التسلسل
اسم النهر القديم
اسم النهر الحالي وموقعه
المسافة بين النهرين المتتالين حسب قول بن سرابيون ( كيلو متر )
المسافة بالتقريب بين الموقعين في الوقت الحاضر ( كيلو متر )
1
نهر ابي الاسد
مصب الفرات في دجلة بالقرنة
( 12 فرسخ ) 12 كيلو
12
2
نهر المرأة
منتصف المسافة بين قريتي الشافي والجلعة على طريق بصرة ـ قرنة
( 3 فرسخ ) 18 كيلو متر
15
3
ـ
عند قرية الدير الحالية طريق بصرة ـ قرنة
(6 فرسخ ) 36 كيلو متر
25
4
بثق شيرين
نهر عدي
قرية المعيدي
طريق بصرة قرنة
2 فرسخ 12 كيلو متر
12
5
نهر المعقل
أما منطقة نصب الحرية على شط العرب في المعقل أو عند الرصيف رقم ( 4 ) بالمعقل
( 4 فراسخ) 24 كيلو
6
6
نهر الأبلة
نهر العشار
( 4 فراسخ) 22 كيلو متر
½ 11
7
نهر اليهودي
نهر اليهودي
ـ
ـ
8
نهر أبي الخصيب
نهر أبي الخصيب
( 1 فرسخ ) 6 كيلو مترات
½ 6
9
نهر الأمير
نهر أبي فلوس
( 1 فرسخ ) 6 كيلو مترات
¼ 6
10
نهر القندل
نهر الجندل
( 2 فرسخ ) 12 كيلو متر
¾ 8

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 104 ـ

أ ـ قال إبن بطوطة إن قبر سهل بن عبد الله التستري يقع داخل السور القديم لمدينة البصرة القديمة وهي بينها وبين البلد نحو ثلاثة أميال ( أي ستة كيلو مترات ) ثم اورد إبن بطوطة أيضاً أنه بين البصرة والأبلة يقع متعبد سهل بن عبد الله التستري وقال أن بين البصرة والابلة عشرة أميال ( عشرين كيلو متراً ) أي أن المتعبد يقع ضمن هذه المسافة إذا أخذنا بالإحتمال إن قبر سهل بن عبد الله التستري هو نفسه متعبده أو أخذنا الإحتمال الثاني بإن قبر سهل بن عبد الله التستري هو في غير موقع متعبده ففي كلتا الحالتين فإنه لا شك إن قبر سهل يقع في مدينة البصرة القديمة ( قرب الزبير الحالية ) وإن متعبده في حالة عدم كونه هو نفسه قبره لا يمكن أن يقع على شط العرب جنوب ابي الخصيب إذ أن الموقع المعروف الآن بإسم مقام سهل يقع في قرية المطوعة ( بين سبحان وكوت الزين ) وهي تقع على بعد حوال خمسة وأربعين كيلو متراً عن البصرة القديمة .
 ب ـ إن أهالي المنطقة الواقعة قرب ( مقام سهل ) حالياً في قرية المطوعة يقول بعضهم إن هذا المحل هو مكان عبور احد قادة جيش الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في طريقه إلى البصرة من الأحواز لإشتراك في معركة الجمل وإن إسم القائد كان سهل بن الفضل ( كذا ) ويقولون أن أثار خيامه لا تزال تشاهد هناك في فصل الشتاء عند المطر إنني لم أجد بين اسماء من إشتركوا بمعركة الجمل شخصاً بهذا الإسم غير إنه كان يوجد شخص من الصحابة بإسم سهل بن حنيف الأنصاري ( يقول إبن سعد في الطبقات الكبرى ـ ج 6 ـ ص 15 ( أنه سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم من الأوس ويكنى أبا عدي شهد بدراً وكان علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) عنه حين خرج من المدينة وولاه المدينة ثم كتب إليه أن يلحق به فلحق به ولم يزل معه وشهد صفين ثم رجع إلى الكوفة فلم يزل بها حتى مات سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) وكبر عليه ستاً وقال إنه من اهل بدر ثم يذكر إبن سعد أيضاً في ج 3 ـ ص 471 في الطبقات الكبرى معلومات أخرى عنه ) وإنني أستبعد إحتمال كون مقام سهل هذا لسهل بن حنيف إذ انه مات بالكوفة وقد قضى فترة قصيرة جداً في البصرة أيام معركة الجمل ، وهناك إحتمال

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 105 ـ

آخر بإن المقام هذا منسوب إلى سهل بن عبد الله السرخسي وهو أبو الفضل سهل والحسن بن سهل وزيري المأمون فإذا علمنا أن منطقة سيحان كانت للبرامكة وسيحان منطقة مجاورة للمطوعة وكان سهل هذا له علاقة وثيقة بالبرامكة وكان قد أسلم على يد المهدي فهناك إحتمال ولو قليل بهذا التفسير وإنني أستبعده أيضاً لعدم وجود علاقة وثيقة له بالمنطقة وهناك إحتمال ثالث فقد بين إبن خلكان في وفيات الأعيان ( ج 2 ـ ص 150 ) قال إن سهل بن عبد الله التستري ( هو ابو محمد سهل بن بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن رفيع التستري الصالح المشهور ـ ولد 200 هـ وقيل 201 هـ وتوفي 283 وقيل 273 هـ ) ( سكن البصرة زماناً وعبادان مدة ) فإذا علمنا إن المسافة بين مقام سهل وعبادان هي حوالي عشرة كيلو مترات فقد يكون إذاً إن مقام سهل هذا هو حيث يتعبد سهل بن عبد الله التستري قرب عبادان خاصة أن متعبده في البصرة كان خارج مدينة البصرة في الطريق إلى الأبلة وكذلك قد يكون الحال بإن متعبده في عبادان كان خارج هذه البلداة في الطريق إلى الأبلة أيضاً وأعتقد أن هذا التفسير هو الأرجح أي أنه كان لسهل بن عبد الله التستري قبر في موقع ما في مدينة البصرة القديمة وكان له متعبد يقع بين البصرة والأبلة ضمن مسافة لا تزيد عن ( 20 ) كيلو متراً عن البصرة القديمة وكان له مقام يتعبد فيه قرب المطوعة قريباً من عبادان وهو المحل المعروف الآن بمقام سهل على شط العرب قرب المطوعة جنوب ابي الخصيب .
   إن القول بأن جزيرة الابلة مستطيلة فهذا امر تقريبي إذ أن المسح الطبوغرافي لم يكن معروفاً في العصر العباسي والخرائط المرسومة في ذلك الوقت لم تكن تتوفر فيها الدقة الموجودة في عصرنا الحاضر فلو نظرنا مثلاً لخريطة إبن حوقل للعراق أو لخرائطه الأخرى التي تبين المنطقة لوجدنا بعض الصعوبة في تتبعها رغم أنها تعطي الخطوط العامة للمنطقة فيصف إبن حوقل خريطته لصورة خوزستان ( كذا ) فيقول :

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 106 ـ

  ( ثم تتشعب من أعلى النهر ( أي دجلة ) شعبة كتب عنها نهر معقل يمر على خط مدور بمدينة البصرة إلى أن تصب في البحر عند عبادان في مصب دجلة ويأخذ من حذاء البصرة نهر الابلة الذي ينتهي إلى عمود دجلة عند مدينة الابلة المشكلة من جانبيه وتجاه الابلة على دجلة مدينة بيان ثم عند مصبها سليمانان ) .
   إن هذا الوصف للمنطقة لا يتطابق في عدد من تفاصيله مع الواقع فقوله أن نهر معقل يمر بخط مدور بمدينة البصرة يختلف مع قول المؤرخين الآخرين بإن نهر معقل يجري إلى الغرب بخط مستقيم ثم ينعطف بقوس دائرة إلى مدينة البصرة ثم قوله أن إتجاه الأبلة على دجلة مدينة بيان بينما يقول المؤرخون أن ( بيان ) تقع على بعد خمسة فراسخ من الأبلة أزاءها على دجلة .
   وإضافة لما جاء أعلاه فإن كلمة المستطيل كان يقصد منها في كثير من الاحيان الشكل الرباعي وهو الذي يتكون من أربعة أضلاع لا يشترط أن تكون أي زاوية فيها قائمة ولا يشترط فيه تساوي أضلاعه أو حتى بعضها وهذا هو الحال بالنسبة لجزيرة الأبلة فهي مكونة من شكل رباعي وليس بمستطيل فيصبح القياس عليها كمستطيل غير صحيح .
  إن موضع العثور على آثار مدينة قديمة في العشار أمر ممكن وأقول بهذه المناسبة أن جانبي شارع الكويت الجديد والذي يخترق محله مقام علي القديمة في العشار والخالي حالياً محل مناسب للتنقيب فيه فهذه الدور التي تقع على جانبي الشارع مبنية على طبقات قديمة من الدور وهو يماثل بشكله دور محلة الفضل على شارع الجمهورية في بغداد فالمنظر متماثل ومن يمر بالمنطقتين يلاحظ الشبه الكبير بينهما وأود الإشارة أيضاً بهذه المناسبة إلى أن من يدرس منطقة البصرة يلاحظ أن المحل الوحيد المرتفع جداً بشكل ملحوظ يصل احياناً إلى ستة أمتار فوق مستوى الأرض الطبيعية إضافة إلى كونها ذات مساحات كبيرة هي العشار ولا يوجد مثيل لها في أية منطقة مما يدل على وجود مدينة قديمة تحت العشار الحالية .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 107 ـ

  أما عن إسم العشار فقد بينا أنه يعود الى حوالي الف ومائتي عام وليس إلى مائتي أو إلى مائة وثمانين سنة كما قيل .
   إن القول في ان نهر الخورة هو نهر الابلة لا يستند إلى ادلة قاطعة ولا تتوفر الشواهد اللأزمة للتوصل إلى هذا الاستنتاج .

موقع العشار
   لقد رأينا شواهد وأدلة عديدة تشير إلى ان موقع مدينة الابلة هي العشار الحالية وعليه فبالتالي فإن منبع نهر الابلة على دجلة العوراء وأورد فيما يلي هذه الشواهد والأدلة :
 1 ـ ما قاله أبو داود في سننه ( ولد سنة 202 هـ قدم بغداد مراراً ثم نزل إلى البصرة وسكنها وتوفي بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى ) من أن مسجد العشار يلي النهر ) وإنه حين مروراً بقرية إسمها الأبلة طلب منه الرجل الذي دلهم على اسمها ان يصلي له في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً فهنا امام وصف بإنه يشبه أحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته وإعتبر في طبقات الفقهاء وحين جاءه سهل بن عبد الله التستري ( كما يقول إبن خلكان في وفيات الاعيان ج 1 ـ ص 139 ـ مكتبة النهضة المصرية ) فقيل يأ ابا داود هذا سهل بن عبد الله قد جائك زائراً فرحب به وأجلسه فقال له يا أبا داود إليك حاجة قال وما هي ؟ قال : حتى تقول قضيتها مع الإمكان قال : قد قضيتها مع الامكان قال : أخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى أقبله قال فأخرج لسانه فقبله ) .
  فإن لدينا في سنن أبي داود مصدراً موثوقاً في صحته خاصة وإن ابا داود سكن البصرة وتوفي فيها فهو يقول وبكل وضوح أن مسجد العشار كان في الأبلة على النهر الذي لا شك هو نهر الأبلة نفسه وكان هذا في القرن الثالث الهجري .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 108 ـ

 2 ـ ما أشار اليه القزويني ( 1203 م ـ 1283 م ) توفي عام 682 هـ في كتابه ( آثار البلاد وأخبار العباد ) عن أن مشهد العشار في الأبلة مشرف على دجلة فهنا أيصاً نجد أن ـ المصدر هو امام عالم تولى قضاء واسط والحلة يقول عن هذا المشهد إنه موضع شريف قد إشتهر بين الناس أن الدعاء فيه مستجاب وبالرغم مما سبق أن أشرنا إليه بأعتراض المرحوم الدكتور مصطفى جواد عن عدم وجود مشهد في جامع العشار فإن ذلك لا يتعارض مع الحقيقة بإن موقع العشار كان موجوداً في الابلة في زمان القزويني وهو نهاية العصر العباسي عند قدوم هولاكو للعراق .
 3 ـ لقد ثبت أكثر الجغرافيين والبلدانيين العرب إن المسافة بين البصرة القديمة وبين مدينة الابلة وذلك عن طريق نهر الابلة تبلغ اربعة فراسخ أي أربعة وعشرين كيلو متراً غير ان الشخص الوحيد الذي خالفهم بهذا كان إبن بطوطة الذي قال إن المسافة هي عشرة أميال أي عشرين كيلو متر فقط وفي الوقت الحاضر لو أخذنا مسافة عشرين كيلو متر و بخط مستقيم من منبع نهر العشار في شط العرب وإتحهنا نحو البصرة القديمة (1) نجد اننا نصل إلى نقطة تقع بين المسجد الجامع القديم للبصرة ومدينة الزبير الحالية فإذا أخذنا بنظر الإعتبار إلتواءات النهر على الطبيعة وعدم دقة القياس في ذلك الزمن نجد أننا لو إعتمدنا على ما قاله إبن بطوطة فإن الابلة تقع عندئذ في العشار الحالية أما عن تفسير إختلاف إبن بطوطة عن الآخرين الذين قالوا أن المسافة هي أربعة فراسخ فلو أخذنا خطاً مستقيماً من المسجد الجامع في البصرة القديمة وبطول أربع وعشرين كيلو متراً إلى شط العرب فإن موقع

 ************************************************
(1) ويقصد بالبصرة القديمة البصرة المندرسة قرب مدينة الزبير والتي تشاهد آثارها على سطح الأرض وفي وسطها أثر لجانب من زاوية للمسجد الجامع الشمالية يجدر بالقاريء الكريم مراجعة كتاب المرحوم عبد القادر باش أعيان العباسي ـ البصرة في ادوارها التاريخية ـ صفحة 34 حتى 51 بشأن المسجد الكبير الأعظم في البصرة العظمى .
لقد عاشت البصرة القديمة الكثير من النكبات والحوادث وفي كتاب ( البصرة العظمى ) للمرحوم سليمان فيضي ( الصفحة 16 حتى 19 ) قائمة بهذه الحوادث حتى عام 700 هـ أهمها دخول الزنج والقرامطة إلى البصرة خلال القرن الثالث للهجرة ثم غزو البصرة المستمر من قبل عشائر ربيعة والمنتق خلال القرن السابع للهجرة ثم حوادث تيمورلنك . . ففي أوائل القرن التاسع للهجرة إنتقل سكان البصرة القديمة إلى البصرة الجديدة وخربت البصرة القديمة غير ان آثارها كانت تشاهد خلال القرن العاشر الهجري ، فالصورة المنشورة في كتاب البصرة في ادوارها التاريخية ـ الصفحة 38 نقلاً عن دائرة المعارف للبستاني ـ المجلد الخامس ) عن رسم عمل في القرن العاشر الهجري يظهر الإسطوانة الباقية إلى الآن من المسجد الجامع والتي يعتقد البعض خطأ أنها مأذنة .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 109 ـ

الأبلة يصبح عندئذ في قرية الحمزة الحالية عند نهر اليهودي وهذا يتناقض مع الأوصاف التي قدمها نفس الجغرافيين والبلدانيين بوقوع الأبلة على مسافة اربعة فراسخ من نهر اليهودي مع العلم أننا بينا سابقاً أن هذه المسافة كانت غير دقيقة أيضاًَ وعليه فالإحتمال الوحيد هو أن وصف المسافة بأربع فراسخ لم يكن دقيقاً أو أن إلتواءات نهر الأبلة في الطبيعة زادت المسافة بهذا القدر .
 4 ـ إن المدن القديمة تكون تلالاً وهذه ظاهرة واضحة لكل من يبحث هذه الأمور فإذا علمنا أن الأبلة ترقى إلى العهد الاغريقي أو حتى إلى عهد أقدم من ذلك كما بينا سابقاً بوجود قبيلة تعرف بإسم ( أبلو ) زمن سرجون الاكدي ، وقد عاشت هذه المدينة فترة طويلة جداً فنجد أن المنطقة الوحيدة الموجودة على شط العرب حالياً والتي يظهر فيها هذا المرتفع وبمساحة كبيرة جداً وهي العشار الحالية فلا بد تضاهي إرتفاعها ومساحتها أية تلال على طول شط العرب .
 5 ـ قال ناصر خسرو أن المسافة بين منبعي نهر معقل ونهر الابلة هو فرسخ واحد أي ستة كيلو مترات والمسافة بين المعقل والعشار حالياً هي نفس هذه المسافة أما عن قول إبن سرابيون إن المسافة تبلغ أربعة فراسخ فهذا غير صحيح وقد أثبتنا ذلك فيما سبق وبينا أن هذا لم يكن خطأه الوحيد .
 6 ـ إن المسافة بين ( بيان ) والأبلة تبلغ خمسة فراسخ ( ثلاثين كيلو متراً ) وحيث أن بيان هي المحمرة الحالية فإن المسافة بينها وبين العشار الحالية تبلغ حوالي ثلاثين كيلو متراً مما يدل على تطابق العشار بالأبلة .
 7 ـ إن الأبلة تقع على طرفي نهر الابلة عند منبعها من دجلة العوراء ( شط العرب ) فإذا ما إذا أخذنا العشار الحالية على أساس أنها هي الابلة فلا بد ان يكون نهر العشار الحالي هو نهر الأبلة السابق ، ولا مجال لإعتبار نهر الخندق أو نهر الخورة موقعاً لنهر الأبلة فألاول كان خندقاً لسور المدينة التي كان يحيطها من الشمال ومن يطلع حالياً

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 110 ـ

على شكل نهر الخندق يلاحظ تقوسه حول المدينة وهو شأن الخنادق التي كانت تحيط أسوار المدينة وإضافة إلى ذلك فإننا لا نجد أية مرتفعات أو تلال شمال نهر الخندق وكذلك الحال بالنسبة لنهر الخورة فإن سور البصرة كان يحاذيه ولا نجد على الجانب الجنوبي لنهر الخورة أية مرتقعات أو أبنية أو غيرها بينما يختلف الحال كلياً بالنسبة لنهر العشار حيث يقع البناء على جانبيه وعلى طوله .
 8 ـ تقع العشار الحالية على أقصر مسافة بخط مستقيم من موقع البصرة القديمة بالنسبة لشط العرب فعندما إستإذن ابو موسى الاشعري من عمر بن الخطاب بمد نهر الابلة إلى البصرة فإذن له ، فإنني لا أعتقد بإنه كان يمكنه حفر نهر طويل بل لا بد أن مد نهر الابلة كان أقصر طول لنهر يمكنه الوصول إلى البصرة القديمة ، وإلا لكان أبو موسى وهو الحريص على مال المسلمين قد حفر نهراً آخر لإيصال الماء العذب إلى البصرة ، فإختبار نهر الأبلة لمدها إلى البصرة دليل على أنه هذا النهر كان أقرب نهر بماء عذب للبصرة ومده إلى البصرة كان الاكثر إقتصاداً .
 9 ـ إن خارطة نيبور والتي رسمها عام ( 1765 م ) عند زيارته للبصرة تظهر بوضوح وقوع نهر العشار في منتصف المدينة المكونة من جزئين ـ الجزء الأول المحاذي لشط العرب وهي العشار الحالية وتقع شمالي النهر والجزء الثاني وتقع جنوبي النهر وهي البصرة الجديدة التي إنتقلت إلى موضعها الحالي خلال القرنيين الثامن والتاسع الهجري ، ثم يبين موقع المقام وهو جامع المقام الحالي في العشار وكذلك موقع سور المدينة فلو قارنا هذا بما قاله ناصر خسرو في كتابه ( سفرنامه ) عن الابلة عام ( 1051 ـ 1052 م ) والذي سبق ان أوردنا نصه الكامل حيث يقول أن المدينة الاصلية تقع على الجانب الشمالي للنهر والجانب الجنوببي يوجد فيها من الشوارع والمساجد والأربطة والأسواق مالا يوجد أحسن منه في العالم ويسمى هذا الجانب الجنوبي ( شق عثمان ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 111 ـ

  فالتطابق واضح فالعشار الواقع شمال النهر كانت مدينة الابلة الاصلية وأما البصرة الحديثة جنوب النهر فتقع في المنطقة المسماة شق عثمان وكانت هي العامرة أيام زيارة ناصر خسرو لها وحتى عندما زارها نيبور بعد ناصر خسرو بسبعمائة عام وبقيت كذلك حتى إلى ما بعد الحرب العالمية الاولى بقليل إذ بدأت العشار بالتطور فوصلت إلى ما نشهده فيها من العمران .
   إن من يطلع على خارطة نيبور ويقرأ وصف ناصر خسرو يظن أن الأخير يصف خارطة الأول رغم أن هناك سبعمائة عام بينهما ومهما بحثنا فلا نجد منطقة ثانية على شط العرب تتوفر فيها الخصائص المطلوبة لموقع نهر الابلة ومدينة الابلة غير العشار الحالية فكل الأنهار الأخرى الموجودة حالياً والتي تأخذ من شط العرب لا يتوفر على جانبيها بناء وبمساحة كبيرة وعلى مرتفع إلا في العشار والبصرة الحاليتين .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 112 ـ


الخليج العربي وشط العرب

   إعتمد المؤرخون والجغرافيون خلال النصف الأول من القرن العشرين على دراسات الجيولوجي دي موركان في كتابه DELEEGATION ON PERSE MEMOIRES المطبوع في باريس عام 1900 حول دلتا بلاد ما بين النهرين وعن جيولوجية الخليج العربي فقد إعتبر دي موركان أن الخليج العربي يتراجع نحو البحر وبإتجاه الجنوب الشرقي مكوناً دلتا من الترسبات التي تحملها أنهر دجلة والفرات وكارون ، وقد رسم دي موركان في كتابه خارطتين مثلت الثانية منهما حدود البحر عام 696 قبل الميلاد زمان رحلة سنحاريب كذلك بينت نفس الخارطة خط الساحل عام 325 قبل الميلاد خلال رحلة نياركس ( قائد إسطول الأسكندر القادم من الهند والذي سبقت الإشارة إليه ) فبإعتقاده كان خط الساحل أيام سنحاريب حوالي ميسان ( العزير ) حيث يصب دجلة هناك وأما الفرات فكان يصب في الخليج العربي حوالي مدينة الجبايش ، وعلى اساس أن نهر كارون يصب في الخليج العربي عند الأحواز فكان مصبا دجلة والفرات يقعان على مسافة 64 كيلو متر من بعضها البعض وبسبب الطمى والغرين الذي يحمله نهر كارون فقد إمتدت سلسلة من الجزر جنوب غربي الأحواز في الخليج العربي ، كذلك تكونت هذه الجزر أمام مصبي دجلة والفرات بفعل الطمى والغرين المحمولين من قبل هذين النهرين .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 113 ـ

  غير أنه في عام 1952 نشرت مقالة في المجلة الجغرافية التي تصدرها الجمعية الجغرافية الملكية في بريطانيا ( المجلة 118 الجزء الأول / آذار 1952 ) بعنوان ( التاريخ الجغرافي لسهول بلاد ما بين النهرين ) بقلم الدكتور جي . أم . ليز ( عضو الجمعية الملكية ) وإن . ال . فالكون ( هناك ترجمة كاملة لهذا المقال في العدد الاول للمجلة الجغرافية العراقية بقلم الدكتور صالح أحمد العلي ) وكانت هذه المقالة نتيجة لدراسة جيولوجية المنطقة والتي قام بها الكاتبان إلى شركة النفط الأنكليزية الإيرانية المحدودة ولقد كان لهذا المقال ردود فعل كبيرة جداً خاصة بين اوساط المؤرخين والجغرافيين نظراً لإهمية المقال ولتغييره وجهات النظر إلى الموضوع وبصورة جذرية ) وسإقدم فيما يلي وبإختصار بعض النقاط الرئيسية التي وردت في المقال المذكور :
 1 ـ إن نظرية دي موركان تمثل وجهة نظر مبسطة ولا تشرح أسباب بقاء هور الحمار والاهوار الموجودة قرب العمارة على حالها بالرغم من كميات الطمى الكبيرة التي تأتي بها دجلة والفرات وأن تفسيره لنظريته غير مقبول لإسباب جيولوجية ) خاصة وإن هور الحمار قد َ َتكون بعد عام 600 بعد الميلاد ( سبق أن أشرنا في بحثنا هذا إلى ما أورده إبن رسته ولسترنج وغيرهم من الجغرافيين عن تكوين البطائح وكيف إعورت دجلة أيام كسرى أبرويز وقد ثبتنا تاريخ ذلك عام 628 بعد الميلاد ).
 2 ـ إن سهول العراق والخليج العربي تشغل منطقة يجري فيه هبوط مستمر بسبب تكوين الجبال في العراق وفي جنوب غربي إيران ولإنحشار هذه السهول بين المناطق الجبلية وبين الجزيرة العربية الصخرية وقد كان العصر البليوسيني المتأخر وقت اكبر حركة لنشوء الجبال بصورة عامة مع العلم ان حركة الإنبعاج الفردية قد إستمرت إلى الأوقات المتأخرة ولا زالت في الحقيقة مستمرة لحد الآن وقد رافق إرتفاع الجبال في مناطق الإنخفاض حيث إنتقلت إليها الترسبات بسبب عوامل التعرية .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 114 ـ

 3 ـ لتفهم التاريخ المتأخر لسهول بلاد ما بين النهرين يتطلب تقدير القوى الرئيسية المؤثرة على المنطقة وهي الهبوط ، وهذا الهبوط ليس حالة عابرة يمتليء السهل بعدها بالترسبات التي تنقلها الانهار بل هي عملية هبوط طويلة ومستمرة تسمح لإستمرار الترسبات ، فإضافة للإنبعاج الرئيسي الواسع الذي يجري للأسفل ، فهناك أيضاً حركات هبوط محلية تظهر إستمرار إنبعاج بسبب حركة طبقات الأرض ، وأن البراهين الجيولوجية للتاريخ المتأخر للعراق تشير إلى إستمرار الهبوط وهذا هو التفسير المبسط لتكوين الاهوار .
 4 ـ لما كانت عملية الهبوط مستمرة ، فإن تقدم أو إنسحاب البحر يتعلق بإي من العاملين الذي له تأثير أكبر ، عامل الترسبات ، ام عامل الهبوط ، فإن إزدادت كميات الترسبات عن نسبة الهبوط ، إنسحب البحر ، وإن إزداد عامل الهبوط في مناطق الإنخفاض تقدم البحر نحو البر ، فنجد أن أنهر دجلة والفرات وكارون لا تكون دلتا إعتيادية ) بل تفرغ حمولتها من الترسبات في حوض تكتوني تكون من جيوسنكلاين تجمعت فيه الآف الأقدام من الترسبات خلال الماضي السحيق ولمدة تقاس بمئات الملايين من السنين ، وإن التوازن بين الهبوط والترسبات كان دقيقاً للغاية ، فقد كان الهبوط أحياناً متقطعاً وخلال ذلك إمتلاءت الإنخفاضات بالترسبات ، غير أن عامل الهبوط كان هو الرئيسي رغم حصول قليل من الإرتفاعات المحلية في بعض المناطق .
 5 ـ إن نظرة تلقى على خارطة طبوغرافية للعراق وبمقياس صغير ملائم تظهر أن السهول تقاطعها بحيرات ضحلة وهي بالنسبة للجيولوجي ، توحي بالأحواض التي تتكون بالهبوط السينكليني ، إن هذه البحيرات ( او الاهوار ) تتعرض سنوياً إلى كميات كبيرة من الطمى المحمولة بنهري دجلة والفرات وإضافة إلى ذلك فإنها تتعرض للرياح الصحراوية والتي تحمل كميات كبيرة من

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 115 ـ

الرمال ) وإن اي شخص له تجربة صحراوية لا بد أن يؤيد أن إعتبار (1 و 0 ) إنج لعمق الرمال التي تغطي هذه الأهوار سنوياً ليس بكثير ، غير أن هذه الكمية الضئيلة من الرمال تصبح ( 8 ) أقدام خلال ألف عام ، وإضافة لذلك لو إعتبرنا أن كميات الطمى المحمولة بنهري دجلة والفرات تضيف حوالي ( 0.22 ) إنج من الطمى سنوياً في مناطق البحيرات فكان المفروض أن لا تعيش البحيرات والأهوار أكثر من عدة مئات من السنين لولا أن قعرها مستمر بالهبوط .
 6 ـ عند مقارنة حالة مصب شط العرب في الخليج العربي خلال المائة عام الماضية يلاحظ تحرك شط العرب نحو الشمال الشرقي وإن القناة القديمة والتي كانت بإتجاه الجنوب الشرقي من الفاو ( مسماة منامة على الخارطة القديمة للبحرية البريطانية المصححة لعام 1857 ) قد إنطمت تماماً وحل محلها عدة أميال من الاراضي الزراعية وكان تقدم اليابسة محصوراً في منطقة رأس البشة شرق جنوب شرق الفاو ولا يظهر هناك تقدم محسوس في الاراضي السهلة الطينية على جانبي شط العرب ) إن هذا التقدم يعتبر جزئياً بالنسبة إلى تقدم دلتا الأنهر خلال هذه الفترة .
 7 ـ إن خارطة ( البصرة خور الزبير ـ المرفقة بهذا الموضوع ـ الصفحة 120 ) المعدة من قبل ليز وفالكون تظهر آثار قناتين رئيسيتين مندرستين الأولى وتمتد من هور الحمار وبإتجاه الجنوب الشرقي مارةً شرق الزبير والثانية تبدأ من نقطة تقع على شط العرب حوالي عشرة اميال غرب المحمرة بإتجاه الجنوب الشرقي ، وتلتقي هاتان القناتان في منطقة تقع ( 15 ) ميلاً جنوب شرقي الزبير ثم تمتد بقناة واحدة بإتجاه الجنوب الشرقي حيث تختفي في السهول الطينية شرقي خور الزبير ونجد بين شط العرب و خور الزبير منطقة واسعة كانت اراضي زراعية أيام العباسيين ( 758 ـ 1258 م ) تظهر على شكل خطوط قديمة

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 116 ـ

للري ، فمنها إذا مساحة تقدر بحوالي مائة ميل مربع الأراضي الزراعية التي اصبحت غير مستعملة بسبب إنغمار اقسام منها بمياه البحر عند المد خلال بعض المواسم مع العلم أن النهاية الشمالية لخور الزبير قد تعرضت إلى هبوط بسيط كان من نتائجه زوال الأقنية وأعمال الري الموجودة في المنطقة كما يظهر ذلك جلياً في الخارطة المرفقة ( البصرة ـ خور الزبير ).
 8 ـ إن المنطقة المحاذية للجهة الغربية لشط العرب الظاهرة في الخارطة ( البصرة ـ خور الزبير ) تبين المناطق الزراعية الحالية وهي على الاغلب بساتين النخيل ، غير أن هذه البساتين تنتهي بصحراء قاحلة حدودها تنبيء أي جيولوجي بإنه تكوين لما يعرف بالمدرجات ، فالزراعة محصورة بالحوض المتعرض لمياه المد بينما أعمال الري القديمة المندرسة أصبحت ضمن منطقة المدرجات وأعلى من المنطقة الزراعية بإقدام قليلة .
 9 ـ كان موقع البصرة القديمة محاذياً لمدينة لزبير الحالية حيث تشغل مساحة واسعة بينها وبين الشعيبة وكانت البصرة مدينة عامرة من ( 800 ـ 1200 م ) وآثار هذه المدينة تبدأ من نهاية السهول الواقعة شرقي مدرجات الشعيبة حتى الزبير ويكثر بقايا الآجر الأصفر القديم والخزف على سطح الأرض في موقع هذه المدينة المندرسة غير انه هناك طبقة ثانية من الآجر والخزف تحت عمق حوالي 3 أقدام من السطح ويبلغ سمك هذه الطبقة الثانية حولي 3 أقدام و 6 عقد مما يدل على وجود بصرة اولى اقدم بالزمن من البصرة الثانية الظاهرة على سطح الارض وهذه البصرة الاولى غطاها الفيضان والطمى في وقت من الزمان فتلتها البصرة الثانية التي نرى آثارها اليوم سطح الأرض في الوقت الحاضر .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 117 ـ

 10 ـ أن الجسات التي قامت بها شركة النفط العراقية في منطقة نهر عمر ( الواقعة حوالي 20 ميلاً غرب شمال غرب غرب البصرة ) أثبتت وجود ما عمقه ( 90 ) قدماً من الترسبات الطينية والرملية ، مع وجود المحار الذي يعيش في الماء العذب في قعرها وذلك فوق طبقة صخرية من الحجر المايوسيني إن هذه النتائج لا تتفق مع نظرية دي موركان حول تكوين الدلتا ، بل تظهر أن هذه المنطقة قد هبطت ما يقارب (90) قدماً وبسرعة جعلت البحر يتقدم نحو المنطقة ) فإذا إعتبرنا أن معدل ما يترسب سنوياً يبلغ ربع العقدة فإن هذا العمق من الطمى يمثل 4320 سنة ، فعلى هذا الأساس تكون منطقة نهر عمر أرض يابسة خلال زمن السومريين ، ولا نعلم ما تغطي الترسبات من مدن وقرى قديمة في الاهوار .
 11 ـ أن الجسات التي أجريت في الفاو أظهرت طبقة عليا سميكة (20) قدماً من الطين البحري الرسوبي فوق طبقة طينية رسوبية مضغوطة بصورة أكثر من الطبقة العليا وبسمك قدره حوالي (10) أقدام وتحتوي الطبقة السفلى على حيوانات تعيش في المياه العذبة ، بينما وبموجب نطرية دي موركان لتقدم الدلتا كان المفروض أن تظهر آثار هذه الحيوانات التي تعيش في الماء العذب في الطبقة العليا .
 12 ـ يتردد ليز وفالكون في تحديد رأس الخليج العربي أيام الفيضان الذي تشير إليه الاساطير البابلية ، غير أنهما يريان أنه لا توجد براهين تاريخية كافية بإن رأس الخليج العربي كان يوماً بعيداً عن موقعه الحالي بل على العكس هناك شكل معقد من التقدم والإنسحاب للبحر من الصعب تثبيت تاريخه وأن هبوط قعر الخليج العربي وإرتفاع مستوى ماء البحر لا بد أن غمرت بقايا عدد من المدن تحت الترسبات التي تنقلها الأنهر أو تحت مياه الخليج العربي .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 118 ـ

  هذا وبصورة مختصرة ما كتبه ليز وفالكون عن شط العرب وموقع رأس الخليج العربي والهبوط الذي يجري في المنطقة ، ولاشك أن هذه النظرية المبنية على أسس علمية حديثة تعطي حلولاً لبعض المسائل والمشاكل التي يتعرض إليها الباحث في هذه الأمور .
  كذلك أورد بعض ما كتب عن هور الحمار وعن النظرية الجديدة التي تقدم بها ليز وفالكون فيقول سير جورج بيوكانن ( كان أول مدير عام لميناء البصرة ) في تقرير أعده عام 1917 عن أنماء العراق وخاصة بالنسبة للإستفادة من الأنهر ( صفحة 11 ) :

نهر الفرات :
   في زمن رحلة جسني عام 1837 ، كان النهر يجري في قناة محددة عميقة من سوق الشيوخ مارة بالجبايش حتى القرنة ، حيث تقترن بدجلة مكونة شط العرب ، ولكن في فترة ما بين ذلك التاريخ والوقت الحاضر إنهار سداد الضفة اليمنى بين سوق الشيوخ والقرنة فسار النهر في مجاري ضحلة عديدة مكوناً بحيرة كبيرة خلال موسم الفيضان حيث تصب في شط العرب عند كرمة علي على مسافة خمسة أميال فوق البصرة ، وقد ضمن السير وليم ولكولكس تاريخ حصول هذه البثوق بين سوق الشيوخ والقرنة حوالي 1880 ويعلل أسباب ذلك إلى عدم قدرة النهر لتصريف الماء وتأثير دجلة عليه عند الفيضان غير ان الكوماندور فيلكس جونزو الذي كتب عام 1853 يقول التالي :
  لقد أضاع نهر الفرات خصائصه كنهر صالح للملاحة منذ سنوات عديدة بسبب إنهيار سداد الضفاف خلال الفيضانات وذلك للمنطقة بين سوق الشيوخ والقرنة منذ عشر سنوات ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 119 ـ

   ثم يستمر سير جورج بيوكانن بقوله :
  ( إن التاريخ الصحيح لهذا الحدث قليل الاهمية غير ان الحقيقة تبقى بإن حالة النهر في الوقت الحاضر أسوأ ما يمكن ، وإن الخارطة المرفقة للمنطقة بين الناصرية والقرنة تبين الحالة التي سأوصفها فيما يلي :
   بعد إنهيار السدود للضفة اليمنى وتكوين هور الحمار ، إستمر جريان الماء عبر سوق الشيوخ إلى المزلق غير أنه منذ حوالي 40 عاماً قامت قبيلة بني خيزان بحفر قناة العكيكة والتي كان أصلاً بعرض لا يتجاوز يارداً واحداً ، وبمرور الزمن إتسعت قناة العكيكة حتى تحولت مياه نهر الفرات إليها ، حتى قلت المياه التي تجري في نهر الفرات وقلت أعماقها بسببب الطمى ، فأثر ذلك على بساتين النخيل حتى مسافة 12 ميل تحت سوق الشيوخ كذلك تأثر حاصل الرز فتقلصت مساحتها ، وقد تعاونت ستة قبائل لمعالجة الامر ببناء سد عبر قناة العكيكة غير أن هذه المحاولات فشلت مرتين بسبب إنهيار السد الذي أقيم على القناة غير أن المحاولة الثالثة نجحت وعاد الماء إلى مجراه القديم . . ) .
  فهنا إذاً حادثة أخرى قد تكون الثانية منذ زمن أبرويز عام 628 م حينما إنبثقت البثوق وتكونت البطائح شمال البصرة أو قد تكون الثالثة أو الرابعة إذ لا توجد لدينا مصادر تدلنا على مثيلات لها ، غير أن المهم في الموضوع أن هذه المنطقة مستمرة بالهبوط كما قال ليز وفالكون وأنه رغم محافظة الانهر بالسداد فإنها بعد مدة تتكون الاهوار في مناطقها السابقة أو قريباً منها .
   يقول الدكتور أحمد سوسة في كتابه ( فيضانات بغداد في التاريخ ) ( 1963 ) صفحة ( 106 ) :
  ( ومن بلدة الناصرية يتجه الفرات إلى سوق الشيوخ قاطعاً مسافة حوالي 24 كيلو متراً وقبل ان يصلها بمسافة كيلو مترين يتشعب النهر إلى فرعين ، الفرع الغربي وهو ذنائب الفرات وينتهي عند سوق الشيوخ بجداول بني سعيد والحفار

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 120 ـ

  وأم نخلة وقد أنشئت مؤخراً نواظم في صدور هذه الجداول لتنظيم المياه وتوزيعها فيما بينها بمقادير معينة ، والفرع الشرقي وهو شط السفحة وينتهي بجدولي العكيكة وكرمة حسن وتصب مجموعة هذه الجداول في هور الحمار فتنتشر في داخل الهور بإتجاه الجنوب الشرقي حتى تخرج منه لتصب في نهر دجلة عند كرمة علي مسافة عشر كيلو مترات شمال مدينة البصرة ( بين الدكتور أحمد سوسة لأن مساحة بحيرة الحمار تبلغ 2500 كيلو متر مربعاً وأن شركة تامس الأمريكية قدرت مساحة البحيرة في الحالة الإعتيادية 1250 كيلو متر مربعاً ) ونهرا الفرات ودجلة بعد إلتقائهما عند كرمة علي يكونان شط العرب الذي ينتهي إلى الخليج العربي قرب مدينة الفاو ، وكانت مياه الفرات قبل حوالي مائة عام تلتقي بنهر دجلة عند القرنة عن طريق مجرى يسير مع حافة هور الحمار الشمالية بين سوق الشيوخ والقرنة إلا أن مياه الأهوار التي تنحدر من الضفة اليمنى لنهر دجلة أخذت تتجمع في هذا المجرى لتنصب في نهر دجلة في القرنة أيضاً فلم يعد المجرى يستوعب كل هذه المياه فطفحت مياهه في الأراضي المجاورة وشق الفرات لنفسه مجرى جديداً في هور الحمار ومنه إلى شط العرب بطريق منفذ كرمة علي الآنف الذكر ، ولذلك يمكن القول بإن دجلة والفرات يلتقيان حالياً عند مصب كرمة علي في شط العرب بدلاً من مدينة القرنة كما هو معروف وأن المجرى الذي يمتد بين مدينة القرنة وموقع مصب كرمة علي أصبح إمتداد لنهر دجلة ) .
   ثم يستمر الدكتور أحمد سوسة في كتابه ( فيضانات بغداد في التاريخ ) صفحة ( 114 ) فيقول :
  ( وفي أطراف العمارة الواقعة على بعد كيلو مترات من جنوبي الكوت تتفرع من نهر دجلة قنوات واسعة عديدة تفيض مياهها في مساحات شاسعة فتكون الاهوار التي يزرع فيها الرز ، ومن ثم تعود فتتجمع مياه هذه الاهوار وتصب مياهها في نهر دجلة من ضفتيه جنوبي مدينة العمارة ، وفي الجانب الايمن تتجمع الأهوار في مجرى موحد وهذا المجرى يمتد جنوباً حتى يصب في النهر عند القرنة

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 121 ـ

الواقعة على مسافة 140 كيلو متراً في جنوبي العمارة ، وكان هذا المجرى يستمد مياهه قديماً من ذنائب نهر الفرات فيصبها في دجلة عند القرنة ، إلا انه بعد ان تحول مصب نهر الفرات إلى جهة كرمة علي في الجنوب صار هذا النهر يستمد كل مياه تقريباً من مياه الاهوار التي تنحدر من الجانب الغربي من نهر دجلة ( قال جسني في وصف رحلته في نهر دجلة جنوب العمارة في ايلول عام 1837 أن هذا النهر كان بعرض حوالي مائتي ياردة وبعمق يصل إلى 36 قدماً مع العلم بإنه في الوقت الحاضر تسمى هذه المنطقة بالمضائق بين الكسارة وقلعة صالح وبعرض يصل احياناً إلى نصف المسافة التي بينها جسني ) وأهم الجداول التي تتفرع من النهر في منطقة العمارة هي جداول البتيرة الذي يتفرع من الضفة اليمنى شمال مدينة العمارة ، والمجر الصغير ( الطبر ) والمجر الكبير اللذان يفرعان من الضفة اليمنى أيضاً جنوبي العمارة ، ثم جدولا المشرح والكحلاء اللذان يتفرعان من الضفة اليسى ايضاً جنوبي العمارة ، ومن القرنة حتى مصب كرمة علي يسلك دجلة مجرى شط العرب القديم وهو مجرى واسع وقد أصبح هذا القسم جزءاً من نهر دجلة بعد تحول مجرى الفرات إلى هور الحمار كما تقدم ذكره ) .
   لما كان تصريف الفرات عند مجراه العلوي والذي يقترن بدجلة عند القرنة يصل إلى ثلث تصريف الفرات عند مجراه السفلي والذي يصب في شط العرب عند كرمة علي فلا موجب هناك لإعتبار دجلة مستمراً من القرنة حتى كرمة علي وتبديل إسم شط العرب لتلك المنطقة ـ وعليه فإن إعتبار شط العرب من القرنة إلى الخليج العربي هو الاصح وقد سبق أن بينا أن طول شط العرب يبلغ ( 204 ) كم من القرنة حتى نهاية خط الماء الواطيء للضفتين في الخليج العربي .
  ثم يستمر الدكتور أحمد سوسة ويقول :
  ( يتكون شط العرب من إلتقاء نهري دجلة والفرات عند كرمة علي ويبلغ

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 122 ـ

  طوله بين كرمة علي ومصبه في الخليج العربي 110 كيلو مترات ( المسافة الأصح هي 139 كيلو متراً ) ويبلغ عرضه عند المصب أكثر من كيلو مترين ( الأصح كيلو متر واحد ونصف الكيلو متر ) بينما يضيق عند البصرة إلى حوالي الكيلو متر الواحد ( الأصح أربعمائة متراً ) وله رافد واحد يصب في ضفته اليسرى هو نهر كارون وهو الرافد الوحيد الواقع بين ديالى والخليج العربي ، ( لشط العرب رافد آخر في ضفته اليسرى وهو نهر السويب ويتصل هذا بهور الحويزة ونهر الكرخة ) ونهر كارون هذا ينبع من الجبال الإيرانية الشاهقة ويجري بكامله في الأراضي الأيرانية (1) ويصب في شط العرب بالقرب من مدينة خورمشهر (2) ويتأثر شط العرب بإحوال المد والجزر في الخليج اللذين يتكرران مرتين يومياً ويصل الفرق بين منسوب المد ومنسوب الجزر إلى زهاء ( 1.70 ) من المتر في ايام الصيهود ) ، ويختلف الفرق بين منسوب المد ومنسوب الجزر حسب الموقع ، فمثلاً يصل الفرق في الفاو لغاية حوالي ثلاثة أمتار بينما لا يتجاوز هذا الفرق نصف المتر عند القرنة .
  ثم يتطرق الدكتور أحمد سوسة في كتابه ( فيضانات بغداد في التاريخ ) عما قاله ليز وفالكون فيقول في الصفحة ( 132 ) .

( تكوين السهل الرسوبي )
  لقد إختلف الباحثون من الخبراء الآثاريين والفنيين الجيولوجين في موضوع تكوين السهل الرسوبي في جنوب العراق وفي تاريخ نشوء الحضارة القديمة في الوادي ، فكان اكثر هؤلاء الباحثين حتى وقت قريب مجمعين على ان ساحل الخليج كان في الأزمنة القديمة شمال حدوده الحالية وإن الرأي السائد هو أن الارض الواطئة في جنوب العراق والتي لا تزال تحتل بعض جهاتها الأهوار والمستنقعات قد تكونت بنتيجة الرواسب التي جلبتها الأنهار إلى حوض الخليج (3) ، وإن هذه

 ************************************************
(1) يجري نهر كارون في إيران وعربستان .
(2) إسمها الحقيقي ـ المحمرة ـ إحدى مدن إقليم عربستان .
(3) لقد ورد في نص كتاب الدكتور أحمد سوسة كلمة الخليج فقط والمقصود فيه هو الخليج العربي .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 123 ـ

المنطقة كانت في الفترة التي تقع بين عصر ما قبل التاريخ وفجر التاريخ الميلادي مغمورة بماء البحر ، فروي سيتون لويد أن الخليج العربي ( خليج البصرة ) كان يمتد إلى شمال غربي بغداد بحوالي ( 90 ) كيلو متر عنها في سنة ( 4000 ) قبل الميلاد وإنه كان يمتد زمن السومريين إلى موقع الناصرية على نهر الفرات وإن مدينة أور التاريخية المشهورة كانت تقع على ساحل الخليج (1) آنذاك ، ومعنى هذا أن ساحل الخليج تقدم خلال الفترة الواقعة بين سنة ( 4000 ) قبل الميلاد وبين السومريين حوالي ( 230 ) ميلاً جنوباً ( راجع خارطة على صفحة 19 من كتابه ( الرافدان ) وإن ذلك راجع إلى إمتلاء الخليج تدريجياً بالكميات الغرينية الكبيرة التي حملتها أنهار دجلة والفرات وكارون إلى حوض الخليج وكان قد كتب وليليام لوفتس في تكوين الدلتا وسرعة تقدمها نحو الخليج في منصف القرن الماضي فقال ان معدل المسافة لتقدم ارض الدلتا نحو الساحل الجنوبي ، أي إنسحاب البحر بسبب تراكم الرواسب الغرينية ، حوالي الميل الواحد في كل سبعين سنة منذ بداية العهد المسيحي ، ثم يصف كيف أن الرواسب الغرينية أخذت تتراكم في حوض الخليج وإن عملية المد والجزر تدفعها إلى الداخل فتشكل أراضي رسوبية واسعة وقد ذكر الآثار المعروف جورج رولنسن أن ساحل الخليج كان في عهد المملكة الكلدانية الأولى على مسافة 120 أو 130 ميلاً متقدماً إلى شمال حدود الساحل الحالي ، لذلك يقدر طول الاراضي التي ربحها العراق من البحر نتيجة إنسحاب الخليج في الأربعين قرناً الماضية بمسافة طولها 130 ميلاً وعرضها 60 إلى 70 ميلاً وجاء مثل ذلك في كتاب ( جيولوجية العراق للبحرية البريطانية حيث إعتبر أن دلتا العراق تتقدم ميلاً في كل ثلاثين سنة في العصور القديمة وقد ذهب سير ارنولد ويلسن في كتابه ( الخليج الفارسي ) إلى الدلتا العراقية تكونت من فعل نهري كارون والكرخة اللذين يأتيان من الشرق ومن وادي البطن الذي ياتي من مرتفعات الجزيرة العربية من جهة الغرب ، وقريب من هذا رأي ويلكوكس حيث يرى ان نهري كارون والكرخة لعبا دوراً في تكوين دلتا الرافدين فبينما كان نهر دجلة والفرات يحملان

 ************************************************
(1) أنظر الهامش (3) في الصفحة 125 .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 124 ـ

كميات كبيرة من الطمى ويتركانها في الاهوار البابلية وفي منخفضات ( سوزيانا ) كان نهر كارون ينحدر من الشرق فيصب في الخليج مكوناً من الرواسب التي يحملها أراضي مرتفعة تمتد من البصرة في إتجاه الشرق فهذا النتوء الأرضي البارز داخل البحر هو الذي كان يحمي أهوار الرافدين من هجمات البحر فتبقى منفصلة دون أن تختلط بالأملاح ، وقد أسند هذه الفكرة أي فكرة تكوين الدلتا على هذه الصورة العالم الجيولوجي دي مور كان حيث فسر المباديء العامة لتكوين الدلتا فأظهر في خرائطه أن رأس الخليج كان في سنة 696 قبل الميلاد غير بعيد من جنوب غربي ( سوسة ) العيلامية ، وأضاف إلى ان دجلة والفرات كانا يصبان في الخليج وبينهما مسافة أربعين ميلاً .
  وقد ظلت هذه الفكرة حول تقدم أرض الدلتا نحو البحر سائدة بين الباحثين حتى نشر الاستاذ آن ليس وفالكون مقالاً في منتصف هذا القرن في القسم الاول من المجلد الثامن عشر بعد المائة ( آذار 1952 ) من المجلة الجغرافية البريطانية خالفا فيه الإعتقاد السائد في كافة الاوساط تقريباً حول تكون سهول جنوب العراق من رواسب طمى الأنهار وإنسحاب البحر جنوباً ، فقد أعلن هذان الخبيران أن السهول تكونت نتيجة إلتواء القشرة الأرضية الأمر الذي أدى إلى إرتفاع بعض الأراضي وإنخفاض البعض الآخر وإن هبوط قاع الخليج مع إرتفاع مستوى البحر قد دفن بقايا عدة مدن تحت الرواسب أو تحت مياه الخليج ، وقد أضافا إلى ذلك قولهما أن النظريات الاثارية القديمة قائمة على فرضيات ساذجة لا يمكن إسنادها ، وقد أورد أدلة جيولوجية لإثبات رأيهما وقد آثار بحثهما هذا ضجة كبرى وكتبت بعض الردود عليه ، وملخص رأي هذين الخبيرين هو أنه لا يوجد دليل تاريخي مقبول على رأس الخليج كان يوماً ما بعيداً عن موقعه الحالي فالأدلة الجيولوجية التي جمعاها تدل على عكس ذلك ، فأنهر دجلة والفرات وكارون لم تعمل على بناء دلتا تتقدم إلى الامام ، بل كل ما في الامر أنها تقوم بتفريغ حمولتها من الرواسب الغرينية في منخفضات القسم من السهل الرسوبي ، وإن الحوض الذي يحتله هذا القسم قد إنخفض ولا يزال مستمراً في الإنخفاض بسبب ثقل الرواسب

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 125 ـ

وبسبب حركات باطنية ( تكتونية ) أعقبها إنحناء محدب قد تراكمت فيه في الماضي آلاف الأقدام المكعبة من الرواسب ، ويبدوا أن التوازن بين الهبوط والترسبات في الماضي القريب قد تم بصورة عجيبة وفي فترات كادت أن تملاء المنخفضات بالرواسب غير ان الهبوط كان هو السائد بإستثناء بعض المرتفعات المحلية الصغرى التي تمثل حركة متأخرة من تركيب المنحنيات المحدبة ، فالعامل الأساسي الذي لعب دوراً مهماً في هذه المنطقة هو في رأي هذين الخبيرين الهبوط المستمر في حوض هذا السهل الذي يسمح بإستمرار عملية الإرساب بدون ان يؤدي ذلك إلى إرتفاع الحوض فوق سطح البحر ، لذلك فيذهبان إلى أن النظرية القديمة حول تقدم ساحل الخليج والتي تعتمد على إفتراض ثبات أحوال القاع لا تستند إلى أي إثبات بدليل كميات الرواسب الهائلة التي تنقلها الانهر إلى منخفضات السهل الجنوبي ومعها تأثير الرياح لم تتمكن من إملاءها حتى الآن رغم مرور مئات السنين عليها وأوضح دليل على ذلك هو أن هور الحمار الذي حدث قبل اكثر من 1300 عام لا يزال على حاله في حين أنه لو حسبت كميات الرواسب التي حملتها الانهر إليه خلال تلك المدة لملاءت عشرات من مثله في أقل من هذه المدة بكثير ) .
  ويستمر الدكتور أحمد سوسة معلقاً على رأي الأستاذين ليز وفالكون وما قاله جورج رو عن هور الحمار بقوله :
  يقول الخبير جورج رو في مقال نشره في مجلة سومر سنة 1957 أن هور الحمار هو حديث التكوين وإنه لم يكن موجوداً في سنتي 1835 ـ 1837 بدليل أن بعثتي جيسني التي قامت بدراسة أنهر العراق في ذلك الوقت لم تفرد وصفاً للهور في تقريرها ، ويذكر أيضاً أن الجغرافيين لم يتطرقوا إلى وصف هذا الهور الواسع في كتاباتهم كما أنهم لم يثبتوه في خرائطهم ، لذلك يعتقد أن الهور تكون بعد سنة 1870 مباشرةً وذلك على اثر حدوث فيضان كبير في شط الغراف فأدى إلى أن تطفح المياه فوق ضفاف الفرات اليمنى في مجراه بين سوق الشيوخ والقرنة فغمرت المياه الطافحة المنطقة المجاورة وحولتها إلى بحيرة واسعة وهي المعروفة اليوم بهور الحمار ، وقد إستند مستر رو في ذلك إلى ما جاء في كتاب قسم الإستخبارات البحرية

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 126 ـ

خارطـــــــــة البصرة ــ خور الزبير

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 127 ـ

البريطانية في سلسلة النشرات الجغرافية لسنة 1944 ، وهذا لا يتفق وواقع الحال للإسباب التالية :
 1 ـ إن مهمة بعثة جيسني كانت تنحصر في دراسة إمكانيات الملاحة على أنهر العراق وكان مجرى نهر الفرات الرئيسي في زمن قيامها بهذه الدراسة أي ما بين سنتي 1835 ـ 1837 يجري في الإتجاه القديم بين سوق الشيوخ والقرنة وكان مجراه في هذا الإتجاه آنذاك من السعة بحيث كانت تمر السفن والبواخر بسهولة لذلك فلم تكن لتهتم البعثة بهور الحمار وقد حصرت دراستها بمجرى النهر الرئيسي .
 2 ـ إن ما جاء في كتاب البحرية البريطانية من أن مياه فيضان شط الغراف قد خربت ضفاف الفرات اليمنى على اثر إنضمامها إلى مياه الفرات فهذا الحادث إن وقع فعلاً يكون قد أدى في الحقيقة إلى تغيير مجرى نهر الفرات من إتجاهه الحالي داخل هور الحمار بين سوق الشيوخ وكرمة علي ( الواقع ان الفرات أضاف مجرى آخر له فأصبح له مجرى أعلى يقترن بدجلة عند القرنة ومجرى سفلي مقترن به بشط العرب عند كرمة علي ) ، وهور الحمار كان موجوداً آنذاك كما هو عليه اليوم .
 3 ـ وأما قول جورج رو أن الجغرافيين العرب لم يتطرقوا إلى هذا الهور فذلك غير وارد لإن معظم الباحثين والجغرافيين العرب أشاروا إلى هذا الهور بإسم ( بطيحة البصرة ) و ( بطيحة الكوفة ) والبطائح كانت مشهورة في زمن العرب وبحث فيها أكثر جغرافييهم ويعتقدان أن هذه البطائح تكونت على اثر حدوث فيضان عظيم في اوائل العصر الإسلامي ) .
  ثم يعود الدكتور احمد سوسة معقباً على مقالة ليز وفالكون فيقول :

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 128 ـ

  ( ودليل آخر إستدل به الخبيران لإثبات رأيهما هو إكتشاف الخبير الأثاري السير وولي لطبقات من طمى الفيضان أو الطوفان حسب رأيه بين طبقات سكنى عصور ما بعد التاريخ ، وذلك خلال تنقيبات في أور بين سنتي 1926 ـ 1929 وقد وجد هذا الخبير تحت هذه الطبقات آثار حضارة وسكنى بشرية تعود إلى ما قبل التاريخ ، فإستخلص الخبير أن من ذلك دليلاً على أن المنطقة الجنوبية لم تكن مغمورة بمياه البحر في عصر ما قبل التاريخ كما ظن البعض .
  ويؤيد الخبير الهولندي الدكيور بيورنك مؤلف كتاب ( حالات التربة في العراق ) ما ذهب إليه ليس وفالكون من أن ساحل الخليج الحالي كان هو نفسه قبل خمسة الآف عام ، كما يرى أن مدينة أور لم تكن واقعة على ساحل الفرات الذي كان يخترق هذه المنطقة في طريقه جنوباً إلى ساحل الخليج حيث ينتهي شرقي الزبير الحالية ثم يضيف إلى أن الفحوص الدقيقة التي أجريت لتربة هذه المنطقة قد دلت على أنه لا يوجد أي أثر إلى ساحل بحري فيها ، لذلك فهو يرى أن نظرية سيتون لوبد السابق ذكرها غير مستندة إلى أي دليل علمي .
  ويعتقد الإستاذ راول ميجل أن المنطقة المحيطة ببغداد قد إنخفضت أيضاً بدليل تقارب دجلة والفرات في هذه المنطقة المنخفضة التي جذبت إليها مجرى هذين النهرين وكذلك جذبت هذا المنخفض نهري العظيم وديالى فصارا يجريان نحوه .
  وقد علق الخبير الآثاري البريطاني المعروف الأستاذ مالون على رأي ليس وفالكون في اصل تكوين السهل الرسوبي فأبدى في مقال نشره في مجلة سومر سنة 1955 تأييده لما ذهب إليه هذان الخبيران وذلك من حيث المبدأ إلا انه قال في الوقت نفسه بضرورة إجراء تنقيبات ودراسات في المنطقة المنخفضة في جنوبي السهل الرسوبي للتوصل إلى نتائج حاسمة حول هذا الموضوع الخطير .
   والظاهر أن نظرية ليس وفالكون لاقت تأييداً من الخبراء الجيولوجيين وغيرهم من الباحثين وكان آخر من تطرق إلى هذا الموضوع جورج رو الذي

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 129 ـ

أجرى بعض التحريات في منطقة هور الحمار فدون نتائج تحرياته هذه في مقال نشره في عدد مجلة سومر لسنة ( 1960 ) ذكر فيه أنه إكتشف آثار حضارة قديمة في المنطقة التي تمتد بين تل لحم جنوب أور والبصرة ، وقد دلت هذه الآثار على ان بعضها يعود إلى العهد البابلي الأخير والبعض الآخر إلى النصف الثاني من الألف الاول قبل الميلاد والبعض الآخر الى عهد الكاشيين ( 1530 ـ 1160 ق . م ) أو إلى ما قبل ذلك ، ولذا فإنه يرى من أن ذلك يؤيد رأي ليس وفالكون القائل بإن هذه المنطقة لم تكن مغمورة بمياه البحر في تلك العصور كما ذهب إليه البعض وهو الرأي الذي أصبح مقبولاً لدى الجيولوجيين بوجه عام وينتهي إلى أن ذنائب نهر دجلة كانت تتكون في الألف الأول قبل الميلاد من مستنقعات واسعة بينما كانت منطقة ذنائب الفرات جافة نسبياً وإن ساحل البحر كان آنذاك غير بعيد عن مدينة البصرة الحالية ) .

تثبيت موقع رأس الخليج العربي خلال العصر العباسي
   فلو أخذنا بنظر الإعتبار هذه النظرية وحاولنا تفسير حالة شط العرب ( دجلة العوراء ) خلال القرنيين الأول والثاني للهجرة ثم قمنا بمقارنة ذلك الوضع الحاضر فيمكننا الوصول إلى بعض الإستنتاجات المفيدة بهذا الصدد .
 1 ـ لقد رأينا أن دجلة والفرات يلتقيان في موضع يسمى ( مطارة ) وهي على الأغلب موقع القرنة الحالية وكان يسمى فرع الفرات الذي يأتي من البطائح أو الأهوار بنهر أبي أسد ، ومن هذا الموقع يتشكل شط العرب الذي كان يسمى آنذاك ( دجلة العوراء ) .
 2 ـ ثم يستمر شط العرب في مجراه الحالي تقريباً تاركاً الأبلة غربي النهر حتى يصل إلى مدينة بيان ( المحمرة الحالية ) على الضفة الشرقية فهناك كان ينقسم إلى فرعين مكوناً جزيرة عبادان الحالية وحيث يقع في رأسها قرية المحرزي ( الموجودة حالياً في نفس موقعها القديم ) فكان الفرع الغربي لدجلة العوراء

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 130 ـ

وهو مجرى شط العرب الحالي وتسلكه السفن المتوجهة إلى البحرين وقطر وعمان ، ثم كان هناك الفرع الشرقي لدجلة العوراء الذي يسمى حالياً ( نهر بهمنشير ) وكانت تسلكه السفن التي تذهب إلى سيراف وكيش وخارك على الجهة الشرقية من الخليج العربي .
 3 ـ كان الخليج العربي جنوب عبادان بحوالي (12) كيلو متراً فقط ، وكان العرب يقولون ( ما بعد عبادان قرية ) وكان على ساحل الخليج العربي آنذاك الموقع المعروف حالياً بإسم خضر الطرة ( حيث يوجد مقام الخضر ) وهذا الموقع يبعد حالياً حوالي خمسين كيلو متراً من الخليج العربي .
 4 ـ كان نهر كارون أو ما يسمى بدجيل الأحواز منفصلاً عن شط العرب ( دجلة العوراء ) رغم إحتمال وجود ترع صغيرة كانت تصل بينهما كنهر بيان مثلاً غير أنه لا شك أن السفن الكبيرة لم تكن تتمكن من الملاحة فيه ، فكانت السفن القادمة من الاحواز إلى الأبلة تضطر للخروج إلى البحر ثم تعود ثانية وتدخل دجلة العوراء حتى قام عضد الدولة البويهي ( حوالي عام 364 هـ ) بشق نهر سماه المقدسي النهر العضدي وهو معروف الآن بقناة الحفار ( قال المقدسي المتوفي عام 375 هـ في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ـ طبعة ليدن ـ 1906 ، وأعلم أن نهر الاحواز ( أي نهر كارون ) ـ ودجلة ( أي شط العرب ) يفيضان إلى بحر الصين ( يقصد الخليج العربي ) بينهما هذه السخة وكان الناس في القديم يذهبون في النهر إلى البحر ثم يعودون فيدخلون من البحر إلى دجلة ثم إلى الابلة وكانوا على خطر وفي تعب حتى شق عضد الدولة نهراً عظيماً من نهر الاحواز إلى نهر دجلة طوله أربعة فراسخ والطريق اليوم ) .
 5 ـ إن أيصال نهر كارون بشط العرب خلال القرن الرابع الهجري كان له أثر كبير في إمتداد الارض نحو الخليج العربي وتراجع البحر ، ففي خلال

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 131 ـ

ألف سنة تقريباً تقدمت اليابسة خمسين كيلو متراً أي بمعدل خمسين متراً سنوياً وقد سبق ان بينا أنه خلال النصف الأول لقرن العشرين تقدم خط الماء الواطيء بما معدله (150 ) متراً سنوياً للضفة الغربية وحوالي ( 100 ) متر للضفة الشرقية أي بمعدل حوالي ( 125 ) متر سنوياً للضفتين .
  أن إختلاف الأمتداد نحو البحر يؤيد نظرية ليز وفالكون بحركة شط العرب نحو الشمال الشرقي ، مع العلم أن إختلاف معدل إمتداد خط الماء الواطيء في البحر عن المعدل العام للألف سنة الماضية ناتج عن حجم الترسبات ، فأن الامتداد الحاصل في القرن العشرين هو بعرض اقل من عرض المنطقة التي امتدت في البحر خلال الألف عام الماضية ، فلما كانت المقارنة يجب ان تتم على اساس الحجم المترسب وليس على اساس طول الأرض التي تمتد ، فإننا نجد أنه لو أخذنا عرضاً متماثلاً للأرض التي إمتدت جنوب عبادان بالنسبة لتقدم خط الماء الواطيء لتقلص الطول الممتد في الخليج العربي خلال النصف الأول للقرن العشرين .
  فلو درسنا الخارطة الطبوغرافية لتقدم خط الماء الواطيء خلال الفترة من ( 1900 ) حتى ( 1950 ) لوجدنا ان معدل عرض الأرض الممتدة في الخليج العربي يبلغ حوالي سبعة كيلو مترات لكل جانب من شط العرب ، بينما يمكن اعتبار عرض الارض الممتدة في الخليج العربي ولكل جانب من شط العرب خلال الألف عام الماضية حوالي ( 14 ) كيلو متراً ، أي ان معدل المساحة التقريبية لتقدم خط الماء الواطيء لكل جانب من شط العرب سنوياً يبلغ 0.875 كيلو مربعاً وذلك خلال النصف الأول من القرن العشرين بينما بلغت المساحة التقريبية التي تقدمت بها اليابسة سنوياً لكل جانب من شط العرب خلال الألف عام الماضية ما معدله 0.7 كيلو متر مربع .
  ولما كان خط الماء الواطيء يحصر أرضاً طينية ذات مستوى أقل من الارض الزراعية التي تقدمت في الخليج العربي خلال الألف عام الماضية ، فإن هذا هو

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 132 ـ

السبب في وجود الفرق بين المساحتين والتي تبلغ حوالي 20% أي لو كان الإرتفاع النهائي للأرض الممتدة خلال النصف الاول من القرن العشرين بإرتفاع الاراضي الزراعية الممتدة خلال الالف عام الماضية لإقتربت المساحتان من بعضهما .
   وبإعتبار مجموع تصريف شط العرب في الخليج العربي يبلغ ما معدله حوالي 35.3 ألف مليون متر مكعب سنوياً ، وبإعتبار معدل كمية الطمى المحملة في الماء والتي تترسب في مدخل الخليج العربي تبلغ 1000 جزء من مليون فتبلغ كميات الطمى التي يحملها شط العرب إلى الخليج العرب سنوياً حوالي 35.3 مليون متر مكعب وإذا ما إعتبرنا إن هذا الحجم يتوزع على مساحة تبلغ ( 1.4 ) كيلو متر مربعاً سنوياً ( وهي المساحة الكلية لجانبي شط العرب والتي تقدمت سنوياً منذ الف عام ) فمن المروض أن عمق الترسبات تبلغ 25 متراً سنوياً ، ويظهر ان هذا الرقم مرتفع إلا أنه ليس كذلك فإننا نجد وعلى بعد لا يتجاوز عشرة كيلو مترات عن خط الماء الواطيء وجود اعماق تبلغ حوالي ( 25 ) متراً في الخليج العربي في خور العمية وخور خفقة ، فهذا الجزء من الخليج العربي الذي يقع حالياً على بعد بضع عشرات من الكيلو مترات عن الاراضي لزراعية الحالية عند مصب شط العرب ممكن أن يصبح بعد ( 500 ) عام أرضاً زراعية إذا ما إستمرت الأحوال المائية على ما هي عليه الآن ، وهذا بالطبع غير محتمل فالسدود التي تنشأ على الأنهر ، والإستفادة من الطمى والغرين الذي تنقله الانهر والسيطرة عليها تقلل جميعها إمكانية إستمرار هذه الحالة .
  ولا بد لي أن اشير هنا إلى ان تقدم الدلتا الذي بيناه أعلاه يرافقه أيضاً عملية الهبوط لقعر الخليج العربي كما بينه ليز وفالكون ، أما الواضح لنا الآن فهو أن عملية الهبوط التي تجري حالياً هي بنسبة اقل من كميات الطمى التي تترسب في مصب شط العرب والميزان الآن بكفة الترسبات ، فالخليج العربي ينحسر تاركاً المجال لتقدم الارض في الخليج العربي ويرافقه بذلك هبوط للارض عند رأس الخليج العربي .