تخطيط مدينة البصرة
( في القرن الاول الهجري )
الاستاذة هدية جوان العيدان


المقدمة
  يعتبر العراق من اوائل بقاع العالم التي ظهرت فيه اقدم المستوطنات الزراعية التي تطورت فيما بعد الى مدن ذات شأن مهم في حضارة العراق القديم ، وبذلك تكون مدينة وادي الرافدين من اقدم المدن التي ظهرت في العام القديم والتي انتشرت في جنوبه حتى شماله وعلى مر العصور ابتدءاً من السومريين مروراً بالاكديين والبابليين والآشوريين التي كانت من اشهرها أريدو والوركاء واور ونفر وأكد وبابل وآشور ونينوى والحضر .
  وما ان انطلق جيش التحرير العربي الاسلامي في العهد الراشدي حتى وجد المسلمون في انفسهم حاجة الى اتخاذ معسكرات يقيم فيها الجند بعد ان توسعت عمليات التحرير واصبحت عملية اتصال بمركز الدولة العربية الاسلامية عملية صعبة ، وذلك لاتساع رقعة الاجزاء المحررة وقد نمت هذه المعسكرات واصبحت فيما بعد مدناً كبيرة وبقيت تنمو وتزدهر وتطور ، ولقد لعبت دوراً كبيراً في حياة الدولة العربية الاسلامية وفي مراحل مختلفة مثل البصرة ، والكوفة ، والقيروان اضافة الى المدن أنشئت اساساً لاسباب ادارية كمدينة واسط او سياسية كمدينتي بغداد ، وسامراء اللتين لعبتا دوراً مهماً في العصر العباسي .
  بنيت البصرة شأنها مدينة الكوفة ـ بجانب مدينة قديمة ذات موقع حصين ، وكان سبب تمصير البصرة والكوفة ، هو لاتخاذهما كمعسكرين لجند العرب والمسلمين .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 2 ـ

كما ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حاول ان يبعد العرب المحررين من الاختلاط بسكان البلاد المحرة حفظاً لكيان العرب باعتبار ان العرب امة مجاهدة مهنتها الحرب والسياسة فجمعهم في معسكرات خاصة بهم ( 1) ، ولكي تكون المدن القديمة مراكز لتموين المسلمين في مدينتهم فيما يحتاجونه من قوات وامدادات اخرى (2) ، لا سيما وان مدينة الابلة واقعة في ارض العراق المليئة بالخيرات .
  اما فيما يتلعق ببحثنا هذا لفقد تناولنا فيه مدينة البصرة القديمة التي لعبت دوراً عسكرياً وتجارياً بالنسبة الى للعراق ، ولم تحظ هذه المدينة ضمن الفترة التي درسناها باهتمام الباحثين الا قليلاً ، ولم يتعدد ذكرها في هذه البحوث الا في اشارات بسيطة ومكررة .
  لقد تناولت دراستنا لهذه المدينة في فترة زمنية محددة تتمثل بالقرن الاول الهجري ، ولم يتم تحديد الفترة بشكل عشوائي وذلك لان هذا القرن يمثل مرحلة من مراحل النشأة والتطور والازدهار في تاريخ هذه المدينة ضمن الخط العام لتاريخ الحضارة العربية الاسلامية ، وجاء اهتمامنا بهذا الموضوع جزءاً من اهتمام الباحثين في علم الآثار لتبيان اهمية هذه المدينة والتي تمت دراستها من قبل المؤرخيين والجغرافيين ولم تنل دراسة نشأتها وتطور عمرانها الاهتمام المطلوب من قبل الباحثين ولا سيما الاثابين منهم مما دف

*************************************************
(1) الدورى : عبد العزيز : مقدمة في تاريخ صدر الاسلام ، بيروت 1961 ، ص 47 .
(2) حسين : عبد الرزاق : نشآة مدن العراق وتطوره (9973) ص 32 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 3 ـ

الباحثة الى الخوض في غمار هذه الدراسة ، والاهتمام بها في هذه الفترة المهمة من حياة هذه المدينة العربية الباسلة اضافة الى عدم وجود بحث متكامل يتناول مدينة البصرة القديمة من ناحية الاثارية وبالتحديد تخطيط مدينة البصرة ، اضافة الى ذلك افتقار المكتبة العربية الى مثل هذا البحث آمنة ان يجد القارىء االعربي في ما كان يحتاجه في هذا الجانب .
  وتمثلت معوقات البحث في صعوبة الحصول على تقارير الحفريات غير المنشورة لمواسم متعددة ، وقد حاولت جاهدت الحصول عليها حيث امتنعت الجهات المعينة بأصرار عن السماح لي للطلاع عليها وبدون عذر معقول ، وقد تركزت جهوي في مجال الدراسة الميدانية ، فكان الحصاد هذا الجهد المتواضع .
  يقع البحث في ستتة فصول ، تناول الفصل الاول منها تحرير جنوب العراق من الحكم الفارسي منذ عهد الخليفة الاول ابي بكر الصديق حتى عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والطريق الذي سلكه العربي خالد بن الوليد في دخوله الى العراق وروايات المؤرخين عن فترة تحرير الابلة ، ومن ثم الملابسات التي اعقبة مسيرة خالد بن الوليد الى الشام ، ويبحث الفصل الثاني في مدينة البصرة قبل الاسلام وذلك لدراسة الدساكر السبع التي كانت تمثل خطط المدينة قبل الاسلام كما تضمن الفصل الاول عوامل اختيار موضع البصرة المعتمد على دراسة ثلاثة عوامل رئيسية منها والمتمثلة بالعامل العسكري والعامل الجغرافي القائم على دراسة الموقع والموضع العامل الاقتصادي الذي برز فيه الجانب التجاري وبشكل خاص ، وأستعرضت في الفصل الثالث آراء اللغويين والجغرافيين والمؤرخيين والباحثيين حول تسمية البصرة واختلافاتهم

تخطيط مدينة البصرة   ـ 4 ـ

في ذلك ، ويدور الفصل الرابع حول انهار مدينة البصرة وتسميتها واهميتها بالنسبة الى لسكانها ، وتحدثت في الفصل الخامس عن تخطيط مدينة البصرة منذ عهد القائد عتبة بن غزوان مستعرضة ، اهم مخططها وقبائلها دراسة تاريخ تمصيرها ، وأهم مظاهرها الجغرافية كالمسجد الجامع ودار الامارة وأسواقها المتمثلة بالمربد والكلاء ، وكذلك الحفريات التي اجريت في مواقعها ، ثم عرجت على الابلة من ناحية الموقع والخطط بعد ذلك الزابوقة واهم ما فيها ، واختتمت بحثي في الفصل السادس الذي يشمل ، حفريات المؤسسة العامة للآثار وجامعة البصرة في مدينة البصرة القديمة وطبيعة هذه الحفريات وما توصلت اليه من اكتشافات مهمة .
  اما بالنسبة الى المصادر فقد اعتمدت في بحثي هذا على مجموعة من المصادر منها : الجغرافية والتي يمكن تقسيمها الى قسمين : اولهما من المكتبة الجغرافية والثاني هي : كتب الرحلات ، وكذلك المصادر التاريخية وهي كثيرة ومتنوعة ، حيث كتب المؤرخون العديد من الكتب في مختلف المجالات غير انها فقدت ولم تصلنا كاملة ، وكل ما نعرفه عنها هو ما اورده المؤرخون مثل البلاذرى والطبرى ، اضانفة الى كتب التراجم : منها ما هو مرتب بشكل طبقات مثل الطبقات الكبرى لإبن سعد ( ت 230 هـ ) والذي يتطرق في الى الشخصيات البازرة لكل مدينة ، مثل البصرة والكوفة ومصر والشام ومناطق اخرى ، ومن كتب التراجم الاخرى التي تبحث في رجال الحديث مثل ( ابن عبد البر ) ( ت 463 هـ ) في الاستيعاب في معرفة الاصحاب وابن الاثير في اسد الغابة في معرفة الصحابة ،

تخطيط مدينة البصرة   ـ 5 ـ

ولدينا كتب تراجم اخرى منها تبحث في اخبار النساك والزهاد كأبن الجوري ( ت 597 هـ ) في كتابة المرسوم صفة الصفوة الذي يذكر المدن الاسلامية ومن اشتهر فيها من الزهاد ، كما كان للمصادر الادبية دور رئيسي في توضيح بعض النقاط في البحث منها الجاحظ ( ت 255 هـ ) في عدد من كتبه مثل الخلاء ، والبيان والتبيين بالاضافة الى المعاجم اللغوية التي كانت لها اهمية كبيرة في تفسير الغريب من الكلمات والاسماء ومن هذه المعاجم ابن منظور ( ت 711 هـ ) في لسان العرب ، والزبيدي ( ت 817 هـ ) في تاج العروس من جواهر القاموس ، اضافة الى المراجع التي كانت ذات اهمية بالغة في توضيح امور كثيرة وردت في هذه الرسالة منها ( المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام للاستاذ جواد علي ) .
  ولا تتدّعي في الباحثة الكمال خاصة وانها طالت علم فأن اقتربت من الاتقان بعض الشيء وبذلك فضل جهود أستاذتي ومساعدتهم ايّاى وان كنت قد جانبت الاتقان فهذه حدود مقدرتي والله وليّ التوفيق .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 6 ـ

الرموز المستعملة في الرسالة
هـ : هجرية
م : ميلادية
ق : قسم
ج : جزء
لا . ت : بدون تاريخ
نفس المصدر :

فهرست الاشكال

الشكل المصدر
1 ـ من الشكل رقم (1) الى الشكل رقم (21) شعبة التصوير في المؤسسة العامة للاثار .
2 ـ من الشكل رقم (22) الى الشكل رقم (29) تصوير الطالبة

فهرست المخططات

المخطط المصدر
1 ـ مخطط تقريبي لمدينة البصرة القديمة (21) رسم الطالبة
2 ـ مخطط الابلة مصور من دائرة المصارف للبستاني جـ 2 : 274 .

فهرست الخرائط

الخارطة المصدر
1 ـ خارطة حركات خالد في العراق مصورة مجلة المجمع العلمي العراقي لسنة 1955 ، مجلد 3 الجزء (2) .
2 ـ خارطة حركات خالد بن الوليد في اطراف البصرة مصورة من مجلة المجمع العراقي لسنة 1955 مجلد 3 ص (2) .
3 ـ خارطة القصر الاول مصورة عن خارطة هيئة التنقيب والصيانة الاثرية في مدينة البصرة .
4 ـ خارطة القصر الثاني مصورة عن خارطة هيئة التنقيب والصيانة الاثرية في مدينة البصرة .
5 ـ خارطة القصر الثالث رسم الطالبة
6 ـ خارطة القصر الرابع رسم الطالبة
7 ـ خارطة القصر الخامس رسم الطالبة

تخطيط مدينة البصرة   ـ 7 ـ

الفصل الاول
تحرير جنوب العراق من الحكم الفارسي سنة 14 هـ
ضعفت الدولة البابلية عندما كان نبونيدس ملكاً عليها ، وفي الفترة نفسها ، أخذ الملك كورش الثاني السلطة من الملك الماذي ( استاجس ) واستطاع كورش ان يكون امبراطورية واسعة شملت آسيا الصغرى حتى بلغت تخوم الهند ، فقد تقدم كورش بجيشه نحو بابل وعندما علم نبونيدس لذلك اعدا جيشاً بقيادة ابنه بليشاصر لعبد جيش كورش حيث التقى الجيشان عند أوبس ( سلوقيه ) فقتل بليشاصر في المعركة ثم تقدم الجيش الفارسي في نفس المدينة نحو مدينة سبار وكان الجيش البابلي بقيادة كوبرباس الذي انحاز الى كورلن ، وبعدها تقدم الجيش الفارسي نحو مدينة بابل ودخلها في عام 539 ق . م (1) ، حيث تمكن كورش من احتلال بابل وبدأت السيطرة الاجنبية الفارسية (*) ، وعندما بدأت السيطرة

*************************************************
(1) Oinstead : History of Persian Enpire . London . 1959 . P . 35 ـ 37 .

كذلك باقر : طه ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، الطبعة الاولى 1973 ، ج 1 : 217 ، شريف ، ابراهيم ، الموقع الجغرافي للعراق واثره في تاريخه العام حتى الفتح الاسلامي ، ج 2 : 190 مطبعة شفيق ، بغداد . لا . ت .
(*) يروي هيرودتس حول دخول الجيش الفارسي الى بابل اذ جاء بها : ( ان الملك كوش جعل جيشه يجفف قاع نهر الفرات بتحويل مياه الى بحيرة او منخفض ينسبه الى اعمال الملكة ( سميرا ميس ) الاسطورية فسار الجيش في قاع النهر الجاف وباغت الى اهل المدينة التي بلغت سعتها درجة بحيث ان لما دخلها لم يعرف ذلك اهل الساكنون وسطها ) ، هيرودتس : الكتاب الاول 191 ، نقلاً عن طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة جـ 1 : 555 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 8 ـ

الفارسية توترت العلاقات بينهم وبين الاسكندر اليوناني (1) ، مما جدا بالاخير الى توجه حملته المشهورة على العراق وبقية الاقاليم التي بسط الفرس نفوذهم عليها (2) ، عندئذ بدأت فترة جديدة هي بداية السيطرة اليونانية على العراق سنة 331 ق . م .
  كما كانت للاسكندر طريقة في حكم امبراطورية الا وهي تقسيم الاقاليم التي احتلها بين قواده ، وبعد وفاة الاسكندر سنة 232 ق . م أصبح العراق من حصة قادته المسمى سلوقس ، الا ان الفترة السلوقية لم تدم طويلاً ( 312 ـ 135 ق . م ) (3) .
  بقي العراق خاضعاً للسلطة الفارسية حتى بداية الفتح الاسلامي ، اذ اتخذ الساسنيون مدينة طيسقون عاصمة لهم منذ عهد أنشروان بن قباذ ، ولاجل ان يثبتوا سلطانهم الاجنبي اقاموا المسالح لتصمد امام هجمات القبائل العربية والتي بدأ العرب بشنها للتخلص من الفرس .
  لم تستمر السيطرة الاجنبية الفارسية على العراق بل بدأت بوادر التحرير

*************************************************
(1) عن سبب توتر العلاقات بين الفرس والاسكندر ينظر :
الدينوري : الاخبار الاطوال : ص 30 ، الطبري : التاريخ جـ 1 : 572 .
(2) المسعودي : ابي الحسن علي بن الحسين بن علي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر ، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، الطبعة الرابعة ( مطبعة السعادة 1964 م ) جـ 1 : 318 ـ 319 ، اليعقوبي ، احمد بن جعفر بن وهب بن واضح : التاريخ ، بريل 1883 ، جـ 1 : 161 ، باقر : طاه : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة جـ 1 : 219 .
(3) كريستنسن : ايران في عهد الساسانيين ، ترجمة يحيى الخشاب ، القاهرة 1957 ، ص 82 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 9 ـ

تلوح في الافق اذا اخذت الاستعدادات الاولى لتحرير العراق من السيطرة الفارسية منذ عهد الخليفة الراشدي الاول ابي بكر الصديق ، فقد كان العرب يشنون الغارات بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني (*) وابي عبد بن مسعود الذي كان اغير على السواد في الوقت الذي كان فيه خالد بن الوليد منشغلاً في امر اليمامة (**) ، ويذكر ان المثنى بن حارثة كان يغير على السواد في رجال من قومه وكانت اخبار غاراته على هذا الاقليم ومناهضته للفرس وانتصارته عليهم تصل الى المدينة وكان الخليفة ابو بكر يتتبع بإنتظام اخبار هذا القائد العربي الذي دفعه شعوره القومي الى تحقيق انتصارات لقبيلة وللعرب

*************************************************
(*) المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعيد بن مرة بن ذهل ابن شيبان ينتمي الى بني شيبان ، ( ابن حزم ، ابن محمد علي بن احمد بن سعيد ، بن حزم الاندلسي : جمهرة انساب العرب ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار المعارف بمصر 1962 ، ص 324 ـ 325 ) ، قدم المثنى مع وفد من قومه الى الرسول ( ص ) فأسلموا على يده سنة 9 هـ ، كان شجاعاً قد لعب دوراً كبيراً في فتوح العراق سواء كان ذلك في خلافة ابي بكر وعمر بن الخطاب ، طلب من الخليفة ابو بكر ان يعهد اليه بمحاربة الفرس فكان درعاً حصيناً لجيش المسلمين الذي قاده خالد بن الوليد ثم خلفه على العراق عند مسيره الى الشام ، توفي سنة 14 هـ ولم يشهد معركة القادسية ، ( ابن حجر ، احمد بن علي : الاصابة في تمييز الصحابة القاهرة 1939 ، ص 22 ، ابن كثير ، ابو الفداء الحافظ ، البداية والنهاية الطبعة الثانية ، بيروت 1977 ، ج 7 : 49 ، ابن حزم : جمهرة انساب العرب ص 305 ، ابن العبري : غريغورس الملطلي ابو الفرج بن أهرون ، تاريخ مختصر الدول ، بيروت 890 م ، ص 171 ـ 172 ، أبن عبد البر ، يوسف بن عبد الله بن محمد : الاستيعاب في معرفة الاصحاب ، تحقيق : علي ممحمد البجاوي ، القاهرة 1960 ، جـ 4 : 1456 ـ 1457 .
(**) اليمامة مدينة نجد بينها وبين البحرين عشرة ايام ، اسمها القديم جوا ، اما اليمامة فنسبة الى أمرأة تسمى بهذا الاسم ، لعبت دوراً كبيراً في حروب الردة ، اذ ظهرت فيها مسيلمة الكذاب الذي قاتله خالد بن الوليد سنة 12 هـ في خلافته أبي بكر الصديق وانتصر عليه ( ياقوت : العجم : مجلد 5 : 442 ) .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 10 ـ

جميعاً ، فسأل الصحابة عنه فقيل له قيس بن عاصم بن سنان المنقري : ( هذا رجل غير خامل الذكر ولا مجهول النسب ولا ذيل العماد ، هذا المثنى بن حارثة الشيباني (1) ، ولا نستبعد ان يكون الخليفة ابا بكر قد اتصل بالمثنى بن حارثة وأيده في مواقفه القومية بدليل انه قدم على المدينة وقابل ابا بكر وقال له ( يا خليفة رسول الله : استعملني على ما اسلم من قومي أقاتل هذه الاعاجم من اهل فارس ) (2) ، فكتب له ابو بكر في ذلك عهداً ، فسار المثنى ثم نزل خفان (*) ، ودعوا قومه الى الاسلام الى قومه واسلموا ، وبادر ابو بكر بعد ذلك باريال اول حملة عسكرية اسلامية الى خارج شبه الجزيرة العربية لنصرة المثنى بن حارثة ، فكتب الى خالد بن الوليد الذي كان باليمامة يحارب اهل الردة يأمره بالمسير الى العراق ، وأقبل خالد حتى أن البصرة وكان فيها سويد بن قطبة السدوسي (**) ومعه جماعة

*************************************************
(1) البلاذرى ، احمد بن يحيى ، فتوح البلدان ، تحقيق عبد االله انيس الطباع ، بيروت 1958 م ، ص 337 ، الدينوري ، الاخبار الطوال ص 111 ، الطبري : التاريخ جـ 3 : 2 .
(3) البلاذري : الفتوح : ص 327 .
(*) خفان : موضوع قرب بالكوفة ، فوق القادسية ، ( ينظر : ياقوت ـ شهاب الدين ابو عبد الله الحموي الرومي ، معجم البلدان ، طهران 1965 جـ 2 : 379 ، كذلك :
( البغدادي ـ عبد المؤمن بن عبد الحق ، مراصد الاطلاع علي اسماء الامكنة والبقاع ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، الطبعة الاولة 1954 ، جـ 1 : 474 .
(*) سويد بن قطبة الذهلي جاء ذكره في البلاذري ( الفتوح ص 457 ) ، وقيل قطبة بن قتادة السدوسي ( الطبري : التاريخ جـ 3 : 593 ) ، وقيل قطبة بن جرير السدوسي ( ابن الاثير ـ عز الدين ابي الحسن علي بن ابي اكرم »»»

تخطيط مدينة البصرة   ـ 11 ـ

من قومه (1) ، فغزوا الابلة (*) .

*************************************************
»»» بن محمد : أسد الغابة في معرفة الصحابة ، طهران 1377 هـ جـ 4 : 206 ) .
وفد الرسول ( ص ) فاسلم على يده ، اشترك في فتوح العراق واستغلفه خالد بن الوليد على البصرة سنة 12 هـ وبقي فيها الى ان وفد عتبة بن غزوان بناء على طلب من الخليفة عمر بن الخطاب ، ( ابن الاثير ، اسد الغابة جـ 4 : 206 ) .
(1) البلاذري : الفتوح : ص 377 ، سالم ـ عبد العزيز ، دراسات في تاريخ العرب ( تاريخ الدولة العربية ) طبقة 1973 ، جـ 2 : 228 .
(*) الابلة :
ميناء على شط العرب واليها كانت ترسو السفن الوافدة من الهند ، وهي يوئذ اعظم موانيء العرب شأناً وأشدها شوكة ، كانت بلدة كبيرة شرقي البصرة ، وكانت تقوم على الضفة اليمنى لنهر دجلة وعلى الجانب الشمالي للقناة الكبيرة المعروفة بنهر الابلة ، ( دائرة المعارف الاسلامية جـ 1 : مادة الابلة ) ، ومكان الابلة يبعد عن موضع البصرة ( ولم تكن البصرة قد اختطت بعد ) حوالي اربع فراسخ ، ( ينظر قدامة بن جعفر : نبذة من كتاب الخراج وصنعة الكتاب ، ليدن 1889 م ص 194 ) ، وعلى ركن الابلة في نهرها خور عظيم الخطر وربما سلمت السفن من سائر الاماكن في البحر وفرقت في هذا الخور يعرف بخور الابلة ( الاسطخري : ابن اسحق ابراهيم بن محمد الفارسي ـ المسالك والممالك ـ 1961 ، ص 57 ) .
وقال خالد بن صفوان يصف الابلة ( ما رأينا ارضاً مثل الابلة اقرب مسافة ولا اطيب نطفة ( النطفة الماء الصافي او الكثير ) ولا أوطأ مطية ولا اربح لتاجر ولا اخفى لعابد ) ، ينظر : الجاحظ : ابو عثمان عمر بن بحر : البيان والتبيين ، بيروت دار المشرق ( 1968 ) ، الطبعة الثانية ـ جـ 2 : 297 ، ويذهب ابن خرداذبة ابي القاسم عبيد الله : المسالك والممالك ، بريل 1889 ، ص 7 ، الى ان الابلة درست ميسان ( درست وهي فارسية الاصل بمعنى الحصراء ، ينظر البستاني عبد الله ، البستان ، المطبعة الامريكانية ، بيروت 1927 ، المجد الاول ص 776 ) اوبهمن اردشير كما في الطبري ، ولكن دائرة المعارف الاسلامية تذكر ان هاتين الولايتين يجب ان يلتمس موضعها على الضفة المقابلة لدجلة وهي من اثناء اردشير الاول ، جـ 1 : مادة الابلة .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 12 ـ

(1) دخول خالد بن الوليد الى العراق
  تختلف النصوص التاريخية العربية في تحديد الطريق الذي سلكه خالد بن الوليد عند دخوله الى العراق ، اذ ان بعضها يشير الى توجه مباشرة من اليمامة الى منطقة جنوبي العراق (1) ، بينما تذكر النصوص التاريخية الاخرى ان خالد توجه الى المدينة بعد اليمامة .
  اذ يروي البلاذري ان ابا بكر كتب الى خالد بن الوليد يأمر بالمسير الى العراق ويقال ، بل وجه من المدينة وأقبل خالد حتى أتى الى البصرة ، ورواية اخرى تنسب الى ليزيد بن نبيشة العامري انه قال : قدمنا العراق مع خالد بن الوليد فأنتهينا الى مسلحة العذيب ثم اتينا الحيرة ، وقد تحصن اهلها

*************************************************
(1) البلاذري : فتوح البلدان ، ص 242 ، الطبري : التاريخ ، جـ 2 : 551 ، وردت فيه عدت روايات يشير الى بعضها توجه خالد في اليمامة الى الابلة بينما جاء في البعض الا الآخر منها بتوجه خالد الى المدينة ثم سيرة الى الحيرة عن طريق فيد والثعلبة ، الذهبي محمد بن احمد بن عثمان تاريخ الاسلام وطبقات المشاهير والاعلام ، القاهرة 1368 هـ ، جـ 2 ص 364 ، ابن خلدون : عبد الرحمن بن محمد : العبر وديوان المبتدأ والخبر ـ بيروت 1958 ـ 1961 ، مجلد 2 : 877 .
(2) اليعقوبي : التاريخ : جـ 1 : 106 ، الطبري : التاريخ جـ 2 : 511 : ياقوت : المعجم : جـ 4 : 282 ، ابن العبري : تاريخ مختصر الدول ، ص 171 ـ 172 ، كذلك : كيتاني : حوليات الاسلام :
Caetani : Annalan . Dol Eslan . Vol . 2 P . 99 llilan 1904
.

تخطيط مدينة البصرة   ـ 13 ـ

في القصر الابيض (1) ، كما روى ابا بكر كتب الى المثنى يأمره بأن ينظم الى خالد فقيم معه اذا اقام ويشخص اذا شخص فلما نزل خالد النباح لقية المثنى بما واقبل خالد حتى اتى الى البصرة .
  ويبدو من رواية البلاذري عندما قدم الى البصرة كان عليها رجل من بكر بن وائل (2) ، ونعتقد ان هذا الرجل قد المعني قد يكون قطبة بن قتادة التي تشير بعض النصوص التاريخية بأن كان يحارب الفرس في منطقة البصرة اذ كان يغير في ناحية الخريبة (*) على اطراف البصرة ، والذي انضم اليه مذعور بن عدي العجني وبذلك اصبح الجيش العربي الاسلامي يتألف من ثلاث قبائل وهي :

1 ـ قبيلة بني شيبان : رئيسها المثنى بن حارثة الشيباني .
2 ـ قبيلة بني ذهل : رئيسها قطبة بن قتادة .
3 ـ قبيلة بني عجيل : رئيسها مذعور بن عدي العجني .

  يذكر الواقدي ان خالد دخل العراق عن الطريق اليمامة ، ويذكر ان خالد رجع من اليمامة وقدم المدينة سار الى العراق عن طريق الكوفة حتى انتهى الى الحيرة (1) ، يتضح لنا من هذا ان خالد دخل الى العراق لمساعدة المثنى بن حارثة الشيباني الذي كان يناوش الفرس فسلك طريق الابلة ثم صعد شمالاً حتى انتهى الى الانبار ، ومن والطبيعي ان يسلك خالد هذا الطريق لان الابلة

*************************************************
(1) الفتوح : ص 196 ، 242 ـ 245 .
(2) نفس المصدر السابق ½ 337 .
(*) الخريبة مدينة فارسية قديمة وتسمى وهشتاباذا اردشير ، خربها المثنى بغاراته فلما نزل الحرب البصرة سموها الخريبة ، ( ياقوت : العجم : جـ 2 : 363 ، وقيل عن الخريبة انها تصغير خربة ، وسمي كذلك لان المرزبان بنى فيها قصراُ .
(3) الطبري : التاريخ جـ 2 : التاريخ جـ 2 : 551 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 14 ـ

هي المنطقة الاقرب الى اليمامة ، أما بخصوص الرأي الثاني الذي يشير الى دخول خالد الى العراق عن طريق الحيرة لملاقاة الفرس في ارض العراقية لان الحيرة عاصمة والمعروف ان الجيوش الغازية الى تتجه الى مراكز الدول .
  ويروي الشعير ان ابا بكر كتب خالد بن الوليد بعد فراقه من من امر اليمامة : ان سر الى العراق حتى تدخلها وأبد بفرج الهند وهي الابلة (1) ، ومن هذا نستنتج ان الخليفة يؤكد على اهمية مدينة الابلة واستناداً الى هذه الرواية نستنتج ايضاً ان الابلة اول منطقة تم تحريرها في العراق .
  ويروي الطبري ان ابا بكر امر خالد بن الوليد بالتوجه الى الكوفة ، حيث كان المثنى بن حارثة هناك ، فسار في المحرم من سنة اثنتي عشر للهجرة ، وجعل طريقة البصرة (2) ، ويذكر ان اسحاق (3) ، ان الخليفة ابا بكر كتب الى خالد يأمره بأن يسير الى العراق ، فمضى خالد يريد العراق حتى نزل برقيات من السواد يقال لها بانقيا (*) وباروسما ، (**) واليس (***) .

*************************************************
(1) الطبري : المصدر السابق : جـ 2 : 551 .
(2) التاريخ : جـ 2 : 501 .
(3) الطبري : التاريخ جـ 2 : 551 .
(*) بانقيا : ناحية من نواحي الكوفة كانت على شاطىء الفرات ، البغدادي : المصدر السابق جـ 1 : 158 ) .
(**) باروّسما : ناحيتان من سواد بغداد ، يقال لها باروّسما الاعلى وبارّوسما الاسفل ، ( ينظر البغدادي : المصدر السابق جـ 1 : 151 ـ 152 ) .
(***) اليس : الموقع الذي فيه الوقعة بين المسلمين والفرس من ارض العراق في ناحية البادية ، وهي قرية من قرى الانبار ، ( البغدادي ، المصدر السابق : جـ 1 : 113 ) .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 15 ـ

  وهناك رواية للطبري جاء فيها ان ابا بكر كتب الى خالد وهو : باليمامة ان يسير الى الشام وأمره ان يبدأ بالعراق فيمر بها (1) ، فأقبل خالد منها يسير حتى نزل النباج (*) نستنتج من هذه الرواية ان خالد مكث مدة قصيرة في النباج وكان الفرس مرابضيين في الابلة بقيادة هرمز في الوقت الذي كان فيه المثنى في خفان حيث لبى طلب خالد وجاء الى النباج كما اشارت الى ذلك بعض الروايات ، ثم توجه خالد الى كاظمة (**) والتي تقع في منتهى الخليج العربي

*************************************************
(1) الطبري : التاريخ جـ 2 : 553 .
(*) النباج : قرية في بادية البصرة في منتصف الطريق بين البصرة الى مكة ، وهناك نباج آخر بين البصرة واليمامة بينه وبين اليمامة عنان البكر بن وائل والغب مسيرة يوميين ، ( ياقوت ، المعجم جـ 5 : 255 ) .
ويعتقد بأن النباج الاول هو المقصود به هنا ، انظر ، طريق البصرة ـ مكة المكرمة ـ ابن رسته : احمد بن عمر النفيسة ، ليدن 1891 م ، ص 180 ) .
وثبت مرسل في خارطة التي وضعها في سياحاته في بادية الشام وشمالي نجد موضع النباج بأسم ( النبجة ) ، والنباج هذا يقع الى جنوبي شرق فيد على بعد عشرين ومائتين كيلو متر ، والقادم من اليمامة اذا كانت وجهة ارض البصرة لا بد له ان يمر بالنباج ، وكذلك القادم من مكة الى البصرة يمر بها بعد ان يمر ببريده ، ( انظر الهاشمي ـ طه ـ ( خالد بن الوليد في العراق ، مجلة المجمع العلمي العراقي 1945 جـ 1 ، مجلد 3 ، ص 71 ) .
(**) كاظمة : على ساحل الخليج العربي الطريق من البصرة الى البحرين بينها وبين البصرة مرحلتان وفيها ركاباً كثيرة وماءها مشروب .
( ياقوت : المعجم جـ 3 : 243 ) .
ويذكر كل من ابن خرداذبة في المسالك والممالك ص 151 ، وقدامة بن جعفر في كتابه الخراج وصنعه الكتاب 193 ، بأن كاظمة على الطريق من البصرة الى اليمامة وجعل بين البصرة وبين كاظمة منزلاً ، واستناداً الى هذا فهي على طريق من الابلة الى جزيرة العرب قبل ان تفترق شعبة منه الى البحرين واخرى الى اليمامة .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 16 ـ

تم عرج على الابلة وبعدها سار الى الخريبة .
  وقال سيف بن عمر ان ابا بكر كتب الى خالد : ( ان فتح الله عليك فعارق حتى تلقى عياضاً ) (1) ، كما يروي المغيرة بن عتبة : ان ابا بكر امر خالد على حرب اهل العراق وان يدخلها من اسفلها والى عياض أن يدخلها من اعلاها ثم يستبقا الى الحيرة (2) ، ويروي المغيرة لما قدم خالد الابلة فرق جنده الى ثلاث فرق ولم يحملهم على طريق واحد وكان على مقدمته المثنى بن حارثة وبعدة عدي بن حاتم (*) وجاء خالد بعدها وواعدهما جميعاً بالحفير (**) ، وهو من اقوى مناطق الفرس شأناً وأشدها شوكة وكان صاحبها ( هرمز ) من ابرز قادة الفرس يحارب العرب براً وبحراً ، وبعد ذلك قال : لما اتى الخبر خالداً بأن هرمز في الحفير (3) ، آمال الناس الى كاظمة .

*************************************************
(1) الطبري : التاريخ جـ 2 . 553 .
(2) المصدر السابق : جـ 2 ـ 554 .
(*) عدي بن حاتم : احد بني ثعل ويكنى ابا طريف نزل الكوفة وله دار فيها شارك مع علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) في الجمل وصفين ، توفي في الكوفة سنة 68 هـ ، ( ابن سعد : محمد ، الطبقات الكبرى ، بيروت 1958 ) جـ 2 : 13 .
(**) الحفير : موضع بين مكة والبصرة ، وهو اول منزل لمن يريد الذهاب الى مكة ، ( ياقوت ـ المعجم ـ جـ 2 : 276 ) ، وكانت الحفير انسب مكان لملتقى الجيش وذلك بسبب غزارة مياه اولاً ، ولابعاد الفرس عن مسالحهم فيكونوا في قلب البادية .
وقال ابن خرداذبة من البصرة المنجشافية ـ ثم الى الحفير ثم الى الرحيل ، ( المسالك والممالك ، ص 146 ) .
(3) الطبري : التاريخ جـ 2 : 554 ـ 555 ابن الاثير : الكامل في التاريخ ، بيروت 1965 ، جـ 2 : 148 ، ابن كثير ، البداية والنهاية في التاريخ ، جـ 6 : 344 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 17 ـ

  كان لا بد لخالد من النزول في موضع قبل المسير الى الابلة لاصدار التعليمات لجيشه وكذلك الاطلاع على الاجراءات المتخذة من جانب الفرس الذي سوف يطلعه عليها المثنى ، اما سبب تقسيم الجيش على هذا النحو ( ثلاث فرق ) باعتبار ان ذلك اول نزال على مستوى جيوش منظمة بين المسلمين والفرس ، ان كانت النزالات التي قبلها تأخذ شكل غارات غير منظمة لذلك رأى خالد ان يقف على استعدادات الفرس ، واعتقد ان الفرس سوف يباغتون المسلمين اثناء تقدمهم الى الابلة ، وقد صح هذا الاعتقاد عندما فاجأهم الجيش الفارسي في الكاظمة ، وهناك من يقول ان جيشاً بهذه الضخامة يكون من الصعوبة ان يسعه الطريق الصحراوي الطويل (1) ، ومن المحتل ان يكون هذا تضليلاً للعدو حول ضخامة الجيش الذي اعده خالد ليوهمهم انه قصد قتاله بجيش ضئيل هزيل ، وان اختيار الحفير بالذات لغزارة مياهها ولابعاد الفرس عن مسالحهم فيكون في قلب البادية (2) .
  وقيل لما قدم خالد بن الوليد من اليمامة التقى بالخليفة ابي بكر وأقام اياماً بالمدينة ، ثم قال له ابو بكر : تهيأ حتى تخرج الى العراق ، فوجه ابا بكر الى العراق فخرج في الفين ومعه بعض الاتباع فمر بفيد فخرج معه خمسمائة فأنتهى الى شراف (*) ، واصبح عدد الجند الذين معه

*************************************************
(1) كمان : احمد عادل ، الطريق الى المدائن ، بيروت 1972 ، ص 216 .
(2) الهاشمي : طه : خالد بن الوليد في العراق .
مجلة المجمع العلمي العراقي 1955 ، مجلد 3 ، جـ 2 ، ص 243 .
(*) شراف : بين واقصة والقرعاء على ثمانية اميال من الاحساء التي لبني وهب ، ومن شراف الى واقصة ميلان ، وفي شراف ثلاث آبار كبار وماءوها عذب كير وبها قلب كثيرة طبية ، ( ياقوت : المعجم ، جـ 3 : 331 ) .

تخطيط ا مدينة لبصرة   ـ 18 ـ

خمسة الاف حين (1) وصل الى المغيثة (*) .
   ويشير اليعقوبي ان مسير خالد كان بصحبة المثنى وانهما سارا حتى بانقيا (2) ، ويقدم لنا ابن الاثير تاريخة هذه المسيرة فيذكر انها تمت في المحرم من السنة الثانية عشر للهجرة (3) .
  اما ابن العبري فقد ذكر ان مسير خالد كان الى الحيرة وانه فتحها صلحاً (4) وفصل الذهبي رواية ابن اسحاق فذكر ان خالداً سار بمن متعه من اليمامة الى ارض البصرة ، فغزا الابلة وفتحها ودخل ميسان ثم سار نحو السواد (5) ، ويذكر ان سويد بن قطبة السدوسي كان في ناحية الخريبة من البصرة يغير على العجم كما كان المثنى بن حارثة يغير بناحية الحيرة ، فلما قدم خالد البصرة من اليمامة مجتازاً الى الكوفة اثنتي عشر اعانه على حرب من هناك وخلف سويدا (6) .

*************************************************
(1) قدامة بن جعفر : نبذة من كتاب الخراج وصنعة الكتابة ، ص 169 .
(*) المغيثة : منزل في طريق مكة بعد العذيب نحو مكة وكانت اولاً مدينة خريت ، وهي لبني نبهان ، وقيل بينها وبين القرعاء اثنان وثلاثون ميلاً وبينهما وبين القادسية اربعة وعشرون ميلاً ، ياقوت : المعجم : جـ 5 : 126 ـ 136 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ، جـ 1 : 109 .
(3) ابن الاثير : الكامل في التاريخ جـ 2 : 147 .
(4) ابن العبري : تاريخ مختصر الدول ، ص 171 ـ 172 .
(5) الذهبي : تاريخ الاسلام وطبقات المشاهير والاعلام ، جـ 1 : 364 .
(6) ياقوت : المعجم ، جـ 1 : 431 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 19 ـ

  ويقول الواقدي قدم خالد المدينة ثم سار الى العراق عن طريق فيد (*) والثعلبية (**) ، فالواقدي ينكر مسير خالد بن الوليد الى العراق مباشرة من اليمامة ماراً بمدينة الابلة ، ومعنى هذا انه لا صحة لديه بفتح الابلة على يد خالد بن الوليد ، ويرى خالد سار الى الحيرة دون أن يمر بأرض البصرة .
  ويؤيد رأى الواقدي المستشرق كيتاني في حولياته ، فيرى ان خالداً ذهب مباشرة من النباج الى الحيرة دون ان يمر بمدينة الابلة ، وان الهجوم الذي شن عليها سنة 12 هـ لا يتعدى غارات كانت تشنها بكر بن وائل التي كانت تشكل معظم جيش خالد (2) .
  ويشير ابن خلدون : لما فرغ خالد من امر اليمامة بعث اليه الخليفة ابو بكر في سنة اثنتي عشر يأمر بالمسير الى العراق وان يدخل مدينة

*************************************************
(*) فيد : بليدة عامرة في منتصف الطريق بين مكة والكوفة ، يودع الحجاج امتعتهم عند اهلها ويسترجعونها عند عودتهم وهو خير منزل للحجاج في هذا الطريق الصحراوي ، ( ياقوت : المعجم جـ 4 ـ 282 ) .
(**) الثعلبية : في منازل طريق مكة من الكوفة ، وهي على الثلث من هذا الطريق سميت بهذا الاسم اما بنسبة الى ثعلبة بن عمرو بن مزيقاء بن عامر بن ماء السماء ، اذ لما تفرقت ازد مأرب في هذا الموضع ، وقيل بل سميت نسبة الى ثعلبة بن دودان بن اسد بن خزيمة وهو اول من حفرها ( ياقوت : المعجم جـ 2 : 78 ) .
(1) البلاذري : الفتوح ـ ص 475 ، ابن كثير : البداية والنهاية جـ 6 : 343 .
(2) نقلا عن :
Musil : Alois :
The Middle Euphrates . New York . 1927 P . 286

تخطيط مدينة البصرة   ـ 20 ـ

الابلة فسار من اليمامة وذكر ايضاً : قدم على ابي بكر ثم سار من المدينة وانتهى الى قريات السواد وهي بانقيا وباروّسما وصحابها جايان بن صلوبا نصالحهم على عشرة الاف ثم سار بعدها خالد الى الحيرة (1) .
  ويبدوا لنا انه من المنطقي ان تكون مسيرة خالد بن الوليد من اليمامة بعد انجازه حرب الردة مباشرة الى جنوب العراق ، ويبدوا ان النصوص التي تشير الى توجهه نحو المدينة غير مقنعة ، بالاضافة الى هذا نرى ان النباج اقرب الى مدينة الابلة من فيد ثم ان الابلة تقع الى الجنوب من فيد بمسافة تقدر حوالي 200 كم فلا بد من المسافر من النباج ان يمر بالابلة قبل ان يمر في بفيد (2) ، كما نرى ان طريق النباج يؤدي الى البصرة وليس الى الحيرة اما اذا اريد الذهاب من النباج الى الحيرة فيلزم مسير اكثر من 300 كم (3) .
  وبما ان الجيوش عادة تسلك الطريق الاقصر الذي يوصلها الى هدفها فلا بد ان يسير خالد من النباج الى الابلة ، كما يبدوا لنا ليس من المعقول ان يمر خالد بن الوليد جنوب العراق ولا يدخل مدينة الابلة رغم علمه بحصانتها واهميتها لبلاد فارس بحيث كانت تشكل خطراً على الجيش الاسلامي وليس هناك من سبب يدعوه الى عدم فتحها ولا سيما انه اشتبك مع صاحبها

*************************************************
(1) العبر وديوان المبتدأ والخبر : مجلد 2 : 877 .
(2) Musil . op Cit . 286 ـ 192 .

(3) انظر : طريق البصرة ـ مكة في ابن رستة : الاعلاق النفيسة ص 184 ، المقدسي : البشاري : احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم ، ليدن 1906 ص 19 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 21 ـ

( هرمز ) في كاظمة وانتصر عليه .
  ونستشف من الخطة المحكمة التي وضعها الخليفة ابو بكر لتحرير العراق ، وطلبة من خالد بن الوليد المسير الى جنوب العراق فبدأ بالابلة ، اضافة الى الخطط العسكرية التي وضعها خالد في تقسيم الجيش الى ثلاث فرق ، نستشف من كل ذلك بأنه كان هناك ترتيب مسبق في المدينة المنورة قبل ان يتوجه خالد الى تحرير العراق ، وهكذا فإن تحرير الابلة كان او تحرير يقوم خالد لاراضِ عراقية ، لان قوات المثنى بن حارثة كانت تقاتل في تلك المنطقة وهي القوة الرئيسية التي تقاتل في العراق ، ولان قوات خالد الاصلية في اليمامة وهي اقرب الى منطقة البصرة ، ولان ابا بكراً أمر خالداً أن يبدأ بالابلة وامر عياض غنم ان يبدأ ( بالمصيخ ) اي ان خالداً يهاجم العراق من جنوبه وان عياضاً يهاجم من شماله (1) ، وهذا قرار اقرب الى الصحة من الناحية العسكرية وذلك لتفريق قوات العدو من جهة ولتقليل الفرس عن امكان التعرض الرئيسي لقوات المسلمين من جهة اخرى .

*************************************************
(1) الطبري : التاريخ جـ 2 : ص 553 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 22 ـ

تخطيط مدينة البصرة   ـ 23 ـ

(2) الطريق الذي سلكه خالد بن الوليد عند دخوله العراق
  بعد ان نزل خالد في النباج ، حسبما ذكرته المصادر التاريخية كان معه من رافقه من اليمامة بالاضافة الى الذين انضموا اليه من اهل النباج في الوقت الذي كان فيه سويد في اطراف البصرة ما كان مذعور بن عدي متهيأ للانضمام لجيش خالد (1) ، اما جند الفرس في الابلة فكانو بقيادة هرمز والمرابطون من رجاله في مسلحتي كاظمة والخريبة ووصل امر الخليفة ابي بكر الى خالد يأمره ان يبدأ بتحرير الابلة ، ويحتمل ان قبيلة بكر بن وائل كانت تغزوا المواضع التي تخرج منها القوافل التجارية ( الابلة ) والمتوجه الى الجنوب والجنوب الغربي والى الغرب ، ويحتمل ان خالداً بقي في النباج منتظراً أوامر الخليفة للتوجه الى مكان الذي يأمره بتحريره ، وبعد ذلك سار في النباج الى الابلة ، واطلع على المنافذ التي من خلالها كان بكر بن وائل يحارب القرى الفارسية والمسالح (3) .

*************************************************
(1) الهاشمي ـ طه ـ المصدر السابق ، مجلد 3 ، جـ 2 ، 241 ـ 242 .
(2) Musil : op . oit . 223 . 292 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 24 ـ

(3) التحرير العربي الاسلامي الاول للابلة سنة 17 هـ
  للابلة اهمية خاصة من النواحي العسكرية والجغرافية ، فمن الناحية العسكرية تمثل اول حد بين العرب والفرس وان فتحها يفسح المجال لتوغل الجيش الاسلامي لتحرير مدن اخرى كالحيرة مثلا وتسهل التوغل في السواد ، وفي الوقت نفسه تمثل مدخلاً للسفن التجارية الى دجلة والفرات (1) ، وان موقع الابلة غرب دجلة يفسح المجال للدخول اليها لعدم وجود الحواجز الجغرافية التي تحميها (2) ، اضافة الى ذلك الضعف الذي كان يعانيه الفرس بسبب ظروف خارجية او داخلية فالحروب المستمرة التي وقعت بينهم وبين البيزنطيين اضعفتهم الى درجة كبيرة (3) ، فانعكس هذا الضعف على احوالهم الداخلية ، ويجعل الثعالبي لذا اوضاع فارس الداخلية عند ظهور الاسلام بقوله : ( . . . دولة العجم لم يبق منها الا رمق والاهواء مختلفة والجماعات متفرقة والامور منحلة ودولة العرب بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مقبل ونور الاسلام ساطع ) (4) ، ومما سهل وشجع المسلمين في اقتحام الابلة والخريبة هي المناوشات التي كانت تقوم بها بعض القبائل العربية (5) .
  ونتيجة للحروب التي قامت بين بكر بن وائل والفرس دفعت المثنى بن حارثة

*************************************************
(1) كمال ـ احمد عادل : الطريق الى المدائن ص 226 .
(2) الهاشمي ـ طه : مجلة المجمع العلمي العراقي 1954 ـ مجلد 3 ، جـ 1 ، ص 84 ، ( خالد بن الوليد في العراق ) .
(3) ادى شير : تاريخ كلد وآشور ، بيروت 1912 ـ 1913 ، جـ 2 : 252 .
(4) الثعالبي : عبد الملك بن محمد بن اسماعيل : تأريخ غرر اخبار ملوك الفرس وسيرهم ، طهران 1963 ، ص 377 ـ 378 .
(5) البلاذري : الفتوح ، ص 475 ، الدينوري : الاخبار الطوال ص 111 ، الطبري : التاريخ جـ 3 : 593 ، ابن اعثم : احمد : الفتوح ، ص 475 ، حيدر اباد 1968