريمة الخطيرة ، فدبّ الرعب في قلبه واضطرب اضطراباً شديداً وخوفاً بالغاً من المسؤولية إمام الشيعة العلويين.
  فيا لهول المصيبة إمام معصوم ابن إمام معصوم ، ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تنتهك حرمته ويقيد بالحديد والأغلال ويهان في السجن ويوكل بحراسته أشرار لئام ثم يدسّون له السم في السجن ، فإنها لجريمة نكراء وأي جريمة !! فماذا يعمل السندي بعد فعلته هذه ؟!

---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين ، ص 504.
(2) عمدة الطالب ، ص 185.
(3) عيون الأخبار.
(4) البحار ، ج 11 ، ص 300.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 229 _

  استدعى الوجوه والشخصيات المعروفة في مجتمعه إلى قاعة السجن وكانوا ثمانين شخصاً ، كما حدث بذلك بعض شيوخ العامة يقول : أحضرنا السندي ، فلما حضرنا ، انبرى إلينا فقال : (أنظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه ، ويكثرون من ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أمير المؤمنين ـ يعني هارون ـ سوءاً وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره ، وها هوذا موسع عليه في جميع أموره) يقول ذلك الشيخ : ولم يكن لنا همّ سوى مشاهدة الإمام ومقابلته فلما دنونا منه لم نرَ مثله قط في فضله ونسكه وتقواه فانبرى إلينا وقال لنا : (أما ما ذكر من التوسعة ، وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر ، غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات ، وإني أصفر غداً وبعد غدٍ أموت).
  ولما سمع السندي ذلك انهارت أعصابه ، ومشت الرعدة بأوصاله واضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة (1)
  لقد أفسد عليه الإمام (عليه السلام) بشهادته هذه ما كان يرومه من الحصول على البراءة من المسؤولية في قتله.

إلى جنّة المأوى
  في اليوم الثالث سرى السم في جميع أجزاء جسم الإمام الطّاهر (عليه السلام) فأخذ يعاني اشد الآلام وأقسى الأوجاع ، وقد علم (عليه السلام) أن لقاءه بربه أصبح قريباً فاستدعى السندي وطلب إليه أن يحضر مولى له ينزل عند دار العبّاس بن محمد بن مشرعة القصب ليتولى غسله ، وسأله السندي أن يأذن له في تكفينه فأبى (عليه السلام) وقال : (إنا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صيرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفني) (2) .
  أحضر له السندي مولاه الذي طلبه ، ولما ثقل حال الإمام (عليه السلام) مع وأشرف على النهاية المحتومة وأخذ يعاني زفرات الموت ، استدعى المسيّب بن زهرة وقال له : (إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عزّ وجلّ فإذا دعوت بشربة ماء وشربتها ورأيتني قد انتفخت ، واصفرّ لوني واحمرّ واخضرّ وتلوّن ألواناً فأخبر الطاغية هارون بوفاتي) قال المسيّب : فلم أزل أراقب وعده حتى دعا (عليه السلام) بشربة فشربها ثم استدعاني فقال لي : (يا مسيّب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه تولى غسلي ودفني ، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً ، فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ، ولا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات ، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي (عليه السلام) فإن الله عزّ وجلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا).

---------------------------
(1) روضة الواعظين ، ص 185 ـ 186 وعيون الأخبار ، والأمالي ، وجاء في البحار أن الإمام (عليه السلام) التفت إلى الشهود ، فقال لهم : اشهدوا على أني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام ، اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم وسأحمر في هذا اليوم حمرة شديدة ، وابيضّ بعد غد ، وأمضي إلى رحمة الله ورضوانه) فمضى (عليه السلام) كما قال : في آخر اليوم الثالث ، وجاء في قرب الإسناد للحميري أنه (عليه السلام) قال للشهود : إني سقيت السم في سبع تمرات.
(2) مقاتل الطالبيين ، ص 504 ، والبحار ، ج 11 ، 303.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 230 _

  قال المسيب : ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) وهو غلام ، فأردت أن أسأله ، فصاح بي سيدي موسى ، وقال : أليس قد نهيتك ، ثم إن ذلك الشخص قد غاب عنّي ، فجئت إلى الإمام (عليه السلام) فإذا به جثة هامدة قد فارق الحياة فأنهيت الخبر إلى الرشيد بوفاته (1)
  لقد لحق الإمام (عليه السلام) بالرفيق الأعلى إلى جنة المأوى إلى جوار أبيه جعفر الصادق (عليه السلام) وأجداده المعصومين (عليهم السلام) وجدّه الرسول الأمين (صلّى الله عليه وآله) فاضت نفسه الزكية إلى بارئها فأظلمت الدنيا لفقده وأشرقت الآخرة بقدومه ، وقد خسر المسلمون ألمع شخصية كانت تدافع عنهم وتطالب بحقوقهم ، كما خسر الإسلام علماً عظيماً يذبّ عن كيان الإسلام ، ويدافع عن كلمة التوحيد ، ويناظر ويحاجج كل من أراد الاعتداء أو التحريف في شريعة الله الخالدة.
  عاش معظم حياته لغيره ، فكان أبرّ الناس بالناس ، يعطف على الضعفاء ، ويساعد الفقراء بصرره المعروفة باسمه ، وأثلج قلوب المحتاجين بهباته الدائمة وعطاياه السخية ليخفف عنهم مرارة العيش وشقاء الحياة.
  كان حليماً ، كريماً ، باراً ، متسامحاً ، محباً ، عالماً ، تقياً ، ورعاً ، مجاهداً ، فقالوا عند موته : مات أحلم الناس ، وأكظمهم للغيظ ، وقد طويت بموته صفحة بيضاء من أروع الصفحات في العقيدة الإسلامية.
  أيها العالم المجاهد المكافح ، أيها الإمام العظيم لقد تلحّفت بثوب الشهادة ومضيت إلى الله شهيداً سعيداً فهنيئاً لك في مثواك الشريف الذي ما زال وسيبقى مزاراً لكل المسلمين المؤمنين.
  فأين قبر هارون الطاغية ؟ الذي صبّ عليك جام غضبه وأذاقك ألوان الأذى والإرهاق لقد اندثر كما اندثر غيره من قبور الطغاة الظالمين ، وقفت في وجه هارون وكنت من أقوى خصومه تنعى عليه ظلمه وتندد بإسرافه وتبذيره أموال المسلمين على قصوره وخدامه وراقصاته وحيواناته ... أيها الشهيد السعيد سجبت استبداد الظالمين وجورهم وفزت برضاء الله ولم تصانع ولم تخادع بل رفعت راية الحق التي رفعها قبلك أبوك وجدك ، وهتفت بصوت العدل تريد الخير والسعادة لجميع المسلمين الأحرار ، لقد فزت فوزاً كبيراً وبقي اسمك عطراً على ألسن المسلمين المجاهدين قاطبة ، ولقد خسر خصمك ، وبطل سعيه ، وأخمد ذكره وبات لعنة تلفظه الأفواه ولا يذكر إلا قرين الخيبة والخسران.
  أنت كوكب من كواكب الإسلام المشرقة وعلم من أعلام الإنسانية نقف عندك لنأخذ عبرة ونستلهم من مواقفك كل جوانب الخير والحق.
  لقد كنت على شفة الموت وجفن الحياة وبينهما مشرف الشهادة وهذه فوق الحياة والموت لأنها عري الذات وامتشاق الإرادة للانهمار على بحر الله والانذياع فيه بدون شراع ، فسلام عليك يابن رسول الله ، يوم ولدت ، ويوم استشهدت ، ويوم تُبعث حياً.

زمن وفاته
  المشهور عند المؤرخين أن وفاة الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت سنة 173 هـ لخمس بقين من شهر رجب (2)
  وكانت وفاته في يوم الجمعة وعمره الشريف أربع وخمسون سنة أو خمس وخمسون (3) وكان مقامه منها مع أبيه عشرين سنة وبعد أبيه خمس وثلاثون سنة (4)

---------------------------
(1) عيون أخبار الرضا.
(2) وفيات الأعيان ، ج 2 ، ص 173 ـ تاريخ بغداد ، ج 13 ، ص 32 ـ تاريخ الطبري ، ج 10 ، ص 70 ـ ابن الأثير ، ج 6 ، ص 54 ـ تاريخ أبي الفداء ، ج 2 ، ص 17 ـ تهذيب التهذيب ، ج 10 ، ص 340 ـ ميزان الاعتدال ، ج 3 ، ص 209 ـ عمدة الطالب ، ص 85.
(3) المناقب ، ج 2 ، ص 383.
(4) الفصول المهمة ، ص 255.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 131 _

محل وفاته
  المعروف أن وفاته كانت في حبس السندي بن شاهك ، وقيل أنه توفي في دار المسيّب بن زهرة بباب الكوفة الذي تقع فيه السدرة (1) وقيل أن وفاته في مسجد هارون ، وهو المعروف بمسجد المسيّب ويقع في الجانب الغربي من باب الكوفة لأنه نقل من دار تعرف بدار عمرو (2)

التحقيق بالحادث
  تحقيق وأي تحقيق : خداع وتضليل لتبرير ساحة الطاغية هارون ! قامت شرطة الحاكم الظالم في التحقيق بهذا الأمر الخطير وغايتها تبرئة هارون من المسؤولية إمام جماهير الشيعة ومحبّي الإمام ومن المكلّف بالتحقيق ؟ فاعل الجريمة نفسه! ما عاذ الله فالنتيجة مكتوبة قبل المباشرة بالتحقيق.
  كلف هارون السندي بالتحقيق وكما يقولون (حاميها حراميها).
  أرسل السندي إلى عمرو بن واقد وطلب إليه أن يجمع أشخاصاً يعرفون الإمام (عليه السلام) ، ولما حضروا وعددهم يقارب الخمسين رجلاً سألهم : هل تعرفون موسى بن جعفر ؟ قالوا : نعم ، فقام عمرو وكشف الثوب عن وجه موسى ، فالتفت السندي إلى الجماعة الشهود وقال لهم : انظروا إليه ، فدنا واحد منهم بعد واحد فنظروا إليه ، ثم قال لهم : (تشهدون كلكم أن به أثراً تنكرونه ؟).
  فقالوا : لا ، ثم سجل شهاداتهم وانصرفوا) (3) .
  ورواية أخرى تقول : إن السندي استدعى الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إلى الإمام وهو ميت وشهدوا على ذلك أن لا أثر به!
  هذه الإجراءات التي اتخذها السندي بن شاهك إنما جاءت لتبرير ساحة الحكومة من المسؤولية وإبعاد الأنظار عنها في ارتكاب الجريمة لكن الإمام (عليه السلام) قد أفسد عليهم صنعهم وتضليلهم وكشف للناس أن هارون هو الذي اغتاله بالسم.
  وأما ما اتخذه هارون المجرم لرفع الشبهات التي حامت حوله فإنه جمع شيوخ الطالبيين والعباسيين وسائر أهل ممكلته والحكام فقال لهم : (هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه ـ يعني في قتله ـ فانظروا إليه) فدخل على الإمام سبعون رجلاً من شيعته ، فنظروا إليه وليس به أثر جراحة ولا خنق (4) وقال أحد الشعراء :
ومهما  يكن عند امرئ من خليقة      وإن خالها تخفى على الناس تعلم
  كل هذه الإجراءات لم تجد هارون نفعاً لأن الحق لابدّ أن يظهر ، ولا يخفيه الدجل والخداع والتضليل فقد عرف الخاص والعام أنه هو الذي اغتال الإمام وهو المسؤول عن دمه وكل مساعيه باءت بالفشل.

---------------------------
(1) البحار ، ج 11 ، ص 300.
(2) المناقب ، ج 2 ، ص 384.
(3) البحار ، ج 11 ، ص 300.
(4) البحار ، ج 11 ، ص 303.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 232 _

على الجسر
  إمام المسلمين وسيد المتقين العابدين وسبط النبي الأمين (صلّى الله عليه وآله) ألقي على جسر الرصافة في بغداد ، قد أحاطت الشرطة بجثمانه المقدس ، وكشفت عن وجهه بقصد انتهاك حرمته ، والتشهير به ، حاول هارون بفعلته الحقيرة هذه إذلال الشيعة عامة والعلويين خاصة ولم يرع الرحم الماسة التي بينه وبين الإمام (عليه السلام) ، لقد اثر ذلك في نفوسهم تأثيراً كبيراً وظلوا يذكرونه طوال مراحل حياتهم.
  اندفع شعراؤهم إلى نظم هذا الحدث المفجع وقال بحسرة ولوعة المرحوم الشيخ محمد الملا :
مـن مـبلغ الإسلام أن زعيمه      قد مات في سجن الرشيد سميما
فالغي  بات بموته طرب iiالحشا      وغـدا لـمأتمه الـرشاد iiمقيما
ملقى على جسر الرصافة نعشه      فـيه  الـملائك أحدقوا تعظيما
  لقد ملأ الرشيد قلوب الشيعة بالحقد والحزن وتركهم يرددون هذه الفعلة المشينة بكرامة إمامهم طوال مراحل حياتهم.
  ولم يكتف هارون الطاغية عند هذا الحد ، بل أوعز إلى حارسه السندي اللعين ليأمر جلاوزته أن ينادوا على جثمان الإمام الشريف بنداء مؤلم تذهب لنفوس لهوله أسى وحسرات ، فبدل أن يأمرهم بالحضور لجنازة الإمام المعصوم ابن الإمام المعصوم أمرهم أن ينادوا بنداء قذر موحش فهتفوا في الشوارع والطرقات : (هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت ، فانظروا إليه ميتاً) (1) .

التوهين بمركز الإمام (عليه السلام)
  بقي الإمام ثلاثة أيام لم يوار جثمانه المقدس (2) ، فتارة موضوع في قاعة السجن والشرطة تجري التحقيق في حادث وفاته ، وأخرى ملقى على جسر الرصافة تتفرج عليه المارة وهو مكشوف الوجه ، كل ذلك للاستهانة بمركزه والتوهين بكرامته.

---------------------------
(1) الفصول المهمة ، ص 54!!
(2) عمدة الطالب ، ص 185.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 233 _

تجهيز الإمام (عليه السلام)
  اهتم سليمان بن أبي جعفر المنصور (1) بتجهيز الإمام وتشييعه ، كان قصره مطلاً على نهر دجلة ، فسمع الصياح والضوضاء ورأى بغداد قد ماجت واضطربت فهاله ذلك ، فالتفت إلى ولده وغلمانه قائلاً : (ما الخبر ؟) فقالوا له : هذا السندي ابن شاهك ينادي على موسى بن جعفر ، وأخبروه بذلك النداء القاسي ، فثارت عواطفه واستولت عليه موجة من الغيظ فصاح بولده قائلاً : (إنزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من سواد ـ وهو لباس الشرطة والجيش ـ انطلق أبناء سليمان (2) وغلمانه إلى الشرطة فأخذوا جثمان الإمام (عليه السلام) منهم ولم تبد الشرطة أية معارضة ، حمل الغلمان النعش وجاءوا به إلى سليمان فأمر فوراً أن ينادي في شوارع بغداد بنداء معاكس لنداء السندي أخذ الغلمان ينادون بأعلى أصواتهم بهذا النداء : (ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحضر) (3) فلما سمع الناس هذا النداء خرجوا على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين وسيد المتقين الورعين ، وخرج الشيعة بصورة خاصة يذرفون الدموع ويلطمون الصدور والأسى والحزن قد أدمى قلوبهم ، فجاء سليمان ففرج عنهم الكروب وواساهم في مصيبتهم المفجعة.
  وتم تشييع الإمام (عليه السلام) بموكب حافل لم تشاهد بغداد نظيراً له ، أما إذا ما سألنا عن الأسباب التي دفعت سليمان للقيام بمواراة الإمام (عليه السلام) وتشييعه فيمكن اختصارها بما يلي :
  أ) الرحم الماسة : تلك الرحم التي تربط بينه وبين الإمام (عليه السلام) هي التي هزت مشاعره وأثارت عواطفه ، فلم يستطع صبراً أن يسمع أولئك العبيد وهم ينادون بذلك النداء المنكر على جثمان زعيم الهاشميين وعميد العلويين. إضافة إلى أنه لم يكن بينه وبين الإمام ما يوجب الشحناء والبغضاء ، فلذا أثرت فيه أواصر الرحم وانطلق إلى إنقاذ الجثمان ابن عمه من أيدي الجلاوزة وصنع بعض ما يستحق من الحفاوة والتكريم.
  ب) محو العار عن أسرته : رأى سليمان الذي حنكته التجارب أن الأعمال التي قام بها الرشيد تجاه الإمام (عليه السلام) هي أعمال مشينة لطخت جبين الأسرة العباسية ، إذ كان يكفي هارون دسه السم إلى الإمام واغتياله عن القيام بتلك الأعمال البربرية الحاقدة والتي تدل على نفس لا عهد لها بالشرف والنبل والكرامة ، كما تدل في الوقت نفسه على فقدان المعروف والإنسانية عند العباسيين ، فقام سليمان بما يفرضه عليه الواجب الإنساني فقط للحفاظ على سمعته وسمعة أسرته ومحو العار عنهم.

---------------------------
(1) سليمان بن أبي جعفر المنصور، أمه فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبد الله التيمي : تاريخ ابن كثير ، ج 10 ، ص 28 ، كان أميراً على دمشق من قبل الرشيد ، ووليها من قبل الأمين مرتين وولي إمرة البصرة مرتين.
(2) سليمان هو عم هارون الريد من الشخصيّات اللامعة في الأسرة العباسية وأمره مطاع عند الجميع.
(3) البحار ، عيون أخبار الرضا.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 234 _

  ج) الخوف من انتفاضة شيعية : خاف سليمان من قيام الشيعة بانتفاضة للثأر والانتقام ، فيتمرد الجيش وتحدث اضطرابات عنيفة وفتن داخلية ، لأنّ ذلك الاعتداء الصارخ على كرامة الإمام (عليه السلام) الطيب ابن الطيب ، إنما هو طعنة نجلاء في صميم العقيدة الشيعية ، فكان من الطبيعي أن تثير أعمال هارون البربرية عواطفهم وتحفزهم على الثورة والانتقام من خصومهم.
  ولا يخفى أن عدد الشيعة في ذلك الوقت عدد لا يستهان به ، فقد اعتنق عقيدتهم خلق كثير من رجال الدولة ، وكبار الموظفين والكتاب في الدولة ، وقادة الجيش ، ولذا تدارك سليمان الموقف وقام بما أملاه عليه الواجب الإنساني وأنقذ حكومة هارون من الاضطراب والفتن المتوقعة في كل آن ، كما أسدى بفعلته هذه يداً بيضاء على عموم الشيعة تذكر له الخير والثناء.

تجهيز الإمام (عليه السلام) على يد سليمان
  قام سليمان بتجهيز الإمام (عليه السلام) فغسله ، وكفنه ، ولفه بحبرة كتب عليها القرآن الكريم بأسره كلفته ألفين وخمسمائة دينار (1)
  حدث المسيب بن زهرة قال : والله لقد رأيت القوم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم أنهم لا يصنعون شيئاً ، ورأيت ذلك الشخص الذي حضر وفاته ـ وهو الإمام الرضا (عليه السلام) ـ وهو الذي تولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم ، وهم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره التفت إليّ فقال : (يا مسيب مهما شككت في شيء فلا تشكن في ، فإني إمامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي ، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه وهم له منكرون) (2) .

مواكب التشييع
  يوم تشييع الإمام موسى (عليه السلام) يوم أغر لم تر مثله بغداد في أيامها يوم مشهود حيث هرعت الجماهير من جميع الطبقات إلى تشييع ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقد خرج لتشييع جثمانه الطاهر جمهور المسلمين ، على اختلاف طبقاتهم يتقرّبون إلى الله جل جلاله بحمل جثمان سبط النبي (صلّى الله عليه وآله) ، سارت المواكب تجوب الشوارع والطرقات وتصرخ ملتاعة حزينة.

---------------------------
(1) المناقب ، ج 2 ، ص 387.
(2) عيون أخبار الرضا ، سورة يوسف ، الآية 58.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 235 _

  أيضاً فقد خرج كبار الموظفين والمسؤولين من رجال الحكم يتقدمهم سليمان وهو حافي القدمين ، وإمام النعش مجامير العطور.
  وقد حمل الجثمان على الأكف محاطاً بالهيبة والجلال ، جيء به فوضع في سوق سمي بعد ذلك بسوق الرياحين ، كما بني على الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس بناء لئلا تطأه الناس بأقدامهم تكريماً له (1)
  وانبرى أحد الشعراء فأنشد هذه الأبيات :
وأزل أفـاويه الـحنوط iiونـحها      عـنه  وحـنطه بـطيب iiثـنائه
ومـر  الـملائكة الـكرام iiبحمله      كـرماً ألـست تـراهم iiبـإزائه
لأتـوه  أعـناق الـرجال iiبحمله      يكفي الذي حملوه من نعمائه (2)
  وسارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن (3) وقد ساد عليهم الوجوم والحزن ، وخيم عليهم الأسى من هول المصاب.

إلى المقر الأخير
  قال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (4) .
  أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس وهي تتسابق على حمله للتبرك به.
  حفر له قبر في مقابر قريش ، وأنزله سليمان بن أبي جعفر في مقره الأخير هو مذهول مرعوب خائر القوى ، وبعد فراغه من مراسيم الدفن ، أقبلت إليه الناس تعزيه وتواسيه بالمصاب الأليم.
  فهنيئاً لك أيها القبر باستقبال هذا الضيف الطاهر هذا العالم المعلم ، وهذا العبد الصالح الذي آثر طاعة الله على كل شيء في هذه الدنيا انصرف المشيعون وهم يعدّدون فضائل الإمام الشريفة ومناقبه السامية ويذكرون ما عاناه الكاظم غيظه من المحن والخطوب وقيود السجن قالوا كلهم : إن فقد الإمام كان من أعظم النكبات التي مني بها العالم الإسلامي عامة والشيعة خاصة في ذلك العصر.
  ولا غرو في ذلك لقد فقد المسلمون علماً من أعلام العقيدة الإسلامية وإماماً معصوماً من الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وغصناً من دوحة النبوة.
  هكذا عمت قلوب الطامعين بالملك فتحجرت قلوبهم وتصلبت أحاسيسهم فجاروا وظلموا وبطشوا وضيعوا موازين الحق والعدل ، والغريب العجيب أنهم نصبوا أنفسهم على الناس بحد السيف وسموا أنفسهم خلفاء الله على الأرض ، لقد ضاعوا في دنيا الجاه والسلطان وغرقوا في لجج الأنانية وحب التسلط وقد تحمل الإمام الكاظم كل هذا الجور والظلم وبقي صامداً أمام الظالمين لا يلين ولا يضعف أمام جورهم وظلمهم.

---------------------------
(1) الأنوار البهية ، ص 99 ، وجاء فيه أنه حكى عن صاحب تاريخ مازندران أنه قال في كتابه : إنه مر بذلك المكان عدة مرات وقبل الموضع الشريف.
(2) الإتحاف بحب الأشراف ، ص 57.
(3) باب التبن : اسم محلة كبيرة كانت ببغداد تقع بإزاء قطيعة أم جعفر وفيها قبر أحمد بن حنبل وهي قريبة من مقابر قريش جاء ذلك في معجم البلدان ، ج 2 ، ص 14.
(4) سورة آل عمران ، الآية 185.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 236 _

  عاش (عليه السلام) في حياته عيشة المتقين الصالحين ، والمجاهدين المدافعين عن حقوق الأمة الإسلامية ، لقد رفع كلمة الحق وحطم الباطل فلم يجار هارون ، ولم يصانعه ، بل كان من أقوى الجهات المعادية ، له ، وقد تحمل في سبيل ذلك جميع ضروب الأذى وكل ألوان الآلام حتى لفظ نفسه الشريف في ظلمات السجون وفاز بالشهادة ، وجعل الله ذكره خالداً مدى الدهور ، وقدوة صالحة تسير عليها الأجيال المجاهدة في سبيل الله ، ومرقده في بغداد كان ولم يزل ملجأ للمنكوبين وملاذاً للملهوفين يسعون إليه من كل حدب وصوب ويدعون له لحل مشاكلهم وتسهيل أمورهم ، وما قصد مرقده أحد من طلاب الحاجات إلا لبى حاجته وما خاب من دعاه.
  وقد منّ الله عليه فجعله من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ما قاله الشعراء في مدح الإمام الكاظم (عليه السلام)
  وهذا باب واسع ، لو أردنا أن نستقصي ما قيل في مدح الإمام (عليه السلام) ورثائه لجاء اضعاف ما ذكرناه ، وعملاً بمنهجنا في الاختصار نذكر : قال الشيخ موسى محيي الدين (1) في الإمام موسى كاظم الغيظ (عليه السلام) :
يـا كـاظم الـغيظ يـا جد الجواد ومن      عـمّت جـميع بـني الـدنيا iiمـكارمه
ومـن  غـدا شـرع خير المرسلين iiبه      سـامي الـذرى وبـه شـيدت iiدعائمه
الـحـق لـولاك مـا بـانَت iiحـقائقه      والـشرع لـولاك ما قامت قوائمه (2) ii
وفـيك  يـنكشف الـكرب الـعظيم إذا      جـاشت  عـلينا بلا جرم قشاعمه (3) ii
إمـام حـق أبـان الـحق iiوانـتشرت      أفـعـاله  الـغـرمذ نـيطت iiتـمائمه
فـعالم  الـدين خـير الـناس iiعـالمه      وكـاظم  الغيظ خير الناس كاظمه (4) ii
مـولى  غـدا مـن رسول الله iiعنصره      أكـرم  به عنصراً طابت جراثمه (5) ii
بــه  وآبـائـه زان الـوجود iiوفـي      أبـنـائه الـغـرقد شـيـدت مـعالمه
مـن أم مـغناك يـا أزكى الورى iiنسباً      لـلازم كـيف لا تـقضى لوازمه (6) ii
فـيـا  خـلـيلي والـخل الـخليل iiإذا      حـبا  الـخليل بـأسنى ما يلائمه (7) ii
لا تـحسبا كـل شـوق يـدعى iiعـبثاً      فـالشوق إن هـاج لا تـخفى iiمـعالمه
ولا تـلـوما إذا مـا رحـت ذا iiكـلف      والدمع  من مقلتي فاضت سواجمه (8) ii
أنـا الـمشوق الـمعنى بـازدياد iiحمى      موسى بن جعفر صب القلب هائمه (9)
فـعلِّلا قـلبي الـعاني الـضعيف iiبـه      فـإن  فـي ذكـره تقوى عزائمه (10) ii

---------------------------
(1) هو من أعلام الأدب توفي في النجف الأشرف ، 1285 هـ.
(2) ما ذكره الشاعر عن الإمام الكاظم (عليه السلام) هو عام في جميع الأئمة (عليهم السلام) فقد روى الخاص والعام حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه أينما دار) فهم صلوات الله عليهم ورثوا هذه المكرمة فيما ورثوه عن أبيهم (عليهم السلام) من مواريث الإمامة.
(3) قشاعمه : القشعم : المسن الضخم ويقال للحرب والمنية والداهية : أم قشعم.
(4) العالم : من ألقاب الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
(5) جراثمه : أصله.
(6) المغنى : المنزل الذي غني به أهله.
(7) حباه : أعطاه.
(8) سجم الدمع : سال.
(9) صب القلب : رق واشتقاق ، والهيام : شدة العشق.
(10) تحت راية الحق ، ص 613 عن عيان الشيعة ، ج 10 ، ص 189.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 237 _

  وقال السيد صالح القزويني قصيدة يمكن أن نضع لها عنواناً : (ليس الرشيد رشيداً ولا المأمون مأمونا) قال :
اعطف على الكرخ من بغداد وابكِ iiبها      كـنـزاً لـعلم رسـول الله iiمـخزونا
مـوسى بـن جعفر سر الله والعلم iiال      مـبين فـي الـدين مفروضاً iiومسنونا
بـاب  الـحوائج عند الله والسبب iiال      مـوصـول بالله غـوث الـمستغيثينا
الـكاظم  الـغيظ عـمن كـان iiمقترفاً      ذنـباً  ومـن عـمّ بالحسنى iiالمسيئينا
يـابن  الـنبيين كـم أظهرت iiمعجزة      في السجن أزعجت في الرجس هارونا
وكـم  بـك الله عـافى مـبتلى iiولكم      شـافى مـريضاً وأعـنى فيك iiمسكينا
لـم يُلهك السجن عن هدي وعن iiنسك      إذ لا تــزال بـذكـر الله iiمـفـتونا
وكـم أسـروا بـزاد أطـعموك iiبـه      سـمّـاً فـأخـبرتهم عـمّا iiيـسرونا
ولـلطبيب  بـسطت الـكف iiتـخبره      لـمـا  تـمكن مـنها الـسمّ iiتـمكينا
بـكت  عـلى نـعشك الأعداء iiقاطبة      مـا حـال نـعش لـه الأعداء iiباكونا
رامـوا الـبراءة عـند الناس من iiدمه      والله يـشـهد مــا كـانوا iiبـريئينا
كـم  جرّعتك بنو العباس من iiغصص      تـذيـب أحـشاءنا ذكـراً iiوتُـشجينا
قـاسيت مـا لـم تـقاس الأنبياء iiوقد      لاقـيت أضـعاف مـا كـانوا يلاقونا
أبـكـيت  جـديك والـزهراء iiأمّـك      والأطـهار  آبـاؤك الـغر iiالـميامينا
طـالت  لـطول سـجود مـنه iiثفنته      فـقـرحت جـبـهة مـنه iiوعـرنينا
رأى  فـراغته فـي الـسجن iiمـنيته      ونـعمة  شـكر الـباري بـها iiحـينا
يـا ويـل هـارون لـم تربح تجارته      بـصفقة  كـان فـيها الـدهر iiمغبونا
لـيس الـرشيد رشـيداً فـي iiسياسته      كــلاّ  ولا ابـنه الـمأمون iiمـأمونا
تالله  مـن كـان مـن قربى ولا iiرحم      بـيـن الـمـصلين لـيلاً والـمغنينا
لـهفي لـموسى بـهم طـالت iiبـليته      وقـد  أقـام بـهم خـمساً iiوخـمسينا
يـزيـدهم  مـعـجزات كـل آونـة      ونـائـلاً  ولــه ظـلـماً iiيـزيدونا
لـم  يـحفظوا مـن رسول الله iiمنزله      ولا  لـحـسناه بـالـحسنى iiيـكافونا
بـاعوا لـعمري بـدنيا الـغير iiدينهم      جـهلاً فـما ربـحوا دنـيا ولا iiديـنا
فـي  كـل يـوم يـقاسي منهم iiحزنا      حتى قضى في سبيل الله محزونا (1) ii

---------------------------
(1) تحت راية الحق عن المجالس السنية ، ص 614.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 238 _

  وقال الشيخ محمد الملا (1) :
مـن  مـبلغ الإسـلام أن iiزعـيمه      قـد  مـات في سجن الرشيد iiسميما
فـالغي بـات بـموته طرب iiالحشا      وغــدا  لـمأتمه الـرشاد iiمـقيما
مـلقى عـلىجسر الـرصافة iiنعشه      فـيـه الـملائك أحـدقوا iiتـعظيما
فـعـليه روح الله أزهـق iiروحـه      وحـشـا كـلـيم الله بـات كـليما
لا  تـألـفي لـمـسرة فـهرٍ iiفـقد      أضـحى  سـرورك هـالكاً iiمعدوما
مـنح الـقلوب مـصابه سـقما كما      منع النواظر في الدجى التهوينا (2)
  وقال الشيخ عبد الحسين الحياوي (3) :
جـانب الـكرخ شأن أرضك iiشيّد      قـبر مـوسى بن جعفر بن iiمحمد
بـثـرى طـاول الـثريا iiمـقاماً      دون  أعـتـابه الـملائك iiسـجد
ضـم  منه الضريح لاهوت iiقدس      لـيـديه تـلقى الـمقادير iiمـقود
مـن  عليه تاج الزعامة في iiالدين      امـتـناناً بــه مـن الله iiيـعقد
وقـد  تـجلى لـلخلق فـي iiهيك      ل الـناس لـكنه بـقدس iiمـجرد
هـو  مـعنى وراء كـل iiالمعاني      صـوّب  الـفكر في علاه iiوصعّد
سـابع  الـصفوة الـتي iiاختارها      الله عـلى الـخلق أوصياء iiلأحمد
هو  غيث إن أقلعت سحب iiالغيث      وغـوث  إن عـزّ كهف iiومقصد
كـان لـلمؤمنين حـصناً iiمـنيعاً      وعـلى الـكافرينا سـيفاً iiمـجرد
أخـرجوه  مـن الـمدينة iiقـسراً      كـاظماً  مـطلق الـدموع iiمـقيد
حـر  قـلبي عـليه يقضي iiسنيناً      وهـو في السجن لا يزار iiويقصد
مثل موسى يرمى على الجسر ميتاً      لــم يـشـيعه لـلقبور iiمـوحد
حـمـلوه ولـلـحديد iiبـرجـليه      دوي  لـه الأهـاضب تنهد (4) ii
  وقال الشيخ مجيد خميس (5) من قصيدة له تعرض فيها لوفاة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) :
إن لـم يـشيع نـعشه فلم iiتكن      مـنقصة عـليه فـي iiعـليائه
فـخلفه  الأمـلاك قد iiتزاحمت      والـروح أدمى الأفق من iiبكائه
مـنـادياً عـن شـجنٍ iiوإنـه      قـطع  قـلب الـدين في ندائه
يا  قمر الإسلام قد أمسى iiالهدى      دجـنة  مـنذ غبت عن iiسمائه
وقـد  غدى الإيمان ينعي iiنفسه      فـطبق  الأكـوان فـي نعمائه
هذا  إمام الحق عاش في iiالعدى      مـضطهدا  ومـات في iiغمائه
لـقد ثـوى بـلحده ومـا ثوى      إلا الهدى والدين في ثوائه (6)


---------------------------
(1) من خطباء المنبر الحسيني في الحلة ومن شعرائها المكثرين في أهل البيت (عليهم السلام).
(2) تحت راية الحق عن أدب الطف ، ص 614.
(3) من شعراء النجف الأشرف ومن علمائها ومؤلفيها توفي سنة 1345 هـ.
(4) تحت راية الحق عن أدب الطف ، ص 615.
وكما نلاحظ أن جميع القصائد التي قيلت في رثائه جاءت قصائد مدح للإمام الكاظم (عليه السلام) لأنه أحدث فراغاً كبيراً في الأمة الإسلامية.
(5) من علماء الحلة وشعرائها وكانت وفاته سنة 1345 هـ.
(6) تحت راية الحق ، ص 615 ، عن أدب الطف ، ج 10 ، ص 187.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 239 _

  وقال الأربلي :
الـقائم  الـصائم أكـرم iiبـه      مـن  قـائم مـجتهد iiصـائم
من معشر سنوا الندى iiوالقرى      وأشـرقوا  فـي الزمن iiالقائم
واحرزوا خصل العلى فاغتدوا      أشـرف  خـلق الله في العالم
يـروي الـمعالي عـالم منهم      مـصدق فـي النقل عن iiعالم
قد  استووا في شرف iiالمرتقى      كـما  تـساوت حـلقة الخاتم
من  ذا يجاريهم إذا ما iiاعتزوا      إلــى عـليّ وإلـى iiفـاطم
ومـن  يـناويهم إذا iiعـدّدوا      خير بني الدنيا أبا القاسم (1) ii
  وقال الشيخ مطر بن محمود الخفاجي الغروي (2) :
إذا  مـا دهـاك الدهر يوماً iiبمعضل      وأنـزلت فـي واد من الهول مخطر
وحـاطت بك الأهوال من كل iiجانب      عليك بباب الله موسى بن جعفر (3)
  وقال عبد الباقي العمري :
لــذ  واسـتـجر مـتوسلاً      إن  ضـاق أمـرك أو iiتعسر
بـأبي الـرضا جـد iiالـجوا      د محمد موسى بن جعفر (4)
الخاتمة
  ابتُلي التاريخ الإسلامي بكثير من المؤرخين والرواة الذين عاشوا على موائد الملوك وأموالهم ، فافتعلوا لهم المآثر والفضائل وأضافوا إليهم النعوت البرّاقة والأوصاف الخلاّبة الأمر الذي أدى إلى تشويه التاريخ الإسلامي ، فعلى كل باحث منصف أن ينظر إلى هذا التاريخ نظرة عميقة صادقة فيعريه من ألوان الدعاية ليكون فهمه على أساس واقعي رصين.
  إن على الباحثين في تاريخ الشخصيات الإسلامية أن لا يضيفوا إلى مراكزه العليا إلا الأكفاء المتربين على مثاليته وهديه ، أما الأدعياء الذين لفّوا لواء الإسلام وهدموا وخرّبوا وظلموا فيجب تجريدهم من إطار الشخصية الإسلامية المثالية وإبعادهم عن تاريخه الناصع.

---------------------------
(1) تحت راية الحق ، ص 610 ، عن كشف الغمة ، ج 3 ، ص 84.
(2) ترجم له صاحب نشوة السلافة وذكر بعض شعره ، والأمين في أعيان الشيعة.
(3) تحت راية الحق ، ص 610 ، عن أعيان الشيعة ، ج 10 ، ص 129.
(4) تحت راية الحق ، ص 613 ، عن الترياق الفاروقي ، ص 130.

باب الحوائج الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) _ 240 _

  إن المقياس الحقيقي والميزان السليم هي الشريعة الإسلامية فما كان من أعمال الحكام مرتبطاً بها فهم محسوبون على الإسلام وهو مسؤول عنهم كالأئمة المعصومين (عليهم السلام) ، أما الأعمال النابية المنحرفة عن الإسلام والتي لا تمثل هديه وواقعه فإنه غير مسؤول عنها ولا تمثل وجهة نظره ، وكثيرون من أعداء الإسلام قد آخذوه بأعمال بعض الحكام كالوليد والمنصور والرشيد والمتوكل والهادي ونظائرهم من الذين أثبتوا في أعمالهم السياسة والإدارية أنهم أعداء الإسلام فكيف يحاسب الإسلام على ما اقترفوه من عظيم الذنوب والآثام.
  من هنا كان على دعاة الإصلاح أن يؤدوا رسالة الإسلام على حقيقتها النازلة من رب العالمين ، ويعرفوا الجماهير برجال الإسلام المخلصين الذين قاموا بأهم التضحيات في سبيل نشر العدالة والقيم الإنسانية ، ورفع مستوى الحياة اللائقة.
  وإني أرى أنه من الضرورة الملحة إفهام الناس بذلك وتغذية ناشئتهم بالآداب الإسلامية ليتربى على ذلك جيل واع سبّاق لفعل الخيرات والقيام بخدمة بلاده ومجتمعه بإخلاص ووفاء.
  ومما لا شك فيه بإجماع المسلمين أن أكبر رجال الإسلام علماً وأكثرهم تضحية وأشدهم جهاداً في سبيل الله هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم القدوة الصالحة للأمة الإسلامية وهم منابرها المشرقة على دروب الخير والهداية ، وقد ضمن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لأمته أن لا تضل عن طريق الحق والصواب لو أخذت بتعاليمهم وتمسكت بهم ، قال (صلّى الله عليه وآله) : (إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً).
  والجميع منهم (عليهم السلام) على تجردهم من مآثم هذه الحياة ، كان لهم اتجاه واحد هو خدمة الإسلام والعمل في سبيل المصالح العامة ، ولذلك نراهم قد جاهدوا وكافحوا ضد الظالمين والمنحرفين والمضللين ، ومما لا ريب فيه أن بلوغ هذه الأمة ذروة الحق ونهضتها الحضارية المباركة من أجل الزحف المقدس يتوقف على اقتدائها بسيرة أهل البيت (عليهم السلام) والأخذ بتعاليمهم ، لأن تعاليمهم هي تعاليم جدهم المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وتعاليم جدهم (صلّى الله عليه وآله) من رب العالمين جلّ وعلا.
  والإمام موسى أحد هذه الكواكب المشرقة وإمام من أئمة العترة الطاهرة ، وقد كظم غيظه وأدى رسالة ربه بكل أمانة وإخلاص وتحمّل في سبيل ذلك أقسى ألوان المحن والخطوب في السجون والقيود بعيداً عن الأهل والأصحاب.
  فقاوم وازدرى بسلطان هارون وصارحه بجوره واغتصابه لمركز الخلافة الإسلامية ولم يدار ولم يصانع.
  ولقد تشرفت بالبحث عن سيرة هذا الإمام العظيم الإمام السابع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فذكرت سيرته منذ الولادة حتى انتقاله (عليه السلام) إلى مقره الأخير ، ثم تحدثت عن عصره ومحنه مع الحكام العباسيين ، ثم علمه الزاخر ورده على الضالين والمشعوذين ومناظراته معهم جميعاً حتى إفحامهم وإقناعهم.
  كما أجريت عرضاً موجزاً لدرر من حكمه الخالدة حسب حروف الأبجدية وسردت دروساً مثالية عن هذا الإمام المثالي ، وتحقيقه الأهداف السامية بفضل إيمانه العميق وتعهده بالتكاليف الشرعية المطلوبة منه تجاه أمته وتجاه رب العالمين.
  ثم أجريت كشفاً عن أبرز الرواة والأصحاب الذين رووا عنه.
  وأخيراً الإمام الكاظم (عليه السلام) ينعي نفسه إلى المقرّ الأخير.
  وإني أسعى بكل جهودي لأقدم إلى المكتبة الإسلامية هذا العمل المتواضع وهو صفحة من حياة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، ومثل موجز لشخصية العظيمة ، ولا أزعم أنني قد ألممت بجميع شؤونه وعلومه وآثاره ، فذاك أمر لا تسعه المجلدات الكبيرة ، وإن الباحث المتتبع لعلوم هذا الإمام العظيم يجد صوراً جديدة مشرقة كثيرة من حياته ، كما يجد في تراثه الكثير من الحكم والآراء القيّمة في جميع ميادين السلوك والأخلاق والآداب والاجتماع والفقه والعلوم الأخرى ...
  وقد أعطيت صورة موجزة عن بعض معارفه ومثله وتراثه ، كما ذكرت كوكبة من أصحابه ورواة حديثه وأبنائه ، وبحثت موضوعي بعيداً عن التحيّز والتعصّب وكان رائدي الإخلاص للحق راجياً أن يكون ذلك خدمة للإسلام وخدمة لعلم كبير من أعلامه العظماء النابهين.
  هذا بعض ما في هذا البحث أرفع به أسمى آيات الشكر والتقدير للمساهمين بهذه المباراة الكريمة ، كما أشكر اللجنة الكريمة وأرجو منها نقداً موضوعياً تصحيحياً راجياً لهم دوام العافية وجزاهم الله عنّي خير جزاء إنه نعم المولى ونعم النصير ، والحمد لله رب العالمين.