المقدمة
يعتبر العراق من اوائل بقاع العالم التي ظهرت فيه اقدم المستوطنات الزراعية التي تطورت فيما بعد الى مدن ذات شأن مهم في حضارة العراق القديم ، وبذلك تكون مدينة وادي الرافدين من اقدم المدن التي ظهرت في العام القديم والتي انتشرت في جنوبه حتى شماله وعلى مر العصور ابتدءاً من السومريين مروراً بالاكديين والبابليين والآشوريين التي كانت من اشهرها أريدو والوركاء واور ونفر وأكد وبابل وآشور ونينوى والحضر . وما ان انطلق جيش التحرير العربي الاسلامي في العهد الراشدي حتى وجد المسلمون في انفسهم حاجة الى اتخاذ معسكرات يقيم فيها الجند بعد ان توسعت عمليات التحرير واصبحت عملية اتصال بمركز الدولة العربية الاسلامية عملية صعبة ، وذلك لاتساع رقعة الاجزاء المحررة وقد نمت هذه المعسكرات واصبحت فيما بعد مدناً كبيرة وبقيت تنمو وتزدهر وتطور ، ولقد لعبت دوراً كبيراً في حياة الدولة العربية الاسلامية وفي مراحل مختلفة مثل البصرة ، والكوفة ، والقيروان اضافة الى المدن أنشئت اساساً لاسباب ادارية كمدينة واسط او سياسية كمدينتي بغداد ، وسامراء اللتين لعبتا دوراً مهماً في العصر العباسي . بنيت البصرة شأنها مدينة الكوفة ـ بجانب مدينة قديمة ذات موقع حصين ، وكان سبب تمصير البصرة والكوفة ، هو لاتخاذهما كمعسكرين لجند العرب والمسلمين .
كما ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حاول ان يبعد العرب المحررين من الاختلاط بسكان البلاد المحرة حفظاً لكيان العرب باعتبار ان العرب امة مجاهدة مهنتها الحرب والسياسة فجمعهم في معسكرات خاصة بهم ( 1) ، ولكي تكون المدن القديمة مراكز لتموين المسلمين في مدينتهم فيما يحتاجونه من قوات وامدادات اخرى (2) ، لا سيما وان مدينة الابلة واقعة في ارض العراق المليئة بالخيرات . اما فيما يتلعق ببحثنا هذا لفقد تناولنا فيه مدينة البصرة القديمة التي لعبت دوراً عسكرياً وتجارياً بالنسبة الى للعراق ، ولم تحظ هذه المدينة ضمن الفترة التي درسناها باهتمام الباحثين الا قليلاً ، ولم يتعدد ذكرها في هذه البحوث الا في اشارات بسيطة ومكررة . لقد تناولت دراستنا لهذه المدينة في فترة زمنية محددة تتمثل بالقرن الاول الهجري ، ولم يتم تحديد الفترة بشكل عشوائي وذلك لان هذا القرن يمثل مرحلة من مراحل النشأة والتطور والازدهار في تاريخ هذه المدينة ضمن الخط العام لتاريخ الحضارة العربية الاسلامية ، وجاء اهتمامنا بهذا الموضوع جزءاً من اهتمام الباحثين في علم الآثار لتبيان اهمية هذه المدينة والتي تمت دراستها من قبل المؤرخيين والجغرافيين ولم تنل دراسة نشأتها وتطور عمرانها الاهتمام المطلوب من قبل الباحثين ولا سيما الاثابين منهم مما دف ************************************************* (1) الدورى : عبد العزيز : مقدمة في تاريخ صدر الاسلام ، بيروت 1961 ، ص 47 . (2) حسين : عبد الرزاق : نشآة مدن العراق وتطوره (9973) ص 32 .
الباحثة الى الخوض في غمار هذه الدراسة ، والاهتمام بها في هذه الفترة المهمة من حياة هذه المدينة العربية الباسلة اضافة الى عدم وجود بحث متكامل يتناول مدينة البصرة القديمة من ناحية الاثارية وبالتحديد تخطيط مدينة البصرة ، اضافة الى ذلك افتقار المكتبة العربية الى مثل هذا البحث آمنة ان يجد القارىء االعربي في ما كان يحتاجه في هذا الجانب . وتمثلت معوقات البحث في صعوبة الحصول على تقارير الحفريات غير المنشورة لمواسم متعددة ، وقد حاولت جاهدت الحصول عليها حيث امتنعت الجهات المعينة بأصرار عن السماح لي للطلاع عليها وبدون عذر معقول ، وقد تركزت جهوي في مجال الدراسة الميدانية ، فكان الحصاد هذا الجهد المتواضع . يقع البحث في ستتة فصول ، تناول الفصل الاول منها تحرير جنوب العراق من الحكم الفارسي منذ عهد الخليفة الاول ابي بكر الصديق حتى عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والطريق الذي سلكه العربي خالد بن الوليد في دخوله الى العراق وروايات المؤرخين عن فترة تحرير الابلة ، ومن ثم الملابسات التي اعقبة مسيرة خالد بن الوليد الى الشام ، ويبحث الفصل الثاني في مدينة البصرة قبل الاسلام وذلك لدراسة الدساكر السبع التي كانت تمثل خطط المدينة قبل الاسلام كما تضمن الفصل الاول عوامل اختيار موضع البصرة المعتمد على دراسة ثلاثة عوامل رئيسية منها والمتمثلة بالعامل العسكري والعامل الجغرافي القائم على دراسة الموقع والموضع العامل الاقتصادي الذي برز فيه الجانب التجاري وبشكل خاص ، وأستعرضت في الفصل الثالث آراء اللغويين والجغرافيين والمؤرخيين والباحثيين حول تسمية البصرة واختلافاتهم
في ذلك ، ويدور الفصل الرابع حول انهار مدينة البصرة وتسميتها واهميتها بالنسبة الى لسكانها ، وتحدثت في الفصل الخامس عن تخطيط مدينة البصرة منذ عهد القائد عتبة بن غزوان مستعرضة ، اهم مخططها وقبائلها دراسة تاريخ تمصيرها ، وأهم مظاهرها الجغرافية كالمسجد الجامع ودار الامارة وأسواقها المتمثلة بالمربد والكلاء ، وكذلك الحفريات التي اجريت في مواقعها ، ثم عرجت على الابلة من ناحية الموقع والخطط بعد ذلك الزابوقة واهم ما فيها ، واختتمت بحثي في الفصل السادس الذي يشمل ، حفريات المؤسسة العامة للآثار وجامعة البصرة في مدينة البصرة القديمة وطبيعة هذه الحفريات وما توصلت اليه من اكتشافات مهمة . اما بالنسبة الى المصادر فقد اعتمدت في بحثي هذا على مجموعة من المصادر منها : الجغرافية والتي يمكن تقسيمها الى قسمين : اولهما من المكتبة الجغرافية والثاني هي : كتب الرحلات ، وكذلك المصادر التاريخية وهي كثيرة ومتنوعة ، حيث كتب المؤرخون العديد من الكتب في مختلف المجالات غير انها فقدت ولم تصلنا كاملة ، وكل ما نعرفه عنها هو ما اورده المؤرخون مثل البلاذرى والطبرى ، اضانفة الى كتب التراجم : منها ما هو مرتب بشكل طبقات مثل الطبقات الكبرى لإبن سعد ( ت 230 هـ ) والذي يتطرق في الى الشخصيات البازرة لكل مدينة ، مثل البصرة والكوفة ومصر والشام ومناطق اخرى ، ومن كتب التراجم الاخرى التي تبحث في رجال الحديث مثل ( ابن عبد البر ) ( ت 463 هـ ) في الاستيعاب في معرفة الاصحاب وابن الاثير في اسد الغابة في معرفة الصحابة ،
ولدينا كتب تراجم اخرى منها تبحث في اخبار النساك والزهاد كأبن الجوري ( ت 597 هـ ) في كتابة المرسوم صفة الصفوة الذي يذكر المدن الاسلامية ومن اشتهر فيها من الزهاد ، كما كان للمصادر الادبية دور رئيسي في توضيح بعض النقاط في البحث منها الجاحظ ( ت 255 هـ ) في عدد من كتبه مثل الخلاء ، والبيان والتبيين بالاضافة الى المعاجم اللغوية التي كانت لها اهمية كبيرة في تفسير الغريب من الكلمات والاسماء ومن هذه المعاجم ابن منظور ( ت 711 هـ ) في لسان العرب ، والزبيدي ( ت 817 هـ ) في تاج العروس من جواهر القاموس ، اضافة الى المراجع التي كانت ذات اهمية بالغة في توضيح امور كثيرة وردت في هذه الرسالة منها ( المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام للاستاذ جواد علي ) . ولا تتدّعي في الباحثة الكمال خاصة وانها طالت علم فأن اقتربت من الاتقان بعض الشيء وبذلك فضل جهود أستاذتي ومساعدتهم ايّاى وان كنت قد جانبت الاتقان فهذه حدود مقدرتي والله وليّ التوفيق .
الرموز المستعملة في الرسالة
هـ : هجرية م : ميلادية ق : قسم ج : جزء لا . ت : بدون تاريخ نفس المصدر : فهرست الاشكال
فهرست المخططات
فهرست الخرائط
الفصل الاول تحرير جنوب العراق من الحكم الفارسي سنة 14 هـ
ضعفت الدولة البابلية عندما كان نبونيدس ملكاً عليها ، وفي الفترة نفسها ، أخذ الملك كورش الثاني السلطة من الملك الماذي ( استاجس ) واستطاع كورش ان يكون امبراطورية واسعة شملت آسيا الصغرى حتى بلغت تخوم الهند ، فقد تقدم كورش بجيشه نحو بابل وعندما علم نبونيدس لذلك اعدا جيشاً بقيادة ابنه بليشاصر لعبد جيش كورش حيث التقى الجيشان عند أوبس ( سلوقيه ) فقتل بليشاصر في المعركة ثم تقدم الجيش الفارسي في نفس المدينة نحو مدينة سبار وكان الجيش البابلي بقيادة كوبرباس الذي انحاز الى كورلن ، وبعدها تقدم الجيش الفارسي نحو مدينة بابل ودخلها في عام 539 ق . م (1) ، حيث تمكن كورش من احتلال بابل وبدأت السيطرة الاجنبية الفارسية (*) ، وعندما بدأت السيطرة ************************************************* (1) Oinstead : History of Persian Enpire . London . 1959 . P . 35 ـ 37 . كذلك باقر : طه ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، الطبعة الاولى 1973 ، ج 1 : 217 ، شريف ، ابراهيم ، الموقع الجغرافي للعراق واثره في تاريخه العام حتى الفتح الاسلامي ، ج 2 : 190 مطبعة شفيق ، بغداد . لا . ت . (*) يروي هيرودتس حول دخول الجيش الفارسي الى بابل اذ جاء بها : ( ان الملك كوش جعل جيشه يجفف قاع نهر الفرات بتحويل مياه الى بحيرة او منخفض ينسبه الى اعمال الملكة ( سميرا ميس ) الاسطورية فسار الجيش في قاع النهر الجاف وباغت الى اهل المدينة التي بلغت سعتها درجة بحيث ان لما دخلها لم يعرف ذلك اهل الساكنون وسطها ) ، هيرودتس : الكتاب الاول 191 ، نقلاً عن طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة جـ 1 : 555 . |