**************************************************************
ثم ملك بعده أفريدون بن أثاقابان بن جشمد ملك الأقاليم السبعة فأخذ بيوراسب فقيده في جبل دباوند على حساب ما ذكرناه وقد ذكر كثير من الفرس ومن عنى بإخبارهم مثل عمر كسرى وغيره أن إفريدون جعل هذا اليوم الذي قيد فيه الضحاك عيداً له وسماه المهرجان ) .
ويقول المسعودي في مروج الذهب ( ج 2 ـ ص 99 ) عن هذا الضحاك فيورد أصل القصة المتوارثة في التراث الشعبي ( ومن الناس من رأى أن ( الضحاك ) ذا الأفواه المقدم ذكره في هذا الكتاب الذي تنازعت فيه الفرس والعرب من أي الفريقين هو أنه خرج بكتفيه حيتان فكانتا لا تغذيان إلا بإدمغه الناس فأفني خلقاً كثراًَ من أرض فارس وإجتمعت على حربه جماعة كثيرة وافاه إفريدون بهم وقد شالوا رأية من الجلود تسميها الفرس ( درفش كاوان ) فأخذ إفريدون الضحاك وقيده في جبل دنياوند على ما ذكرناه وقد كان وزير الضحاك في كل يذبح كبشاً ورجلاً ويخلط أدمغتهما ويطعم تينك الحيتين اللتين كانتا في كتفي الضحاك ، ويطرد من تخلص إلى الجبال فتوحشوا وتناسلوا في تلك الجبال فهم بدء الأكراد وهؤلاء من نسلهم وتشعبوا أفخاذاً وما ذكرناه من خبر الضحاك فالفرس لا يتناكرونه ولا أصحاب التواريخ القديمة والحديثة .
وللفرس في أخبار الضحاك مع إبليس أخبار عجيبة وهي موجودة في كتبهم وتزعم الفرس أن طهومرث المقدم ذكره في ملوك الفرس الأولى هو نوح النبي ( عليه السلام ) ، وتفسير ( درفش ) بالفارسية ـ الفهلوية ـ وهي الاولى ـ الراية والمطرد والعلم ) : ويقول عماد الدين إسماعيل أبو الفدا في كتابه ( المختصر في اخبار البشر ) ( طبعة دار المعرفة ) الصفحة ( 40 ) عن ( النوروز ) وعن الضحاك : ثم ملك بعده جمشيد بجيم مفتوحة وميم ساكنة وشين مكسورة مفتوحة وباء مثناة من تحتها وذال منقوطة وهو آخر طهمورث لإبويه و ( جم ) هو القمر و ( شيذَ ) هو الشعاع اي شعاع القمر وكذلك أيضاً يسمون خورشيد أي شعاع الشمس لأن ( خور ) إسم الشمس وجمشيد المذكور ملك الاقاليم السبعة وسلك السيرة الصالحة المتقدمة وزاد عليها ورتب الناس على طبقات كالحجاب والكتاب وأمر أن يلازم كل واحد طبقته ولا يتعداها وأحدث النيروز وجعله عيداً ينعم

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 22 ـ

**************************************************************
( تتمة )
الناس فيه ( من الكامل ) لإبن الأثير ووضع لكل أمر من الأمور خاتماً مخصوصاً به فكتب على خاتم الحرب الرفق والمداراة وعلى خاتم الخراج العدل والعمارة وعلى خاتم البريد والرسل الصدق والأمانة وعلى خاتم المظالم السياسة والإنتصاف وبقيت رسوم تلك الخواتم حتى محاها الإسلام إنتهى كلام إبن الأثير قال إبن مسكويه ثم إنه بعد ذلك بدل سيرته الصالحة بإن أظهر التكبر والجبروت على وزرائه وقواده وأثر اللذات وترك كثيراً من السياسات التي كان يتولاها بنفسه وعلم بيوراسب بإستيحاش الناس من جميشد وتنكر خواصه عليه فقصده وهرب جميشد وتتبعه بيوراسب حتى ظفر به وقتله بإن أشره بمنشار ثم ملك ( بيوراسب ) وكان يقال له ( ألده آك ) ومعناه ( عشر آفات ) (*) فلما عرب قيل ( الضحاك ) ولما ملك ظهر منه شرشديد وفجور وملك الأرض كلها وسار فيها بالجور والعسف وبسط يده بالقتل وسن العشور والمكوس وإتخذ المغنيين والملهيين وكان على منكبيه سلعتان يحركهما إذا شاء فإدعى أنهما حيتان تهويلا على ضعفاء العقول وكان يسترهما بثيابه ولما إشتد على الناس جوره وظلمه ظهر بإصبهان رجل يقال له ( كابي ) وكان الضحاك قد قتل له إبنين فأخذ ( كابي ) المذكور عصا وعلق بطرفها جراباً ويقال أنه كان حداداً وأن الذي علقه نطع كان يتوقى به النار وصاح في الناس ودعاهم إلى مجاهدة بيوراسب فأجابه خلق كثير وإستفحل أمره وبقي ذلك العلم معظماً عند الفرس ورصعوه بالجواهر وسموه ( درفش كابيان ) ولما قوى أمر ( كابي ) قصد ( بيوراسب ) فهرب منه وسأله الناس ( كابي ) أن يمتلك عليهم فأبى لكونه ليس من بيت الملك وأمرهم أن يملكوا بعض ولد ( جميشد ) وكان ( أفريدون أبن أثفان ) من أولاد جمشيد وكان مستخفياً من الضحاك فوافى بجماعته إلى ( كابي ) فإستبشر الناس به وولوه الأمر وصار ( كابي ) أحد أعوانه حتى إحتوى ( أفريدون ) على منازل ( بيوراسب ) وأمواله وتبعه وأسره بديواند وقتله وكان النبي إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) في أواخر أيام الضحاك ولذلك زعم قوم أنه نمروذ وأن نمروذ عامل من عماله وقد إختلف في الضحاك المذكور إختلافاً كثيراً فيزعم كل من الفرس واليونان والعرب أنه منهم ، والفرس يجعلونه قبل الطوفان لإنهم لايعترفون بالطوفان ) ففي الروايتين اللتين أوردناهما أعلاه نجد أن المسعودي وأبا الفدا قد أكملا الصورة التي بنيناها عن كاوه الحداد والمهرجان في التراث الشعبي كذلك بين المسعودي علاقة الموضوع بإخواننا الأكراد ثم يستمر أبو الفدا في ( المختصر في أخبار البشر ) الصفحة ( 83 ) فيقول عن ( النوروز ) والمهرجان مايلي : ( وللفرس أعياد ورسوم فمنها ( النوروز ) وهو اليوم الأول من فرودينماه وإسمه يوم جديد لكونه عزة الحول الجديد وبعد أيام خمسة كلها أعياد ومن أعيادهم ( التريكان ) وهو ثالث عشر من تيرماه ولما وافق إسم اليوم الثالث عشر إسم شهر صار ذلك اليوم عيداً وهكذا كل يوم يوافق إسمه اسم شهره فهو عيد ومنها ( المهرجان ) وهو سادس عشر ( مهرماه ) وفيه زعموا أن فريدون ظفر بالساحر الضحاك بيوراسب وحبسه في جبل دنياوند ... ) .
غير أن المسعودي له رواية أخرى بشأن ( المهرجان ) حيث يورد فيها تفسير آخر لهذا اليوم فهو يقول عن المهرجان ( ج 2 ـ ص 181 ) مايلي :
سر تسمية المهرجان
وتشرين الأول أحد وثلاثون يوماً وفيه يكون المهرجان وبين النيروز والمهرجان مائةً وتسعة وستون يوماً وعند الفرس في معنى المهرجان أنه كان لهم ملك في قديم الزمان من ملوك الفرس وقد عم ظلمه خواص الناس وعوامهم وكان يسمى ( مهر ) وكانت الشهور تسمى بإسماء الملوك فقيل مهرماه ومعنى ماه ( هو الشهر وإن ذلك الملك طال عمره وإشتدت وطأته فمات في النصف من هذا الشهر ، وهو مهرماه فسمي ذلك اليوم الذي مات فيه ( المهرجان ) وتفسيره نفس مهر ذهبت لأن الفرس تقدم في لغتها ما تؤخره العرب في كلامها وهذه اللغة الفهلوية وهي الفارسية الأولى وأهل المروآت بالعراق وغيرها من مدن العجم يجعلون هذا اليوم أول يوم من الشتاء فتغير فيه الفرس والآلات وكثيراً من الملابس فهنا نجد ان المسعودي نفسه قد اورد قصتين مختلفتين أبطالها أشخاص سموا بإسماء مختلفة لتفسير يوم المهرجان ، على كل فان المهم بالموضوع هو أن يوم النوروز كان يمثل بدء فصل الربيع ويوم المهرجان وهو يوم آخر في منتصف شهر ( مهرماه ) يقابل بدء موسم الشتاء في بلاد فارس أي أن اليومين كانا يمثلان ظاهرة طبيعية تشمل بلاد فارس والبلاد المجاورة وقد قام الكهنة والحكام بربطها بقصص إسطورية عن حوادث ظلم أو إنقاذ من موت بسبب الفيضانات لتقريبها إلى أذهان الشعب وتحبيب ذكرها إليهم ثم مرت العصور وجاء الفتح الإسلامي فقام منهم على ثقافة فارسية بالإحتفاظ بذكرى هذه الأيام والإحتفال بها ثم توارثتها الأجيال وبقيت إلى يومنا هذا .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 23 ـ

شط العرب حتى نهاية الخلافة العباسية
  بقي شط العرب يسمى دجلة العوراء طيلة القرون الأربعة للهجرة فأول إشارة إلى إسم شط العرب كانت في كتاب ( سفرنامه ) للرحالة ناصر خسرو العلوي الذي وصل البصرة يوم 20 شعبان 433 المصادف 28 كانون الأول ( 1051 م ) فيقول : للبصرة سور عظيم يحيط بها ماعدا الجزء المطل على النهر وهذا النهر هو شط العرب ويلتقي دجلة والفرات عند حدود مدينة البصرة ويلتقي بهما أيضاً قناة الحويزة فيسمى النهر حينئذ شط العرب ويتفرع من شط العرب هذا قناتان كبيرتان بين منبعهما مسافة فرسخ (1) ، وقد شقا صوب القبلة مسافة أربعة فراسخ ثم يلتقيان ويكونان قناة واحدة تسير مسافة فرسخ واحد ناحية الجنوب ومن هاتين القناتين شقت ترع كثيرة مدت في كل الأطراف وغرست أشجار النخيل والحدائق على شواطئها والقناة العليا وهي الشمالية الشرقية تسمى نهر معقل والثانية هي الغربية الجنوبية تسمى نهر الأبلة ومنها تتكون جزيرة كبيرة مستطيلة والبصرة على أقصر ضلع من هذا المستطيل ) .

**************************************************************
(1) ـ الفرسخ ـ يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان ( الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة الاف ذراع فالفرسخ إثنا عشر ألف ذراع ـ والذراع أربعة وعشرون إصبعاً ـ والإصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض ) ، وأما الميل العربي فيقول البروفسور فللينو أنه يساوي 1973 . 2 متراً غير أننا لو أخذنا طول الدرجة عند فلكي المأمون يساوي ( 111815 ) متراً وبإعتبار الدرجة ( 67 و 56 ) ميلاً كما وجدوا متوسطها لكان طول الميل العربي 1973 و 43 متراً أي أن الميل العربي كان يساوي 1973 متراً تقريباً وبهذا يكون الفرسخ 5919 . 6 متراً أي اقل ستة كيلو مترات تقريباً والميل العربي يكوت تقريباً 2 كيلو متر والذراع يساوي خمسين سنتمتراً أي نصف متر تقريباً .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 24 ـ

  فهنا في الكثير من كتب الجغرافيين والمؤرخين العرب نجد الاشارة ألى الأنهار المختلفة التي كانت تأخذ من دجلة العوراء ومن أشمل ما كتب حول الموضوع مؤخراً هو ( خطط البصرة ـ دراسة أولية مستمدة من المصادر الأدبية مجلة سومر ـ الجزئين الأول والثاني ـ المجلدين الثاني والتاسع ـ 1952 ـ للدكتور صالح أحمد العلي ) فقد قدم المؤلف فيه عن انهر البصرة وترعها وخططها الكثير الوافي ومن هذا المصدر أرود النص التالي : ( والانهر الآخذة من دجلة العوراء هي نهر أبي أسد وعلى بعد فرسخين منه نهر المرأة ثم بعد هذا بثلاث فراسخ نهر الدير وبعده بست فراسخ بثق شيرين وبعده بفرسخين نهر معقل وبعده بإربعة فراسخ نهر الابلة ( ناصر خسرو بين الأبلة ومعقل فرسخ هو الأصوب ) وبعده بإربعة فراسخ نهر اليهودي (1) وبعده بفرسخ نهر أبي الخصيب وبعده بفرسخ نهر الأمير بفرسخين نهر القندل ) .
  يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان ما يلي عن هذه الانهر وأخرى تتعلق بهذه الانهر النص التالي : **************************************************************
(1) نهر اليهودي
لم اجد في المصادر الأدبية المعروفة أية إشارة إلى كيفية تسمية هذا النهر غير أن التراث الشعبي يشير إلى أن هذا النهر منسوب إلى طبيب يهودي أقطعه هارون الرشيد هذه المقاطعة فسميت نسبة إلى دينه ، ويذكرون في ذلك قصة حظية الرشيد المريظة التي عالجها هذا الطبيب من مرض يظهر أنه كان نفسياً تسبب ببقاء يديها مرتفعة إلى الأعلى عندما تظاهر الطبيب برفع رداء الجارية أمام جمع من الناس عند الخليفة أنزلت الجارية يدها إلى الأسفل لتمنعه من رفع الرداء فشفيت ، غير أننا في بحثنا هذا الموضوع نجد أن هذه الجارية قد جاءت بالتفصيل في كتاب ( عيون الأنباء في طبقات الاطباء ـ لإبن أبي أصيبعة ـ الصفحة ( 188 ) ـ منشورات دار مكتبة دار الحياة ) في ذكر الطبيب جبرائيل بن يختيشوع بن جورجيس ، فلما كان هذا الطبيب مسيحياً وليس يهودياً ، لذا فأن ما يتناقله الناس في هذا الصدد غير صحيح ، غير أنني لا أستبعد وجود أساس ما لهذا النوع والذي أحتمله هو أن النهر كان يعود فعلاً لطبيب يهودي عمل في البصرة خلال القرن الثاني للهجرة فسمي نسبة إليه ، ومن أشهر هؤلاء الأطباء كان ( ماسر جويه ) متطبب البصرة الذي كتب عنه إبن أبي إصيبعه في كتابه المشار إليه أعلاه الصفحة 232 فقال : ( وهو الذي نقل كتاب اهرن من السرياني إلى العربي وكان يهودي المذهب سريانياً ( كذا ) وهو الذي يعنيه أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتابه الحاوي بقوله قال اليهودي ) .
وفي كتاب طبقات الأطباء والحكماء ، لإبن جلجل ـ تحقيق فؤاد سيد ـ مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية 1955 ـ الصفحة 61 ـ أنه كان زمان بني أمية ، ويضيف إبن أبي أصيبعه لذلك رواية عن حادثة لهذا الطبيب مع أبي نؤاس بشأن جارية إسمها جنان اي أن هذا الطبيب قد عاش لإرذل العمر ، ولما كان الرازي يسميه ( اليهودي ) وكان طبيباً مشهوراً جداً في البصرة فلا إستغرب أن إسم نهر اليهودي كان منسوباً إلى ( ماسر جويه ) هذا خاصة إن وصفه من قبل الرازي بقوله ( اليهودي ) قد يكون إشارة لإسم الشهرة الغالبة عليه .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 25 ـ

  ( نهر ابي الاسد ـ كنية رجل والاسد بفتح السين احد شعوب دجلة بين المذار ومطارة ( ياقوت معجم البلدان مجلد 4 ـ صفحة 5661 ـ مطارة ( بتسكين الميم ) من قرى البصرة على ضفة دجلة والفرات في ملتقاهما بين المذار والبصرة ) ـ ( أي قد تكون القرنة الحالية ) في طريق البصرة يصب هناك في دجلة العظمى ومأخذه ايضاً من دجلة قرب نهر دقلة وابو الاسد احد قواد المنصور كان وجه الى البصرة ايام مقام عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس عم المنصور بها فحفر بها النهر المعروف بأبي الاسد وقيل بل أقام على فم النهر لان السفن لم تدخله لضيقه فوسعه حتى دخلته فنسب اليه وكان محفوراً قبله .
  يقول لسترنج في كتاب بلدان الخلافة الشرقية ـ صفحة ( 62 ) حول نهر ابي الاسد والبطائح التالي : ( والبطائح جمع البطيحة وقد وصفناه في صفحة 43 والرقعة التي تبطحت فيها هذه البطائح تنتشر فيها المدن والقرى وكل واحدة منها تتوسد نهرها ومع ان هوائها وخم فإن تربتها كانت حين تجف غاية في الخصب فأبن رستة وقد كتب في نهاية المئة الثالثة ( التاسعة ) وصف البطائح بقوله ينبت فيها القصب ويخرج من هذه البطائح انهار منها سمكهم من الطري والمالح كان يحمل الى النواحي المجاورة اما مياه دجلة فالظاهر انها من قطر فشرقاً ـ ولعلها كانت تتبع مجرى الفرات الحالي بوجه التقريب ـ تشق طريقها بين أهوار متصلة الى نهر ابي الاسد وتنصب مياه البطائح من هذا النهر الى فيض البصرة والبطائح ان خلت من القصب سماها العرب الهور او الهول ويصل بينها ازقة تسير فيها الزواريق اما السفن النهرية الكبيرة فانها تجنح اسفل القطر على ما جاء في ابن رسته : ( ويحمل بعض ما فيها من الزواريق فتمر في شبه أزقة قصب تصل ما بين الاهوار ـ وبين هذه الازقة مواضع ـ متخذة من قصب ـ اشباه الدكاكين ـ عليها أكواخ من قصب يكتنون بها من البق ) وفيها مسالح يعمل رجالها على تطهير المجرى وحماية الملاحين لأن في البطائح مكامن طبيعية تختبىء فيها اللصوص .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 26 ـ

  وقد سرد ابن سرابيون اسماء اربعة من هذه الاهوار التي تحمل الماء الى البصرة الاول هور بحصى والثاني هور بكمص والثالث هور بصرياثا والهور الرابع المحمدية وهو أعظم الاهوار وفيه كانت المنارة المسماة منارة حسان وإنما عرفت بذلك نسبة الى حسان النبطي الذي كان في خدمة الحجاج عامل بني أمية فاعاد بعض تلك الارضين الى عماره ويلي الهور الاخير زقاق قصب وهو ماد الى نهر ابي الاسد ويمر النهر بالحالة وقرية الكوانين وهو يحمل ماء البطيحة الى رأس فيض دجلة وابو الاسد هذا ونهره يتفق هو ومجرى الفرات الحالي فوق القرنة ، كان من موالي الخليفة المنصور وحين كان قائداً للجيش في البصرة حفر بها النهر على ذكر ياقوت وقيل ان السفن لم تدخله لضيقه فوسعه حتى دخلته فنسب اليه وكان على ما ذكر ياقوت محفوراً قبله منذ أيام الساسانيين ) .
  ثم نعود الى ياقوت فيقول في معجم البلدان مايلي :

نهر المرأة
  ( بالبصرة حفره اردشير الاصغر قال الساجي صالح بن الوليد عند نزوله البصرة أهل نهر المرأة واسم المرأة طماهيج هي التي صالحته على عشرة الاف درهم وفي كتاب البلاذري ان خالد بن الوليد اتى نهر المرأة ففتح القصر صلحاً صالحه عنه النوشجان بن جسنسماه والمرأة صاحبة القصر كامور زاد بنت نرسى وهي بنت عم النوشجان وإنما سميت المرأة لان ابا موسى الاشعري قد نزل بها فزودته خبيصاً فجعل يكثر ان يقول اطعمونا من خبيص المرأة فغلب على اسمها ) .

نهر الدير
  ( نهر كبير بين البصرة ومطاراً ( مطاره ) بينه وبين البصرة نحو عشرين فرسخاً سمي بذلك للدير كان على فوهته يقال له دير الدهدار ( كلمة الدهدار فارسية مكونة من كلمة ده أي قرية ودار أي صاحب فكلمة دهدار معناه صاحب القرية ) وهنالك بليد حسن وبه يعمل اكثر الغضار الذي بنواحي البصرة ينسب اليه . . . الخ ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 27 ـ

  والذي ارجحه ان دير الدهار كان ديراً للنصارى يتعبدون فيه فقد كان هناك عدد كبير من الاديرة للنصارى منتشرة في انحاء العراق سواء قبل الفتح الاسلامي او بعده وفي الكتب الادبية العديد من الامثال بهذا الشأن .
  أما ما ورد بكلام ياقوت الحموي عن هذا الدير بأنه ( وهناك بليد حسن وبه يعمل اكثر الغضار الذي بنواحي البصرة ) فيقصد ياقوت بذلك انه كانت هناك بلدة صغيرة يعمل فيها اكثر الخزف الذي بنواحي البصرة ، اذا لو رجعنا الى كلمة ( الغضار ) بفتح الغين والضاد فنجد ان معناه ( الطين الازب الحر ( الطين اللازب والطين الذي يلزق باليد لاشتداده ) الصفحة المتخذة منه ( الصفحة قصعة كبيرة منبسطة تشبع خمسة ) خزف أخضر ـ يحمل لدفع العين أي أن الفخار والخزف المستعمل في البصرة كان يصبع في تلك المنطقة بكثرة ودليل هذا ان نفس هذه المنطقة حالياً تستعمل في صناعة الطابوق المحلي وبنوعية أفضل من الأنواع الأخرى التي تصنع في محلات غيرها قرب البصرة وذلك بسبب توفر الطين اللازب الحر فيها .
  ويضيف لهذا الدكتور صالح أحمد العلي فيقول : ( وكان ماء البطيحة يصف في نهر الدير فلما قدم سليمان بن علي ( 133 ـ 137 هـ ) إتخذ له ضيعة في المغيثة وأنفق عليها مليون درهم وأنشأ لها مسناة على البطيحة فحجر الماء عن نهر الدير وصرفه إلى نهر إبن عمر ... ) ( ثم يستمر ياقوت فيقول في معجم البلدان :

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 28 ـ

نهر عدي بن إرطأة
  ( بالبصرة كان نهر عدي خوراً من نهر البصرة حتى فتقه عدي بن أرطأة الكزاري عامل عمر بن عبد العزيز من بثق نهر شيرين جارية أبرويز ولما فرغ عدي من نهره كتب إلى عمر عبد العزيز إني إحتفرت لإهل البصرة نهراً عذب به مشربهم وجادت عليه أموالهم فلم أر لهم على ذلك شكراً فإن أذنت لي قسمت عليهم ما أنفقته عليه فكتب إليه عمر إني لا أحسب أهل البصرة عند حفرك هذا النهر خلواً من رجل يشرب منه ويقول الحمد لله وإن الله عز وجل قد رضي بنا شكراً فإرض بنا شكراً حفرك نهرك ) .
  ويقرب نهر عدي كما بينا نهر إبن عمر فيقول ياقوت في معجم البلدان عنه ) :

نهر إبن عمر
  ( نهر بالبصرة منسوب إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وهو أول من إحتفره وذلك أنه لما قدم البصرة عاملاً على العراق من قبل يزيد بن الوليد بن عبد الملك شكي إليه أهل البصرة ملوحة ماءهم فكتب بذلك إلى يزيد بن الوليد فكتب إليه أن بلغت النفقة على هذا النهر خراج العراق ما كان في أيدينا فأنفقه عليه فحفر النهر المعروف بإبن عمر ) .
  وتسمى منطقة نهر إبن عمر حالياً بإسم ( نهران عمر ) وأعتقد أن تسمية نهران عمر هو تحريف لكلمة نهر إبن عمر إذ إختلطت كلمة ( إبن ) بعد تحويرها إلى ( أن ) مع ( نهر ) فأصبحت ( نهران ) .
  ونستمر بما قاله ياقوت الحموي عن أنهر البصرة الفيحاء (1) في معجم البلدان :

**************************************************************
(1) البصرة الفيحاء : يقال باللغة الأفيح ومؤنثها فيحاء وجمعها فيح ( بكسر الفاء وسكون الياء ) أي الواسع والفيحاء الواسعة من الدور وقد لقيت البصرة ودمشق وطرابلس وحلب بهذه الصفة .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 29 ـ

  فمه عند نهر الأجانة المقدم ذكره ، ذكره الواقدي أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يحفر نهراً بالبصرة وأن يجريه على يد معقل بن يسار المزني فنسب إليه وتوفي معقل بالبصرة في ولاية عبيد الله بن زياد البصرة لمعاوية ، وقال المدايني والقحذمي كلم المنذر بن الجارود العبدي معاوية بن ابي سفيان في حفر نهر ثاني لنهر الأبلة فكتب إلى زياد فحفر نهر معقل فقال قوم أجرى فمه على يد معقل فنسب إليه وقال قوم بل أجراه زياد على يد عبد الرحمن بن أبي بكره أو غيره فلما فرغ منه وأراد فتحه بعث زياد معقل بن يسار ليحضر فتحه تبركاً به لإنه رجل من الصحابة فقال الناس نهر معقل فذكر الفحذمي أن زياداً أعطى رجلاً ألف درهم وقال أبلغ دجلة وسل عن صاحب هذا النهر هذا منه فإن قال رجل إنه نهر زياد فأعطه الالف فبلغ الرجل دجلة ثم رجع فقال ما لقيت أحداً يقول الا نهر معقل فقال زياد وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .
  ان منطقة المعقل الحالية (1) قد نسبت لنهر معقل الذي أشرنا إليه في مقالنا وبقيت معرفة بهذا الإسم إلا لمدة قصيرة خلال القرن التاسع عشر فكانت تعرف فيه بإسم كوت الإفرنكي أما التحريف الذي نسمعه حيث تسمى المعقل ماركيل أو ماركين فهذا محدث بعد الحرب العالمية الأولى في البصرة وأشير بهذا الصدد إلى ما أورده المرحوم الشيخ عبد القادر باش أعيان العباسي في كتابه ( البصرة في

**************************************************************
(1) لمنطقة المعقل الحالية عدداً من الضواحي نشأت مؤخراً تبدلت أسماؤها عدد من المرات أوردها فيما يلي : 1 ـ محلة (5) ميل ( الهادي ) :
لقد عرفت هذه المحلة ب ( 5 ) ميل في المعقل نظراً لوقوعها على بعد خمسة أميال من محطة قطار البصرة القديم وقد نشأت هذه المحلة خلال الخمسينات أثر التوسع الصناعي الذي رافق التطور في محافظة البصرة وقد سميت بمحلة الهادي بعد ضمها بلدية البصرة في نهاية الخمسينات .
2 ـ الكزيزة :
تقع هذه المحلة غرب محلة الهادي المعقل وقد نمت وتطورت خلال الستينات والإسم هو تصغير ( كزاز ) أي ( الزجاجة المكسورة ) باللهجة الدارجة وقد سماها أهلها بذلك نظراً لأن المنطقة كانت تستعمل لرمي الأزبال وكان يغطي المنطقة كمية لا بأس بها من الزجاج المكسور فسميت الكزيزة .
ويفصل هذه المنطقة عن محلة الهادي شارع بغداد ـ بصرة الدولي ـ وهي من المناطق التي تحتاج إلى عناية كثيرة .
»»» يتبع

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 30 ـ

  ( أدوارهم التاريخية ) الصفحة ( 92 ) إذ يقول ( إن من عادة الغربيين لفظ حرف العين ـ همزة ويحرف القاف ـ كافاً ـ فهم يقولون ( ماكل ) بدل معقل ويظن بعض العوام في بلدنا أن هذه الكلمة أعجمية ولم يقفوا عند هذا الحد من تحريف معقل بـ ( ماكل ) بل لأن العوام حرفوه تحريفاً آخر سموه ( ماركيل ) بجيم مصرية وقد شاع هذا التحريف الأخير المخجل وذاع حتى على ألسنة الأدباء وخطته أقلام الكتب كما إستعملت دائرة الميناء عندما كانت الإدارة بيد السلطات البريطانية في مكاتباتها الرسمية ولكن بعد نشر المغفور له العم الشيخ محمد أمين عالي باشا أعيان بحثاً نشرته مجلة النشيء الجديد البصرية عن تسمية النهر المذكور تم تصحيح أغلب القيود والسجلات والمخابرات الرسمية وغيرها وشاع لفظ إسمه الصحيح ( معقل ) إلا أنه وبالأسف لا زال بعضهم يسمونه ( ماركين ) بدل ( ماركيل ) .
  وتتمة لما ورد عن نهر معقل جاء أيضاً في كتاب ( البصرة في أدوارها التاريخية ) للمرحوم الشيخ عبد القادر باش أعيان العباسي ( صفحة 90 ) :

**************************************************************
( تتمة )
(3) شط الترك :
سميت هذه القناة التي مدخلها عند مدخل نهر كرمة علي قرب نهاية مدرج مطار البصرة في المعقل بإسم شط الترك نظراً لقيام أسرى الجيش العثماني ( التركي ) بحفرها حوالي عام 1915 وذلك لغرضين رئيسين كان أولهما الحصول على التراب اللأزم لإنشاء سدة ترابية يمد عليها خط لسكة الحديد لربط منطقة الشعيبة بالبصرة والغرض الثاني كان تشغيل الأسرى في عمل يدوي لقضاء الوقت بعمل مفيد وقد بقي إسم هذه القناة شط الترك حتى عام 1960 عندما إبدل إسمها وسميت قناة ( الثورة ) وهي اليوم تفصل قرية الأبلة الجديدة ( سميت المنطقة الغربية لأراضي مصلحة الموانيء العراقية في المعقل بإسم الأبلة عام 1956 حينما قامت المصلحة المذكورة بإنشاء أول مائة وعشرين داراً للعمال في المنطقة وكان ذلك لأحياء إسم مدينة الأبلة القديمة التي كانت واقعة على دجلة العوراء ) حي الشهداء ( المسمى سابقاً بالحي المركزي ) وعلى ضفتي القناة الحدائق الغناء .
4 ـ أم الصبور :
قيل لي إن هذا المحل سمي أم الصبور لوجود من يقوم ببيع سمك الصبور ... ( الأصح هو السبور ) وقد سميت المنطقة بعد ذلك بالحي المركزي في أواخر الخمسينات نظراً لوقوعها في مركز مدينة المعقل التابعة لمصلحة الموانيء العراقية ثم سمت بحي الشهداء في آواخر عام 1968 .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 30 ـ

  ( وقال فتح الله بن علوان الكعبي ( من رجال القرن الحادي عشر الهجري ) في كتابه ( زاد المسافر ) في ذكر حوادث البصرة سنة 1078 هـ ما ملخصه :
  أصحاب الناحية الشمالية والمراد بهم مايلي : البصرة من الجهة الشمالية ويحدها شمالاً القرية المعروفة بالشرش وتشمل على قرى كثيرة منها الرباط ومعقل والهارثة والدير ونهر الشرش ثم قال نهر معقل أحد أنهار البصرة ينسب إلى معقل بن يسار عبد الله المازني سكن البصرة وأبتنى به داراً وأختط هذا النهر تنسب اليه توفي في البصرة بعد خلافة معاوية وقيل أنه توفي في ايام يزيد بن معاوية ويروي عنه عمر داود بن ابي القاسم التنوخي في مدح معقل أبيات الشعر هذه :
أحـبب إلـي نهر معقل الذي فيه لقلبي من همومي معقل      ii
عـذب  إذا ما عب فيه ناهل فكأنه في روض حب iiمنهل      ii
مـستلسل  فـكأنه لـصفائه دمـع بخدى كاعب iiيتسلسل      ii
وإذا  الـرياح جسرين فوق متونه فكأنه درع جلاه صيقل      ii
وكـأن  دجـلة إذ تغطط موجها ملك يعظم ضيفه iiويبجل      ii
وكـأنه  يـاقوته أو أعين زرق يلام بها الحبيب ويوصل      ii
عذبت  فما تدري أماء ماءها عند المذاقة أم رحيق iiسلسل      ii
ولـها بـمد بـعد جزر ذاهب جيشان يدبر ذا وهذا iiيقبل      ii
وإذا نظرت إلى الأبلة خلتها من جنة الفردوس حين يخيل      ii
  إنتهى ما قاله الكعبي وقد جعل موقع نهر المعقل بين الرباط والهارثة وهو الموقع الموجود به النهر المذكور إلى يومنا هذا وبما أن الكعبي من أبناء هذا البلد فنحن نقول على قوله أكثر من غيره ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 31 ـ

  كذلك يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان مايلي :

صيمرة
  بالفتح ثم السكون وفتح الميم ثم راء كلمة عجمية وهي في موضعين أحدهما بالبصرة على فم نهر المعقل وفيها عدة قرى تسمى بهذ الإسم جاءهم في حدود سنة 450 رجل يقال له أبن الشباس فإدعى عندهم إنه أله فإستخف عقولهم بترهات فإنقادوا له عبدوه وقد ذكرت من خبره جملة في كتاب المبدأ والمال عند ذكر فرق الإسلام وقد نسب إلى هذا الموضع قوم من أهل الفضل والدين والعلم والصلاح منهم أبو عبد الله الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري أحد الفقهاء المذكورين من أصحاب أبي حنيفة حدث عن أبي بكر المفيد وغيره روي عنه أبو بكر علي بن احمد بن ثابت الخطيب وقال كان صدوقاً وافر العقل جميل المعاشرة عارفاً بحقوق أهل العلم توفي في شوال سنة 463 ببغداد وأبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري الفقيه الشافعي سكن البصرة وحضر مجلس القاضي أبي حامد المروزي وتفقه على صاحبه أبي الفياض وإرتحل الناس إليه من البلاد وكان حافظاً لمذهب الشافعي حسن التصنيف فيه ومنها أيضاً أبو العنبس الصيمري وإسمه محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن ابي العنبس المغيرة بن ماهان وكان شاعراً أدبياً مطبوعاً ذا ترهات وله تصانيف هزلية نحو الثلاثين منا تأخير المعرفة وغير ذلك من شعره :
كم مريض قد عاش من بعد يأس بعد موت الطبيب والعواد
قـد  يـصاد الـقطا فـينجو سليماً ويحل القضاء بالصياد

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 32 ـ

  ومات سنة ( 275 ) وكان نادم المتوكل وحظي عنده . . )
  ويظهر من ذلك أن إسم منطقة المعقل الحالية كان ( الصيمرة ) خلال القرنين الأول والثاني .
  ويستمر ياقوت الحموي في معجم البلدان فيقول :

نهر دبيس
  وهو بالبصرة ودبيس مولى لزياد بن ابيه قال القحذمي كان زياداً لما بلغ بنهر معقل قبته التي كان يعرض فيها الجندرده إلى مستقبل الجنوب حتى إخرجه إلى أصحاب الصدقة بالحبل فسمي ذلك العطف نهر دبيس برجل قصار كان يقصر عليه الثياب ) .

نهر بلال
  بالبصرة منسوب إلى بلال بن أبي بردة بن ابي موسى الأشعري قاضي البصرة وهو يتخرق المدينة قال البلاذري قال القحذمي كان بلال بن أبي بردة فتق نهر معقل في فيض البصرة وكان قبل ذلك مكسوراً يفيض إلى القبة التي كان زيادة يعرض فيها الجند وإحتفر بلال وجعل على جنبيه حوانيت ونقل إليها السوق وجعل ذلك ليزيد بن خالد بن عبد الله القسري ) .
  ولإتمام الفائدة أورد ماقاله الدكتور صالح العلي في مقاله خطط البصرة ( الذي أشرنا إليه سابقاً ) صفحة 79 حول نهر معقل : ( ولما كان هذا النهر طريق المواصلات الرئيسي فقد أنشأ عليه جباة العشور مقرهم ومدوا عليه السلسلة لكي يمكن حصر السفن المارة إلى البصرة وتفتيشها وتعشيرها كما أنه فيما يظهر يمتد عليه الكلاء وهو الرصيف الذي كانت ترسو عليه السفن وشيدت عليه مخازن الحبوب وبقربه قام دار الزبير الذي يبدو من وصفه أنه كان عمارة واسعة أو ( خان ) إذ كانت قيمته في زمن معاوية مائة ألف درهم وظل عامراً حتى القرن الرابع الهجري حيث كان ينزله التجار البحريون ، وقد إستخدم نهر معقل للأرواء أيضاً وتفرعت منه عدة قنوات لسقي الأرض الزراعية حوله منها مغيرتان والمرغاب الذي سمي بإسم مرغاب خراسان وقد حفره بشير بن عبد الله بن أبي بكرة وكانت عند مقاطعة المرغاب الواسعة التي

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 33 ـ

  تبلغ ثمانية آلاف جريب وقد أقطعها يزيد الثاني ( 101 ـ 105 ) لهلال بن أحوز التميمي ولا نعلم تفاصيل عن تاريخ تطور ملكيتها سوى إنها بيعت زمن الرشيد بعشرين مليون درهم فما يقال وكان نهر الغوثي متصلاً بالمرغاب يمده بالماء ومنه إشتق إسم الغوثي كما كان بقربه نهر أبي سبرة وبقربه قطيعة لصعصعة بن معاوية عم الأحنف بن قيس رئيس بني تميم في أوائل العصر الأموي وفي شماله خراباذ وهي قطيعة تبلغ ( 500 ) جريب تقع بينه وبين مسناة مصعب كما أنه عليه قطيعة ذات الحفافين ، وربما كانت قطيعة معقلان تقع عليه أيضاً وما بين الحبل ونهر مرة كانت للثوري قطيعة تبلغ ( 500 ) جريب ، أما المنطقة الجنوبية فكانت أرضاً خصبة تدعى الجزيرة لأن الترع كانت تحيطها من كافة الأطراف فدجلة العوراء من الشرق والابلة من الجنوب ونهر دبيس من الغرب ونهر معقل من الشمال ، وكان على نهر معقل يقع أحد جسري البصرة الذي يدعى الجسر الأصغر وكان يقع على طرف الكلاء الشرقي ، اما الجسر الثاني فهو الجسر الاكبر وكان ممتداً على دجلة وقد إتخذ عنده المهلب ومصعب بن الزبير معسكرات لهم في بعض المناسبات كما أقام عنده أبو جعفر وهو بلا ريب في شرقي الجسر الاصغر ) .
  ونستمر بما قاله ياقوت الحموي في معجم البلدان عن البصرة وما جاورها وأنهرها فيقول :

الأبلة (1)
  بضم أوله وثانيه وتشديد اللام وفتحها قال أبو علي الأبلة إسم البلد الهمزة فيه فاء وفعله قد جاء إسماً وصفه نحو حضمه وغلبه قالوا قمد فلو قال قايل أنه أفعله والهمزة فيه زائدة مثل ابلمة وأسلمه لكان قولاً وذهب أبو بكر في ذلك إلى الوجه الأول كأنه لما رأى فعله أكثر من أفعله كان عنده أولى من الحكم بزيادة الهمزة لقلة أفعله ولمن ذهب إلى الوجه الآخر أن يحتج بكثرة زيادة الهمزة أولاً

**************************************************************
(1) الأبلة كما بينا سابقاً من زمن الأكديين .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 34 ـ

  وقالوا للفدرة من التمر الأبلة قال الشاعر وهو أبو المثلم الهذلي :
فيأكل  مارض من iiزادنا      ويأبى الأبلة لم ترضض
  فهذا فعله من قولهم طير أبابيل فسره أبو عبيدة جماعات في تفرقة فكما أن أبابيل فعاعيل وليس بأفاعيل كذلك الأبلة فعله وليست بإفعله وحكي عن الأصمعي في قولهم الابلة التي يراد بها إسم البلد كانت به إمرأة خمارة تعرف بهوب في زمن النبط فطلبها قوم من النبط فقيل لهم هوب لاكا بتشديد اللام أي ليست هوب ها هنا فجاءت الفرس فغلظت فقالت هوبلت فعربتها العرب فقالت الأبلة وقال ابو القاسم الزجاجي الابلة الفدرة من التمر وليست الجملة كما قال أبو بكر الانباري أن الأبلة عندهم الجلة من التمر وأنشد إبن الأنباري ( ويأبى الأبلة لم ترضض ) وقريء بخط بديع الزمان بن عبد الله الأديب الهمذاني في كتاب قرأه علي إبن الحسين أحمد بن فارس اللغوي وخطه له عليه سمعت محمد بن الحسين بن العميد يقول سمعت محمد بن مضا يقول سمعت الحسن بن علي أبن قتيبة الرازي سمعت ابا بكر القاريء يقول الابلة بفتح اوله وثانيه والأبلة بضم أوله وهو المجيع وأنشد البيت المذكور قبل والمجيع التمر بالبن والأبلة بلدة على شاطيء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب وكانت الابلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقايد وقد ذكرنا فتحها في سبذان ( يقول ياقوت في معجم البلدان عن سبذان ـ قال حمزة بن الحسن وعلى أربعة فراسخ من البصرة مدينة الأبلة على عبر دجلة العوراء وكان سكانها قوم من الفرس يعملون في البحر فلما قرب منهم العرب نقلوا ما خف من متاعهم مع عيالاتهم على أرعمائة سفينة وأطلقوها فلما بلغت خور مدينة سبذان مالت بهم الريح على البحر إلى نحو الخور فنزلوا سبذان وبنوا فيها بيوت النيران وأعقابهم بها بعد قلت ولا ادري أين موضع سبذان هذه وأنا أبحث عن هذه إن شاء الله تعالى ) وكان خالد بن صفوان يقول ما رأيت أرضاً مثل الابلة مسافة ولا أغذي نطفة ولا أوطأ مطية ولا أربح لتاجر ولا أحفى لعابد وقال الأصمعي جنان الدنيا

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 35 ـ

  ثلاث غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلة وحشوش الدنيا خمسة الأبلة وسيراف وعمان وأردبيل وهيت وأما نهر الأبلة الضارب إلى البصرة فحفره زياد وحكي أن بكر بن النطاح الحنفي مدح أبا دلف العجلي بقصيدة فأثابه عليها عشرة ألاف درهم فإشترى بها ضيعة بالأبلة ثم جاء بعد مديدة وأنشده أبيات :
بك إبتعت في نهر الأبلة ضيعة عليها قصير بالرخام مشيد      ii
إلـى جنبها أخت لها يعرضونها وعندك مال للهبات iiعتيد      ii
  فقال أبو دلف وكم ثمن هذه الضيعة الاخرى فقال عشرة آلاف درهم فأمر أن يدفع ذلك إليه فلما قبضها قال إسمع مني يا بكر إن إلى جنب كل ضيعة ضيعة أخرى إلى الصين وإلى مالا نهاية فإياك أن تجيئني غداً وتقول إلى جنب هذا شيء لا ينقضي ) .

نهر الأجانة
  يلفظ الاجانة التي تغسل بها الثياب بكسر الهمزة وتشديد الجيم وبعد الألف نون ـ قال عوانه قدم الأحنف بن قيس على عمر بن الخطاب في اهل البصرة فجعل يسألهم رجلاً رجلاً والأحنف لا يتكلم فقال له عمر ألك حاجة فقال بلى يا أمير المؤمنين إن مفاتيح الخير بيد الله وإن إخواننا من اهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية من المياه العذبة والجنان الملتفة وإنا نزلنا ارضاً ًنشاشه لايجف مرعاها ناحيتها من قبل المشرق البحر الأجاج ومن جهة الغرب الفلاة والعجاج فليس لنا زرع ولا ضرب تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مرى النعامة يخرج الرجل الضعيف منا فيستعذب الماء من فرسخين والمرأة كذلك فتربق ولدها تربق العنز تخاف بادرة العدو وأكل السبع فألا ترفع خسيستنا وتجبر فاقتنا تكن كقوم هلكوا فالحق عمر ذراري أهل البصرة في العطاء وكتب إلى ابي موسى يأمره أن يحفر لهم نهراً فذكر جماعة من أهل العلم أن دجلة العوراء وهي دجلة البصرة كانت خوراً والخور طريق الماء لم يحفره أحد تجري أليه الامطار ويتراجع ماءها فيه عند المد ويصب في الجزر وكان يحده ممايلي البصرة خور واسع